الأسرة ومتطلبات الأطفال 293


الفصل الثالث



الحاجة الى النجاح

المقدمة


ان كل انسان بحاجة الى هذه المسألة، وهي ان يحقق بعض النجاحات في حياتة اليومية وفي علاقاته بالآخرين، وفي مواجهة الصعوبات اليومية، ويحظى باثناء وتشجيع ودعم الآخرين له، أو يحظى على الأقل بالموافقة الذاتية. وهذه الحاجة تلازم الانسان في جميع مراحل العمر.
ويمكن مشاهدة هذه الحاجة عند الاطفال بشكل واضح تماماً وهم أيضاً بحاجة الى الثناء والتصديق وان يمدحهم الآخرون ويهتمون بهم ويحترمونهم. كما انه بحاجة لان يعرف نسبة هذا النجاح وقيمتة وأهميته وفي اي الظروف وبأي الامكانيات يمكنه ان يحقق النجاح في عمل ما أو ان يحقق بعض الاهداف. ونلاحظ تجسيد هذه الحاجة في محاولات الاطفال الدؤوبة للوصول الى النجاح، وفي بعض الاحيان نشاهد صورها الغير صحيحة بشكل حالات التباهي والعجب، والانتساب الى المجاميع والفصائل التي توجد فيها فرصة الرئاسة والنجاح.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 294


جذوره ومنشأوه:


لقد ذكروا عدة امور تمثل بمجموعها جذور ومنشأ هذه الحاجة منها: الغرور وعزة النفس، إذ اعتبره علماء النفس بأنه امر فطري. والبعض الآخر قالوا بأن حب الذات والرغبة في البقاء هما أساس هذه الحاجة، ويقولون أيضاً بما ان الانسان يحب نفسه فهو يحاول ان يهيء الأرضية اللازمة لدوامه وبقائه. كما ان بعض علماء النفس يقولون أن جذور واساس ذلك هو الحاجة للثقة بالنفس والمطالبة بالقبول الاجتماعي.
وعلى اي حال يمكن الاشارة الى وجود عاملين بموازاة بعضها البعض في هذا المجال:

الأول :الغريزة والفطرة.
الثاني: المحيط والعامل الاجتماعي.
إذ من الممكن ان نبدي وجهة نظرنا بشأن الاطفال على هذا الاساس، وأيضاً من الممكن ان نذكر العامل الاجتماعي باعتباره مؤيداً وعاملاً في هذا المجال.
أهمية للاطفال:


وبغض النظر عن ماهية جذور هذه الحاجة لابد من القول بان وجودها مهم وضروري جداً بالنسبة للطفل. فهو بحاجة لان يشعر بالنجاح في الحياة، بل وحتى التمرن على النجاح، وان يخرج من الحالة الحيوانية والانفعالية. وعادة تعطي حالات النجاح والفشل في الحياة رؤية ونظرة معينة للفرد لها دور متميز في حياته المستقبلية.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 295


ان النجاح في انجاز امر معين بصبح السبب في ان يتولد لدى الطفل اعتقاد ايجابي بنفسه تدريجياً، ويصبح متفائلاً بجدارته ويطمئن ويثق بها. كما تلعب نسبة النجاح دوراً اساسياً في نمو شخصيته وافكاره ومشاعره، وتساعد على ازدياد الحماس في التطور ورسم البرامج اللاحقة.
ولو بدأ له بعض النجاح في عمله فانه سيطمئن الى ان جهده وسعيه ليسا عديمي الفائده، ولا ينبغي ان يبدر منه تصرف ينم عن اليأس تجاه العمل والتحضير له. كما يتوصل عملياً في ظل ممارسة العمل والنجاح الى انه كم يلزم للآخرين من التخطيط، والاستثمار واستهلاك الوقت اللازم للوصول الى هدف ما، وهذا الامر بحد ذاته يمثل عاملاً للنمو الاجتماعي.
الجهود لنيل النجاح:


استعرضوا السيرة اليومية لاحد الاطفال، لكي تلاحظوا حجم الجهود والمحاولات التي يبذلها لغرض تحقيق ما يسميه هو بالنجاح. وما هي الاعمال التي يبادر الى انجازها وما مقدار المعاناة والآلام التي يتحملها في هذا المجال. حتى انهم يلجأون أحياناً الى الحسد والمنافسة، ويقللون من شأن الآخرين ليتمكنوا من اثبات اعمالهم ويعلنوا عن نجاحهم.
انه يزج بنفسه في أي عمل كان يرى فيه املاً للنجاح، حتى انه ينجز أحياناً بعض الاعمال التي ينبغي للكبار القيام بها، وبالرغم من احتمال عدم نجاحه في هذا المسعى إلا أن هذا السعي يبعث الأمل في نفسه. انه يريد ان يحظى بالثناء والمصادقة على عمله بأي شكل كان، وخاصة إذا كان وسط الجماعة ويريد أولئك أيضا ً ان يروا عمله أو يظهروا استعدادهم لدعمه وتشجيعه.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 296


مشاعر الطفل تجاه النجاح:


عندما يشاهد الطفل انه متفوق، واعماله موفقه، سيفرح لذلك كثير ويشعر بسرور بالغ واعتزاز كبير. ولهذا السبب أيضا يود ان يدور حوله الحديث في محيط البيت والمدرسة، لكي يزداد شعوره بالغرور والاعتزاز اكثر من السابق.
انهم يشعرون في ظل النجاح بانهم افراد لائقون، وبوسعهم ان يتطوروا، ومثل هذا الاحساس له تأثير بالغ في تخفيف وتقليل آلامهم ومعاناتهم، وان كانوا يعانون من شيء من الاختلال يمكنهم ان يحققوا توازنهم الروحي. وكذلك يشعر الطفل في ظل النجاح بأنه يمتلك مكانة اجتماعية، وبوسعه في المستقبل ان يصبح منشأ لبعض الآثار ويسحب بساطه خارج الماء كما يقال.
واخيراً يشعر الطفل في ظل النجاح بأن له شخصيةً كشخصية الآخرين، وأهمية مكانته ثابتة، وقادر على ان يقف على قدميه ويثق بنفسه ويحافظ على استقلاله، وان يشعر في داخله بالوضاعة أحياناً، فبامكانه ان يتفوق على هذا الشعور ويستعيد كبريائه واعتزازه بنفسه.
فوائد ذلك للطفل:


يحمل النجاح فوائد وآثارا جمة للطفل، إذ ان أراء علماء النفس في هذا الصدد تظهر مدى اهمية آثاره. يقول احد علماء النفس ما من شيء ابلغ أثراً لتحقيق النصر من النصر نفسه، وكل نصر محقق يمهد الارضية للتجرأ على الدخول في انتصارات أخرى.
وما أكثر النجاحات التي تجعل الطفل سعيداً ما بقي الدهر، وتمهد الارضية لينعم بطراوة الروح. انه بحاجة لأن يشعر بالغرور والاعتزاز ويأتي

الأسرة ومتطلبات الأطفال 297

النجاح ليمثل وسيلة له لبلوغ ذلك. كما ان النجاح يصبح السبب في ان يشعر الطفل بأنه مقتدر، والطفل الموفق في أمر ما يشعر بأنه يمتلك المزيد من الطاقة، ومستعد لبذل المزيد من الجهود لاحراز النجاحات اللاحقة، حتى انه مستعد في هذا المجال ان يعمد الى انجاز بعض الاعمال التي يستشف منها بشكل عام بانها فوق طاقة الطفل ولا يتوقف منه انجازها.
ان نجاح الطفل في حل المعضلات، وانجاز أمر ما يفسح المجال امام ابراز قابلياته الاخرى وثقته بنفسه وكفاءته في المجالات الاخرى، ويؤدي الى تفجير طاقات الفرد الكامنة وتسهل أمامه امكانية النمو. انه يستلذ بسببه بالمواجهة العقلية والعملية ويدرك لماذا ينبغي له ان يندفع ويتطور ومن هذه الناحية يشعر في نفسه بالاستغناء.
فشل الطفل ومخاطره:


في بعض الموارد يواجه الاطفال حالات من الانكسار، وبالرغم من كل ما تنطوي عليه هذه الانكسارات من عوامل بناءة إلا أنها تفسح المجال الى ان تستحوذ على الطفل مشاعر الألم والقلق. ان ثقل الفشل يطبع على جبين الطفل ختم التفاهة وسيصبح مانعاً كبيراً يحول دون نموه. كما يوحي الفشل للطفل أحياناً بان الحياة بالنسبة له لا قيمة لها ويعاني من الارهاق العصبي ولا يدري ما يجري عليه.
وكلما انخفضت نسبة النجاح للطفل، ازداد اليأس وكثر الطلب وازدادت الحركة نحو تحقيق الآمال. ان الاكتواء بنار الفشل يطبع على جبين الطفل المزيد من مشاعر التفاهة، ويصبح مانعاً أمامه يحول دون تمكنه من النمو والاندفاع بشكل سليم، ان روح الاطفال الشفافة تؤدي الى ان يفقدوا أملهم

الأسرة ومتطلبات الأطفال 298

وهمتهم نتيجة تعرضهم لانكسار واحد، ويغضوا الطرف عن آمالهم وحتى انهم يفقدون القدرة على العودة الى حالتهم الاولى.
وقد اظهرت بعض التحقيقات ان الاطفال الذين يفشلون في الدراسة يعانون من بعضا لمشاكل الخاصة بشأن علاقتهم مع الآخرين، وتصبح امكانية انسجامهم مع المجتمع أمراً في غاية الصعوبة والتعقيد. كما ان هؤلاء الافراد يعانون من بعض الصعوبات بشأت تأمين احتياجاتهم البدنية أو النفسية وحتى أنهم لا يهتمون بتأمين هذه الاحتياجات، وبالتالي تصبح حالتهم بشكل ينم عن ان نوعاً من الخرس والبهت والحيرة قد استحوذ عليهم، وينسون الاسلوب المؤدي الى احراز النجاح والموفقية.
تكرار الفشل:


من الممكن أحياناً ان تتكرر حالات الفشل للطفل، وفي هذه الحالة من الممكن ان يفقد حتى مشاعره وعواطفه، وان لا يبالي بمصيره وحياته. وينبغي ان لا نتصور بأن الطفل صغير ولا يملك الادراك الكافي، إذ ان بعض التجارب اظهرت ان بعض الاطفال الذين يعانون من حالات الفشل المتعاقبة نفضوا أيديهم من انفسهم ووضعوا نهاية لحياتهم. ان عدد هؤلاء من حيث الاحصاء قليل جداً ولكن له وجود.
ان الانكسارات المتوالية تربك الافراد الكبار فكيف بالاطفال الصغار طبعاً توجد لدى بعض الاطفال الملاحظة التالية:
اذ أنهم يختارون حالة عدم الاعتناء بشأن الانكسارات المتوالية، ولا ينظرون الى تلك الامور باهتمام. من الضروري طبعاً في هذه الحالة ان نقوم باحياء الرغبة في احترام النفس لدى هؤلاء الاطفال، وفي نفس الوقت الذي لا

الأسرة ومتطلبات الأطفال 299

ندع الانكسار يربكهم، يجب ان نعمل على ان يواجه الامور ويهتدي الى اساليب مواجهة عوامل الانكسار.
موقف الابوين تجاههم:


بسبب حساسية الاطفال وشفافية طبعهم والآثار السلبية التي يخلفها الفشل في نفوسهم، من الضروري ان يقوم الآباء والامهات بالمراقبة والاهتمام في هذا المجال. ومنها ان لا يوكلوا إليه الاعمال الثقيلة، ولا يحملوه فوق طاقته أو لا يزجونه في أمر تكون نتيجته الفشل والانكسار قطعاً.
وكذلك لو تعرض الطفل للفشل اثناء ادائه واجباً معيناً، فليس فقط لا ينبغي ان يلام ويعاقب ، بل على العكس من ذلك، يجب الأخذ بيده ومواسته، بل وتقويته لكي ينهض ويواصل طريقه من جديد.
لابد من احياء الهدف السابق في ذهنه من قبل ابويه ويهيؤا أمامه موجبات نجاحه الجديد. وينبغي له في مسيرة حياته ان يدرك المسألة التالية: انه ليس من المقرر ان ينجح الانسان في جميع الاعمال، ولو فشل ذات يوم فليس ذلك مهماً، بل المهم ان يخلي الانسان مكانه في هذه الحياة على اثر الهزيمة التي لحقت به والفشل الواقعي هو هذا القسم الاخير. لذا فان تقوية الابوين للطفل المنكسر واعطائه روحية جديدة يعتبر أمراً ضرورياً.
طعم الهزيمة:


وفي نفس الوقت ينبغي لنا ان نتذكر انه من الخطأ القول بوجوب ان تكون حياة الطفل مقرونة بالنجاح دائماً أو ان يصار الى وضع لبنات الحياة

الأسرة ومتطلبات الأطفال 300

بالنمو الذي يؤدي الى ان يكون الطفل موفقاً دائماً في اداء امر معين. انه مضطر لا محالة الى ان يتذوق طعم الهزيمة احياناً، ويدرك ان هذا الاحتمال يواجه الافراد ايضاً.
طبعاً ليس من الضروري ان نصوغ له في بعض الأحيان هزيمة كاذبة، لأن الطفل سيتعرف تلقائياً على الهزيمة خلال حياته اليومية والمقرونة بالالعاب المتنوعة التي يلهو الطفل بها. انه خلال مباشرته وتعامله مع الاصدقاء بل وحتى مع ابويه كثيراً ما يتمرن على الهزيمة لدرجة انهم لم تعد هناك حاجة الى صياغة المقالب لذلك.
لا تقلقوا لهزيمة الطفل، ولا تتصوروا انه سيخسر نفسه بهزيمة أو هزيمتين تعرضان له ويفقد أمله بالحياة. ان الطفل سيدرك عملياً وخلال حياته اليومية ان مجموع من حالات الفشل والنجاح والسقوط والنهوض هي التي ستبلور حياته. من هذا المنطلق فانه سينهض بعد السقوط ويشرع عمله من جديد. نعم ان الاطفال المدللون والمنعمون هم فقط يستاؤون بشدة من هذا الأمر، وان هزيمة واحدة ولو بسيطة يعتبرونها اهانةً لهم.

التمهيد للنجاح:


وفي نفس الوقت وبالرغم من انه يلزم أحياناً ان تتوفر له بعض الظروف لكي يصبح من الممكن ان يحصل على النجاح، وان هذا الامر ضروري اكثر للطفل وخاصة بعد عدة هزائم متتالية. ينبغي له ان يحقق لنفسه هذه الامكانية لكي يصبح بامكانه التغلب على نقاط ضعفه.
وهذا التمهيد ضروري من جانب آخر أيضاُ، وهو مسألة اشباع غروره وشعور الطفل بالسعادة وحسن الحظ. إذ ان تأمين النجاح للطفل يشبه تأمين

الأسرة ومتطلبات الأطفال 301


السعادة وحسن الحظ والفرد الذي يرى ان سعادته محققه بالاعتزاز والفخر، ويتمتع بالغرور والحيوية، ويمتلك باعثاً للعمل وبذل الجهد وكذلك لمواصلة حياته.
كما يجب ان نلقن الطفل ونعلمه ان كل هزيمة بمثابة درس جديد للفوز للنجاح. عودوه على ان يفكر دائماً في علل واسباب الهزيمة، ويرى السبب في عدم نجاحه بعمل معين. ثم يسعى ويبدي محاولة وتحركاً جديداً لكي تمهد له أرضية النجاح.
التمرن على النجاح:


ان الآباء مسؤولون كذلك عن توفير الامكانات والاجواء اللازمة للطفل ليتسنى له ممارسة التمرن على النجاح في ظلها. هذا الاطار ينبغي لهم ان يختاروا له اهدافاً صغيرة ومحدودة ويحملونه على التحرك نحوها. وان توفر له العوامل الشروط اللازمة لنيل النجاح، ويخلقوا اسباباً تتوفر فيها دوافع التحرك والعمل لتسوقه آنذاك الى الامام.
شجعوه دائماً وقولوا له بأنك لست فرداً تافهاً لا حول ولا قوة لك، بل انك تمتلك القدرة على العمل والتوفيق، وبوسعك ان تتطور كالآخرين ... وبهذا الاسلوب اعملوا على تقوية روحيته وعزيمته لكي لا يكون مهزوزاً، وقدروا له القدرة على الفوز من خلال بعض التمهيدات اللازمة. واجعلوه على طريق الوصول الى الهدف ولكن لا تتصرفوا أيضاً بالشكل الذي يتم فيه انجاز العمل منقبلكم ولكن يكتب باسمه.
ان التكاليف التكاملية مناسبة جداً للطفل في طريق تمرنه على النجاح. والمراد بذلك التكاليف والبرامج التي تنجز فيها الاعمال مرحلة بـ اخرى.


الأسرة ومتطلبات الأطفال 302


وعندما يحقق في كل مرحلة نجاحاً معيناً ينبغي ان ينال تشجيعاً وهديةً مناسبة ومن ثم يندفع للامام. كما ينبغي له في كل مرحلة ان يباشر وبمساعدتكم وتوجيهكم له بتقييم عمله ونجاحه السابق، ويرى اين تكمن نقاط ضعفه وقوته في ذلك. كما يلزم أحياناً ان نقوي لديه حاسة التقليد لكي يتعلم شيئاً ما على اساس النموذج الذي يشاهده ويشرع بأدائه.
ان تنظيم بعض البرامج الرياضية، والتشجيع على ممارسة الالعاب المتنوعة وتحميل الطفل بعض الواجبات الصغيرة ضمن محيط البيت، والتمرن على المهارات البسيطة كصنع صندوق أو علبة معينة، أو قالب معين و... يمكن ان تكون مفيدة ومؤثرة جداً في هذا الصدد.

العوامل المؤثرة في النجاح:


هناك بعض العوامل التي لها دخل في نجاح الطفل لاداء عمل معين بجهلها الكثير من الآباء والمربين ولا يعلمون بأن هذه المسائل تلعب دوراً مهماً في هذا المجال. وعلى سبيل المثال فان الروحية المرحة بحد ذاتها من عوامل النجاح، إذ ان الطفل الذي لا يحظى بروحية فاعلة ولأي سبب كان لن يجد نفسه مضطراً لممارسة العمل. وهذا الروحية تحصل لدى الطفل، في الحياة العائلية، والمسائل الانضباطية، وانماط التعامل معه ونقول بصراحة ان الطفل الذي يشاهد بام عينيه نزاعات الأبوين في محيط البيت لا يمكن ان يتمتع بالروحية المناسبة للعمل والنجاح.
ان وجود الدافع والهدف والغرور لاداء العمل مهم ومؤثر جداً في هذا المجال، وكذلك فان تشجيعكم وثنائكم في هذا المجال مهم جداً وموجه أيضاً. تصرفوا بالشكل الذي لا يتصور معه الطفل بأنه صغير وحقير امام عمل

الأسرة ومتطلبات الأطفال 303

معين، ولا يواجهه بالفزع والقلق. ان الذكرى المزعجة والمؤلمة لعمل ما تترك اثراً على حركة الطفل اللاحقة وتغلق بوجهه طريق التطور والاندفاع. كما ان حالات البحث عن العيوب، والتهكم لها اثر سلبي في هذا المجال وهي تشبه حالات المقايسة والمقارنة، إذ تسلب الطفل راحته وهدوئه النفسي.
بعض الملاحظات المهمة:


وفي الختام من الضروري ان نلتفت الى بعض الموارد التي تلعب دوراً مؤثراً في أمر نجاح الطفل ونموه والتمهيد لذلك:
1 ـ ان للنجاح معنى لدى الطفل عندما يكون مقروناً بالاستقلال، ويتمكن الطفل ان يعمل حقيقةً بشكل مستقل. وعلى هذا الاساس اجعلوا الطفل مستقلاً بمقدار جدارته في استخدام الاستقلال الممنوح.
2 ـ تأمين الراحة الجسمية والنفسية يلعب دوراً مهماً ومؤثراً جداً في نجاح الطفل. وفي حالة عدم توفر هذا التأمين للطفل لن يمكن ان يحظى بالقدرة على كسب النجاح.
3 ـ لو أيقنتم ان إقدام الطفل على عمل معين سينتهي بهزيمته وفشله حتماً، امنعوه عن هذا الاقدام ولا تدعوه يلج في هذا الوادي.
4 ـ صححوا مفهوم النجاح لدى الطفل، واصراره على ذلك وان لا يبلغ به الامر درجة يكون معها في صدد كسب النجاح حتماً ولو فشل في أمر معين تسود الدنيا أمامه.
5 ـ أزيلوا عنه تدريجياً أصراره في الاتكال على الأبوين، وان لا يبلغ به الأمر درجة يتكل فيها حقا على والديه لاداء عمل معين. انه بحاجة لان يقدم

الأسرة ومتطلبات الأطفال 304

على انجاز عمل معين لنفسه.
6 ـ يجب ان تكون توقعاتكم من الطفل معقولة وفي حدود القدرة والتمكن. ان انتظار التضحية والايثار واداء الاعمال المهمة من الطفل يؤدي الى الفشل وعدم النجاح. وفي تلك المرحلة من العمر، خذوا بنظر الاعتبار نوع النشاط ومقدار مساعدتكم له.
7 ـ امدحوا روحية السعي لكسب النجاح لدى الطفل، ولكن اطلبوا منه ان لا يجر هذ الأمر الى التفاضل الذي يمهد الارضية اللازمة لسقوطه الاخلاقي.

* * *



الأسرة ومتطلبات الأطفال 305


الفصل الرابع



الحاجة إلى التظاهر

المقدمة


احدى الاحتياجات الاساسية لشخصية الانسان الاهتمام بجمالياته المادية والمعنوية، والانبهار بنفسه، إذ يحب ان يبين ذلك للآخرين ويكسب اهتمام الآخرين وتشجيعهم له من خلال هذا الاسلوب. ومهما كان الوضع الذي يعيشه الافراد فانهم يرغبون في استعراض الجوانب الايجابية لحياتهم امام الآخرين ويذكرونهم بانهم افراد مهمون للغاية.
انهم عندما يسمعون الآخرين نجاحاتهم العملية، وحصيلة افكارهم، والجوانب الايجابية التي حققوها خلال حياتهم يريدون ان يثبتوا أولاً انهم افراد مهمون وقد يرون، ولهم موطيء قدم في ميدان الحياة، وثانياً في حالة تمكنهم يسعون الى توجيه جانب الانقياد والتسليم لدى الآخرين تجاه انفسهم ويسيطرون على جسم أو ذهن

الأسرة ومتطلبات الأطفال 306

الآخرين.
ان مسألة التباهي موجودة بصور مختلفة لدى جميع الافراد إلا انها أشد لدى الاطفال وفيما بعد اليافعين والشباب. ان شدة درجة التباهي لدى هؤلاء تبلغ حداً حتى انهم يظهرون في هذا الأمر حركات صبيانية، في حين ان الكبار يحاولون ان يبرزوا هذه الحالة من انفسهم بصور اخرى غير ظاهر للعيان.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 307


تجلي ذلك لدى الطفل:


هذه الحالة موجودة أيضاً لدى الاطفال، وقلنا انها بصورة أشد. ولعل جميع الآباء والامهات قد لاحظوا هذه المسألة لدى الاطفال، إذ انهم يحاولون بنحو ما ان يبينوا أنفسه، ويلفتوا انظارهم وتشجيعهم تجاههم. ويتجلى ذلك لدى الاطفال بهذه الصورة:
  • مطالبة الأبوين بان يصغوا الى كلماته الحديثة واشعاره الجديدة وأيضاً الى صوته وترنيماته.
  • المنافسة مع الاطفال ليثبتوا انهم افضل من الآخرين، ومن حقهم ان يحظوا بمحبة اكثر.
  • التظاهر بأنهم يمتلكون من الخصائص والصفات التي لا يملكها الآخرون ومقتصره عليهم فقط.
  • الضحكات العالية والطويلة،وتقليد حركات الآخرين، والاستهزاء، وإثارة الضوضاء في حضور الآخرين.
  • عرضه حالات الخلق والابداع التي قام بها وارائه الابتكار والاعمال التي يرون انها مهمة وقيمة.
  • اظهار انفسهم على انهم هادئون ومؤدبون في حضور الآخرين، خاصة اذا كان الامر يدور حول مسألة ابداء وجة نظر حولهم أو الحكم عليهم وتقييمهم.
  • الدخول في النقاش وعرض افكارهم ومعتقداتهم، حتى ولو كانت قليلة الاهمية أو لا طائل فيها.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 308


    حاجة الطفل لهذه الحالة:


    من الناحية العلمية، الطفل بحاجة لكي يظهر نفسه ويبين شخصيته وافكاره، وكذلك ابداعاته واختراعاته للآخرين. لكي يدرك في ظل هذه المسألة، بأنه في اي حالة وبأي وضع في ميدان الحياة هذه.
    وعلى الآباء والامهات ان يتقبلوا تظاهر الطفل الى الحدود التي يعتقد بانها معقولة ويسمحوا له بأن يري نفسه بكل ابعاده وكيانه امامهم. ويفرغ مشاعره وأحاسيسه وينفس عنها لكي يسهل اصلاحه عند وقوعه في الخطأ والانحراف ويتمكن أيضاً التخفيف عن نفسه.
    ان الطفل يحاول عن طريق التظاهر ان يظهر نفسه بأنه الافضل ويسمع الآخرين بوضعه وحالته الافضل لكي يحصل على المزيد من المحبة وهذا مطلب طبيعي، إذ تتبلور على اثره شخصية الطفل، ويتمتع بثبات الشخصية.
    ان ثناء الابوين والآخرين يبعده عن التزلزل والترديد بشأن شخصيته، ويثبت له بانه فرد مهم وذو قيمة ويمكن الاعتماد عليه.
    جذوره واسبابه:


    لقد بينوا وجهات نظر متعددة حول علل ودوافع وجذور التظاهر لا يتيسر لنا دراسة جميع جوانبها في هذا البحث. وما يمكن ذكره باختصار هنا يشمل الموارد التالية:

    1 ـ كسب اهتمام الآخرين والنفوذ فيهم، لكي يتمكن في ظل ذلك ان يجلب احترامهم تجاهه، ويحظى بحرمة اكثر.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 309


    2 ـ الفات الانظار اليه ليعرف من قبل الآخرين ويقيموا أعماله ليعلم الى اي مدى يحبونه ويحظى بموافقتهم.
    3 ـ التغلب على حالات التحقير، وعدم الموفقية والخروج من الوضع السلبي الذي هو فيه وحالات المدح والثناء على النفس في هذا المجال.
    4 ـ التحكم بالنفس ومصيرها والفوز بالاستقلال وايفاء دوره والتخلص من قدرة الابوين (الرغبة الشديدة بالاستقلال).
    5 ـ حب الذات والتكبر يعدهما علماء النفس التربويين بأنهما من خصائص النمو وينظرن الى التبعية والتعلق من هذه الزاوية أيضاً.
    6 ـ كسب الشهرة والاعتبار بين الاحبة والاصدقاء وبالنتيجة القبول في الجماعة.
    7 ـ تعويض حالات الحسرة والألم، بحيث انه من خلال تغيير ملابسه مثلاً والكشف عن وضعه الجديد يريد ان يذهب حسرات الآخرين على نفسه.
    8 ـ اثبات نفسه وقيمته وماهيته والتظاهر انه بامكانه ان يكون له بين الجماعة وجود معين.
    ان التصور السائد سابقاً ينص على ان التظاهر امر فطري مائة بالمئة، واليوم يرى بعض علماء النفس بأنه امر اكتسابي، ومجموعة اخرى من العلماء تقول بأنه ناجم عن اختلاط الفطرة والاكتساب. وبأي شكل كان تصورنا لابد ان نقول بأن هذه الحالة موجودة في الاطفال، وانه يسعى ليظهر

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 310

    بريقه ولمعانه.

    الجهود المبذولة لغرض التظاهر:


    لو كان لكم اطفال في البيت ستدركون جيداً الى اي حد يسعون الى التظاهر واثبات وجودهم والتعبير عن انفسهم. انهم يسعون أولاً الى التعبير عن وجودهم وشخصيتهم بما هم عليه، ويكسبون اهتمام ابويهم تجاههم، وفي حالة فشلهم في الحصول على ذلك يلجأون الى الاستفادة من الاساليب الغير سليمة ويعبرون عن انفسهم.
    ولعلكم تلاحظون ان الاطفال في الحياة العائلية يتظاهرون ببعض الامور ويستخدمون في هذا الصدد بعض الحيل الطفولية، ليتمكنوا ان يلفتوا انظار الآخرين تجاههم. وفي بعض الاحيان يستخدموا الطرق المزعجة للقيام بالتظاهر، ويخلقون لآبائهم الكدر والازعاج. انهم يستثمرون أحياناً كل قدراتهم وطاقاتهم الفكرية، ويبذلون الجهود المضنية، حتى يتصببون عرقاً لكي يعبروا عن انفسهم بهذا الاسلوب ويشبعون غرورهم. كما ان منازعاتهم واضطراباتهم في محيط البيت كلها تعبر والى حد بعيد عن هذا الامر. وبالنتيجة فان حاصل هذا التظاهر يتمثل بالتحكم وتثبيت مكانته ووضعيته.
    أهميته للاطفال:


    بالرغم من كل المخاطر التي نراها من الناحية الاخلاقية للتظاهر، وبالرغم من كل التحليلات السلبية التي قيلت بهذا الشأن من حيث العلاقات الاجتماعية، فانه مهم لاستمرار حياة الطفل. وتأتي أهميته لأنه يهيىء الارضية المناسبة لكي يثق الطفل بنفسه، ويمكنه من التغلب على مشاعر

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 311

    الحقارة، ويلعب دوراً مهماً في بلورة شخصية.
    ويرى علماء النفس بأن هذا الدافع يعتبر من الدوافع القوية ويلعب دوراً مهماً واساسياً في حياة الطفل، خاصةً وانه يهيىء الارضية اللازمة أمام قيامهم بالمزيد من الحركة وبذل الجهد. ان الطفل ولغرض تطوره وامتلاكه السعادة والحيوية بحاجة الى ان يحظى بقبول الآخرين له، وان لم يكن بوسعه التعبير عن نفسه بشكل جذاب ومتألق فكيف بوسعه ان يحظى بقبول الآخرين له.
    وعندما يكبر الطفل تدريجياً فانه ينفض يديه من والديه ويحاول الاعتماد على نفسه. ويتجه نحو الجماعة ويرغب ان ينظم حياته الاجتماعية في هذا الوادي. وفي هذه الحالة بالذات يجب ان يحصل على المقبولية الاجتماعية لنفسه ولتحقيق هذا الأمر يجب أولاً ان يعبر عن نفسه ويتباهى أمامهم بنجاحه.
    فوائد التظاهر للاطفال:


    ان التعبير عن النفس وعن الشخصية، وكذلك ارائة الابتكارات والاعمال، والشعر والترنيم والاعمال اليدوية والصناعات، بشكل متزن وهاديء يحمل فوائد عديدة اشرنا الى بعضها ضمن العناوين السابقة. وبوسعنا ان نضيف هنا موارد اخرى:
    1 ـ التظاهر هو سبب ارائه الاعمال والسلوك والكلام واعطاء الفرصة للابوين لاصلاح العيوب والنواقص.
    2 ـ عامل للتعبير عن التفوق والافضلية،وتفريغ العقد النفسية والتخفيف عن النفس والتخلص من الآلام النفسية.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 312


    3 ـ سبب لالفات الانظار وبالنتيجة الشعور بالنجاح والمقبولية بين افراد المجتمع.
    4 ـ وسيلة للعثور على روحي العمل وبذل الجهد، إذ يمنح استعداداً أوسع للتعليم والمسير نحو التكامل.
    5 ـ سبب لكسب الثقة بالنفس، والتعبير عن الذوق والابتكار، وأحياناً للأخذ والارشاد.
    6 ـ وتظهر الجرأ’ أحياناً في ظله، وتزول حالات الخجل والحياء، ويدل على النمو، وتنمو الافكار.
    7 ـ الفات انظار الآخرين وكسب محبتهم، وهي من ضروريات النمو بحد ذاتها ووسيلة للشعور بالامن والاستقرار.
    أضرار عدم امكانية التظاهر:


    اظهرت الابحات العلمية ان الاطفال الذين لا يملكون امكانية التظاهر أو انهم غير موفقون في ذلك يتعرضون الى بعض المخاطر والصعوبات. منها ان هذا الأمر يصبح سبباً للشعور بالملل وانهم مضطرون الى خنق هذه الرغبة في انفسهم ولا ينسبون ببنت شفة. وثانياً ان هؤلاء الاطفال لا يحظون بنمو طبيعي واعتيادي، لا من حيث البعد الجسمي والصحي ولا من حيث البعد العاطفي والنفسي.
    وهؤلاء الاطفال ينزوون تدريجياً، ولا يحبون الحضور بين الجماعة، ولو وجدوا انفسهم بين الناس لا تظهر عليهم المحبة والتفاؤل، ولا يحظى الآخرين بمحبتهم الطاهرة والخالصة، وهم أيضاً لا يسعهم اخذ نصيبهم الكافي

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 313

    من الحياة.
    ان الطفل الذي لا يجد امكانية التظاهر في الحياة يبقى في جهلة المركب، لأنه لا يعبر عن عمله لكي يصحح، ويملك تصوراً عن نفسه يخفيه في اعماقه. وهؤلاء الافراد يصبحون فيما بعد عديمي الجرأة، وليسوا بالوضع والحالة التي تمكنهم من التعبير عن انفسهم في المجتمع أو يدافعون عن حقوقهم. انهم يبيعون بضاعتهم بثمن بخس ولو جرى على احدهم ظلم أو حيف فأما يلجأ الى الانقياد والاستسلام أو يقف أمامه بصورة هشة غير متزنة وكلاهما خسارة كبرى.
    عدم منع حصوله:


    ان الدافع الذي يدفعنا الى الاعتقاد بوجوب عدم منع الاطفال عن التظاهر والتعبير عن جدراتهم وكفائتهم، هي هذه المخاطر والاضرار. طبعاً سنقول فيما بعد ان عدم المنع هذا لا يعني ان يأخذ هذا الامر صورة منحرفة أو يؤدي الى الافراط.
    وينطوي رأي العلماء في مسائل علم نفس الاطفال على ان منع الاطفال عن التظاهر وتحقيرهم وتوبيخهم في تلك الاثناء، وعدم الاهتمام بالطفل عندما يريد التعبير عن نفسه يؤدي الى جرح عواطف الطفل وتفاقم شعوره بفقدان الامن اكثر فأكثر. وعندما يشعر الطفل بانهم لا يرون له ولعلمه أي قدر أو أهمية تذكر أو لا يريدون ان يضع نفسه وما ابتكره في معرض التعبير والافصاح سوف لن يكون له وضاً طبيعياً ولن يحظى بالنمو الكافي.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 314


    كما اظهرت الابحاث ان الاطفال الذين يفشلون في اشباع الرغبة الى كسب الاهتمام في انفسهم سينجرون الى طرق ملتوية وغير طبيعية وحتى من الممكن ان يبتلوا بأعراض نفسية واختلالات سلوكية.
    ان حالات الضرب المبرح ومنازعات الاطفال، والتبول في فراشه ليلاً ونهاراً، واللجوء الى اعمال التخريب وكسر الاشياء، وبذاءة اللسان، واللجاجة اغلبها من الممكن ان تفسر في هذا المجال، وهؤلاء الافراد الذين لم يجربوا سماع الانتقاد سيخشون فيما بعد من الفشل والانتقاد، ويعيشون في ازمةٍ واضطراب نفسيين خاصين.
    صورته المنحرفة:


    تظاهر الطفل أمر حسن بشرط ان يكون في المسار السليم، وفي طريق التعبير العادي عن وضع العمل ومكانته وشخصيته الطبيعية وعن اعماله وجهوده وابتكاراته. ولكن للأسف يخرج هذا الأمر أحياناً عن صورته الطبيعية والاعتيادية ويتخذ صورة منحرفة.
    ويعد الرياء احدى مظاهر هذه الصورة المنحرفة، وامر غير مطلوب، ويصبح السبب في تطبع الطفل بالمكر والخداع، ويمارس هذه الحالة منذ مرحلة الطفولة في حياته اليومية، ومن البديهي في هذه الحالة ان يواجه مستقبلاً خطراً في ميدان الحياة الاجتماعية لا تحمد عقباه.
    المظهر الآخر المنحرف له الازدواجية والنفاق والظهور بوجهين، إذ تكون عاقبة ذلك وجود افراد متعددي الشخصية ذات ابعاد فاسدة وملوثة ويتركز سعي هؤلاء الافراد حول اطلاق العنان لرغباتهم وميولهم والتفكير

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 315

    لارضاء انفسهم فقط.
    والمظهر الثالث لهذه الصورة المنحرفة يتمثل بالتفاخر، والتكبر، والتباهي. وبدلاً من قيامه بتوجيه طاقاته وقدراته في طريق البناء واصلاح نفسه تراه يسعى لاستهلاكها في هذه المجالات التي لا تعود عليه بأي نفع ولا تتسم بأي بعد ايجابي له، حتى انها تفسح المجال امام التقولات الفردية والجماعية عليه. ان تجريح الناس بالكلام، وايذاء الافراد الضعفاء، والتكبر والتعالي تنشأ من هذا الامر.
    واخيراً يولد التظاهر أحياناً صورة أشد انحرافاً، ويحمل الطفل على الاستعراض الجنسي وينقل وضعه الاخلاقي من سيء الى اسوأ. وهؤلاء الافراد الذين يقعون في معرض الانحرافات الجنسية المتعددة سيعيشون حياة ملوثة في الحاضر والمستقبل، وسيعانون من وضع مؤسف للغاية.
    حدود قبول التظاهر:


    ومن هذا المنطلق اصبح من الضروري ان نجعل للتظاهر حداً ومقداراً ونوافق عليه في حدود معينة. أما ما هي هذه الحدود، فالجواب صعب بعض الشيء، وسنشير باختصار الى جوانبه وابعاده:
  • احدى حدوده هي ان لا يؤول الامر الى الرياء، وهو الامر الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخاف منه على امته إذ قال صلى الله عليه وآله وسلم: (اخوف ما اخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية).
  • وحدة الآخر هو ان لا يؤول الامر الى التفاخر والتباهي ولا يبتليه

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 316

    بالغرور، إذ ان ذلك يعتبر في رأي الاسلام أمراً حسناً أيضاً.
  • وحدة الثالث ان لا يؤدي الى السكوت واخفاء اموره واعماله وابتكاراته، إذ في هذه الحالة تبقى شخصية الطفل الفكرية والابداعية مخفية عنا ونسلب بالتالي القدرة على الاصلاح.
  • وحدة الرابع انه خلال ارائه اعماله وجهوده وشخصيته يجب ان لا ينتهي به الامر الى يصبح دائناً للآخرين أو ان لا يعير أهمية لاعمال الآخرين ويتسبب باهانتهم.
  • والحد الخامس ان لا يستحوذ التظاهر على حياة الطفل بأسرها، وان لا يصل به الأمر الى ان يتعامل مع كل الامور بهذه الحالة. وطبعاً هؤلاء الاطفال يعانون من نواقص واهمال في جانب المحبة والحنان من قبل الابوين، إذ يجب تداركهم ومساعدتهم.
    ضرورة تعديل ذلك:


    ومن هذا المنطلق من الضروري تعديل التظاهر. وكيفية تعديله تتمثل بأن يقوم الطفل بالتعبير عن نفسه ولكن يبتعد عن مخالفة الحقيقة. وانزاله من ذروة مدح النفس والتفاخر. وان يستعرض محاسنه ولكن لا يتهكم بها على الآخرين.ولا يستخدمه كوسيلة لأهانة الآخرين.
    ولو تعرض للنقد اثناء تظاهره، عليه ان يتقبل ذلك، وان لا يحاول تغطية عيوبه ويخفي اخطائه عن انظار الابوين. ويكشف عن وجهه الحقيقي في الامور. وان تدخل حالات التشجيع والثناء السرور والسعادة عليه ولكن لا يتحولون الى مطلوبين امامه. ولا يتوقع من الافراد الثناء

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 317

    عليه وتمجيده.
    ان الافراط في التظاهر يؤدي الى بروز حالة التكبر لديه. ويصبح الانسان في ظله فرداً كذوباً، ومرائياً، ومنافقاً، ومحتالاً، ويعمى بصره وبصيرته عن اي رؤية واقعية. ان الاستمرار في مواصلة ذلك يؤدي به الى التكبر والغفلة عن ذكر الله تعالى، ويخلق فيه حالات تنم عن الرياء وحتى انه يحمل الطفل أحياناً على ان يجعل الأبوين وافكارهما تحت سيطرته ويتمرد عن اداء واجباته.
    تنمية التظاهر:


    ان التظاهر امر لابد من تنميته وتربيته لدى الطفل، لكي يتخذ مسارا معيناً ويصار الى تعديله، ومن الضروري في هذه التربية ان نعرفه بحقيقة نفسه وننقذه من مشاعر الغربة والضياع والضعة والوحدة. والاساس في ذلك ان يقوم باداء عمل معين يحظى بموافقه والديه اولاً، ومن ثم ينال رضا الله تعالى ولكن يجب ان نلقنه بأن نجاح الطفل لا يرتب له طلبا معيناً. وعليه ان يرى نفسه واعماله لكي يتم الوقوف على حقيقة جدراته أولاً، وثانياً لو كان هناك خطأ معين في عمله يصار الى اصلاحه.
    وعلى اي حال فان اساس التظاهر يستند الى ان يستقر في مسار اكثر تكاملاً وان يباشر المسير لغرض المزيد من التطور والتكامل.
    وعندما يتظاهر الطفل يجب ان نفهمه بانه بدلا عن ولعه بالتظاهر والتفاخر بنفسه عليه ان يسعى بصبر واناة لكي يهيء اسباب شهامته وعلو همته. وان يكون متعطشاً للنشاط ويوفق الى عمل أفضل وجهد أكثر

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 318

    أهمية.
    وعلى الأبوين ان يمنحا الطفل الفرصة للاهتمام بالتظاهر، واحدى نماذج هذه الفرصة ان نصغي الى كلماته. ولو قرأ شعراً يجب ان نعيره أسماعنا ونبدي رغبتنا لرؤية أعماله، وان لا ندعه يتوسل بالخفة والوضاعة لكي يعبر عن شخصيته ويلفت انظارنا اليه.

    * * *




  • السابق السابق الفهرس التالي التالي