الأسرة ومتطلبات الأطفال 319


الفصل الخامس



الحاجة الى عزة النفس

المقدمة


المراد بعزة النفس ان يرى الانسان نفسه عزيزاً وان له مرتبةً وقدراً. ويرى لنفسه أهمية وقيمة ولا يبيع نفسه بثمن بخس. وهذه مسألة تحظى بالاهتمام من وجهه النظر الاخلاقية والتربوية.
ولتوضيح المسألة بخصوص هذه القضية، ان بعض الافراد يلجأون خلال مسيرة حياتهم الى ارتكاب الذنب، والذلة والدناءة، ويشترون لانفسهم الألم والمعاناة بشكل نقدي او نسيئة ومستعدون لتقبل اي نوع من الرذيلة على انفسهم، وكل ذلك ناجم عن عدم اعتباره لأي قيمة لشخصيته ويثبت بانه يتصور نفسه كائناً حقيراً لا قيمة له. بينما لو ان الافراد يرون لانفسهم عزة معينة سيبذلون ما بوسعهم ليكونوا أعزاء ولا يبيعون انفسهم بثمن تافه. ولا يتقبلون الذلة والرذيلة ويطردون ذلك عن انفسهم، وهذا هو الأمر الذي نطالب به ونريده من الناحية التربوية بالذات.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 320


حاجة الطفل الى عزة النفس:


الطفل بحاجة الى عزة النفس، ويتجلى هذا الأمر فيه بصورة الغرور، وطلب الشهرة، والجاه، والتظاهر، وحب التجليل، وحب المقام. كما ان المطالبة بالاحترام، والملاطفة، والمحبة والحنان تشير الى ان الطفل بحاجة الى عزة النفس.
انه يريد ان يكون موجوداً عزيزاً، ويحظى لدى والديه والآخرين بالمكانة والقربى، ويكون لدى نفسه أيضاً عزيزاً ومحترماً ويرى لنفسه قدراً ومكانة. ولهذا السبب فانه ليس مستعداً ليصغر نفسه أو ان يتقبل الاستصغار الذي يثيره حوله الآخرون. ان المضايقات التي يتعرض لها يعتبرها نوعاً من الاهانة لشخصيته ويبعد ذلك عن نفسه.
ان الطفل يشعر بالسرور عندما يرى مراعاة الآخرين لحرمته، ويملأ الفرح والسرور باطنه، وعملياً ينجذب أكثر نحو الذين يتعاملون معه بالحد الاقصى من الاحترام، حتى انه شوهد أحياناً في هذا المجال بان الطفل وبدلاً من ان يلجأ الى ابيه ويجلس في حضنه يتوجه الى غيره.
جذوره ومنشأه:


لا بد من القول بأن الآراء مختلفة حول جذوره وعلله وعوامله، إذ أن بعض علماء النفس يقولون بانه ناجم عن سعي الانسان لنيل السعادة وهو امر فطري في الانسان ويشمل جميع الافراد.
مجموعة اخرى من العلما ترى أن مسألة المطالبة بالحرية والاستقلال من قبل الطفل هي وسيلة لتحقيق هذا الامر.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 321


وفريق ثالث يطرح بهذا الشأن مسألة حب الذات، والابتعاد عن المخاطر والعوامل الخطرة، ويقولون بأن هذا الامر يبعث على ان يرى لنفسه وزناً وقدراً وبالتالي يطرح مسألة عزته.
وحسب رأي علماء الاديان فان القضية كالتالي انه توجد في باطن الانسان نفخة من الروح الالهية، كلها عظمة لا نهاية لها وهذا الامر هو الذي يسوق الانسان نحو عزة النفس، بحيث ان الانسان لا يتمكن فطرياً ان يضع نفسه في حالة يضطر معها الى ان يبيع نفسه رخيصاً أو ان لا يرى لنفسه قيمةً وقدراً.
أهميته وضرورته:

ان هذه الحاجة في الطفل مهمة وتأمينها يحظى بأهمية خاصة. ومن جهة نظرنا لا توجد ثروة أفضل من ثروة عزة النفس للانسان، ذلك ان راحة النفس والسعادة والروح السامية والافكار الراقية انما تتولد في ظلها.
ان الطفل الذي يمتلك عزة النفس يرى لنفسه قيمة وأهمية وعظمة وشرفاً أيضاً.
انه غير مستعد لان يفقد ماء وجهه، وتتحطم شخصيته ويقضى عليها. وعزة النفس هي الركن الأساس لسلامة النفس واستقلال الروح، وعامل لتمتعه بالخطوة لدى الجمع وسبب لبذل الجهد والمساعي الجديدة، ولتأمين الامنيات وبلوغ الغرور والشعور بالأباء.
اننا بحاجة لان نهتم بغرور الطفل وآرائه ونسعى من اجل عزة نفسه، وبغير هذه الحالة فان التمسك بالاصول الاخلاقية، والرجوع الى الاصول وضوابط الحياة الاجتماعية، ومراعاة الحقوق، والابتعاد عن الانحرافات

الأسرة ومتطلبات الأطفال 322

بالنسبة للطفل يعد امراً في غاية الصعوبة.
المخاطر الناجحة عن فقدان عزة النفس:


انما يمكن الوقوف على قيمة عزة النفس وادراك فوائدها عندما يفتقد اليها الطفل أو يعود صفر اليدين عما كان يتوقع منها. فالذي لا يمتلك عزة النفس يلجأ بكل سهولة الى التلوث والانحراف ويخسر نفسه امام الفقر، ولا يأبه ارتكاب الذنب، ولا يتأثر من الفضيحة بين المجتمع وتعريض ماء وجهه للخطر.
واحدى أسباب ميل الافراد الى الفحشاء والرذيلة تكمن في أنه لا يرى لشخصيته وانسانية أي ثمن أو قيمة، واحدى دوافع تكرار الانحراف والجريمة أنه لا يشعر بالخجل والحياء أمام الآخرين من علمه. انه يرى نفسه صغيرة وتافهة.
ان فقدان العزة بالنفس يفسح المجال امام فقدان الامن، والشعور بالوضاعة وحتى انه يصبح سبباً لهجوم الامراض العصبية عليه. وينكفيء غروره، ويبدأ بالتشكيل بشأن جدراته واعتباره، وتظهر فيه العقد وبالنتيجة يتوقف عن النمو. ولكم ان تنظروا الى المجرمين المحترفين ستجدون ان اساس ودافع الدناءة والرذيلة فيهم يمكن في انهم يرون ان كيانهم حقير وتافه.
على طريق تربية عزة النفس:


من الضروري في تربية عزة النفس ان يصدر نوع من التحرك والاقدام من قبل الآباء والمربين، ويسعون الى ان يتسم الطفل بعزة النفس والشعور بالفخر والاعتزاز. وأما سعيهم في هذا المجال يشمل الموارد التالية:

الأسرة ومتطلبات الأطفال 323


1 ـ القبول والاحترام:


إذ يعد بحد ذاته ركنا في التربية. وقد قلنا آنفاً ان الطفل يجب ان يقبل. سواء أكان جميلاً أم قبيحاً، ولداً أم بنتاً، سالماً أم ناقصاً، ذلك انه أمانة الله بيد والديه. ومن الضروري أيضاً ان ننظر له بعين الاحترام لكي يشعر بالأهمية ويدرك انه موجود عزيز ويشعر الابوين بالاعتزاز من امتلاكهم اياه.
2 ـ تأمين حاجاته:


لابد من تأمين احتياجات الاطفال بشكل معتدل ومتعارف عليه وان لم يكن بالامكان تأمين متطلباته أحياناً من الضروري ان نبين ذلك للطفل بحدود فهمه وادراكه أو على الأقل لاندع الطفل في معرض تلك الحاجة. أو اذا كان يعاني من الحرمان في ذلك الصدد يجب ان نقوم بتهدئته عن طريق الملاطفة والمواساة.
3 ـ التمهيد للفخر والاعتزاز:


بامكانكم عن طريق الايحاءات والتلقين ان تفهموه بأنه مثلاً اكبر من ان يبكي بسبب الغذاء أو ان يشتكي امام الآخرين من فقره. ان ذكر القصص الاخلاقية بهذا الشأن مثمرة جداً ولا خير مطلقاً في ان نصوغ بعض القصص في هذا المجال ونذكرها له بشرط ان تكون من الناحية العقلية ممكنة الوقوع.
4 ـ ايكال مسؤولية معينة إليه:


الطفل يعيش في البيت ويجب ان يشعر بامتلاكه العضوية في البيت، ويجب ان يكون فرداً مسؤولاً ومكلفاً.اسندو له عملاً ما لكي يشعر بشخصية بادائه لذلك العمل. حركوا غروره ليصب في طريق اداء المسؤولية ويعمل بشكل يتناسب مع جسمه وقدرته في تلك المسؤولية.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 324


5 ـ الاهتمام بأعماله ومنجزاته:


قلنا ان الطفل يتسم بالتظاهر، فهل هو سالم أم مريض، وهل هو مقبول أم لا، عندما يطالب بحاجة ما، إذ من المهم تربوياً ان نهتم بالطفل،ونحسب له حساباً. وان كان له طلب ما يجب ان نوفره له ونفهمه بأننا نرى له قيمة واعتباراً. ويجب ان نهيىء له الفرصة اللازمة لكي يعبر عن حالته ويقول كلمته.
ممارسة عزة النفس:


يجب ان نضطر الطفل ومنذ مراحل الطفولة الاولى بان يمارس مسألة عزة النفس ويتمرن عليها، لكي يتمكن في مرحلة الحداثة والشباب ان يدير نفسه بكل شرف وشهامة. وأما الموراد التي يمكن ان تذكر في هذه الممارسات كما يلي:

1 ـ التحمل:


ما من شك في ان الافراد يتعرضون أحياناً خلال ايام عمره للمرض والألم، ويطلقون الدموع والآهات والأنين، وهذا الامر يتسم بشدة اكثر لدى الافراد والضعفاء والجبناء. ويمكن تفهيم الطفل منذ المراحل الاولى للطفولة بأن فائدة الآه والأنين تنفع في حدود اخبار الابوين واطلاعهما على ما يعانيه من الألم ليأخذوه الى الطبيب. وعندما يتم تأمين الدواء والعلاج يجب ان يقلل من اللجوء الى الآه والأنين، وخاصة عند الذي لا يملك القدرة على نجاته.
كما ان بعض الافراد يتعرضون في مسيرة الحياة الى الفقر والعوز، ان اظهار حالة الفقر امام الآخرين، الاستجداء من الآخرين، والشكوى من سوء الحظ ليس فقط لا يوجد حلاً للفقر بل انه في أحيان كثيرة يصبح سبباً للمزيد

الأسرة ومتطلبات الأطفال 325

من الألم والمعانات، إذ لابد من تحمل الفقر والعوز ولا نستجدي من الآخرين ومد ايدينا إليهم، كما يجب ان لا نتوقع ان يتحرق قلب احد علينا.
2 ـ ابعاد العزة الكاذبة:


يجب ان نضطر الطفل الى عدم تقبل العزة الكاذبة وعديمة الجذور، وان لا يحشر نفسه في الوادي الذي يظهر الآخرون فيه من خلال التملق والثناء، والرياء انهم يرون له قيمة واعتباراً. ان الاحترامات الغير مبررة والاستسلام لأمر لا اساس ولا جذر له لا يضيف شيئاً على مكانة الفرد بل على العكس سيصبح سبباً لمشاكل وصعوبات اخرى.
يجب ان نعلم الطفل ومنذ المراحل الاولى للطفولة انه لو تم التطرق الى تمجيد امر لا وجود له فيه لا ينبغي له ان يفرح. ولو مدحوه ببعض الظروف والاحوال الغير موجودة فيه يجب ان لا يفرح ويقول بكل صراحة ان هذه الخصائص غير موجودة لدي، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الصدد: (احثوا التراب في وجه المداحين)، وبعبارة اخرى لا تدعوا الآخرين ان يتناولونكم بالمدح الكاذب.
3 ـ السرور في قمة الألم:


وفي المراحل الاعلى يمكن ان نعلم الطفل انه في قمة المعاناة والألم يجب ان لا يفقد طراوته وسروره ولا يخسر روحيته. وعندما يصاب بوعكة صحية معينة ليس المطلوب منه ان لا يشرع بالتأوه والأنين فحسب، بل يجب ان لا يفقد معاشرته للناس وسروره وضحكاته وسعادته أيضاً.
ونحن نعلم انه ليس من المناسب ان نتوقع من الطفل الصغير مثل هذا الأمر، ولكن نريد ان نقول ان التمهيد لذلك في الطفل امر متيسر لكي يمارس

الأسرة ومتطلبات الأطفال 326


ذلك على الأقل، وعلى سبيل المثال عندما يريد أن يشرع بالبكاء ويئن من الألم، يجب ان نبادر الى الايحاء له لكي يضحك ويخرج من حالة البكاء حتى نوفق في الكبر الى مراحل أفضل وأعلى. وينبغي للطفل أن يحسب للألم حساباً آخر منفصل عن غيره من الحسابات. وبعبارة اخرى يجب ان لا تصبح المعاناة والمشاكل سبباً يؤدي إلى حرمانه من تقدير الآخرين له، وهذا الأمر يحتاج الى الامكانية والكمال الروحي.
4 ـ تأمين احتياجاته الشخصية:


ومن احدى ممارسات عزة النفس أيضاً هو ان يبادر الى تأمين احتياجاته شخصياً، وان لا ينتظر قيام الآخرين بانجاز عمل ما له. أن بعض الاطفال تربوا بشكل أدى بهم الى انهم لو حضروا الى المائدة مثلاً ولم يجدوا ملعقة أمامهم ينتظرون ان يقوم غيرهم ليجلب لهم الملعقة. ويعانون المضايقة من العطش والغصة بالطعام ويريدون من آبائهم أو امهاتهم أو من الاخ أو الاخت ان يحضروا لهم الماء وينقذهم.
انه يجب أن يتربى بشكل يدفعه الى النهوض من مكانه، ويقدم على ما يحتاج لحياته وانقاذ نفسه ويعتبر ذلك ركناً اساسياً في الحياة الانسانية. طبعاً ان هذا الامر لا يحمل تبايناً مع الاسلوب القائل بأنه لو ظهرت في حياته المشاكل والصعوبات ولم يفلح في حلها بنفسه ان يطلب العون والمساعدة من الآخرين. إذن عليه ان يتحرك بنفسه أولا ومن ثم يطلب العون من الآخرين.
5 ـ عدم العجز والمسكنة:


وأخيراً من الممكن أحياناً ان يشعر الانسان بالعجز والتوقف من السعي وهو في قمة مساعيه وبذله الجهود. والواجب في هذه الحالة أيضاً هو عدم الاستسلام، إذ ان التأوه والثبور امام احد الاعداء الذين يسرهم ذلك، أو امام

الأسرة ومتطلبات الأطفال 327


أحد الاصدقاء الذي لا يملكون القدرة على ابداء المساعدة ويتألم لألمنا يقود نوعاً من ضعف الشخصية. إذ يجب ان نشتكي همومنا لدى من يملك القدرة على انجازها وبوسعه ان يسندنا ويأخذ بأيدينا.
ولغرض الوصول الى تحقيق هذا الهدف يلزمنا ان نكون مسيطرون ومراقبون جيدون للطفل في الحالات المختلفة التي تعرض له. وان نسدي له التوجيهات اللازمة عندما يقتضي الامر ذلك، وان نطلب منه ان يكون عزيزاً وأبياً ولا يغفل عن شخصيته وعزته.

العوامل المضرة بعزة النفس:


ما أكثر العوامل والظروف التي تلحق الضرر بعزة نفس الطفل، وتسبب على الأقل في عدم نمو هذه الحالة لديه. لابد للآباء والمربين ان يتسموا بالحذر في هذا المجال، ويحافظوا على الطفل ويبعدوه عن هذه العوامل. وبوسعنا في هذا الصدد ان نتطرق الى موارد كثيرة في هذا المجال، إذ ان بعضها كما هو مبين ادناه:

1 ـ الاكثار من التدخل في شؤون الطفل حتى ولو كان بقصد مساعدته. إذ من الخطأ ان يلجأ الأبوان الى التدخل في جميع امور ومسائل الطفل ويتسببوا في ازعاجه أو يقضون على ابداعاته. ولابد من السماح للطفل ان يصوغ لعبته بنفسه، ويلبس ملابسه بنفسه، ويأكل بنفسه، بالرغم من ان هذا الأمر يتسبب احياناً بخلق المزيد من المتاعب للامهات.
2 ـ اهانة وتوبيخ الطفل من قبل الوالدين، وخاصة في حالة تكرار هذه الاهانات، وسلبها القدرة على الحركة وبذل الجهد من الطفل.ان مطالبتنا بأن لا يخطأ الطفل مطلقاً عمل لا مبرر له. إذ من الواضح عادة ان الحركة والاقدام

الأسرة ومتطلبات الأطفال 328

وبذل الجهد والعمل دائماً ما تكون مقرونة بالتعثر والسقوط والخطأ.
ألم تخطئوا وانتم في هذه المرحلة من العمر؟ ألم يسقط صحن من يدكم وينكسر؟ يا ترى هل حدث وان سوغتم للوم لانفسكم يوماً ما؟ ان كان الجواب لا، إذن لماذا تسوغون ذلك بشأن الطفل؟ ان حالات اللوم والاهانة تؤدي الى جرح روح الطفل وعواطفه وتقضي على عزة نفسه.
3 ـ عدم اخذ الطفل بعين الاعتبار من قبل الابوين يعد طعنه للطفل. إذ انكم احياناً ترحبون بالضيوف بحرارة كبيرة بحيث تغفلون عن طفلكم، أو تضعون امام كل شخص من ضيوفكم صحناً وملعقة وطعاماً، ولكن نصيب الطفل من ذلك النسيان باعتبار انه طفل وسيأكل طعامه إما من صحن والده أو والدته. ان هذا العمل يجرح عزة الطفل، وانكم توحون له عملياً بأنه ليس من فصيلة الآدميين، لذا عليكم ان لا توافقوا على هذه الاهانة للطفل.
4 ـ حالات المقارنة واطلاق النعوت السيئة تعتبر من العوامل الاخرى، خاصة إذا كانت تلك المقارنة مع شخص يختلف معه الطفل ولا يجانسه، وآنذاك يقع الطفل في الاحراج والحياء ويزج في السباق ويفشل ويجد شخصيته قد تحطمت.
أي عمل هذا الذي يقوم به بعض الآباء والامهات لغرض اثبات شخصيتهم وعظمتهم ويدفعون الاطفال إلى الاشتباك فيما بينهم من أجل التعبير عن أهميتهم.
5 ـ التخجيل وسط الحضور يعتبر من العوامل الاخرى ويمهد الارضية اللازمة لتخويف الطفل وكسر شوكته ويلحق ضرراً فادحاً بعزة نفسه. لا تعمدوا مطلقاً الى اسقاط ماء وجه الطفل وسط الجماعة لانكم في تلك الحالة ستفقدوه تماماً ولم تعودوا تملكوه، والشخص المحقر والمهان لا يمكنه ان

الأسرة ومتطلبات الأطفال 329

يكون صاحب عزة نفس، ولا يمكن التعويل على الفرد الذي تعرضت شخصيته للتنكيل والتحقير. ولو كانت هناك ضرورة لالفات النظر واسداء النصيحة فمن الافضل ان يتم ذلك في الخفاء وعلى انفراد.
6 ـ حمله على المطالبة والاعتذار عن ذنبه يعتبر سبباً آخر لتحقير النفس وقتل عزتها. اعملوا على تلبية احتياجات الاطفال وخاصة الاحداث منهم لكي لا يضطر الى مطالبتكم بها بعدز واظهار الفقر والانكسار. ولو ارتكب خطأ أو انحراف وادركتم بانه نادم على فعلته تلك لا تطالبوه بالاعتذار منكم وسط الجماعة ويسقط ماء وجهه. فإذا اعترف بذنبه في الخفاء اصفحوا عنه. إذ ان هذا السلوك انسب للمحافظة على عزة نفسه.
دور اسوة الابوين:


ينبغي للآباء والامهات ان يجعلوا انفسهم اسوة حسنة لاطفالهم، ويعطوهم درساً في عزة النفس بشكل عملي. وينبغي للأب ان لا يتحدث مطلقاً عن فقره وعوزه امام اطفاله، وإذا لم يكن يملك شيئاً عليه ان يقول ذلك بوجه منبسط لابنائه، وليس بألم وحرقة ووجه مقطب. وعلى الام أيضاً ان لا تتفوه مطلقا عن سوء حظها وضعفها، وان لا تشتكي من متاعب الحياة المعيشية، وان كانت صعبة عليها ان تفصح عن ذلك بوجه منبسط لابنائها.
ما أقبح الأب والام الذين يحملان ابنائهما بوجه باك ويتجهان للاستجداء ويأخذان شيئاً من أيدي الناس عن طريق اظهار عجزهم وضعفهم في الوقت الذي يطلع فيه الطفل على هذه الحالة وما اكثر قبحاً حالة ووضع الاب والام اللذان يعمدان الى طرح الطفل على قارعة الطريق ليستجدوا بهذا الاسلوب ويحصلوا على قوتهم. وما قيمة هذه الحياة التي يصار فيها إلى توفير قوت الطفل بهذه الطريقة، لكي يبقى على قيد الحياة ليس إلا. وما فائدة البقاء

الأسرة ومتطلبات الأطفال 330


على قيد الحياة بدون عزة نفس. فان كانت هناك حاجة لمد اليد فيجب ان يحصل ذلك بعيداً عن انظار الابناء على الأقل، وان لا يتحول الابناء الى وسيلة لاستجداء الأبوين. وقد اظهرت الابحاث والتحقيقات العلمية ان زوال وتدمير عزة النفس بسيط جداً، وأما تأمينه واعادة بنائه فان لم يكن محالاً، فعلى الأقل يكون صعب جداً.

امارات عزة النفس لدى الطفل:


الاطفال الذين يتمتعون بعزة النفس لهم علائم كثيرة منها:
  • الشعور بالسعادة والحيوية تجاه الحياة.
  • الشعور بالفخر والاعتزاز من الانتساب والتعلق باسرتهم وأبويهم وان كانوا فقراء.
  • عدم اظهار العجز واليأس في حالة العسر والضيق.
  • عدم اللجوء الى الشكوى والآهات والدموع عند المعاناة وفي حالة الضعف.
  • الإباء والاعتزاز وعدم التملق امام الاطفال الاغنياء، والامتناع عن قبول مساعدتهم وحمايتهم في أحلك حالات الحاجة.
  • امتلاك الجرأة والجسارة في اظهار الحقائق دون خوف أو وجل.
  • الامتناع عن مدح النفس والاطراء والتضخيم في ذلك.
  • اظهار نفسه كفرد غير محتاج وهو في قمة الاحتياج.
  • الصمود امام الشدائد والمشاكل.
  • عدم التغافل عن الهدف حتى في أشد حالات الاضطراب النفسي.

    * * *



    الأسرة ومتطلبات الأطفال 331


    الفصل السادس



    الحاجة الى الثقة بالنفس

    المقدمة


    من المتطلبات المهمة والاساسية للانسان والتي تساعد على بناء الحياة الاجتماعية والشريفة هي الحاجة الى الثقة بالنفس. ومعنى ذلك ومفهومه ان يتمكن الانسان ومن خلال الاستعانة بالله تعالى ووضع الامور في المسير والسنة التي يريدها الله تعالى، والتمهيدات الضرورية للنجاح في أداء أي عمل أن يبعد عن نفسه الترديد والحيرة ويندفع بثقة واطمئنان. وان لا ينتظر من الآخرين الاقدام على اداء اعماله وقضاء احتياجاته أو يقوم الآباء والمربون بخدمته. إذ عليه ان ينهض من مكانه ويعتمد على قدراته وامكانياته ويقدم على قضاء حاجاته.
    وهذا الأمر يمثل حاجة شخصية للفرد ولازمة لعزة نفسه، ويمثل أيضاً أمراً ضرورياً له من الناحية الاجتماعية ومواصلته الحياة. أنه بحاجة في هذه الثقة الى الاستفادة من الاطمئنان، ويرى ذلك بأنه قابل للتبعية والتنفيذ. وعليه ان يصمم بكل جرأة وجسارة ويندفع الى الأمام وليس بتزلزل وترديد. وان تكون قامته منتصبة وخطواته ثابتة وعقيدته راسخة في إداء الامور.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 332


    حاجة الطفل الى الثقة بالنفس:


    حسب قول علماء النفس والمربون ان الطفل سيكون هو الأب في المستقبل، ويجب ان يخوض غمار الحياة وينجح في ذلك. ولا يمكن ابعاده عن بناء شخصيته وعن العوامل المساعدة على تطوير الحياة. وهو أيضاً بحاجة الى هذا الأمر ولا بد من تربية هذا الجانب لديه.
    ومثله كمثل الآخرين فهو بحاجة الى ان يعتمد على نفسه ويكون قادراً على حل مشاكله ويقدم بنفسه على ازالة العقبات وتأمين احتياجاته. وان يطمئن قلبه الى انه قادر على ان يتقدم في عمله وينجح في حل المعضلات والموانع ومشاكله الاخرى. انه بحاجة الى ان يتخلص تدريجياً من التبعية لأبويه، ويقيم علاقاته مع الآخرين بناء على اساس تشخيصه هو، واعتماداً على فكره وتصحيحه شخصياً. ولو عرض له أمر طارىء يجب ان يكون مستغنيا عن طلب المساعدة من الأب والأم، ولو لاحت امامه فضيلة أو صلاح عليه أن يبادر الى انتقاصها بنفسه ويصمم بشكل قطعي على مواصلة الاندفاع. ويستعين في هذا الصدد بغروره وقدراته وامكانياته، ويقدم على الامور من خلال الاستفادة من الظروف والاوضاع السائدة. ويصبح قادراً على المحافظة على نفسه اثناء المواجهات وبخصوص انحرافه عليه ان يكون قادراً على توفير اسباب المحافظة على نفسه والافلات من السقوط الاخلاقي.
    الجذور والعوامل:


    ما هي جذور الثقة بالنفس؟ فيما يتعلق بهذا الأمر يسود الاعتقاد في اوساط الكثير من علماء النفس بأن هذا الأمر يستمد وجوده من مسألتين أساسيتين:
  • الاولى: عزة النفس.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 332


  • الثانية: حاجة الطفل الى بعض الامور والمسائل.
    وفيما يتعلق بعزة النفس، فان الاساس في هذا الأمر كما اشرنا إليه في الفصل السابق هو ان الانسان يريد ان يكون فرداً عزيزاً ويتكفل بناء مستقبله وتحديد مصيره. ويحافظ على هيبته وكرامته، ويستغني عن تدخل الآخرين في اموره، ويحافظ على مركزه ومكانته في علاقاته الاجتماعية ويحسب لنفسه حساباً خاصاً.
    وأما الاحتياجات فلابد ان نقول بان الطفل يدرك عملياً بأنه سيضطر لا محالة الى قضاء احتياجاته وتأمينها وتوقعه بتأمين احتياجاته من قبل الغير لا يتيسر له في جميع الاحوال. إذ تصادف بعض الامور في الحياة لا يتسنى فيها للابوين ان يلتفتا الى طلباته، أو يمكنهم ذلك ولكنهم لا يبادرون الى تأمينها لبعض الاسباب. أو قد يحدث ان يؤمنون له حاجة ما ولكن تحت ضغط انضباطي لا يطاق بحيث ان تحمل ذلك بالنسبة له صعب للغاية.
    ولهذا السبب فانه يرجح ان يعتمد على نفسه ويتكل عليها. ويرى لنفسه شأناً وأهمية، ويفكر بنفسه فقط فيما يرتبط بالمسائل الحياتية وشرح بتحرك معين بالاعتماد على نفسه. ان هذا الأمر ان لم يكن من الممكن ادراكه من قبل الطفل في صغره، فانه سيصبح قابلاً للادرك والفهم تدريجياً.
    أهمية ذلك بالنسبة لحياة الطفل:


    ان وجود الثقة بالنفس بالنسبة للطفل يحظى بأهمية استثنائية. إذ ان نسبة نجاح أو فشل الطفل في حياته الحاليةوالمستقبلية يمكن ان نعرفها والوقوف عليها من خلال نسبة الثقة بالنفس والاعتماد عليها التي اعطيناها للطفل. لانهم طالما لم يصبحوا افراداً معتمدين على انفسهم ارتبطوا بغيرهم تلقائياً وأصبحت حياتهم في كل الاحوال كحياة شجرة العنب إذ انتصبوا على

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 334


    اقدامهم بالاستناد على قامة الاخرين والقوا ثقل حياتهم على اكتاف الآخرين.
    ان حياة الطفل ستكون حياة تافهة لا اعتبار لها ان لم نربه على امتلاك الثقة بنفسه والاعتماد عليها. ان هؤلاء لا يمكنهم في المستقبل أيضاً ان يعتمدوا على انفسهم ويملكون اموالهم وانفسهم. ولا يأبون الخنوع والاذلال والاضطرار للاستسلام الى ارادة واهواء الآخرين طلباً في البقاء على قيد الحياة. وعلى أي حال فان احتياج الثقة بالنفس يعد في الانسان من اعم المشاكل المرتبطة بالشخصية ومن اعقد مشكلات الافراد النفسية. ان الاطفال الذي يمتلكون الثقة بالنفس يشعرون بانهم من أسعد الافرادن ويمكنهم في كل مرحلة من مراحلة الحياة بل وحتى في المعضلات والمسائل التي تواجههم ان يسحبوا بساطهم من وسط الطوفان.
    ضرورته بالنسبة للاطفال:


    وعلى هذا الاساس فان وجوده ضروري للاطفال، ويجب على الآباء والمربين ان يهيئوا مقدماته وموجبات وجوده. ان اساس القضية يكمن في ان يتمكن الطفل من توفير الامكانيات اللازمة للحياة من خلال الاعتماد على نفسه وان يسوق نفسه بالتالي نحو السعادة والهدف.
    ان الطفل ولغرض ان يخبر الحياة ويزيل الموانع والمشاكل التي يعاني منها، وكذلك لتأمين احتياجاته لا حيلة له سوى الاندفاع في هذا الطريق بما يتناسب وعمره وامكانياته، وكذلك يتناسب مع الظروف والمقتضيات، وان يضيف من خلال تمهيدات الأبوين في هذا المجال على مقدار معرفته وخبرته بالحياة وكذلك على قدراته وروحيته وسعادته. ان هذا الامر ضروري للطفل ولكن لو تأملنا جيداً سنرى انه ضروري للأبوين والمربين أيضاً. لأن الاعتماد على النفس يؤدي بالطفل الى الاستغناء عنهم لحدود بعيدة، ويبادر الى انجاز

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 335

    اعماله بنفسه، وهذه مسآله ايجابية للأبوين لكي يتجه نحو الاهتمام ببرامج وخطط اخرى في هذا المجال. وتجدر الاشارة الى ان هناك ضرورة أخرى إذ يدرك الطفل على أثرها بقيمته وأهميته ويعرف نفسه كما ينبغي.
    فوائده بالنسبة للطفل:


    إن التطرق إلى ذكر فوائد الاعتماد على النفس يمثل في الحقيقة تكملة لبيان اهميته وضرورته للطفل. ومن فوائده للطفل انه يتمكن في ظله وبالاستناد اليه ان يضع لنفسه برنامجاً واضحاً لغرض نموه وتطوره ويندفع الى الأمام بوعي واطلاع كافيين.
    والفائدة الاخرى ان الاعتماد على النفس يولد لدى الفرد طاقة معينة تمكنه من السيطرة على نفسه، وتجعله قادراً على انجاز أعماله وما يتعلق به، بحيث يصبح بامكانه ان يطور اعماله وبرامجه. كما ان الاعتماد على النفس يمثل أهم مسند للانسان بحيث يتمكن الانسان ان يرى لنفسه شأناً ويحسب لها حساباً ويخمن تطوره ونجاحه. وعندما يمتلك الانسان الاعتماد على النفس فان امكانية التفكير ستكون اكبر وسلامة الافراد وهدوءهم من حيث التفكير ستكون اكثر، وتلاحظ عليهم سلامة الروح ونمو ونضوج الشخصية بشكل أكثر وضوحاً ولا يشعرون بالثقل والضغط في انجاز الاعمال. وستكون المواقف المتخذة لردود الفعل مناسبة اكثر.
    ان الاعتماد على النفس يمثل في الحقيقة ذخيرة للفرد يمكنه في ظلها الاستعانة بها في حالات الاضطراب والصعوبات، وخلال العوز والاحتياج ويضمن نتيجة لذلك نجاحه في هذه الأمر.
    وأخيراً عندما يمتلك الفرد الاعتماد على النفس يزداد توقعه بنفسه ويستغني عن الغير، ويتقرب من نفسه ويبتعد عن غيره، ويزيل تدريجاً ركوده

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 336

    وضعفه بل وحتى يصل تدريجياً الى مرحلة ينال معها أفضليته وتفوقه، ويتحكم بنفسه وبمصيره أيضاً.
    فقدان الثقة بالنفس:


    ان الاطفال وبشكل عام الافراد الذين يفتقدون الى الثقة بالنفس سيتعرضون الى مخاطر واضرار كثيرة يمكن ذكر بعضها كما يلي:
  • التبعية الشديدة للآخرين، إذ سيمهد ذلك الارضية للاعتماد على الغير في الصالح والطالح، ويكون في بعض الاحيان مضراً.
  • عدم امكانية اتخاذ القرار المناسب والصحيح، إذ يؤدي هذا بحد ذاته الى عجزه عن الوصول الى نتيجة بناءة وايجابية.
  • ظهور الاضطرابات في الحالات الصعبة والشديدة اثناء الحياة إذ يتنزامن ذلك باضطراب في الاخلاق والسلوك والعمل.
  • ظهور الركود والتوقف في الحركة والسرعة والسلوك، لكونه يبتلي بنوع من الدوار في الاستعانة وطلب العون من الغير.
  • ظهور الحالات العصبية المقرونة بالاختلالات وسوء الخلق.
  • الشعور بالنقص والضعة في نفسه وبالشكل الذي لا يبدي معه أي استعداد للدخول والاقدام على أي عمل.
  • الشعور بالوقوع في الأسر والسجن في الحياة قبل ان يسجنه الغير.
  • التطور في الامور بصعوبة ومشقة غير قابلتين للتحمل، وبالشعور بالارهاق والتعب الغير مبرر، لانه غير قادر على ان يعرف كيف يتصرف والى أي نتيجة يصل.
  • عدم الاقدام على انضاج نفسه ونموه، وانتظار الآخرين ليأتوا

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 337

    ويأخذوا بيده ويعينوه.
  • واخيراً فان الطفل الذي يفتقد الى الاعتماد على النفس بمنزلة الطفل اليتيم الذي فقد ملاذه وملجأه.
    اسباب عدم الثقة واليأس:


    لدينا حالات كثيرة نواجه فيها حالات عدم ثقة الاطفال وحتى يأسهم من أنفسهم. اذ لا يمكنهم ان يحسبوا لانفسهم شأنا أبداً أو اذا أقترح عليهم أمر لا يقدمون عليه بلهفة وسروره ويمكننا ان نذكر اموراً كثيرة بشأن علل واسباب هذا الامر سنشير الى بعض منها فيما يلي:

    1 ـ الايحاءات المغلوطة للابوين مع الطفل بأنك تافه، ولن تقدر على انجاز هذا العمل ولا تمد يدك الى هذا الامر...
    2 ـ حالات التوبيخ الشديدة والمقرونة بالتشبيه للموارد التي تعرض فيها الطفل للفشل في امر معين أو لم يحقق فيه النجاح المطلوب.
    3 ـ الشعور بعدم الكفاءة الناجم عن مواجهة المسائل والامور في بعض الموارد وفيما يتعلق بحاته الاجتماعية.
    4 ـ عدم امكانية ممارسة الاستقلال والتمرن عليه وخاصة بسبب ان الابوين جعلوا منه فرداً تابعاً شديداً التبعية وعملوا على تأمين احتياجاته بشكل مفرط.
    5 ـ عدم توجيه استخدام طاقاته لأن أحداً لم يقم بتوجيهه ويعاني هو من الفشل في هذا الامر.
    6 ـ الامراض المتكررة والمؤلمة، دون دواء أو علاج اذ توجد الاهتزاز والتزلزل في كيان الفرد تلقائياً وتجعله سيء الظن بنفسه.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 338


    7 ـ عدم وجود مصدر للثقة والاعتماد للطفل ليتمكن ان يوفر له الحماية في الملمات.
    8 ـ الانتقادات المعيبة والشديدة لاعمال الطفل دون ان يجد الثناء والتشجيع في المواد الجيدة من الحياة.
    9 ـ اعمال التحقير، والتمييز، واللامبالاة، والابعاد إذ أنها تدفع الطفل الى التفكير بأنه فرد غير كفوء.
    10 ـ شعور بعدم وجود أي أثر لاعماله الصادقة والصحيحة عندما يتعلق الأمر بذكر حقيقة معينة أو بيان حادثة معينة.
    الاعتماد على النفس من أي سن:


    عادة تظهر حالة الاعتماد على النفس لدى الطفل منذ ان يدرك وبشكل كاف كيف يجب ان يعمل على ان يكون منسجماً ومتطابقاً مع الظروف والاوضاع الموجودة وبأي صورة. ونشاهد مظاهر هذا الأمر لدى الاطفال حتى قبل سن الثالثة من العمر، ولكن يبدو ان تجلي ذلك بشكل اكبر يبدأ من حدود السنة الثالثة وخاصة في نهاية هذا العمر، وهو السن الموسوم بسن ظهور الشخصية.
    وبحدود هذا السن نلاحظ ان الطفل يقف أولاً ازاء الابوين ويتخذ بوجههم موقفاً، وتجيب بكملة لا أمام طلباتهم ويبدأ باتخاذ المواقف السلبية. وثانياً يصر على متابعة أعماله بحزم ويندفع بمزيد من الاستقلال والحرية في هذا الطريق. وبالرغم من ان هذه الحالة من الممكن ان تخلق للابوين مصاعب معينة إلا ان التجارب اثبتت انه يجب ان ينظر الى هذه الحالة بأنها علامة ايجابية بشأن نموهم، سيما وانها تساعد على خلق اجواء الاعتماد على النفس

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 339

    والاستقلال.
    ان مسؤولية الآبوين ثقيلة بهذا الخصوص إذ ان مسألة ظهور الطفل كشخص يتسم بالاعتماد على النفس أو بالترديد والظنون تتعلق بما فعلناه له في هذا المجال، وكذلك في مجال قضاء احتياجاته وكم وفرنا له من الحماية والدعم في اداء أعماله، وقبل ان يستولي عليه اليأس احياناً كم هيأنا له من الفرض والامكانيات لحل مشاكله.
    سبل ايجاده:


    محور الحديث الآن يتمثل في كيفية قيامنا بخلق حالة الاعتماد على النفس لدى الطفل أو نقوم بتقوية الارضية الموجودة لديه. وفي هذا المجال توجد لدينا بعض الطرق ومنها اسلوب الايحاء للطفل بأنك قادر على الايفاء بهذا العمل أو أن تنجح في اداء الاعمال.
  • التخطيط لانجاز المهاراة العملية، والتخلص من النقص وعدم الكفاءة بحيث يصبح لديه معلوماً بأنه قادر انجاز أمر ما.
  • التمهيد لكي يذوق طعم حصيلة اعماله وجهوده بأفضل وجه.
  • التمارين الرياضية تخلق الارضية اللازمة لتحقيق النجاحات وبالنتيجة الاعتماد على النفس.
  • تشجيع الطفل للاندفاع نحو عمل ما بحيث نطمئن الى انه سينجح في ذلك العمل.
  • مدح الطفل والثناء عليه لاشباع غروره واعتزازه عندما يبدأ بالاعتماد على نفسه.
  • الاعتماد على ذكائه وقدراته في السيطرة على نفسه واداء الاعمال

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 340

    وسعيه الى التفويق على المسائل والمشاكل.
    مقدمات ايجاد الاعتماد على النفس:


    من العناصر المهمة التي تلعب دوراً في خلق الاعتماد على النفس الادراك والمهارة في الامور، قدرة التغلب على الجهل والضعف، والاساس في ذلك ان يعرف نفسه وقدرته العملية، ويقبل بنفسه كما هو، وتترسخ شخصيته وثنائه على اعماله وثقته مردها أنه قد أدى اعماله بشكل صحيح.
    وفي هذا المجال من الضروري ان نقلل قدر المستطاع من الكشف عن عيوب الطفل على الملأ وان كان هناك نقص أو خطأ في عمله فيجب ان لا نعيره بذلك بل يجب ان نحاول سرا ومن خلال التوجيهات الاصلاحية والنصائح الخيرة ان نقول له بأنك قد ارتكبت خطأ وانحرافاً.
    ومن المقدمات الاخرى للاعتماد على النفس امتلاك البرنامج في الحياة والنظم في الامور بأن تكون جميع اعماله في الحياة منظمة، وتتم على اساس ضوابط معينة. احملوا الطفل قدر المستطاع على الكشف عن قابلياته وقدراته ومعرفتها بحيث يقدم على اتخاذ المواقف بناء على هذا الاساس. وعليه ان يدرك موجبات نجاحه، ويندفع الى الامام بوعي واقتدار إذ ان الاعتماد على النفس سيتحقق في ظل ذلك فقط.
    وفي بعض الموارد تجدون في البيت ان احد الاطفال يريد أن يقول لوالديه كلاماً معيناً ويظهر وجوداً معيناً لنفسه. إلا ان الوالدين يكبحونه بلا تأني وفوراً، ولا يعطوه الفرصة ليبدي وجهة نظره. وبالنتيجة سيصبح فرداً جباناً وخجولاً ويشرع باخفاء اعماله وممارساته، والأهم من كل ذلك انه سيفقد اعتماده على نفسه.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 341


    مسؤوليات الابوين:


    يتحمل الآباء مسؤوليات استثنائية فيما يتعلق بخلق الثقة بالنفس وبناء الطفل وقد تبدو بعض الامور أحياناً بأنها تافهة ولا أثر لها إذ ان الغفلة عنها تتسبب في الحاق الضرر بشخصية الطفل وبالتالي علاقته بنفسه، ولدينا حالات كثيرة في هذا المجال، منها عدم قبول الطفل، والاهمال في حمايته ومساندته.
    ان طريقة التعامل مع الطفل في البيت تعتبر من العوامل التي تخدش اعتماد الطفل وثقته بنفسه. كما في حالة اقفال جميع الدواليب والصناديق في البيت، إذ تعبر هذه الاعمال بحد ذاتها عن فقدان الثقة أو عدم السماح لمشاركة الطفل في امور البيت بسبب الخطأ والزلل الذي ارتكبه الطفل احياناً اثناء اداء واجبه فقط.
    وينبغي لكل تصرف يقوم به الأبوين تجاه الطفل ان يصب في مسار خلق الثقة بالنفس وتقويتها، وتساعد على توفير موجبات نموه واستلاله أكثر فأكثر. ويجب ان لا يراودنا الخوف من تصرفات الطفل البريئة وحالات سقوطه على الأرض وان لا يخلق ذلك الخوف والقلق لدى الطفل لان ذلك يؤدي الى الحاق الضرر بثقته بنفسه. ولا تضطروا الطفل مطلقاً الى التوسل بالكذب لكي يحصل على ثنائكم ومدحكم له، إذ ان ذلك يعتبر من العوامل المهمة جداً في الحاق الضرر بالثقة بالنفس. اعملوا دائماً على خلق هذه الاجواء لدى الطفل بأن يقوم بوزن قدراته، ويقيم نقاط ضعفه وقوته دون تحيز، ويقدم بالتالي على اتخاذ المواقف والعمل على قدر قدراته وامكانياته.

    ان التدخل في شؤون الطفل واخضاعه للمراقبة ليس أمراً غير مطلوباً، ولكن يجب أن يكون بالحد الذي لا يؤدي الى الاستبداد أولاً ، ولا يزيل ثقة

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 342

    الطفل بنفسه ثانياً.
    علامة الثقة بالنفس لدى الطفل:


    الاطفال الذين يمتلكون الثقة بانفسهم يتسمون بصفات وخصائص معينة، منها:
  • يحرصون على انجاز اعمالهم بانفسهم ويحاولون التقليل من طلب المساعدة من الآخرين.
  • لا يعانون من الترديد والتلكؤ في انجاز اعمالهم وبرامجهم، إذ يلجأون فيها مباشرة وبكل جرأة.
  • لو تعرضوا للهزيمة والفشل خلال مسيرة حياتهم لن يياسوا، ويحاولون استئناف مسيرتهم ويحققون النجاح.
  • ولا يحاولوا مطلقاً ان ينالوا السعادة عن طريق مدح النفس والتظاهر، والفخر والتكبر.
  • ولغرض اثبات شخصيتهم ومكانتهم لا يلجأون الى اسلوب اهانة وتحقير وذم الآخرين.
  • لا يصرون كثيراً على ضرورة تبعيتهم للآخرين، ولو اطلقنا ايديهم لن يضروا انفسهم.
  • يتقبل شخصيته كما هي ويتجنب النزاع والجدال مع نفسه.
  • ولو اسندت اليه مسؤولية معينة في حدود مقدرته، لن يهرب منها ويحاول بجهده وقدرته ان يتقبل ذلك ويوصلها الى هدفها.

    * * *




  • السابق السابق الفهرس التالي التالي