الأسرة ومتطلبات الأطفال 43


الفصل الرابع


كيفية تأمين الاحتياج

المقدمة


من خلال القاء نظرة فاحصة على احتياجات الانسان ، فانها تبدو لنا في وضع معقد للغاية ولهذا السبب فان كيفية تأمينها يعتبر أمراً معقداً جداً ويخلق للآباء والمربين مسائل متعبة ، ولا بد لهم من امتلاك المعلومات اللازمة في هذا المجال وان يراعوا الضوابط والاصول الصحيحة .
ومن أجل تأمين الاحتياجات فان مراعاة الاصول والضوابط يعد أمراً ضرورياً ، وان تؤخذ بنظر الاعتبار مسألة القيم والمعتقدات الدينية ، مع مراعاة الضوابط الاخلاقية والعادات والتقاليد وآداب المجتمعات اثناء اشباع تلك الاحتياجات أيضاً .
الاحتياجات والأهداف التربوية :


يعتقد بعض علماء التربية بوجود ارتباط وثيق بين الاحتياجات والاهداف التربوية ، لدرجة لا يمكن معها تحقيق أو تنفيذ أي هدف دون

الأسرة ومتطلبات الأطفال 44

الالتفات إلى الاحتياجات الفردية والاجتماعية ، المادية والمعنوية ، الجسمية والروحية للانسان حتى انهم يعتقدون بأن تأمين احتياجات الطفل يجب أن يكون هدفاً تربوياً وان تتم عملية الدفع التربوية إلى الامام بهذا المستوى من الاهتمام والرعاية .
ان لم نهتم ، بالعلاقة الموجودة بين الاحتياجات وأهداف التربية بهذه الدرجة من الشدة ، ينبغي لنا ان نقر ونعترف على الأقل بوجود نوع من الارتباط والعلاقة بين هذين الأمرين ، وبأنه ليس بوسعنا أن ننظر لأي من هذين الأمرين على انه أمر بسيط ومنفصل عن الآخر .
أن أسمى الأهداف التربوية غير قابلة للتحقق بدون الاهتمام باحتياجات الافراد ، ولا ينبغي أيضاً تحقيق أو تأمين أي حاجة دون أخذ الأهداف التربوية بنظر الاعتبار .
أهمية الاسلوب والطريقة :


من هذا المنطلق ينبغي للآباء والمربين ان يجعلوا نصب أعينهم طريقة واسلوباً محسوباً ومحكماً في تأمين واشباع متطلبات الاطفال وان يلجأوا إلى تدابير معينة في هذا المجال ، وانه لمن الخطأ الاسراع بتلبية حاجة الطفل لمجرد ان يطلب شيئاً محبباً إلى نفسه ، دون الأخذ بنظر الاعتبار أي أساس اخلاقي ، أو تربوي ، أو أن يلجأ الآباء والامهات إلى تلبية طلب ما للطفل ولكن بالشكل الذي تترعرع في ظله توقعات الطفل المدللة ، أو ان يخلق لدى الطفل شعوراً بالاحتقار والاهانة .
وتجدر الاشارة إلى أن الطرق والاساليب التي يمكن ذكرها في هذا المجال كثيرة ، ولغرض الاطلاع عليها نجد من الضروري مطالعة الكتب

الأسرة ومتطلبات الأطفال 45

المتعلقة بعلم النفس التربوي وعلم نفس الاطفال ، وعلى أي حال فالاسلوب الصحيح يكمن في تهيئة أسباب نمو الطفل وسعادته في ظل تأمين احدى متطلباته وان تؤخذ الابعاد الدينية والاخلاقية ، والنفسية ، والعاطفية و . . .المختلفة بنظر الاعتبار خلال ذلك .
الضوابط اللازمة :


وبناء على ذلك لا بد من مراعاة الضوابط والاصول اللازمة في تأمين متطلبات الطفل وأهمها ما يلي :
1 ـ الاصول والضوابط الدينية:


وذلك لأننا نعتقد بأنه لا يمكن لأي امر ان يتحقق إلا عندما يتطابق مع ضوابط ديننا ، ومن الممكن للطفل أو أي انسان عموماً ان يطرح متطلبات مختلفة ويطالب بكل اصرار تحقيقها ، ولا يمكننا أن نعمد إلى اشباعها دون مراعاة التعاليم الدينية ، وعلى سبيل المثال ان نطعمه أي غذاء نجس وغير طاهر أو ان نجيز له القيام بكل عمل مخالف للدين .
2 ـ الاصول والضوابط الاخلاقية:


تستعرض المجتمعات مصادر متعددة في اختيار الاصول الاخلاقية ، وبالنسبة لنا كمسلمين فان مصدر الاخلاق ومنشأها أيضاً هو الله تعالى ، ولهذا السبب ليس بمقدورنا أن نسمح بعدم الاكتراث بالاصول الاخلاقية الحقة خلال عملية تأمين احتياج الطفل أو ان يرتكب الطفل سلوكاً للاخلاق .
ان مهمة التربية هي توجيه الطفل نحو الاخلاق والضوابط وبناؤها داخل الطفل ، ولا بد من الاهتمام بالاصول والملكات الفاضلة منذ مراحل الطفولة

الأسرة ومتطلبات الأطفال 46

الاولى ، بل ولا بد أيضاً من الأخذ بنظر الاعتبار كل ما يرتبط بالعادات والتقاليد السليمة والمتطابقة مع اعراف المجتمع الاسلامي في هذا المجال .
3 ـ مراعاة امر الاعتدال:


في كل الامور وفي جميع الموارد لا بد من مراعاة مسألة الاعتدال ، وفيما يتعلق بمسألة اشباع الاحتياج يتم التأكيد على ان يصل الطفل إلى هدفه ومراده بوضع متناسب مع العمر والظروف الروحية ، وينبغي ان لا تتقارن عملية ارضاء طلباته بتلك المصاعب والحرمان الذي يجعله معقداً ومتشائماً ، وان لا تكون أيضاً بتلك الدرجة من السهولة ، وعدم الحسبان ، والسعة المقارنة للافراط ، بحيث تجعل من الطفل مدللاً ، وكثير الانتظار ، كثير الطلب ، اتكالي ، وآمراً وناهياً .
ان احتياجات الانسان لن تكبح من وجهة النظر الاسلامية ولن تطلق وتؤمن بشكل مفرط أيضاً ، بل الأساس هو لا بد من مراعاة حالة من التعادل والتوازن في اشباعها .
4 ـ الانسجام في تأمين الاحتياجات:


لا بد من ذكر هذه الملاحظة أيضاً ، إذ لا بد من وجود الموازنة والانسجام بين جميع الابعاد الوجودية للانسان اثناء سد احتياجاته ، واثناء اشباع الاحتياج أيضاً ، وأن يكون الوضع العام من جميع الجهات بشكل تتوفر فيه الموازنة والانسجام من جميع الابعاد، وان لا يكون الامر بالشكل الذي يصار فيه إلى تأمين جميع الاحتياجات الجسمية والبدنية للطفل وعلى أحسن وجه وان تبقى احتياجاته الروحية أو الاجتماعية معلقة ، أو أن يصار إلى مراعاة الجوانب العاطفية لدى الطفل ولا تراعى احتياجاته الهامة والروحية .

الأسرة ومتطلبات الأطفال 47

ان الأساس في الحياة الاسلامية مبني على ان لا ينجر الأمر في أي بعد من أبعاد الحياة وفي القيام باي أمر من الامور إلى جانب الافراط والتفريط ، وان لا يبالغ في اصالة أي حاجة من الاحتياجات ، ومن الخطأ الاعتقاد ببلوغ البدن إلى نموه المتعادل وبقاء الروح ضعيفة تافهة ، أو أن لا يكون النمو العاطفي متوافقاً مع النمو العقلي .
5 ـ الاعتماد على ايجاد العالات المناسبة:


من الضروري اثناء تأمين متطلبات الاطفال اللجوء إلى ايجاد العادات المناسبة لدى الطفل ، ومزج مسألة اشباع الاحتياج مع ثقافة المجتمع ، ولا بد للطفل ان يتعلم اسلوب الحياة الاجتماعية بنحو معقول ، وان لا يواجه في حياته الفردية أيضاً المصاعب والعراقيل .
ان طبيعة الطفل هي بالشكل الذي ينسجم فيه وبشكل اعتيادي مع الوقائع والأحداق والأساليب والضوابط ، فلو بنيت اسس السلوك بشكل غير صحيح فان الطفل سوف يشب عليها ، وان كانت صحيحة وسليمة يتجه نحوها .
ان الطفل عندما يكبر سيعاني من صعوبات جدية لو أراد ترك عادة معينة حتى عد البعض منع المدمن من عادته مسألة في حد الاعجاز .
ضرورة تعاون الطفل :


لكي تتأصل مسألة التربية في الطفل لا يمكن ان تقتصر على طرف واحد وان تتم عن طريق المربي فقط ، صحيح ان الوالدين والمربين يتحملون على عاتقهم مسؤولية ارشاد الطفل وتوجيهه ، إلا ان المسؤولية الأهم من التوجيه ،

الأسرة ومتطلبات الأطفال 48

هي مسؤولية إعداد الطفل وتهيئة لتقبل الاصول والضوابط .
وبشكل عام طالما ان الفرد لم يطلب شيئاً فان ذلك الشيء سوف لن يتجذر ويتأصل ، وبناء على ذلك إذا لم يكن الطفل مريداً ومحتاجاً للاصول والضوابط المقترحة من قبل الوالدين والمربين ، فان جهودهم تربية الطفل وفي ادخال هذه المفاهيم إليه تشبه عملية طرق الماء في الهاون .
ولهذا السبب من الضروري ايجاد حالة من التعطش للتقبل لدى الطفل ، ولا بد من القيام بما يحمل الطفل على الشعور لحاجة ما ، ولن يتيسر ذلك إلا عندما نحمله على استخدام قوته العقلية ، وتسخير امكانياته في هذا المجال .
وبالمقابل لا نطمح مطلقاً إلى تبديل حالة الاحتياج لدى الطفل إلى عدم الاحتياج لأن ذلك يعني السقوط أو الكبح ، وأيضاً فان الطفل في مثل هذه الحالة سيصبح يوماً بعد آخر اضعف ، واكثر غضباً ونفوراً ، والمهم بالنسبة لنا ان يفهم الطفل ماذا يريد ؟ وكم يمكن ان يكون طلبه هذا معقولاً ؟ ولماذا يجب عليه ان يتقبل توجيهات وارشادات الوالدين والمربين في هذا المجال .
تهيئة الامكانيات :


قلنا انه من الضروري على الوالدين تأمين متطلبات الأطفال بنحو متعادل ومتعارف عليه ، ومن الطبيعي في هذه الحالة ان يعمد إلى تهيئة الامكانيات ، وكل حاجة مهما كانت صغيرة وغير ذات أهمية تحتاج إلى بعض الشروط والمستلزمات لكي تؤمن وتشبع بشكل سليم ، ويتحمل الوالدين في هذا الصدد نوعين من المسؤولية :
1 ـ مسؤولية ترتبط بهم ، بتهيئة الظروف والامكانيات اللازمة للقيام

الأسرة ومتطلبات الأطفال 49

بالواجب الذي حدده الله تعالى لهم ، وايصال عبء هذه الامانة أو تربية الابناء إلى الهدف المراد .
2 ـ ان يهيؤوا الأرضية والظروف اللازمة للطفل لكي يقوم بتأمين احتياجاته بنفسه ، ويصل بالتالي تدريجياً إلى مرحلة النضج والاستقلال ، ومن الخطأ ان يبقى الطفل دائماً عنصراً مستهلكاً ، وان لا يقوم بما يلزم حتى في الامور التي بامكانه القيام باداء شيء ما فيها .
مراعاة الاولويات :



في الوقت الذي نقول فيه بلزوم انتهاج اسلوب الاشباع المنسجم والمتوازن لجميع الاحتياجات ، ينبغي الالتفات إلى هذه المسألة أيضاً ؛ وهي ان بعض الاحتياجات تمتلك حق التقديم على غيرها ، ولا بد ان تحظى بأولوية معينة . وبعبارة اخرى لا ينبغي غض النظر عن الأهمية النسبية لبعض الاحتياجات وأولوياتها .
قبل ان نقوم بتلبية حاجة الطفل المظهرية من الضروري أولاً ان نشبع معدته لئلا يموت من الجوع ، أو قبل ان نهتم بتوقوية اعضائه ورفع كفائتها ينبغي ان نضع نصب أعيننا سلامته البدنية والروحية لكي لا يفنى بسبب المرض . وهكذا هو الوضع تجاه سائر الاحتياجات الاخرى .
لا شك ان الطفل يحتاج إلى الادب والاخلاق ، وللنظم والترتيب ، وإلى الكمال والنضج والفضيلة ، ولكن الأمن الحماية مقدمان على جميع ما تقدم ذكره ، ذلك انهما يوفران الأرضية اللازمة لكي يعتمد ويثق بنفسه . وطالما لم يتم تأمين هذا الأمر للطفل فان توقع الاخلاق الحسنة والأدب من الطفل توقع في محله .

الأسرة ومتطلبات الأطفال 50

فالغرض يكمن في ان يدرك الوالدان والمربون ماهية توقعاتهم من الطفل ، وفي ظل أي من الضوابط والاصول ، وكيف يمكن للأب أو الأم ، ان ينتظروا صدور الأدب والأخلاق والنضج والفضيلة من الطفل بعد أن يسلبوه أمنه الروحي من خلال خلافاتهم ومشاجراتهم ، أو الوالدين اللذين يظهرون عدم اكتراثهم أمام دموع الطفل وتحرقه وبكائه ، كيف يمكنهم ان يتوقعون منه ان يكون في المستقبل فرداً عاطيفاً ومحباً للناس ؟
الاحتياجات وشروط النمو :


لا بد من الأخذ بنظر الاعتبار شرائط متعددة في تأمين احتياجات الاطفال والتي من ضمنها شرط النمو ، وهذا النمو يشمل النمو السني ، والكفري ، والتجريبي ، والتعليمي والعاطفي والاخلاقي و . . . الخ .
تحيط بالانسان في كل مرحلة من مراحل حياته بعض الشروط والمقتضيات ، لا يمكنه من اغفالها عند اتخاذ قرار ما بشأنه ، وتتفاوت الاحتياجات فيما بينها في كل مرحلة من مراحل العمر ، وتتفاوت كيفية تأمينها تبعاً لذلك أيضاً .
ان الطفل بحاجة إلى الاحترام ، وهذا الاحترام بمكن اظهاره في سني الطفولة عن طريق الاحتضان ، والاطعام ، والمداعبة ، والاصغاء إلى احاديثه وبطرق اخرى في سني الحداثة والشباب ، الأساس هو ان نعطي لكل فرد ذلك الشيء الذي هو بحاجة إليه وان نعطيه ذلك بشكل يليق به دون ان نتجاوز حدود الافراط والتفريط في كل الأحوال

* * *


الأسرة ومتطلبات الأطفال 51

الفصل الخامس

دور الأسرة في تأمين
حاجة الطفل
المقدمة


ان محيط الأسرة يعد أول وأهم محيط لتربية وبناء وتأمين احتياجات الطفل ، ومسألة تربية الطفل في البيت تكتسب طابعاً أفضل وأكثر انتظاماً خاصة فيما يرتبط بمسألة المحبة والعدل ، والرحمة والانضباط التي تطبق بصورة متزامنة في المحيط العائلي .
نحن لا ندعي بان جميع العوائل تعتبر موفقة في مسألة تربية الاطفال ، بل نقول ان العائلة الاكثر توفيقاً في تربية الطفل هي التي تدرك بنحو افضل واكثر من الآخرين احتياجات الاطفال ، وتتمتع بصلاحية أفضل وتوفيق أكثر في تأمينها .
ان البيت مكان جيد بالنسبة للطفل ، وتتضح أهمية ذلك دائماً عندما يواجه الفرد حالة التشرد أو يعاني من جو عائلي مضطرب ، ان الآثار المتولدة عن هذا الأمر تطال جميع الأفراد إلا أنها تصيب الاطفال بأضرار اضافية .


الأسرة ومتطلبات الأطفال 52

اخلاص العائلة في تأمين الاحتياج :


ظهرت في القرن الأخير مجموعة من المتخصصين الذين أرادوا أن يبعدوا الاسرة عن مسؤوليتها الأساسية المعروفة ، وان يوكلوا مسألة التربية وتوجيه الاطفال بايدي مراكز التربية وحضانة الاطفال ، ان هذه الارادة والفكرة اكتسبت في بعض المجتمعات طابعاً عملياً إلا ان نتيجة تربية هذا النسل كانت مؤسفة ، لانه لوحظ بان اجواء هذه المؤسسات مهما كانت دافئة وبناءة إلا انها لن تتمكن ان تحل محل الاسرة مطلقاً .
والحكمة في هذه المسألة تكمن في ان الاطفال بحاجة إلى الافراد الذين يتمتعون بالاخلاص وحسن النية ، اضافة إلى المهارة والحرص فيما يتعلق بمسألة توجيههم وتربيتهم ، وبامكان الآباء والامهات ايفاء هذا الدور والنهوض بواجبهم أما المربون فينذر نجاحهم بايفاء هذه المسؤولية .
ان اخلاص والدي الطفل في إداء واجبهم الملقى على عاتقهم وحمايته واحتضانه ، يعتبر بحد ذاته أمراً بناءً وفعالاً ، فإذا وضعت الام ثديها في فم الطفل وسدت حاجته من الغذاء ، فانها تقدم على هذا العمل بكل كيانها ، وهذا بحد ذاته يعتبر عاملاً مهماً في بناء ونمو الطفل . انها ليست كالآخرين لتتوقع الهدية وأخذ الاجرة على هذا العمل .
تأمين الاحتياج في السنين الأولى :


النقطة الاخرى التي توضح اهمية الاسرة هي ملازمتها للطفل في سني حياته الاولى ، نحن نعلم ان السنين الستة الاولى من حياة الطفل تعد مرحلة

الأسرة ومتطلبات الأطفال 53

مصيرية في تحديد مستقبله ، وتوضع اللبنات الاولى للحياة والفكر والسلوك في هذه السنين ، فتجارب الطفل الاولى عن الحياة ، ووجهات نظره واستنتاجاته التي سيكتشفها عن الحياة فيما بعد كلها تعتمد على هذه السنين ، والطفل خلال هذه السنين موجود في الاسرة .
وينهمك الوالدان في هذه المرحلة بتأمين أهم وأثمن المتطلبات لدى الطفل مثل تأمين الطعام ، والشراب ، النوم ، الاستراحة ، الحاجة إلى الحنان والحماية ، حسن الهندام ، التسلط و . . . الخ ، إذ يوفقون في إداء هذه المسؤولية ايما توفيق وبأحسن وجه ، ولعلكم تعرفون امهاتاً يقللن من غذائهن اليومي لتأمين غذاء اطفالهن أو يفضلن الطفل ويقدمنه على انفسهن في النوم والاستراحة .
ولهذا السبب فان الطفل يشعر بالارتياح التام والسرور جراء هذه الجهود والمساعي ، وتتأطر شخصيته وعواطفه في مثل هذه الظروف بأطار مفعم بالحيوية تلازمه طيلة حياته .
ان جوانب الاطمئنان والأمان لدى الطفل التي تنشأ في جو الاسرة تصبح فيما بعد سبباً لايجاد الآثار الحسنة والمتميزة لديه .
الصلة بين الحاجة والثقافة :


لا شك ان الوالدين والمربين هم ممثلو المجتمع وصنيعته ، وان ثقافة المجتمع اثرت فيهم وقاموا بنقل هذا التأثير إلى الابناء ، وعلى هذا الاساس يمكن القول ان الطفل يلد من بطن الثقافة ويتأثر بها بشدة .
ومع الأخذ بنظر الاعتبار ان السنين الاولى تلعب دوراً أساسياً في تربية

الأسرة ومتطلبات الأطفال 54

الطفل ، فمن الضروري ان يلتفت الوالدين والمربين لهذا الأمر اثناء القيام بتأمين الاحتياج ، وان يقوموا بنقل الآداب والتقاليد القيمة والمدروسة الهادفة إلى خير وصلاح الطفل ، وما أكثر الآداب والتقاليد الموجودة في طريق حياة الانسان ونموه والتي تكون ذات ماهية معادية للانسانية والاسلام .
وينبغي على الوالدين فيما يتعلق بتأمين الاحتياجات ان يأخذوا هذه المسألة بنظر الاعتبار ويجعلونها نصب أعينهم .
الصلة بين الحاجة واقتصاد الاسرة :


نعرف الكثير من الاسر التي تواجه الفقر والعوز في المجال الاقتصادي وليس بمقدورهم تأمين متطلبات الأطفال ، مثلاً تجد ان طفلاً مولع بغذاء ما إلا ان الوالدين لا يستطيعون تأمينه ، أو ان طفلاً يطلب لعباً معينة وليس بمقدور الام والأب تأمينه له ، وقد يرون انهم يستحقون العتب واللوم في هذا المجال أيضاً .
ويجب ابتداءً ان نتذكر هذه الملاحظة ؛ وهي أن تأمين الاحتياج لا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالوضع المالي للاسرة بالرغم من ان هذا الأمر لا يمكن ان يعد بسيطاً وغير مهم أيضاً ، وما اكثر الوالدين والمربين الذي يجعلون الطفل لا يبالي بالاحتياجات من خلال زرع مفاهيم عزة النفس فيه .
بعض الاصول في تأمين الاحتياج :


في مجال تأمين الاحتياجات يجب على الوالدين والمربين ان يأخذوا بعض الاصول والضوابط بنظر الاعتبار واهمها ما يلي :
1 ـ ان الاحتياجات تختمر وتنضج تحت تأثير التربية ، ويجب على

الأسرة ومتطلبات الأطفال 55

الوالدين ان يكونوا فاعلين في هذا المجال .
2 ـ لا بد من تصحيح الاحتياجات في الاطفال وان لا يكون الأمر بالشكل الذي يجعل فيه الوالدين انفسهم خداماً للطفل .
3 ـ لغرض تأمين احتياجات الطفل من الضروري ان نأخذ بنظر الاعتبار خصائص ومميزات شخصية الطفل خاصة وان بعض الاطفال يتمتعون بذكاء متميز وعزة نفس سامية .
4 ـ لا ينبغي ان ننظر الى اليوم الحالي في تأمين متطلبات الطفل فقد ، إذ ان للطفل غد أيضاً ، يجب ان نلاحظ هل بالامكان تأمين الاحتياجات في المستقبل أيضاً ؟
5 ـ من المهم ان ننظر إلى احتياجات الاطفال كما ننظر إلى احتياجاتنا حتى يشعر الطفل بالزهو من الناحية النفسية .
6 ـ يجب ان ترتبط الاحتياجات بالأهداف والافكار التربوية الاساسية وامكانيات النمو ، ومن الضروري اخذ الفوارق الفردية في هذا الخصوص بنظر الاعتبار دون ان يشعر بقية اطفال العائلة بالتمييز فيما بينهم .
ضرورة وعي الوالدين


لغرض اعطاء الاطفال احتياجاتهم من الضروري ان يحصل الوالدين والمربين على المعلومات اللازمة وان يستخدموا الأساليب الصحيحة والمنطقية في تأمين متطلبات الأطفال الأساسية ، ولو اقررنا بان الطفل أمانة إلهية بين ايدي الوالدين يجب ان نقبل بأن عليهم مسؤوليات معينة في المحافظة على هذه الامانة وان القيام بها مرهون بالمعلومات اللازمة في هذا

الأسرة ومتطلبات الأطفال 56

المجال .
يجب على الوالدين ان يعرفوا ما هي احتياجات الطفل ؟ وكيف يتم تأمينها ؟ وما هي الاصول والحدود التي يجب مراعاتها في هذا الصدد ؟ وما هي الآثار الناجمة عن الافراط والتفريط في هذا المجال ؟ وما هو الموقف الذي ينبغي اتخاذه ؟ وكل ذلك انما يحصل لغرض تأمين جو مساعد لتلبية المتطلبات المشروعة للاطفال آخذين بنظر الاعتبار الظروف المختلفة في هذا المجال .

* * *


الأسرة ومتطلبات الأطفال 57

الفصل السادس

تصنيف الاحتياجات

المقدمة:


ان الاجابة على السؤال القائل ما هي احتياجات الاطفال ؟ بحاجة إلى تفحص وتعمق كبيرين ، ولكن من المسلم به ان متطلباتهم متعددة وواسعة جداً ، ودراسة جميع جوانبها أمر في غاية الصعوبة .
ولا نرمي في بحثنا هذا ان نتناول جميع ابعاد وجوانب القضية ، والذي يحتاج بحد ذاته إلى مزيد من الوقت والكثير من المجلدات ، إذ ليس من المتيسر للوالدين مطالعة ذلك كله ، بل الغرض هو اعطاء صورة مقنعة نسبياً وموجهة في هذا المجال ، وفتح فصل بهذا الصدد ليكون بمثابة تذكرة ودافعاً لليقظة والانتباه لا غير ، ومن الطبيعي ان نراعي الاختصار في هذه الحالة كاساس في برنامج عملنا .


الأسرة ومتطلبات الأطفال 58

تصنيف الاحتياجات :


لقد تم تصنيف الاحتياجات بناءً على الرؤى ووجهات النظر المتعددة ، وسعى كل عالم إلى اجراء تصنيف خاص ، وفق ما يتناسب مع فهمه ورؤيته الخاصة تجاه المسائل المتعلقة بها ، ونحن إذ يتعذر علينا الاشارة إلى جهودهم في هذا المجال ، ومراعاة منا للاختصار اشرنا هنا إلى بعض النماذج من هذه التقسيمات ، وسنذكر في النهاية رؤيتنا الخاصة بهذا الصدد .
1 ـ تصنيف مازلو:


يرى هذا العالم ان الاحتياجات لها تسلسل معين ، إذ يمكن الاشارة إلى كل منها وتناولها بالبحث والدراسة بناءً على أهميتها وطبيعتها ، وقد ذكر احتياجات الانسان بناءً على درجة اهميتها وكما مبين أدناه :
  • الاحتياجات الفسيولوجية أو الجسمانية ، وتشمل الحاجة إلى المأكل والملبس والمسكن والهواء والتغوط و. . . الخ .
  • الاحتياجات الأمنية والتي تشمل التخلص من الخوف ، الصون من الاعتداء ، الوقاية امام التغييرات الجوية ، الثبات والنظم ، و . . . الخ .
  • الاحتياجات الاجتماعية وتشمل الحاجة إلى الحب ، والود ، والتعلق ، وابراز الشخصية ، التآلف ، وامتلاك العلاقات العاطفية و . . . الخ .
  • الاحتياج إلى الحرمة والمقام والمكانة وتشمل الاهتمام ، والاحترام ، والتمتع بالحرمة واعتبار الطفل ذو أهمية ، والتعريف بمهاراته و . . . الخ .
  • الحاجة إلى اكتشاف ومعرفة النفس ، امتلاك الفرصة لاكتشاف

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 59

    الذات ، الاستفادة من القابليات ، احترام احكامه وتشخيصاته ، الاستقلال في الفكر والرأي ، الاعتراف بالقابليات الذاتية ، وبالتحمل النفسي ، الشهرة والاعتبار وطلب الكمال . . .
    2 ـ تصنيف موري:


    وهو عالم آخر قام بتصنيف جميع متطلبت الانسان إلى طبقتين :
  • الاحتياجات التي لها منشأ داخلي مثل الحاجة إلى الماء والغذاء والهواء والغريزة ، والتغوط ، والتخلي و . . . الخ .
  • الاحتياجات التي لها منشأ ذهني مثل الحاجة إلى النجاح ، التبعية ، طلب الكمال ، الهوية ، والاستقلال . . . الخ .
    3 ـ تصنيف هربرت كارل:


    ويقوم هو الآخر بتصنيف مجموعة احتياجات الانسان إلى مجموعتين :
  • الاحتياجات الاساسية مثل الحاجة إلى الامن البدني ، والامن العاطفي ، التطور والقاعدة الاجتماعية .
  • الاحتياجات الفرعية ، وتشمل باقي احتياجات الانسان .
    4 ـ تصنيف غرانباخ:


    ان غرانباخ الذي يعد من اصحاب الرأي في مسائل علم النفس التربوي يرى ان مجموعة احتياجات الانسان عبارة من :
    الحاجة إلى المحبة ، الحاجة إلى موافقة المراجع ، وموافقة الجميع ، الاستقلال ، التقدير والاحترام ، ويرى ان احتياجات الانسان ترتبط بشكل أو آخر بهذه الاحتياجات التي ذكرت .

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 60

    5 ـ تصنيف اريك فروم:


    اريك فروم الذي يعد من اصحاب الرأي في المسائل الانسانية يرى ان مجموعة احتياجات الانسان عبارة عن :
  • الحاجة إلى التبعية .
  • الحاجة إلى التفوق والرقي .
  • الحاجة إلى الاصالة .
  • الحاجة إلى الهوية .
  • الحاجة إلى الاطار التوجيهي . ويرى ان باقي احتياجات الانسان ترتبط بنحو أو بآخر باحدى هذه الموارد .
    6 ـ تصنيف كارن هورناي:


    هذا العالم الذي يعد من اصحاب الرأي والاجتهاد فيم سائل علم النفس يذكر عشرة أنواع من الاحتياجات للانسان ، وهي عبارة عن الحاجة إلى :
    المحبة ، تعلق النفس والانتساب ، القوة والسلطة ، المكانة والمقام الاجتماعي ، النشاط ، الاستقلال الآخرين ، التحدد في مسؤوليات الحياة ، الكمال امتلاك الشريك والمسؤولية و . . . الخ .
    7 ـ تقسيمات الآخرين:


    ان القيام بذكر جميع التصنيفات في مجال الاحتياجات يؤدي إلى اطالة الكلام ومن الصعب تلخيصها والخروج بنتيجة منها ، ومراعاة للاختصار نستعرض مجموعة اخرى من التصانيف :

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 61

  • الاحتياجات الغريزية ، والفطرية ، والاجتماعية .
  • الحاجة إلى اللطف ، وإلى المقبولية ، والاستقلال والاحترام والتمكن .
  • الاحتياجات الجسمية ، والعاطفية ، والنفسية .
  • الاحتياجات الجسمية ، والامنية ، والمحبة ، وعزة النفس ، والازدهار الذاتي والفهم .
  • الحاجة إلى المحبة ، إلى تثبيت الوضع في المجتمع ، وإلى ابراز المعتقدات ، واحترام النفس ، والاستقلال الشخصي ، الاعتماد على النفس ، الأمن ، الهدف ، النظم ، القوة ، الجنس ، السيطرة على المحيط ، النظم المنطقي في الافكار .
  • الحاجة إلى الارتباط ، الصيت ، المحبة ، والحماية ، السلامة والصحة ، المأكل ، الملبس والمسكن ، السيطرة على التربية والتعليم و . . . الخ .
  • الاحتياجات الفسيولوجية والجمالية ، والمعرفية والعاطفية ، والاجتماعية ، والامنية .
    الشيء الذي انجزناه :


    لقد قمنا أيضاً بتقسيم الاحتياجات البشرية إلى 6 مجاميع بناءً على ما جاء اعلاه وكما يلي :
    1 ـ الاحتياجات المعيشية الجسمية:


    وتشمل المأكل ، الحاجة الى النوم والاستراحة ، الحاجة إلى الملبس ، الحاجة إلى اللعب والحركة ، الحاجة الى الصحة ، الحاجة إلى المسكن ،

    الأسرة ومتطلبات الأطفال 62

    الحاجة إلى التجربة ومهارة لاعطاء .
    2 ـ الاحتياجات العاطفية:



    وتشمل الحاجة إلى القبول والمحبة ، الحاجة إلى الاحترام والاهتمام ، الحاجة إلى التقدير والاستحسان ، الحاجة إلى المواساة ، الحاجة إلى السيطرة والمراقبة ، الحاجة البكاء ، الحاجة إلى الحيوية والنشاط .
    3 ـ الاحتياجات النفسية:


    وتشمل الحاجة إلى الحماية والأمن والنجاح ، والحاجة إلى التظاهر ، الحاجة إلى عزة النفس والثقة بالنفس ، الحاجة إلى التنوع والصحة النفسية .
    4 ـ المتطلبات الاجتماعية:


    وتشمل الحاجة إلى الارتباط ، والمعاشرة والمشاركة والحاجة إلى التقليد ، والحاجة إلى الدفاع ، والحاجة إلى القوانين ، والنظام ، والحاجة إلى الادب والاخلاق .
    5 ـ الاحتياجات المثلى:


    وتشمل الحاجة إلى معرفة الذات ، الحاجة إلى الوعي ، الحاجة إلى الهدفية ، الحاجة إلى الثناء والاطراء ، والحاجة إلى النمو والكمال .
    6 ـ الاحتياجات الصنف الخاص من الاطفال:


    وتشمل احتياجات الايتام ، والمعاقين ، والمتخلفين عقلياً واحتياجات الاطفال الاذكياء ..


  • السابق السابق الفهرس التالي التالي