الأسرة ومتطلبات الأطفال 387


الفصل الثاني



الحاجة الى المعاشرة والرفقة

المقدمة


من ميول الانسان الاجتماعية انه يريد ان يقيم مع الآخرين الارتباط ويجعل حياته مرتبطة ومتعلقة بالآخرين. ومهما يكن الانسان منزوياً ومنطوياً على نفسه إلا انه مع ذلك بحاجة الى الاختلاط والمعاشرة لغرض تأمين حوائجه ويقيم العلاقة مع مجموعة من الناس.
وبالاضافة الى تأمين احتياجاته الفردية والاجتماعية فانه يحتاج في حياته الاجتماعية الى ان يحب الآخرين ويحبونه، ويعتبر هذا الامر بحد ذاته عاملاً وسبباً لتقوية هذه الارضية ومن أهم ضرورات الحياة وعدمه يمثل نوعاً من الحرمان للانسان.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 388


حاجة الطفل الى الحياة الاجتماعية:


ان مطالعة حياة الطفل تشير أيضا الى انه يميل ومنذ الشهر الرابع من العمر الى الاستئناس بالآخرين، والارتباط بهم ويجد لنفسه صاحباً وأنيساً. ويلعب مع الآخرين ويمتلك فرداً أو افراداً كأصدقاء ومعاشرين له. إذ ان الوحدة مؤلمة بالنسبة له لدرجة انه إذا لم يجد والدته الى جانبه يلجأ الى البكاء والنحيب.
ان حاجة الطفل الى الأنيس والمعاشر تصل الى الحد الذي لو كان في حالة البكاء وأخذ بأحضان الآخرين سيسكت ويهدأ أو عندما يرى الطفل والدته في حال وحدته فانه يتهيج ويظهر سروره وفرحه. ويطلق الاصوات، ويضحك، ويرفرف بيديه لكي يجد نفسه الى جوارهم.
ويسعى فيما بعد ومن اجل ان يكون مقبولاً وسط الجماعة ويستأنس بهم من خلال اتباعه ضوابط الجماعة الى ان يكسب موافقة ورضا الجميع ويقى علاقاته معهم على أساس الضوابط المتعارف عليها. وهذا الامر سببه ان الطفل يبدو وكأنه يحب ان يكون دائماً مع الجماعة وفي وسطها، ويهرب من الوحدة، ويرى ان المعاشرة والارتباط مع الآخرين يعد عاملاً من عوامل نموه وصيانة نفسه وتحقيق سعادته.

جذور ومنشأ هذه الحاجة:


وفيما يتعلق بجذور ومنشأ هذه الحاجة لا بد من القول بوجود آراء مختلفة يمكن الاشارة لها بهذه الشأن، إذ ان طائفة عظيمة من الفلاسفة واصحاب الرأي، ومن يليهم من علماء النفس، وبالاستناد الى نظرية افلاطون يقولون ان الانسان اجتماعي الطبع بذاته ويرى ان يكون وسط الجمع

الأسرة ومتطلبات الأطفال 389

والمجتمع. وينظم حياته على هذا الاساس، ويقولون أيضاً ان الانسان مدني الطبع. ويقف بازاء هذه الطائفة علماء الاجتماع إذ يقولون ان الانسان بذاته ليس اجتماعياً، بل بالاكتساب وعن طريق تعلم العادات وادراك مسائل حياته يصبح اجتماعياً فيما بعد، وللاسباب التالية يميل الى الحياة الاجتماعية:
  • ويشعر بالسعادة من العيش مع الآخرين.
  • وله احتياجات معينة ليس قادراً على تأمينها بمفرده.
  • ويجعل حياته اكثر غنىً ورفاهية.
  • اعتاد على ذلك الوضع وتلك الحالة.
  • يريد ان يخرج نفسه من الوحدة.
  • وبحاجة الى المواساة والرفيق والمدافع عن مصالحه. وخلاصة القول، سواء قبلنا بالنظرية الثانية تبقى المسألة الوحيدة التي لا يمكن انكارها ان الانسان يجب ان يرى نفسه وسط الجماعة ويتعاون معهم ويصاحبهم، ويتفاعل مع الآخرين. ويشعر باللذة والسرور بمصاحبته للغير وهذه الحالة موجودة لدى جميع الافراد.
    فوائدها وأهميتها:


    الحياة الاجتماعية ضرورية للطفل، ولها أهمية وفوائد كثيرة. منها انها تخرجه من حالة العزلة والانزواء وتهيىء له موجبات النمو والحياة الانسانية. ويتمكن في ظل الحياة الاجتماعية ان يوافق نفسه

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 390

    مع الظروف والعوامل المختلفة، ويدرك أهمية المعاشرة مع الآخرين ويفهم كيف يحيا.
    ان المحيط الذي يتسم بوجود العلاقات الانسانية فيه يعد محيطاً مناسباً وجيداً للنمو. إذ تتفجر القابليات فيه، وتتوفر فيه الارضية المناسبة لتحمل المسؤليات الاجتماعية، وتنتظم فيه العلاقات الاجتماعية بين افراده، وتتضح فيه مفاهيم المواساة والتعاون والتقليد، والمنافسة بجميع جوانبها وابعادها للطفل.
    وفي ظل الحياة الاجتماعية يكتشف الانسان اسلوب الحياة اللائقة، ويبعد نفسه عن السلبيان الاخلاقية، كالضغينة، والحسد، وبذاءة اللسان، وسوء الظن، وينقذ نفسه من الكثير من المخاطر والاعراض كالحياء، واستصغار شأنه، والانزواء ويصبح قادراً على ان يشعر بشخصيته وسط الجماعة، وان يعطي شيئاً للآخرين أو يأخذ عنهم شيئاً، حسناً كان أم سيئاً.
    المخاطر الناجمة عن فقدانه:


    ان قيمة وأهمية المعاشرة والحياة الاجتماعية تتضح اكثر عندما يزول هذا الوضع عن الانسان. ونعلم أن أكبر صور التعذيب للمسيئين هي الحياة في السجن وبخاصة في الزنزانات الفردية. وهناك لا يفقد الانسان اي شيء، سوى انه يفقد حياته الاجتماعية ومعاشرته للآخرين فقط.
    وقد اظهرت التحقيق التحقيقات اجريت بشأن الافراد المتوحشين والذين حرموا من الحياة الاجتماعية والمعاشرين من البشر انهم لم يكونوا قادرين حتى على التكلم والنطق، ولم يمتلكوا اسلوب البشر في الأكل والشرب، حتى

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 391

    ان دفاعهم لم يأخذ طابعاً انسانياً.
    ان الافراد المحرومون من المعاشرة والحياة مع الجماعة ينكفؤون وينزوون تدريجاً ويحرمون عن انماط وآداب وتقاليد الحياة الانسانية بل وينسون الحياة الانسانية. وتعتبر الكآبة والحزن من الموارد التي تلاحظ بكثرة في حياة هؤلاء الافراد.

    ظهور هذه الحاجة ومراحلها:


    مشغول بنفسه حتى ان الهمهمات واصوات الجماعة والعيش وسط الناس بالنسبة لهم امر مزعج. وعملياً يتسم بحالة الهروب من الجماعة وحتى انه غير مستعد ان يرى والده الى جواره أو ان يشعر بدفىء حنانه.
    وبحدود نهاية الشهر الثالث يظهر عليه شعور الحاجة الى الانيس والمعاشر المواسي ويريد أن يتفاعل معهم بنحو أو آخر ويكشف عن مشاعره في هذا المجال وتتسم هذه الحالة بأن لها صفة تدريجية، وكلما ازداد عمر الطفل ازدادت ملامح هذه الحاجة وضوحاً فيه واتسعت دائرة الأنس والتعارف لديه اكثر.
    وبحدود السنة الثانية من عمره وعندما يصبح قادراً على السير والتكلم بشكل أو آخر، تلوح فيه ظاهرة اخرى إذ يسعى الى الانفصال عن أحضان والدته ويقبل نحو مباشرة ومعاشرة الآخرين. والمجموعة التي يختارها الطفل بعنوان معاشريه محدودة جداً وقليلون بحيث لا يتجاوز عددهم الاثنين أو ثلاثة اشخاص وتستمر هذه الحالة الى السنة الخامسة من العمر.
    وفي سنوات العمر من 6 و 7 سنوات يشغل نفسه تدريجياً مع عدد

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 392

    اكبر من رفاقه ويقل شعوره بالحاجة الى معاشرة والديه. وحتى انه يحاول في السنوات من 6 ـ 12 ان يقلل من تقليده لانماط السلوك لدى والديه ويجعل من اقرانه ومعاشريه اسوة له. حتى في سني الشباب يمكن القول بان اهتمامه بأصدقائه ومعاشريه اكثر من اهتمامه بأبويه ومربيه بعدة مرات.
    ويستمر هذا الامر الى آخر العمر بهذه الوتيرة وكلما تقدم الفرد بالعمر يزداد استئناسه بالاصدقاء وتزداد حاجته الى الرفيق والصاحب تبعاً لذلك. لدرجة تتولد لدى الاطفال معها أواصر راسخة من المحبة تربطهم الى بعضهم البعض واحياناً تبقى هذه الاواصر ظاهرة للعيان الى آخر العمر.

    العوامل المؤثرة في المعاشرة:


    هناك عوامل انسانية كثيرة تؤثر في معاشرة الاطفال، وبشكل عام في انسجامهم وتأقلمهم مع المجتع وعلى النحو التالي:
    1 ـ الاسرة:



    إذ ان لها دورا اساسياً ومصيرياً في هذا المجال. والبيت هو المكان الذي يتعلم فيه الطفل كيفية معاشرة الافراد ويختار لنفسه في هذا السبيل طريقة واسلوباً خاصين. كما أن لتحمل الوالدين ومزاجهم، والتحدث مع الطفل ومقدار انسجامهم ورفقتهم تأثير كبير في هذا المجال.
    2 ـ المدرسة:


    العلاقات الانسانية في المدرسة تساعد على نضوج المعاشرة من

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 393

    جهة والى ايجاد التوازن الفكري لدى الاطفال أيضاً. إذ ان الرغبة في العيش مع الآخرين تشكل جزء من الحياة المدرسية وتنقذ الانسان من حالة الفردية والانزواء، وتحرك الاطفال وتعلمهم الاسلوب السليم في المعاشرة. كما تعلم الطفل كيف يمارس حياته مع الآخرين ويكون رفيقاً وصاحباً لهم.
    3 ـ المجتمع والرقاق المتعاشرين:


    قلنا ان الطفل ومنذ أن يقوى على المسير يعرض تدريجياً عن والدته ويتجه نحو أصدقائه ومعاشريه. انه يلعب مع الآخرين وفي هذه الملاعبة يتعلم نمط معاشرة الآخرين والعيش معهم. وتترسخ علاقاتهم الاجتماعية تدريجياً وان اي تغيير يطرأ عليها يصبح سبباً لعدم الاستقرار والتأزم.
    4 ـ مستويات الادراك:


    لابد من القول ان الامكانيات الادراكية للشخص وكذلك مستوى وعيه وادراكه يلعبان دوراً استثنائياً في معاشرة وصحبة الاطفال ونضوج هذا الجانب في شخصية الاطفال. إذ ان ادراك الطفل يعمل على توجيه وارشاد عواطفه ومشاعره.
    ومن الممكن ان يجعل الطفل اسيراً لعواطفه أو يجعله غير آبها بها. أو ان يحمل الطفل على استخدام المعاشرة لصياغة وبلورة شخصية ونموه أو لتدمير نفسه.
    الحاجة الى المعاشرة من سنه:


    ان ما يمكن ذكره بشأن الاطفال الصغار في مجال معاشرتهم ان الاطفال

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 394

    وحسب سنهم ونموهم بحاجة الى افراد مساوين لهم في العمر ومقارنين لهم في المزاج والمشاعر والحاجة لكي يصبح بمقدورهم توليف حياتهم معهم ومواصلة مسيرتهم. ويشعر الاطفال بالسرور والسعادة نتيجة عثورهم على افراد من سنهم لغرض معاشرتهم ومصاحبتهم. والسبب في ذلك يعود بشكل خاص الى ان الطفل يجب ان يطلع فرداً من سنة على مستوى ادراكه وفهمه ويحصل بالتالي من خلال هذا الاسلوب على نوع من الهدوء والسكينة. كما يريد أيضاً ان يرتب محيطاً مأنوساً تسوده المحبة من خلال هذه المعاشرة. ويحاول ان يفهم صاحبه بما يريد ويفهم هو أيضا كلام صاحبه. وخلاصة القول ان يعيش معه طفولته.
    ومن هذا المنطق فان وجود الطفل الوحيد للعائلة ينظر اليه على أنه خسارة كبرى ويمكن تجاوز هذه الحالة ومعالجتها بولادة الطفل الثاني والثالث. وفي حالة عدم وجود اطفال آخرين مقارنين له في العمر فان مسؤوليته ستتضاعف ويزداد عبئها ويجب عليهم أن يتفاعلوا اكثر مع الطفل، ويتحدثون معه، ويلاعبونه، ويبدون من انفسهم معاملة مناسبة مع الطفل تتناسب مع مستوى ادراكه وفهمه. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من كان له صبي فليتصاب). ان علاقة الطفل مع المسنين بالرغم مما تحمله من فوائد ومنافع للطفل وتتسبب في نمو مستوى وعيه إلا أنها تحرمه من حالة ممارسة الطفولة، إذ يمثل ذلك خسارة كبرى لنمو مشاعر الطفل العاطفية. ولو تمكن الابوان ان يكونا صديقين حميمين للطفل ويكلمونه بلغته التي يفهمها ويؤدون حركات تنسجم مع مستوى ادراكه ورغبته فان الطفل سيشعر بالرضا والارتياح.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 395

    التعليمات اللازمة في مجال المعاشرة:


    وفيما يتعلق بمعاشرة الطفل ورفقته هناك مجموعة من الضوابط والاصول التي يجب ان يتعلمها الاطفال، كما يجب على الآباء اليقظة والحذر في هذا المجال وان ينتهزوا الفرص المناسبة المتوفرة لديهم:
    1 ـ تعلم آداب المعاشرة التي لها نمط معين في كل ثقافة ومجتمع وبما يتناسب مع فلسفة الحياة والمذهب الحاكم في ذلك المجتمع. كمسألة السلام والتحية قبل الكلام، ومسألة الاستفسار عن الاحوال، والوفاء بالعهد والقول، والمجاملات، الامتناع عن توجيه الاهانة اثناء الكلام، حسن الاصغاء، العلاقات المحدودة، عدم مدح النفس، الامتناع عن المجاملة.
    2 ـ التفاهم والاتفاق عندما يكون هناك مجال للاتفاق، وكذلك امتلاك علاقات ودية مع الآخرين، إذ انها ضرورية للحياة الاجتماعية وتحمل احاديثهم وانتقاداتهم ووجهات نظرهم لك لانها تمثل ركناً اساسياً في الانسجام والتعايش المدروس بين الافراد. وهناك موارد كثيرة في حياة الفرد نضطر معها الى التنازل للآخرين والانسجام معهم وان نبني مواقفنا في هذا المجال على اساس من الحذر والوعي والطفل مضطر والحال هذه الى تعلم اسلوب ونمط ذلك.
    3 ـ مراعاة حقوق الآخرين وهذه مسألة مهمة، إذ على الطفل ان يدرك طيلة مدة مباشرته ومعاشرته مع الآخرين بان الافراد وفي جميع الظروف والاحوال التي هم عليها لهم واجبات معينة تجاه بعضهم البعض ولابد لهم مراعاة ظروف الأخذ والعطاء وبدون مراعاة الأمر فان الحياة الجماعية السليمة غير ممكنة ولابد للطفل ان يتعلم ذلك.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 396


    4 ـ احترام الانسانية ويمثل هو الآخر مظهراً آخر من مراعاة حقوق وآداب المعاشرة. إذ عليه ان يتخذ موقفه بشكل يستحق معه الحب والاحترام، ويدرك أيضاً بانه في أي الظروف يحصل الافراد على هذا الاستحقاق. ومن موارد الاحترام ان يتحمل افكار ومعتقدات الآخرين، وان يكون ملماً بمسؤولياته وواجباته في هذا المجال.
    5 ـ الاهتمام بمشاعر واحاسيس الآخرين عند المعاشرة واخذها بعين الاعتبار اذ يعد ركناً مهماً في هذا المجال. وبهذا الخصوص هناك موازين معينة تختلف في كل مجتمع عن سواه ونحن مضطرون الى احترام ميول الآخرين، وان نعترف بحقهم في الكلام وابداء آرائهم، وان نراعي ضوابط واصول التعامل ولا بد من تلقين هذه الضوابط للاطفال.
    6 ـ تحمل المسؤولية في الحياة الجماعية وفي التعايش مع الاصدقاء والمعاشرين يمثل ركناً آخر بحد ذاته، حيث قلنا ان الحياة عبارة عن نوح من الأخذ والعطاء، وكما أننا نستفيد من حصيلة اعمال الآخرين يتوجب علينا أيضاً أن نعطيهم شيئاً من اتعابنا، ومن هذا المنطق فأن الحياة الجماعية والمعاشرة والتآلف بدون تحمل المسؤولية على اساس المحافظة على مصالح الآخرين يعد امراً ناقصاً ولابد ان يفهم ذلك تدريجياً.
    7 ـ وهناك كلام كثير في مسألة التابع والمتبوع. إذ يتوجب على الافراد خلال علاقات المعاشرة والرفقة احياناً ان يكونوا خاضعين لحق معترف به للجماعة، واحياناً اخرى يجب عليهم أيضاً ان يدافعوا عن حق معين ويرتقوا به الى مرحلة القبول والتأييد، فأحياناً هم الاعلون والأفضل واخرى هم الادنون والتابعون وقبول هذين الأمرين ضروري للحياة الجماعية ومن شروط الرفقة والمعاشرة.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 397


    8 ـ وهناك موارد اخرى جديرة بالذكر في هذا المجال أيضاً منها اعتبار الاصالة للمعاشرة الحسنة ومراعاة الحقوق في الاسرة، امتلاك صفة اللطف والادب في التعامل، الاعتذار وطلب الصفح عن ارتكاب الخطأ، الانسجام والتآلف المدروس والهادف، مراعاة شؤون الآخرين اضافة الى مراعاة حقوقهم، اعطاء الاهمية للتآلف والمعاشرة و...
    الأبوين وانتخاب المعاشر:


    ينطوي دور المعاشرين في بناء أو تخريب البناء الاخلاقي والسلوكي لدى الاطفال على أهمية استثنائية جداً ومسؤولية الابوين بهذا الشأن ثقيلة. وما اكثر الاطفال الذين انحرفوا وتعرضوا للفساد والتلوث بسبب معاشرتهم لافراد سيئين، وعلى العكس من ذلك لدينا افراداً سلموا من المفاسد والخبائث بسبب معاشرة الافراد الصالحين.
    من هنا يتوجب على الآباء ان يكونوا حذرين في هذا المجال ويراقبون علاقات الطفل. ويراقبوا اصدقائه، ذهابه وايابه، وسلوكياته واعماله أيضاً. وعلى الأب ان يحذر الطفل عندما تستدعي الحاجة ذلك في اختيار الصديق والصاحب بل وعليه في بعض الموارد ان يتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر لدى اختيار الطفل لصديق غير مناسب. وعلى سبيل المثال عليه ان يختار الافراد الذين يرى فيهم الصلاح ويشجع طفله على مصاحبتهم ومعاشرتهم.
    ويلعب الآباء دوراً متميزاً في ايجاد العلاقات الانسانية والسيطرة عليها والتوازن في سلوك الاطفال. ومن الاجدر بهم في مجال اختيار الاصدقاء ان

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 398

    يختاروا لأطفالهم الأصدقاء المقارنين لأبنائهم من حيث الظروف الانسانية والعائلية والثقافية والتربية. وعليهم الوقوف على القيمة المعنوية لعلاقات ابنائهم، وان لا يقبلوا باستمرار علاقة ابنائهم مع الاشخاص المجهولين والغير موثوقين بالصلاح، إذ ان الوحدة افضل بعدة مراتب من المعاشرة المقرونة بالفساد.
    العمل على توسيع الميول الاجتماعية:


    وللآباء وظيفة اخرى أيضاً في مجال أبعاد وجوانب معاشرة الاطفال وصحبتهم، فيجب عليهم العمل على توسيع الميول الاجتماعية للاطفال عن طريق توضيح بعض الطرق له، ومن خلال الملاحظات والايحاءات، وارائة السبل العملية لتوسيع ميولهم الاجتماعية. والاساس في هذه القضية هو ضرورة تشجيعهم على اقامة علاقات الصداقة والرفقة، والتعاون، والمصاحبة والمواساة مع الافراد الآخرين وان ينظروا الى الحياة مع الجماعة كأمتياز لهم.
    حتى ان الآباء باستطاعتهم تشجيع ابنائهم بأن يختار كل منهم عدة اصدقاء لنفسه، وطبعاً وفق الضوابط التي يحددها الآباء وان لا يكونوا مرغمين على اختيار صديق واحد فقط. وعليهم ان يفهموا الطفل بأن يكون محباً ليقول الآخرون كلمتهم أيضاً ويدافعون عن حقوقهم وكرامتهم. وان يبتعد عن الاستبداد، والتزمت بالرأي، والتكبر.
    وهذه الملاحظة مهمة أيضاً في توسيع الميول الاجتماعية، إذ لا بد من الاخذ بنظر الاعتبار التوقعات المشروعة للجماعة ولابد من الاهتمام بتشريك

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 399

    المساعي والتعاون كركن اساسي. وعلى الطفل ان يدرك ان الشعبية والمحبوبية الاجتماعية انما تتحقق عندما يتسم بالهدوء، الشرف، والطاعة وفق منهج الاحترام المتبادل واحترام ومراعاة حقوق الآخرين.
    بعض التوصيات والملاحظات:


    وفي ختام هذا البحث لا أرى ضيراً من الاشارة الى بعض المسائل الجديرة بالذكر في بناء الطفل عن طريق المعاشرة والرفقة وبشكل مختصر:
    1 ـ يجب ان تكون علاقة الطفل ومعاشرته للآخرين في محيط آمن وبعيد عن كل الوان الخوف والفزع وان لا تتسبب في الحاق الضرر بالنفس به.
    2 ـ احياناً تطفو على السطح بعض النزاعات خلال المعاشرة وعلى الوالدين ان يلعبوا دور المصلح الموجه وليس المدافع عن طفله حتى ولو على حساب الآخر.
    3 ـ اعملوا على خلق موجبات التآلف والمعاشرة السليمة لابنائكم واجتنبوا انفصالهم وانزوائهم ذلك ان الطفل يتعرض للصدمات العاطفية بسبب الوحدة.
    4 ـ هناك بعض الاطفال يتهربون من الجماعة بسبب النقص العضوي لديهم. فاعملوا على فسح المجال امامهم ودفعهم الى المعاشرة من خلال منحهم الجرأة والجسارة وقوة الشخصية.
    5 ـ المعاشرة في المحيط المختلط لا بأس به لحين سن التمييز. وبعد ان يصل الطفل الى هذه المرحلة يبدأ بالتمييز بين عالم الرجل والمرأة المختلف

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 400

    فامنعوا ذلك أو على الاقل راقبوا ذلك بشدة.
    6 ـ ان ظروف المحيط الاجتماعي اما ان تكون بناءة أو مخربة فأن ظهرت في المحيط الخارجي مشكلة معينة اطلبوا من ابنائكم ان يلعبوا مع الآخرين ويعاشرونهم داخل البيت.
    7 ـ لو اقترنت معاشرة ابنائكم مع الآخرين بالمشاكل والامور المخجلة امنعوهم عن الاستمرار في تلك الصحبة.
    8 ـ واخيراً تصرفوا مع اصدقاء ابنائكم بنفس النوع من التعامل مع ابنائكم وامتنعوا عن التصرفات والاوامر التي تسبب في اهانتهم وتحقيرهم.

    * * *



    الأسرة ومتطلبات الأطفال 401


    الفصل الثالث



    الحاجة الى المشاركة في الحياة الاجتماعية

    المقدمة


    قلنا بأن الانسان موجود اجتماعي، سواء بالذات وبالفطرة أو بالاكتساب. وعندما ينمو تدريجياً ويكبر سيكتشف بأن سعادته مرهونة بسعادة المجتمع وان نموه وتكامله وأمنه متعلق بهذا الامر. وبناء على هذا الاساس عليه ان ينظم حياته ووضعه بما يتناسب والحياة الاجتماعية.
    ومن هذا المنطلق تتوفر هذه الأرضية والحالة لدى الافراد، حيث يصر الانسان على العيش بين الناس وعلى الانسجام مع الضوابط والمقررات الاجتماعية ومع ما يريده المجتمع أيضاً. وعلى هذا الاساس يرى نفسه بأنه محتاج الى مسألة مشاركته في الحياة الاجتماعية، وان تكون له مسؤولية معينة ازاء الخدمات التي يقدمها الآخرون.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 402


    حاجة الطفل ورغبته بالمشاركة:


    ان الطفل بحاجة الى المساهمة في الحيات الاجتماعية من جهة، وهو يحب هذا العمل ويميل اليه من جهة اخرى. ومقدار حاجته هذه تتمثل بمقدار مساهمته في الحياة الاجتماعية واحتياجه لتعاون الآخرين. ومقدار رغبته وميله في المساهمة يصل الى درجة يمكن القول معها بأنه متعطش للمساهمة، ومتلهف لها، إذ يريد من خلال ذلك يشغل نفسه من جهة ويعبر عن نفسه من جهة اخرى.
    كما ان مطالبته بان يوكل إليه عمل معين في البيت ليتمكن من انجازه ويشعر من خلال ذلك بالرضا، انما يتعلق بمسألة اشباع هذه الحاجة. وبحدود السنة الثالثة فما فوق تجدون الاطفال بأنهم اكثر تفاعلاً من غيرهم في هذا المجال ويريدون خلق موجبات سعادتهم وسعادة الآخرين أيضاً.
    جذور ومنشأ هذه الحاجة:


    لقد قيل الكثير بشأن جذور واسباب هذه الحاجة، واهمها يتمثل بمشاعر التعلق. إذ يقولون بأن الطفل يريد ان ينظم الى الجماعة ويكون عضواً من اعضاء اسرته ولغرض تحقيق تقدم ما في هذا المسار يرى نفسه ملزماً باداء عمل ما في محيط العائلة، وان يجد سبيلاً لاثبات هذه العضوية من خلال مساهمته في صنع القرار.
    ومن ناحية اخرى فانه يطالب بالتماسك، والمطلوب في هذا التماسك المواساة والتعاون أيضاً. فعندما يساهم الطفل ويشارك في امور العائلة فهو في الواقع يبين نفسه بعنوان المواسي والملازم لوالديه بالرغم من أنه لا يؤدي عملاً مهماً في هذا المجال إلا انه يرضي ضميره بذلك على الاقل.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 403


    ومن جهة ثالثة فان التمهيد للاشتغال والانشغال،ومماثلة الأب والام وتقمصه دور والديه تعتبر من الامور التي تحمل الطفل على تنفيذ تلك الخطط. وفي كل الاحوال فان هذا الامر يتجلى في الاطفال كحاجة ويبدون من انفسهم جهداً حثيثاً لغرض الحصول على المسؤولية والتكليف.
    ضرورة ذلك للاطفال:


    ان المشاركة والمساهمة في الحياة الاجتماعية وممارسة ذلك يعد امراً ضرورياً للطفل، ليس فقط لسد احتياجاته المادية، بل بهدف ايجاد العادات الملائمة في هذا المجال وايجاد روحية التعاون والعقلائية المدروسة والدؤوبة عند الطفل بحيث لا يشعر لاحقاً بالتعب والنصب ولا ينزعج من ادائها.
    ويتوجب عليه ان يساهم في الامور، لكي يدخل تدريجياً الى عالم الآخرين والكبار، والنجاح في هذا الامر يحتاج الى الاقتراب من اعمال وخطط الكبار وهو مضطر الى تحمل المسؤوليات المطلوبة في هذا المجال ويدخل قدر المستطاع في الحياة الاجتماعية ويستفيد منها.
    ومن جهة اخرى فان الطفل سيقع في المستقبل القريب وسط مجموعة من المسؤوليات والمشاكل الاجتماعية المتعددة ولغرض نجاحه في ذلك لابد له ان يمتلك الاستعداد اللازم والممارسة اللازمة. وفضلاً عن ان المشاركة في الحياة الاجتماعية تمنح هذه الفرصة للطفل فانها تحمله أيضاً على ان يعرف نفسه ومكانته تدريجياً ويتأقلم مع الموازين الاجتماعية.
    واخيراً ومن زاوية اخرى فان تكامل اي شخص يرتبط بتكامل المحيطين وتأمين احتياجاتهم. وعلى هذا الاساس لا يمكن توكيل أمر الطفل الى نفسه أو التغافل ولو بشكل محدود عن مسألة عدم مشاركته في

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 404

    المجتمع ـ انه بأمس الحاجة لأن يشارك الآخرين ويعمل معهم على قدر استطاعته وقدرته على دفع الاهداف الجماعية في الحياة الى الامام.

    فوائد ذلك للطفل:


    بعد الاشارة الى ضرورة هذه المشاركة من الممكن التطرق أيضاً الى فوائدها ومزاياها فيما يتعلق بحياة الطفل التي يمكن اجمالها بما يلي:
  • ادراك وتفهم مسؤولية الحياة الفردية والاجتماعية.
  • ادراك مسألة كيفية مواصلة الحياة مع الجماعة وبأي الظروف وما هي الاصول والضوابط التي عليه قبولها.
  • تمهيد الارضية الملائمة لقبوله وانسجامه اجتماعياً.
  • رفع مستواه الاخلاقي ومستوى معاشرته في هذا المجال.
  • تقوية وتطوير افكاره وتهيئة المقدمات اللازمة بحل المشاكل والمعضلات الحياتية الفردية والاجتماعية.
  • امتلاك الجرأة الجسارة على خوض غمار العمل وبذل الجهد.
  • تقوية ارادة الطفل وعزمه.
  • ازالة قلق الطفل وتخوفه.
  • تعليمه دروس العفو والتجاوز، والتحمل، والوفاء، والمساعدة، والطاعة، والتعاون، والشعور بالسمؤولية، والشعور بالترابط والملازمة والتعاون مع الآخرين، والنشاط في اداء الواجبات وتحمل المسؤولية خلال انجاز الاعمال والمنافسات.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 405

  • امتلاك الثقة بالنفس والقدرة على الاعتماد على النفس.
  • وأخيراً التمهيد لبناء الطفل وتعويده على الاشتغال، اذ انه يعد من ضروريات حياته في المستقبل.
    اضرار فقدانها:


    يمكن فهم أهمية وضرورة هذه المشاركة بشكل اكبر عندما نسلب من الطفل هذه الفرصة والامكانية، ففي تلك الحالة سنقف امام طفل تابع تماماً، ومستهلك، وعيناه ترجو من الآخرين، وبانتظار ان يقوم الآخرون بانجاز عمل ما له لكي يشعر بالنجاح والتوفيق في هذا الامر.
    ان الطفل الذي لا يمتلك الفرصة للمشاركة في الحياة الاجتماعية سيجد نفسه فيما بعد وحيداً ويتصور انه لا يملك الجدارة والقدرة على الحياة الاجتماعية ولا يستطيع ان يكون بين الآخرين ومعهم. وسوف يستحوذ عليه شعور عظيم بالصغر والضعة لدرجة لا يمكنه معها ان يشعر بشيء من الراحة إلا بالاستسلام المطلق والخضوع لرأي الآخرين ووجه نظرهم فقط.
    كما ان الذين لم تكن لهم ادنى مشاركة اجتماعية سوف لن يكون بوسعهم فيما بعد ان يحصلوا على قبول الجماعة لهم وان يلفتوا انظار الآخرين نحوهم. ولهذا السبب فان اغلبهم يعانون من ضعف واهتزاز الشخصية كما أن حياتهم الفردية ستكون مقرونة بالاضطراب والقلق والشعور بالخجل.
    من أي سن تبدأ المشاركة؟:


    ويمثل ذلك سؤالا مطروحا أمامنا، وهو من أي سن ينبغي علينا ان ندعو الطفل للمشاركة؟ ومن أي مرحلة يجب ان نحمله على المشاركة في امور

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 406

    البيت أو في الخارج مع الابوين والآخرين؟
    الجواب ان يحصل ذلك ابتداءً من الوقت الذي يجد الطفل ان لديه ادنى قدره ممكنة على ذلك وبامكانه ان يتحرك ويطوي مسيرة معينة.
    وتوضيح ذلك ان الطفل يبدأ بالقدرة على السير بحدود الشهر الثامن عشر من عمره وفي السنة الثانية من عمره يقدر على السير دون الحاجة الى مساعدة الآخرين وينقل نفسه من مكان الى آخر. وفي هذه المرحلة ليس بمقدوره أن يتكلم ويتبادل وجهات النظر ولكن بامكانه ان يفهم كلام الآخرين ويستوعب أوامر والديه ونواهيهم. ومن هذه المرحلة من العمر يلزم أن نشاركه في الامور وحسب قدرته على ذلك.
    ومن المعلوم لديكم أن اصغر الاطفال بامكانهم مساعدة الابوين في جمع سفرة الطعام، وجلب الملاعق، والمنشفة، والاطباق، والملح و... وقد لا تكون مسألة المساعدة هنا هي المنظورة ولكنها تمثل تمريناً للطفل على المشاركة على الاقل وتصبح السبب في اكتسابه اولى التجارب في هذا المجال.
    وبامكانكم في بعض الحالات ان توكلوا له امر الاهتمام بطفل صغير، واطلبوا منه ان يضع الحليب في فمه، وبوسعكم ان تطلبوا منه اطعام الطيور، واسقاء حاويات الازهار، ويجمع الاوراق الممزقة والمبعثرة في الغرفة ويساعدكم في تنشيف الاطباق البلاستيكية وغيرها.
    وشجعوه في هذه المشاركات والمساهمات، وعلموه طريقة هذه المشاركة، وضعوا بين يديه الخطة والبرنامج في ذلك، وحددوا له نوعية نشاطه، وخذوا قدرته بنظر الاعتبار، ولا تغفلوا عن توجيهه وارشاده في كل

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 407

    الاحوال، وطبعاً لا تفرضوا عليه شيئاً في هذا المجال، ولا تخلقوا العراقيل امامه ولا تجعلوه يعاني من المشقة والمصاعب .... وعندها سيكون الامل قويا بأن يعتاد على هذا الاسلوب.
    التدريبات اللازمة في هذا المجال:


    خلال التمرن على المشاركة في الامور الاجتماعية وحمل الطفل على تعلم ضوابط هذه المشاركة واصولها من الضروري أيضاً ان يصار الى القيام بجهد معين في هذه الجوانب ومنها:
    1 ـ الالمام بالمجتمع واسلوب الحياة وتقاليده وآدابه ورسومه، ذلك انه بدون هذه المعرفة والالمام لا يتيسر اداء عمل وفقاً لما يتناسب مع مصالح المجتمع وينسجم مع طبيعته.
    2 ـ الالمام بمفاهيم الحياة الاجتماعية مثل المرافقة. والتعاون، والمساعدة، وقيمة وأهمية كل منها في ميدان الحياة الاجتماعية والمسؤولية التي يتحملها الانسان ازاء المجتمع في هذا المجال.
    3 ـ الالمام بالتغييرات والتحولات الاجتماعية والآثار التي تملكها هذه التحولات في مجال اتخاذ المواقف ومسؤولية الانسان ازائها والاجراءات البناءة والايجابية التي يمكن ان يمتلكها كل فرد في هذا المجال.
    4 ـ الالمام بمقررات وضوابط المجتمع والوفاء لها واطاعة القوانين المدروسة واسلوب المحافظة على الأمن والمصالح ومتابعة السلوك الذي نتيجته تتمثل بخير وصلاح الآخرين وعلى اساس اتباع الحق.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 408


    5 ـ الالمام بواجبه ومسؤوليته في الظروف والاحوال المختلفة وتسخير العقل في هذا المجال ولا بد من مراعاتنا للالتزام والتعهد الذي اخذناه على انفسنا امام الله والناس في هذا المجال.
    6 ـ التحرر من علائق النفس واهوائها والانضمام الى المسيرة التي تهدف الى الحق وليس الأنا. وان كنا نعطي الاهمية لميول وطلبات النفس يجب ان لا ننسى ما يحتاجه الآخرون.
    7 ـ اداء المسؤوليات على اساس الادوار والهويات وبشأن الدور الذي يجب ان يتحمله الافراد في المستقبل القريب. والمساهمات الحالية يجب ان تمثل تمريناً وممارسة لايفاء واجبات رجال ونساء الجيل القادم.
    الادوات اللازمة في هذا الطريق:


    في سبيل تربية الطفل على المشاركة في الحياة الاجتماعية من الضروري ان نجهزه بالادوات والوسائل، وأيضاً بالقواعد والمقررات لكي لا يتعرض في حياته الحالية وفي المستقبل الى العاناة والمشاكل . وتلك القواعد والوسائل كثيرة وبعضها كما يلي: التعاون والمزاملة، الصفا والصدق، مراعاة الجوانب الاخلاقية، تحمل المسؤولية، احترام مشاعر ومعتقدات الآخرين ومراعاة توقعاتهم، الرغبة في العمل، مراعاة حقوق الآخرين، واحترام شخصية الافراد الابتعاد عن الخجل، الخروج من قوقعة الانزواء، الثبات والاخلاص، الابتعاد عن الرياء، المرافقة والانسجام، معرفة التكليف، مراعاة المصلحة العامة، التنازل عن جزء من اللذائذ والمنافع الشخصية لمصلحة المجتمع، نكران الذات لصالح خدمة الآخرين، الالمام بفنون المعاشرة والصحبة و...

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 409


    ولا شك في ان ما ذكرناه يعد من المراتب العالية والسامية للمعاشرة والانس، ولا يستحق الطفل ان تترجم كل هذه المسائل بشأنه، ولكن يجب ان لا ننسى،بأن الاسس والثوابت التي نغرسها فيه في المرحل الاولى من العمر ستبقى فيه للأبد بكل ثبات ورسوخ. ولهذا السبب فان مقدمات استعداده لتقبل الموارد اعلاه يجب ان تخلق فيه تدريجيا وبما يتناسب مع عمره وادراكه وفهمه.
    مساهمات الابوين:


    قلنا انه يجب تهيئة موجبات مشاركة الطفل في الحياة الاجتماعية منذ المراحل وسني عمره الاول، وبالقدر الذي يتحمله. ويمثل ذلك احدى جوانب القضية، وفيما يتعلق بالبيت والاعمال البسيطة الموجودة في هذا المجال فقط. ولكن هناك مسائل اخرى في هذا الجال جديرة بالذكر.
    والمفروض ان ينصب جزء من تربية الطفل على تعريفه بالعلم الخارج عن محيط البيت وعلى الوالدين ان يساهموا في تهيئة هذه المشاركة. وعلى سبيل المثال لا خير في ان يستصحب الأب طفله في بعض الاحيان ويأخذه معه الى محل عمله، أو الى الدائرة، أو الى المجتمع ويفهمه بعض المسؤوليات التي يتحملها الافراد بشأن المشاركة الاجتماعية أو ان يعرفه بباقل أو خباز المحله، ويطلب منهم ان يعطوه ما يريده لشرائه منهم متى ما اقبل عليهم. وعلى هذا الأساس يقوم الأب بنقل عالم مشاركة الطفل الى خارج محيط البيت.
    كما يمكن للأب ان يعطي الطفل درساً عملياً بشأن المشاركات

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 410

    الاجتماعية من خلال سلوكه وتصرفاته. وعلى سبيل المثال لا الحصر لو رأى الاب حجرا أو قشر بطيخ على قارعة الطريق عليه ان يبعده عن طريق الناس، ولو رأى في المجالس والتجمعات التي يحضرها بعض الاوراق الممزقة والمبعثرة عليه ان يبادر الى جمعها والقائها في المزبلة.
    وعلى الابوين أيضاً ان يعلموا الاطفال عملياً وعن طريق الايحاء والتلقين أيضا درس مواصلة العمل، والمقاومة والاستقامة ويفهمونهم أيضاً انه ومن اجل تطوير أهداف المجتمع فان ذلك بحاجة الى المثابرة والدأب. وعليه، يجب عليهم ان لا يشعروا بالتعب والسأم من اداء نشاط معين ولا يرون براءة ذمتهم بانجازهم لواجب معين.

    حدود التوقع من الطفل:


    وهذه المسألة جديرة بالذكر أيضاً، إذ لا يمكن ان نتوقع منه الكثير من الفعل. فهو طفل ومشغول بعالمه الخاص. واداء الاعمال وبذل الجهد يشكلان بالنسبة له صفة اللعب والترفيه وليس صفة الاشتغال والواجب. ومرد حملنا اياه على العمل والمشاركة في امور الاسرة والمجتمع قبل السن المعينة يعود الى اننا نريد له ان يتقن مقدمات العمل ويتمرن على المشاركة والعمل، وعلى هذا الاساس فاننا وبالرغم من حرصنا على ايجاد وخلق هذه العادات لدى الاطفال نسعى أيضاً الى ابعادهم عن اجواء الفرض والضغط التعامل الجدي مع المسائل وتحذيرهم منها.
    والقاعدة التي يقول بها الاسلام ان الطفل يجب ان يترك حراً في السنوات السبع الاولى من عمره. حيث نقوم بتجديد وتعيين الواجب والتكليف له، ولكن في حالة الغفلة أو عدم النجاح لا نؤاخذه على ذلك.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 411


    ان الاطفال ليس بمقدورهم ان يتحملوا المزيد من المسؤولية على عاتقهم أو يقبلوا بالاعمال الثقيلة والشاقة. ولكن بوسع الآباء ان يقبلوا منهم الاعمال البسيطة التي يقدرون على ادائها. ان مقدرتهم على اداء مساهماتهم الاجتماعية محدودة جداً ولكن لو شجعتموهم على ذلك فانهم سوف يبدون رغبتهم وحماسهم تجاه ذلك، وهذا بحد ذاته يؤثر في توسيع روح المساهمة والتعاون لدى الاطفال.
    وفي حالة اناطة المسؤوليات الى الطفل يجب ان تأخذوا بنظر الاعتبار الظروف والاوضاع المحيطة. فعندما تتيسر للطفل فرص اللعب والترفيه والركض وخاصة مع الاقران والاصدقاء من الخطأ في تلك اللحظة اناطة مسؤولية معينة للطفل ونؤاخذه على ذلك، دعوه في تلك اللحظة مشغولاً بعالمه الخاص.
    الممنوعات والمحاذير:


    1 ـ شجعوا الطفل على المشاركة، ولكن لا تدفعوه الى التسابق والتنافس، إذ من المحتمل ان تكمن الهزيمة في ذلك.
    2 ـ ان اناطة العمل والمسؤولية لغرض المشاركة يعد امراً سليماً وصائباً ولكن استثمار الطفل امر ممنوع.
    3 ـ من الخطأ ان يحمل الآباء اطفالهم على اداء عمل معين بهدف حصولهم على الهدوء والراحة خاصة اذا فهم الاطفال ذلك.
    4 ـ ليس من الصواب اناطة العمل الذي فشلتم في ادائه الى الطفل.
    5 ـ لو ارتكب خطأ ما خلال ادائه لعمل معين لا تعاقبوه على ذلك ولا

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 412

    تجيزوا توبيخه.
    6 ـ لا تتوقعوا انجاز كافة الاعمال والامور الناطة بالطفل وعلى احسن وجه.
    7 ـ لا تلجأ مطلقاً الى اناطة عمل ما للطفل بدون ارشاده وتعريفه بكيفية ذلك العمل وجزئياته.
    8 ـ احرصوا على ان لا تدعوا مطلقاً عمل الطفل الجيد والايجابي ان يمر بدون الثناء عليه وتكريمه.

    * * *




  • السابق السابق الفهرس التالي التالي