المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 26

سيدة نساء عالمك (18) .
ويقرر الامام السيد عبد الحسين شرف الدين ( رحمه الله ) أفضلية الزهراء وتفوفها على كل بنات حواء قاطبة بما فيهن السيدة مريم بن عمران (عليها السلام) فيقول :
[ وحسبك في تفضيل الزهراء انها بضعة من سيد الانبياء ولا نعدل به ولا ببضعته أحداً من العالمين ، وقد وافقنا في تفضيلها جمهور المسلمين وصرح به كثير من المحققين نقل ذلك عنهم غير واحد من العلماء الباحثين المتتبعين ، كالمعاصر النبهاني حيث قال في احوال الزهراء من كتابه ( الشرف المؤبد ) ما هذا لفظه : وصرح بافضليتها على سائر النساء حتى على السيدة مريم كثير من العلماء المحققين ومنهم التقي السبكي والجلال السيوطي والبدر الزركشي والتقي المقريزي . قال : وعبارة السبكي حين سئل عن ذلك : الذي نختاره وندين به أن فاطمة بنت محمد أفضل ، قال : وسئل عن مثل ذلك ابن أبي داوود فقال : إن رسول الله ( ص ) قال : « فاطمة بضعة مني » ولا أعدل ببضعة رسول الله ( ص ) أحداً . ونقل المناوي : هذا عن جمع من الخلف والسلف ] (19) .
( 4 ) أخواها الحسن ( ع ) ( 3 ه 50 ه ) ، الحسين ( ع ) ( 4 ه 61 ه ) .
ويكفي في فضلهما وشأنهما ما رواه المسلمون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تبيين مكانتهما كالحديث الذي رواه حذيفة بن اليمان قال : أتيت النبي فصليت معه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم تبعته وهو يريد ان يدخل بعض حجره فقام وأنا خلفه كأنه يكلم أحداً قال : ثم قال : من هذا ؟ .
قلت : حذيفة .

(18) ( الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء ) عبد الحسين شرف الدين ص 80 .
(19) المصدر السابق ص 77 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 27

قال : أتدري من كان معي ؟ .
قلت : لا .
قال : فان جبرئيل جاء يبشرني ان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة (20) .
وعن يعلى بن امية قال : جاء الحسن والحسين يسعيان الى رسول الله ( ص ) فأخذ أحدهما فضمّه الى إبطه وأخذ الآخر فضمّه الى إبطه الآخر ، وقال : « هذان ريحانتاي من الدنيا من أحبّني فليحبهما » (21) .
وروى سلمان الفارسي قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : « الحسن والحسين ابناي من أحبهما أحبني ومن أحبني أحبه الله ومن أحبه الله أدخله الجنة ، ومن أبغضهما أبغضني ومن أبغضني أبغضه الله ومن أبغضه الله أدخله النار » (22) .
ومما أشتهر بين المسلمين قوله (صلى الله عليه وآله) : « الحسن والحسين امامان ان قاما وان قعدا » (23) .
وحياة الحسنين ( ع ) وسيرتهما سجل عظيم رائع للمكارم والفضائل ، والتاريخ يكبر للامام الحسن ( ع ) موقفه السياسي الحكيم في الصلح مع معاوية ، وللإمام الحسين ( ع ) ثورته الخالدة التي أصبحت منبعاً يستلهم منه الأحرار والثائرون روح التضحية والبطولة والفداء .
وبعد هذا الاستعراض السريع لأهم أقرب الشخصيات للعائلة التي انحدرت

(20) ترجمة الإمام الحسن من ( تاريخ مدينة دمشق ) ابن عساكر ص 72 .
(21) المصدر السابق ص 85 .
(22) ( حياة الإمام الحسن ) باقر شريف القرشي ج 1 ، ص 98 .
(23) المصدر السابق ، ص 102 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 28

منها السيدة زينب ( ع ) ، والذي اتضح لنا من خلاله عظمة وأفضلية كل قطب من أقطاب بيتها الطاهر يمكننا القول بثقة واطمئنان ان لا أحد يداني السيدة زينب في عراقة النسب وشرافة الحسب فهي أفضل الناس جداً وأباً وأماً وأخاً عدا عن بقية أطراف نسبها الطاهر . وينطبق عليها ما قاله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حق أخويها الحسن والحسين ( ع ) حسب رواية ابن عباس ان رسول الله ( ص ) أتى المسجد فقام والحسنان ( ع ) على عاتقيه ثم قال :
« معاشر المسلمين : ألا أدلكم على خير الناس جداً وجدة ؟ قالوا : بلى يا رسول الله .
قال : الحسن والحسين جدهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) خاتم المرسلين ، وجدتهما خديجة بنت خويلد سيدة نساء أهل الجنة .
ثم قال : ألا أدلكم على خير الناس عماً وعمة ؟ .
قالوا : بلى يا رسلول الله .
قال : الحسن والحسين عمهما جعفر بن أبي طالب وعمتهما أم هاني بنت أبي طالب .
ثم قال : أيها الناس ألا أدلكم على خير الناس خالاً وخالة ؟ .
قالوا : بلى يا رسول الله .
قال : الحسن والحسين خالهما القاسم بن رسول الله وخالتهما زينب بنت رسول الله .
ثم قال : اللهم إنك تعلم ان الحسن والحسين في الجنة وعمهما في الجنة وعمتهما في الجنة ومن أحبهما في الجنة ومن أبغضهما في النار
» (24) .

(24) المصدر السابق ، ص 100 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 29




المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 30

اشراقة النور


المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 31

في السنتين الخامسة والسادسة للهجرة النبوية ، دخل المسلمون مرحلة جديدة تميزت بتثبيت الوجود والكيان الاسلامي بعد سنوات من النضال والمقاومة والمعاناة .
فقد بادر المسلمون في هاتين السنتين الى القيام بحملات عسكرية هجومية ضد أعدائهم الذين كانوا يتآمرون ويتهيئون للقضاء على القوة الاسلامية الناشئة ، وبذلك يكون المسلمون قد تجاوزوا مرحلة الدفاع الى مرحلة المبادرة والهجوم .
ومن الغزوات السريا التي حصلت خلال هاتين السنتين :
غزوة ذات الرقاع :

والتي يروى أنها حصلت في شهر المحرم من السنة الخامسة للهجرة ، حيث قاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أربعمائة رجلٍ من أصحابه للهجوم على جماعة من غطفان من بني محارب وبني ثعلبة بنجد حيث بلغه انهم يعدّون العدة لمحاربته (1) .

(1) ( سيرة الرسول وخلفاؤه ) السيد علي الحسني ج 3 ، ص 257 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 32

غزوة دومة الجندل :

وكانت في شهر ربيع الأول في السنة الخامسة للهجرة ، حيث هاجم رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رأس ألف من أصحابه جمعاً من المشركين في منطقة قريبة من دمشق الشام حيث يفصل بينها وبين الشام مسير خمس ليال ، بينما تبعد عن المدينة مسير خمسة عشر يوماً ، ويبدو أن هذه الغزوة كانت بمثابة رسالة واشارة لقيصر ملك الروم كما يشير بعض المؤرخين (2) .
غزوة بني المصطلق :

وقعت في شهر شعبان من السنة الخامسة للهجرة ، وبنوا المصطلق بطن من خزاعة كانوا يقيمون في ناحية بين مكة والمدينة وقد علم المسلمون أن بني المصطلق يشترون الأسحلة والخيول استعداداً للهجوم على المسلمين ، فبادرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سبعمائة رجل من أصحابه فهزمهم (3) .
غزوة الخندق أو ( واقعة الأحزاب ) :

وهي من المعارك الحاسمة والفاصلة في تاريخ المسلمين ، حيث تآمر اليهود وقريش وغطفان والعديد من قبائل الكفار المعادية وحشدوا لهم جيشاً كبيراً يقدر بعشرة الآف رجل مع استعداد عسكري ضخم ، وقرروا الهجوم على المدينة وانهاء الوجود الاسلامي .
وأمام هذا الحشد الرهيب الزاحف نحو المدينة شاور الرسول ( ص ) أصحابه في الموقف وقرروا حفر خندق حول المدينة يمنع هجوم الأعداء عليها وكانت تلك فكرة سلمان الفارسي ( رضي الله عنه ) .
وبالفعل فوجئت الأحزاب بهذه الخطة ولم يستطيعوا اقتحام المدينة ، ولما اقتحم أبرز فرسان التحالف المعادي وهو عمرو بن عبد ودّ العامري والمعروف بقوته

(2) ( تاريخ الاسلام ) الحافظ الذهبي كتاب المغازي ص 258 .
(3) المصدر السابق ، ص 259 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 33

وشجاعته استقبله الإمام علي بن أبي طالب ( ع ) بشجاعة نادرة وتصاول معه ثم أرداه قتيلاً مما أوقع الهزيمة في نفوس الجيوش المتحالفة وعادت خائبة .
وأكدت غزوة الخندق التي وقعت في شهر شوال في السنة الخامسة للهجرة مناعة الدولة الاسلامية وعجز الأعداء أمامها مهما تآمروا وحشدوا من قوة .
غزوة بني قريظة :

وهم من اليهود وقد تآمروا مع الأحزاب ضد المسلمين في واقعة الخندق لذلك بادرهم النبي (صلى الله عليه وآله) بالهجوم بعد الخندق مباشرة أواخر شهر ذي القعدة للسنة الخامسة للهجرة ، وحاصرهم وكانوا متحصّنين في منطقتهم حوالي عشرين ليلة ، حتى استسلموا ، محكّمين أحد الصحابة في أمرهم وهو سعد بن معاذ فحكم بقتل رجالهم المحاربين وسبي نسائهم وصارت أموالهم الكثيرة وأسلحتهم غنائم عظيمة للمسلمين (4) .
اضافة الى هذه المعارك الهامة كانت هناك سرايا كثيرة خلال هاتين السنتين ، حيث بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعض فرق جيشه لمواجهة القوى المناوئة للمسلمين ، ومنها :
1 سرية نجد بقيادة محمد بن مسلمة في شهر المحرم السنة السادسة للهجرة (5) .
2 سرية عكاشة بن محصن الى الغمر قرب المدينة في ربيع الأول السنة السادسة (6) .
3 سرية أبي عبيدة الى ذي القصة قرب المدينة (7) .

(4) ( الكامل في التاريخ ) ابن الأثير ، ج 2 ، ص 185 .
(5) ( المغازي ) الحافظ الذهبي ص 350 361 .
(6) ( المغازي ) الحافظ الذهبي ص 350 361 .
(7) ( المغازي ) الحافظ الذهبي ص 350 361 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 34

4 سرية زيد بن حارثة الى بني سليم بالجموم قرب المدينة (8) .
5 سرية زيد بن حارثة الى الطراف (9) .
6 سرية زيد بن حارثة الى العيص في شهر جمادي الأولى للسنة السادسة (10) .
7 سرية زيد بن حارثة الى جسمس خلف وادي القرى في شهر جمادي الثاني للسنة السادسة (11) .
8 سرية زيد بن حارثة الى وادي القرى بين الشام والمدينة في شهر رجب السنة السادسة (12) .
9 سرية علي بن أبي طالب الى بني سعد بن بكر بفدك في شهر شعبان للسنة السادسة (13) .
10 سرية عبد الرحمن بن عوف الى دومة الجندل في شهر شعبان أيضاً (14) .
11 سرية كرز بن جابر الفهري الى العرتين في شهر شوال للسنة السادسة (15) .
12 سرية عبدالله بن رواحة الى اسير بن زارم اليهودي في شهر شوال أيضاً (16) .

(8) ( المغازي ) الحافظ الذهبي ص 350 361 .
(9) ( المغازي ) الحافظ الذهبي ص 350 361 .
(10) ( المغازي ) الحافظ الذهبي ص 350 361 .
(11) ( المغازي ) الحافظ الذهبي ص 350 361 .
(12) ( المغازي ) الحافظ الذهبي ص 350 361 .
(13) ( المغازي ) الحافظ الذهبي ص 350 361 .
(14) ( المغازي ) الحافظ الذهبي ص 350 361 .
(15) ( المغازي ) الحافظ الذهبي ص 350 361 .
(16) ( المغازي ) الحافظ الذهبي ص 350 361 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 35

الى العديد من السريا الأخرى . أما الحدث الأهم في السنة السادسة للهجرة على الصعيد العسكري والسياسي فكان صلح الحديبية حيث خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في شهر ذي القعدة للسنة السادسة على رأس حوالي ( 1500 ) من أصحابه قاصداً دخول مكة للعمرة وزيارة البيت الحرام ، فكان في ذلك أحراج كبير لقريش ، مما دفعها للمفاوضات مع المسلمين والتي انتهت بعقد اتفاقية الصلح بين قريش والمسلمين والتي عرفت بصلح الحديبية ، وكان محتواها اعتراف قريش بكيان الإسلام ووجود المسلمين (17) وقد سماها القرآن الكريم فتحاً مبيناً « إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحَاً مُبِيَناً »(18) .
وهكذا تجذرت قوة المسلمين خلال هذه الفترة ، واستثماراً لذلك وتتوجياً له بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رسائل الى ملوك العالم ككسرى ملك الفرس وقيصر ملك الروم والنجاشي ملك الحبشة ، كما بعث للمنذر بن ساوى زعيم عبد القيس حاكم البحرين وجيفربن جلندي وعباد بن جلندي صاحبي عمان ، والى المقوقس صاحب الاسكندرية وغيرهم . . . وقد تضمنت تلك الرسائل دعوة الملوك الى الاسلام وتعريفهم بدعوته وقد استجاب العديد منهم للدعوة واعتنق الاسلام مع قومه .
هذا على المستوى السياسي العام ، أما على المستوى الداخلي للمجتمع الاسلامي فقد كانت مبادئ الاسلام وقيمه تتعمق في النفوس أكثر على حساب رواسب الجاهلية والكفر ، وكانت محاولات المغرضين غير الصادقين في اسلامهم تفشل في إثارة النعرات الجاهلية ، كما حصل في غزوة بني المصطلق من تحريض رأس النفاق ابن اُبي على الفتنة بين المهاجرين والأنصار لكن محاولته وئدت بوعي

(17) ( سيرة الرسول وخلفائه ) السيد علي الحسني ج 3 ، ص 407 .
(18) سورة الفتح ، الآية (1) .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 36

المسلمين وتصدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
وكان للوحي الآلهي دور أساسي في انجاح عملية تجذير القيم الايمانية الجهادية في نفوس المسلمين ، حيث كان يكشف ويفضح الحالات النفاقية التي كانت تحصل في تلك الفترة من قبل بعض المنضوين تحت راية الاسلام ، ففي غزوة الخندق تخلفت طائفة من المنافقين عن العمل في حفر الخندق بمبرر الضعف والعجز . كما أن البعض كان يتسلل ويهرب خفية عن القيام بواجبه ، فنزل الوحي متحدثاً عن هذه الظاهرة موبخاً المنافقين كاشفاً لسلوكهم ، وذلك في أواخر سورة النور من قوله ( تعالى ) : « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءَآمَنُواْ بِاللَهِ وُرَسُولِهَ وُإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّم يَذهَبُوا حَتَّى يَسْتَئْذِنُوْهُ » الى قوله ( تعالى ) : « قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عََن أَمْرِهِ أَنْ تُصِيْبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوُْيُِصْيَبُهْم َعَذَابٌ ألِيْمٌ »(19) .
على الصعيد العائلي بالنسبة للرسول ( صلى الله عليه وآله ) فقد أضاف الى حياته العائلية بعض الزوجات خلال هاتين السنتين حيث تزوج جويرية بنت الحارث من سبايا غزوة المصطلق التي سبق ذكرها في شهر شعبان السنة الخامسة للهجرة .
كما تزوج في السنة السادسة تقريباً ابنة عمته زينب بنت جحش بعد ان طلقها زيد بن حارثة في قصة مشهورة تحدث عنها القرآن الكريم في سورة الأحزاب ( آية 37 وما بعدها ) .
وقد اُضيفت هاتان الزوجتان الى زوجات خمس كن لدى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهن :
1 سودة بنت زمعة .

(19) سورة النور ، الآية ( 62 63 ) .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 37

2 عائشة بنت أبي بكر .
3 حفصة بنت عمر بن الخطاب
4 أم سلمة بنت أبي أمية .
5 زينب بنت خزيمة (20) .
ولم تنجب أي واحدة من هذه الزوجات لرسول الله ( ص ) شيئاً ومن الأحداث العائلية البارزة في بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خلال هذه الفترة ، ما حصل لزوجته عائشة بنت أبي بكر عند رجوعها من غزوة بني المصطلق السابقة الذكر حيث تخلفت في الصحراء تبحث عن عقد لها أضاعته ، ولم يلتفت المسلمون وسار ركبهم ظانين أنها في هودجها فلما وصلوا المدينة لم يجدوها ! .
لكنها فيما بعد لقيها أحد الصحابة في الطريق وهو صفوان بن المعطل السلمي فجاء بها الى المدينة . فوجد المنافقون فيما حصل فرصة سانحة لإثارة الشكوك حول زوج رسول الله ، مما سبب الأذى والحرج لرسول الله ، والذي أذن لعائشة أن تبقى آنذاك في منزل أبيها حتى نزل الوحي من الله يبرئ ساحتها في بضع آيات من سورة النور وعرفت هذه القضية بقصة الإفك (21) .
وشهدت هذه الفترة صعوبة اقتصادية بالغة للمسلمين كما تشير بعض قصص غزوة الخندق (22) وحتى الطبيعة بخلت عليها بمائها حيث أجدب الناس جدباً شديداً فاستسقى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالناس في رمضان في السنة السادسة (23) .

(20) ( الكامل في التاريخ ) ابن الأثير ، ج 2 ، 307 .
(21) ( سيرة الرسول وخلفائه ) السيد علي الحسني ج 3 ، ص 281 .
(22) المصدر السابق ص 319 .
(23) ( الكامل في التاريخ ) ابن الأثير ج 2 ، ص 210 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 38

وفي هذه الفترة تألق نجم علي بن أبي طالب ( ع ) أكثر في سماء المجتمع الإسلامي ، حيث حسمت شجاعته الرائعة الموقف لصالح المسلمين في واقعة الخندق بقتله عمرو عبد ودّ العامري .
وكانت اشراقة النور بولادة السيدة زينب ( ع ) خلال هذه الفترة التي تحدثنا عن أجوائها وظروفها وأوضاعها فان اقوال المؤرخين قد اختلف في تحديد تاريخ ولادتها ، والأرجح من أقوال المؤرخين قولان :
السنة الخامسة في الخامس من شهر جمادى الأول أو السنة السادسة مطلع شهر شعبان (24) .
أي بين سنتي : ( 626 م 627 م ) .

(24) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 18 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 39




المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 40

نشأة فريدة


المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 41

لابد وأن العائلة قد استبشرت وابتهجت بولادة السيدة زينب (عليها السلام) ، لأنها أول طفلة يحتفي بها بيت علي وفاطمة ( ع ) فقد سبق وان ازدان البيت الطاهر بوليدين صبيين هما الحسن ( ع ) الذي ولد منتصف شهر رمضان في السنة الثالثة للهجرة ، والحسين ( ع ) الذي ولد في الثالث من شعبان للسنة الرابعة من الهجرة ، وتأتي الآن زينب ( ع ) في السنة الخامسة كما يرجح ذلك المحققون(1)وبعد عام أو أكثر أنجبت السيدة الزهراء ( ع ) بنتاً أخرى هي أم كلثوم لتكون شقيقة لأختها زينب ( ع ) .
وخلافاً لما كان منتشراً عند بعض العرب في الجاهلية من التشاؤم والاستياء عند ولادة البنت واعتبارها مولوداً ناقص القيمة والشأن ، بل قد تسبب لهم العار والفضيحة ، كما أنها لا تنفعهم في المعارك والحروب ، ولذلك كان بعضهم يئدها عند ولادتها بقتلها أو بدفنها حية كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم بقوله : « وَإِذَا بُشِّرَ َأَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ َوَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ • يَتَوَارَى مِنَ القَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا

(1) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 18 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 42

بُشِّرَبِهِ اَُيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِيْ التُّرَابِ أََلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ »
(2) .
خلافاً لذلك فقد أرسى الإسلام ثقافة سلوكية جديدة في المجتمع الإسلامي تدين تلك النظرة الأحتقارية للبنت وتجعلها مساوية في الشأن والقيمة للولد ، وأكثر من ذلك فان الرسول (صلى الله عليه وآله) كان يتحدث عن البنات بايجابية أكبر ، ويربي المسلمين على أن يكونوا أكثر احتفاءً وسرواً بقدوم البنت .
وننقل هنا بعض الأحاديث والنصوص الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) ، وعن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) :
بشر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بابنة فنظر الى وجوه أصحابه فرأى الكراهة فيهم ، فقال : ما لكم ؟ ! ريحانة أشمها ورزقها على الله ( عز وجل ) .
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا بنات (3) .
عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « خير أولادكم البنات » (4) .
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : « نعم الولد البنات المخدرات من كانت عنده واحدة جعلها الله ستراً من النار ، ومن كانت عنده اثنتان أدخله الله بهما الجنة ، ومن يكن له ثلاث أومثلهن من الاخوات وضع عنه الجهاد والصدقة » (5) .
عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال : « »(6) .

(2) سورة النحل ، الآيات ( 58 59 ) .
(3) ( وسائل الشيعة ) الحر العاملي ج 15 ، ص 102 .
(4) ( بحار الأنوار ) المجلسي ج 101 ، ص 91 .
(5) المصدر السابق ص 91 .
(6) ( الطفل نشوءه وتربيته ) مؤسسة البعثة ص 272 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 43

وعنه (صلى الله عليه وآله) : « من كانت له ابنة واحدة كانت خيراً له من ألف جنة وألف غزوة وألف بدنة وألف ضيافة » (7) .
عن الإمام موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « ومِنْ يُمْن المرأة أن يكون بكرها جارية » يعني أول ولدها (8) .
عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها الى عياله كان كحامل صدقة الى قوم محاويج وليبدأ بالأناث قبل الذكور ، فانه من فرّح أنثى فكأنما أعتق رقبة من ولد اسماعيل »(9) .
وسبب آخر يؤكد على حتمية السرور والأبتهاج الذي غمر البيت النبوي عند ولادة زينب هو المعرفة المسبقة التي أوحاها الله ( تعالى ) لرسوله (صلى الله عليه وآله) بالمكانة العظيمة الدور الريادي الذي ستقوم به هذه الوليدة في الأمة الإسلامية لذلك تشير احدى الروايات الى أن تسمية السيدة زينب (عليها السلام) قد تمت من قبل الله ( تعالى ) يقول العلامة الشيخ جعفر النقدي ما نصه :
لما ولدت زينب ( ع ) جاءت بها أمها الزهراء (عليها السلام) الى أبيها أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وقالت : سمّ هذه المولودة .
فقال : ما كنت لأسبق رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
وكان في سفر له ، ولما جاء النبي (صلى الله عليه وآله) وسأله علي عن اسمها ، فقال : ما كنت لأسبق ربي ( تعالى ) .

(7) المصدر السابق ص 272 .
(8) المصدر السابق ص 273 .
(9) ( بحار الأنوار ) المجلسي ج 101 ، ص 104 .
المرأة العظيمة - قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي (ع) 44

فهبط جبرئيل يقرأ على النبي السلام من الله الجليل ، وقال له : سم هذه المولودة زينب فقد اختار الله لها هذا الاسم . ثم أخبره بما يجري عليها من المصائب ، فبكى النبي (صلى الله عليه وآله) (10) .
ولم يذكر الشيخ النقدي مصدر هذه الرواية ، لكن العلامة الشيخ محمد جواد مغنية نقل الرواية في كتابه : ( الحسين وبطلة كربلاء ) عن جريدة ( الجهورية ) المصرية ( 31 10 1972 م ) للكاتب المصري يوسف محمود .
ويقول العلامة السيد محمد كاظم القزويني : سماها جدها الرسول زينباً ، والكلمة مركبة من زين الأب ) (11) .
وتتحدث الكاتبة الأديبة عائشة بنت الشاطئ عن الأجواء التي سادت البيت النبوي عند ولادة السيدة زينب ، فتقول :
وبدا كأن كل شيء يعد الوليد بحياة سعيدة ، وأقبل المهنئون من بني هاشم والصحابة ، يباركون هذه الزهرة المتفتحة في بيت الرسول ، تنشر في المهد عبير المنبت الطيب ، وتلوح في طلعتها المشرقة ووجهها الصبيح ، ملامح آباء وأجداد لها كرام .
لكنهم فوجئوا لو صدقت الأخبار بظلال حزينة تلف المهد الجميل ! ظلال ربما لا يكون لأكثرها مكان في كتاب تاريخ يكتب للتحقيق العلمي لكن لها مكانها في النفس البشرية ووقعها على الوجدان .
حدثوا أن نبوءة ذاعت عند مولد الطفلة ، تشير الى دورها الفاجع في مأساة « كربلاء » وتحدث بظهر الغيب عما ينتظرها في غدها من محن وآلام .
كانت المأساة معروفة فيما يقولون ، قبل موعدها بأكثر من نصف قرن من

(10) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 16 .
(11) ( فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد ) القزويني ص 229 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي