الأسرة ومتطلبات الأطفال 437


الفصل السادس



الحاجة الى الأدب والاخلاق


المقدمة:


الانسان موجود يعيش داخل اطار المجتمع والحياة الاجتماعية بحاجة الى مراعاة الاصول والضوابط الاخلاقية التي من الممكن ان تكون ناجمة عن دين وفكر الهي أو من صنيعة افراد المجتمع المستمدة من التعاقد الاجتماعي وفي كلا الحالتين في مجرد وجودها أفضل من عدمها.
لقد عبروا عن الانسان وقالوا بأنه موجود اخلاقي بسبب الاعتقاد السائد بأنه لا حياة انسانية بدون الاخلاق. انكم لا تلاحظون اي أثر للاخلاق في عالم الحيوان. وكل حيوان يقتصر اهتمامه بنفسه وكيفية انقاذ نفسه من المخاطر. وان حدث ان شاهدتم وجود بعض الاهتمامات والمراعاة لدى بعض الحيوانات لابد ان تعلموا بأن مصدر ذلك واساسه هو الغريزة وليس التفكير.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 438

ان أهمية الاخلاق في الاسلام تصل الى الحد الذي عبر عنه رسولنا الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم بأن السر في بعثته كامن في هذا الأمر، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: (بعثت لاتمم مكارم الاخلاق). وعندما نقف على وصايا القرآن والسنة نجد أن جانباً مهماً منها يختص بالاخلاق والمسائل الاخلاقية. ومن وجهة النظر الاسلامية فانه لا يوجد بعد العمل بالفرائض شيء أفضل من الاخلاق عند الله تعالى (الكافي ج2).

الأسرة ومتطلبات الأطفال 439

حاجة الطفل الى الاخلاق:


ان اطفالنا بحاجة الى الاخلاق وهذه الحاجة الهامة تمتلك عمقاً فطرياً وذاتياً في الانسان، وهو أيضاً من ضرورات الحياة الاجتماعية. ان الطفل وحسب ذاته وفطرته بحاجة الى ان يكون أميناً وصادقاً. نظيفاً ومنزهاً وبعيداً عن أي نوع من الخصال السيئة كالحسد، والضغينة، والبذاءة، وسوء الظن والازدواجية والنفاق.
كما انه وحسب حياته الاجتماعية مضطر الى أن يتسم بالاخلاق ليصبح بوسعه ان يحيا مع الآخرين ويعاشرهم معاشرة حسنة. وان يحب الناس ويراعي الاخلاق والصفات الانسانية وضوابط الحياة الانسانية. ولابد من الاستفادة من هذه الحاجة الفطرية والاجتماعية وان نعمل على توجيه الطفل ودفعه نحو الاعمال الحسنة والمرضية ونحو الفضائل الاخلاقية والانسانية في المراحل الاعلى. وضمن هذا الاطار فقط يتمكن الانسان ان يذوق طعم الحياة الاجتماعية ويأخذ نصيبه منها ويسير في طريق النمو والنضج.

ضرورته وأهميته:


الطفل أمانة الله ووديعته لدى الأبوين، وقد جبلت ذهنيته وروحه بمنأى عن أي تأثير وسلوكه بمنأى عن اي نوع من العادات والخصال السلبية. وفي نفس الوقت فانه يمتلك من القابليات التي تجعله يتقبل الادوار المختلفة. بيد أنه من الناحية التربوية يجب العمل على خلق العوامل والادوار التي تصب في صالح حياته الاجتماعية وتنفعه في حياته اليومية.
ولو تلقى الانسان الاخلاق واطلع على قواعده ولم يعرف حقوقه وحقوق الآخرين فلن تتوفر له امكانية مواصلة الحياة وليس بوسعه ان يحيا

الأسرة ومتطلبات الأطفال 440

بينهم بوجه سليم. حتى أنه من الممكن احياناً ان يصبح وجهاً مرفوضاً وغير مرغوباً به من قبل المجتمع. وكذا الحال بالنسبة للطفل فيما لو اطلع على ضوابط معقولة وصحيحة أو لم يزين نفسه بالاخلاق والطباع المناسبة.
وبقليل من التسامح يمكن القول بأن الطفل تتملكه حالة من اللامبالاة ولكي يتحول فيما بعد وعلى اثر ملاحظة السلوك والتشجيع والتلقين الى ان يكون حساساً تجاه بعض الامور والمواقف. بالرغم من ان التأثير عليه وتأثيره بذلك يكون قوياً، إذ انه يتقبل كل ما نعطيه اياه وهذه المسألة بالنظر الى حاجة الانسان الى الحياة الاجتماعية تمتلك اقصى درجات الاهمية والضرورة. ويمكن الوقوف على اهمية وضرورة الاخلاق والتربية الاخلاقية بشكل افضل واجلى عندما نصطدم بأفراد لا يتمتعون بالاخلاق. اذ ان اغلب المنحرفين والمذنبين في المجتمع هم من الافراد الذين لم ينالوا حظهم الكافي من الاخلاق، ومفسدوا المجتمع هم من الافراد الفاقدين للتربية الاخلاقية. فالاخلاق الملوثة أفسدت أرواحهم وضيعت حياتهم والامراض الاخلاقية المزمنة تسببت في تخبطهم وفسادهم.

الدور النموذجي للآباء:


ان دور الاسرة والأبوين في التربية الاخلاقية للطفل مهم جداً واساسي. فالعائلة تمثل المدرسة الاخلاقية الاولى للاطفال، والابوين هما أول وأهم المربين له، حيث يعد سلوكهم واعمالهم، أقوالهم وحصيلة تجاربهم درساً مهماً للطفل. وابتسامتهم وتقطيبة وجوههم، محبتهم وعدم محبتهم، وفاؤهم وخيانتهم، صدقهم وكذبهم، اصالتهم واجرامهم ترسم للطفل معالم حياته الحالية والمستقبلية.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 441


ويقول علماء النفس ان الاسس الاخلاقية لشخصية الطفل توضع لبناتها الاولى في البيت وتقبله للموازين الاساسية والمؤثرة في بناء الاخلاق تنطلق من هذا المكان، وما يشاهده الطفل في البيت يجعله جزء غير قابل للتغيير في خلقه وطباعه ويرسخه بداخله الى ما لا نهاية. ويصدق هذا الامر بشأن الاطفال ويؤثر فيهم الى درجة يقول معها علماء النفس ان السلوك الشخصي واخلاق الطفل وطباعه ما هي إلا انعكاس كامل لسلوك الابوين. ومن هذا المنطق فان نمط تعامل الابوين فيما بينهم، تأدبهم واخلاقهم واحترامهم لبعضها البعض، وكيفية حياتهم ومواقفهم ازاء المسائل والامور له اثر بالغ جداً في هذا المجال.
كيفية التربية الاخلاقية:


وبناء على هذا الاساس فان التربية الاخلاقية للطفل ما هي إلا نتيجة طبيعية للنموذج الذي يتلقاه الطفل من العائلة. بيد ان هذا الحديث لا يعني ان نموذج الطفل وقدوته في كل الاوقات هما الأب والام، بل من الممكن في بعض الاحيان ان يستحوذ افراد آخرون على قبله ومشاعره ويوقعونه في شباكهم. وهذا الأمر الذي نادراً ان يظهر لدى الاطفال الصغار يمكن ان يكون مضراً أو مفيداً وفي طريق مصلحة الطفل.
اذن يمثل النفوذ الى اعماق الطفل ركناً اساسياً في مسألة تربية الاخلاقية يجب ان يأخذه الابوان بنظر الاعتبار. كما ان النصائح والتوجيهات الاخلاقية بناء على هذا الاساس مؤثرة أيضاً في هذا المجال. ويجب ان لا يتبادر الى اذهان بعض الآباء ان قناعة المربي بحديثه يمكن ان يكون بناءً وهادياً فقط. انكم تملؤون ذهن الطفل بتوجيهاتكم ولا يعرف ان كانت هذه

الأسرة ومتطلبات الأطفال 442

الاملاءات ستترجم الى واقع عملي أم لا. وفي نفس الوقت فان النصائح والتوجيهات بناءة ومفيدة للاطفال الصغار وتؤدي الى ان يطبع بها الطفل.
والأساس في التربية الاخلاقية يعتمد على الاختيار السليم والبناء وفسح المجال امام التقيد والالتزام بالاصول والضوابط المدروسة وهنا تكمن أهمية مسألة الهدفية وامتلاك الرؤية والفلسفة الواضحة عن الحياة. ويجب على الآباء ان يطلعوا على ذلك ويستنيروا به.
المعلومات اللازمة في هذا المجال:


يجب ان يعلم الآباء الاتجاه الذي يتحركون صوبه وماذا يريدون فعله في التربية الاخلاقية؟ وما هي الاصول الموازين المراد نقلها الى الطفل؟ لأنه عندما يدور الكلام عن الاخلاق فاننا نرى انفسنا امام ابعاد واسعة من المواضع، وتبدو امامنا خطوط متعددة من موازين الحياة الاجتماعية وينبغي لنا ان نتخذه تجاه كل منها اسلوبا معيناً.
بعض المعلومات تتعلق بموازين المعاشرة على اساس مراعاة حقوق الافراد، الادب والاحترام، ومراعاة المحبة والعدل والانصاف. والجزء الآخر يتعلق بالفضائل التي لا بد ان نتزين بها ونعرف قدرها وأهميتها ونعرفها للآخرين. ونعمل على اجاد وخلق العادات المقبولة في انفسنا ونجعل انفسنا في مسار الخير والصلاح.
والقسم الآخر من الاخلاق بشأن مراعاة الآداب، والتقاليد والاعراف التي تم الوقوف على صحتها، ويرى افراد المجتمع انهم ملزمون بالتقيد بها ومراعاتها مثل آداب الطعام، والمعاشرة، الذهاب والاياب، والمجاملات، والقسم الآخر منها بشأن الامور التي تؤدي اللجوء لها والاعتماد عليها الى

الأسرة ومتطلبات الأطفال 443

خلق موجبات الضلال والضياع للفرد والآخرين مثل الرياء والخديعة والنفاق. وبالنتيجة من المهم ان يدرك الطفل تدريجياً ما هو الصالح والطالح في كل ذلك، وايهما حق وايهما باطل و...
بداية سن التربية الاخلاقية ومراحلها:


الاخلاق بمعنى مجموعة الضوابط المتحكمة بالسلوك يجب ان تراعى بشأن الطفل منذ الايام الاولى للولادة أو أردنا التساهل قليلاً في ذلك فيجب ان يحصل ذلك ابتداءاً من الشهر الرابع للولادة على الاقل، أي تلك السن التي ينجح الطفل فيها بايجاد علاقة صميمة مع الوالدين، ويكون لتبسمه وبكائه معنى ويصبح كل منهما بشكل عامل ارتباط بين الطرفين.
وابتداءً من هذه السن يجب ان نعمل على توجيه مسألة التربية بحيث الطفل يسخر مسألة البكاء مثلاً كعامل تحذير وتنبيه وليس بعنوان وسيلة للأخذ والقبض، أو ان يستخدم اللجاجة لغرض الحصول على مكانة أو امتياز معين لنفسه. وهذه المرحلة من العمر تعد مرحلة حساسة واستثنائية خاصة وان الامور التي يتعلمها الطفل في هذه المرحلة وعاداتها غير قابلة للتغيير. ويبدأ الطفل في هذا العمر بالاهتمام بعلاقاته الاجتماعية وعلى الأبوين ان يبذلوا ما بوسعهم من اجل ان يبدأ الطفل في هذه المرحلة بالذات بالعمل على انسجام توقعاته وآماله مع المجتمع تدريجياً.
العمر من 3 ـ 6 سنوات يمثل المرحلة الثانية للتربية الاخلاقية والتي تبقى لبناتها حسب اعتقاد علماء النفس الى نهاية العمر وهي تشكل حوالي 70% من سلوك الكبار.
ويتعلم الطفل الاصول الاخلاقية في هذه المرحلة ويتسم الثناء والثواب

الأسرة ومتطلبات الأطفال 444

والعقاب في هذه المرحلة بأنه اكثر تأثيراً وفاعليةً.
المرحلة الثالثة للتربية الاخلاقية تتمثل بعمر 6 ـ 12 سنة والتي تحظى هي الاخرى بأهمية استثنائية أيضاً خاصة وان الطفل من الممكن ان يعاني من تضاد وتعارض البيت والمدرسة ويميل بالنتيجة الى أحدهما أو على الاقل يأخذ مسحة لنفسه من كليهما. ويلعب سلوك المعلمين والزملاء، والعوامل المحركة والمثيرة، والثواب، والمظاهر ودوراً مهماً في هذه المرحلة في بناء أو تخريب اخلاق الطفل.

الاخلاق والموازين:


قلنا ان في كل مجتمع هناك مجموعة من الضوابط والشروط يرى الافراد انهم مضطرون للانسجام معها من حيث البعد الاخلاقي. وأساس المسألة في هذا الأمر ان نعرف ما هي الاشياء الجيدة والاشياء السيئة، وأي عمل يجب ان نؤديه وأي عمل يجب ان نجتنبه وبالنتيجة يجب ان نحرر روح الطفل من الفوضى ونجعله حساساً تجاه الامور.
كما ان مسألة التحلى بالقيم والفضائل الاخلاقية في مجال الاخلاق مطلوبة هي الاخرى وكذلك قبول القانون واحترامه. ومطلوب أيضاً تعلم اصول وقواعد التربية ويجب ان تبذل المساعي لكي يعتبر الطفل بنفسه على المصادق اذ أن الآباء المسألة اثناء العمل بشكل معين.
ويجب ان يكون الانسجام بمثابة حصيلة الاخلاق وقبول الموازين ومرادنا من الانسجام ليس المقصود به القبول والتطابق الغير المشروط مع المجتمع وثقافته، بل معرفة الواجب والمسؤولية والسعي من اجل تحقيق ذلك وهذا هو الفرق بين نظام الاسلام في الحياة الاجتماعي وبقية المجتمعات اذ

الأسرة ومتطلبات الأطفال 445

يتمثل الانسجام فيها بالموافقة على ما تعاقد عليه المجتمع.
ان تحديد الموازين المدروسة واحترامها تعد بحد ذاتها وسيلة جيدة لتحقيق النمو الاخلاقي وتكمن مسؤولية الابوين في هذا المجال بحمل الطفل على مراعاتها دون فرض أو اجبار في هذا الخصوص. ان الشعور بالرضا وعدم الرضا اثناء العمل يعد بحد ذاته افضل وسيلة لقبول تلك الموازين:
خلق الفرص الاخلاقية:


والدا الطفل مكلفون بايجاد فرصة معينة امام الطفل، لكي يعد نفسه فيها للتمسك بالاخلاق وتعلم اصوله وضوابطه. وان جانباً من تربية الطفل يرتبط بجدية وجهود الابوين لغرض اتصاف الطفل بالفضائل والابتعاد عن الرذائل.
1 ـ ففي جانبا لفضائل المراد هو بناء الطفل لغرض تقبل الملكات الفاضلة، ترويض الأدب، التخلي عن جزء من حقوقه وحرياته للآخرين، امتلاك بعض الخصال كحب الخير، والاحسان والتعاون، والايثار، والتعاضد الاجتماعي، ومشاركة الناس في همومهم، ومواساتهم في آمالهم ومعاناتهم، اعانة المحتاجين وبذل المزيد من العون لهم، و...
2 ـ وفي جانب الرذائل، فالمراد التخلي عن الكبر والغرور، والريا والشرك، التكبر والتعالي، اجتناب العوامل المضرة ومخاطر الانحراف، والتخلي عن الخمول، والنفاق، واليأس، والشر، والانتقام، والبغض، الاعتداء والاهانة، الميل عن الحق، والدفاع عن الباطل، والتحلل وعدم التقيد،وبشكل عام التخلي عن الاعمال التي تعتبر مخالفة للاخلاق من

الأسرة ومتطلبات الأطفال 446

وجهة النظر الدينية.
المتابعات اللازمة في هذا المجال:


لكي تتبلور الاخلاق بشكل جيد لدى الطفل من الضروري ان لا يكتفي الآباء بالكلام والنصح والتحذير فقط أو ان لا يتولد لديهم تصور معين بأنهم قاموا بالنصح والتنبيه وكفى،ولم تعد لهم اي مسؤولية اخرى، كلا، إذ يجب عليهم متابعة سلوك واعمال الطفل دائماً.
والمراد بالمتابعة والسيطرة هنا ليس استخدام العنف والعقوبة البدنية، كلا، لأن الادب والاخلاق لا يمكن زرعهما لدى الفرد عن طريق العناد والقوة وان تم ذلك فلن يقوى على الدوام. إذ لا بد من مراقبة الجوانب الاخلاقية والسلوكية لدى الطفل والسيطرة عليها من خلال الاساليب المتعقلة،واكتشاف النقاط الايجابية في حياته وتشجيعها وتصديقها. وطبعاً لا يعني هذا الحديث عدم لجوءنا الى استخدام الانتقادات البناءة لاصلاح اخطاء الطفل عندما تستدعى الضرورة لذلك.
ان المراقبة ضرورية بشكل اكبر في السنوات الثلاثة الاولى من العمر، ويتأثر الطفل في هذه المرحلة بروحية الأبوين واخلاقهم ومشاعرهم بشكل اكبر أيضاً . وفي المرحلة الخاصة على وجه التحيديد يجب ان لا نعمد الى استخدام التنبيه والمعاقبة لغرض تحفيز الطفل ودفعه الى اداء الاعمال. حيث تظهر في هذه الصورة حالة الاعراض عن الاخلاق وظهور حالة الخوف والفزع والتي تبقى آثارها السلبية في الطفل الى أمد طويل.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 447

الممارسات الاخلاقية:


ومن اجل تربية الطفل اخلاقياً وجعله في مسار الحق والصواب من الضروري ان نحمل الطفل على الممارسة العملية، مثل مطالبته باداء التحية على الاخرين والتسليم عليهم، ومصافحتهم، ومجاملتهم، والتعامل مع الافراد بوجه منبسط، ويظهر محبته واحترامه للآخرين، وان يشعر بالرضا في داخله جزاء هذه الاعمال.
ومن التمارين والممارسات الاخلاقية تمرين السيطرة على النفس، وتمرين تحمل المصائب والمعضلات، ويجب في بعض الاحيان حمل الطفل على القيام بالاعمال التي لا يحبها وان لا يكون أسير اهوائه ورغباته النفسية ويقبل بالامور التي يراها مكرمة بالنسبة له ولكن عندما يقول أبويه بانها في مصلحته عليه ان يقبل بذلك. وان لا يبدي المزيد من التأوه والتألم فيما يتعلق بشأن تحمل الألم والمرض، ولا يلجأ الى اشراك الآخرين في تحمل آلامه ومعاناته وان يجعل نصب عينيه هذه المقولة: لا يحب للآخرين ما لا يحب لنفسه.

خلق العادات الاخلاقية:


لابد من غرس الاخلاق لدى الطفل تدريجياً لكي لا يشعر بالتثاقل والصعوبة ولا يرى المشقة في ابعادها العملية. ان التطبع والتعود على الجوانب الاخلاقية من المسائل الأساسية في الحياة، ولا يمكن اعتبار الفرد بأنه خلق بدونها.
وعلى أثر التعود، فان القيام بسلوك خاص يصبح أمراً ميسوراً على الطفل وتزول مشاعر الملل والمعاناة ولن تكون هناك حاجة للتصنع والتظاهر،

الأسرة ومتطلبات الأطفال 448

ولن يكون الطفل بحاجة الى تفكير جديد بشأن كل حالة أو ان يطالب الطفل بأوامر جديدة في هذه المرحلة.
ان جانباً من هذه التعاليم وخلق العادات تكمن في اطار المسائل الاجتماعية مثل الامتناع عن البصاق في الشارع، عدم شرب الماء من أي قدح كان، عدم استخدام المنشفة والمنديل العائدين للغير، الامتناع عن العيش والفعالية في الاجواء الملوثة والقذرة، الامتناع عن العطاس والسعال بوجه الآخرين و...
ان جميع هذه المسائل تنظوي تحت الآداب الاجتماعية التي نحن بصدد دراستها في موضوع الاخلاق.
ان خلق وايجاد هذه العادات في الطفل تتم بشكل تدريجي، ومن الضروري هنا ان تتصاعد الاعمال من المرحلة السهلة الى الصعبة وتؤخذ بنظر الاعتبار ظروف وقابليات الطفل ومستوى ادراكه وقدرته، كما يجب ان نأخذ بنظر الاعتبار مسألة تحمل الطفل وصبره ومطاولته بهذا الشأن وان لا ينشأ الطفل نشأة تنم عن انه سريع الضجر والتألم، وشديد الحساسية ومترعرع في محيط منعم ومرفه. ان كل هذه العادات الهدف منها ان يكون الطفل قادراً على مواصلة حياته في الجو المتعارف عليه.
الرقابة على العلاقات:


ينبغي للآباء والمربين ان يمتلكوا المعلومات المطلوبة حول علاقات الطفل ليقوموا بتعليمها اياه. إذ على الطفل ان يدرك ان الأب والاخلاق يكمنان في الاخذ والعطاء. ولو اراد من الآخرين ان يعاملوه بأدب فعليه ان يعاملهم بنفس تلك الطريقة حتماً.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 449


وعليه ان ينظر الى حديث الآخرين بكل احترام وتقدير لكي ينظر الى حديثه باحترام مماثل أيضاً.
كما يجب تعليهم على ان يكون كلامهم قليلاً، وصادقاً، وصحيحاً، ومفيداً، ومؤدباً، ويراد به الخير والصلاح. ان تقدير خدمات الآخرين وشكرهم على ذلك من أوليات العادات والآداب كما ان محبة الآخرين يمثل اسلوباً لغرض الاستفادة من صفاء الغير، واستخدام المصطلحات الحسنة من شروط الادب ايضاً. الكرامة والحزم من اركان وثوابت الحياة الاجتماعية بينما نجد ان الابتعاد عن المنطق، والادب، والتفكير والاهتمام بالنفس فقط، والابتعاد والانزواء عن الناس، التكبر ومدح النفس، الاسراف في القول والعمل، الادعاء بالفضل تعتبر كلها من عوامل الانحدار والسقوط ولابد من اجتناب ذلك كله.
وعليه ان يعلم انه ومن اجل الاستفادة من الآخرين عليه ان يبادر الى مساعدة الآخرين، وان يغني الحياة من خلال الاعتماد على الكفاءة والنمو والتعامل الانساني وتنفيذ مسؤولياته والتزاماته تجاه الآخرين وبعبارة اخرى ان يدرك كيفية اقامة العلاقات الصحيحة.
ملاحظات مهمة بشأن الأدب والاخلاق:


1 ـ الاساس في الجانب الاخلاقي يستند الى معرفة الحق والصواب وفي هذه الحالة يجب قبول ذلك والتحلي به.
2 ـ ثبات الاخلاق من ثوابت الحياة الانسانية والاخلاقية، ولا بد للطفل ان يتصف بذلك.
3 ـ علينا تعليم الطفل ان يطمع بالآخرين بمقدار قدرته على رد ذلك.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 450

4 ـ اضطروه الى التخلي عن الكذب، والرياء، والخيانة حتى وان كذب عليه، وخانوه، و...
5 ـ يجب ان ينظر الطفل الى مسألة مراعاة الضوابط الاخلاقية كواجب ملقى على عاتقه وليس بدافع الطمع في الجنة أو الخوف من النار.
6 ـ ان محبة النفس امر حسن وضروري لمواصلة الحياة إلا ان التكبر قبيح وغير مندوب.
7 ـ اثناء المصادمات احملوه على امتلاك وعيه وتعقله وان لا ينسى السكوت والاستماع بوقار وحكمة.
8 ـ اضطروه الى ان يحمل كله بنفسه وان يقوم بذلك حسب قدرته.

* * *



الأسرة ومتطلبات الأطفال 451

الباب السادس

الحاجة الى الابعاد المثلى للنمو



الأسرة ومتطلبات الأطفال 452



الأسرة ومتطلبات الأطفال 453


لقد ذكرنا في هذا القسم 9 احتياجات من متطلبات الطفل، وسوف نتناولها بالبحث والدراسة، وهي الاحتياجات التي تعد من حيث التصنيف ضمن الاحتياجات الانسانية المثلى والراقية، إذ ان انسانية الانسان هي الوحيدة التي تليق بها فقط.
  • الحاجة الى معرفة الذات واثبات الهوية، حيث تنجم عن ذلك معرفة الذات ومعرفة التكليف والمحافظة على النفس من المخاطر.
  • الحاجة الى العلم والمعرفة، وكذلك المنطق وادراك المفاهيم إذ يمثل ذلك الخطوة الاولى على طريق النمو.
  • الحاجة الى الهدف.
  • الحاجة الى المدح والثناء والاطرء، إذ ينطوي على اساس فطري لدى الانسان ويمتلك دوراً بناءً ومصيرياً.
  • الحاجة الى العدالة وخاصة بشأن أهمية ذلك في الحياة وضرورة القضاء على التمييز ومخاطره.
  • الحاجة الى الحرية مع المحافظة على شروطها وحدودها بشأن الطفل مع الاخذ بنظر الاعتبار بعد الضبط، والمسؤولية، و...

    H1 454

  • الحاجة الى الاستقلال والمحاولات التي يجب ان تبذل لنيل ذلك وحدود الاستقلال ومراعاة تجاه الطفل.
  • الحاجة الى الرشد والكمال والذي يعد من أهم وأعمق المباحث الاخلاقية والانسانية والضرورات القابلة للذكر بهذا الشأن.
  • الحاجة الى الدفاع عن الجسم والنفس والفكر والعقيدة والضرورات القابلة للذكر بهذا الصدد.
    وجرياً على دأبنا في الفصول السابقة سنسعى الى تناول هذه المواضيع باختصار لنفسح المجال امام طرح الابحاث اللازمة والمفيدة الاخر في هذا المجلد أيضاً.