الأسرة ومتطلبات الأطفال 505


الفصل الخامس



الحاجة الى العدالة


المقدمة


قلنا ان الاطفال ووفقاً للنظرة الاسلامية يولدون وهم دائنون والابوين مدينون لهم. ومساحة طلباته واسعة وتحظى بثبات خاص، إذ نصطلح عليها تربوياً أو حقوقياً بمصطلح الحق. على ان للطفل حقاً أو حقوقاً بذمة الابوين وهم ملزمون برعاية واداء ذلك.
ومن حقوق الاطفال على آبائهم مراعاة العدالة بحقهم وفيما يتعلق بحياتهم وان يعيش الطفل في محيط تفوح منه رائحة العدالة، وتأسيساً على ذلك فالابوين ملزمون بجعل المحيط الذي يعيش فيه الاطفال محيطاً عادلاً فضلاً عن مراعاتهم لاصول وموازين العدالة بحق الاطفال. واسلوب التمييز الذي يتبعه الابوين يعد نوعاً من الهروب عن الواجب وظلماً يرتكب بحق الاطفال لن يستطيع معه الابوين ان يعطيا جواباً لعملهم هذا بين يدي الله تبارك وتعالى مقطعاً.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 506

حاجة الطفل الى العدالة:


هناك تعطش كبير وشعور بالحاجة لاستثنائية للعدالة لدى الطفل والانسان بشكل عام حتى أنه لا يدخر جهداً في سبيل تحقيق ذلك. وهذا الامر يظهر بشكل أجلى واقوى لدى الاطفال عمن سواهم والسبب في ذلك يعود الى ان المسافة التي تفصله عن الفطرة وأرضيتها والتي تمثل العدالة جزء منها قليلة.
ويريد الاطفال ان تراعي الاصول الانسانية والاخلاقية ومنها العدالة بحقهم بدون ان يكون لديهم المام بفلسفة أو نظرية العدالة، وان لا يمارس الظلم بحقهم، ولا يحصل أي تجاوز على حقوقهم. وبنظر الطفل الى مسألة التمييز بين اعضاء الاسرة على أنه اعتداء صارخ على حقوقه وهذا الامر يؤجج لديه مشاعر الحسد والانتقام.
الطفل يطالب بالعدالة ولهذا الامر تأثير بالغ في هدوئه النفسي. فهو يريد اصدار احكام عادلة بحقه واتخاذ قرارات عادلة بشأنه وان لا يصار الى معاقبته على أمر لم يرتكبه اطلاقاً، ولا يؤاخذ اطلاقاً على أمر لم يقصر فيه. ولو حدث وان وقع شجار بينه وبين شقيقته ينبغي ان يتعرض المقصر للعقاب فقط وان لا يقف الاب أو الام جانب الابن الآخر ابداً حتى وان كان اصغر عمراً.
أهمية العدل في الحياة:


يعتبر العدل من اكثر الوسائل أهمية والتي يتوقف عليها قوام حياة الفرد والمجتمع. ويرتبط استمرار حياة المجتمع بالعدل ولا يتيسر استمرار النظام وثباته بدونه. والقول الشائع يقول الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى

الأسرة ومتطلبات الأطفال 507

مع الظلم.
وبواسطة العدل تترسخ الانظمة، وتبقى المسالك آمنة، وتأمن الانفس من خطر الفناء والدمار، والقوى الرئيسية غير قادرة على العمل بما يخالف مسار الحق، ولا ييأس المظلومون والمقهورون، واخيراً فالمجتمع يسير في طريق نموه وكماله.
وفي ظل العدالة يتحقق الهدوء والسلام والصفاء في الامة والمجتمع والتعلق بهما. وتحقيق الآمال وحصول كل فرد على حقه انما تيسر في ظل العدالة وهذه في الحقيقة تمثل نعمة كبيرة لو ان الله تعالى من بها على المجتمع فيكون قد أولاهم بالغ العناية ولطفه بهم. والتعاون على البر والتقوى والفضائل، وتحمل المسؤولية وايفاء الوظائف في سبيل النمو والتكامل انما تتحقق في ظل شيوع العدالة في المجتمع.
اساس ذلك ومنشأه:


ان حب العدالة له جذور عميقة تمتد الى اعماق الحياة البشرية وفي حياة الانسان النفسية وفطرته وعمق وجوده وكيانه. وقد اودع الله تعالى ذلك في اعماق كل انسان لكي تتوفر له موجبات خيره وسعادته ونموه من خلال هذا الطريق. ولعلكم تلاحظون في جميع انحاء العالم ولدى جميع الاقوام والملل وجود نهضة وثورة على السلبيات، الاسراف والترف، والتبرج والاعتداءات وهذه كلها تدل على وجود العدل في فطرة الانسان واعماقه.
ويمتلك العدل جذوراً فطرية وذاتيه لدى الانسان ولهذا السبب يشعر الفرد الذي يلمس العدالة في حياته بانه كالذي يرى نفسه ساكناً في الجنة.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 508

ويقول الالهيون بأن منشأ العدالة هي الروح الالهية حيث ان كل انسان يمتلك نفخة من الروح الالهية. وبما ان الله تعالى هوالعدل المطلق، فان شعلة من عدالته موجودة لدى كل فرد والانسان سعيد بذلك ومتفائل ويطالب به في الحياة.

ابعاد العدالة:


للعدل ابعاد واسعة وشاملة جداً وحاجة الطفل الى العدالة هي بسعة وشمولية هذه الابعاد. ويجب ان يستحوذ هذا الامر جميع ابعاد حياة الفرد الفردية وبالشكل الذي يوضع معه كل شيء في محله المناسب وان تبنى حياته ايضاً على اساس التوازن والتعادل.
ومن جهة اخرى عليه ان يدخل العدل الى جميع ميادين حياته، سواء في الاقتصاد، والاستقامة، والعبادة، والتعامل مع الآخرين ومعاشرتهم، وفي القول، وفي الافعال الحياتية، وفي الاخلاق و... وان تحرك الانسان على اساس ضابطة معينة وعلى اساس العدل في جميع هذه الجوانب يمثل في الحقيقة كما الفضيلة لكل انسان.
ومن جهة اخرى عليه ان لا يغفل عن هذه الجنبة في التعامل مع الآخرين، وفي مراعاته وحبه للخير والتعاون، وفي التعامل مع الصديق والعدو. وان تشمل عدالته الاعداء ايضاً ولا يتعرض للحيوانات بظلم. وبشكل عام فالاساس في هذا الامر هو ان تأخذ العدالة مأخذها في الافراد بحيث لا يخرج الفرد عن عالم نموه ونضجه في هذا المجال وان يأخذ بنظر الاعتبار عالم الآخرين أيضاً.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 509


مسألة تمييز الابوين:


من المواضيع التي يمكن التطرق الى ذكرها في قضية العدل هي مسألة تمييز الابوين في تعاملهم مع ابنائهم، إذ ان بعض الآباء والامهات يسوغون لانفسهم ممارسة التمييز بين افرادهم بأي شكل من الاشكال ويرجحون بعضهم على بعض ويفضلون فرداً على آخر. وعلى سبيل المثال تراهم يعاملون احد الابناء بل عطف ومحبة في حين لا يبالون بالآخر.
ويترك هذا الامر آثاراً سلبية على الاطفال وسيخلق الارضية المناسبة لايجاد الحسد وروح الانتقام لديهم. وبالرغم من ان التمييز قد يكون احياناً مطلوباً إلا انه مع ذلك سيترك آثاره السلبية على الطفل أيضاً ويؤدي الى بروز غضبه وعصيانه. وما اكثر الجرائم واعمال السوء الناجمة اساساً من سياسة التمييز التي يمارسها الآباء بحق ابنائهم في سني الطفولة مما يضطر الطفل فيما بعد الى ان يتجه نحو اسلوب الانتقام من ذلك الامر. وما اكثر المجرمين الذين لا يمكن تبرير جرائمهم سوى العقد والاحقاد الناجمة عن سياسة التمييز.
مظاهر التمييز:


يتجلى التمييز في محيط الاسرة والمجتمع بصورة متعددة اذ ان ذكرها هنا يعد بحد ذاته تحذيراً وتنبيهاً للآباء والمربين وسنشير فيما يلي الى بعض الموارد منها:

1 ـ فيما يتعلق بالجنس:


نجد في العوائل ان الابوين يظهرون حساسية بالغة تجاه أحد الجنسين،

الأسرة ومتطلبات الأطفال 510

كالولد أو البنت ويعاملون احدهما بمزيد من العطف والمحبة قياساً بالآخر، وهذا الامر بحد ذاته يصبح باعثاً على ان يشعر الاخر بالتحقير والمهانة والانكسار ويعشر بالتالي بالتمييز وتكون نتيجة ذلك ابراز غضبه وحقده واشمئزازه تجاه ابويه أو الطفل الآخر.
2 ـ التحيز إلى احد الاطفال:


احيانا يقف الأب أو الام لسبب ما الى جانب احد الابناء وخاصة اثنا الشجار ويقوم بتحقير الآخر أو يضربه دون ان يعرف أي منهما المحق في هذه المسألة. وقد يكون مرد الوقوف الى جانب احد الابناء ضعفه او صغر سنه أو مرضه إلا ان هذا السبب غير معروف للطفل الآخر.
3 ـ التنوع في السلوك:


يقوم الأب احياناً بملاعبة احد الاطفال في البيت، فيكلمه ويضاحكه إلا انه في اليوم التالي لا يعامله بدفيء وحرارة وبدون ان يكون له أي قصد شيء في ذلك سوى لونه مرهق مثلاً او انه لا يطيق ملاعبته دائماً وهذا الامر يصبح السبب ان يفسر سلوكه هذا على انه نوع من التمييز.
4 ـ خلق روح المنافسة والتسابق:


احياناً يقوم الأب أو الام باجراء مسابقة بين اثنين من ابنائهما بدون ان يأخذا بنظر الاعتبار استعدادهما النفسي وقدرتهما، إذ ان هذا الامر يصبح السبب في ان ينظر الطفل الى نفسه بانه اضعف مما كان يتصور وان يفسر عمل الابوين على انه نوع من الظلم والاجحاف او التمييز بين هذين الشخصين.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 511


5 ـ حالات المعاقبة:


نعرف الكثير من الآباء الذين يرتكبون يومياً عدة اخطاء إلا انهم لا ينظرون لها اطلاقاً ولكن عندما يرتكب الطفل خطأ ما سرعان ما ينهالون عليه باللائمة بل وحتى يقدمون على معاقبته وبعد ذلك نوعاً من الاجحاف والظلم والتمييز.
6 ـ مقدار العقوبة:


ان معاقبة الطفل على أثر ارتكاب الخطأ احياناً يعد أمراً مباحاً تحت شروط وظروف معينة. إلا ان المسألة تكمن هنا، فالأب يكتشف احياناً مخالفة معينة من احد الابناء فيعاقبه إلا انه يبدي مرونة اكثر تجاه الطفل الآخر وبنظر الطفل لذلك على انه نوعاً من التمييز.
7 ـ انزعاجه من المحبة :


الكثير من الآباء والامهات يمنحون القسم الاعظم من محبتهم لابنائهم الاصغر سناً وينسون الاطفال الاكبر سناً ـ غافلين عن انهم بحاجة الى المحبة أيضاً ولكن من نوع آخر طبعاً. هذا الامر يصبح السبب في ينظر الاطفال الى سلوك ابويهم على انه نوع من التمييز.
8 ـ مداعبة احد الاطفال:


احد الاطفال يسقط الى الارض فيسرع الأب والام اليه ويأخذونه بأحضانهم غافلين عن ان الطفل الآخر الناظر اليهما يرى في نوعاً من التمييز بحقه. وفي هذه الحالة لا بد من اختلاق عذر ما لكي نشمله هو الآخر بمحبتنا.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 512


التمييز في المجتمع:


احياناً يلاحظ التمييز في المجتمع ايضاً. وعلى سبيل المثال تجد ان صفاً طويلاً من الناس يقفون لشراء الخبز وبين هذا الصف تجد أن طفلاً يقف معهم ايضاً. وعندما يصل الدور للطفل يتجاوز الخباز الطفل ويعطي الخبز للفرد الذي يليه دون ان يكترث بشخصيته الطفل فيتعلم الطفل منه درساً في التمييز من خلال تصرفه هذا مما يؤدي الى تأجيح روح الانتقام لدى الطفل من هذا الفرد ومن المجتمع بأسره في المستقبل.
ومن الممكن أيضاً ان يشاهد الطفل اوضاعاً اخرى غير طبيعية في المجتمع فقد يشاهد مثلاً ان شرطياً يعفو عن احد الافراد المخطيئين ولكن يأخذ فرداً آخر بكل شدة كونه ضعيفاً او ان مسؤولاً لاحدى الدوائر يبذل ما بوسعه لتوفير بعض الامكانيات لفرد ما بينما يتجاهل الآخر. كل هذه الامور تعد بمثابة دروس بليغة في التمييز ولها آثار سلبية ومخاطر جمة على الطفل.
واخيراً ما اكثر الصفات التي يكتسبها الفرد من المجتمع بشكل ارادي أو لا ارادي ويتخلق بهن وكل من تلك الصفات يشكل درساً غير مطلوباً وسيئاً للطفل ومنبت ذلك اما المجتمع أو البيت وفي كلا الحالتين يؤدي الى الحاق افدح الخسائر واحياناً الفساد بالطفل.
اسباب ودوافع التمييز:


ما هو السبب الذي يدفع بعض الافراد الى ان يسموا لانفسهم بممارسة سياسة التمييز بحق ابنائهم، انه امر لا يوجد جواب واضح بشأنه في متناول

الأسرة ومتطلبات الأطفال 513

اليد ولكن بقليل من التأمل يمكن التوصل الى جانب من ابعاد هذه المسألة وجوانبها:
  • جهل الابوين والمربين بحقوق الطفل وبأنه أمانة بأيديهم.
  • تعصبهم تجاه نوع الجنس أو المظهر الخارجي للطفل.
  • حلاوة الاطفال، وجمال منطقهم، واستحواذهم على قلوب آبائهم.
  • طاعة الاطفال او عدم طاعتهم لآبائهم والذي يؤدي الى اشاعة برودة الابوين تجاه الطفل.
  • غرور الآباء وتكبرهم والذي يؤدي الى اعطائهم المزيد من الاهتمام بأنفسهم وبالتالي تجاهلهم وعجم اهتمامهم بالاطفال.
  • الغفلة والجهل عن كيفية التعامل مع الطفل.
    آثاره واعراضه:


    مهما كانت الاسباب المؤدية الى اتباع سياسة التمييز فانه يؤدي الى ايجاد مخاطر كثيرة للطفل: منها ان الطفل عندما يلاحظ بام عينه سياسة التمييز في الاسرة والمجتمع وهو شديد الحساية تجاهها، فان فكره وذهنه لن يعملا في بشكل سليم ولن يصبح بامكانه بلوغ المراحل العالية للابداع ويفقد هدوئه واستقراره وتستحوذ عليه روح الهرج والمرج والتشتت والاضطراب إذ لا يمكن تلافي ذلك بسهولة.
    والطفل الذي يتلمس التمييز يشعر احياناً بأنه أدى من الآخرين وعندما يتجذر هذا الشعور ويتعمق لدى الطفل فانه يفقد أمنه وعندها ستتملكه روحاً مضطربة وملامح تدل على الملل وجسماً عليلاً نحيلاً لا تتمثل فيه حيوية

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 514

    وطراوة طفل طبيعي.
    والطفل الذي يمارس بحقه التمييز يشعر بالحرمان، والحرمان من العدالة، والحرمان من المحبة، وتتحكم لديه روح الانتقام، وينسى مشاعر الود والمحبة ومن الممكن ان يصبح احياناً فرداً خطراً.
    وبناء على هذا الاساس أي ظلم كبير يقترفه الابوين بحق الطفل من خلال ممارستهم للتمييز وأي بذرة سيئة يزرعونها في أعماقه. ان الكثير من المجرمين هم في الحقيقة افراد مورست بحقهم في الماضي سياسة التمييز.

    العدل في حياة الطفل:


    انه لأمر مهم ان نقوم بتلقين الطفل لنمط أو اسلوب معين ليتمكن في ظل ذلك أن يعمل على اغناء شخصيته، ويرسخ في اعماقه بعض الاصول الاخلاقية القيمة، وتمثل العدالة احدى الجوانب الاخلاقية البناءة والموجهة في الطفل، إذ تمهد فيه الارضية امام الكثير من الصفات الايجابية اللائقة.
    ان الاشتياق والتعطش الى العدالة بحد ذاته يعد من العوامل الموجهة في الطفل وهذه الرغبة كما سبق وان قلنا ذات طابع فطري في الطفل وهي بحد ذاتها تصبح دافعاً على ان يصدر احكامه ويتخذ مواقفه باستيعاب اكبر للعدالة ويخطو خطوات اكثر ثباتاً ورسوخاً بشأن مراعاته لمبدأ المساواة والمساواة للآخرين.
    كما انه من الضروري للابوين ان يقوما بدفع الطفل الى ممارسة مسألة

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 515

    العدالة ويعملا على تربية هذه القابلية ويرسخانها في لكي يتمكن مستقبلاً من ان يلعب دوراً بناء. ومن طرق ممارسة تمرين العدالة معاملته معاملة عادلة، وعلى سبيل المثال اعطوه طعاماً معيناً لكي يقسمه فيما بينه وبين اخوه أو اخته، اقرأوا عليها قصة الظالم والمظلوم وطالبوه أصدار حكمه ووجهة نظره بشأن المسائل المختلف عليها والجدير بالذكر ان تربية الوجدان هو ركن اصيل ايضاً في تمرين تنمية العدالة.
    سني العمر الاولى، والمراقبة اللازمة:


    سني العمر الاولى لها أهمية استثنائية في صياغة الاخلاق والطباع. ففي هذه السنين تنمو الضمائر وتتكامل ويلعب حجر الام في خلق هذه الحركة لديه. وقد أشار الإمام الحسين عليه السلام في ثورته يوم عاشوراً الى حجر الام هذا في رده على طلب اعدائه بالاستسلام، اذ قال عليه السلام انه يأبي الانصياع الى هذا الظلم ولا جور لترعرعه في تلك الحجور الطاهرة الابية.
    ولا بد من القيام بالكثير من المتابعة والاهتمام في هذا المجال لكي تتجذر لدى الطفل الرغبة والميل الى تطبيق العدالة ومراعاتها ومن ضمن تلك الاهتمامات مسألة تربية وتنمية الارادة اذ ان الطفل الفاقد للارادة لا نفع يرجى منه على الاطلاق ولا يعد فرداً مناسباً وسليماً كما ان الدقة والاهتمام والالتزام بالاستقامة والثبات في عمله يعد أمراً آخر لابد من ان يحظى بالاهتمام والتشجيع. وينبغي له ان يألف مسألة الاعتراف بأخطائه ولا يلقي تبعة ذلك على الآخرين، أو إذا ارتكب خطأ ما عليه أن يعترف بذلك ولا يدعي انه ناجم عن محيطه.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 516


    كما يجب على الطفل ان يعلم ويدرك انه ليس فرداً كاملاً في أي مرحلة من مراحل عمره ولغرض بلوغه مرحلة الكمال والنضج فهو بحاجة الى نصح الوالدين وارشادهم وهدايتهم له والى اتباعه الاسوة الحسنة والنماذج القيمة التي وضعت بين يديه وان يعلم في نفس الوقت وضمن مراعاته لجميع هذه الظروف والاحوال بانه مازال هناك الكثير من الامور التي لم يطلع عليها بعد وعليه ان يتعلمها.

    * * *



    الأسرة ومتطلبات الأطفال 517


    الفصل السادس



    الحاجة الى الحرية

    المقدمة:


    الحرية من اهم مستلزمات الحياة والتكامل ودافع مهم في التحرك وممارسة الحياة وله الاولوية على بقية الدوافع وسبب للقوة في تحديد الاتجاه. ومن حيث الاهمية فانه بمستوى الحاجة الى الدعم والاسناد، والثقة بالنفس، واحترام الشخصية، وحب الجمال، واكتشاف الحق والهدفيه. الطفل بحاجة الى الحرية ليصبح قادراً على الحركة، والنمو، وينفض الغبار عن نفسه، ويندفع الى الامام، ويقوي عضلاته، ويهيء لنفسه المزيد من موجبات الرقي والتقدم. شعور الطفل تجاه الحرية يتمثل بشعور ينم عن السرور والفرح. وعلى اثرها يكتشف انه فرد كباقي الافراد، ويمكن الاعتماد عليه واحترامه. وبوسعه ان يمتلك مكانة معينة بين من سواه وان يكون لغزاً بين الالغاز، ويرى لنفسه شأناً. وبسبب هذه الأهمية بالذات ينصب جانباً من أهداف المربين حول تأمين حرية الطفل وتنميتها ويبذلون ما بوسعهم لغرض ابعاد الطفل عن جميع العوامل التي تؤدي الى تركيعه واستسلامه امام انواع العبوديات والاغلال. وهذا بحد ذاته يعد خطوة اساسية في هذا المجال.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 518


    ضرورة وجود الحرية للطفل:


    وجود الحرية للطفل امر ضروري ولازم، إذ يجب ان يكون الاطفال احراراً ليتسنى لهم تلمس الوجود والتعرف على حقيقته. وان ينعموا بحركة معينة لينالوا ويحققوا نموهم الجسمي والبدني، ويمتلكوا جهداً ونشاطاً ملحوظين ليتمكنوا من تحقيق السعادة والحيوية لانفسهم.
    الحرية ضرورية للطفل ليصبح قادراً على تخليص نفسه من القيود الخاصة، ولكي يقدم على ازالة المعضلات والمشاكل التي يواجهها، ويقوم بتأمين احتياجاته بنفسه، ويدافع عن نفسه، وليقف بوجه الذين يريدون أخذ المبادرة من يده، وليوسع محيط حياته ونموه اكثر فأكثر.
    ومن جهة النظر الدينية ايضاً ينبغي عليه التحرر من العبوديات والقيود المختلفة، وان لا يدفع من قبل الآخرين الى العبودية الفكرية والاستسلام ولا ينبغي توقع الامور الغير مشروعة منه، ولا ينظر المرء لنفسه وكأنه سيده ويجب ان يكون قادراً في ظل الحرية على مواصلة طريقه بشكل جدي، ولا يتعرض الى أي مانع يحول دون تطوره واندفاعه، ولا يلحق به الآخرون الاذى و...

    ابعاد الحرية:


    الحرية التي نرمي لها في مسألة التربية، لها أبعاد واسعة جداً بحيث انها تشمل جميع ابعاد حياة الفرد بهي تشمل حرية الجسم والروح والفكر والعقيدة وغيرها. وبعبارة أخرى تعني الحرية لجميع ابعاد شخصية الانسان، وليس فقط لبعد واحد أو كما يطالب به الآخرون خطأ وهي حرية الميول والغرائز...
    1 ـ من حيث الجانب البدني يجب عليه ان يكون حراً لكي يقوى على

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 519

    الحركة والنشاط، ولكي لا يرى ان اعضائه مقيدة ولا يشعر بالتالي بانه ذليل ومضطهد ومقيد. ان لف الطفل بالقماط يمثل في الحقيقة تقييد الطفل والتمهيد لاضطهاده وتأسيره.
    2 ـ وفي جانب معاشرته لابيه، وامه، وأخيه، واخته وكل من يسعون في سبيل خيره وسعادته يجب ان يكون حراً. ويكون قادراً على ان يقول كلمته دون تخوف أو تردد معهم، ويطلب منهم ابداء وجهة نظرهم، ويبين لهم ما جرى ويجري عليه، وينفس عما يجول بخاطره ويفرغ ما في جعبته و...
    3 ـ ويجب ان يكون حرا في الميدان المعين له ليكون قادراً على الذهاب والاياب والحركة، ويعدو، ويتحرك، يروح ويغدو، ويلعب في ذلك الميدان، ويستريح. وان لا يستوحش في المحيط المعين له ولا يقلق، ويكون قادراً على ان يكتشف نفسه هناك ويقيم لنفسه محيطاً هادئاً.
    4 ـ ويجب ان يكون حراً في الجانب الفكري ويكون قادراً على ان يفكر ويعمل بكل حرية، وان تكون روحه متحررة، ولا يضطر الى الاعتراف بما يفرضه عليه الآخرون إلا عندما يثق بهم. ويجب عليه ان يجيل فكره جيداً بشأن مسألة معينة ويتفحص جوانبها على قدر استطاعته.
    5 ـ ويجب ان يكون حرا في الدفاع عن نفسه، وان يكون قادراً على المحافظة على جسمه وفكره من الاخطار المحدقة به، ويكون قادراً على ان يقول كلمته، ويهدىء انفعالاته ويسكنها، ويفصح عن معتقداته دون تردد أو وجل مع أبويه ويطلب منهم ابداء وجهات نظرهم بهذا الشأن.
    الهدف من الحرية وحدودها:


    عندما نتطرق للحديث عن الحرية فالمراد بذلك عدم وجود المانع امام

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 520

    التقدم والتطور. إلا اننا نسعى الى ازالة المانع الذي يؤدي وجوده الى الاضرار بسعادة الطفل وهنائه وإلا عندما يراد الحاق الاذى بسعادة الطفل فاننا سنسعى الى ايجاد هذا المانع.
    ومن هذا المنطق فان الهدف من الحرية يتمثل بتأمين سعادة الطفل وهنائه وخلق الاجواء المناسبة التي تساعد على نمو شخصيته. نريد ان نقوم بما يحول دون اعاقة عدلة حياته بالسلاسل والاغلال المتعددة ويتمكن بالتالي ان يتحرك في هذا المحيط الرحب ويبذل ما بوسعه ويطوي مراحل طريق تكامله.
    تجدر الاشارة الى ان المراد في هذه الحرية هو تحقيق الحرية الداخلية الذاتية قبل الحرية الظاهرية لكي نضمن سلامة روح الطفل وفكره.
    هذه الحرية يجب ان تكون محدودة، محدودة بالحدود التي تحول دون الحاق الاذى والضرر بالنفس والآخرين وان لا تكون مخالفة للشرع، إذ اننا نمنح الحرية للطفل بالمقدار الذي يعينه على القيام بواجباته ووظائفه وحركته في المسير نحو النضج والنمو دون ان نجعله حرا في اتباع اهوائه النفسية التي تؤدي الى ظهور الهرج والمرج لديه.
    الحرية أم المحدودية المطلقة:


    اننا لا نقبل بالحرية المطلقة حتى للطقل الصغير، لأن ذلك يحمل للطفل مخاطر واضراراً جمة: ومنها ان تحمله من قبل العائلة يصبح امراً عسيراً، ويظهر الخلل في سلوكه، ويتصف الاطفال بالهرج والمرج واللامبالات. ويرخون العنان لحبل الغرائز والشهوات ويصبح الطفل على المدى القريب أسير الشهوات والنزوات.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 521


    ويتحول الاطفال الذين يتمتعون بالحرية المطلقة الى افراد دكتاتوريين تدريجياً، ويمتنعون عن اداء الواجب بأدنى شعور بالارهاق والمعاناة. ويسلب ابويه حق التدخل والاشراف على تربيته، وينفذ كل ما يراه يصب في صالحه وحسب تشخيصه هو وليس من المعلوم ان كان هذا الامر في صالحه فعلاً. وسيجر هذا الامر تدريجياً الى ان يصبح السبب في امتناعه وتحفظه من التعامل مع حقائق الحياة وامورها الواقعية وان يمد قدمه اكثر من بساطه.
    كما ان المحدوديات المفرطة في الحرية مضرة هي الاخرى بالطفل، إذ انها تتسبب في كبح طموحاته، واستسلامه، واحياناً في لجوء الطفل الى العنف، وتتعرض قدرته على تشخيص الامور، وتفعيل ابداعاته الى بعض المشاكل والمعضلات، وفي حالة استمرار هذا الوضع، فسوف يصار الى التمهيد للاصابة بالازمات العصبية.
    ولكن مع هذا نجد ان بعض الآباء يلجأون الى تحديد ابنائهم بشدة عن طريق المحبة واسلوب الودة، لغرض الحفاظ على الطفل وليبقى مصاناص وبعيداً عن أي نوع من المخاطر والاضرار. وتجدر الاشارة الى ان هناك بعض الافراد ممن يرون ان الاساس في هذا الامر يبنى على فوضوية الطفل ويتصورون ان الطفل نان لم يكن محدوداً فانه سينحدر نحو الفساد والشر.

    شروط حرية الطفل:


    اننا نعتقد بان الحرية المطلقة غير مناسبة للطفل وكذا المحدودية المطلقة. والمسألة هي أمر بين أمرين وهي ذات المسألة التي اشار لها الامام الصادق عليه السلام والتي يجب ان تسري على كافة امور الحياة، ومنها مسألة

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 522

    حرية الفرد. ويجب ان ينعم الطفل بالحد الاوسط من الحرية المطلقة والمحدودية المطلقة.
    ومن هذا المنطق فان الحرية المعطاة للطفل من قبل أبويه مشروطة ومقيدة بالشروط التالية:
    1 ـ ان نمنحه الحرية بالمقدار الذي يخلق له الاجواء المناسبة لحركته ونحوه.
    2 ـ كل حرية ممنوحة له في مجال الغرائز والشهوات، والميول، يجب ان تكون مشروطة ومقيدة.
    3 ـ ان يصار الى منحه الحرية بالمقدار الذي يفصح عن جدارته باستخدام الحرية.
    4 ـ اشباع وتأمين الطموحات والمتطلبات بواسطة الحرية يجب ان تخضع الى رقابة وسيطرة الابوين.
    5 ـ يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار شروط السن، والجنس، والادراك، والقابلية لدى الطفل في اعطائه الحرية.
    6 ـ يجب ان تبنى حرية الطفل بناء على الملاحظات المتوفرة عنه لكي لا تنجم عنها المخاطر.
    7 ـ وفي مجال تأمين الاحتياجات الفردية يمكن ان يكون التشخيص العقلائي للطفل حداً مناسباً لحريته.
    8 ـ واخيراً يجب ان تتبلور حرية الطفل في ظروف وامكانيات تجعله الاقوى في مواجهة الامور، والاكثر صموداً ومقاومة في اتخاذ المواقف والاكثر توفيقاً في تنفيذ ما صمم عليه.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 523


    الحرية والانضباط:


    ان الاسرة الطيبة ومن أجل ادارة امورها، والسير على تقاليدها وثوابتها مضطرة الى تعيين الضوابط والمقررات لاعضائها ودعوتهم الى اتباعهم واطاعتها. ويجب ان تكون هذه الضوابط على مستوى عال من الشمولية بحيث يقبلها جميع اعضائها ويقوم الجميع بتنظيم سلوكهم على غرارها.
    ومن هذا المنطق لن يستثنى أي فرد من هذه الضوابط وليس بوسع أي فرد من اعضاء الاسرة الابتعاد عن هذه المقررات تحت ذريعة الحرية. حتى انه لا بأس باعطاء الآباء والامهات بعض الحريات للاطفال احياناً ولكن عندما يدور الامر بين الضوابط ومسألة الحرية يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار مسألة مراعاة الضوابط، إذ ان مراعاة هذه المسألة يعد أمراً ضرورياً لسلامة وأمن الاسرة.
    وتجدر الاشارة الى ان الحرية والانضباط يمكن ان ينظر لهما من زاوية اخرى على ان احدهما مرتبط بالآخر. وان أيا منهما لن يتحقق بدون وجود الآخر. ولكي ينعم الطفل بالحرية الحقيقية فاننا مضطرون الى ان نفرض عليه الانضباط، إذ ان الطفل حر ولكن ليس له الحق في ان يفرض رأيه على أبويه أو ان يمارس حياته بما يروق له وكيفما يشاء.
    وعلى أي حال فهو حر ولكن في ظل الضوابط والمقررات وليس الحرية المطلقة الغير مؤطرة بحدود معينة. انه انسان ولكي يمتلك حياة انسانية لائقة يلزمة القانون، ولا بد له من التحكم بسلوكه وافعاله واقواله حتماً بل ويتعود على ذلك ايضاً.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 524


    الحرية والمسؤولية:


    سمعنا بان الحديث عن حرية الطفل في الاسلام يتمثل في السنة السابعة من العمر، وهذا لا يعني ان يكون الطفل في تلك المرحلة طليقاً تماماً وغير مسؤولاً عن تحمل اية مسؤولية. إذ سبق وان قلنا بانه يجب على الطفل ان يبدأ بالتمرن على ممارسة العمل منذ مرحلة طفولته المبكرة وان يألف ويتعود على ان يمارس بعص الاعمال المنزلية مع والده ووالدته.
    ويجب ان نكلفه يتحمل بعض المسؤوليات وبما يتناسب مع مقدار نحوه، وعمره، وجنسه، ومستوى ادراكه وفهمه، ومقدار قوته البدنية، ومستوى روحية الطفل إلا أن نوع المسؤوليات الملقاة على عاتقه في السنين السبع الاولى تختلف عما هي عليه في السبعة الثانية والثالثة. ففي السبعة الاولى نحيل اليه عملا ما وندفعه الى ادائه بالاشارة والتشجيع. ولو حدث وان تلكأ في ادائه أو اخطأ فلن نؤاخذه او نعاقبه مثلاً على ذلك في حين ان هذا الامر يختلف تماماً في مراحل العمل اللاحقة.
    اذن فالمسألة كالتالي يجب ان نمنحه الحرية بنفس المستوى الذي نحمله المسؤولية خاصة وان المسؤولية تصبح ذات معنى في هذه الحالة. كما أنه من غير الممكن ترك الطفل القيام باداء الواجب كما يروق له ويحلو له، اذ ان الاساس في ذلك يعتمد على مراعاة الاصول والقواعد التي يعينها المربي لقيام الطفل بأداء واجبه.
    تمرين الحرية:


    انقذوا الطفل تدريجياً من قيوده، وحاولوا التقليل من اعتماده عليكم وبما يتناسب مع مقدار نموه وادراكه واحملوه على اداء مسؤولياته وواجباته

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 525

    على اساس الاعتماد وعلى النفس. وهناك ممارسات وتمارين عديدة للحرية نرى من الضروري توفير مستلزمات ممارستها في المنزل وخارجه من قبل الطفل.
    اتركوا له الحياة في ممارسة الرسم، وتخطيط الاوراق المعينة والخاصة. اسمحوا له اختيار نوع اللعبة الفردية أوالجمعية بنفسه، وان يختار لنفسه الزميل والصديق واقصى حد لتدخلكم في هذا المجال يكمن في توجيهه أو اختيار الفرد المناسب في طريقه ليتعرف عليه ويصاحبه.
    ويجب ان يكون حراً في أعمال التسلية التي تصب في مصلحته ولا تحمل مخاطر معينة تجاهه وان يشتر ويساهم فيها وحتى يوجد لنفسه التنويع في هذا المجال. واتركوا له الحرية اثناء شراء الملابس له، في أن يختار بنفسه احد ثلاثة انواع من الملابس التي تختارونها له، وكذا الحال في مسألة شراء اللعب.
    وعلينا ان نلاحظ ميول الطفل ورغباته في هذه التمارين جهد الامكان بشرط ان لا تتسبب تلك التمارين والممارسات في ايجاد وخلق العادات السلبية، والفهم السيء وان لا تصبح سبباً لالحاق الاذى به وبالآخرين. فلا بأس في أن يمارس الحرية ولكن دون ان يقع أسيراً لطلب المزيد، وعليه ان لا ينظر لنفسه على انه طليق ومنفلت، وغير محدد بضوابط معينة و...
    تأمين شروط الحرية:


    لو كان من المقرر ان نربي الطفل على ان يمتلك الحرية أو نجعل الطفل فرداً حراً فان مراعاة هذه النقطة ضروري أيضاً، إذ يجب علينا القيام بتهيئة

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 526

    موجبات ومستلزمات ذلك بانفسنا ايضاً.
    ومن الخطأ ان نريد للطفل ان يكون حراً من جهة ومن جهة اخرى نقيدة أيما تقييد بحيث لن يمتلك أية قدرة على القيام بأي جهد أو حركة.
    وفيما يتعلق بتأمين شروط الحرية، عليكم الاهتمام بتقوية جسم الطفل وروحه، وارادته، وساعدوه في عزمه على الامور، وامحو الوساوس والترديد منه، واعملوا على تقوية جرأته واقدامه، وافعلوا كل ما يدعه يتذوق طعم الحرية بكل كيانه وادراكه ويتخلص بالتالي من جميع المحدوديات الناجمة عن عدم الكفاءة والجدارة.
    وتحظى توجيهات الأبوين، واعطاء الملاحظات والتحذيرات اللازمة عند الحاجة، وتشجيعه وتقوية روحية عندما يشعر باستحواذ الخوف عليه اثناء اداء واجب ما بضرورة كاملة في هذا المجال. واعملوا على تأمين شروط حريته بما يتناسب ومقدار حاجته للقيام بأداء الواجب المعين أو المسؤولية المعينة.
    ان اطلاق يد الطفل حين اداء أمر ما يحمل في طياته خطر الاستغلال وتمرده أحياناً، ان مراعاة هذه الضوابط يلعب دوراً استثنائياً واساسياً جداً في ايجاد وتقوية الناجمة الانسانية لدى الطفل.
    ضرورة التحديد النافع:


    وكما ان الطفل يعد حراً وينعم بهذه الحرية فهو بحاجة الى ان نصوغ له احياناً حداً معيناً لكي يتذوق أولاً طعم الاخطار الناجمة عن التحديد ومرارتها وليقف ثانياً على هذه النقطة أو يتوجب عليه دائماً الوقوف على الحدود المعينة

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 527

    لينعم بالحرية.
    اننا نقوم بتربية الطفل ليعيش أولاً في هذا العالم ويمتلك حياة موفقة وناجمة. ونعلم ان الوضع في ميدان الحياة البشرية ليس دائماً بالصورة التي يتمكن فيها الانسان أن يترحم كافة طموحاته وأمنياته. ويلاحظ موجود الحرية في عين المحدودية احياناً، والمحدودية في عين الادعاء بالحرية احياناً اخرى ولابد للانسان ان يمتلك القدرة والاستعداد لذلك.
    والوضع العام ليس دائماً بالشكل الذي يذهب فيه المذنبون فقط الى السجن ويتذوقون مرارة المحدودية، إذ من الممكن احياناً ان يقع فرد شريف اسيراً في قبضة أحد الطواغيت، أو يتعرض أحد الافراد الى التحديد بسبب خطأ معين أو يقع أسيراً بيد أعدائه اثناء الحرب المقدسة. وفي تلك الظروف عليه ان يمتلك القدرة على تحمل هذه الامور وفي الحقيقة فان التحديدات النافعة تعد تمريناً لمثل تلك الايام الشاقة والصعبة.

    موانع الحرية:


    ما اكثر الموانع الموجودة على مسار نمو الفرد، التي تتسبب في سلب الحرية أو ايجاد المانع الذي يحول دون الوصول الى نيل الحرية. ولا بد لنا من معرفة تلك الموانع والانتباه لئلا يسقط الطفل في ذلك الوادي أو ابقائه قابعاً خلف جدران تلك الموانع. وتلك الموانع كثيرة وهي كما يلي:
    1 ـ الافراط والمبالغة في المحبة والذي يساعد على خلق الارضية المناسبة للتبعية الشديدة.
    2 ـ الافراط في تلبية احتياجات الطفل، وخاصة الاحتياجات الفسيولوجية والتي تتسبب في عدم حصوله على الحياة الحرة.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 528


    3 ـ اوقوع في أسر الميول والرغبات بحيث يقدم على فعل مكل ما يتمناه ويحلم به وفي المرحلة الأشد من هذه تلعب هذه الميول دوراً خطيراً في توفير موجبات ارتكاب الذنب والخطيئة.
    4 ـ التوقع المفرط والحرص والطمع الذي لا حدود له وهو بحد ذاته يعد نوعاً من الأسر للانسان.
    5 ـ الجهل وعدم المعرفة والذي يؤدي بحد ذاته الى عدم الاستفادة من نعمة الحرية الكريمة.
    6 ـ استغلال الحريات الموهوبة والاستفادة الخاطئة والغير صحيحة منها والذي يمثل مانعاً امام الحصول على الحريات اللاحقة.
    7 ـ عدم مراعاة الضوابط والمقررات والمسائل الانضباطية في المنزل وعدم اطاعة ما ينبغي له اطاعته.
    8 ـ عدم جدارته وقدرته على استخدام الحريات الموهوبة.
    9 ـ فساد الاخلاق والانحلال والانفلات وعدم الاهتمام بالضوابط الاخلاقية. هذه الموانع هي التي تحول دون تحقق الحرية وامتلاكها ومن خلال مشاهدة كل من الموارد الآنفة الذكر، ينبغي على الآباء ان يضيقوا الخناق على حدود حرية الطفل ويأتوا به مرة اخرى الى خط حدودها هذا.

    * * *




  • السابق السابق الفهرس التالي التالي