الأسرة ومتطلبات الأطفال 479


الفصل الثالث



الحاجة الى الهدفية

المقدمة


الهدف هو النطقة التي نرمي الوصول لها وتفصل بيننا وبينه مسافة معينة. والاساس في ذلك ان يكون لكل فرد هدف معين في الحياة يبذل من اجله كل محاولاته ويصبح شغله الشاغل منصباً في الاهتمام بذلك لكي يصل الى تحقيقه ويتم في ذلك استثمار المزيد من الوقت والاموال.
الهدفية هي الاساس في فعالية ونشاط كل عاقل، وكل الذين يريدون ان تكون لهم حياة ومماتاً كباقي البشر مضطرون الى ان يختار والانفسهم هدفاً ومقصداً معيناً. والفرد الذي لا يدري الى اين هو ذاهب في مسيرته الحياتية سيصل بعد مضي سنين عديده الى مكان لا يدري ما هو واين.
وجود الهدف في الحياة يصبح السبب في بيان نوع التحركات والميول، وتحديد مقدار الثمن الذي يجب ان يصرف في هذا المجال من قبل، ومقدار الجهود والمساعي التي يجب ان تبذل في هذا المجال. وعندها سيتضح لنا بأي مقدار من الثقة بالنفس سيندفع الفرد نحو الامام في مسيرته.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 480


حاجة الطفل الى الهدف:


والطفل ايضاً بحاجة الى الهدف كما يحتاج الكبار لذلك في الحياة لكي يتسنى له ان يواصل مسيرته في الحياة بشكل سليم وراسخ ويندفع نحو الامام بكل عزم وتصميم، إذ بسبب كونه طفلاً لا يستطيع ان يحيا حياة الصدفة أو الحمل الذي يضعونه كيفما اتفق فيصبح متحيراً في مسيرته هذه أو مرهقاً لا حراك فيه.
والطفل بحاجة لان يعرف ماذا يجب ان يصنع وبما يتناسب مع مستوى ادراكه وقابليته وفهمه، وكيف يجب ان يندفع ويتطور، وما هي وجهة حركته، والى اين يجب ان يصل، وما هي الاهداف والدلائل التي يجب عليه متابعتها لحياته. ومن الممكن ان يكون هدف الطفل صغيراً ويتجلى فيه بشكل أمل أو رجاء، إلا أنه امر يجب ان يكون موجوداً فيه لكي يقوم ببذل جهوده ومحاولاته المدروسة في هذا المجال.
وبشكل عام فالاساس في ذلك ان نسعى ومنذ المراحل الاولى الى وضع الخطط اللازمة لتكون المساعي والجهود منصبة باتجاه الهدف.
جذور ومصدر الهدفية:


لو تعمقنا بشأن الانسان على اساس النظرة الكونية للاسلام سنكتشف انه كائن ذو بعدين مادي ومعنوي، ترابي والهي حيث يملك في داخله نفحة من الروح الالهية تسوقه نحو اتجاه خاص، وتحمله على السير في مسار محدد لكي توصله الى لقاء الله تعالى.
يرى العلماء ان جذور الهدفية في الانسان ناجمة عن الروح الالهية ويقولون بانه لهذا السبب منساق نحو هدفه ومقصده. وتمثل اسئلة الاطفال

الأسرة ومتطلبات الأطفال 481

وتساؤلاتهم عن طريق اكتشاف الظواهر بحد ذاتها مظهراً من مظاهر هذا المصدر، وحتى ان الطفل يسعى بشكل لا شعوري ان يوصل نفسه الى النقطة التي هي بمثابة بداية الوجود وكل شيء.
ويصدق هذا الامر بشأن جميع الاطفال ولو لوحظت انحرافات معين في هذا المجال لدى بعض الاطفال فالسبب في ذلك يعود الى ان المصاديق تم تبيينها بشكل خاطيء أو ان التعلميات التربوية والظروف المحيطة لم تكن مساعدة في هذا المجال.

ضرورة الهدف وأهمية:


الهدف والهدفية يعد أمراً مهماً، ومرد أهميته يعود الى انه يجعل الحياة تلعب دوراً مؤثراً ومبرمجاً، وتحديد تكليف ومسؤولية معينة للطفل لدرجة انه يكتشف معه ماذا ينبغي له فعله في كل مرحلة من مراحل عمره وكيف يوصل نفسه الى المكانة المراد الوصول اليها وتجعل قريباً من النجاح.
ولو ادرك الطفل ولو بشكل سطحي لماذا يقوم بهذا العمل؟ ولماذا يذهب الى المدرسة؟ ولماذا يجب ان يقوم هو ايضاً بلعب دور معين في محيط الاسرة والمجتمع فانه سيدأب اكثر في اداء وظائفه وسيندفع بقوة اكبر وبثقة عالية بالنفس في طريقه نحو الهدف وهذا بحد ذاته يمثل علاقة ايجابية في حياة الفرد.
امتلاك الهدف يعد أفضل وسيلة للتحكم بالنفس والسيطرة عليها وقيادة النفس وتحديد الاتجاه والتحرك في المسار المحدد. ولا تقتصر حياة الطفل على الهدف بل ان سلامته النفسية ايضاً تتعلق والى حدود بعيدة بنوع الهدف

الأسرة ومتطلبات الأطفال 482

والشعار الذي يختاره الكبار بشكله الاوسع والاطفال بشكله الابسط.

فائدة الهدفية للاطفال:


الهدف والهدفية تمتلك اهمية وفوائد كثيرة للطفل ومنها:
  • تحدد اتجاه نشاطات ومساعي الطفل وتمنحها معنى مناسباً.
    تحمل المربين على اختيار نمط معين لايصال الطفل الى الهدف.
  • يتضح للآباء والمربين مقدار الجهود اللازمة للوصول الى تحقيق هذا الهدف.
  • وجود الهدف يبعث على تحريك الطفل ولا تدعه يخلد الى الراحة في خضم الحياة مطلقاً ويأخذ بيده الى الامام بدون توقف.
  • بسبب وجود الهدف يتحفز ذكاء الطفل وقدرته على الابداع وتفعل حركته حسب قدرته وطاقته على ذلك.
  • تمثل الهدفية نوعاً من الممارسة على العزم والتصميم وتمريناً على اتخاذ اسلوب معين للطفل والذي ايضاً نقطة ايجابية.
  • واخيراً فان وجود الهدف يمكننا من تقييم مقدار الجهود المبذولة، ومقدار الجهود الجديدة واللازمة وندرك مقدار الطريق الذي طويناه لحد الآن ومقدار ما تبقى من هذا الطريق. وما هي طبيعة ما طويناه لحد الآن وما هو المنوال الذي يجب اتباعه في طي ما هو واجب علينا.
    اضرار فقدانه:


    فقدان الهدف أو وجود الابهام فيه يتسبب في ايجاد الكثير من الاضرار التي لو قمنا بدراسة جميع جوانبها وابعادها لطال بنا المقام. وما يمكن التطرق

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 483

    الى ذكره هنا باختصار عبارة عن:
  • الحيرة والابهام في التحرك ومرد ذلك عدم معرفته بالجهة التي ينبغي ان يتحرك نحوها، كالسفينة التي تجري بدون بوصلة فتبقى تائهة وسط امواج البحر المتلاطمة ولا تدري بأي اتجاه يجب ان تسير.
  • عدم الاهتمام بكيفية حركته وسرعتها لانه المسار الذي طواه لحد الآن ومقدار المسافة التي يجب عليه طويها فيما بعد غير محددة وغير معلومة.
  • عدم ملاحظة وجود النظم والثبات في اعماله، خاصة وان النظم وليد التفكر الهدفية في الحياة.
  • عدم اتضاح سبب الحركة والجهد للطفل، وهذا الأمر بحد ذاته يؤدي الى ان ينظر الطفل الى مستقبل مبهم لنفسه وتصبح الحياة بالنسبة له لا معنى لها وتفتقد للأهمية.
  • فقدان الهدف يؤدي في السنين اللاحقة الى ان يشعر الطفل بالخواء وهذا الامر بحد ذاته يصبح سبباً لبروز الكثير من الاختلافات والاضطرابات بل وحتى اللجوء الى الانتحار لاسباب صغيرة وتافهة.
  • واخيراً فان الفرد الذي لا يملك هدفاً في حياته سيجعله هذا الوضع يشعر بأنه في سجن مظلم حيران ويتجه نحو وجهة لا يعرف هو الى اين ذاهب، وهذا يعد بحد ذاته خطراً محدقاً بالحياة البشرية.
    ضرورة ايجاد الهدف:


    يجب ان يتم تعيين هدف معين للطفل وحسب مستوى ادراكه وقدرته، أو جعله في مسار يدفعه الى اختيار بعض الاهداف لنفسه. لا شك في ان بعض الاهداف المهمة في الحياة، تتمثل بتلك الاهداف الاساسية منها والتي تستند

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 484

    عليها اصول الحياة الاساسية والمعينة من قبل الدين والمحددة ابعادها وأطرافها.
    والقسم الآخر منها والنابعة في الحقيقة من تلك الاسس تمثل الاهداف التي تساعد الطفل على امتلاك موجبات التوازن والانسجام في ابعاد شخصيته وتجعله يتمتع بوحدة ابعاد شخصيته. طبعاً هذه الامور ليست من المسائل التي يتمكن الطفل ان يستوعبها أو يدركها.
    ولهذا السبب فان المهم في ذلك تفهيم الطفل بمقاطع ومراحل الاهداف لكي يقوم الطفل باتباعها ومتابعتها في مراحل نموه المختلفة ليصل في نهاية المطاف الى النقطة المعهودة. ولغرض الوصول الى تحقيق هذا الاسلوب يجب ان نحدد للطل اهدافاً صغيرة، وقابلة للفهم وجديرة بالتحقيق، ونحمله على مواصلة طي هذه المسيرة لغرض الوصول الى تحقيق ذلك.
    وعلى سبيل المثال يجب ان يدرك الطفل لماذا يتوجب عليه ان يدرس؟ ولماذا يجب ان يذهب الى المدرسة؟ ولماذا يجب ان يساعد والدته في المنزل؟ ولماذا يأكل؟ ولماذا ينام؟ و... وعندما نرتب هذه المجموعة الواحدة الى جانب الاخرى امام الطفل، وكذلك عندما ينمو الطفل ويكبر قليلاً ويبلغ قليلاً ويبلغ مرحلة معينة من العمر سيدرك بأن جميع هذه الامور انما هي لغرض الوصول الى هدف اكبر وأسمى، كالتكامل مثلاً، أو الوصول الى مرتبة لقاء الله تعالى.
    شروط الاهداف بالنسبة للاطفال:


    وعلى اساس هذا البيان الذي رسمناه فالهدف ضروري للطفل إلا ان هذه الاهداف يجب ان تمتلك مميزات وخصائص معينة فيما يتعلق بالاطفال واهمها كما يلي:

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 485

  • يجب ان تكون الاهداف واضحة بالنسبة للاطفال وبعيدة عن كل ابهام بحيث تكون قابلة للفهم والادراك من قبل الطفل وبامكانه ان يتلمسها.
  • يجب ان تكون الاهداف قابلة البلوغ والوصول اليها بحيث يشعر الطفل بانه قادر على نيلها.
  • يجب ان يكون الهدف ذو عدة مراحل للطفل لكي يشعر الطفل بانه قادرا على ان يبذل نشاطا معينا في كل مراحلة من تلك المراحل ولا يشعر بالخوف والتعب من السير نحو تحقيق ذلك الهدف.
  • ان تكون الاهداف منسجمة مع رغبة الاطفال ودوافع حركتهم بحيث تصدر عن الطفل حركة معينة للسير نحوها، وعلى سبيل المثال فان الاطفال الصغار لا يستوعبون الاهداف المعنوية والعرفانية.
  • ان تكون الاهداف ضمن حدود الفرص المتاحة، واستيعاب وامكانية الفرد لكي يصبح بالامكان الاستفادة منها.
  • ان تنتخب الاهداف بالشكل الذي تكون فيه محاولات الطفل ومساعيه للوصول اليها كافية بالنسبة له.
  • ان تكون الاهداف من النوع الذي تحتاجها الحياة الانسانية وتيسر موجبات نمو الطفل وتكامله.
  • ان تتناسب الاهداف مع مقدار العمر وشروط الحياة الثقافية والدينية، والاقتصادية والاجتماعية.
    ممارسة الهدفية:


    ينبغي عليكم حمل الطفل على ممارسة الهدفية والتمرن على الهدف منذ مرحلة الطفولة المبكرة. وكما ذكرنا آنفاً يجب اولاً ان تختاروا له

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 486

    اهدافاً محددة وبتلك الشروط المذكورة آنفاً. وقوموا بتجزئتها وتقسيمها الى مراحل متعددة واجبروا الطفل على ان يختار لنفسه مرحلة معينة لنفسه ويقوم بتأديتها.
    ومن الضروري القيام بارشاد الطفل الى الاشياء التي يجب ان يجعلها نصب عينيه وكيف يتحرك نحو تحقيقها؟ ويجب التركيز على مسألة تسجيعه في هذا الحركة.
    اخلقوا فيه المحفز الذي يدفعه للاندفاع في حركته وبمجرد نجاحه في مسعاه اثنوا عليه. مثلاً اطلبوا من الطفل الصغير في حقل التمرن على العمل والنشاط، ان يقوم بفرش سفرة الطعام، ويضع عليها الاطباق والماء والاقداح والملاعق، وفي حالة نجاحه في ذلك شجعوه وامدحوه.
    ومن الضروري خلال التمرن على الهدفية ان تزيلوا مواطن الضعف في مسيرته وتشعروه بدعمكم اياه. كل تمرين يمارسه الطفل، حاولوا التوصل الى ما ينبغي له فعله في الخطوة التالية بغية الوصول الى اقل الخسائر المحتملة من حيث الوقت والاهمية. كما يمكنكم ايضاً بتقسيم قصيدة شعرية مكونة من 12 بيتاً وتطلبوا الى الطفل ان يحفظ 4 أبيات منها فقط. وبعد نجاحه في ذلك شجعوه لحفظ الاربعة الاخرى وهكذا... ان مراعاة هذه المراحل والضوابط يعد عاملاً مؤثراً في تطور الطفل ونضوجه.
    ولاشك في اننا مضطرون خلال مسيرتنا للوصول الى تحقيق هذه الاهداف والغايات ان نعلم الطفل كيفية طي هذه المسيرة من قبله لكي يدرك كيف يطوي هذه الطريق وكيف يحاول ويبذل الجهود بغية الوصول الى الهدف

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 487

    المراد وكيف يتعامل مع الهدف لكي تكون خسائره من حيث الوقت والمال اقل ما يمكن.

    الاهداف والميول:


    لو تأملنا جيداً بشأن الطفل سنجد ان اغلب اهدافه وغاياته هي من النوع المادي وفي طريق الحصول على اللذة ودفع الألم، اي نفس الامر الذي يشترك فيه الانسان والحيوان. فالذي يدفعه الى الحركة هو دافع اللذة، وخاصة اللذة المادية والسعادة وكل ما يحول دون اندفاع الطفل نحو وجهة خاصة فهو الألم والعذاب، والذي يسعى الطفل الى دفعه عنه.
    طبعاً مسألة الفوز برضا الوالدين اثناء الطريق الى الهدف مهمة بالنسبة للطفل ولكن لو تأملنا جيداً في ذلك لوجدنا ان هذه المسألة تنطوي على بعد مادي ايضا. لان الطفل يدرك أن نتيجة رضا الأب تعنى توفير الغذاء الذي يحبه أو شراء اللعبة التي حبها الطفل. ونتيجة عدم رضاه تعني الامتناع عن توفير الحلوى أو الشوكولاته وغيرها من الامور التي يريدها الطفل.
    وبناءً على هذا الاساس لابد من اخذ ميول الطفل بشأن الهدف بنظر الاعتبار وينبغي الاهتمام بهذا الامر حتى في مسألة معرفة الله تعالى وتوجيه الطفل وسوقه نحو الله تعالى، وانه لمن السابق لاوانه ان يدرك الطفل معنى قوله تعالى: (ورضوان من الله اكبر) ليقوم وبسبب ذلك الاندفاع نحو العمل. ولكن يمكن ان يفهم الطفل ان الله تعالى قد هيأ في الجنة انواع اللذائذ من الاطعمة والفواكه والمشروبات المختلفة وسيجد الانسان هناك كل ما يريده ويصبوا إليه. ومن اجل الحصول على الجنة التي فيها انواع الاطعمة وانواع اللذائذ المادية فانه مستعد للعمل والسير نحو تحقيق الهدف ويجب علينا ان نعرف الله

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 488

    تعالى للطفل بهذه الطريقة.

    الهدف والقيم:


    وفي نفس الوقت لا يعني كلامنا هذا بأن نغفل عن القيم الانسانية السامية خلال السير نحو تحقيق الهدف. لان الطفل في نهاية المطاف وبعد طي مراحل الطفولة والوصول الى مرحلة النضج يجب ان يقوم بتطبيق الهدف مع القيم ويعمل على اعداد الارضية المناسبة بجعل حياته اصولية وعقلائية أكثر من السابق
    اننا نعمل في بداية الامر على توجيه الطفل نحو الفوز برضا الأبوين بحيث يقوم الطفل بأداء كافة الاعمال من اجل الفوز برضا الابوين. وبعد ان يكبر الطفل قليلاً ويرتفع مستوى ادراكه نوجه الطفل نحو الله تعالى ونحو الفوز برضاه ونطرح مسألة حب الله وبغضه تعالى ولكن ايضاً بنفس الاسلوب السابق الذي تطرقنا الى ذكره، إذ نعرف الله تعالى على اساس جنته المليئة بنعمه.
    إلا ان اطار العمل بالشكل الذي يؤدي الى خلق موجبات الميول المعنوية لدى الطفل والقيم يؤكد عليها الاسلام ويأخذها بنظر الاعتبار، حيث يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار كالتعاون، والعون الاجتماعي، الايثار، الاخلاص، ومما تجد الاشارة إليه ان هذا الأمر لا يعد مسألة سهلة وقابلة للتحقيق.
    وما اكثر الاهداف الثمينة والمختصة بالافراد الذين يتسمون بالرفعة والعلو والوصول إليها ونيلها يختص بأولياء الله تعالى، وتتصل بها طراوة الانسان وروحانيته وكذلك عمق الحياة وقيمة حياة الانسان متصلة بهذه المسائل ويجب ان تحظى باهتمام ورعاية المربين.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 489


    خلق الارتباط بالهدف:


    من المسائل المهمة في الهدف هي مسألة الارتباط والتعلق بالهدف، إذ لابد من ربط الطفل بالهدف بحيث لا يكون أي أمر من أموره عبثياً وفوضوياً ولا يسير وفق برنامج معين، وان لا يكون لديه أي عمل يفتقر الى النية. ويجب عليه ان يكون لكل عمل او جهد يبذله هدفاً معيناً.
    ويجب ان يشعر بتعلقه بالهدف وينظر اليه على أنه من نصيبه، ويرى له قيمة واعتباراً ويبذل ما موسعه لغرض نيله والوصول اليه. ويؤكد المربون على ضرورة جعل الطفل يتسم بالهدفية منذ البداية لكي ينعم فيما بعد بحياة عزيزة. وبعد تعيين الهدف شجعوه للتحرك باتجاه ولا بداخله الخوف والفزع في طريقه اليه.

    الهدف والشجاعة:


    يجب ان نجعل من الطفل فرداً شجاعاً ومرادنا بالشجاعة في هذا المجال ان يمتلك ذلك التعلق والارتباط بالهدف بحيث لن يتنازل أو يعرض عن هدفه وينساه في خضم مصاعب الحياة ومشاكلها.
    اذ يواجه الافراد وعلى اختلاف انواعهم بعض المصاعب والمعضلات خلال مسيرة حياتهم. وابتداء يندفعون باهداف وغايات معنية ولكن عندما يصطدمون ببعض المشاكل خلال مسيرتهم يعرضون عن اهدافهم وهؤلاء الافراد يعدون برأي علماء الاخلاق جبناء وضعفاء، وقالوا بالمقابل ان الشجاع هو الذي لا ينسى ولا يغفل عن هدفه حين مواجهته المصائب والمحن ولا يفقد نفسه في الملمات. ومن هذا المنطق يجب ان نخلق من الطفل فرداً شجاعاً ونربيه على ذلك.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 490

    ان تربية الطفل وجعله فرداً شجاعاً هو غير مسألة اصرار الوالدين على فرض اهدافهم على ابنائهم، إذ ان الاساس في ذلك هو سعينا الى افهام الطفل بالاسلوب والطريقة المدروسة والواضحة ومن ثم نسعى الى تنمية الميل والاندفاع نحو الحركة والجهد لديه وبالشكل الذي يخلق لديه الرغبة للحركة والاندفاع.

    * * *



    الأسرة ومتطلبات الأطفال 491


    الفصل الرابع



    الحاجة الى الدعاء والدين

    المقدمة


    اظهرت تحقيقات علماء الاجتماع وعلماء الدين انه لم يتم العثور لحد الآن على مجتمع لم يسد فيه الدين على الناس إذ ان جميع المجتمعات البدائية منها والمتمدنة كانت دينية بشكل أو آخر. واما ما هي طبيعة هذا الدين؟ وهل يجب ان يكون الهياً أم من صنع البشر، مادياً ام معنوياً أم مزيجاً من الاثنين؟ أصيلاً أم ظرفياً كل ذلك يمكن العثور عليه لدى الامم السالفة والحالية. وجميع الاقوام البشرية كانت لديها معتقدات معينة على مر التاريخ واظهرت تمسكها بها وحتى انهم لم يبخلوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل المحافظة عليها، إذ ان الحاجة لذلك كانت مرادفة للحاجة الى الحياة، والى المأكل والماء والهواء.
    وهذا الامر موجود في جميع الاديان الرئيسية. باسم الايمان

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 492

    بالرب سواء أكان هذا الرب هو الله تعالى أو ظاهرة من بين الظواهر الكثيرة الموجودة في العالم، إذ يقوم المؤمنون بالله او الآلهة بعبادته والتضرع اليه بطرق واساليب متعددة.
    وطبقاً لنوع الاستنتاج او الفهم الذي يتوصل اليه افراد البشر تجاه الدين فانهم يتوصلون الى انماط من التفكير ووجهات النظر ويخلصون الى رؤية خاصة تجاه الحياة. وهذه الرؤية متفاوتة طبقاً لاختلاف الاديان وهناك وجهات نظر خاصة في الاسلام والمسيحية واليهودية في هذا المجال أيضاً.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 493


    الحاجة الى الدين:


    المهم ذكره هنا هو حاجة البشر الى الدين والطفل باعتباره عضوا من اعضاء المجتمع ليس منفصلا عن هذه الحاجة. ويتفاوت تجلى ذلك في الاطفال باختلافهم، وكذلك باختلاف مراحل الصبا والشباب أيضاً، ويتجلى ذلك في الصغار بصورة الاتكاء والارتباط والسؤال عن المبدأ والمنتهى، ويتجلى في الأحداث بصورة اخرى.
    وغالباً ما يمثل طلب الأجر على الأعمال وحصيلتها، والرغبة في فهم اسرار الكائنات، والتساؤل عن علة ودافع أمر ما، والتساؤل عن عاقبة ونهاية الامور احدى تجليات هذا الأمر، إذ انه يشاهد في الأحداث بصورة أكثر وضوحاً مما هو عليه في الاطفال بطبيعة الحال.
    وعندما نقول ان الطفل بحاجة الى الدين فاننا في الحقيقة نريد أن نقول انه بحاجة إلى وجهة خاصة ومرجعاً للاعتقاد والايمان. وهذه الحاجة أساسية للطفل لدرجة عد معها الطفل بانه كائن متدين. انه بحاجة ماسة لذلك لكي يشعر بالأمان والهدوء في ظله.
    ان نظرة الطفل إلى مسألة المصروف اليومي الذي يعطيه اياه الأبوين والذي أشار له الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بقوله (...فانهم يحسبون انكم ترزقونهم) يمثل هو الآخر صورة اخرى لحاجة الطفل إلى الدين والايمان والاعتقاد والدعاء.
    أساس ذلك ومنشأه:


    قيل أن اساس المذهب في الانسان أمر فطري، ومن التعاريف التي وردت بشأن الانسان ينص احداها على أن الانسان عبارة عن موجود

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 494

    مذهبي... وان انكار ذلك أو التشكيك به بمثابة الانكار والترديد في سلوك الانسان ونمط تفكيره. ووجهة نظرنا تنص على ان الانسان يؤمن بالله نظرياً، ومن هذا المنطلق، من الطبيعي جداً أن يسير الانسان على هذا المسار منذ مراحل الحياة الاولى.
    وقد سعى بعض العلماء الى اعتباره نوعاً من الحس، ذلك الحس الذي يدفع الانسان نحو الكمال والمشاعر والسلوكيات التكاملية. ويقول يونج عالم النفس المعروف بوجود نوع من النزاع او الحاجة الباطنية في الانسان والذي يمثل أساس جميع الافعال الانسانية.
    وعلى أي حال فان الحاجة الى الدين تمثل في الحقيقة الافصاح عن الحاجة الى ابراز وبيان توجه النفس نحو القيم السامية والتسليم لها. وهو الامر الذي تحل على اساسه مسألة انسانية الانسان وتبعده عن الذلة والضعة والدناءة.
    ضرورة وأهميته:


    الحاجة الى الدين احدى المتطلبات الاساسية والضرورية وفي ظل تأمينه بشعر الافراد بالهدوء والسكينة، ويتولد الايمان والاعتقاد، وتبرز لديهم روح التوكل والتفاؤل وخدمة الآخرين. ومن ناحية اخرى يمثل الايمان عموداً راسخاً بامكانه ان يحافظ على توازن وجود الانسان المربك في هذا العالم ويحافظ عليه من خطر السقوط.
    منطق الايمان اسمى بكثير من منطق العلم والاستدلال وقدرته على التسلل في القلوب اكبر بكثير من قدرة الادلة العلمية عل النفوذ معنى هذا المنطق بامكانه ان يكون اكثر تأثيراً وابلغ صنعاً.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 495

    وتضاء زوايا الحياة المظلمة بسببه، وتكتسب الحياة طابع المسؤولية ويمكن الانطلاق الى الامام على هذا الاساس.
    ونفس الدين أمر مهم للانسان لكون ان الخوف والاضطراب والقلق الذي يعد بمثابة سم قاتل للانسان يزول اثره تماماً على اثر الاعقتاد والايمان الديني وتشعر النفس بالهدوء والسكينة.
    ومن ناحية اخرى فان قيمة الانسان وحرمته ترتبطان بشرف النفس وعزتها وبالكثير من الصفات الاخلاقية الاخرى وكل هذه الامور انما تبرز في ظل الدين لدرجة لو لم يكن الدين معها موجوداً لكانت كل هذه الامور في خبر كان.
    فوائده للطفل واليافع:


    يحظى الدين بأهمية بالغة ويحمل فوائد كثيرة لجميع الافراد على اختلاف اعمارهم وفي أي مرحلة من مراحل حياتهم. وهذه الفوائد هي على حد سواؤ سواء للاطفال او اليافعين الذين يصلوا مرحلة البلوغ بعد.
    والدين يمنح الطفل في سني عمره الاولى سنداً روحياً بحيث انه يشعر في ظله بأنه مصون من كل سوء وليس هناك ثمة انحراف أو شذوذ سيواجهه في مسيرته، إذ يمنحه شعوراً بالامن والهدوء النفسي، ويصبح سبباً لاطمئنانه، ويمكنه التحرك والاندفاع بقلب قوي وثابت.
    وفي ظل الدين فان السكون والثقة الناجمين عنه يتسببان في نمو قابليات الانسان بشكل اكبر وأفضل، وتتبلور ابداعاته وتجعله اكثر سيطرة على نفسه، وتعمل على تقوية قوة ارادته، وتمنحه قدرة السيطرة والتحكم، وفي ظل قدرة الايمان وهداية الدين يتمكن الطفل

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 496

    تدريجياً ان ينقذ نفسه من الطفولة ويبقى بعيداً وفي منأى من الانحراف والمخاطر الاخرى.
    وينطوي الايمان الديني على فوائد اكثر وضوحاً بالنسبة لليافعين، اذ يمثل عاملاً للبقاء حياً وبعيداً عن عوامل الاضطراب. فاليافع يمتلك اثناء النوم طاقة قوية وكافية للاستيقاظ تمكنه من ان يعرض عن النوم وتأخذ بيده وتعينه عند الضرورة وهذا الامر بحد ذاته يعد عاملاً لنموه واندفاعه نحو الامام.
    واخيراً فالدين يبعث على ان ينام الفرد براحة اكثر، وان يكون اكثر نشاطاً وحيوية، ويواجه الامور بوجه منبسط. وان تكون افكاره واعماله البدنية موجهة، ويطالع دروسه بشكل افضل، ويعمل اكثر، ومنطقة اكثر قوة، ومحبته واخوته وعلاقاته اكثر تأصلاً فيه، واكثر صلابة امام الحوادث، ويتخلى عن التشاؤم، ويعرض عن البذاءة و...
    المخاطر الناجمة عن فقدان الدين:


    فقدان الدين يمهد الارضية امام الكثير من التناقضات السلوكية وحتى الاختلافات والابتلاآت النفسية. وقلنا بان الدين يعد عاملاً للبقاء حياً وفقدانه في حكم سقوط الانسان. ان عدم وجود الايمان لدى الطفل يؤدي به الى ان يعيش في عالم من الشك والترديد ولا يعرف ما هو واجبه وان يكون عاجزاً عن انقاذ نفسه من الغرق وسط امواج القلق والاضطرابات المتعددة الناجمة عن الحياة.
    فقدان الدين والمعتقد يصبح السبب في ان يرى المرء نفسه مقهوراً امام المعاناة والانكسارات ولا حيلة له، وعاجزاً عن البحث عن هدف وغاية معينة

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 497

    في الحياة. حتى ان هذا الامر يسلب النوم والراحة من الانسان ويؤدي الى ايجاد موجبات القلق والاضطراب للافراد.
    الطفل الذي لا يعتقد ولا يؤمن بوجود الله تعالى من الممكن ان ينحدر نحو الرذيلة والانحراف ولا يؤدي واجباته ومسؤولياته كما ينبغي، فضلاً ان هذا الامر سيعد بمثابة تمرين وتجربة غير صحيحة في عدم قبول القواعد ومقررات الحياة اللاحقة.

    بداية الظهور والتعلق بالدين:


    قلنا ان الطفل يعرف الله تعالى فطرياً وعلى هذا الاساس يحب القول بانه يعد فرداً مذهبياً من مرحلة الطفولة الاولى. وبعبارة اخرى فانه يمتلك منهجاً فكرياً وعملياً خاصاً لادراك وفهم حقائق العالم ومنشأها وليس بوسعه القبول بأن الظواهر انما تولدت من تلقاء نفسها وواصلت بقائها وحياتها. وهو عاجز طبعاً ومنذ سني عمره الاولى عن فهم المعاني والمجردات إلا انه يفلح تدريجياً ومنذ سني الصبا في تنظيم علاقته بالله تعالى ويشعر بشيء من المعنوية في نفسه.
    تجدر الاشارة الى ان بعض الاطفال وحتى في سني الصغر يوفقون الى ادراك قوة الجذب المعنوية للدين، إذ ان هذا الامر له تأثير بالغ في سلامة الطفل النفسية وفي حالة وحياته.
    وكلما كبر الطفل، وكلما ازدادت مساهمته في الحياة الدينية لاسرته، وفي التوصيات والملاحظات، والتمرينات العملية ازدادت شدة تعلقه بالدين واصبح اكثر دقة في سلوكه واكثر نجاحاً في السيطرة على حالاته الشخصية.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 498


    مراحل النمو الديني:


    ابتداءاً من السنة الثالثة من العمر فما فوق تبدأ قوة الادراك الديني لدى الطفل بالنمو، ولغاية السنة السادسة في العمر يسعى من خلال تساؤلاته الى توسيع دائرة معلوماته وميوله في مجال الدين. ولعلكم تلاحظون ابنائكم بأنهم يبدأن بطرح الاسئلة حول الله تعالى بحدود السنة الخامسة من العمر ويشعرون بالحيرة جراء عدم قدرتهم رؤية الله تعالى وفي نفس الوقت يبرزون تمسكهم وتعلقهم به تعالى.
    وفي السنوات من 6 ـ 7 من العمر تبرز لدى الطفل الرغبة في ان يكون فرداً دينياً وان يؤدي نفس الاعمال التي يؤديها أبويه في مجال الدين والمذهب. وعلى سبيل المثال فهو يرغب في ان يستيقظ في وقت السحور في شهر رمضان المبارك والجدير بالذكر ان تعاليمنا الدينية تحثنا في واقع الامر الى القيام بايقاظ الاطفال في هذه الايام خلال وقت السحر لكي يستأنس مع خلوة الليل.
    وهذا التعلق ينمو بشكل أكبر لدى الطفل في السنوات من 7 ـ 8 من العمر وفي السنة التاسعة من العمر تبرز امامه افكاراً اكثر نضوجاً في الحياة الدينية ويشعر تجاه نفسه بأن له قيمة واعتباراً لدرجة يتمكن معها ان يربط نفسه بالله تعالى. ويتحقق ارتباطه بالله تعالى عن طريق الصلاة، والصوم والاشتراك في المراسم الدينية ومن هذا الباب فانه يشعر مع نفسه بالغبطة.
    ضرورة التربية الدينية:


    ان هذه المسألة تعد أمراً ضرورياً للطفل بأن يصار الى تربيته تربيةً دينية منذ أوان الطفولة وان تترسخ في ذهنه اصول الدين ومبادئه الاساسية. وفي

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 499

    الحقيقة فانكم ومن خلال تربية الطفل تربيةً دينية فانما تعودوه على نمط خاص في الحياة بدون استخدام الضغط والاجبار اذ انه من الصعب فيما بعد الوصول الى تحقيق تلك الانماط.
    كما انكم تحولون دون ارتكاب الطفل للكثير من الاعمال والسلوك الغير مطلوب من خلال التربية الدينية، وتغلقون امامه طريق الشذوذ والانحراف وتمنحوه قوة الاعتماد على النفس والاستدلال، وتدلوه الى مصدر الجمال، والبر والحقائق وتؤنسوه مع الخالق وتجعلوه متعلقاً به.
    ويتجه الطفل في ظل التربية الدينية نحو الافكار والعقائد التي تؤمن له حياة أفضل وهدوء أكبر وتترسخ خطواته في صراط الحياة بشكل اكبر واكثر رسوخاً. ويفتح في قبله طريقا نحو الملكوت الاعلى وتتيسر أمامه موجبات طهارته من كل الابعاد.
    ولغرض تربية الطفل تربية دينية ليس هناك شيء أفضل من ان نجعل محيط الاسرة محيطاً دينياً مقروناً بالمشاعر العاطفية، إذ ان ذلك بحد ذاته له تاثير عظيم في بناء الطفل وخلق الروحية العالية لدى الطفل. كما ان دور الاسوة الذي يلعبه الآباء والمربون مهم هو الآخر، وانتخبوا لأطفالكم الافراد الذين تحبون أن يكون اطفالكم مثلهم.

    تعريف الله للطفل:


    قلنا انه منذ السنة الخامسة من العمر تتمحور الاسئلة والاستفسارات حول الله تعالى ويدل ذلك مدى انشغال ذهن الطفل بهذا الامر. طبعاً نقوم بتلقينه بأن الله تعالى قد خلق الاشياء كلها ونأتي بالامثلة والمصاديق أيضاً. ونقول مثلاً ان الاشجار من صنع الله، وانه خلق الطيور، والسماء و...

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 500

    ونقوم بتعريف الله تعالى للطفل على انه خالق محسن، عادل ويستمر الامر على هذا المنوال لغاية السنة السابعة من العمر. وكل ما نطرحه أمامه من الأمور نقول له بأنه من عناية الله ولطفه وليس من قهره، وليس من غضبه ونقول له ايضاً بأنه هو الله الذي يعيننا ويساعدنا، وانه الله الذي يطعمنا، وانه الله الذي اعطانا أباً وأماً حنونين. ونعرف الله له على انه انه صديق يمكن الاعتماد عليه والثقة به.
    وبحدود نهاية السنوات 6 و 7 من العمر نحاول انت نتحدث عن عدالة الله، وحسابه، وعن المعاد واليوم الآخر وان نخلق لديه الاعتقاد بأن الله تعالى يثيبنا على اعمالنا، الصالحة فيها أو السيئة، وان الله شأناً خاصاً وحسابات معينة، فله المعاد ولا يدع عملاً دون جزاء أو عقاب ويبدأ الحديث عن عذاب الله ابتداءً من هذه السنوات وعلينا طبعاً ان نحاول عدم تبيان مسألة العذاب بشكل شديد وعنيف وان ندع هذا الامر الى سني الصبا والبلوغ.

    الممارسات العبادية:


    يجب تشجيع الطفل منذ سني الطفولة المبكرة، ومنذ وقت قدرته على السير وتعقيب والدته على ممارسة الاعمال العبادية. مثلاً نستدعيه اثناء حلول وقت الصلاة ليأتي ويقف متوجهاً نحو القبلة بالضبط كما نفعل نحن في الصلاة وان يؤدي الصلاة معنا.
    ومثل هذه الصلاة تنطوي على صورة ترفيهية للطفل وليس جدية، إذ من الممكن ان يقف معنا لفترة معينة ومن ثم ينصرف ليعدو خلف فراشة أو يلهو بأحدى لعبه، وفي هذه الحالة نفرض أي أمر على الطفل ولا نؤاخذه على ذلك.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 501


    وبحدود السنة الخامسة من العمر يصبح الطفل قادراً على الدعاء وان يفرح بذلك أو عندما يرتكب اثماً أو خطأ ما سرعان ما يطالب بالعفو والمغفرة وان يأمل تحقق ذلك. والحقيقة فان مراعاة العقائد والشعائر الدينية تمثل الدوافع التي تبعثه على بذل الجهد والمساعي البناءة. انه غير قادر على أداء الصوم ولكن ايقظوه في وقت السحر لتناول طعام السحر. أو حسب قول الامام الصادق عليه السلام: (احملوه على صوم النصف)، فليصم يوماً من الصبح وحتى الظهر، وفي اليوم التالي من الظهر حتى المغرب. هذه التمارين والممارسات تساعد على نمو الطفل وخلق العادات الايجابية فيه لكي يصبح بوسعه فيما بعد أداء الوظائف الدينية بكل سهولة ويسر. فلو تعاملنا مع الطفل بهذا الاسلوب لن نواجه أي صعوبات امام حياته اللاحقة، ولن تعد هناك حاجة الى اجباره على الصلاة في السنة العاشرة من العمر.
    دور القدوات والجلسات الدينية:


    تربط مقدار رغبة الطفل وتعلقه بالدين بمقدار عمل الابوين وغيرهما من القدوات التي يميل لها الطفل إذ لابد من ملاحظة أي الافراد لهم قدرة التأثير في الطفل والى أي حد يظهر هؤلاء لاافراد رغبتهم في التمسك بالتزاماتهم الدينية. وان تجارب العائلة وعقائد الابوين واعمالهم والمحيطين به لها اثر مهم واساسي جداً في هذا المجال.
    الاشتراك والحضور في الجلسات والمناسبات الدينية مفيد ايضاً للطفل وامر تربوي وبناء، أنه يستمد احياناً معتقداته واعماله الدينية عن طريق الحضور في المجالس الدينية وسلوك المتدينين. ومن هذا المنطق من الضروري استصحاب الطفل معكم احياناً الى هذه المجالس الدينية وادفعوه

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 502

    للمشاركة في المراسيم والطقوس الدينية.
    الا انه ينبغي ان يكون هذا الامر مصحوباً بنوع من المراقبة. ومنه ان لا تتسم هذه المجالس بالاطالة والارهاق فيشعر الطفل بالارهاق من جرائها. كما ينبغي على الخطباء والقائمين على ادارة هذه المجالس ان يأخذوا أحياناً مذاق الاطفال الحاضرين في المجلس بنظرا الاعتبار لكي يشعروا بالنكهة والسرور جراء ذلك. وقدموا له طعاماً لذيذاً وشيئاً من الحلوى أو الشوكولاته واخيراً اجعلوه حساساً ومتعلقاً بتلك المجالس.
    التعاليم الضرورية:


    وفيما يتعلق بالتربيةالدينية للاطفال من الضروري ايضاً اعطائهم بعض التعاليم اللازمة لتصبح الامور التي يمارسونها عملياً مثار اهتمامهم من الناحيتين العلمية والنظرية. ونعتقد بان التعاليم لو نقلت الى الطفل بنحو مطلوب وفي مرحلة الطفولة لأعطت ثماراً صالحة ونتائج ايجابية.
    ويجب ان نأخذ بنظر الاعتبار في هذه التعاليم التركيز على مسألة تناسب سن الطفل مع مستوى فهمه وادراكه ونحاول ان نهيء له المعلومات اللازمة على شكل قصة مناسبة ونضعها بين يديه. وهذا العمل يجب ان ينجز بشكل يتعلم فيه الطفل مجموعة من الاصول والفروع العقائدية والدينية كل 7 سنوات من والديه والأفضل ان تكون هذه القصص خاصة بالليالي وحين النوم.
    التعاليم الدينية تملأ الفراغ النفسي الذي يتسبب في ان تجد الكثير من المفاسد طريقها الى باطن الطفل وسلوكه وتهيىء فرص وموجبات نموه ونضوجه. وليس من شك في أن الكثير من المفاهيم الدينية وخاصة في سني

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 503

    العمر الاولى غير قابلة للفهم من قبل الطفل ومن هذا المنطق فاننا نحرص على انقاذه وتحذيره من هذه الدوامة والضياع في هذا المجال.
    الملاحظات والمحاذير:


    وفي الختام من الضروري ان نلفت انظار الآباء المحترمين الى بعض الملاحظات والمحاذير اللازمة في هذا المجال لكي تسير مسألة تربية الطفل دينياً واشباع متطلباته بصورة أكمل ولكي يبقى في منأى من مخاطر السير في هذا الطريق.
    1 ـ يجب ان تقترن التربية الدينية بالاخلاق والعواطف الانسانية بحيث تخلق الاجواء المساعدة على النمو لدى الافراد.
    2 ـ في حالة القيام بأداء عمل ديني يجب أن يحظى بالثناء والاستحسان لكي يشعر بالسرور ويتمسك بالاستمرار بذلك.
    3 ـ لا تجبروا الاطفال الصغار على القيام بأداء عمل ديني معين اطلاقاً ولا تدعوه يشعر بالاشمئزاز والعقدة من ذلك.
    4 ـ بينوا له الدين كما هو عليه ولكن بلغة الاطفال
    5 ـ لا تختلقوا أمراً ما لغرض كسب انظار الطفل ومسرته مطلقاً ذلك ان ازالة آثار ذلك من ذهنية الطفل ستكون أمراً عسيراً فيما بعد.
    6 ـ لا ترهقوا الطفل في انجاز الامور الدينية ولا تتوقعوا منه ان يقوم مثلاً باحياء الليالي بالعبادة أو اداء الصلوات المستحبة أو قراءة الادعية التي لا يفهم معناها كما تقومون انتم بذلك.
    7 ـ تحدثوا له عن الله تعالى بشكل دائم على أنه حاضر وموجود،

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 504

    الحاضر الذي هو ناظر ومطلع على أعماله ويسمع كلامه ويتخذ قراراً بحقه.
    8 ـ ابذلوا ما بوسعكم وابتدأً من عمر التمييز لكي لا تنساب المسامحة والتهاون الى أمر الدين ويجب ان تكون مراقباتكم غير مباشرة.
    9 ـ لا تستعدلوا في أمر التربية الدينية وجعل الطفل فرداً متديناً، بل اعملو بتأن وتدريج.
    10 ـ استفيدوا من قدرة الدين ورقابة الله تعالى لغرض السيطرة على سلوكه واخلاقه.

    * * *




  • السابق السابق الفهرس التالي التالي