الأسرة ومتطلبات الأطفال 1

الأسرة ومتطلبات الأطفال



الأسرة ومتطلبات الأطفال 2

بسم الله الرحمن الرحيم



الأسرة ومتطلبات الأطفال 3

د . علي القائمي

الأسرة

ومتطلبات الأطفال

ترجمة : البيان للترجمة

دار النبلاء



الأسرة ومتطلبات الأطفال 4

كافة الحقوق محفوظة ومسجلة

الطبعة الأولى

1417 هـ ـ 1996 م

دار النبلاء
بيروت لبنان
حارة حريك ـ ص . ب 8601/11 ـ هاتف : 814294/03 خليوي

الأسرة ومتطلبات الأطفال 5



الاهداء

إلى الآباء والأمهات الأعزاء
وخاصة :
الأزواج الشباب .
وأولئك الذين سيصبحون آباءً أو أمهات .
والذين يطمحون إلى إداء حقوق أبنائهم بشكل لائق .
وإداء واجباتهم الاسلامية والتربوية .
المؤلف


الأسرة ومتطلبات الأطفال 6



الأسرة ومتطلبات الأطفال 7



المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الانسان موجود محتاج ، والحاجة هي عين ذاته وطينته ، ودائرة حاجته تمتاز بالسعة والشمول للمتطلبات الجسمية ، والنفسية ، والعاطفية ، والمادية والمعنوية ، وإن مدار حاجته أكثر من ان يتحسسها الوالدان والمربون أو يقومون بإحصائها بلغة الأرقام .
أنه محتاج إلى الهواء كي يتنفس ، وإلى الغذاء كي يبقى حياً ، وإلى الملابس والعلاج الصحي حفاظاً على سلامته الجسمية ، وإلى الرقابة والحماية لغرض ادامة الحياة . ويشعر بالحاجة أيضاً إلى التقبل ، والمحبة ، والأمن ، والنوم والاستراحة ، الحرية والاستقلال ، الكرامة وعزة النفس ، الغرور والموفقية . كما أن تأمين هذه الاحتياجات يعد أمراً ضرورياً لمسيرة الانسان وصولاً إلى مرحلة النضج والكمال . وفيما يتعلق بأهمية هذه المتطلبات لا بد من القول :
ان الجانب الأعظم من جهود الانسان يتعلق بهذا الأمر ، إذ يحاول وبشتى الوسائل تلبية احدى حاجاته أو اشباعها بشكل أو بآخر ، ان جميع الاجراءات والقوى الذهنية للانسان وقابلياته يتم توجيهها نحو تحقيق هذا الهدف وانما يشعر الانسان بكونه انساناً عندما يشعر بانه يحيا حياة طبيعية

الأسرة ومتطلبات الأطفال 8

وسليمة فقط .
ان آثار الحرمان من ارضاء الحاجات كثيرة ، بل وتتسم بالخطورة في بعض الموارد ، فما أكثر مظاهر الحيرة ، والانحرافات والمفاسد الناجمة عن عدم الاستجابة لارضاء الحاجات ، وما أكثر حالات الشعور بالعقد النفسية ، وحالات التمرد والتشاؤم الناجمة عن عدم إرواء ظمأ الحاجات ، أو اللجوء إلى الاسلوب الخاطئ في الاشباع ، لا شك ان اشباع الحاجات يعتبر أمراً مهماً ، ويجب مراعاته بشكل مناسب بصرف النظر عن السن أو الجنس ، وحتى ان مسألة تربية النسل ترتبط إلى حد كبير بهذا الأمر .
وعلى هذا الأساس تشخيص الحاجات والاستجابة لتلبيتها بشكل معقول يعد أمراً ضرورياً ، وتجدر الاشارة إلى ان أكثر الآباء والامهات يعتقدون بان متطلبات الاطفال تنحصر في حدود المأكل والملبس أو في اللعب وتأمين لعب الاطفال كحد اقصى ، في حين توجد احتياجات كثيرة وفقاً لقائمة الحاجات وأولوياتها تستحق الاشارة لها . ولكل منها دور مهم جداً في حياة الأطفال ، وان غفلة الوالدين عن تلك المتطلبات سوف يساعد على تهيئة الأرضية المناسبة للكثير من الاضطرابات الحياتية والنفسية، ومما لا شك فيه انه لم يتم مراعاة احتياجات الاطفال بشكل لائق في أي مكان من العالم حيث لم توفر لهم الامكانات المادية وغير المادية لغرض ارضاء واشباع تلك الحاجات بشكل متوازن .
ان الكثير من الآباء لا يملكون الفرصة الكافية أو الاطلاع اللازم للاهتمام بشؤون اطفالهم بسبب كثرة ما يواجهونه من المشكلات المعيشية ، وعلى أي حال فان المسألة ستكون لها آثار ونتائج سلبية .
ان النتيجة التي نصل إليها في بحثنا هذا تنص على ان الطفل في

الأسرة ومتطلبات الأطفال 9

معرض حياته له احتياجات متعددة وفي الابعاد المختلفة الجسمية منها ، والنفسية ، والعاطفية والعقلية ، والدينية ، والاقتصادية ، والاجتماعية والثقافية ، ولا يمكن اعتباره انه حي بالماء والغذاء والهواء فقط ، بل ان تأمين هذه الاحتياجات يلعب دور بالغ الاهمية في مجال نمو الاطفال وتكاملهم وديمومة حياتهم .
أن الكثير من المربين لا علم لهم بانواع هذه الاحتياجات ، ولهذا السبب تراهم غير موفقين في أمر تربية ابنائهم ، ولو ان الاحتياجات كانت معلومة لدى المربي منذ البدء لكان اكثر توفيقاً في تربية وتوجيه الاطفال .
ان مشكلتنا فيما يتعلق بالاستجابة لمتطلبات الأطفال تكمن في ان الاطفال من الناحية الجسمية والنفسية ليسوا بالمستوى الذي يمكنهم من الاعراب عن جميع احتياجاتهم ، وان لم يكن المربي عارفاً بهذه المسائل سيتضح لنا كم ينبغي للطفل ان يتحمل الآلام المصاعب نتيجة ذلك .
وبشكل عام فان كثيراً من الفرضيات المتعلقة بتهدئة الاطفال تعاني من الضعف ولا تتمتع بالكفاءة المناسبة ، والسبب في ذلك يعود إلى عدم استنادها إلى الحاجات الواقعية للاطفال ، أو ان الذين يطرحون هذه الاساليب والفرضيات لا يركزون كثيراً على المسائل المتعلقة بعلم النفس الخاص بالطفل .
ان المحافظة الدقيقة على الاطفال وتهيئة الارضية المناسبة لنموهم وتكاملهم تحتاج ـ اضافة إلى البرنامج الزمني ـ إلى المعرفة والاطلاع على الابحاث المتعلقة بعلم النفس ، والمتطلبات الأساسية للأطفال ، إذ ان الحديث عن احتياجات الانسان يعتبر في الواقع حديثاً عن ضوابط تكامله ، والاحتياجات هي في حكم البواعث التي تستند عليها سلوكيات

الأسرة ومتطلبات الأطفال 10

الفرد .
الشيء الذي انجزناه في هذا البحث يعد مروراً سريعاً ولكن ضروري فيما يتعلق بمعرفة وتبيين المتطلبات الأساسية للاطفال ، بهدف تربية الطفل بشكل لائق واصولي ، وقد سعينا في بحثنا هذا إلى استعراض أهم احتياجات الاطفال التي يعتبر تأمينها ضرورياً لنمو وبناء وأحياناً لاعادة بناء الاطفال ، بالاستناد إلى مباني علم نفس الاطفال والعلوم النفسية التربوية للطفل ، وبيان سبل اشباع تلك الاحتياجات على اساس ما نمتلكه من فهم عن الاصول والمباني التربوية الاسلامية ، كما ان مسألة البحث في احتياجات الاطفال يعد بحد ذاته فرصة مناسبة يمكننا من خلالها ان نذكر آراءنا الاخرى والملاحظات اللازمة والضرورية حول التربية .
وقد أردنا في هذا البحث ان نحدد المواقف المطلوبة للوالدين قبال الاطفال ، وان نبين الاسلوب الذي ينبغي اتباعه من قبل المسؤولين التربويين بشأن كل حاجة ، وكيفية استفادتهم من الفرص المناسبة لبناء الطفل وتوجيهه وارشاده .
وأأمل أن ينال هذا الجهد أولاً رضا الله تعالى ، والذي يعتبر وحده أفضل هدية ، وان يكون مثمراً ومفيداً للوالدين والمربين المحترمين ثانياً ان شاء الله .
علي قائمي
طهران ـ تير 1360


الأسرة ومتطلبات الأطفال 11

الباب الأول

نظرة عامة

حول احتياج الانسان



الأسرة ومتطلبات الأطفال 12



الأسرة ومتطلبات الأطفال 13

قلنا ان الانسان موجود محتاج تماماً ، وهناك الكثير من الأبحاث المتعلقة بهذه الاحتياجات وكيفية تأمينها يمكن ذكرها والتطرق لها وسنكتفي هنا بدراسة بعض العموميات منها .
يتناول أحد فصول هذا الجزء احتياجات الانسان ، وأساس ومنشأ وماهية هذه الاحتياجات وخصائصها وأنواعها . وسنبحث في هذا الفصل عن شمولية الحاجة واستمراريتها وعلاقتها بالسن والجنس .
والفصل الثاني سيتناول أهمية الاحتياجات وضرورة اشباعها ، وسوف نبين فيه ان الاحتياجات تعتبر من عوامل الحياة والنمو ، والحركة والسلامة ، وهناك علاقة بين الحاجة والسلوك ، وبين الحاجة والتوازن ، والحاجة وارتياح الانسان وكذلك تعتبر تلبيتها والوقوف عندها أمراً ضرورياً .
ويدور البحث في الفصل الثالث عن الأخطار والآثار الناجمة عن عدم اشباع الاحتياجات ، وسوف نسعى ان نبحث في علاقة تلك الاخطار بالجسم ، والروح السلوك والاخلاق ، والفكر والذهن . . . ونتطرق في نفس الوقت إلى ضرورة الحرمان والمصلحة المبتغاة منها .

الأسرة ومتطلبات الأطفال 14


والفصل الرابع بخصوص كيفية تأمين الاحتياجات ومراعاة الضوابط اللازمة في هذا المجال من وجهة نظر الدين والاخلاق ، وسوف نشير بهذا الصدد إلى ضرورة حمل الطفل على التعاون وتأمين الامكانيات من قبل الوالدين من خلال مراعاة الاولويات .
أما الفصل الخامس فهو بخصوص دور الأسرة في مجال تأمين الاحتياجات وسوف نتحدث في هذا الفصل ضمن الحديث عن أهمية الاسرة وجديتها في تأمين الاحتياجات عن أهمية هذا الأمر في سني العمر الأولى ومراعاة الضوابط ضمن عملية سد الاحتياجات .
وأخيراً فان الفصل السادس منه سيكون بخصوص تصنيف الاحتياجات ؛ إذ سنذكر خلال ذلك مختلف وجهات نظر العلماء بهذا الخصوص والاسلوب الذي لجأنا إلى استخدامه بهذا المجال أيضاً .

الأسرة ومتطلبات الأطفال 15


الفصل الأول


احتياج الانسان

المقدمة


الحاجة أو الاحتياج عبارة عن نوع من طلب الفرد من المحيط ، وتوضيح ذلك : ان الانسان عبارة عن كائن حي ، يحيا حياةً فردية واجتماعية ، وفي خضم ديمومة حياته وبناء ذاته يحتاج إلى بعض المتطلبات التي ينبثق الكثير منها من اعماقه ، إنه يمتلك نوعاً من التحرك والسعي لتأمين تلك المتطلبات والاحتياجات .


الأسرة ومتطلبات الأطفال 16


أساس ذلك ومنشأه :


ان اغلب حاجات الانسان تنبثق من ظروف وجوده وطبيعته ، لقد خلق الانسان بشكل يوحي إلى ان وجوده بأسره يحكي عن الاحتياج ، ان هيكلية وجوده بحاجة إلى وسائل وأدوات وكذلك إلى ظروف وشرائط خاصة لغرض بقائه وسلامته ونموه ، وكل ذلك يمكن الاشارة إليه في اطار الحاجة .
ان محرك بقائه يحتاج إلى الوقود في كل آن ، فان لم يحصل على الغذاء والماء والهواء و . . . لا يعرض إلى الفناء فحسب ، بل إلى اختلالات شديدة جداً في الفترة بين انقطاع هذه الوسائل والادوات ولحظة الموت.
ماهية الحاجات :


ماهية الحاجة تتمثل بالطلب والعوز ، وهي بالدرجة التي تتوقف عليها حياة الانسان أو موته ، ولهذا السبب فان كل جهد يبذله الطفل يعبر عن الرغبة في اشباع احدى الحاجات حتى وان كان عفوياً وكل حركة أو سلوك إنما يصدر بدافع سد حاجة ما ، وعلى ما يعتقده علماء النفس فان الطفل عندما يشعر بحاجة ما سيسعى جاهداً إلى تأمين تلك الحاجة فوراً ودون أدنى تأخير ، وان تعرقل في الوصول إلى الهدف قليلاً سيلجأ إلى اثارة الضجيج ، ولكن من المسلم به ان الطفل وفي ظل التربية السليمة سيدرك فيما بعد أنه ومن أجل الوصول إلى اشباع بعض الاحتياجات لا بد وان يتحلى بالصبر والتحمل .

الأسرة ومتطلبات الأطفال 17


وعلى هذا الاساس فانه يتسم بالاصرار في الطلب ، وتبعاً لذلك فان الطفل وفي ظل هذا الوضع يسعى ويتحرك ويتعلم ، وحتى يأنس وينسجم .
ان الاحتياج بذاته ليس أمراً سيئاً ، بل انه وسيلة للنضج والرقي وسمو الانسان وعدم اشباعه يوجب التضاد والتأزم النفسي .
حدوده :


من الخطأ أن نفكر كما يفكر بعض الفلاسفة من ان الانسان كائن ذو مجموعة من الاحتياجات المادية ، الفردية والغريزية وانه بعيد عن الأمور المعنوية وفي منأى عنها ، أو انهم يدعون بان احتياجات الانسان محدودة وتنحصر فقط في إطار المأكل والملبس والماء والهواء .
والحقيقة ان حدود الاحتياج لها من السعة والشمول بحيث تشمل جميع الأمور ، والاحتياجات التي لها صلة بجميع أبعاد وجود الانسان .
لقد سعينا في دراستنا هذه ، ان نصنف تلك الاحتياجات إلى معيشية، وبدنية ، وعاطفية ، ونفسية ، واجتماعية ، وإلى الاحتياجات المثلى واحتياجات الاطفال الخاصة ، وان نستعرض بعض النماذج لكل منها .
ان الحاجة إلى المأكل والملبس والمشرب تعتبر أمراً طبيعياً جداً ، وهناك ما هو أهم منها ولكن الوالدين والمربون لا يهتمون بها كثيراً ، مثل الحاجة إلى الاعتراض ، والاحترام والثقة بالنفس ، والانتماء ، وعزة النفس ، والإباء ، والتفاخر ، الكمال والفضيلة ، المنطق والاستدلال ، الدفاع عن الجسم والنفس والمعتقد و . . .

الأسرة ومتطلبات الأطفال 18


أنواع الاحتياج :


يمكن تصنيف الاحتياجات إلى عدة أصناف ، منها :
1ـ الاحتياج المادي وغير المادي:


ويمكن رؤية مظهره المادي في الغذاء والماء والملبس و... الخ، ومظهره غير المادي في الحاجة إلى الأمن، والحماية، والتكفل، والاطراء و... الخ.
2 ـ الاحتياج الفطري والكسبي:


بعض الاحتياجات ذات أساس فطري ونفسي مثل الحاجة إلى الاعتماد على الغير والارتباط ، والحاجة إلى الغذاء والهواء ، والحاجة إلى التمجيد و . . . الخ ، والبعض الآخر منها ذات أساس كسبي مثل الحاجة إلى الجاه والمقام ، والحاجة إلى التظاهر والتزين و . . . الخ .
3ـ الاحتياج الفردي والاجتماعي:


بعض الاحتياجات تحمل طابعاً فردياً مثل الحاجة إلى الماء والهواء والغذاء والتغوط و... الخ، وللبعض الآخر منها طابعاً اجتماعياً مثل الحاجة إلى الصديق، والمعاشرة والمشاركة، والى الادب والاخلاق، والحاجة إلى الجماعة.
4 ـ الاحتياج الواقعي والكاذب:


بعض الاحتياجات واقعية ومتجذرة، وتستمد واقعيتها من طينة وطبيعة الانسان، مثل الحاجة الى الماء والغذاء ... الخ، وبعضها الآخر كاذبة مثل حاجة الى الكماليات والتجملات التي تراها عين الانسان ويميل لها القلب.

الأسرة ومتطلبات الأطفال 19


5 ـ واخيراً فان بعض الاحتياجات:


جسمية ، وبعضها نفسية ، أو عاطفية ، أو اجتماعية ... ، وقد خلق الانسان بشكل يوجب تأمين جميع احتياجاته كي يطيب خاطره ، وإلا سيبقى عرضة للمشاكل والصعوبات .
خصائص الاحتياجات :


تتسم احتياجات الانسان ببعض الخصائص وأهمها ما يلي :
  • ترتبط الاحتياجات بسن الافراد ، ولكل مرحلة من مراحل العمر مقتضى خاص بها .
  • تتعلق الاحتياجات أحياناً بالجنس وهي ليست بنمط واحد لكل من الولد والبنت أو الرجل والمرأة .
  • تتعلق الاحتياجات بالنمو ، سواء بالنمو البدني ونسبته أو بالنمو النفسي ، والعاطفي و . . . الخ .
  • تمتاز الاحتياجات بقابليتها على التغيير ، ومن الممكن احلال حاجة ما محل أخرى ، وخاصة فيما يتعلق بالاطفال .
  • تتفاوت الاحتياجات باختلاف الافراد بالرغم من تشابهها في الامور العامة التي ترتبط بحياة الانسان .
  • ترتبط الاحتياجات بنوع العمل والجهد ، وبالتجارب الشخصية أيضاً ، وهذا الأمر بحد ذاته يتسبب في ايجاد الاختلافات .
  • بعض الاحتياجات تسبب في تجلي سلوك خاص بحيث يمكن التعرف عليها من خلال هذا السلوك .

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 20

  • أغلب الاحتياجات تكون بصورة احساس مكنون وغير قابلة للمس .
  • وأخيراً فان نوع الاحتياج وشدته لهما تأثير واضح في السلوك وتسبب في ردود فعل معينة .
    سلسلة مراتب الاحتياجات :


    احتياجات الانسان ذات مراتب متعددة ، بحيث ان بعضها تؤثر على البعض الآخر ، وعلى سبيل المثال من الممكن ان يؤثر الاحتياج إلى الغذاء على الاحتياجات الغريزية الاخرى ، وان يتسبب الاحتياج إلى النوم في عدم مبالاة الطفل بغذائه .
    ومن هذا المنطلق تنقسم الاحتياجات إلى قسمين : اساسية وغير اساسية ، إذ من المؤكد بان هذا التقسيم يتغير باختلاف الافراد ، وتفاوت الاعمار ، وفيما يتعلق باكثرية أفراد المجتمع يمكن القول بان الاحتياجات الأساسية عبارة عن الاحتياج إلى الغذاء والماء والهواء والملبس والصحة ، واغلبها ذات جنبة فسيولوجية .
    أما القسم الثاني من الاحتياجات فيتمثل في الحاجة إلى التقدير والاحترام والمواساة و . . . الخ .
    ومن الجدير بالذكر ان اصحاب الرأي غير متفقين على هذا التقسيم ، فمثلاً يرى البعض ان الحاجة إلى الأمن من ضمن الاحتياجات الاساسية ، بينما ذكره البعض الآخر ضمن الاحتياجات الثانوية ، أو ان عالماً يقول : كل انسان يحتاج إلى ثلاثة امور لغرض تكامله : التربية ، والأمن والحرية ، بينما يقول الآخر بأولوية مسائل اخرى .

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 21


    تضاد وتعارض الاحتياجات :


    في كثير من الأحيان تقف الاحتياجات في حالة تضاد وتعارض فيما بينها وتحمل الطفل على ان يتردد في اختبار واحدة منها ، وفي بعض الاحيان من الممكن ان يهيئ هذا الأمر الأرضية للتوترات السلوكية لدى الطفل، ومن الممكن أيضاً ان يقوي احتياج ما احتياجاً آخر أو يضعفه ، ويظهر هذا الأمر في خضم حياة الطفل ونموه .
    وعلى سبيل المثال فيما يخص جانب التضاد والتعارض ، ترى طفلاً يسعى للحصول على رضى والدته ، فيضطر إلى اهمال رضاه الشخصي ، أو فيما يخص جانب تضعيف أو تقوية الاحتياجات ، تجد أن طفلاً يعاني من حرمان محبة الوالدين فيلجأ إلى مضاعفة اهتمامه بالغذاء عوضاً عن ذلك .
    ويمكن الاشارة هنا إلى الاحتياجات التي تقف في حالة تضاد وتعارض لدى الطفل وهي عبارة عن :
  • الاعتداد بالنفس قبال الاعتراف بالآخرين والتفاهم معهم .
  • مداراة النفس قبال الاهتمام بالآخرين أو الاحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين .
  • تقبل الحق فيما يرتبط بالمحافظة على شخصيته وموقعه .
  • الاستقلال الفردي فيما يرتبط بالسيطرة ومهارة الآخرين .
  • مراعاة قوانين الآخرين فيما يرتبط بالابتكار والذوق الشخصي و . . . الخ . ان وجود هذا التضاد والتعارض يعد بحد ذاته انذاراً للمربي كي ينتبه ويركز جيداً في المواقف التي يتخذها ومع الأخذ بنظر الاعتبار مسألة التأثير

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 22

    والتأثر ، ينبغي التنبه إلى الاحتياجات المتداخلة مع بعضها البعض والتي تساعد على خلق روحية مطلوبة وقيمة لدى الطفل وبما يضمن استقراره النفسي .
    الفرق بين احتياج الانسان والحيوان :

  • الكثير من الاحتياجات مشتركة فيما بين الانسان والحيوان مثل الحاجة إلى الماء ، والهواء ، والغذاء ، والحركة .
  • بعض الاحتياجات مختصة بالانسان ، مثل الحاجة إلى الامور المعنوية ، والاحترام والمواساة ، والكمال والفضيلة .
  • المرشد إلى سد حاجة الانسان هي الغريزة ، ويضاف الى ذلك التربية والتعليم .
  • حينما يعمل الانسان على تأمين الحاجات ، يأخذ بنظر الاعتبار تبعيته للدين والثقافة ، والحيوان ليس كذلك .
  • تتصف احتياجاتنا بانها تخلق اثناء تأمينها موجبات نمونا ونضجنا ، إلا ان هذه الحالة تنعدم لدى الحيوان .
  • حدود الاحتياج لدى الانسان واسعة جداً ، وللحيوان محدودة جداً .
  • تأمين احتياج الحيوان له صورة واحدة فقط ، وفي الانسان له صور أكثر تنوعاً .
  • في تأمين احتياجات الانسان تلعب طرق التفكير ، العادات والتقاليد والمعتقدات ، وأخيراً إرادة الانسان دوراً اساسياً في ذلك ، ولكن في الحيوان تأخذ الاحتياجات صورة الجذب والانجذاب وهو أسير الغريزة .

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 23


    عفوية الاحتياجات :


    تتسم الاحتياجات في بعض الموارد بالعفوية وهي تسوق الافراد دون وعي منهم نحو جهة معينة ، وتظهر هذه الاحتياجات لدى الافراد بصورة آمال وتمنيات وتسوق حركته نحو الاتجاه المطلوب .
    وعادة ما تكون ميول الاطفال التي تتسبب في بروز السلوكيات الخاصة لديهم مجالاً وعلامة لابراز نوع الاحتياجات ، ويبرز هذا الامر أيضاً لدى البالغين أيضاً دون ان ينتبهوا لذلك ، وعلى سبيل المثال حالة التكبر والغرور لدى الشباب والبالغين ، وتعلقهم بالكماليات والاناقة واهتمامهم بانفسهم ، كل ذلك يوضح الاحتياج الغريزي لديه ، ويسعى في ظل ذلك إلى اثارة انتباه شخص ما كأن تكون زوجته .
    استمرار ذلك في جميع المراحل :


    لا تختص الاحتياجات بمرحلة خاصة من العمر فقط بل انها تبرز وتتجلى في مختلف مراحل العمر ، ولكن في نفس الوقت يمكن تقسيم احتياجات الانسان إلى ثلاثة مجاميع :
    1 ـ مجموعة الاحتياجات التي يحتاجها الانسان ما دام حياً ، ولا بد من تأمينها بنحو معين في كل مرحلة من مراحل العمر ، مثل الحاجة إلى الماء ، والغذاء ، والهواء و . . . الخ .
    2 ـ مجموعة أخرى من الاحتياجات التي تبرز في سن معينة ، مثل الاحتياجات الغريزية والشهوانية التي تطرح نفسها في سني البلوغ .
    3 ـ المجموعة الثالثة تتمثل بالاحتياجات الخاصة بمرحلة الطفولة أو

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 24

    على الاقل تجليها يرتبط بمرحلة خاصة من العمر ، مثل اللعب والنشاط والحركة أو التقليد والبكاء .
    ولكن تلعب الظروف والاحوال النفسية ، والبيئة ، دوراً استثنائياً ومهماً جداً في ايجاد هذه الاحتياجات وكيفية تأمينها ، وتختلف في نفس الوقت شموليتها ودرجة شدتها وضعفها وكيفية بروزها وظهورها باختلاف الافراد ، ولهذا السبب فان اشباعها لا بد ان يكون على أساس تلك الظروف والأحوال ، وبشكل عام يجب ان تكون بالنحو الذي تشعر فيه روح الانسان بالاشباع منها ، وان يتمكن الانسان من تأمين وارضاء حاجته وطلبته .
    فقدان الاحتياج :


    لا يوجد انسان فاقد للاحتياج ، إلا من كان ميتاً فانياً . نعم ، من الممكن ان يشعر بعض الافراد إلى حاجة معينة إلا انهم ولاسباب متعددة لا يتمكنون من معرفتها وتشخيصها ، أو بسبب البلاهة أو الجنون يفقدون بعض الاحتياجات مثل الحاجة إلى الاحترام والمحبة و . . . الخ .
    طبعاً تجدر الاشارة إلى ان درجات شدة الاحتياجات تتفاوت باختلاف الافراد ، وبعض الافراد يجدون خلاصة همهم في المأكل والملبس والاستراحة ، وطائفة اخرى في المقام والجاه ، المحبة والاحترام ، وهذه المسألة بحد ذاتها هي السبب ايجاد الفوارق في المواقف والسلوك وأنماط تصرفات الافراد .

    * * *




  • الفهرس التالي التالي