الأسرة ومتطلبات الأطفال 267


الفصل الأول



الحاجة الى الحماية

المقدمة


ان جميع الناس ومع كل ما يمتلكونه من قدرة وقوه في الحياة وبالرغم من كل مالديهم من الثقة بالنفس معتمدون بشكل أو بآخر على الغير، ومحتاجون الى مساعدتهم وحمايتهم. انهم في الحقيقة متأثرون تلقائياً وبشكل لا شعوري بأولئك الذين يأملون منهم تأمين احتياجاتهم. فالمؤمنون يطلبون الحماية من الله تبارك وتعالى، وغيرهم يطلبها من الاشخاص والافراد أو يتمنون ذلك بشكل ما من ثروتهم أو مكانتهم لعلهم يستندون إليها في تحقيق طلبتهم.
وفيما يتعلق بالطفل لابد أن نقول أنه بحاجة الى فرد يراه الى جانبه في خضم استمراره في اعماله ويعتمد عليه، وذلك الفرد يتمثل اولاً بوالدته. انه يريد الحماية من والدته، الحماية من الخوف والفزع والصيانة من كل عامل يهدد حريته أو يعرض أمنه للخطر. انه يعتمد في الظروف الصعبة والحوادث المؤلمة الى الآخرين ويندفع بهذا الأمل إلى الامام في حياته.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 268


اساس هذه الحاجة:


ان جذور هذه الحاجة واساسها تكمن في ان الطفل يلد الى الدنيا ضعيفاً وغير قادر على الدفاع عن نفسه، ولا يتمكن من المحافظة على نفسه أمام الشرور والمصاعب ولا يمكنه ان يتخذ موقفاً بشأن أمنه وحريته شخصياً. ولهذا السبب فانه يحظى ومنذ اللحظات الاولى لولادته بحماية والديه، وبعبارة اخرى فانه يتخذ منهم درعاً يقيه مخاطر البلوى.
ان هذا الامر الذي يبدأ منذ اليوم الاول للولادة يستمر بنفس هذه الوتيرة الى اليوم الذي يطبق عينيه ويرحل عن هذه الدنيا. ونحن نعيش في ظروف واوضاع معينة نحتاج معها في جميع ابعاد حياتنا الى الحماية الاجتماعية، والصحية، والاقتصادية، والثقافية والسياسية، مع فارق وحيد، وهو أننا بحاجة الى هذه الحماية بصورة علنية في سنوات الطفولة وبشكل اكثر خفاءً في السنين التالية. ونلاحظ ان الثقل الرئيسي لهذه الحاجة يتمثل في السنوات الثلاثة الاولى من العمر، وبعد ذلك في مرحلة 4 ـ 7 سنوات ، وبعد هذه المرحلة عندما يكبر الطفل بعض الشيء ويقلل من مقدار اعتماده على والديه والمربين تدريجياً، إذ يبدأ عندها بالاعتماد على نفسه لحدود معينة، وكذلك على اصدقائه ومعارفه.
ضرورة ذلك للطفل:



1 ـ فيما يتعلق بحق الطفل:


من حيث ان الطفل يمثل في الاسلام امانةً من الله تعالى بين يدي والديه

الأسرة ومتطلبات الأطفال 269


فهو يطالب والديه بتأمين بعض الجوانب، ومن جملة مطالباته مسألة الحماية التي نحن بصددها. وقد ورد في المادة الرابعة من لائحة حقوق الاطفال أيضاً ان الطفل يجب ان تتوفر له الحماية الكاملة من قبل شخص معين ويأتي الأب والام في الدرجة الاولى بهذا الخصوص.
2 ـ تعرض الطفل للخطر:


ان حياة الطفل هي بالشكل الذي يكون معه الطفل معرضاً دائماً للخطر وتهدده الكثير من الامور الغير ملائمة مما يجعل حياة الاطفال تعاني من صعوبات كثيرة. انه بحاجة الى فرد أو أفراد يسارعون الى مساعدته في الملمات ويحافظون عليه عند التعرض للأخطار المختلفة. وإن لم يتحسس الطفل بوجود الحماية لن يكبر وتقضي عليه الاخطار والمصائب.
3 ـ بعث الأمل والاطمئنان:


ان عالم الاطفال عالم مدهش وهناك الكثير من الابعاد الغير مكتشفة في حياته، كما انه يجهل هذا العالم وما يرتبط به من مسائل. فهو لا يدرك كيف يتخذ موقفاً ازاء الامور والمسائل الجارية وكيف يتعامل مع الاحداث. ان مجرد احساسه بان هناك من يحميه في هذه الحياة يصبح سبباً لبعث الامل والرضا والثقة التي تمكنه من الاندفاع نحو الامام ويواصل حياته.
4 ـ الشعور بالامن:


ان عالمنا بالنسبة للطفل عالم مخيف ومرعب من بعض جوانبه وابعاده. انه بحاجة لأن يشعر بالأمن لغرض مواجهة المسائل المتعلقة بهذا العالم. ويمثل الآباء والمربون في هذا المجال مرساة بالنسبة له، وفي حالة قيامهم بواجبهم كما ينبغي تجاه الطفل يصبح بامكانه ان يواصل حياته بالاعتماد

الأسرة ومتطلبات الأطفال 270

عليهم. وحسب اصطلاح علماء النفس فان الطفل يخرج من عشه بمساعدة والدته.
5 ـ القدرة على الدفاع:


تمثل الحياة في احدى جوانبها ساحة للمجابهة والدفاع. إذ ان القضية لا تتمثل بان يسلك جميع الافراد اسلوب التعاون فلابد من التهيؤ لهذه المجابهة منذ مرحلة الطفولة. ولا شك ان دليله في مرحلة الكبر في المجابهة والدفاع هو الايمان والعقيدة، ويندفع في مسيرته من خلال التوكل على الله تعالى. اما في مرحلة الطفولة يحتاج الى حماية والديه ويجب عليهم ان يمهدوا أرضية الدفاع لديه.
6 ـ نمو الجسم والروح:


ان الطفل الذي لا يحظى بحماية والديه لن ينمو ويكبر مطلقاً. إذ ان النمو البدني والروحي للطفل مرهون بهذه الحماية. فقد اظهرت الابحاث والتحقيقات ان الاطفال الذين ينعمون بحماية الوالدين في تطور ملحوظ من الناحية البدنية والروحية. ذلك انهم يتمتعون بالحماية البدنية وكذلك ينعمون بالاطمئنان من الناحية النفسية بأن احداً لن يتمكن من التجاوز على حقوقهم.

اضرار ضعف الحماية أو فقدانها:


ان عدم حماية الاطفال أو التقصير وحصول النقص في ذلك يؤدي الى ظهور بعض المخاطر لا يتيسر لنا ذكرها بالتفصيل في هذا البحث، وما يمكننا ذكره هنا بشكل مختصر ما يلي:


الأسرة ومتطلبات الأطفال 271


1 ـ فقدان الجرأة والإقدام:


الاطفال الذين لا يحظون بالحماية الكافية يفقدون تدريجياً الجرأة على التقدم وانجاز الاعمال، ولا يمتلكون القدرة على الاندفاع بحرية. فالحماية من عوامل التطور والطفل الذي يعاني من النقص في هذا المجال يفقد القدرة على الحركة.
2 ـ الشعور بالخيبة والخسران:


ان ضعف الحماية يولد لدى الطفل شعوراً ينم عن الفشل والخسران وبأنه لا يقوى على الصمود أمام طوفان الحوادث والمشاكل. انه يرى نفسه دائماً بانه مهزوم ومغلوب وضعيف ويشعر بأنه ذليل منكر ولهذا الاحساس خطر عظيم على حياته.
3 ـ الشعور بفقدان الملاذ:


ان ضعف حماية الوالدين للطفل يتسبب في ان يشعر بفقدان الملاذ والملجأ. إذ يستحوذ عليه التصور القائل بأنه يفتقر الى من يرافقه ويلازمه تحت هذه السماء الزرقاء أو ان يسارع الى نجدته حين تعرضه للملمات والمعاناة، وهذا الاحساس يمثل خسارة كبرى لحياته في الوقت الحاضر أو في المستقبل.
4 ـ الهبوط النفسي والعاطفي:


ان اطفالا كهؤلاء يستحوذ عليهم الخجل والتوقع والانزواء. ويتسمون بسلوك غير منسجم، ولا يمكنهم ان يحسنوا اتخاذ موقف بشأن المحافظة على انفسهم وصيانتهم، وان سلامتهم الفكرية معرضة للخطر. حتى انه في الحالات الحاجة من الممكن ان يتوقف نموهم الفكري والنفسي، وان لا يحسبوا لحياتهم ومستقبلهم كما ينبغي حساباً.


الأسرة ومتطلبات الأطفال 272


مسؤولية الوالدين:


يتحمل الآباء وفي المرحلة التي تليهم المربون وأولياء المدرسة المسؤولية بشأن الاهتمام بماية الطفل. وعليهم ان يتعاملوا معه في الحياة معاملةً تمكنه ان يعتمد عليها ويشعر خلال نموه وحركته بالامن. ومن حق الطفل أن يتنعم بالامن، ويجب ان لا تصبح المسائل من قبيل كونه ولداً وبنتاً، قبيح أو جيمل، النواقص وغيرها سبباً لسقوطه وفشله.
وهناك الكثير من الاصول والضوابط التي ينبغي مراعاتها في إداء هذه المسؤولية وتوفير الحماية للطفل، واهمها ما يلي:

1 ـ يجب ان يستند الى قوة مهمة حتى إذا شعر بالحاجة لها وجدها بالقرب منه، وفي الحقيقة يمثل الوالدين هذه القوة للطفل حتى ان الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم أشار الى ذلك بقوله : (ان الطفل يتصور بأنهم يعطوه رزقه اليومي).

2 ـ يجب القضاء على مسألة الخوف من النتائج المجهولة لدى الطفل، بحيث لا يستحوذ عليه القلق لعمل غير منجز، وعاقبة لم تحل بعد، ويتولد لديه الشعور انه بامكانه ان يتقدم نحو الامام كلما لزم الامر.
3 ـ لابد من بعث امل جديد في نفسه، كي يصبح بامكانه أن يبدي القدرة على التقدم من الاعتماد على ذلك الامل. ويجب ان يرى الحياة بكل صورها الجميلة ويتقبلها، وأن يزول عنه اليأس والتشاؤم تماماً.
العمل بهذه الحماية:


اما السؤال عن كيفية القيام بهذه الحماية يمكن الاجابة عليه بأنه يجب على الوالدين ان يقوموا بتنفيذ خطوات متعددة في هذا المجال يمكن ان تتجلى

الأسرة ومتطلبات الأطفال 273

بالشكل التالي:
1 ـ اداء حقوق الطفل بشكل لائق وكامل. وقد قلنا آنفاً ان الطفل دائن والوالدين مدينون. وانهم مكلفون بدفع ديونهم بشكل لائق ويؤدوا حقوق الطفل مثل حق القبول، والمحبة والامن...
2 ـ الاخذ بيده وتوجيهه بحيث يدرك الطفل كيف يخطو خطواته في هذه الحياة وكيف يواجه المسائل والمعضلات ويحلها. وكيف يقف امام الوقائع والاحداث وكيف يتصرف امام مواجهة المصاعب.
3 ـ التمهيد لاكتسابه القوة لكي يصبح بوسعه الاندفاع بالاستفادة من الظروف والامكانيات المتاحة والتوجيه والهداية والارشاد. يجب ان يتعلم كيف يمكن ان يصبح قادراً وبأي صورة يجب ان تحل المسائل والمعضلات وما هو المقدار اللازم لاستثمار القدرة والقوة والاعتماد عليهما.
4 ـ مواساته في الحالات التي يتعرض فيها الطفل الى مرض أو مصيبة. كأن يكون مريضاً ويتألم من شدة المرض، يعاني من حرمان معين فيقلق ويضطرب لذلك، سقوطه اثناء ممارسته اللعب وتعرضه الى صدمة إذ انه في هذه الحالة يريد ان يرى شخصاً الى جانبه ليسارع الى نجدته أو يأخذ بيده. ولابد من مواساته ومساعدته. طبعاً يجب ان نسعى الى ان لا تؤدي الحماية الى دلاله المفرط لانه يحمل اضراراً ومخاطر كثيرة.
5 ـ استشارة الطفل وخاصة عندما يعاني من مشكلة معينة. إذ لابد من التحدث معه، وبث شكواه، السؤال عن احواله والاهتمام بها ومتابعتها، سير اعماقه وفهمه، ولابد من حمل الطفل على الكلام لكي يقول كلمته. ويتكلم من أعماقه ويضع بين ايدينا أسراره لكي يتسنى لنا في هذه الحالة اتخاذ موقف اكثر وضوحاً تجاهه.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 274


آفاق الحماية وكيفيتها:


آفاق الحماية لدى الافراد متفاوتة وواسعة جداً. وكل فرد يبحث عنها بنحو أو آخر ويحاول ان يحصل عليها بحدود معينة. ولابد ان يحظى الطفل بالحماية في جميع الامور، بما في ذلك الملبس، والغذاء، والدفاع الاياب والذهاب، حالات الشجار، عندما يغصب عليه، الهجمات، الاخطار الجوية والارضية، الامراض وغيرها...
اما بالنسبة للوالدين فيجب ان يظهروا حمايتهم للطفل من باب الاخلاص، والصفاء والمودة، والحرص وحب الخير ويسارعوا الى مساعدته بكل قوة لكي يطمئن الى انه بامكانه ان يقدم على شيء ما في الحياة ويتقدم ويلوذ بظلها أيضاً، وان حصل تقصير ما أحياناً أو تملكته حالة من الجبن تزول عنه بفضل هذه الحماية.
ويجري التأكيد في هذه الحماية على ان تصبح طريقة التعامل ذات طابع انساني بحيث ينظر لها الطفل على انها من ذاته ووجوده ويعتمد بالتالي عليها. ولا يشعر ايضاً بوجود الفاصلة بينه وبين والديه، وان يثق بهم ويعتمد عليهم ويعمق تعلقه وتابعيته لهم.
الاخطاء في الحماية:


أحياناً يقع الوالدين في الخطأ اثناء تأمين الحماية للطفل، وللحد الذي يتسبب فيه هذا الخطأ بخلق المتاعب والحاق الضرر بالطفل. والموارد التي يمكن ذكرها هنا كثيرة ومنها قيام الامهات بالعمل نيابة عن الاطفال. فالطفل الذي يدخل الصف الاول من المدرسة ويعجز عن اداء واجباته ودروسه يطلب من والدته ان تكتب له واجبه البيتي فتبادر الام الى كتابة واجبه لغرض

الأسرة ومتطلبات الأطفال 275

المحافظة على سمعته وماء وجهه لدى المعلم والمدرسة، وهذا الأمر هو السبب في تخلف المستوى الدراسي للطالب في المدرسة.
أحياناً يرتكب الطفل خطأ معيناً وبالرغم من النصائح اللازمة التي سبق وان نصحته بها والده إلا انه يتجاهل تلك النصائح واصبح في وضع يستحق معه العقاب. وفي مثل هذه الموارد من الخطأ ان تقوم والدته بحمايته، بل حتى انه من الضروري ان تغادر المكان بشكل أو آخر لئلا يتحول هذا العمل الى درس خاطيء بالنسبة للطفل وان لا يتصور ان بامكانه ان يرتكب الخطأ متى ما أراد ويهرب منه.
ان الافراط في الحماية خطأ آخر بحد ذاته ذلك لأنه يمهد المجال امام تعلق الطفل المفرط ويعرضه للضرر في مواقفه اللاحقة ولا يدعه يعتمد على نفسه ويندفع للامام وهذه خسارة كبرى بحد ذاتها في تربيت الطفل وللمربي أيضاً إذ لا يدعه ان يصل الى مرحلة النضج في المستقبل.
ضرورة الاستغناء عن الحماية:


خلال مسيرة التربية من الضروري ان يستغني الطفل عن حماية الوالدين في نهاية المطاف، ويصبح بامكانه الاعتماد على نفسه، ويجب العمل على ايجاد هذا الامر في الطفل تدريجياً وتجذيره.
ان حرص الوالدين على بقاء مسك يد الطفل بأيديهم أو مراقبة الطفل لئلا يعثر أو يسقط أو لا يصيبه اي مكروه أو أذى أمر لا يمكن ان يحمل معه اية منافع من الناحية التربوية. ان الطفل سيكبر تدريجياً ويتطبع بهذا الوضع ويفقد بالتالي امكانية السلامة والنمو. وبالتالي يصل به الأمر الى مرحلة يصبح معها بالغاً ورشيدا إلا انه يبدو كطفل متعلق بوالدته أو والده.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 276


يجب ان يصل الطفل الى مرحلة من الرشد تمكنه ان يتحمل أموره شخصياً، وان يؤدي اعماله بنفسه، وان كانت هناك ضرورة للدفاع عليه ان يقدم نفسه على ذلك. يجب ان لا يكون وضعه بالشكل الذي يواجه معه مسألة معينة ويبقى متحيراً أمامها أو ان يطالب والديه بالحماية المفرطة.
مخاطر الافراط في الحماية:


الطفل الذي يحظى بالحماية المفرطة سيتعرض تلقائياً الى مخاطر كثيرة لا يتيسر لنا شرح جميع ابعادها وجوانبها في هذا البحث. وما يسعنا ان نشير له هنا بشكل مختصر ما يلي:

1 ـ عدم حصول نمو الطفل نفسياً وبالشكل الذي مر ذكره آنفاً، وقلنا ان هذا الامر يتسبب أحياناً بتوقف النمو النفسي ولا يحصل الطفل على فرصة تعلم نمط الحياة.
2 ـ عدم استقلاله، والسبب في ذلك يعود الى انه غير قادر على الاعتماد على نفسه لكي يصبح بامكانه التمرن على الاستقلال وينال السعادة، وكلما تطاول عليه الزمن توسعت مساحة احتياجاته اكثر وتضاعفت تبعيته اكثر.
3 ـ اتكالية الطفل المفرطة لانه اعتاد على مطالبة الآخرين بمساعدته وقيامهم بتأمين احتياجاته. ان الطفل وبسبب المواقف الخاطئة لوالديه تجاهه يرى نفسه عزيزاً ثميناً جداً ويتوقع ان يسارع الجميع الى خدمته.
4 ـ التمهيد للوقوع في الادمان في السنين التالية إذ ان هذا الأمر تم اثباته من خلال الدراسة والتحقيق. لان الافراط في الحماية يساعد على اصابة الطفل بالاتكالية وكثرة التوقع والدلال والملق، حتى انه لا يفلح في العثور على صديق يرافقه في المستقبل، وبالنتيجة يلجأ الى الادمان والكحول.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 277

5 ـ وجود الاشكال في معاشرتهم وعواطفهم لانهم غير قادرون على بناء العلاقات مع الآخرين وحتى انهم لا يستطيعون الاقدام على تشكيل الاسرة. كما اظهرت الدراسات أيضاً ان هؤلاء الاطفال سيتسمون فيما بعد بالجبن والخجل والانزواء.
6 ـ فقدان القدرة في الدفاع عن النفس، لأن الفرد الذي امضى ردحاً من الزمن في ظل حماية الآخرين لا يستطيع ان يكون مستقلاً حتى في أمر الدفاع عن نفسه، خاصة وان لم يجري تمرين الدفاع وان الآخرين يتكلمون ويقدمون نيابةً عنه دائماً.
7 ـ واخيراً الحاق الضرر بسلامة الطفل من حيث ان الحماية المفرطة تصبح السبب في ان يفقد الافراد قدرته على الحركة، ويمضون ساعات متوالية دون حراك ويخلدون الى السكون ولا يحركون ساكناً.
المفرطون في الحماية:


لقد تم اجراء تحقيق بشأن الافراد المفرطون في الحماية، وكانت نتيجة ذلك التحقيق كما هو مبين ادناه:
  • الامهات اللاتي يفرطن في حماية الاطفال من اللاتي لم يفلحن في اقامة الوشائج مع ازواجهن، وهذا التصرف يمثل في الحقيقة نوعاً من رد الفعل التعويضي لهن.
  • الامهات اللاتي يتسمن بطبيعةٍ مليئة بالاضطراب ودائماً يعشن في حالة من القلق والخوف بشأن سلامة وهدوء ابنائهن ويرمين الى صونه بشكل كامل.
  • الامهات اللاتي يمتلكن طفلاً يتيماً عزيزاً ويعتبرون ان الخدمة

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 278

    الحقيقية تكمن في تأمين الحماية الكاملة لاطفالهن، خاصة لو سبق وان خطف الموت احد اطفالهن.
  • الذين يؤكدون على ان لا يصبح اطفالهم مؤدبون للغاية، ولا يصدر عنه أي خطأ أو ان لا يحصل ادنى اهمال أو غفلة في تربيتهم.
    المحاذير في طريق الحماية:


    يجب الابتعاد عن بعض الاجراءات خلال توفير الحماية للطفل وبعضها كما يلي:

    1 ـ حالات المقارنة، بمعنى ان لا تقدموا على مقارنة طفلك بطفل آخر اطلاقاً، إذ ان ذلك يمثل فاجعة للطفل.
    2 ـ ابعدوه عن حالات الخوف والتهديد وحافظوا عليه منها، إذ انها تشكل خطراً على نفسيته ويجد نفسه لا ملاذ له.
    3 ـ لا تطردوا الطفل عنكم مطلقاً، ولا تستخفوا به وتذلوه، ولا تطردوهم من البيت.
    4 ـ لا تفرقوا بين اطفالكم، لان هذا الأمر يؤذي روح الطفل.
    5 ـ لا تصرخوا بالطفل، ولو كانت هناك ضرورة في هذا المجال على وجه الخصوص فلا تقدموا على ذلك بدون مناسبة.
    6 ـ لو لجأ الطفل الى حضن والدته فلا تخرجوه من حضنها ولا تحطموا حصنه هذا حتى ولو كان يستحق العقاب.

    * * *



    الأسرة ومتطلبات الأطفال 279


    الفصل الثاني



    الحاجة الى الأمن

    المقدمة


    الأمن مقابل الخوف والفزع، الرعب والحزن،والخوف واليأس من نعم الله تعالى ومن مراتب ذلك الامان من الجوع والخوف (الآية 4 من سورة قريش) وقد أشارت الى ان الحاجة الى هذا الامر يعد من اهم الاحتياجات البشرية وفي ظل وجوده يبحثون عن جوهر سلامة الفرد.
    ان الانسان يريد أن يهرب في ظلها من الاخطار ويسيطر على المحيط، ويريد ان يسيطر على نفسه الحقيرة الوضيعة، ويقضي على العوامل الخارجية التي تحول دون ذلك.
    المادة الرابعة من اعلان حقوق الاطفال تقول: يجب ان يتمتع الطفل بالامن ليتمكن من النمو في كل محيط من خلال الظروف السليمة.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 280


    حاجة الطفل الى الامن:


    الجميع بحاجة الى الأمن وخاصة الاطفال. انه بحاجة لان يعيش بدون مضايقة ومتاعب. وان لا تتعرض سلامته للخطر ، وان يشعر بالاطمئنان تجاه ملكيته وان لا يسرق كل ما تعود ملكيته له. إنه يطمح لبعض الاشياء التي يريد ان تكون له ولا يتمكن اي شخص ان يسلبها منه.
    واحدى مظاهر حاجة الطفل للامن هي حاجته للهدوء. ومن هذا المنطلق فهو يشعر بالراحة والهدوء وهو في أحضان والدته ويشعر بالارتياح عندما لا يضايقه احد وهو يرضع من ثدي والدته. وهذه هي حاجته بأن يجد نفسه في محيط آمن، ويتولى الآخرون حمايته في هذا المجال. ويبعدوه عن اجواء الجدال والنزاع ويخلصونه من الشدائد والمعضلات.
    فلسفة هذه الحاجة:


    من اين تنشأ الحاجة الى الامن؟ ولماذا يبحث الطفل عن هذا الأمر لنفسه؟ الجواب على هذه التساؤلات، يقولون أنه ناجم عن الميل لنوع من الاشباع العاطفي الذي يضار الى تأمينه في مرحلة الطفولة عن طريق الابوين.
    ويقول العلماء ان مفهوم الامن يستند بشكل اكبر على اساس الثبات العاطفي القابل للتخمين ويمثل في الحقيقة نوعاً من المخالفة للمخاطرة الكامن لدى جميع افراد البشر، والطفل قلق مما سيحدث له وماذا سيجري عليه. ان الحاجة الى المحافظة عليه ومطالبته لان يحظى بالتوازن تعد من

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 281

    مظاهر هذه الحاجة.
    ان حاجة الانسان الى ان يحظى بالاطمئنان والاستقرار ويصبح بامكانه الوقوف بروحية ثابتة امام اي مشكلة تواجهه ويتجنب عوامل الاضطراب، ويحافظ على وضعه الموجود ويطمئن الى ان مستقبله أيضاً مؤمن، كل ذلك يعد حاجة فطرية لكل انسان وتبقى هذه الحاجة موجودة فيه لفترات طويلة.
    محاولات الاطفال في هذا المجال:


    الحاجة الى الامن تدفع الاطفال للبحث عن ملجأ آمن وتحملهم على ابعاد انفسهم عن المخاطر دائماً وان يكونوا في صدد الكشف عن الجوانب الدفاعية فيهم. حتى ان الطفل في جانب تأمين الأمن يسعى الى وضع يديه على عينيه لكي لا يشاهد المشاهد المرعبة والمخيفة، ويسعى أيضاً ان يبعد نفسه عن العوامل المخيفة ويجنب نفسه مخاطر التشاجر والنزاع.
    أحياناً يتجلى الأمن بصورة جمع الاموال والغذاء، وتلاحظون هذا الامر بصورة متعددة في الانسان والحيوان، وفي الصغير والكبير. وكل كائن يوفر الأمن لنفسه بشكل معين، فالبعض عن طريق الهروب، ومجموعة اخرى عن طريق الاختفاء، واخرى عن طريق الانتساب للآخرين.
    ان تأكيد الاطفال على عدم فقدان محبة الابوين لهم يمثل بحد ذاته احدى مظاهر البحث عن الامن من قبلهم، كما ان قيام الفرد حين المرض

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 282

    بالاتكال على الآخرين اكثر وحتى اللجوء الى الدواء والعلاج هو الآخر مظهر آخر لهذه الحاجة. ويحرص الاطفال دائماً الى طاعة أوامر الابوين لكي يكسبوا ثقتهم. ويعيشوا حياةً سليمة ويبعدون انفسهم عن منطقة الخطر وهذا مظهر آخر لتلك الحاجة.
    وتظهر الحاجة الى الأمن في بعض الموارد بشكل لا شعوري، وكأنها جزء من وجودنا وكياننا.
    ان مطالبة الطفل لابويه لان يعيشا معاً بانسجام وأنس يعبر بحد ذاته عن هذه الحاجة وانهم يريدون في الحقيقة ان يبقى ملاذهم سالماً، ويتمكن الابوين باطمئنان وراحة بال ان يعملا على توفير أمنه.
    ضرورة وأهمية ذلك:


    الحاجة الى الامن ملازمة للانسان في جميع مراحل العمر من الطفولة وحتى آخر العمر، إلا انه اشد في مرحلتي الطفولة والبلوغ، والى الحد الذي لا يسعه ان يشاهد الاوضاع المضطربة بل وحتى يريد ان يبقى بعيداً عن التصورات والتخيلات المضرة والمزعجة.
    ان ميل الاطفال الصغار الى العيش الدائم الى جوار الام، والى الحياة الجماعية بالنسبة لغيرهم يمثل احدى مظاهر هذا الأمر. حيث يمثل الامن بالنسبة للطفل ومن جهات مختلفة ضرورة لحياته، وعامل مهم في الصحة النفسية له. واعتبر كذلك ضرورة لنموه وازالة الخوف والانزعاج والقلق والعصبية عنه، والتي تؤدي كلها الى توقف مسيرة النمو لديه.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 283


    يجب ان ينعم الطفل براحة البال والاطمئنان ليتمكن من مواصلة العيش ويسعى الى تأمين جزء من احتياجاته شخصياً. كما يجب ان يتوفر له الامن ليشعر بأنه سالم وبوسعه ان لا يبالي امام بعض المخاطر والكوارث.
    مخاطر فقدانه:


    ان حرمان الطفل من الأمن أو سلبه منه يحمل مخاطر واضرار كثيرة للطفل ومنها أنه:
    يسلب الطفل القدرة على الانسجام مع المجتمع، ويجعله غير آبهاً بالحياة والمسائل المتعلقة بها، ويخلق له الاحقاد والعداوة في علاقاته الاجتماعية، ويصبح سبباً لهروبه من الجماعة ويجر الفرد الى الانزواء والوحدة.
    ان فقدان الأمن يتسبب في ايجاد الفزع والاضطراب لدى جميع الافراد وبخاصة الاطفال، ويولد لدى الطفل شعوراً غير مطلوباً إذ يعتقد على اثره بأنه أخ بفقد كل شيء.
    فقدان الامن هو السبب في ظهور الخلل في السلوك. ويولد اضطرابات كثيرة في الحياة، إذ يولد الاضطراب في العمل والمعيشة، حتى انه يجعل نوم الفرد مضطرباً ويتسبب في ان يعاني من القلق وعدم الاستقرار.
    فوائده للطفل:


    وأما الطفل بماذا يستفيد من الأمن هنا، لابد من القول انه السبب في

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 284

    ايجاد فوائد وآثار كثيرة، إذ تم استعراض جزء منها ضمن بيان الضرورات وأهميته والآن نضيف بأن الامن للطفل:
  • يمثل عامل النمو، بما في ذلك النمو البدني والنمو الذهني والنمو النفسي، وبعبارة اخرى فالطفل الذي يفتقد الى الامن لن ينمو في مختلف الجوانب.
  • عامل لامتلاك النظرة الايجابية تجاه الحياة، بحيث انه ينظر الى الحياة بنظرة اكثر انفتاحاً، وينظر لها بنظرة الأمل والسرور واكثر فرحاً من غيره.
  • عامل للجرأة والاقدام على الحركة والتطور. وعندما يشعر الطفل بالأمن امام الامور والاحداث فانه سيندفع الى مواجهتها بجرأة وقدرة أكثر، ولا يبدي من نفسه البرود واليأس في حركته هذه.
    مساحة وحد هذه الحاجة:


    بخصوص مساحة هذا الأمن لابد من القول بانها واسعة جداً ، وتشمل جميع المجالات وابعاد الحياة بما في ذلك الامن الشخصي والمالي، والعاطفي، والنفسي، و... الخ.
    فالطفل بحاجة الى ان يشعر بالامن بخصوص غذائه، ويبقى جسمه بعيداً عن الاخطار، وان يحظى بالأمن الفكري. وان لا يشعر بالخطر وسط الجماعة و...
    وبخصوص حدوده لابد من القول انه بالحد الذي يريد معه الطفل ان يبقى ملتصقاً بوالدته أو على الأقل ان يكون في حضنها، ويضع يده في يدها،

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 285

    وينام في غرفة يجد والدته فيها الى جانبه، وتحتضنه والدته في حضنها عند القيام بارضاعه، وتقربه منها اكثر فاكثر.
    ان حدود هذا الأمن يجب ان تكون بالحد الذي تزول معه بقايا الخوف لمرحلة طفولته، وان يشعر بأن ماضيه لم يعد له وجود، ولا يحتاج الى مراقبته وحمايته. ويجب ان يشعر بأنه في محيط آمن وهاديء تماماً، ويحظى بالهدوء والسكينة اللازمين، ولا وجود لعدم الاطمئنان وفقدان التوازن في حياته.

    شرائط أمن الطفل:


    يرتبط أمن الطفل ببعض الشروط والعوامل، واهمها ما يلي:
  • الحماية والمراقبة الخارجية للطفل بحيث يجد ان هناك أباً واماً يقفان الى جانبه ويدافعان عنه.
  • تأمين احتياجاته الاساسية ، وبالشكل الذي اما يصار فيه الى تأمين احتياجاته أو على الأقل تكون الدلائل لعدم تأمينها مقنعة له.
  • ان يكون مقبولاً في محيط العائلة وللأبوين، بحيث يشعران بالفخر والاعتزاز بسببه.
  • استقرار وثبات الارضية والشروط اللازمة لنموه، بحيث يتسنى له ان يعرف ماذا يجب ان يفعل، ومن أي الموارد يجب ان يتهرب.
  • القدرة على كسب ثقة الابوين واعتمادها، بحيث لو احتاج اليها لنجدته يجدهما الى جانبه.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 286


    كيفية عمل الابوين:


    وأما كيف يجب ان يتصرف الأبوين في تأمين أمنه، الجواب انه يجب عليهم ان يستفيدوا من الاساليب المتعددة والشاملة، واهمها ما يلي:
    1 ـ العمل على خلق العلاقات الوشيجة مع الطفل، بحيث يصبح بمقدور الطفل ان ينظم علاقاته في ظلها، تتوفر له فرصة مؤاتية ليتدارس وضعيته من خلالها، ويعمل على توفير المجال المساعد على مطابقة نفسه وترافقها مع ظروف الحياة.
    2 ـ الاطمئنان الى محبة الأبوين له، بمعنى ان يطمئن الى ان ابويه يحبانه ومستعدان للتضحية والايثار في سبيله. كما يجب ان يطمئن الى انهم يحسبون له أهمية خاصة ويشعران بالفخر والاعتزاز من امتلاكهم اياه.
    3 ـ المعاملة المرحلة مع الطفل، بحيث يشعر بأنه قريب منها وان ترتسم على سيماهم ابتسامة عريضة عند اللقاء به. ويتجنبوا كثرة الحديث عن آلامهم ومعاناتهم، ويقللوا شكواهم من ظروف الحياة الصعبة.
    4 ـ الاهتمام بالطفل، بمعنى الاهتمام بتصرفات الطفل اللطيفة، والاهتمام بتشجيعه والثناء عليه عند الضرورة، وكذلك ملاطفته، ولو تكلم بشيء فيجب الاهتمام بحديثه وعندما يصدر عنه الآه والشكوى يسارعون الى مواساته والتعاطف معه.
    5 ـ التمهيد لنجاحه بأن يقوموا أحياناً بخلق الاجواء المناسبة، لكي ينجح في اداء أمر ما، ويشعر بالفرح والسرور لهذا النجاح الذي حققه. ويعتقد بأنه من الممكن ان يصبح سبباً لنشوء أثر أو عمل معين. وبوسعه ان يلفت انظار

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 287

    الآخرين إليه، ويستنهض ثناء والديه نحوه.
    6 ـ عدم تركه وحيداً اثناء النوم واليقظة. حتى انه لا ينبغي لهم ان يتركوا الطفل الصغير ينام وحيداً في غرفة مستقلة، بل يجب ان ينام الطفل في مكان بحيث متى ما نادى على والدته فسرعان ما يجدها الى جانبه أو الوحدة.
    7 ـ ايواء الطفل وخاصة عند شعوره بالخوف والاضطراب، وعندما يستهدف الاطفال خطراً ما، أو عندما يريد ان يعاقبه فرد ما أو يكون هارباً من معركة معينة ويبحث عن ملاذ. كما يجب اثناء النوم ان يكون في مكان هاديء وآمن.
    8 ـ تحمل الطفل، بمعنى ان يكون الطفل مطمئناً انه لو ارتكب ذات يوم خطأ ما فأن أبوبه سيتحملانه ولا يطردانه. وان كانا غير راضيين عن عمله فانهما لن يخرجاه من البيت، ويجعلان البيت محلاً آمناً له بحيث يشعر فيه بالسكينة.
    9 ـ اعتبار الطفل مالكاً، بمعنى ان يشعر الطفل بأن كل ما هو نتيجة لجهوده وفكره متعلق به، وان ابويه والآخرين لا يسلبون ذلك منه، أوانهم لا يجعلونه في زاوية الملاحظات والمفروضات، لكي يضع كل ما هو حاصل نتيجة لجهوده بين يدي الآخرين.
    10 ـ عدم الاهتزار أمام كوارث الحياة، وخاصة الحياة العائلية، إذ يجب ان يطمئن الى انه ليس في مواجهة نزاعات أبويه، وانهم له يلجأوا مطلقاً الى خلق اجواء فقدان الامن، ولن يثيروا المنازعات بحيث

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 288

    يقلبوا أمنه خوفاً.
    مسألة خوف الاطفال:

    من العوامل المؤثرة جداً في تحطيم أمن الاطفال هي مسألة خوف الاطفال التي تربك الطفل أحياناً وتنخر فكره وذهنه. انه بحاجة الى ان يكون في مأمن من حالات الخوف، ويبتعد عن أي شكل من مشاعر التقصير والذنب وان لا يتمكن أي امر أو مسألة من تعريض أمنه للخطر.
    وتتغلب على الطفل أحياناً حالات متعددة من الخوف، مثل الخوف من العقاب والخوف من فقدان المكانة الاجتماعية، والخوف من فقدانه محبة أبويه، والخوف من ان يستخدم أبويه أو الآخرين القوة معه أو يحاولون بشكل أو آخر ان يلحقوا الضرر به.
    وعندما يلد طفل جديد الى الدنيا يتغلب الخوف على الطفل، لئلا يستهدفه خطر ما، ويعرض استقراره وسلامته للخطر، ولئلا يفقد وضعه الطبيعي ويفشل في حياته. أو ان يرتكب عملاً وما ويؤجج غضب وحنق ابويه عليه ويتعرض وضعه المستقر الى الخطر.
    ان موقف والديه يتمثل في ابقائه بعيداً عن المخاطر والاضرار، ويفهموه بأن فزعه وقلقه لا مبرر لهما، ولا ينبغي له ان يفقد زمام الامور من يده. وعلى الابوين ان يواسوه في مواجهة المخاطر والاحداث ويعملوا على تطييب خاطره، وفيما لو رأى الطفل حلماً مزعجاً يجب ان نهتم بتهدئه وننقذه من حالته المتأزمة. وبشكل عام لو كانت خطوات الأبوين منظمة وهادئة امام الحوادث والاخطار فانها تصبح السبب في اضفاء الأمن والهدوء على الطفل.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 289

    وقد يلجأ الطفل الى الصراخ والعويل لو جرح، في هذه الحالة يجب علينا ان نتكفل بتهدئته، ونطمئنه الى ان الامر بسيط جداً.

    الأمن والانضباط:


    ان القول بأن الطفل بحاجة الى الامن امر مفروغ منه، ولا مجال لمناقشته، وكون الطفل محتاج الى الانضباط، هو الآخر لا يحتاج الى نقاش ولا اشكال فيه. وفي ظاهر الحال يبدو ان تلقين هاتين المسألتين امر متضاد في حين اننا لا نرى الامر كذلك.
    ولابد للمقررات والضوابط ان تتحكم بالسلوكيات ولا بد لموازين العائلة ان تكون محل اهتمام الطفل وان يعمل بها لكي تتهيىء له موجبات نموه. ولكن تطبيق هذا الانضباط لا يستلزم ان يتم بصورة فضة ومتشددة، بل يجب ان يلقن لهم بلهجة الاطفال بأن هذه الامور ضرورية لتحقيق الحياء السليمة.
    ومن ناحية اخرى يمثل الأب عامل العدل والانضباط في العائلة، وتمثل الام عامل المحبة والحنان. فلو لجأ الاب أحياناً الى استخدام القوى على الام، فعليها ان تعمل على ايجاد حالة التوازن في المنزل، وذلك بابداء محبتها وحنانها، لكي تتحقق للطفل فيما بعد المودة والمحبة.
    نعم، فالطفل الذي يتعرض للخشونة والضغط في محيط العائلة يجب ان يحظى بعاطفة الامومة بشكل أكبر، ويتخلص من عدم الاستقرار والاضطراب النفسي، إذ تلاحظون هنا ان دور الام مهم جداً.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 290


    العوامل الخطرة على الامن:


    ما اكثر العوامل الخطرة على امن الطفل، وبامكاننا ان نشير الى موارد كثيرة في هذا المجال، إلا ان ذكرها جميعاً في هذا البحث لا يتيسر لنا. وما يمكن ذكره باختصار ما يلي:
    1 ـ مشاجرات الأبوين ومجادلاتهم ومنازعاتهم التي تساعد على جعل الاطفال فزعين.
    2 ـ عدم ثبات الوضع الاخلاقي للأبوين، بحيث لا يعرف الطفل كيف يتخذ موقفاً امام الامور والمسائل.
    3 ـ كثرة غياب الأب أو الام عن محيط البيت، بحيث لا يحظى الطفل بالحد الكافي من محبتهم وانضباطهم.
    4 ـ التضاد الفكري والاختلاف بين اعضاء العائلة، بحيث ان كلاً منهم يصدر امراً بشكل معين، ويبقى الطفل متحيراً في اختيار سبيله.
    5 ـ طلاق وانفصال الأبوين وترك الطفل لحاله أو ايداعه بيد شخص ما لا يشعر الطفل بالانسجام الكافي معه.
    6 ـ شدة الازدحام في المكان المقرر لاستراحة الطفل ومحل نومه، والذي يؤدي الى اتسامه بالعصبية وعدم الاتزان.
    7 ـ وجود البرود وفقدان المحبة في محيط العائلة ولأي سبب كان.
    8 ـ المقارنات وحالات الطعن والتمييز التي تساعد على اصابة الطفل بالاضراب النفسي والذهني.
    9 ـ زج الطفل وجعله في موقف المنافسة، بحيث يشعر الطفل

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 291

    بالاحراج وبأنه غير قادر على الايفاء بذلك.
    10 ـ فرض الحرمان على الطفل من حيث المأكل والملبس والمعيشة في حين لا يمكن تبرير ذلك للطفل.
    بعض الملاحظات المهمة:


    وفي ختام هذا البحث من ضروري ان نشير الى عدة ملاحظات بهذا الصدد:
    1 ـ على الآباء والامهات ان يتصرفوا بشكل لا تنحصر معه مسألة أمن الطفل بهم، وان لا ينبري أياً منهما (الأب أو الام) بتعريف نفسه على انه عامل الامن بمفرده.
    2 ـ يجب ان لا يتعرض الطفل في البيت الى قوانين وأوامر ونواهي الأخ أو الاخت الأكبر أو غيرهم. وان يكون مركز الأمن متمثلاً بشخص واحد، وليس بعدة اشخاص.
    3 ـ يجب الامتناع عن انقاد وتحقير الطفل، إلا عندما يكون ذلك مقروناً بالمودة وحب الخير.
    4 ـ يجب ان تبدأ ضوابط واصول الأمن من محيط البيت، وتنسحب الى خارجه وفي كل الاحوال يجب ان يكون البيت محلاً آمناً.
    5 ـ يجب ان نحرص دائماً على ابعاد الطفل عن الخوف والغم واليأس لانه مؤثر في سلامته النفسية.
    6 ـ حاولوا ان تجعلوا الطفل يشعر بوجود العوامل المساعدة على كسب رضا الابوين في البيت.

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 292

    7 ـ عند ولادة الطفل الثاني لقنوا الطفل الأول بأنه يحتاج الى عناية فائقة ومزيد من الرعاية ولا يعود هذا الاهتمام الزائد إلا بسبب ضعفه.
    8 ـ ان لم يتمتع الطفل بالأمن الكافي في محيط البيت فان مسؤولية أولياء المدرسة في تأمين ستكون أثقل.

    * * *




  • السابق السابق الفهرس التالي التالي