الأسرة ومتطلبات الأطفال 413


الفصل الرابع



الحاجة الى التقليد والمشابهة

المقدمة


لقد قالوا بأن احدى اقوى غرائز الانسان هي غريزة التقليد والميل الى مشابهة الآخرين في السلوك والعمل. والمراد من التقليد رغبة الفرد لترجمة عمل معين الى واقع عملي قام به الآخرون. وله صورة غريزية إلا انه من الممكن القيام به عن الطريق الشعور والارادة أيضاً.
والمراد من المشابهة ان يشابه الفرد نفسه بطباع ومشاعر وافكار بل وحتى افناء شخصيته بشخصية فرد آخر.
وهاتين المسألتين ينظر لهما من احدى الجوانب على انهما مسألة واحدة وهدفها تأمين خير وسعادة النفس والبقاء بعيداً وفي مأمن من الشرور. وآلية هذا العمل تكمن في ان الشخص يريد ان يجعل نفسه مشابهاً ومنسجماً مع افراد آخرين يتعمتعون بنفوذ اكبر لديه ويمثل ذلك بحد ذاته نوعاً من التبعية النفسية التي تتولد لدى الطفل منذ مرحلة الطفولة.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 414


شمولية ذلك وأهميته:


ان هذا الأمر لا يختص بالاطفال أو بفرد معين أو بجنس او لون معينين، بل انه موجود لدى جميع البشر وفي جميع مراحل العمر، والدليل على ذلك تمسك الافراد بالآداب والتقاليد والاعراف وانماط السلوك والاخلاق.
وقد اعتبره العلماء من أثمن واغلى الميول البشرية، إذ انه يعلم الانسان كيف يختار لنفسه الافضل من بين عدة خيارات على اساس مستوى ادراكه وفهمه ويواصل طريقه.
وقد اعتبروه كذلك بأنه أهم واكثر تأثيراً من التعليم في بعض الجوانب لأن الطفل يجد نفسه عملياً بأنه وجهاً لوجه مع الاسوات والقدوات، ويطلع على اسرار وسائل أمر ما كما هو عليها.
وينظر الكثير من علماء النفس الى المشابهة والتقليد على انهما اساس تكوين وبلورة الاخلاق بل وحتى يقولون بان جانباً مهماً من طبيعة الانسان ناجمة عن ذلك ويقولون بأن حركات الانسان وسكناته تصدر على هذا الاساس.
ويلعب التقليد دوراً مهماً في تربية سلوك الانسان وله تأثير بالغ على نضوج شخصية الانسان. ذلك ان الانسان يشعر في ظله بعدم وجود المسافة بينه وبين الآخرين وبأفكاره ملازمة ومماثلة قدوته. ومن جانب آخر فان جزء مهما من التعليمات تحصل على اثر التقليد مثل تعليم اللغة، وتعليم كيفية المعاشرة، ومراعاة الآداب والتقاليد، وابراز المحبة واللطف، وحتى كيفية الدفاع وغيرها، وبشكل عام يعد وسيلة لتسهيل التعليم والتطوير والاخذ بيد الفرد للحصول على الطريقة التي حصل عليها الآخرون خلال سنين عديدة من التمرين والتجربة.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 415


التقليد لدى الاطفال:


يلاحظ التقليد لدى الاطفال بدرجة شديدة والى الحد الذي يمكن القول معه بانه افضل حتى من اكثر الحيوانات تقليداً في هذا المجال أيضاً. انه يراقب بشكل متواصل لكي يرى سلوكاً أو حالة معينة من أبويه أو الآخرين ليقوم بتقليدها وحياته على العكس تماماً من حياة الكبار، إذ أنهم يتأسون بالقانون والدستور.
وهذه الحالة شديدة جداً لدى الاطفال وخاصة من حيث ان التعقل والادراك لديه ضعيفان، وهي من الامور العادية لديه والطبيعية لدرجة انه يكرر ما يراه، حتى انه لو سمع صوت بكاء احد الاطفال فانه سيبادر الى تقليده ويشرع بالبكاء.
وحاولوا التدقيق في السلوك اليومي لاحد الاطفال ستدون كيف ان مجمل حياته ناجم عن التقليد. فالقيام بالكنس والتنظيف، وكيفية الرسم، وارتداء الملابس، واللعب والحركات، وحتى الضوضاء وكيفية الايذاء عبارة عن تقليد للقدوة والاسوة التي عثر عليها في طريقه.
ويظهر حساسيته وتأثره ازاء الامور التي تحصل له ويحاول من خلال مشابهة نفسه بالقدوة والطريقة التي يرغبها ان يعبر عن مشاعر واحاسيسه ويقتبس ما يمكنه اقتباسه من الاشياء التي يعثر عليها ويهتم بها ويسخرها بالتالي في حياته.
حاجتهم الى التقليد:


الاطفال بحاجة الى التقليد وهذا الامر ضروري لحياتهم المستقبلية ولنموهم وبلوغهم مرحلة التكامل والانسانية. انه يرى نفسه بحاجة الى التقليد

الأسرة ومتطلبات الأطفال 416

لغرض الحصول على حقوق معينة في سبيل كسب محبة الآخرين ومن جهة اخرى الحصول على قدرة معينة يمكنه في ظلها ابراز وجوده.
ان الاساس في دفع الطفل نحو مسألة التقليد والشعور بالحاجة الى ذلك يتمثل أولاً في ان أمراً مدهشاً يجذب الطفل نحوه ويلفت انتباهه اليه ومن ثم يحاول هو ان يجعل نفسه مشابها لذلك الفرد ومتمكناً مثله وينجح بالتالي في انجاز الامور. وكذا الحال بالنسبة للميل الى التعلق، إذ تكون له ابتداء صورة جسمانية لدى الطفل وما يلبث فيما بعد ان تكون له صورة نفسية ويسعى الطفل الى ان يذيب نفسه فيهم من خلال اتباعهم، حيث يمثلون له انموذجاً مناسباً في هذا الأمر. ويجعل من سلوكهم مرجعاً له. والمراد هنا انه طالماً لم يحصل للطفل مثل هذا التقليد فانه يرى نفسه فاشلاً في هذا المجال.
جذوره ودوافعه لدى الاطفال:


لغرض الاجابة على السؤال التالي، لماذا يلجأ الطفل الى التقليد هناك اجوبة متعددة من الناحية العلمية. ومنها انهم قالوا بأن جذوره تعود الى الشعور بالضعف والرغبة في الحصول على القدرة. والبعض الآخر قالوا بأن اساس ذلك هو دوافع الخير والمصلحة.
ومجموعة اخرى قالت بأن مرد ذلك يعود الى الرغبة في النمو والتطور لغرض صيانة النفس والمحافظة عليها ومواصلة الحياة. والتطابق مع الحياة والجبر في ذلك تناوله أيضاً جمع آخر بالبحث والدراسة.
ويقولون ان الطفل عندما يقلد انما يحاول في الحقيقة الى ترجمة امر ما في القوة الى الفعل وينجز عملاً قام به الآخرون في ظل الوعي والتجارب. وعلى أي حال فقد قالوا بأنه يمثل رغبة فطرية وذو جنبة طبيعية وذاتية

الأسرة ومتطلبات الأطفال 417

ولا شعورياً أيضاً في بعض الموارد بمعنى انه يقلد ويتبع الآخرين بدون ان يتلقى أمراً بهذا الخصوص.
ضرورته وفوائده:


واما بشأن ضرورته وفوائده يمكن الحديث عن مسائل كثيرة بهذا الصدد، منها:
  • في ظل التقليد يصبح أمر الطفل سهلاً، ويتحقق تعليمه بشكل يسير.
  • تزداد قابليته واستعداده للدخول في غمار الحياة المستقلة.
  • في سبيل حل المشاكل والمعضلات فان تعلم اسلوب وكيفية ازالتها تساعد الطفل في هذا المجال.
  • الاستفادة من القدوات في السلوك والفعل والاعمال يعد درساً مناسباً للطفل وعملاً قابلاً للفهم والادراك.
  • التقليد يعلم الطفل طريق الهروب من الخطر ويعمد الطفل الى استخدام الاسلوب الذي تعلمه بذاته.
  • التقليد يهيىء الارضية المناسبة لمواجهة الحالات المتعددة وتضع بين يدي الطفل الظروف والمعلومات اللازمة.
  • وفي ظله يتعلم الطفل كيف يتعامل مع الظواهر والاشياء.
  • واخيرا يمثل التقليد طريقاً للاعتراف من تجارب الآخرين وايجاد اسلوب منفصل ومستقل في الحياة.
    خطر التقليد على الطفل:


    بالرغم من كل الفوائد التي ينطوي عليها التقليد للطفل فانه احياناً يولد له المخاطر. وان مساحة خطورته واسعة جداً وجانباً منها يتمثل بما يلي:

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 418

  • التقليد يساعد على الضمور الفكري للطفل، ولو استمر وتكرر فانه سوف يشل الفكر والذهن بشكل كامل.
  • التقليد يصبح السبب في ان لا يستخدم الانسان ابداعه، وكذلك تزول ارضية التنوع في اداء السلوك.
  • لو كان مراجع تقليد الطفل افراداً فاسدين، فانهم سيصبحون السبب في تعلم الامور السيئة كالايذاء وحالات الازعاج.
  • ينطوي التقليد على ضرر كبير، وهو ان الافراد يعتادون على ظواهر الامور ويغفلون عن علاقات العلة والمعلول للامور.
  • والتقليد بشكل مجمل علامة على سوء حظ الانسان وضعه واحتياجه، ولو تمكن الانسان ان يكتشف لنفسه طريقاً من خلال فكره وذهنه وبشكل مستقل فسوف لن يكون بحاجة الى التقليد.
    ولهذه الاسباب يجب ان يكون الاباء والمربون على درجة من اليقظة والحذر لكي لا يدعوا الطفل يبني حياته على التقليد الصرف. إذ عليه ان يفكر بنفسه ويصمم ويتخذ القرار بنفسه وان يقلد احياناً أيضاً لغرض تسهيل برامجه واعماله.
    في أي سن يجب ان يبدأ التقليد:


    يبدأ التقليد منذ الشهور الاولى من العمر، ويمكن القول بكل صراحة أن الطفل يعد مقلداً منذ نهاية الشهر الثالث من العمر ويمكنه بشكل أو آخر ان يقلد الانماط السلوكية التي يراها بعينه في محيط العائلة، من خلال سلوك ابويه. وكلما ازداد عمر الطفل ازدادت قدرته على التقليد أيضاً الى درجة يمكن القول معها بأنه يصل في السنوات الثلاثة الاولى من عمره الى اعلى درجات التقليد

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 419


    كما يسعى الاطفال في هذه المرحلة ان يكتسبوا المزيد من الخصائص الاخلاقية والروحية من قدراتهم ونماذجهم.
    وتتجدد شدة هذا الامر مرة اخرى في السنين من 5 ـ 7 سنوات ويتقدم الطفل سريعاً في طريق التقليد لدرجة يمكن معها ان نعتبره صياداً ماهراً في هذا المجال. وأما مرحلة ركود التقليد أو التقليد القليل تستمر الى حدود السنة 11 من العمر، ومن هذا السن وخاصة في سني الحداثة والبلوغ يصل التقليد الى ذروته، وهذا التقليد يعد من وجهة نظرهم بأنه الوسيلة لبلوغ مرحلة النضوج والكمال.

    المراحل العملية للتقليد:


    ان الابحاث التي قام بها علماء الاجتماع ومنهم جورج ميد تشير الى ان الانسان يطوي ثلاثة مراحل محددة في التقليد وهي تؤثر بأجمعها في تنمية شخصيته :
    1 ـ مرحلة التقليد الاعمى:


    حيث يقوم الطفل في هذه المرحلة باداء عمل معين بدون ان يلتفت الى عمله وسلوكه. فهو يؤدي الادوار دون ان يقيمها ويزج بنفسه في الادوار المختلفة ويمارسها ويتمرن عليها و...
    2 ـ مرحلة التمثيل الفردي:


    ويؤدي الانسان في هذه المرحلة سلوكاً معيناً يقوم به الآخرون. إذ يلعب ادواراً متعددة. فأحياناً يأخذ دور بائع الملابس، واخرى بقالاً، وفي احيان اخرى دور الطبيب وبائع الادوية و...

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 420

    3 ـ مرحلة التمثيل الجماعي:


    حيث يقوم الطفل في هذه المرحلة بتقييم الادوار المختلفة ويتفحصها ويهتم بها ويطبقها. ويرى نفسه في أي الادوار يمكنه ان يؤدي دوره بشكل افضل. وعلى سبيل المثال يضع نفسه في دور النجار أو العطار أو الطبيب ويفهم ماذا يعمل في هذا المجال.
    مرجع تقليد الطفل:


    من هم مراجع تقليد الطفل؟ ومن هم الذين يقلدهم الطفل؟ انه سؤال شائع، وجوابه ان مراجع تقليد الاطفال في الغالب هم الاشخاص الذين يحترمهم الطفل ويقدرهم. اذ يدور في خلد الطفل بعض الافراد الذين يحاول ان يكون مثلهم من الناحية الروحية.
    كما ان الطفل يتعلم الشجاعة من والده، والحنان والعاطفة من الام وفي الموارد الاخرى من المعلين وقادة المجتمع. كما ان الاطفال يتأسون احياناً بوسائل الاعلام العامة، ويتخذون من أبطالها قدوة لهم. وعلى أي حال فان الاطفال يقلدون من يحظى باحترامهم وتقديرهم. ومن هذا المنطق ينبغي للآباء ان يلتفتوا الى هذه المسألة. ويعرفوا قدوات اطفالهم وان كانت هناك ضرورة للهداية والاصلاح عليهم ان يبادروا الى ذلك. إذ ان صلاح الاطفال وفسادهم في السلوك وانحرافاتهم واستقامتهم في هذا المجال يمكن ان تفسر وفسادهم في السلوك وانحرافاتهم واستقامتهم في هذا المجال يمكن ان تفسر.
    مسؤولية الأبوين في مسألة القدوة:


    الطفل يفتح عينيه عليهم. ويأخذ نصيبه من تصرفاتهم وسلوكهم ويعد نفسه لمواجهة الحياة. فلو كان الآباء يقرون ويؤمنون بأن جزء مهماً من سلوك

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 421

    الفرد ناجم عن تقليده اياهم ففي تلك الحالة لابد لهم ان يعيدوا النظر في سلوكهم في حضور الطفل على اقل تقدير.
    وعليهم ان يلاحظوا سلوكهم، واقوالهم وحتى كيفية ارتدائهم الملابس لكي لا يتعرض الطفل الى الخلط والاشتباه في بلورة اخلاقه. كما يجب ان تؤخذ هذه الملاحظة بعين الاعتبار أيضاً ففي العوائل التي يسودها المزيد من الدفيء والعواطف في العلاقات فيما بينهم سيسعى الطفل الى مماثلة ومشابهة والديه بشكل اكبر وسيحاول ان يتخذ منهم اسوة وقدوة بشكل أقوى أو ان يجعل من موازينهم دليلاً له في سلوكه.
    ويمارس الابوان الرئاسة والسلطة على الاطفال في نفس الوقت الذي يمارسون فيه المحبة والحنان معهم أيضاً. ان الطفل واقع تحت تأثيرهم دون ان يدرك علة هذا السلوك. ان تصرفاتهم واقوالهم القيمة أو الفاسدة لها تأثير بالغ على الاطفال. فالذين يأخذون بنظر الاعتبار المعايير السامية في حياتهم فان اطفالهم سيطبقون نفس تلك القيم في حياتهم أيضاً.
    التأثير السلبي للقدوات:


    كما يجب على الآباء ان ينتبهوا الى هذه الملاحظة، إذ ان تأثير الكثير من القدوات على الطفل وكذلك تقليد الاطفال للنماذج والقدوات في احيان كثيرة تكون سلبية. فالاعمال وحركات الاشخاص والقدوات التي تبدو للطفل بانها الافضل لها تأثير بالغ على الاطفال.
    ان وجود هذه الارضية لدى الطفل وبالرغم من كل آثارها الايجابية التي نراها تمثل انذاراً وتحذيراً للآباء والمربين لكي ينتبهوا الى مخاطرها أيضاً. وعندما يجد الطفل نفسه بين الجماعة ومعهم فانه يقلد أساليبهم فتراه يتحدث

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 422

    مثلهم، ويضحك مثلهم حتى انه يماثلهم في نزاعاته ومشاجراته، وهذا الأمر يأخذ لديهم طابعاً تقليدياً.
    ومن هذا المنطق فان تشبيه السلوك الشخصي بسلوك الآخرين لا يحتاج الى مزيد من الاوامر. بل يكفي ان نسير في مسار مدروس وعندها ستحل اعمالنا وبرامجنا في الطفل وسوف تنتقل خصائصنا السلوكية اليه.
    ضرورة توجيه الطفل في اختيار القدوات:


    ان الآثار السلبية للتقليد والتشابه تتمثل بتلك التي تطرقنا لذكرها ضمن موضوع مخاطره، إذ من الممكن ان ينزلق الطفل نحو الامور الغير مستساغة والغير مقبولة على اثر التقليد، حتى انه لوحظ في هذا المجال بأن الاطفال قلدوا طريقة اناقتهم وحلاقة شعورهم عن ممثل أو راقص معين أو انهم اقبلوا على الفساد. كما ان طباع واخلاقيات، ومشاعر وأفكار المحيطين تكون جميع جوانب شخصية الطفل.
    وبسبب هذه الآثار الغير مطلوبة، يجب ان يحدد الطفل مساره في هذا المجال، ولابد للآباء والامهات ان يزودوا الاطفال بالمعلومات اللازمة ويفهموهم من هم الافراد الذين يجب ان يقلدوهم وفي أي الموارد. فهل يا ترى يمتلك جميع الافراد صلاحية اتباعهم وتقليدهم لكي يقلدهم الطفل أم لا؟ انه امر يجب ان يدركه الطفل.
    وفي هذا المجال من الضروري ان يقوم الآباء والمربون بتعليم الطفل طيلة مدة تعاملهم مع الطفل وتربيته بموازين الثقافة، والمذهب، والاخلاق لكي يطلع بالمجموع على القوالب والاطر الاصلية للسلوك. كما يمكن في بعض الموارد تنبيه الطفل الى عدم تقليد كائن من كان من الناحية الاخلاقية من

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 423

    خلال توضيح القصص الاخلاقية الهادفة والبناءة.
    ضرورة التمهيد للتخلص من التقليد:


    من الضروري ان نعمل على خلق بعض الاجواء التي تساعد الطفل على التخلص من مرحلة التقليد تدريجياً، ويدخل مرحلة التفكير والاستقلال في الرأي. ان الطفل يمر بمرحلة يعاني في ايامها الاولى من التقليد، وهذا الأمر ضروري أيضاً للطفل من عدة جهات لأنه لو كان على الطفل ان يتعلم جميع الامور شخصياً وفي ظل التجربة فذلك يتطلب منه ان يعيش سنين متمادية لكي يصل الى مستوى طفل في الخامسة من عمره حصل على بعض التجارب في ظل التقليد.
    اذن فالتقليد ضروري لكي يكسب الطفل التجارب الاساسية في السنوات الخمس الاولى من العمر ويصبح بامكانه السير على خطى الانسجام مع المجتمع، ولكن بعد ان ينمو ويكبر تدريجياً عليه ان يقيم بناء حياته على اساس التجربة والادراك الشخصيين، إذ لابد له ان يقدر على تشغيل واستخدام فكره، ويحيي قدرته على الابتكار والابداع ويجعلها فعالة. ويواصل الاعمال ويديمها بناء على ارداته وتقييمه ووزنها من قبله. وانه لمن المضحك جداً ومن غير المطلوب ان يكون الفرد في سنوات المدرسة ويواصل حياته على اساس التقليد أيضاً.
    نعم، ان التقليد ضروري الى آخر لحظة من العمر ولكن للامور التي غما انها لا تمتلك الاهمية اللازمة للتعويل على تجربتها من حيث العمر أو لا تتيسر امكانية الحصول عليها بسهولة. والاساس في كل الامور يجب ان يستند الى بذل الجهود اللازمة لغرض تحقيق كشف الامور شخصياً.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 424

    المحاذير في مجال التقليد:


    وفي الختام من الضروري ان نشير الى بعض الملاحظات اللازمة في هذا المجال:
    1 ـ ابعدوا الطفل عن القيام بأعمال التقليد الغير مطلوبة والمخالفة للاخلاق والمجتمع.
    2 ـ ابعدوا الافراد الذين لا يتمتعون بصلاحية القدوة عن انظار الاطفال.
    3 ـ احملوا الطفل على التقليد في بعض الموارد، ولكن ليس بالشكل الذي يغرق معه في التقليد.
    4 ـ اعملوا على توجيه اهتمام آبائكم نحوكم بشكل اكبر عن طريق الحب والمحبة دون الآخرين.
    5 ـ ان ذكر قصص المعصومين عليهم السلام، والشخصيات الاسلامية وتصوير حياتهم للاطفال درس جيد لتعليمهم فلا تغفلوا عن ذلك.
    6 ـ في حالة ملاحظة الامور السلبية في التقليد ابذلوا ما بوسعكم من اجل ازالة تلك الامور من ذهنية الطفل وبأسرع ما يمكن لكي لا تتأصل فيه.

    * * *



    الأسرة ومتطلبات الأطفال 425


    الفصل الخامس

    الحاجة الى المقررات
    والنظم والترتيب

    المقدمة


    ان الطفل لم يضع اقدامه على اعتاب الحياة الدنيا وهو عارف بكل العادات والتقاليد وليس مطلع على كل الامور. اذ من الممكن ان يحمل بداخله بعض الصور على شكل أبعاد فطرية أو مؤيدات وهو ما موجود فعلاً الا انه يجهل المصاديق تماماً بل هو غافل عنها. والتربية مكلفة بتعليمه المصاديق والانماط العملية للحياة الاجتماعية وطريقة التعامل مع الاشياء والظواهر وتمكنه من الغلبة على المشاكل والمعضلات. انه لا يدرك عواقب عدم مراعاته المسألة الفلانية أو ما هي المصاعب التي ستواجهه ان لم يعمل وفق الضابطة الفلانية. أما الآباء والمربون الذين عاشوا ردحاً من الزمن ويمتلكون تجارب معينة في الحياة عليهم ان يكونوا حذرين وواعين في هذا المجال وان يعطوا حصيلة تجاربهم لابنائهم ويهيئونهم لكي يعيشوا حياةً اجتماعية سليمة ومفيدة.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 426

    مسألة النظم والترتيب:


    من المسائل التي يحتاجها الانسان في حياته العادية اليومية هي مسألة النظم والترتيب ومراعاة المقررات والضوابط. ومرادنا من النظم نوع من السيطرة والتفتيش في دائرة العمل والسلوك الشخصي بشأن المواقف المتخذة ونمط التعامل مع الاشياء والاشخاص مع ملاحظة مسألة التقديم والتأخير.
    والغرض من ذلك هو أولا ان يجعل الانسان كل شيء في مكانه المناسب، وثانياً ان يأخذ بنظر الاعتبار مراعاة مسألة النظم والاوليات. وهذا الأمر محل حاجة الانسان طيلة حياته، ولكي تنتظم الامور بشكل طبيعي يجب ان يأخذ هذا البعد بنظر الاعتبار.
    ان مراعاة النظم والترتيب في الامور والمحافظة على الضوابط والمقررات في هذا المجال تصبح السبب في تقليل نسبة الجهود والمحاولات المبذولة وان تكون حصيلة الاعمال بنسبة مرضية وكافية، وان لا تظهر الخسائر في الامور، ويتمكن الانسان من الاستفادة من حياته بشكل كاف بنحو افضل. وهذا الامر يحظى كذلك بموافقه وتأكيد الاسلام عليه، إذ يريد الاسلام في نظامه للحياة ان يسود هذا الوضع في المجتمع والجميع يراعون ذلك (ونظم امركم...).
    حاجة الاطفال الى النظم والترتيب:


    ان الحاجة الى النظم والترتيب ومراعاة الضوابط والمقررات تعد من الاحتياجات الاساسية والنفسية للاطفال، ولا تقتصر الحاجة لذلك على المسنين والبالغين فقط. فالاطفال يمرون بمرحلة ووضع خاصين يشعرون معه بلذة التمتع من هذا الوضع، ويحاولون برغبة شديدة الحصول على ذلك.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 427


    فاجعلوا تحت تصرفهم وفي متناول ايديهم بعض الادوات والوسائل كالمأكولات، واللعب ولاحظوا كيف يقومون بتنظيمها وترتيبها بكل شوق ورغبة وكيف انهم يستهلكون جانباً مهماً من اوقاتهم لكي يجعلوا الاشياء منظمة.
    وقال العلماء ان الرغبة في النظم ذو اساس فطري لدى الاطفال والاساس في ذلك ان الطفل يريد ان تتسم جميع الاشياء المحيطة به بالدوام والهدوء. إذ ان التغييرات الكثيرة في الحياة تجعل الطفل يشعر بالقلق وينظر لها على انها تشكل خطراً على أمنه. ومن هذا المنطلق فان اشعة النظم في جميع امور حياته واضحة للعيان، ولكن مع ملاحظة هذه المسألة فهو لا يفهم المصاديق بشكل جيد ولا يدرك الشروط والمقررات المرتبطة بالنظم.
    ومن اجل اشباع احتياجات الطفل من الضروري الالتفات الى هذه المسألة أيضاً ونجعل الطفل منسجماً مع الشروط والضوابط ونحمله وهو في مرحلة الطفولة، على اداء فعالياته وفق النظم والضوابط حسب مقتضى احتياجه واستعداده ورغبته وتعلقه بذلك.
    ضرورته وأهميته:


    وبشأن ضرورته للطفل لابد من القول بأنه يشمل جزء من اصول وضوابط التربية التي لابد من تطبيقها بشأن الطفل وان تطبيقها ومراعاتها يعد امراً مهماً ذلك ان الحياة السليمة ومقتضى مستقبل الطفل والاستفادة الصحيحة من العمر تتعلق بهذا الامر.
    اننا مضطرون الى حمله على مراعاة النظم والترتيب وذلك لأنه في المستقبل القريب يجب ان يهيىء نفسه لتحمل المسؤوليات وينظم نشاطه

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 428

    وفعالياته. ولابد لعلاقاته واسلوبه ان يخضعان للنظم والسيطرة وتنجو نفسه وذاته من الهرج والمرج.
    ان النظم والترتيب في الامور امر مهم للطفل ومراعاة الضوابط بشأنه امر ضروري لكون ان هذا الأمر يشمل في نظام الحياة الانسانية جزء من الادب الظاهر والباطن ووسيلة بشأن بناء الذات وتمريناً لادارة النفس والسيطرة عليها. وعندما يتعود الطفل على النظم فانه لن يكون في الواقع مندفعاً على اساس اهوائه وميوله دائماً وان يعيش بذكاء بل سيخضع نفسه مضطراً الى القواعد والآداب ويجعل نفسه تابعاً لها وتتهيىء بالتالي موجبات انسجامه وتطابقه مع الضوابط والمقررات الاجتماعية.

    فوائد النظم والترتيب للاطفال:


    حيث يتمكن الطفل في حياته اللاحقة ان يستفيد من حياته وعمره بنحو أفضل واكبر ويبقى بعيداً عن الاضطراب والتأرجح والهرج والمرج ويلجأ الى استخدام النظام والترتيب. إذ تتحقق له موجبات الثقة بالنفس والاستقلال في المأكل والملبس واداء الامور العادية وتشكل هذه المسألة نقطة ايجابية له بشأن استغنائه عن الوالدين والتقليل من متاعبهم.
    ان وجود النظم والترتيب يحول دون بروز الاضطراب الفكري وهذا الأمر بحد ذاته له تأثير واضح على سلامة الطفل النفسية، إذ يتحقق خير الطفل وصلاحه وحريته وأمنه في ظل هذا الوضع، ويبقى الطفل في منىءً عن الاعراض العصبية كالقلق، وتشويش الخاطر لأن ذلك له بالغ الاثر في نموهم ونضوجهم.
    ويتسبب النظم والترتيب في الحياة العملية بايجاد موجبات النظم في الهدف والسبب في اتخاذ المواقف المناسبة والدقة وتقوية الارادة. وتحظى

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 429

    حياته بلون وبريق أخاذ وتتسبب في إسعاده. وفي هذه الحالة يتمكن من الانطلاق بثقة أكبر.

    أبعاد النظم:


    النظم والترتيب اللذان نوصي بهما بشأن تربيةالطفل والحاجة التي يشعر بها الطفل لهذا الامر تمتلك ابعاداً واسعة ومتعددة. فهذا النظم يشمل كافة الامور من قبيل مارعاة الترتيب في الاعمال،وتنظيم اللعب، ووضع الدفاتر والاقلام واكتب في اماكنها، خلق وارتداء الملابس في مكان معين، مراعاة وتنظيم اوقات اللعب والاستراحة والنوم والمطالعة والدراسة والواجب، واداء الاعمال العبادية كالصلاة والغيرها.
    ويجب عليه ان يؤدي جميع اموره ومسائله عن طريق النظم والبرمجة. وان تكون اوقات غذائه وتسليته وفق ضابطة معينة ويتسم هذا الامر فيه على شكل عادة. كما يجب ان يكون هذا النظم بصورة تصبح معها الاعمال والسلوكيات قابلة للتصوير والتخمين بحيث يتمكن في الظلام ان يجد شيئاً معيناً في محله. ومثل هذا النظم والترتيب في الامور يبلور الارضية المناسبة لظروف الحياة حتى ان الطفل يبدو عليه الرضا عن حياته ومتفائلاً تجاهها. كما ان الآباء والامهات ومربوا الطفل فرحون جداً لهذا الوضع وسعداء لأن اتعابهم وجهودهم في التربية قليلة جداً.
    التعاليم اللازمة في هذا المجال:


    ان مراعاةالنظم يعد امراً اكتسابياً ويتمكن الطفل ان يحصل على اصول المسألة وضوابطها عن طريق التدريب والتعلم ويطلع على فنونها وكيفيتها.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 430

    وعلى الآباء والمربين ان يبادروا الى تعليم الطفل اصول هذه المسألة ويهيئوا الارضية المناسبة امامه لاطلاعه على قواعد ومقررات هذا الامر بكل ابعاده.
    واما في كيفيه هذا التعلم يمكن سلوك الطرق التالية:
  • التعلم عن طريق ارائة النموذج والقدوة بحيث يرى الطفل ويدرك ماذا عليه ان يفعل.
  • التعلم عن طريق سرد القصص التي يمكن من خلالها تعلم طريقة واسلوباً عملياً لأمر ما.
  • حمل الطفل على اداء الاعمال وتوجيهه بشكل عملي اثناء بذله الجهود واصلاح اخطائه اثناء العمل.
  • الايحاء للطفل مباشرة والافصاح عن مثل هذه العبارات بأني لو كنت محلك لفعلت كذا وكذا.
  • حمل الطفل على التفكير والتدبر لكي يدرك بنفسه ويكتشف الطريق والاسلوب الذي ينبغي له سلوكه في اداء الاعمال.
    العوامل المؤثرة في التعلم والاعتياد على النظم:


    لكي يتعلم الطفل النظم والترتيب ويراعي قواعده بوجه اكمل هناك عوامل مؤثرة في ذلك لا بد له من اخذها بنظر الاعتبار ويعمل بها:
  • شرائط ومقتضيات الاسرة من قبيل النظم والترتيب، والاضطراب، أو تهدئة الامور وترتيبها.
  • اسلوب الابوين في مراعاة النظم والترتيب وتمسكهم بالاصول القواعد التي يتحدثون عنها لان الطفل يعد مراقباً جيداً على اعمال وسلوك

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 431

    الابوين.
  • نمط التعامل مع الطفل من حيث المحبة والاخلاق ومقدار القبول ومراعاة النقاء والصدق والاخلاص معه.
  • وجود الطفل الآخر في العائلة وسلوكه ازاء المسائل والامور ومقدار قبوله ومكانته في العائلة.
  • يجب ان يدور الحديث وابداء وجهات النظر في البيت بشأن الطفل حول النظم والترتيب وتعظيم هذا الامر واظهاره على انه امر مهم.
  • ابداء الملاحظات والتوصيات اللازمة بشأن المشاكسات ومقدار الجهود المبذولة بشأن اصلاح الاشتباهات وازالتها.
  • واخيراً حالات الاطلاع، والسماع، والاستفادة المباشرة وغير المباشرة في هذا المجال.
    الاستفادة من الاخلاص والمحبة:


    لو أردنا ان نربي اطفالنا لغرض مراعاة النظم والترتيب وان نخلق فيهم هذه الطباع والعادات فان احدى الطرق المفيدة والمؤثرة في هذا المجال تتمثل بأننا ومن خلال تنصيب انفسنا كقدوة علينا ان نتحلى بالصدق والاخلاص مع الطفل في هذا المجال. وان نخلق معه حالة من الانس والتآلف لكي ينظر الينا كأحباء له ويحرز فينا نوايانا الحسنة تجاهه.
    ان اللجوء الى العنف، واستخدام التوبيخ في هذا الامر له تأثير قليل. إذ ان النظم والترتيب المتولدان في ظل اللجوء الى استخدام القوة والتهديد سيزولان بمجرد ادنى تساهل في هذا الامر. وعندما يرفع الضغط والقوة عن

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 432

    الطفل فانه ليس فقط لن يعود الى وضعه السابق بل ان وضعه سيتردى اكثر من ذي قبل. حتى انه لو كان يتمتع بأدنى رغبة في النظم والترتيب فانه سيعرض عن ذلك أيضاً أو يتركه بسبب رغبته في الانتقام.
    فالاساس في مسألة التربية ان الطفل لو عمد الى مراعاة النظم والترتيب في تناول الطعام، والنظم في ادوات لعبة وفي بقية اموره الاخرى يجب ان ينعم ويلمس مسألة التأييد والمحبة بعنوان هدية له على عمله هذا. ان اسلوب المحبة والثناء هو الاسلوب الذي يرغبه الاطفال حتى ان التجارب اثبتت في أصعب الظروف والاحوال ان التشجيع والثناء أفضل كثيراً من التوبيخ واللوم والمؤاخذة.
    واجعلوا الاساس في عملكم مستنداً الى ان يتذوق الطفل طعم النظم والترتيب ويدرك فوائده بشكل عملي. كأن يدخل في الظلام ويعثر على ملابسه ويشعر بالشغف جراء ذلك. ان الرضا النفسي الناجم عن ترسيخ الاصول الاخلاقية لدى الطفل يلعب دوراً مؤثراً جداً فلا تغفلوا عنه في تربية الابناء.
    اعداد البرنامج للحياة:


    من المسائل المؤثرة في التمرن على النظم والترتيب للطفل وترسيخها لديه هي مسألة اعداد البرنامج اللازم لممارسة الحياة اليومية للطفل وتعويد الطفل على الاستمرار في هذا البرنامج. وعندما يريد الآباء مساعدة الطفل ويرغبون في خلق الرغبة لديه على النظم والترتيب يجب ان يعدوا البرنامج اللازم لذلك ويوفروا له الدعم والمراقبة.
    ان الطفل بحاجة الى برنامج بسيط ومحدود بشأن النوم والاستيقاظ،

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 433

    وتناول الطعام، السيطرة على الدفع، واللعب مع الاصدقاء، والالعاب الفردية، التسلية مع الآخرين، ومطالعة الدروس والواجبات البيتية خلال سني المدرسة وغيرها، وبامكان الآباء أن يعدوا له بشكل مباشر أو غير مباشر برنامجاً معيناً في نفس الوقت الذي يعاملونه بكل صفاء ومحبة، حيث يتضمن هذا البرنامج تحديد الساعات التي يمكنهم تخصيصها خلال الليل والنهار لممارسة هذه الامور، واي الاعمال يؤدونها وفي اي وقت من هذه الاوقات. فلو جاء مثلاً من المدرسة، يلهو ويلعب لساعة من الزمن ومن ثم يهتم حتماً بدروسه واداء واجباته. ولو كان طفلاً صغيراً يقضي الساعات الاولى من الصبح عندما تكون الام مشغولة جداً بتنظيم وترتيب امور البيت بممارسة اللعب الفردية أو بمعاشرة اقرانه واصدقائه لكي تتوفر للام الفرصة المناسبة لاداء اعمالها المنزلية.
    التعويد:


    ان مراعاة النظم والترتيب في الامور يجب ان تأخذ طابع التعود والتطبع لدى الطفل تدريجياً، لكي يعتاد على اعداد برنامج معين لحياته بنفسه وعلى الابوين في هذا المجال طبعاً ان يلعبوا دور الهادي والمرشد واحياناً التدخل لغرض المحافظة على مصالحه.
    ان الاعتياد والتطبع في اداء الامور وخاصة مراعاة النظم والترتيب سيصبح السبب في ان لا يشعر الطفل بالتثاقل في تطبيقها أو ان تكتسب رغبته في مراعاة الاصول والضوابط صورة واقعية. ان خلق وايجاد هذه العادات يجب ان تكون مقرونة بمرعاة الجوانب الاخلاقية والجوانب الصحية حتماً لكي لا تتسبب فيما بعد بالحاق الضرر.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 434


    تجدر الاشارة الى ان هناك الكثير من الاصول والضوابط التي ينبغي للطفل ان يتعلمها اثناء تربيته، وخلق حالة التطبع والتعود لديه مثل التمسك بالاصول والتقاليد والضوابط والمقررات التي تمثل حصيلة تجارب الآخرين وافكارهم، إذ ان اكثر افراد المجتمع يرون انفسهم ملزمون بمراعاتها. ومراعاة هذه الامور تصبح السبب في اقتران مسألة التأقلم الاجتماعي ببعض التسهيلات ويتحقق النجاح بسهولة ويسر.
    بداية ذلك لدى الطفل:


    متى وفي أي سن نعمد الى تعويد الطفل على النظم والترتيب؟ الجواب هو مع ابتداء الايام الاولى من العمر وعندما نشرع بتحمل مسؤولية المراقبة وهداية الطفل بعد ولادته. ومن الوقت الذي تأخذ فيه الام على عاتقها أمر الرضاعة وتغذية الطفل وتبدأ بملاحظة صحته ونظافته.
    ان وضع هذه اللبنات الاولى مسألة مهمة في ذلك الوقت، لكي يصبح بامكان الطفل عندما يبلغ مرحلة التمييز ان يتحمل ذلك، ولا يحتاج الى المزيد من بذل الجهد لغرض ذلك على نفسه. لانه كلما اضيفت سنة اخرى على عمر الطفل فان مسألة تعوده على الامور والمسائل الجديدة تصبح اكثر صعوبة وبالغة المشقة.
    ان ارشاد وتوجيه الابوين لابنائهم يجب ان تتواصل بشكل دائم وعلى وتيرة واحدة لكي يدرك الطفل ماذا يصنع وكيف يتخذ موقفه ويجب تفهيمه وبما يتناسب مع تقدمه في السن ونموه العقلي بالفوائد الناجمة عن مراعاة هذه الاصول والضوابط، إذ أن، تأصل هذا النظم والترتيب لدى الطفل انما يحصل في ظل هذه المراعاة. وهو الامر الذي يمثل غاية آمال المربين.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 435


    ان ملاحظاتكم الاخلاقية، ومراقباتكم وتحذيراتكم تساعد على فسح المجال امام مراقبة النفس، وتجعل الطفل يسيطر على نفسه تدريجياً وتحمله على المحافظة على المنجزات الشخصية في هذا المجال. ويبدي انزعاجه من الهرج والمرج والاضطراب ويرى نفسه فرداً ذا أهمية خاصة من خلال امتلاكه لاسلوب منظم.
    العمل باتجاه تحقيق النظم الاجتماعي:


    التعود على النظم والترتيب ومراعاة ضوابطهما ومقرراتهما انما تبدأ من البيت وتمتد الى المجتمع. ومن المعلوم لدينا انه في كل مجتمع ومهما كان متخلفاً ومنزوياً لابد من وجود نظام معين وضابطة معينة بشأن كل أمر من الامور والتي تؤدي بالتالي الى ايجاد نظام قابل للاتباع والتمسك به في المجتمع بأسره. وبدون معرفة هذه الضوابط والانظمة ومراعاتها لن تسنح امام اعضاء ذلك المجتمع فرصة تحقيق الحياة الاجتماعية.
    ولابد للطفل ان يتعود على هذه الضوابط والانظمة ويتقبلها برحابة الصدر. ويتحقق هذا التقبل بشكل تدريجي أولاً، وبحسب النمو ثانياً، وبما يتناسب مع الاحتياجات ثالثاً، وعلى اساس المحافظة على المنافع والمصالح رابعاً ولكن يبقى دور الابوين في التمرن وخلق حالة التعويد لديهم اساسياً ومصيرياً بالنسبة لهم في جميع الظروف والاحوال. إذ ينبغي عليهم العمل على تعريف الاطفال بهذه الاصول والضوابط على اساس من التفاهم ووجهات النظر المشتركة. ولا شك في ان ملاحظات الاطفال ومشاهداتهم تعد فعالة وبناءة في هذا المجال.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 436

    المحاذير في هذا المجال:


    1 ـ طالما لم تصبحوا نموذجاً مناسباً للبذل والعطاء في هذا المجال لا تحاولوا عبثاً ان تجبروا الطفل على مراعاة ذلك.
    2 ـ اوحوا للطفل بمراعاة النظم والترتيب واجتنبوا الافراط في ذلك لأنه يحمل احياناً نتائج وآثاراً سلبية بل وحتى انه يؤدي الى اضعاف ارادته.
    3 ـ لا تخلطوا بين النظام في البيت والنظام في المعسكرات ذلك ان بين الاثنين بون شاسع.
    4 ـ ان يكون ظنكم بالطفل بمقدار مستوى ادراكه وقدرته وقابليته ولا تطالبوه بالامور التي تفوق طاقته.
    5 ـ النظم والترتيب أمر حسن بشرط ان لا يكون مجتهداً.
    6 ـ ترجموا آثار وفوائد النظم بشكل علني وقابل للفهم والادراك لكي يقف عليها الطفل بشكل عملي.
    7 ـ خذوا على عاتقكم دور الهادي والمرشد في الامور المتعلقة بحياة الطفل وتنظيم ادوات لعبه ولهوه وليس دور المتدخل في شؤونه.
    8 ـ لا تنظرو الى عدم مراعاة الطفل للضوابط والانظمة على انها اهانة لكم، لانه طفل وعبارة عن مجموعة من الاخطاء. فلا تؤاخذه بشدة على ذلك.

    * * *




  • السابق السابق الفهرس التالي التالي