تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1558

خالد ، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام .
وروى هذا الحديث بعينه شعيب بن واقد ، عن القاسم بن بهرام ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس رضي الله عنه .(1)
وروى الشيخ الجليل أبو علي الطبرسي في تفسيره مجمع البيان لعلوم القرآن(2) أنّ هذه الآيات وهي : «إنّ الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافوراً ـ إلى قوله ـ وكان سعيكم مشكوراً»(3) نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وجارية لهم تسمّى فضّة .
ومضمون القصّة بالاسناد المتقدّم عن الصادق عليه السلام وابن عبّاس ، قالوا : مرض الحسن والحسين عليهما السلام وهما صبيّان صغيران فعادهما رسول الهل صلى الله عليه وآله ومعه رجلان ، فقال أحدهما لأمير المؤمنين عليه السلام : يا أبا الحسن ، لو نذرت في ابنيك نذراً إن الله(4) عافاهما .
فقال صلوات الله عليه : أصوم ثلاثة أيّاك شكراً لله سبحانه ، وكذلك قالت فاطمة عليها السلام ، وقال الصبيّان : ونحن أيضاً نصوم ثلاثة أيّام ، وكذلك قالت جاريتهم فضّة ، فألبسهما الله عافيته ، فأصبحوا صيّاماً وليس عندهم شيئاً من الطعام ، فانطلق أمير المؤمنين عليه السلام إلى جار له يهوديّ يعالج الصوف
(1) في الأمالي : حدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق ، قال : حدّثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلوديّ البصريّ ، قال : حدّثنا محمد بن زكريّا ، قال : حدّثنا شعيب بن واقد ... عن ابن عبّاس ؛ وحدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق ، قال : حدّثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي ، قال : حدّثنا الحسن بن مهران ... عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما السلام في قوله عزّ وجل ...
(2) مجمع البيان : 5 / 404 .
(3) سورة الإنسان : 5 ـ 22 .
(4) لفظ الجلالة أثبتناه من الأمالي .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1559

اسمه شمعون ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : هل لك أن تعطيني جزازاً(1) من صوف تغزلها لك ابنة محمد بثلاثة أصواع من شعير ؟
قال اليهودي : نعم . فأعطاه ، فجاء بالصوف والشعير ، وأخبر فاطمة عليها السلام بذلك ، فقبلت وأطاعت ، ثمّ عمدت فغزلت ثلث الصوف ، ثمّ أخذت صاعاً من الشعير ، فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لكلّ واحد قرصاً(2)، وصلّى أمير المؤمنين عليه السلام صلاة المغرب مع رسول الله
(1) في الأمالي : جزّة .
(2) في «ح» :
في كتاب زهد النبي صلى الله عليه وآله [لأبي محمد جعفر بن أحمد القمّي] : لمّا نزلت آية : «وإنّ جهنّم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكلّ باب منهم جزء مقسوم» [سورة الحجر : 43 و44] بكى النبي صلى الله عليه وآله بكاءً شديداً ، وبكى أصحابه لبكائه ، ولم يدروا ما نزل به جبرئيل عليه السلام ، ولم يستطع أحد من أصحابه أن يكلّمه ، وكان النبيّ صلى الله عليه وآله إذا رأى فاطمة عليها السلام فرح بها ، فانطلق بعض أصحابه إلى بابها فوجد بين يديها شعير وهي تطحن فيه وتقول : «وما عند الله خير وأبقى» [سورة القصص : 60] فسلّم عليها وأخبرها بخبر النبي ، فنهضت والتفّت بشملة لها خلقة قد خيطت في اثني عشر مكاناً بسعف النخل ، فلمّا خرجت نظر سلمان إلى الشملة وبكى وقال : واحزناه ! إنّ قيصر وكسرى لفي السندس والحرير وابنة محمد عليها شملة صوف خلقة قد خيطت في اثني عشر مكاناً ، فلمّا دخلت فاطمة عليها السلام على النبيّ قالت : يا رسول الله ، إنّ سلمان تعجّب من لباسي ، فوالذي بعثك بالحقّ نبيّاً ما لي ولعلي منذ خمس سنين الا مسك [المسك : الجلد] كبش نعلف عليه بالنهار بعيرنا ، فإذا كان الليل افترشناه ، وإنّ مرفقتنا [المرفقة : المخدّة] لمن اُدم حشوها ليف .
ثمّ قالت : يا أبت فدتك نفسي ، ما الذي أبكاك ؟ فذكر لها ما نزل به جبرئيل من الآية ، فسقطت فاطمة عليها السلام على وجهها ، وهي تقول : الويل ، ثمّ ا لويل لمن دخل النار . فسمع سلمان ، فقال : يا ليتني كنت كبشاً فأكلوا لحمي ومزّقوا جلدي .
وقال أبو ذرّ : يا ليت اُمّي كانت عاقراً ولم تلدني .
وقال عمّار : يا ليتني كنت طائراً في القفار ، ولم يكن عليّ حساب ولا عقاب .
وقال عليّ عليه السلام : يا ليت السباع مزّقت لحمي ، وليت اُمّي لم تلدني ، ولم أسمع بذكر النار . ثم وضع عليّ عليه السلام يده على رأسه وجعل يبكي ويقول : وابعد سفراه ! واقلّة زاداه ! في سفر
=
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1560

صلى الله عليه وآله ، ثمّ أتى منزله فوضع الخوان وجلسوا يتعشّون خمستهم ، فأوّل لقمة كسرها أمير المؤمنين عليه السلام وإذا مسكين قد وقف بالباب ، فقال : السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة ، أنا مسكين من مساكين المسلمين أطعموني ممّا تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنّة ، فوضع أمير المؤمنين عليه السلام اللقمة من يده ، ثم قال :
فاطم ذات المجـد والـيقـين يا بنت خير الـناس أجميعن
أما ترين البائـس المـسكين قد قام بـالـباب(1) له حنين
يشكو إلى اللـه ويستـكيـن يشكوا إلـيـنا جـائعاً حزين
كلّ امـرء بكـسبه رهيـن من يفعل الخـير يقف سمين
موعـده فـي جنّــة دهين حرّمها اللـه عـلى الضنين
وصاحب البخل يقف حزيـن تهوي به النـار إلى سجّـين
شرابه حميم والغسلين
= القيامة يذهبون ، في النار يتردّدون ، وبكلاليب النار يتخطّفون ، مرضى لا يعاد سقيمهم ، وجرحى لا يداوى جريحهم ، أسرى لا يفكّ أسرهم ، من النار يأكلون ، ومنها يشربون ، وبين أطباقها يتقلّبون ، وبعد لبس القطن والكتّان مقطّعات النار يلبسون ، وبعد معانقة الأزواج مع الشياطين مقرّنين . [أخرجه في البحار : 8 / 303] .
وفي الكتاب المذكور أنّ الني صلى الله عليه وآله قال : أخبرني عن النار ـ يا أخي جبرئيل ـ حين خلقها الله تعالى ، فقال : إنّه سبحالنه أوقد عليها ألف عام فابيضّت ، ثمّ أوقد عليها بألف عام فاسودّت ، فهي سوداء مظلمة لا يضيء جمرها ، ولا ينطفئ لهبها . والذي بعثك بالحقّ نبيّاً لو أنّ مثل خرق إبرة خرج منها على أهلالأرض لاحترقوا عن ىخرهم ، ولو أنّ رجلاً دخل جهنّم ثمّ اُخرج منها لهلك أهل الأرض جميعاً حين ينظرون إليه ، لما يرون به ... الحديث . [أخرجه في البحار : 8 / 305ي .
(1) في الأمالي : جاء إلى الباب .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1561

فأقبلت فاطمة عليها السلام تقول :
أمرك سمع يا ابن عمّ وطاعة ما بي من لوم ولا ضراعـة
غذّيت باللبّ وبـالبـراعـة أرجو إذا أشبعت من مجاعة
أن ألحق الأخيار والجمـاعة وأدخل الجنّة في شـفاعـة

وعمدت إلى ما كان على الخوان جميعه فدفعته إلى المسكين ، وباتوا جياعاً ، وأصبحوا صائمين لم يذوقوا الا الماء القراح ، ثمّ عمدت إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته ، ثمّ أخذت صاعاً من الشعير ، فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لكلّ واحد قرصاً ، وصلّى أمير المؤمنين عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه وآله المغرب ، ثمّ أتى المنزل ، فلمّا وضع الخوان بين يديه وجلسوا خمستهم ، فأوّل لقمة كسرها أمير المؤمنين عليه السلام إذا يتيم ينادي بالباب : السلام عليكم أهل بيت النبوّة ، أنا يتيم من يتامى المسلمين ، أطعموني ممّا تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنّة ، فرمى(1) أمير المؤمنين عليه السلام اللقمة من يده ، ثمّ قال :
فاطم بنت السـيد الـكريـم بنت نـبيّ ليــس بالزنيـم
قد جاءنا الله بـذا اليـتيـم من يرحـم اليـوم هو الرحيم
موعـده في جنـّة النعـيم حرّمها الــله عـلى الـلئيم
وصاحب البخل يقف ذمـيم تهوي به إلى النار الى الجحيم
شرابه الصديد والحميم

فأقبلت فاطمة عليها السلام وهي تقول :
فسوف اُعطيه ولا أُبالي واُؤثر الله على عيالي
(1) في الأمالي : فوضع . وكذا في الموضع الآتي .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1562

أمسوا جياعاً وهم أشـبالي أصغرهما يقتل في القـتال
بكربلاء يقـتل باغتـيال لقاتليه المويل مع الويـال
تهوي به النار إلى سفال كبولة زادت على الاكبـال

ثمّ عمدت إلى جميع ما على الخوان من الخبز فأعطته اليتيم وباتوا جياعاً لم يذوقوا الا الماء ، وأصبحوا صيّاماً ، فعمدت فاطمة إلى الثلث الباقي من الصوف فغزلته ، وطحنت الباقي من الشعير وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لكلّ واحد قرصاً ، وصلّى أمير المؤمنين عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه وآله صفلاة المغرب ، وأتى المنزل فوضع الخوان وجلسوا خمستهم ، فأوّل لقمة كسرها أمير المؤمنين عليه السلام وأراد وضعها في فيه إذا أسير من اُسارى المشركين ينادي بالباب : السلام عليكم يا أهل بيت محمد ، تأسروننا وتشدّونا ولا تطعمونا ، فرمى أمير المؤمنين عليه السلام باللقمة من يده ، ثم قال :
فاطم يـا بنت النـبي أحمـد بنـت نـبيّ سيـّد مـسـدّد(1)
قد جاءنا(2) اأسير ليس يهتدي مكـبّلاً فـي غـلـّه مقـيـّد
يشكو إلينا الجـوع قـد تقدّد من يطعم اليوم يجده فـي غد
عند العليّ الواحـد المـوحّد ما يزرع الزارغ سوف يحصد
[فأعطيه ولا تجعليه ينكد](3)
(1) في الأمالي : مسوّد .
(2) في الأمالي : جاءك .
(3) من الأمالي .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1563

فأقبلت فاطمة عليها السلام تقول :
لم يبق ممّا كان غير صاعٍ قد دبرت كفـّي مـع الـذراع
شبلاي واللـه هما جـياع يا ربّ لا تـتركـها ضيـاع
أبوهما للخير ذو اصطناع عبل الذراعين(1) طويل الباع
وما على رأسي من قناع الاعبـاً نسجـتهـا بـصاع

وعمدت إلى ما كان على الخوان جميعه فدفعته إلى الأسير ، وباتوا ليلتهم جياعاً ، وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شيء .
قال شعيب في حديثه : وأقبل عليّ بالحسن والحسين عليهم السلام نحو رسول الله صلى الله عليه وآله وهما يرتعشان كالفراخ من شدّة الجوع ، فلمّا بصر بهما رسول الله صلى الله عليه وآله قال : يا أبا الحسن شدّ ما يسوءني ما أرى بكم .
فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وانطلق مع عليّ عليه السلام إلى منزل فاطمة عليها السلام ، فإذا هي في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدّة الجوع ، وغارت عيناها في وجهها ، فلمّا رآها رسول الله صلى الله عليه وآله ضمّها إليه ، وقال : واغوثاه أنتم منذ ثلاث فيما أرى ، فهبط جبرئيل عليه السلام ، وقال : خذ يا محمد ما هيّا الله لك في أهل بيتك .
قال : وما آخذ يا جبرئي ؟ [قال :](2) «هل أتى على الإنسان حين من الدهر ـ حتى بلغ ـ إنّ هذا كان لكم جزاءً وكان سعيكم مشكوراً»(3).
(1) أي ضخمهما .
(2) من الأمالي .
(3) سورة الإنسان : 1 ـ 22 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1564

وقال الحسن بن مهران في حديثه : فوثب النبي صلى الله عليه وآله حتى دخل منزل فاطمة عليها السلام فرأى ما بهم فجمعهم ، ثمّ انكبّ عليهم يبكي ويقول : أنتم منذ ثلاث فيما أرى وأنا غافل عنكم ! فهبط عليه جبريل بهذه الآيات : «إنّ الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً عيناً يشرب بها عباد الله يفجّرونها تفجيراً»(1).
قال : هي عين في دار النبي صلى الله عليه وآله تفجّر إلى دور الأنبياء والمرسلين(2).
وفي الحديث(3) أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله سئل عن هذه ، فقال : هي عين في داري في الجنّة ، ثمّ سئل مرّة اُخرى ، فقال : هي عين في دار عليّ .
فقيل : يا رسول الله ، ألم تقل عين في داري ؟
فقال : إنّ داري ودار عليّ في الجنّة واحدة .
«يوفون بالنذر ـ يعني عليّاً وفاطمة والحسن والحسين وجاريتهم فضّة ـ ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً ـ أي عابساً كلوحاً ـ ويطعمون الطعام على حبّه ـ أي على شهوتهم للطعام وإيثارهم له ـ مسكيناً ـ من مساكين المسلمين ـ ويتيماً ـ من يتامى المسلمين ـ وأسيراً من أسارى المشركين ، ويقولون إذا أطعموهم : ـ إنّما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم
(1) سورة الإنسان : 5 و6 .
(2) في الأمالي : والمؤمنين .
(3) وقد سئل النبي صلى الله عليه وآله عن شجرة طوبى أين هي ؟ فقال صلى الله عليه وآله : هي في داري في الجنّة ، وقد سأله آخر فقال صلى الله عليه وآله : هي في دار علي عليه السلام في الجنّة ، فقيل له في ذلك ، فقال : إنّ داري ودار عليّ واحدة في الجنّة . انظر : تفسير فرات الكوفي : 75 ـ 76 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1565

جزاءاً ولا شكوراً»(1) أي جزاء يجازوننا به من نفع عاجل ، ولا نريد أن تشكرونا عليه عن الخلق بل فعلناه لله ، قال : والله ما قالوا هذا لهم ولكنّهم أظهروه في أنفسهم ، فأخبر الله بإضمارهم وأثنى عليهم ليرغّب في ذلك الراغب .
عن سعيد بن جبير ومجاهد : قال الله سبحانه : «فوقاهم الله شرّ ذلك اليوم ووقاهم نضرةً ـ في الوجوه ـ وسروراً في القلوب ـ وجزاهم بما صبروا جنّةً ـ يسكنونها ـ وحريراً يلبسونه ويفترشونه ـ متّكئين فيها على الأرائك ـ والأريكة : السرير عليه الحجلة ـ لا يرون فيها شمساً»(2) يتأذّون بحرّها .
قال ابن عبّاس : بينا أهل الجنّة في الجنّة إذ يرون نوراً مثل الشمس قد أشرقت له الجنان ، فيقول أهل الجنّة : يا ربّ ، إنّك قلت :ـ وقولك الحقّ ـ في كتابك : «لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً» ، فيرسل الله جلّ اسمه جبرئيل فيقول : ليس هذا بشمس ولكن عليّاً وفاطمة ضحكا من شيء أعجبهما فأشرقت الجنان من نور ضحكهما .(3)
(1) سورة الانسان : 7 ـ 9 .
(2) سورة الانسان : 11 ـ 13 .
(3) أمالي الصدوق : 212 ح 11 ، عنه البحار :35 / 237 ح 1 .
وأورد في مناقب ابن شهراشوب : 3 / 373 ـ 375 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1566

فصل
في وفاتها(1) عليها السلام

عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعليّ عليه السلام قبل موته : السلام عليك أبا الريحانتين ، اوصيك بريحانتيّ من الدنيا ، فعن قليل ينهدّ ركناك عليك ، فلمّا قضى رسول الله صلى الله عليه وآله قال أمير المؤمنين عليه السلام : هذا(2) الركن الأوّل ، فلمّا ماتت فاطمة قال : هذا الركن الثاني .
وروت عائشة أنّ النبي صلى الله عليه وآله دعا فاطمة فسارّها فبكت ، ثمّ دعاها فسارّها فضحكت ، فسئلت عن ذلك ، فقالت : أعلمني أنّه مقبوض فبكيت ، ثمّ أخبرني أنّي أوّل أهله لحوقاً به فضحكت .
وعن اُمّ سلمة رضي الله عنها وعائشة أيضاً أنّها لمّا سئلت عن بكائها وضحكها قالت : أخبرني النبيّ أنّه مقبوض ، ثمّ اخبرني أن بنيّ سيصيبهم بعدي شدّة فبكيت ، ثمّ أخبرني أنّي أوّل أهله لحوقاً به ، فضحكت .
(1) ذكرت في «ح» 8 أبيات شعريّة لعليّ بن حمّاد رحمه الله ، مطلعها : فلمّا قضى الهادي النبيّ تناكروا ... غير انّي لم أتمكّن من قراءة بعض ألفاظها ، ولم أعثر عليها في مصدر آخر كي يسهل عليّ ذلك ، فتركتها ، آملاً تثبيتها في طبعات لاحقة إن شاء الله تعالى .
(2) كذا في المناقب ، وفي الأصل يحتمل القراءتين : «هذا» ، «هدّ» .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1567

وأيضاً عن عائشة قالت : أقبلت فاطمة لا تخطي مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : مرحباً بابنتي ، فأجلسها عن يمينه ، وأسرّ إليها حديثاً فبكت ، ثمّ أسرّ إليها حديثاً فضحكت ، فسألتها عن ذلك ، فقالت : ما أفشي سرّ رسول الله صلى الله عليه وآله ، حتى إذا قبض صلى الله عليه وآله سألتها ، فقالت : إنّه أسرّ إليّ ، فقال : إنّ جبرئيل كان يعارضني بالقرآن كلّ سنة مرّة ، وإنّه عارضني [به](1) العام مرّتين ، ولا أراني الا وقد حضر أجلي ، وإنّكِ أوّل أهل بيتي لحوقاً بي ، ونعم السلف أنا لك ، فبكيت لذلك ، ثمّ قال : ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين(2)؟ فضحكت لذلك .
روي أنّها صلى الله عليها ما زالت بعد أبيها معصّبة الرأس ، ناحلة الجسم ، منهدّة الركن ، باكية العين ، محترقة القلب ، يغشى عليها ساعة بعد ساعة ، وتقول لولديها : أين أبوكما الذي كان أشدّ الناس شفقة عليكما فلا يدعكما تمشيان على الأرض ، ولا أراه يفتح هذا الباب أبداً ، ولا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما ، ثمّ مرضت ومكثت أربعين ليلة ، ثمّ دعت اُمّ أيمن وأسماء بنت عميس(3) وعليّاً صلوات الله عليه ، وأوصت إلى علي بثلاث : أن يتزوّج بابنة [اُختها](4) اُمامة لحبّها أولادها ، وأن يتّخذ نعشاً لأنّها كانت رأت الملائكة بصورة فصوّرته ووصفته لأمير المؤمنين عليه السلام ، والا يشهد أحد جنازتها
(1) من المناقب .
(2) في المناقب : نساء العالمين المؤمنين .
(3) انظر هامش البحار : 43 / 181 ـ 182 حيث استظهر أنّ أسماء مصحّف سلمى امرأة أبي رافع ، أو سلمىامرأة حمزة بن عبد المطّلب ـ وهي اُخت أسماء ـ ، أو أسماء بنت يزيد بن السكن ، فراجع .
(4) من المناقب .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1568

ممّن ظلمها ، والا يترك أحد منهم يصلّي عليها .
وذكر مسلم ، عن عبد الرزّاق ، عن معمر ، عن الزهريّ ، عن عروة ، عن عائشة ـ في خبر طويل ـ يذكر فيه أنّ فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأل ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله ، فمنعها ـ والقصّة مشهورة ـ ، فهجرته ولم تكلّمه حتى توفّيت ولم يؤذن بها أبو بكر ، ولم يصل عليها .
الواقدي : أنّ فاطمة عليها السلام أوصت إلى عليّ إذا حضرتها الوفاة الا يصلّي عليها أبو بكر ولا عمر ، فعمل بوصيّتها .
وعن ابن عبّاس ، قال : أوصت فاطمة إلى عليّ عليه السلام الا يعلم ـ إذا ماتت ـ أبا بكر ولا عمر ، ولا يصلّيا عليها .
قال : فدفنها عليّ عليه السلام ليلاً ولم يعلمهما بذلك ، وغيّب قبرها .
وعن عائشة : عاشت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ستّة أشهر ، فلمّا توفّيت دفنها عليّ ليلاً ، وصلّى عليّ عليها .
وعن الزهريّ أن فاطمة دفنت ليلاً ، دفنها أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام ، وغيّبوا قبرها .
وفي روايتنا أنّه صلّى عليها أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام وعقيل وسلمان وأبو ذرّ والمقداد وعمّار وبريدة .
وفي رواية اُخرى : والعبّاس وابنه الفضل .
وفي رواية اخرى : وحذيفة وابن مسعود .
الأصبغ بن نباتة أنّه سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن دفنها ليلاً ، فقال : إنّها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها ، وحرام على من
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1569

يتولّاهم أن يصلّي على أحدٍ من ولدها .
وروي أنّه صلوات الله عليه سوّى قبرها مع الأرض مستوياً وقالوا : إنّه سوّى حواليها قبوراً مزوّرة مقدار سبعة حتى لا يعرف قبرها .
وروي أنّه صلوات الله عليه رشّ أربعين قبراً حتى لا يبتيّن قبرها من القبور فيصلّوا عليها(1).
روى أبو عبد الله حمّويه(2) بن عليّ البصري ، وأحمد بن حنبل(3)، وأبو عبد الله بن بطّة(4) بأسانيدهم قالت سلمى(5) امرأة أبي رافع : اشتكت فاطمة شكواها التي قبضت فيها وكنت اُمرضّها فأصبحت يوماً أسكن ما كانت ، فخرج عليّ عليه السلام إلى بعض حوائجه وقالت : اسكبي لي غسلاً . فسكبت ، وقامت واغتسلت أحسن ما يكون من الغسل ، ثمّ لبست أثوابها الجدد ، ثمّ قالت : افرشي فراشي وسط البيت ، ثمّ استقبلت القبلة ونامت ، وقالت : أنا مقبوضة ، وقد اغتسلت فلا يكشفني(6) أحد ، ثمّ وضعت خدّها على يدها(7)، ثمّ ماتت .
وعن أسماء بنت عميس ، قالت : أوصت فاطمة إليّ الا يغسّلها إذا ماتت الا أنا وعليّ ، فأعنت عليّاً على غسلها .
(1) كذا في المناقب ، وفي الأصل : عليه .
(2) كذا في المناقب ، وفي الأصل : روى عبد الله بن حمّويه .
(3) فضائل أحمد : 2 / 629 ح 1074 وص 725 ح 1243 .
(4) كذا في المناقب ، وفي الأصل : رملة .
(5) كذا الصحيح ، وفي الأصل : اُمّ سلمة .
(6) كذا في المناقب ، وفي الأصل : فلا يكفّنني .
(7) كذا في المناقب ، وفي الأصل : يدها على خدّها .

السابق السابق الفهرس التالي التالي