|
|
الأسرة ومتطلبات الأطفال |
|
25 |
|
|
أهمية الاحتياجات وضرورة
اشباعها
|
|
|
قلنا ان الانسان ولغرض المحافظة على وجوده له بعض المتطلبات ينبغي تأمينها ، ان اشباع وسد هذه الاحتياجات لهما أهمية استثنائية بالنسبة للانسان لدرجة تتوقف عليها حياته ، وتعتبر الاحتياجات الجسمية أمراً مشتركاً بين جميع الأفراد ، والاحتياجات النفسية لها مكانة استثنائية في الحياة علماً بان نسبتها وشدتها ليست متساوية بين جميع الأفراد .
ان الاحتياجات تحمل الانسان على القيام بسلوكيات خاصة ، فهي تهيج جهوده ونشاطه كي يسعى إلى اشباعها ، وبناءً على قول علماء النفس فان أساس الكثير من السلوكيات السيئة واللااخلاقية للطفل ترتبط باحتياجاته الدفينة ، وطالما لم يكشف النقاب عن تلك الاحتياجات فليس بالامكان العمل على بنائه واصلاحه .
|
الأسرة ومتطلبات الأطفال |
|
26 |
|
|
هناك الكثير من الابحاث التي تتناول اهمية وجود الاحتياجات وكذلك كيفية ارضائها واشباعها من المناسب ان نذكرها ، بعض العلماء المتخصصين بالسلوك يعتبرون الهدف الاساسي للسلوك هو سد أو تأمين احتياجات الانسان ، ويقولون ان جهود الانسان هي لغرض ايصاله إلى حالة يجد معها ان احتياجاته أصبحت مشبعة .
وليس بأمكاننا في هذا البحث ان نتناول جميع جوانب وابعاد هذه الاحتياجات وفوائدها وأهميتها ، ولكن نذكر هنا ما يستحق الذكر مع مراعاة الاختصار وكما يلي :
الاحتياجات هي عامل الحركة والحياة ، واساساً تعد مسألة ولادة الطفل كموجود محتاج من النعم الالهية الكبرى بحد ذاتها ، خاصةً وان امكانية الحياة والسير في طريق الكمال يصبح أمراً ميسوراً في ظل هذا الوضع ، ان الاحتياجات تعد أمراً ضرورياً ولازماً لغرض المحافظة على الجوانب الحياتية وابعادها ولغرض المحافظة على موجودية الانسان وبقاء النوع ، ويعد هذا الأمر بحد ذاته سراً من أسرار الخلقة .
الاحتياجات هي عامل الحركة ونمو الانسان ، وبعبارة اخرى فان الاحتياجات هي أدوات العمل ولا بد من وجودها حتى يتمكن الانسان ان يتحرك نحو هدف النمو ، نحن بحاجة إلى النمو ، وتهيء الاحتياجات الارضية المناسبة لتأمين الطاقة اللازمة ، والاسباب وادوات الحركة ، وكيفية تأمين
|
الأسرة ومتطلبات الأطفال |
|
27 |
|
|
الحاجة بحد ذاتها تعد عاملاً من عوامل التكامل وسبباً من أسباب التوافق ونمو الذهن أيضاً ، وتلعب دوراً اساسياً في تصحيح شخصيته وتأمين سلامته النفسية .
الاحتياجات هي مصدر الحركة والتحريك ، فهي تحمل الانسان على البذل والسعي وكذلك الاندفاع والاقدام إلى ان يطاله الموت .
ان وجهة النظر العلمية تقول بان طريقة التفكير كالتالي ؛ إذ تولد الاحتياجات ضغطاً في داخل الانسان ، ولغرض تخلصه من هذا الضغط يجد الانسان نفسه ملزماً بان يقدم على إداء عمل مهم ، ومن الممكن ان يكون هذا العمل في طريق صلاح أو فساد الطفل ولكن مما لا شك فيه تلعب التربية دورا اساسياً في توجيه الطفل .
الاحتياجات هي عامل للسلامة وصحة جسم الانسان وروحه ، والانسان الغير محتاج أو الفرد الذي لا يعرف ما هي حاجته ، ويتسم بعدم الاكتراث بهذا الأمر ، ليس بوسعه أن يبقى سالماً معافى .
كما ان عدم ارضاء الاحتياجات واشباعها يصبح سبباً للكثير من الاضطرابات الجسمية والروحية ، ويرجع علماء النفس أساس الكثير من الأمراض الجسمية والنفسية إلى احتياجات الاطفال ، ويبحثون عن جذور هذا الأمر في كيفية تأمين تلك الاحتياجات وعدم اشباعها بشكل كافي ، وخاصة في مرحلة الطفولة وطبيعة مواقف الوالدين فيما يرتبط بتلك الاحتياجات .
|
الأسرة ومتطلبات الأطفال |
|
28 |
|
|
الاحتياجات تحمل الانسان على اكتساب المهارة والدقة في الامور ، فان لم يكن الانسان محتاجاً بطبعه لما سعى إلى اكتساب المهارة والقوة اطلاقاً ، ان الدافع الذي يدفع الانسان إلى تقوية اعضاء بدنه هو رغبته في ان يتمكن وبشكل أكثر وأفضل من تأمين احتياجاته واحتياجات مجتمعه ، وحتى الاكتشافات والابداعات انما تحصل بسبب وجود مشاعر الاحتياج ، وان لم يكن الانسان محتاجاً لما سعى إلى اكتشاف الحلول الجديدة ولما تمكن الحصول على الابداع والاختراع .
ان طبيعة الانسان هي بالشكل الذي لا يعرف معه الركود حتى لو تم تأمين حاجته ، وتراه يسعى جاهداً كي يكتشف طريقةً أو اسلوباً آخر لينال حاجته بشكل أسرع وأفضل ، واكتساب المهارة والقوة انما تحصلان في ظل هذا الوضع .
الاهتمام بالاحتياج يعد عاملاً وسبباً لمعرفة الذات . وهي تحمل الانسان على التعرف على نقاط ضعفه وقوته في ظلها واثناء سعيه لتأمينها ، ويكتشف بالتالي في أي وضع هو . ومعلوم لدينا ان معرفة الذات هي المقدمة لبناء الذات ، وسبب لاحداث التغييرات الجوهرية والتطورات المهمة في الذات ، وكذلك بامكاننا التعرف في ظل تحليل احتياجات الفرد على شخصيته على نوع هذا الفرد ، وأي فرد هو .
ان معرفة الانسان بهذا النمو تضفي عليه القوة والاحساس ليتمكن من اختيار ما يريد لنفسه .
|
الأسرة ومتطلبات الأطفال |
|
29 |
|
|
|
7 ـ الدافع لأن يكون الفرد اجتماعياً:
|
يرتبط تأمين الاحتياج إلى حد بعيد بمسألة الاهتمام بالمجتمع ، اننا غير قادرين على تأمين احتياجاتنا ومتطلباتنا إلا عندما يتعاون معنا المجتمع أو ان نرتبط بهم بشكل أو آخر ، ان التأكيد على تأمين الاحتياج يمكن ان تجعل من الفرد في المستقبل فرداً محبوباً وفعالاً ، أو فرداً منزوياً وانطوائياً ، وروحيته الاجتماعية انعكاس لنوع التعامل مع افراد المجتمع وبالذات فيما يتعلق بتأمين الاحتياج ، ولو تمكن المربي ان يخطو خطوات موفقة في مجال ارشاد الطفل وتوجيهه سيتمكن من جعله فرداً اجتماعياً وفي طريق العضوية في المجتمع .
|
العلاقة بين الحاجة والسلوك :
|
هناك ارتباط بين احتياج الانسان والسلوك الذي يصدر منه ، وتبعاً لوجهة نظر علماء النفس فانه عندما تصبح احتياجات الانسان مرتبطة فيما بينها فان سلوكه سوف يتبلور ويبرز إلى الوجود ، وبعبارة اخرى فان نوع السلوك الصادر منه يرتبط وإلى حد بعيد باحتياجاته .
وكذلك أوضحت بعض التحقيقات بروز هذه الحالات عند الانسان في حالة عدم تأمين الاحتياجات والتي تصبح سبباً لظهور سلوكيات خاصة وهي :
الخوف والفزع والحالات المرتبطة بها .
الخجل والحياء المفرطين لدرجة تتعرض معها العلاقات السليمة مع الآخرين إلى الخطر .
العجب ومدح النفس ، إذ أن الهدف الاساسي منه فرض فكرة ما أو
|
الأسرة ومتطلبات الأطفال |
|
30 |
|
|
وجهة نظر معينة .
السلوك الغير منطقي والبعيد عن الصواب.
الميول المناهضة للسلوك الاجتماعي ، والذي يعد مظهراً من ذلك السلوك المخرب .
الحرص والطمع الفاحش ، والذي يعتبر سبباً لدفع الانسان إلى القيام باعمال خاصة .
|
العلاقة بين الحاجة والتوازن :
|
عندما يحصل جسم الانسان على ما يحتاجه وتصبح نشاطات الخلايا متوازنة في ظلها يمكن القول بان الانسان في حالة توازن وتعادل . وعندما تبرز حاجة ما في جسم الانسان ، كانخفاض نسبة الماء أو السكر في الجسم أو تعرضها إلى التغيير فان توازننا سوف يختل ونشعر بالحاجة الى الماء أو لشيء آخر ، فنلجأ مثلاً إلى طلب جرعة من الماء أو تناول غذاء معين .
ومن هذا المنطلق نشرع بالحركة وبذل الجهد لتعويض النقص الحاصل في الجسم واستعادة التوازن المفقود مجدداً (أي الحصول على التوازن الحيوي) ، وهذا أمر طبيعي لكل انسان وحيوان حتى ان طائفة من العلماء سعوا إلى تبرير جميع الجهود المبذولة من قبل الانسان ضمن هذا الاطار .
ان وجود حالة الاحتياج تفقدنا توازننا والتي تصبح بحد ذاتها سبباً لعدم الارتياح والاضطراب وعدم الاستقرار والمعاناة والارهاق ، وفي نفس الوقت تعد بمنزلة صفارة الانذار فتدفعنا للعمل مجدداً على انقاذ انفسنا وترميم اجسامنا وتعويض ما فقدناه وتفسخ تدريجياً .
|
الأسرة ومتطلبات الأطفال |
|
31 |
|
|
|
العلاقة بين الحاجة والفرح :
|
وهناك أيضاً علاقة بين احتياج الانسان وشعوره بالفرح والسرور ، وما دمنا نشعر بحاجة ما ولم تتحقق بعد ، فاننا نشعر بعدم الارتياح والقلق ، ولم نمتلك الفرح والنشاط اللازم والاقبال الكافي على العمل والحياة ، ومن الطبيعي عندما يتحقق تأمين احتياجاتنا بصورته المثلى نشعر بالسرور والأمن .
ومن وجهة النظر النفسية فان تأمين احتياجات الانسان تولد حالة من الفرح والخفة والارتياح ، وتصبح سبباً لشعورنا بالتخلص من همومنا ومعاناتنا والاحساس بحالة من الوجد والحركة في انفسنا .
ان الاحساس بالاحتياج وعدم اشباعه خاصة بالنسبة للاطفال يترك عبئاً ثقيلاً على القلب لدرجة يمكن معها ان يضطر إلى أي وسيلة ممكنة فتراه يبكي ، يتأوه ويصرخ ، ويسكب الدمع ويطلق الآهات للتخلص من هذا العبء الثقيل ، وان يخدع نفسه في الميدان العملي ، ويخلق المصاعب لوالديه ، حتى اذا ألقى هذا الحمل على الارض شعر بالفرح والسرور ، وأحس بانه أصبح خفيفاً وهادئاً ، حتى ان الدراسات اظهرت ان الاطفال الذين تحققت احتياجاتهم كانوا اقل بكاءً من غيرهم في الكبر .
بناءً على ما تقدم بيانه أصبح من الضروري تأمين الاحتياجات بشكل متوازن ، وينبغي قبل ذلك معرفة الاحتياجات وان يتضح للوالدين والمربين الكاذب منها والحقيقي ، لكي يتسنى لهم اتخاذ الموقف المناسب تجاه كل حالة .
|
الأسرة ومتطلبات الأطفال |
|
32 |
|
|
ومن المعلوم لدينا ان الاحتياجات ليست دائماً فردية أو عاطفية ، ومن الممكن في بعض الموارد ان تأخذ طابعاً جماعياً ، وحياتياً ، ونفسياً و . . . الخ . فتحمل الانسان على اشباعها من هذه الزاوية . وتحديد هذه المسألة له تأثير واضح في كيفية مواجهة الفرد لها .
وفيما يتعلق بالاهتمام بتأمين الاحتياجات واشباعها لا بد من ملاحظة هذين الأمرين أيضاً :
أولاً ينبغي تأمين الاحتياجات بصورة متوازنة وضمن الحد المتعارف عليه ، ذلك لأن الافراط في هذا الأمر يعد بحد ذاته سبباً لخلق نسبة من عدم الاستقرار وايجاد السلوكيات المنحرفة .
والآخر ان يظهر تأمين الاحتياجات لدى الطفل نسبة من المقاومة وكف النفس كي لا يتسرع اثناء شعوره بالحاجة ، ولا يجد نفسه أسير اشباع الحاجة ، ولا بد له ان يتسم بالتحمل والصبر لغرض الوصول إلى هدف الاشباع .
|
الأخطاء في اشباع الاحتياجات :
|
قلنا انه من الضروري اشباع الحاجات بصورة متوازنة ، ومن الطبيعي بروز بعض الاخطاء للوالدين والمربين اثناء قيامهم باشباعها وكما مبين ادناه :
1 ـ الافراط في اشباع الاحتياجات وقد ذكرناه آنفاً .
2 ـ تعويد الفرد على عدم الضبط والانضباط ، بحيث انه لا يقر بخضوع مسألة اشباع حاجته لضوابط ومقررات معينة .
3 ـ السعي لاشباع جميع احتياجات الطفل لدرجة يشعر الطفل معها
|
الأسرة ومتطلبات الأطفال |
|
33 |
|
|
بأنه غير محتاج ، وهذا الأمر يورث خطر التكاسل والدلال ، ويعمل أيضاً على هبوط نشاط الفرد ودأبه وسعيه .
4 ـ عدم مراعاة استقلاليته في هذا المجال ، بحيث يجد الآباء والمربون انفسهم كالخدم إلى جانب الطفل، ويجعلونه مرتبطاً بهم في اشباع احتياجاته .
5 ـ ومن الخطأ أيضاً ان يعملوا على الاكثار من نسبة احتياجات الفرد حتى وان كان بامكانهم تأمينها جميعاً ، ولا بد من جعل الحد المتعارف عليه في المجتمع بنظر الاعتبار وعدم جعل الطفل غريباً في مجتمعه فيما يتعلق بتأمين احتياجاته .
|
الأسرة ومتطلبات الأطفال |
|
34 |
|
|
|
الأسرة ومتطلبات الأطفال |
|
35 |
|
|
الاخطار الناجمة عن
عدم الاشباع
|
|
|
من الضروري تأمين احتياجات الانسان بصورة متوازنة باسرع ما يمكن ، وخاصة عندما تكون اساسية وضمن مجموعة الاحتياجات الأولية . ان الملاحظات العملية والمشاهدات اليومية تشير إلى انه في حالة عدم اشباع حاجة ما فان النشاطات تصاب بالاختلال وتصبح التصرفات غير طبيعية .
هذه الآثار ستشمل مسألة عدم الاشباع المتناسب والمتوازن أيضاً . وبعبارة اخرى فان عدم التوازن في تأمين الاحتياجات أوكبتها تصبح سبباً لايجاد الاخطار أيضاً ، ومنها الانحرافات أو المواقف الغير مألوفة وغير المستساغة .
ان عدم اشباع الحاجة تجعل الفرد يعيش حالة الانذار ، ويظهر نفسه بتلك الصورة أو بصورة متذبذبة في جميع مراحل الحياة ،
|
الأسرة ومتطلبات الأطفال |
|
36 |
|
|
ويصدق هذا الامر على جميع انواع الاحتياجات سواء المادية منها أو المعنوية ، والداخلية منها أو الخارجية .
وسوف نسعى في هذا الفصل ان نستعرض وبشكل مختصر الاخطار والآثار الناجمة عن عدم اشباع الاحتياجات ليكون ذلك تذكرةً للمربين فيما يتعلق باشباع الحاجة ، ومقدمة لتعريفهم بكيفية حصول هذا الأمر .
|
الأسرة ومتطلبات الأطفال |
|
37 |
|
|
لو اردنا ان نتناول الموضوع بنحو أكمل ، سنجد انفسنا مضطرين لطرح الموضوع بنحو أوسع وأشمل ، ولكن بسبب مراعاتنا للاختصار سنطرح الموضوع هنا كما مبين ادناه :
ان عدم اشباع بعض الاحتياجات سيعرض التوازن الجسمي أو النفسي والمعيشي للافراد إلى الخطر ويصبح سبباً لعدم الاستقرار وحالات الاضطراب والتأزم في الجسم ، وما اكثر الاختلالات المزاجية الناجمة عن عدم الاشباع الكامل للحاجة إلى الغذاء أو التقصير في تناول الفيتامينات ، وعدم مراعاة الشروط الصحية تهيئ الأرضية اللازمة البدنية ، وعدم ممارسة الالعاب والحركة يتسبب في ايجاد موجبات الركود والكسل في الطفل ، وعدم النوم وتناول القسط الكافي من الراحة يعرض الذهن والتفكير للخطر وحياة الفرد للمجاعة ويستمر الوضع على هذه الوتيرة بالنسبة لبقية المتطلبات المعيشية .
عدم الارضاء المناسب للاحتياجات لا يوقف النمو البدني فحسب بل يعرض الحياة الروحية أحياناً للخطر ، وهناك ارتباط وثيق بين النشاط الروحي وتأمين الاحتياجات ، وان حدث خلل في احدهما سيهيئ الأرضية لاحداث الصدمة والضرر في الآخر .
كما ان عدم تأمين الاحتياجات سيعرض السلامة الروحية للطفل إلى
|
الأسرة ومتطلبات الأطفال |
|
38 |
|
|
الخطر ، وما أكثر الافراد الذين يصبحون نتيجة لذلك ، ذوي افكار سلبية وفارغي المحتوى .
ان الازمات النفسية والعصبية لدى الافراد تنجم في موارد كثيرة عن عدم اشباع الاحتياجات وتتلاشى أحياناً شخصية الافراد المستقلة وتفنى وتزول تماماً بسبب عدم اشباع الاحتياجات ، ونعرف بهذا الصدد افراداً تجاهلوا شخصيتهم وحتى ركنوا إلى الدناءة وبيع النفس من أجل الوصول إلى اشباع حاجة ما .
واخيراً من الممكن ان يتوقف النمو والنضج الروحي بسبب عدم اشباع الحاجة ويتعرض الفرد إلى الاضطراب والحزن أو ان يفقد حيويته ونشاطه الطبيعي .
|
3 ـ في البعد السلوكي والاخلاقي:
|
اعطت التجارب التي اجريت في مجال حرمان الافراد من اشباع الاحتياجات من قبيل الغذاء ، والغريزة الجنسية ، العطش و . . . ، النتيجة التالية : ان عدم اشباع الاحتياجات تترك آثاراً واضحة على سلوك واخلاق الفرد وتخرجه عن حالة التوازن ، والكثير من الافراد يلجأون إلى السرقة أو اعرضوا عن التقاليد والاعراف بسبب الحرمان من اشباع باعث كالجوع مثلاً ، واتجهت اخلاقهم وابعادهم الانسانية نحو الضعف والفناء ، وتعرض انسجام تفكيرهم مع المحيط إلى الخطر .
ويعتقد أريك فروم ان ردود الفعل الاجتماعية السلبية ، وعدم التوازن في التأقلم والتعايش ، والمشاكل الشخصية والسلوكية ، والانحرافات والتصرفات السلبية ترتبط كلها وإلى حد بعيد بمسألة عدم الاشباع الكامل للاحتياجات ، ويتضح لنا هذا الأمر بشكل أفضل لدى الاطفال ، ونعلم ان
|
الأسرة ومتطلبات الأطفال |
|
39 |
|
|
الاطفال يصرون كثيراً على تأمين احتياجاتهم بل يلجأون إلى اثارة الضوضاء وابداء التصرفات السلبية في حالة تأخرهم قليلاً عن الوصول إلى مرادهم لدرجة يتعبون معها والديهم .
|
4 ـ في البعد الذهني والفكري:
|
ان عدم اشباع الحاجة لا يوقف الذهن عن التفكير ، ولكن يخل الحياة العقلائية للفرد ، ويصبح سبباً لعدم قدرة الانسان على التفكير السليم ، واتخاذ القرار المناسب ، أو ان يتعرض إلى الخطأ والانحراف في المواقف المتخذة .
ويعتبر الفقر سبباً للحرمان من اشباع الاحتياجات ، وبتعبير الامام علي عليه السلام : «الفقر يخرص الفطن» ، ويؤثر هذا الأمر تأثيراً بالغاً على الافراد لدرجة لا يمكنهم معها اتخاذ القرار المناسب أو استخدام ارادتهم بشكل صحيح .
والطفل لاذي لا يلمس تحقق احتياجاته لا يكون قادراً على ان يفكر بشكل سليم ، وليس بوسعه ان يحل مسألة رياضية أو إذا سئل سؤالاً ما فليس بامكانه ان يعطي جواباً صحيحاً ، ويعتبر هذا الأمر بحد ذاته من المسائل التي ينبغي الاهتمام بها في البحث المتعلق بتخلف الطفل أو على الأقل الحكم عليه بالتخلف .
ان الحرمان عن اشباع باعث ما في بعض الموارد يمكن ان يصبح سبباً لالحاق الاذى والضرر بعواطف الطفل ، وما أكثر اولئك الذين يعانون من مشاعر الحقارة أو العقدة على أثر عدم تحملهم الحرمان أو يحسبون عدم اشباع حاجة ما دليلاً على اهانتهم وتحقيرهم .
ومن الممكن أيضاً ان يصبح الطفل حساساً ، وسريع الضجر ، آيساً أو أن
|
الأسرة ومتطلبات الأطفال |
|
40 |
|
|
يسيء الظن بالآخرين بسبب الحرمان عن اشباع حاجة ما .
ان المواقف الدفاعية للطفل بهذ االصدد كحالة الاستسلام ، الهجوم ، الهروب ، التخلي عن الامور ، اللجوء إلى الانزواء ، الاستغراق في التفكير ، المخادعة ، الدفاع عن النفس في ضميره اللاشعوري ، الركون إلى العجز والاحباط ، واللجاجة أو الاهمال والتهاون في بعض الموارد كلها تمثل بعض المظاهر من آثار هذه المحرومية ، ولا بد للمربي ان يتأمل فيها جيداً .
|
6 ـ واخيراً في البعد ... :
|
ان الطفل الذي لا يرى سبيلاً لاشباع حاجته يفقد فرصة الحياة والراحة ، ويعاني من عدم التوازن ، حينئذ تصدر عنه ردود فعل غير مناسبة لغرض خلق حالة جديدة ، فيتخذ مواقف مختلفة ، منها نسج الاوهام ، التذبذب ، الانانية أو حب الذات ، الانهيار ، المجادلة ، عدم الاستقرار والاسترحام كلها تعتبر نماذج من ردود الفعل هذه .
|
في حالة عدم القدرة على تأمين الاحتياج :
|
ان لم تتوفر للوالدين والمربين القدرة الكافية لتأمين جميع متطلبات الاطفال ، ينبغي لهم ملاحظة النقاط التالية على الأقل :
1 ـ عليهم ان يصدقوا رغبة وطلب الطفل على الأقل ، وان يلازموه ويسايروه على انهم مصدقون بانه بحاجة إلى هذا الأمر ولا بد من تأمينه .
2 ـ يقومن بافهام الطفل انهم لا يرغبون ان يشعر بالمعاناة والحرمان من هذا الأمر ، أو ان يعاني من عدم الارتياح . وبعبارة اخرى ان يواسوه ويلازموه بذكر بعض العبارات .
3 ـ ان يفهموا الطفل في بعض الموارد السبب في عدم قدرتهم على
|
الأسرة ومتطلبات الأطفال |
|
41 |
|
|
تأمين متطلباته على الاقل ، لان يفهموم مثلاً انهم لا يملكون المال اللازم في الوقت الحاضر لكي يهيؤوا له الطعام الكذائي أو أن يشتروا له اللعبة الكذائية .
4 ـ ان يعدوا الطفل بانهم في حالة المقدرة والامكان سيؤمنون له متطلباته في أول فرصة سانحة ، وبأنهم سيشترون له الحلوى واللعب مثلاً .
5 ـ ان لم يكن بالامكان تأمين جميع طلباته واحتياجاته ، ينبغي تأمين ما يتيسر تأمينه على الاقل .
6 ـ يمكن اللجوء إلى ابدال حاجة محل حاجة اخرى بالنسبة للاطفال الصغار أحياناً ، فان لم يكن بالامكان تأمين حاجته الفعلية كالدراجة الهوائية مثلاً ، فبامكانكم ومن خلال شراء دمية من ابدالها محل الاولى .
7 ـ بامكانكم في بعض الموارد ان تحيوا الأمل في قلبه من خلال بعض المساعدات ، وعلى سبيل المثال يمكنكم من خلال اعطائه مصرف الجيب اليومي القليل تشجيعه على ادخار ماله في صندوق الادخار ، لكي يصبح بامكانه فيما بعد ان يشتري الشيء الفلاني حتى وان كان شراء ذلك يستغرق ثلاث سنوات من الادخار ، ولكن الأمل سيبقى حياً في قلب الطفل . (والله كريم خلال هذه المدة !)
بالرغم من تأكيدنا الشديد على تأمين احتياجات الطفل ، تقتضي المصلحة في بعض الموارد ان يدرك الطفل معنى الحرمان ، وان يحرم أحياناً من الحصول على مبتغاه .
ويصقل الطفل تدريجياً في ظل حالات الحرمان المؤقت بين الحين والآخر ، ويفهم معاناة المحرومين ، ويشعر بالمواساة تجاههم ، ويندفع نحو البحث وبذل الجهد للعثور على سبيل ما يوصله إلى مراده وكل ذلك مهم ومؤثر
|
الأسرة ومتطلبات الأطفال |
|
42 |
|
|
في صقله ونحوه ، وانسجامه مع ظروف الحياة .
ومن ناحية اخرى ليس من مصلحة الطفل ان يحصل فوراً على ما يريده ويحتاجه ، خاصة وانه لا تتوفر مثل هذه الامكانية لأي فرد في خضم الحياة الفردية والاجتماعية ، وسوف يفقد فيما بعد القدرة على التكيف مع حالات الحرمان الاجتماعي ، وفي ذات الوقت الذي تلعب فيه التربية دور تعليم السبل الكفيلة بتأمين الاحتياجات فانها تأخذ على عاتقها صياغة سليمة أيضاً .
في البرنامج والخطة العامة للتربية فان الواجب المطروح إلى جانب امانة الوالدين تجاه الابناء يعتمد على الاساس التالي :
لغرض الحفاظ على سلامة الجسم والروح ، ونمو وتهذيب العواطف ، اتزان السلوك وسلامة الاخلاق ، الحصول على التوازن والاعتدال ، لا بد من تأمين احتياجات الطفل ، ولكن من غير المستساغ في هذا السبيل ان يتحول الوالدين والمربون إلى خدم مطيعون سماعون تحت تصرف الطفل وان يفتحوا بوجهه بوابة كنز قارون لسد جميع احتياجاته ، انه يحتاج في هذا السبيل أحياناً ان يتحمل المصاعب والآلام لكي يفهم معنى العافية ، ويطلع على محرومية الآخرين ، حتى يصبح بامكانه الوصول إلى حالة التكيف والانسجام مع الناس . ومن الضروري أيضاً فيما يتعلق بالحرمان الايجابي ان ندفعه إلى الشعور بالمؤانسة في حالة عدم تلبية الاحتياجات ، أو ان نخرج شيئاً من قبضة ونعطيه اخرى عوضاً عنها أحياناً ، لكي يتعرف على ماهيم الابدال والتبديل ويأنس بها
* * *
|
|