الأسرة ومتطلبات الأطفال 371

الباب الخامس

الاحتياجات الاجتماعية



الأسرة ومتطلبات الأطفال 372



الأسرة ومتطلبات الأطفال 373


كان من المفروض ان نستعرض في هذا القسم الحديث عن متطلبات متعددة للاطفال وان كلاً منها يمتلك بعداً اجتماعياً بنحو أو آخر. إلا اننا ومراعاة للاختصار اكتفينا بذكر ستة احتياجات وهي كما يلي:
1 ـ الحاجة الى التعلق والارتباط، إذ انه من أهم الاحتياجات الاجتماعية للانسان ويعد وسيلة وسبباً لبناء الطفل.
2 ـ الحاجة الى المعاشرة والرفقة إذ ان الحياة الجماعية التي تفتقر الى ذلك تعد من أهم الآلام والعقوبات للانسان.
3 ـ الحاجة الى المعاشرة في الحياة الاجتماعية، إذ يعد عاملاً مهماً ليصبح الفرد من خلاله اجتماعياً، ومتمرنا على تحمل المسؤولية في الحياة المستقبلية.
4 ـ الحاجة الى التقليد والمشابهة، إذ يمثل اسلوبا بشأن الاقتباس من تجارب الغير، والوصول الى الهدف الذي وصل اليه الآخريون بعد سنين طويلة.
5 ـ الحاجة الى المقررات والنظم والترتيب، إذ أنها تحظى بآثار مهمة في الحياة الفردية، فضلاً عن فوائدها الاجتماعية، وتعد سببا لبلوغ النضج والنمو.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 374

6 ـ الحاجة الى الأدب والاخلاق، إذ ان بلوغ ذلك يوفر موجبات تفاوت حياة الانسان مع الحيوان.
وقد سعينا في بيان هذه الاحتياجات وبعد ذكر المقدمة الى التطرق عن جذورها ومنشأها وعن ضرورتها واهميتها للطفل والاساليب العملية للحصول عليها وكيفية اشباعها وكذلك التحدث عن مسؤولية الوالدين والمربين في هذا الجال.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 375


الفصل الاول



الحاجة الى التعلق:

المقدمة


من المتطلبات المهمة والاساسية للانسان، الحاجة الى التعلق والارتباط الذي ينظر اليه علماء النفس على انه من الاحتياجات الاجتماعية للانسان، ويمهد السبيل امام القبول الاجتماعي.
الانسان حريص على ان يصل نفسه بمكان أو نقطة يتكأ إليها، لكي يجعل لنفسه قاعدة يلوذ بها في الملمات والشدائد ومصاعب الحياة. وان الجهود التي يبذلها كل فرد ومحاولاته لينسب نفسه الى اشخاص معينين وفي المراحل الأسمى الى الله الواحد الاحد ما هو إلا مظهر من مظاهر هذه الحاجة. وكل ما يهم الفرد في هذا التعلق ان يكون شعوره بالتبعية والانتساب من الشدة والرسوخ بحيث يشعر معه بالوحدة. وان لا يرى نفسه مفصولاً عنها ولو للحظة واحدة. لدرجة يكون معها قادراً على تحمل المصاعب والشدائد والمعاناة والعذاب ولكن غير قادر على تحمل الانفصال عنه (صبرت على عذابك فكيف اصبر على فراقك).

الأسرة ومتطلبات الأطفال 376


حاجة التعلق لدى الطفل:


الحاجة ال التعلق لدى الطفل شديدة للغاية. انه يرغب في المرحلة الاولى ان يرتبط بافراد كامه وأبيه، وان ينظروا إليه باعتباره فرداً يمكن الاعتماد عليه وجدير بالاحترام. ويريد أن يشعر في ظل ذلك بالعزة والكرامة ويجد فيه ملاذه ورجائه.
انه يريد ان يلصق نفسه بوالدته، وكأنه جزء من كيانها وجسها ويشعر معها بالاتحاد. ويحظى بمحبتها وقدرتها ويشعر بشخصيته في ظلها. ونلاحظ تجلى هذه الحاجة في عدم تحمل الانفصال عن الام وفي المراحل التالية في الانتماء الى مجموعة الرفاق والحياة الجماعية.
كما نلاحظ وبسبب شدة التعلق ان الطفل ينزعج من الانتقال الى مكان آخر ويبدو عليه القلق عند الحركة والهجرة. ولا يريد ان يبقى بعيداً عن احضان امه وان استيقظ من نومه ولم يجد والدته الى جواره يشرع بالبكاء والصراخ دون ان يشعر بحاجة الى شيء ما.
وإذ يبحث الطفل عن اقرانه في السن بمجرد ان يملك القدرة على السير انما يعبر ذلك بمن شعوره بالحاجة الى التعلق، ويريد أن يجعل أفراحه واتراحه معهم في مرحلة الاختيار والعمل. ويمارس اللعب معهم ويشعر باللذة في صحبتهم. كما تلاحظون انه يستند في جميع اعماله واموره الى الأب أو الأم ويقول ان والدي قال كذا، ووالدتي فعلت كذا و...
جذوره ومنشأه:


وفيما يتعلق بجذور هذه الحاجة ومنشأها، وما هو السر في ان يلصق الطفل نفسه بوالدته بشدة أو ينتظر أن تأتي والدته وتهزه في مهده. الواقع هو

الأسرة ومتطلبات الأطفال 377


اننا لم نعثر على دليل واضح تقدمه بشأن هذه المسألة. يقول البعض بان هذا الأمر يعتبر جزء من الابعاد الذاتية والفطرية للانسان. وان الله تبارك وتعالى هو الذي أودع هذا الشعور بالتعلق والارتباط في كيان الطفل وان هذا الميل وهذه الرغبة يستمدان وجودهما منه. ويضيفون بأن مظاهر هذا التعلق موجود لدى الحيوانات أيضاً ونحن نرى انها تلصق نفسها بامهاتها.
وهناك مجموعة اخرى ترى بأن حب الذات هو الذي يمثل مصدر ومنبع هذا الميل وعلى انه ناجم من الغريزة أيضاً، أو ان هناك فطرة متأصلة في الاعماق هي التي تدفع الجسم الى ادامة تماسه مع جسم آخر ويعوض بذلك عن عجزه وعدم قدرته في المحافظة على نفسه وصيانتها.
كما ذكروا أيضاً ان التعلق ناجم عن حاجة الطفل الى الامن، اذا انه لن يشعر بامكانية بقائه على قيد الحياة بدون ذلك مطلقاً.
أهمية للطفل:


ان الحاجة الى التعلق تحمل الاطفال في الاقبال على الآباء والامهات وطبعاً يرون فيهم الاسوة والقدوة، ويقدمون على الاعمال بناء على أساس أوامرهم ونواهيهم. وبناءً على ذلك تتبلور طريقة التربية وشخصية الطفل وتتكون وفقاً لذلك اخلاقه وعاداته الحسنة أو السيئة.
ولو تمت دراسة جميع التطورات الفكرية، والابداعات واختراعات الاطفال بشكل جيد لوجدنا انها ناجمة عن الشعور بالتعلق، إذ ان الطفل يصبح في ظلها فرداً فعالاً ويسعى في المجتمع المحدود أو الواسع الى السيطرة والتحكم باعماله وسلوكه ويخاف في نفس الوقت على وحدته وتآلفه معهم ويندفع الى الامام بهذا الاسلوب.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 378


وبسبب الشعور بالتعلق والانتساب يحافظ الطفل على نفسه من الحرارة والبرودة، ومن المخاطر والعوارض الاخرى ويرى نفسه بأنه احد اعضاء الاسرة ويتقبل تبعيته الثقافية والاخلاقية لها. ويرى مكانه اللائق وسط المجموعة وتصبح حياة المجموعة سبباً في ترسيخ وتقوية شخصيته. وتترسخ أيضاً مكانته الاجتماعية ويشعر بالاحترام وسمو شخصيته بينهم.
اضرار عدم التعلق:


لغرض الاطلاع على أهمية الشعور بالتعلق يمكن ان نفهم الجانب السلبي منه، ونرى انه ماذا سيحدث لو لم يكن هذا الشعور موجوداً، ولو لم تكن هذه الحاجة موجودة لدى الطفل أو لم يتم اشباعها بشكل سليم ومشروع، فانه سيجد نفسه موجوداً متحيراً، لا ملاذ له، ويفقد قدرته على المقاومة والصمود.
وهذا الفرد بما أنه يرى نفسه لا ملاذ له ويجد أنه عاجز في الدفاع عن نفسه، فانه لا يبدي استعداداً للدخول في الحياة الجماعية، وان يلاعب الآخرين ويرافقهم. فهو يجتنب معاشرة الآخرين، وغير مرتاح لدوره مع الجماعة، وفي سعيه وطلبه يقع طعمة المحبة واللطف.
ولو تعرض في هذا الخضم الى الجوع أو الشهوة يمكن ان يجعل منها مرتعاً جيداً لاستغلاله ونواياه السيئة، وتجره بالتالي الى الفساد والتلوث. وبسبب عدم الشعور بالتعلق أيضاً فان الطفل سيسعى الى الاقبال على كل من يفتح بوجهه حديقة غناء بل ويتعلق بالآخرين بشدة ويرى ان هذا الأمر ضروري له بشأن نجاته من اهتزاز شخصيته.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 379


فوائده وضرورة من الناحية التربوية:


نعتقد من الناحية التربوية ان التعلق وشعور الطفل بالحاجة اليه يعد امراً ايجابياً ومفرحاً، ذلك ان الطفل ومن خلال ربط نفسه بوالديه يكتشف هويته وكيانه، ويفهم من هو وماذا وكيف يجب ان يكون موقفه.
كما انه يحتاج لغرض تطوره واندفاعه ان يشعر بأنه قوي ومقتدر، وهذا الشعور ليس من السهل الحصول عليه إلا عندما يرى نفسه منتسباً الى جهة أقوى. وعلى اثر التعلق يشعر الطفل بأنه ينمو، وتنمو طاقته الفكرية وتتهيىء امامه نموه ونضجه من كل الجوانب.
ان وجود الآباء الذين يتعلق بهم الطفل يصبح سبباً لكسب الوعي اللازم وضرورة من ضرورات الحياة وتقوية شخصية الافراد، فضلاً عن انه يطلع عل ثقافة العائلة والمجتمع، ويتعلم نمط العيش والحياة. وفي كل الاحوال كلما كان شعور تعلق الفرد بالجماعة أكثر، فان الشعور بالجدارة سيكون اكثر تبعاً لذلك وهذا الامر يساعده في تحقيق شخصيته وتطوره.
بداية الارتباط والتعلق:


لو قلنا بأن هذا الامر فطري وغريزي في الطفل، فيجب ان نقول بأن زمن ظهوره وبدايته في الطفل يعود الى ما قبل مرحلة الولادة. ان ارتباطه واعتياده على هذا الارتباط يبدأ من مرحلة الحياة في الرحم، حيث انه مرتبط بوالدته بكل كيانه ووجوده، سواء من حيث الغذاء. والسلامة والسلم، واسلوب عمل الغدد والوضع الداخلي، لدرجة انه يأنس بصوت قلب والدته، وبعد الولادة لو رقد في الحضن الايسر لوالدته فأنه ينام بشكل أفضل وأهدأ.
وقد أظهرت الدراسات التي قام بها علماء النفس ان الطفل في بداية

الأسرة ومتطلبات الأطفال 380

مرحلة الطفولة يرى نفسه مرتبطاً بشدة بوالدته، حتى انه يحسب نفسه جزء لا يتجزأ من والدته، ولو انفصل عن والدته يشعر بالنقص وان ابتعد عنها لا يشعر بالأمن. وخلال الأشهر الاولى لا يفصل عن صدر امه إلا بعناء ومشقة، ومن هنا يمكن القول بأن تعلق الطفل بوالدته في مرحلة الرضاعة يتسم بالشدة وارتباطه بها دون قيد أو شرط.
وعندما يصبح فيما بعد قادرا على السير يشرع بالتعرف على الآخرين ويستأنس بهم، ويتطبع بخلق وطبيعة خاصتين، ويتأثر بثقافة واخلاق الآخرين. ويستمر هذا الأمر بهذه الوتيرة الى ان يكبر تماماً ومن الناحية الثقافية من الممكن ان يستقل عن العائلة.

ابعاد التعلق:


ان حس التعلق في الطفل الغرض منه ايفاء دور تأمين الحماية، وله في بداية الامر صورة جسمانية وصورة نفسية وعاطفية في المراحل التالية، وحتى من الممكن ان تكون له صورة اخلاقية وثقافية، وهذا امر من الممكن ان يبقى كذلك في الانسان الى آخر العمر أو تلاحظ آثاره عليه.
ابعاد التعلق والارتباط من الممكن الاشارة لها في ثلاثة مراحل وثلاثة مجاميع وتشمل هؤلاء الافراد والاشخاص:

1 ـ الارتباط بالعائلة:


وهو امر طبيعي من جهة ان الطفل يفتح عينيه على الوجود في العائلة، ويربى في هذا المكان، ويتعلم نمط العيش والحياة. والطفل هو عضو الاسرة ومن مجموعة الاعضاء. ويتلقى في ظل الحياة مع والديه نمطاً خاصاً لحياته. إذ ان اخلاق العائلة وثقافتها يتركان أثراً بليغاً في الطفل لدرجة يقول معها

الأسرة ومتطلبات الأطفال 381

علماء النفس اعرض علي طفلك أولاً حتى اقول بانك موجود.
وبعبارة اخرى ان الابناء هم المرآة العاكسة لآبائهم تماماً ومن خلال ذلك يظهرون ارتباطهم الوثيق بهم.
2 ـ التعلق بالمدرسة ومسؤولي المدرسة:


وهذا الأمر مهم أيضاً، إذ ان المعلمين يحلون فيما بعد مكان الآباء والامهات من قلب الطفل بصورة تدريجية، ويضعون انفسهم احياناً مكانهم. ويصدق هذا اكثر بخصوص الاطفال الذين لا يحظون في اسرهم بالمقدار الكافي من المحبة والعناية، ويعانون من الاهمال، وعلى العكس فان معلميهم افراداً طيبون، أوداء وحميمون وعاطفيون مع التلاميذ. وفي هذه الحالة يسعى الاطفال الى ربط انفسهم بمعلمهم ويتخذون من اخلاقهم وسلوكهم نموذجا لهم واسوة حتى ان تعلقهم يصل احيانا الى درجة يشعرون معها بالام حين انفصالهم عن معلميهم في الصفوف التالية.
3 ـ التعلق بالاصدقاء ورفاق اللعب:


وهذا الأمر مهم أيضاً، إذ ان المعلمين يحلون فيما بعد مكان الآباء والامهات من قلب الطفل بصورة تدريجية، ويضعون انفسهم احياناً مكانهم. ويصدق هذا اكثر بخصوص الاطفال الذين لا يحظون في اسرهم بالمقدار الكافي من المحبة والعناية، ويعانون من الاهمال، وعلى العكس فان معلميهم افراداً طيبون، أوداء وحميمون وعاطفيون مع التلاميذ. وفي هذه الحالة يسعى الاطفال الى ربط انفسهم بمعلمهم ويتخذون من اخلاقهم وسلوكهم نموذجا لهم واسوة حتى ان تعلقهم يصل احيانا الى درجة يشعرون معها بالام حين انفصالهم عن معلميهم في الصفوف التالية.
3 ـ التعلق بالاصدقاء ورفاق اللعب:


بعد ان يكبر الطفل تدريجياً يقلل من اعتماده على والديه ويقبل على اصدقائهن إذ يلعب معهم ويستأنس بهم. ويصل استئناسهم بهم الى درجة عالية حتى انهم احياناً يستسرون بعضهم بعضاً ويكشفون لهم عن اسرار عوائلهم.
ويصدق هذا الامر بشكل اكبر بشأن الاطفال الذين يعيشون في اسرة مضطربة وقلقة. ولا يلمسون المحبة والحنان من لدن آبائهم وامهاتهم، أو بسبب انتقالهم وهجرتهم يردون منطقة جديدة ويتعرفون على ثقافة جديدة. أو انهم يصلون الى مرحلة البلوغ والشباب، ويجدون انفسهم امام عالم جديد ويتجهون بأسرارهم وامورهم نحو الفئة المقارنة لهم بالعمر.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 382


ان الاطفال يرون لانفسهم مكانة ووضعاً جديداً ضمن الجماعة، ولغرض قبولهم ضمن الجماعة يسعون الى الانسجام والتوافق معهم، وهذا امر من الممكن ان يخلق للافراد الخير أو السوء، والمزيد من الشرف والكرامة أو التلوث والفساد.

التعلق والبناء:


ان التعلقات التي تبدو في ظاهرها بأنها بسيطة ولا أساس لها، من الممكن في نهاية المطاف ان تصبح سبباً للسعادة أو الشقاء، وتساعد على تهيئة الارضية المناسبة للنمو والنضوج الفكري أو سبباً في التلوث وفقدان الشرف والكرامة. إذ ان الطفل يهتم بكل ما يجده لدى المجموعة ويعمل به، ويسعى الى تأييد واتباع الموازين الجماعية السيئة منها والجيدة، وبناء على هذا الاساس فان عاقبته في العمل والحياة ستكون واضحة. ونعلم ان الشعور بالتعلق والحاجة الى ذلك يختلف باختلاف الافراد بناء على اساس ظروف السن والجنس ومقتضيات النمو الفكري والسلامة الانضباطية والاخلاقية للعائلة. وان جميع الاطفال لا يتأثرون بجميع الافراد بنفس المقدار أو ان مسألة التأثير والتأثر ليست بالشكل الذي يتمكن معه الطفل ان يبعد نفسه عن ابعادها السلبية ويتجه نحو الابعادالايجابية.
ان الاحتكاك والاتصال بمختلف الافراد وعلى اختلاف ثقافاتهم المتنوعة تمهد الأرضية المناسبة لبناء الافراد أو تخريبهم وتدميرهم. ولعلكم تعرفون الكثير من الافراد الذين كانوا ينتسبون الى عوائل شريفة ونجيبة خسروا انفسهم خلال انخراطهم مع بعض الافراد والمجالات الغير مناسبة. وعكس القضية صحيح أيضاً، إذ لدينا من الافراد من لم يمتلكوا عائلة أصلية

الأسرة ومتطلبات الأطفال 383

ولكنهم صادفوا في طريقهم افراداً ناضجين وصلحاء واصبحوا سبباً لحدوث التحول والتغيير في حياتهم وسلوكهم واكتسبوا الشرف والعزة. وكل هذه الامور تبين ان التعلقات هي السبب في البناء والاصلاح أو التخريب والتدمير وعلى الآباء والمربين ان يكونوا حذرين من هذا الجانب.
خطر التعلق بالغير:


لو أراد الآباء والامهات ان يتطبع الابناء باخلاقهم وسلوكهم وتنمو ارضية ابنائهم الخاصة، فلا سبيل امامهم سوى فسح المجال امام توثيق وتشديد التعلق بالعائلة وقطعها بالغير. وهذه المسألة بحاجة الى التوجيه والارشاد.
ان الطفل الذي تبعدوه وتطردوه عن انفسكم بسبب خطأه وزلـله. ماذا تتوقعون ان يفعل؟ فهل يا ترى سيواصل مسيرته بدون التعلق بالغير؟ أم انه سيحاول ان يربط نفسه بالآخرين؟ وما هي نوعية أولئك الافراد الآخرين؟ فهل تثقون بهم وتطمئنون اليهم من حيث الجانب الفكري والعقائدي؟ ففي هذه الحالة لا خوف من تعلق ابنائكم بهم. اما لو كانت اخلاقهم وسلوكهم مثار التساؤل يجب أن يكون الآباء اكثر حذارا بشأن تعلق ابنائهم بأولئك الافراد.
ولو كنتم تملكون الفرصة الكافية فاجعلوا الطفل تابعاً لكم ومتعلقا بكم بشكل كامل ولقنوه ثقافتكم واخلاقكم وسلوككم. وان لم تتوفر لكم هذه الفرصة فارشدوه الى من تطمئنون لاخلاقه وسلوكه. ويجب عليكم ان تؤكدو للطفل على هذه المسألة وتفهموه اياها بأن لا يستسلم لكل من هب ودب ولكل فكر ورأي ووجهة معينة ولا يقبل بان يتعلق ويرتبط بكائن من كان.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 384


ان الانضمام الى الجمعيات ، ومعاشرة الافراد والاصدقاء ومباشرتهم أمر جيد لانضاج وتطوير ثقافة الاطفال، ولكن بشرط ان تصب في طريق بناء الطفل وتكوين شخصيته الاصلية. وارشاده الى الوجهة التي تحظى بتأييدكم وموافقتكم لئلا تذهب حصيلة جهودكم وبرامجكم التربوية والاخلاقية أدراج الرياح.
مضار التعلق المفرط:


ان التعلق بالعائلة أو الغير امر جيد وحسن، ولكن ليس بالحد الذي يؤدي الى قتل ابداع الطفل وتفكيره أو ان يجعله فريسة للانفلات وعدم التقيد بالضوابط. إذ ان بعض الآباء يجعلون اطفالهم في جميع الامور متعلقين بهم حتى في مجال تناول الغذاء وارتداء الملابس والذهاب الى التواليت لدرجة كبيرة جداً بحيث لو ترك الطفل لحاله لحظة واحدة فانه سيشعر بالخطر، ويستولي عليه الفزع والكابوس، ويفقد شعوره بالأمن والهدوء. حتى ان الانفصام عن الام لغرض الذهاب ال المدرسة سيصبح امراً صعباً للغاية على الطفل.
واظهرت الابحاث العلمية ان هؤلاء الافراد سيصبحون فيما بعد افراداً كثيري القلق، ومدللين، ويعانون من الحياء المفرط، وتافهون وعاجزون في انجاز الاعمال والامور. ويصبحون كفطر التصق بجذع شجرة، إذ سيفشلون في المستقبل في محاولاتهم الاعتماد على انفسهم.
وعندما تتفاقم حالات التعلق وتتسم بالافراط فان الطفل سيتخلف من الناحية النفسية، وفي الحقيقة يتجنب ان يظهر نموه وانه قد كبر. وفي حالة وقوع الموت أو حادثة ما فان الطفل سيشعر بالوحدة ويبقى مجرد هيكلاً

الأسرة ومتطلبات الأطفال 385

مهموماً وخامداً. ويدفع بحياته الى التباهي. ولو حدث ان كبر ونما سوف لن يشعر بالمسؤولية في مقامه ومسؤوليته.
ومن هذا المنطق من الضروري ان نجعله تدريجياً قادراً على الاعتماد والاتكال على نفسه. وان نفسح المجال أمامه ليحسب لنفسه حساباً، ونجعله يؤدي عملاً بنفسه وبشكل مستقل. وندله على بقال المنطقة لكي يقوم ببعض المشتريات للبيت. ونتركه احياناً بمفرده لكي يعزم بنفسه لنفسه. وان يكون مقتدراً لكي يتمكن من البقاء في الوحدة. بل وحتى يتمكن البقاء لعدة أيام في السفر عند الآخرين.
الامور الضرورية في التعلق:


هناك بعض النقاط الضرورية في مسألة الشعور بالحاجة الى التعلق ينبغي للآباء والمربين يأخذونها بنظر الاهتمام، إذ ان مراعاة هذه النقاط تنطوي على أهمية كبيرة من حيث البعد التربوي وبناء الطفل:

1 ـ من الضروري ان يثق الاطفال بآبائهم ويعتمدون عليهم لكي يتبلور تعلقهم وارتباطهم الاخلاقي والعاطفي بهم.
2 ـ ان شعور التعلق بحاجة الى اجواء المحبة والامن ويجب على الآباء توفير موجبات هذه الاجواء الطفل.
3 ـ النوايا الحسنة للآباء يجب ان تكون بالشكل الذي يتلمسها الطفل ويشعر بها ويدرك بانهم يريدون خيره وصلاحه حقاً.
4 ـ يجب على الآباء ان يتخذوا مواقفهم بشكل يدرك معه الاطفال بأنهم جديرون بالارتباط والتعلق بهم.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 386


5 ـ المسائل المتعلقة بشأن المنافع المشتركة والمعاضدة من اصول الارتباط والتعلق وشعور الطفل بالمسؤولية في هذا المجال يعد أمراً ضرورياً.
6 ـ اشراك الطفل وزجه في النشاطات والفعاليات داخل الاسرة سيطمئنه الى عضويته وتعلقه بالعائلة.
7 ـ حمل الطفل على قبول الضوابط والمقررات الاجتماعية بعنوان انها احد أركان ولوازم العضوية يجب ان يؤخذ بنظر الاعتبار ويعمل الآباء على خلق ارضية ذلك لدى الطفل.
8 ـ يجب تفيهم الطفل بأن التعلق صحيح ولكن فقدان الشخصية خطأ. وان يحرك فكره وذهنيته في هذا المجال أو على الاقل يستشير أبويه بهذا الشأن.
9 ـ يجب ان يدرك الطفل تدريجياً بأن المحيط الاجتماعي لا يمكن الاعتماد عليه في كل الاحوال، إذ ان هناك في كل مجتمع بعض الافراد الذين يشيعون موجبات فساد الانسان وعلى الانسان ان يكون حذرا تجاههم.
10 ـ وهذه النقطة أيضاً يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار، وهي ان الاطفال احياناً يشعرون بالارتباط والتعلق بالغير بشكل لا شعور الى الحد الذي من الممكن ان يجعل هذا الامر معه الاطفال وكأنهم عبيد وأسرى. ان يقظه الوالدين وتحذير الاطفال يعتبر احدى اسس النجاة والارشاد.

* * *




السابق السابق الفهرس التالي التالي