الأسرة ومتطلبات الأطفال 105


الفصل الرابع


الحاجة الى الملبس

المقدمة


تعتبر الملابس احدى احتياجات الانسان المهمة ، إذ لها دور أساسي في سلامته وسقمه ، نموه وركوده ، بل وحتى في شرفه ونجاسته وتلوثه ، وتلعب الملابس في السنين الاولى من حياة الطفل دور المحافظ والواقي للجسم من البرودة والحرارة فقط ، ولكن في السنين التالية للسنة الثالثة من العمر يصبح الملبس وسيلة لابراز الذوق ، والشعور باللذة ، وارائه الشخصية .
وسنبحث في هذا الفصل مسألة حاجة الطفل الى الملبس ، والاصول الواجب اتباعها في تأمين هذا الاحتياج ، ونتناول أبعاد هذه المسألة بشكل مختصر .


الأسرة ومتطلبات الأطفال 106

فوائد الملابس :


لا بأس ان نستعرض ابتداءً فوائد الملابس والهدف من توفيرها واعدادها ، إذ نرتدي الملابس لكي :
  • تحافظ على ابداننا من الحرارة والبرودة ، وتقيها من دخول العوامل الضارة .
  • لتستر العورة وتغطي العيوب .
  • تصبح مظهراً من مظاهر الوقار والشعور بالشخصية وتضفي جمالاً آخر على جمالنا ووقارنا .
  • تقي اجسامنا من المخاطر والضربات ، وتؤمن الحرارة اللازمة والمناسبة .
  • كما يمكن للملابس أحياناً ان تكون مفصحة عن شخصية الانسان من حيث جنسه وهويته ووطنه ، وتعرفنا للآخرين من أي مجتمع أو بلد نحن ، وما هي تقاليدنا وعاداتنا . وبعبارة اخرى فان الملبس يعتبر عامل للتعارف والتآلف .
    أهمية الملبس :


    الملبس مهم للانسان ، ليس لانه عامل للاحساس بالوقار ، والهدوء والنظم والنظافة والأدب فحسب بل لأن صحتنا أو سقمنا مرهون به غالباً ، وما هو أكثر المرضى الذين تعرضوا للاصابة بالمرض بسبب عدم مراعاتهم الاصول الصحيحة في ارتداء الملابس المناسبة وفي حالة مراعاتهم ذلك يصونون انفسهم من الاصابة ، وكلنا يعلم ان ارتداء الملابس الرديئة والقذرة ، وعدم ارتداء الاحذية أو غيرها ، والتردد بشكل عاري كلها تعد من مسببات الامراض المتعددة .

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 107

    وبغض النظر عن كل ما تقدم فان الملابس يمكن ان تكون سبباً للانحراف وتهيئ الأرضية المناسبة لانواع الانحاد والسقوط ، وسنتناول في بحثنا هذا كيف يمكن ان تهيئ الملابس الارضية الملائمة لبعض انواع الانحرافات ومنها الانحراف الجنسي .
    مشاعر الطفل تجاه الملبس :


    ان ارتداء الملابس المناسبة والمزركشة والجميلة المقبولة تمنح الطفل شعوراً مناسباً وقيماً بحيث يشعر بالغرور واللذة بسبب طراوتها ولونها ولطافتها ، وتجدر الاشارة الى ان الطفل وفيما يتعلق بمسألة الملابس يسيطر عليه هذا التصور وهو ان لم يرتد الملابس المناسبة فانه سيمرض ، وان لم يرتد الاحذية سينزعج ويتأذى ، ولكنه سيشعر فيما بعد بتولد علاقة معينة بين شخصيته والملابس .
    ان الطفل ومن خلال ارتادئه ملابس معينة يحاول أحياناً أن يشبه نفسه بوالده أو والدته أو ان يظهر بهيئة الآخرين ، وقد يكون هذا الأمر في ظاهره بسيطاً وليس جديراً بالبحث والدراسة ، ولكن نفس هذا الأمر البسيط سيصبح عاملاً مساعداً على خلق حالة الغرور والثقة بالنفس لدى الطفل وتجعله مسروراً .
    الملبس والسن :


    لابد من اعداد الملابس بما يتناسب مع السن ، ويوصي الاسلام بان تكون الملابس بيضاء اللون لحد السنة الثالثة من العمر ، لكي تتوضح من خلالها نسبة التلوث والأوساخ ليكون هذا الأمر انذار للوالدين لغرض

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 108

    بذل مساعيهم في المحافظة على النظافة وتأمين السلامة بمساعدة ابنائهم (مفهوم حديث عن الامام موسى الكاظم عليه السلام في الصفحة 118 من كتاب مكارم الاخلاق) .
    إذن من الضروري الاهتمام بالملابس الملونة بعد هذه السن ليشعر الطفل باللذة والغرور ، والمعلوم لدينا ان عمر الثلاث سنوات ، هو عمر بروز الشخصية ، ويصبح الطفل متحسساً لوضعه وحالته ، ومن جهة اخرى فقد اطلقوا على هذا السن ، سن ظهور حب الجمال ، والسبب في ذلك يعود الى ان الطفل يتجه نحو الاهتمام بالجمال والابتعاد عن القبائح والحماقات ، ومن هذا المنطلق ينبغي تهيئة الملابس التي ترضي ذوق الطفل في نفس الوقت الذي تقيه من البرودة والحرارة والمرض .
    الملبس والجنس :


    يمكن ان تكون الملابس في السنوات الثلاثة الاولى من العمر عادة متشابهة للاولاد والبنات على حد سواء ولكن بحدود السنة الثالثة فما فوق وهو عمر ظهور الشخصية لدى الطفل ينبغي القيام تدريجياً بجعل ملابس الطفل متناسبة مع جنسه ، ويجب بهذ الصدد مراعاة الجوانب المتعلقة بالحجاب وظروف وضوابظ المجتمع واخذها بنظر الاعتبار .
    وقد أوضحت التجارب ان عدم مراعاة الاصول والضوابط في هذا المجال ستخلق فيما بعد مصاعب جمة امام اسرة الطفل الى الحد الذي ستشعر معه بالثقل والاحراج .
    ان عدم التزام الوالدين في اختيار نوعية الملابس للاطفال ستترك آثاراً وخيمة في المستقبل الى الحد الذي لوحظ معه أحياناً ان البنات غير

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 109

    مستعدات لارتداء الخمار أو العباءة أو أن يرتدين الملابس التي تتناسب مع ضوابط وظروف المجتمع .
    عدد الملابس :


    لا شك في ان ملابس الطفل متعددة وتشمل القميص ، والملابس الداخلية ، والخرق ، والسروال البلاستيكي والملابس الخارجية ، بيد أن المهم في ذلك هو عددها وأنواعها ، وكلما كانت الملابس الخاصة بالطفل أكثر فذلك أفضل ، ذلك ان الامهات سيصبح بمقدورهن على أثر ذلك تبديل الملابس بشكل أسرع ، وتهتم بالتالي بنظافة الطفل بشكل افضل .
    كما يجب مراعاة نوع الفصل والبرودة والحرارة في مسألة تعدد وتنوع الملابس أيضاً ، فالملابس الدافئة للأماكن الباردة في فصل الشتاء ، واختيار الملابس الملائمة للاماكن الحارة في فصل الصيف ، ويجب ان تكون الملابس الشتوية طويلة خاصة اثناء النوم ، لكي لا يستبرد الطفل فيما لو كشف عنه غطاؤه ، وعلى اي حال فان الملابس تدفع الطفل الى التأقلم مع المحيط ، كما يجب ان تكون ملابس الطفل اثناء الصيف بالشكل الذي تقي فيه بشرة الطفل امام اشعة الشمس وان تكون افتح لوناً وأرطب .
    نوعية الملابس :


    لقد أوصى الأئمة عليهم السلام بأن تكون الملابس قطنية ، وليس من الصوف أو الشعر ، إلا لسبب خاص ، إذ قال الامام الصادق عليه السلام : «ان القطن كان لباس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم» (المكارم ج 1 ص 118) كما أن غسلها لغرض سلامة الطفل أسهل وأسرع .

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 110

    ان نوعية الملابس الداخلية لا ينبغي ان تكون كثيرة الخشونة أو ناعمة جداً لانه لوحظ في أحيان كثيرة ان هذا الأمر يصبح سبباً في بعض الانحرافات ، ويجب ان لا تكون من النايلون ، والذي يتبلل ويصبح خشناً عند تعرق الطفل اثناء الركض والحركة ويكون سبباً لتلك الأعراض .
    كما ان بعض الملابس لها خصوصية معينة وهي اشتعالها عند تعرضها للحرارة فلو تعرض الطفل ـ لا سمح الله ـ الى خطر معين فانه سيترك آثاراً خطيرة لا يمكن معالجتها .
    ملائمة الملابس :


    هناك عدة ملاحظات في هذا المجال تستحق الذكر ، احدها تجب مراعاة الآداب والسنن وثقافة المجتمع الاسلامي في ارتداء الطفل لملابسه ، واخذها بعين الاعتبار ، في الوقت الذي تعتبر فيه الملابس ليست سوى وسيلة للمحافظة على الجسم من البرودة والحرارة والمخاطر الاخرى .
    والاخرى ان الملابس غير المناسبة تساعد أحياناً على تهيئة الارضية الملائمة لافساد نفس الفرد أو الآخرين ، فمثلاً تسبب في تهييجه أو تهييج غيره وتترك آثاراً وخيمة نتيجة لذلك ، وبناءً على ذلك فان الملابس في الاسلام يجب ان تكون متفقة مع العرف السائد ، وتعطي الفرد القابلية على المساهمة والمشاركة في النشاط الاجتماعي .
    ومن جهة ثالثة فان الملابس الضيقة والملتصقة بالجسم تحول دون النمو ولا يمتلك الطفل من جرائها القدرة على تحريك اعضائه فيها أو ان يحصل بواسطتها على عوامل راحته واستقراره ، لذا يجب اخذ هذه الملاحظة بعين الاعتبار وهي ان الملابس تعد جزءً من شؤون الحياة ، ويجب ان يشعر الطفل

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 111

    بالارتياح عند ارتدائها .

    اختيار الملابس :


    طالما ان الطفل صغير فلا يبدي وجهة نظره أو رأيه في اختيار الملابس ، ويبدأ الاطفال بالتحسس بنوع ولون الملابس بحدود السنة الثالثة من العمر فما فوق بشكل تدريجي ويرغبون في تنفيذ بعض أذواقهم في هذا الصدد ، ومن الضروري حسب رأينا اعتبار ذوق الطفل في هذا المجال .
    ويجب ان يكون لون الملابس وجماليتها بشكل يرضي ذوق الطفل وينميه ولا يجوز بهذا الصدد ان يهتم الوالدين بالملابس الانيقة والموضة فقط وان يسرفوا في التأكيد على ذلك ، المهم هو مراعاة ذوق الطفل ، ان قطعة ملابس بلون معين يقبلها الطفل بنفسه ، ستجعل الطفل يشعر بسرور بالغ وتشبع رغبته في حب الجمال والاناقة .
    وبحدود السنوات 11 ـ 13 على التوالي تتجلى لدى البنات والأولاد الرغبة والميل الى الاناقة بحيث يريدون الظهور بشكل اجمل ويشبعون غرورهم واعتدادهم بانفسهم .
    ولا اشكال في المراعاة النسبية والمتوازنة لهذا الأمر بشرط ان لا ينجر الأمر الى الافراط ، فمثلاً اعرضوا عليهم 3 أو 4 أنواع من الملابس في احدى المحلات التجارية وخيروا الطفل في اختيار اداها .
    الملابس والتمرن على الاستقلال :


    بامكان الملابس ان تصبح عاملاً مساعداً ومجالاً مناسباً للتمرن على الاستقلال ، ويمكن تحقيق هذا الأمر بطرق مختلفة .

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 112

  • منها عن طريق اختيار الملابس ، بتخييره في انتخاب واحدة من بين عدة انواع .
  • عن طريق ارتداء الملابس ، وخاصة للاطفال الذين يصرون على ارتداء الملابس بحدود السنة الثالثة من العمر فما فوق .
  • تمرين الادراك المستقل خاصة وان عملية ارتداء الملابس تعد من كثر الاعمال تكاملاً لانه يستلزم الاستعانة بالكثير من الادراكات الاخرى .
  • أحياناً يكون الشعور بالاستقلال في بعد الشخصية ، إذ انه سيدرك سريعاً ما هي الملابس العائدة له ؟ وكيف ينبغي المحافظة عليها ؟
    خصائص ملابس الطفل :


    ان ملابس الطفل يجب ان تتوفر فيها خصائص معينة أهمها ما يلي :
  • يجب ان لا تكون ملابس الطفل ضيقة جداً أو عريضة جداً ، لانها تعرقل حركة الطفل ونشاطه ، بل وحتى من الممكن ان تساعد على الحاق مخاطر معينة به .
  • يجب ان تكون الملابس الداخلية قطنية لتكون خفيفة ومريحة ولا تساعد أيضاً على خلق الاجواء المناسبة للتهييج .
  • يجب ان تكون الملابس نظيفة وقابلة للتنظيف والغسل أيضاً وخاصة بالنسبة للاطفال في السنوات الثلاثة الاولى ينبغي ان تكون بيضاء اللون لتظهر عليها الاوساخ .
  • يجب ان تؤمن الملابس الحرارة اللازمة للجسم .
  • الملابس الداخلية يجب ان لا تكون ناعمة كثيراً أو خشنة كثيراً ، إذ ان

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 113

    الأمرين هما أساس الانحراف .
  • يجب ان لا تكون الملابس ثقيلة جداً ، لانها تولد التعب غير المبرر وتقيد الحركة .
  • يجب ان تكون الملابس بشكل يسهل فضها وان تعرض لخطر ما كالحريق مثلاً يمكن انقاذه بسرعة .
  • يجب ان تكون الملابس بسيطة ، أما ان تكون كذا وكذا فذلك يرضي ذوق الوالدين وليس الطفل .
  • يجب ان تتسم الملابس بطابع الوقار وبامكانها التعبير عن حالة وذوق العائلة .
  • استخدام البطانية الصوفية لنوم الطفل مناسب ويعتبر نوعاً من الملبس ، خصوصاً عندما تكون اطرافها تحت الفراش لئلا يبرد ، وان يعيق هذا الغطاء الرطوبة عليه ان يكون مرور الهواء خلالها ممكن وميسر . إن وضع الطفل في كيس النوم غير مناسب كثيراً إلا في الأماكن الجيدة وفي الجو البارد .
    مسألة أحذية الاطفال :


    حذاء الطفل من حيث الاهمية لا يقل عن اهمية الملابس حتى ان الكثير من الأمراض المرتبطة بالصداع والعين وغيرها تتعلق بحذاء الافراد ، والانخفاض أو ارتفاع الكعب دور اساسي في هذا الأمر ، وكذا الحال بالنسبة لضيق أو كبر حجم الحذاء حيث أن لهما أثر بهذا الصدد أيضاً .
    يجب ان يكون الحذاء خفيفاً ومريحاً ، ومن الافضل ان يكون مصنوعاً

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 114

    من القماش واكبر بحجم واحد بالنسبة للاطفال الصغار ، ولا يحتاج الطفل الى ارتداء الحذاء والجورب في الغرفة ذلك انه يدعو للمضايقة كما انه يجب ان يكون هناك فرق بين محيط الغرفة والمحيط الخارج عن الغرفة أو البيت ، وفي كل الاحوال يجب ان يكون الحذاء بشكل يسهل معه على الطفل ان يمشي بسهولة ، وعند اللزوم يمكنه الركض بعد شد الحذاء وضبطه .
    يلجأ الاطفال أحياناً الى ارتداء ملابس الكبار ويتجولون بها ويعتبر هذا الأمر نوعاً من اللعب وعامل تنويع ، ولكن لا ينبغي ان يحصل هذا الأمر بالنسبة للحذاء ، لان الحذاء الكبير والكعب المرتفع ، أو الملابس الطويلة التي تخط على الارض تشكل خطورة على الطفل خاصة اذا رام ارتقاء السلم ، وعلى الوالدين ان يكونوا حذرين جداً من هذه الامور .

    * * *



    الأسرة ومتطلبات الأطفال 115


    الفصل الخامس


    الحاجة الى اللعب والحركة

    المقدمة


    تعتبر الحاجة الى الحركة والنشاط من الاحتياجات الاساسية للفرد وخاصة للاطفال ، ولهذا الأمر دور فعال ومتميز فيما يتعلق بالنمو الجسمي وسلامة البدن والروح ، ومعرفة النفس ، وتربية النفس وحيويتها وكذلك في تعلم سبل العيش والحياة والضوابط الاجتماعية .
    واللعب يمثل حالة من النشاط والتحرك ، إلا انه يعد أمراً ضرورياً جداً ومفرحاً للطفل ، حتى ان الطفل يخصص قسماً كبيراً من أوقات عمره لهذا الأمر ولا يكف عن اللعب مطلقاً مهما كان متعباً بل وحتى إذا تعرض للاصابة أحياناً ، وفي نفس الوقت الذي يتعرض فيه للاصابة يستمتع باللعب بالرغم من عدم وجود أي اجبار من الوالدين على ممارسة اللعب من قبل الطفل .


    الأسرة ومتطلبات الأطفال 116

    أساسه ومنشأه :


    ما هو اساس ومنشأ اللعب ولماذا يمارسه الطفل بكل رغبة وشوق ؟
    لغرض الاجابة على هذه التساؤلات هناك عدة اجوبة ذكرت في هذا المجال :
  • ذكر البعض ان الفطرة والغريزة هما اساس ذلك ، واعتبروه من أهم اسباب النمو والتكامل ، وقد حمل علماء النفس اهتمام الطفل بدميته على انه دليل على الامومة ويضعون لذلك بعداً نفسياً يبعث على هذا الأمر ، وفي هذا الصدد فان مجموعة اخرى تذكر اللعب على انه تكرار لتجارب الاسلاف الوراثية ، ويرون بان الطفل يطوي تلك المراحل تلقائياً ، وان هذا الأمر قد تبلور قبل الولادة وذو ابعاد حيوانية .
  • وينظر إليه البعض الآخر على انه أمر تعليمي ، وانه ناشيء عن نوع من الفهم للفعل والانفعالات المتعلقة بهذا العالم المادي ، حيث يوجه الطفل اهتمامه لذلك لكي يظهر قدراته ويصل الى مرحلة النمو والاستقلال ، ويرى البعض الآخر ان اللعب يمثل مرآة تعكس الآمال والرغبات والميول الطفولية .
    وأخيراً هناك من يرى ان اساس اللعب ناجم عن تراكم وازدياد الطاقات في الطفل ، ويقولون بان هدفه يتمثل باستهلاك وتقليل هذه الطاقات ، انه يسعى ويجتهد ويتعب ، ويستهلك الطاقة الفائضة الناتجة عن تناول وهضم الطعام .
    أهمية اللعب :


    اللعب مهم جداً بالنسبة للطفل ، انه عامل مساعد للفعاليات البدنية ، والعقلية والاجتماعية وكذلك من أجل سلامته ، والطفل السليم ليس بوسعه

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 117

    الامتناع عن اللعب ، انه يلجأ الى القيام بأي عمل أو جهد لغرض ممارسة اللعب ، ولا يقر له قرار ، ويسعى الى جعل مكانه واسعاً .
    ان الكثير من الآلام الطفل وتفاوت سلوكياته يمكن تسكينها بواسطة اللعب ، وينال الطفل على أثر ذلك الهدوء والسكينة ، انه يتحين الفرصة للاعراب عن أحاسيسه من خلال اللعب وعلى سبيل المثال فانه يعرب عن غضبه من خلال رمي الدمية على الأرض بقوة .
    اللعب والحركة من عوامل الاطمئنان ، وعلى اثر ذلك يعيش الاطفال في محيط آمن ومأنوس ، ويحظى هذا الأمر بأهمية بالغة لدى الطفل حتى كأن روحه وجسمه يطلبان المزيد من اللعب لتزيل آثار الاضطرابات وعوامل التشويش والخوف والتنفر واليأس وتمنح الطفل نشاطاً متجدداً ، ومن هذا المنطلق فلو تهرب الطفل من اللعب فانه في الحقيقة لا يتمتع بنمو سليم بل ويمكن القول بانه مريض من الناحية النفسية .
    اللعب حياة الطفل :


    نعم . اللعب هو حياة الطفل وعالمه ، واساس سروره ، انه درس وتجربة وتمرين ، وهناك ارتباط وثيق بين اللعب وحياة الطفل ، ويمثل جوهر الحياة البشرية وهو بعد ذلك يشبع ميول الطفل ورغباته ، ويفسح المجال لحل الكثير من المعضلات البدنية والروحية .
    ان الطفل يرى نفسه بحاجة ماسة الى اللعب حتى انه لو كان راقداً في المستشفى وكانت بعض اللعب موضوعة الى جانب سريره فانه سيلهو بها ولن يشعر بالغربة اطلاقاً . انه يلهو وينشغل باللعب بمعنى الكلمة وبكل مشاعره وأحاسيسه بنية خالصة ولو اقصي عن اللعب وحرم منه فكأنما اقصي

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 118

    عن حياته .

    الحرمان من اللعب :


    ان حرمان الطفل من اللعب يزعجه بشدة ، بل أنه من الممكن ان يؤدي ذلك الى خلق الأجواء المناسبة لاصابته بامراض عصيبة ، انه يرى في هذا الحرمان خسارة كبرى بالنسبة له وفي حالة منعه عن اللعب يحسب ذلك عقوبة له .
    قد أظهرت ابحاث طائفة من المتخصصين بعلم النفس التربوي ان الطفل لو منع عن ممارسة اللعب سيعاني من بعض الحالات اهمها ما يلي :
  • الحزن .
  • الانزواء .
  • الكسل والخمول .
  • الغضب والعصيان .
  • التمرد على المحيط .
  • العبث والتخريب . في حالة عدم تمكنه من ابراز هذه الصفات فستبدو عليه الانانية والانحراف .
    الاسلام ولعب الطفل :


    ينظر الاسلام نظرة ايجابية الى لعب الاطفال ، حتى ان الاسلام يأمر بان ندع الطفل يلعب وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «دع ابنك يلعب سبع سنين» (مكارم الاخلاق) ، كما ان الاطلاع على سيرة رسول الله صلى الله

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 119

    عليه وآله وسلم العملية في الحياة وكذلك الاطلاع على حياة بقية ائمة الاسلام تبين لنا أيضاً بأنهم تركوا الاطفال يلعبون بل كانوا يلاعبونهم أيضاً ، وان قصة ملاعبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لاحفاده معروفة ونعلم انه صلى الله عليه وآله وسلم كان أحياناً يضع نفسه بهيئة البعير حتى يركب الاطفال على ظهره الشريف .
    ويجب ان يكون الطفل مخولاً بممارسة اللعب بكامل امكاناته وقدراته البدنية ، والمهم في ذلك ان يصار الى توجيهه الى كيفية ممارسة الحياة ضمن ممارسته للعب ، ان الوالدين الضين يصرون على مسألة تخلي الطفل عن اللعب بارسع ما يمكن بقصد بلورة شخصية الطفل وصقله لينضم الى حضيرة الكبار انما هم مخطئون .

    فوائد اللعب :


    يحمل اللعب فوائد وآثار كثيرة للاطفال ، إذ نجد انفسنا مضطرون لمراعاة الاختصار فيت ناول الفوائد المبينة أدناه :
    1 ـ في تربية الجسم:


    اللعب عامل مهم ويمتلك دوراً اساسياً وبناءً في نمو وتربية الجسم ، ويمكن اعتباره رياضة لاعضاء جسم الطفل ، فهو يؤدي الى فسح المجال أمام البلوغ البدني ، ويعمل على تقوية وبناء اعضاء وعضلات الجسم .
    ان الركض ، والحركة ، والتسلق ، والسباحة ، كلها تؤدي الى تقوية المفاصل والعضلات وهي جزء من احتياجات الجسم وتتناسب مع نمو اعضائه .

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 120

    2 ـ في ايجاد المهارة والقوة:


    اللعب عامل مهم وسبب من أسباب التجربة واكتساب وارتقاء المهارات ، ومقدمة من مقدمات النجاح في النشاطات اللاحقة ، ويمكن ان يفسح المجال واسعاً امام النجاحات التالية للطفل ، ان اللعب يساعد على تحفيز حواس الطفل تدريجياً ، ويؤدي الى تناسب نمو القوى ، ويمنح الاطفال امكانية تعلم التجارب واكتساب الخبرة ، والذي يعد بحد ذاته عاملاً على خلق الثقة والاعتماد على النفس .
    3 ـ في حيوية النفس:


    اللعب عامل يساعد على النمو ، والنضوج ، واللذة والنشاط ، فلو ان الطفل وجد نفسه اثناء اللعب واثناء القيام بنشاط ما موفقاً فانه سيفرح ، وعندما يرى ان ميوله ورغباته قد تحققت فانه سيشعر بكمال الفرح والسرور .
    ومن هذا المنطلق فان النمو الروحي منظور مع النمو والمهارة الجسمية في هذا الأمر أيضاً .
    4 ـ في تصحيح العواطف:


    اللعب عامل مساعد في اعتدال وتصحيح العواطف والتهيجات ، انه يتعلم اثناء لعبه مع الآخرين كيف يتحكم بعواطفه ؟ وكيف والى اي مدى يمكن ان يكون شجاعاً أو متهوراً ؟ والى اي مدى يندفع ؟ وكذلك فان اللعب يعد وسيلة للتخلص من حالة الركود وعدم الارتياح ، وسبباً لتسهيل النمو الذهني ، والعاطفي وبالتالي النمو في الشخصية ، ان جزءً مهماً من حالات التمرد والخشونة تتعدل نتيجة لذلك ، وان قسماً كبيراً من النوازع العدوانية تزول على أثر ذلك .

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 121

    5 ـ معرفة النفس:


    ان اللعب يحمل هذه الفائدة للطفل وهي انه يساعده على معرفة نفسه تدريجياً ، ويجعله يدرك الظروف والوضع الذي هو فيه وما هي نقاط ضعفه وقوته ، ومتى يمكنه أو يجب ان يتخذ موقفاً معيناً ؟ وأي الابعاد يلجأ الى تقويتها ؟ ومن هو خصمه ؟ وكيف يمكنه القيام بتعويض حالات التخلف أو النواقص التي يعاني منها ؟
    6 ـ العواطف المحيط:


    اللعب يحمل الطفل على ادراك الوقائع المحيطة به تدريجياً وان يقوم باكتشافها وتجريبها ، انه يتعرف اثناء اللعب على الاشياء والظواهر المجاورة له ، ويقوم باكتشافها ويختبر نفسه معها ، إذ ان خشونة ونعومة الاشياء ، فائدتها وضررها ، وخطورتها أو عدم خطورتها تتضح له اثناء اللعب ، ويدرك عندها نوع الموقف الذي ينبغي عليه اتخاذه تجاه كل واحدة منها .
    7 ـ ممارسة الادوار:


    اللعب وسيلة لتقميص وممارسة الادوار وتعلم اساليبها وطرقها ، انه يمنح الاطفال امكانية تفكيك حياة الكبار اجزاء وقطع منفصلة ويقوم بالتالي بتقميصها ، دمية الطفل مظهر عن دور الامومة ، وابراز تحكمه بالدمية مظهر على ممارسة دور الابوة أو دليل على الطموح الى الاستقلال .
    7 ـ تربية العقل:


    اللعب وسيلة للنمو والتربية العقلية ، مواقف الطفل امام المسائل والامور المختلفة يعد بحد ذاته عاملاً مساعداً على بلورة جهوده اللاحقة لحل المسائل ،

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 122

    وبشكل عام فان الالعاب تعد نوعاً من انواع التفكير بالنسبة للطفل ، كما يلجأ الطفل اثناء اللعب وخاصة في السنوات 2 ـ 6 من العمر الى ابراز افكاره بصورة اعمال ويقوم بتنمية هذا الاتجاه ، وبالنتيجة فانه يصبح اكثر قوة ومهارة في ظل ممارسة اللعب .
    8 ـ السيطرة على نفسه:


    اللعب وسيلة وسبب يؤدي الى السيطرة على نفسه واعضائه ، ان المهارات التي يحصل عليها الافراد خلال اللعب توضح للطفل النتيجة التالية وهي كيفية استخدامه لاعضائه ، ومتى يمد يده ، والى اي مدى؟ ومتى يندفع وبأي نسبة ؟ ومتى يتوقف ؟ وكيف يقف اثناء الركض ؟ واثناء الصراخ والضوضاء متى واين يهدأ ؟
    10 ـ فوائد اخرى:


    واخيراً لغرض تلخيص البحث وغلقه سنشير مجرد اشارة الى الفوائد الاخرى مع مراعاة الاختصار ، اللعب هو عامل النمو ، والحركة القدرة على مواجهة المصاعب ، تمرين العضلات والمهارات ، حل مشكلة الحرمان ، ازالة الاضطرابات ، التخلص من الانانية ، اصلاح النواقص والتمرن على ممارسة العلاقات الاجتماعية ، تعلم الاخلاق والسلوك ، تفعيل القدرة الذهنية ، ممارسة المسؤولية ، وعشرات الفوائد الاخرى .

    اللعب والدراسة :


    اللعب نوع من التعليم والدراسة للاطفال ، بل هو دراسة ذات آفاق واسعة ، ودرس مفيد ذو محتوى عميق دون ان يؤدي الى ارهاق الذهن والتفكير ، ويمكن تعليم الطفل بعض الامور من خلال اللعب ، بحيث لا تسير


  • السابق السابق الفهرس التالي التالي