تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1299

وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون»(1).(2)
فأمّا ما روي أنّه جمعه أبو بكر وعمر وعثمان فإنّ أبا بكر قال ـ لمّا التمسوا منه أن يجمع القرآن ـ : كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله ولا أمرني به ؟(3)
رواه البخاري في صحيحه .(4)
ومنهم العلماء بالقراءات(5)، وكان عليّ أعلم الصحابة بالقراءات(6) حتى انّ القرّاء السبعة إلى قراءته يرجعون .
فأمّا حمزة والكسائي فيعوّلان على قراءة علي عليه السلام وابن مسعود ، وليس مصحفهما مصحف ابن مسعود ، فهما إنّما يرجعان إلى عليّ ويوافقان ابن مسعود فيما يجري مجرى الاعراب ، وقد قال ابن مسعود : ما رأيت أحداً أقرأ من عليّ بن أبي طالب للقرآن .
فأمّا نافع وابن كثير وأبو عمرو فمعظم قراءتهم ترجع إلى ابن عبّاس ، وقرأ ابن عباس على علي عليه السلام .
وأمّا عاصم فقرأ على أبي عبد الرحمان السلمي ، وقال أبو عبد الرحمان : قرأت القرآن كلّه على عليّ بن أبي طالب ، فقالوا : أفصح القراءات قراءة عاصم ،
(1) سورة آل عمران : 187 .
(2) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 41 ، عنه البحار : 40 / 156 ، وج 92 / 52 .
(3) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 42 ، عنه البحار : 40 / 156 ، وج 92 / 53 .
(4) صحيح البخاري : 6 / 225 .
(5) كذا في المناقب ، وفي الأصل : بالقرآن .
(6) كذا الأنسب في المقام ، وفي الأصل : بالقرآن .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1300

لأنّه أتى بالأصل ، وذلك أنّه يظهر ما أدغم هغيره ، ويحقّق من الهمز ما سهّله(1) غيره ، ويفتح من الألفات ما أماله غيره .
والعدد الكوفي في القرآن منسوب إلى عليّ صلوات الله عليه ، وليس في الصحابة من ينسب إليه العدد غيره(2)، وإنّما كتب الناس العدد عن التابعين من أهل الأمصار(3).(4)
ومنهم المفسرون كعبد الله بن العباس ، وعبد الله بن مسعود ، واُبيّ بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وهم معترفون له بالتقدّم .
تفسير النقّاش : قال ابن عبّاس : جُلّ ما تعلّمت من التفسير من علي بن أبي طالب عليه السلام .
وقال ابن مسعود : اُنزل القرآن(5) على سبعة أحرف ، ما منها الا وله ظهر وبطن ، وإنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام علم الباطن والظاهر .(6)
فضائل العكبري : قال الشعبيّ : ما أحد أعلم بكتاب الله بعد نبيّ الله من عليّ بن أبي طالب عليه السلام .(7)
(1) في المناقب : ما ليّنه .
(2) حيث ان عدد أهل المدينة منسوب إلى أبي جعفر يزيد بن القعقاع القارئ وشيبة بن نصّاح وإسماعيل بن جعفر ، وعدد أهل البصرة منسوب إلى عاصم بن أبي الصباح الجحدري وأيّوب بن المتوكّل ، وعدد أهل مكّة منسوب إلى مجاهد وإسماعيل المكّي ، وعدد أهل الشام منسوب إلى عبد غالله بن عامر ، انظر «زبدة التفاسير لفتح الله الكاشاني : 2 ـ مخطوطـ» .
(3) في المناقب : وإنّما كتب عدد ذلك كلّ مصر عن بعض التابعين .
(4) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 42 ، عنه البحار : 40 / 156 ، وج 92 / 53 .
(5) في المناقب : جلّ ما تعلّمت ... من عليّ بن أبي طالب وابن مسعود ، انّ القرآن اُنزل .
(6 و7) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 43 ، عنه البحار : 40 / 157 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1301

تاريخ البلاذري وحلية الأولياء(1): قال أمير المؤمنين عليه السلام : والله ما نزلت آية الا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت ، أبليل نزلت أم بنهار نزلت ، في سهل أو جبل ، إنّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً .
قوت القلوب : قال علي عليه السلام : لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً في تفسير الفاتحة .(2)
ومنهم الفقهاء وهو أفقههم ، فإنّه ما ظهر عن جميعهم ما ظهر عنه ، ثمّ إنّ جميع فقهاء الأمصار إليه يرجعون ، ومن بحره يغترفون .
أمّا أهل الكوفة ففقهاؤهم : سفيان الثوريّ ، والحسن بن صالح بن حيّ ، وشريك بن عبد الله ، وابن أبي ليلى ، وهؤلاء يفرّعون المسائل ويقولون : هذا قياس قول عليّ بن أبي طالب ، ويترجمون الأبواب بذلك .
وأمّا أهل البصرة ففقهاؤهم : الحسن ، وابن سيرين ، وكلاهما كانا يأخذان عن ابن عبّاس ، وهو أخذ عن عليّ بن أبي طالب(3)، وابن سيرين يفصح بأنّه أخذ عن أهل الكوفة وعن عبيدة السلماني(4)، وهو أخصّالناس بعليّ صلوات الله عليه .
وأمّا أهل مكّة فأخذوا عن ابن عبّاس ، وعن علي عليه السلام .
وأمّا أهل المدينة فعنه أخذوا .(5)
(1) أشراف الأنساب : 2 / 98 ح 27 وص 99 ح 28 ، حلية الأولياء : 1 / 67 .
(2) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 43 ، عنه البحار : 40 / 157 . وما في الأصل وقع فيه التصحيف ، وصحّحناه وفقاً لما في المناقب .
(3) في المناقب : يأخذان عمّن أخذ عن عليّ .
(4) في المناقب : السمعاني ، وهو اشتباه . انظر جامع الرواة : 1 / 531 .
(5) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 44 ، عنه البحار : 40 / 158 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1302

وقد صنّف الشافعي كتباً مفرداً في الدلالة على اتّباع أهل المدينة لعلي عليه السلام وعبد الله .
وقال محمدبن الحسن الفقيه : لولا عليّ بن أبي طالب عليه السلام ما علمنا حكم أهل البغي .
ولمحمد بن الحسن كتاب يشتمل على ثلاثمائة مسألة في قتال أهل البغي بناء على فعله عليه السلام .(1)
مسند أبي حنيفة : هشام بن الحكم قال : قال الصادق عليه السلام لأبي حنيفة : من أين أخذت القياس ؟
قال : من قول علي بن أبي طالب عليه السلام وزيد بن ثابت حين سألهما(2) عمر في الجدّ مع الإخوة ، فقال له علي عليه السلام : لو أنّ شجرة انشعب منها غصن ، وانشعب(3) من الغصن غصنان أيّما أقرب إلى أحد الغصنين ، أصاحبه الذي يخرج معه أم الشجرة ؟
فقال زيد : لو أنّ جدولاً انبعث فيه(4) ساقيه ، وانبعث من الساقيه ساقيتان ، أيّما أقرب ، أحد الساقيتين إلى صاحبتهما أم الجدول ؟(5)
ومنهم الفرضيّون وهو أمهرهم(6). فضائل أحمد(7): قال عبد الله : إنّ أعلم
(1) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 44 ، عنه البحار : 40 / 159 .
(2) في المناقب : شاهدهما .
(3) كذا في المناقب ، وفي الأصل : وانبعث .
(4) كذا في المناقب ، وفي الأصل : من .
(5) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 44 ، عنه البحار : 40 / 159 .
(6) في المناقب : أشهرهم .
(7) فضائل الصحابة : 1 / 534 ح 888 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1303

أهل المدينة بالفرائض عليّ بن أبي طالب عليه السلام .
قال الشعبي : ما رأتي أفرض من علي بن أبي طالب ، ولا أحسب منه ، وقد سئل ـ وهو على المنبر يخطب ـ : رجل مات وترك رامرأة وأبوين وابنتين ، كم نصيب الامرأة ؟
قال عليه السلام : صار صمنها تسعاً ، فلقّبت بالمسألة المنبريّة .
شرح ذلك : للأبوين السدسان ، وللبنتين الثلثان ، وللمرأة الثمن ، عالت الفريضة فكان لها ثلاث من أربعة وعشرين ثمنها ، فلمّا صرات إلىسبعة وعشرين صار ثمنها تسعاً ، فإنّ ثلاثة من سبعة وعشرين تسعها ، ويبقى أربعة وعشرون ، للبنتين ستّة عشرش وللأبوين ثمانية .
وهذا القول صدر منه صلوات الله عليه إمّا على سبيل الاستفهام ، أو على قولهم صار ثمنها تسعاً(1)، أو بيّن كيف [يجيء](2) الحكم على مذهب من يقول بالعول ، أو على سبيل الانكار فبيّن الحساب والجواب ، والقسمة والنسبة بأوجز لفظ .(3)
ومنه أنّه سئل عليه السلام عن عدد تخرج منه الآحاد صحاحاً لا كسر فيها ، فقال من غير تروٍّ : اضرب أيّام سنتك في أيّام اسبوعك ، والآحاد هي النصف والثلث والربع والخمس ، هكذا إلى العشرة .
ومنهم الرواة وهم نيّف وعشرون رجلاً ، منهم : ابن عباس ، وابن مسعود ،
(1) زاد في المناقب : أو على مذهب نفسه .
(2) من المناقب .
(3) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 44 ، عنه البحار : 40 / 159 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1304

[وجابر الأنصاري ، وأبو أيّوب ، وأبو هريرة ، وأنس ،](1) وأبو سعيد الخدري ، وأبو رافع ، وغيرهم ، وهو صلوات الله عليه أكثرهم رواية ، وأثبتهم(2) حجّة ، ومأمون الباطن ، لقوله صلى الله عليه وآله : عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ .
قال الترمذي(3) والبلاذري(4): قيل لعليّ صلوات الله عليه : ما لك(5) أكثر أصحاب النبي صلى الله عليه وآله حديثاً ؟
قال : كنت إذا سألته أنبأني ، ,إذا سكتّ ابتدأني .(6)
ومنهم المتكلّمون وهو الأصل في الكلام . قال النبي صلى الله عليه وآله : عليّ ربّاني هذه الاُمّة .(7)
قال صلوات الله عليه : أول معرفة الله توحيده ، وأصل توحيده نفي الصفات عنه ، إلى آخر العبر .
وهو الذي وضع اصول الكلام وفرّع المتكلّمون على ذلك ، فالإماميّة يرجعون إلى الصادق عليه السلام ، وهو إلى آبائه ، والمعتزلة والزيديّة يرجعون إلى رواية القاضي عبد الجبار [بن](8) أحمد، عن أبي عبد الله الحسين البصري ، وأبو إسحاق عباس ، عن أبي هاشم الجبّائيّ ، عن أبيه أبي علي ، عن أبي يعقوب الشحّام ، عن أبي الهذيل العلّاف ، عن ابي عثمان الطويل ، عن واصل بن
(1 و8) من المناقب .
(2) في المناقب : وأتقنهم .
(3) الجامع الصحيح : 5 / 637 ح 3722 .
(4) أنساب الأشراف : 2 / 98 ح 26 .
(5) في الماقب : ما بالك ؟
(6) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 45 ، عنه البحار : 40 / 159 ـ 160 .
(7) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 45 ، عنه البحار : 40 / 160 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1305

عطاء ، عن أبي هاشم عبد الله بن محمد بن علي ، عن أبيه محمد بن الحنفيّة ، عن أبيه صلوات الله عليه .(1)
ومنهم الخطباء والفصحاء ، وهو أفصح الخلق ، ألا ترى إلى خطبه مثل : خبطبة التوحيد ، [والشقشقيّة](2)، والهداية ، والملاحم ، واللؤلؤة ، والغرّاء ، والقاصعة ، والافتخار ، وخطبة الأشباح ، والدرّة اليتيمة ، والأقاليم ، والوسيلة(3)، والطالوتيّة ، والقصبيّة ، والنخيليّة ، والسلمانيّة ، والناطقة ، والدامغة ، والفاضحة ؟(4)
بل تفكّر في نهج البلاغة فإنّ فيها عجباً لمن كان له حظّ من الذوق السليم ، والفهم القويم ، وأكثر الخطباء والبلغاء من مواعظه أخذوا ، ومن شواظه اقتبسوا ، وعلى مثاله احتذوا ، وإذا تأمّل من له قلب سليم ولبّ مستقيم رأى من كلامه صلوات الله عليه ما يدلّ على أنّه صلوات الله عليه كان آية من آيات الله ، وحجّة لرسول الله صلى الله عليه وآله دالّة على صحّة نبوّته ، لكون كلامه قد اشتمل من أدلّة التوحيد ، والتعظيم للملك المجيد ، وإبطال كلّما يدّعى من دونه ، وإدحاض حجّة من ألحد في آياته ، وأبدع في صفاته ، من الملاحدة والمشبّهة والمعطّلة والمجبّرة ما لا مزيد عليه .
وقد يذمّ مقال القائلين من متألّهة الحماء كاُرسطوطاليس وجالينوس
(1) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 46 ، عنه البحار : 40 / 161 .
(2) من المناقب .
(3) كذا في المناقب ، وفي الأصل : والدرّة ، واليتيمة ، والوسيلة .
(4) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 47 ، عنه البحار : 40 / 162 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1306

وبطليموس ، وغيرهم ممّن وضع قوانين العلوم الربّانيّة ، وشققوا الشعر في تحصيل القواعد الفلسفيّة ، وغاصوا في بحار المعارف الإلهيّة ، وهو صلوات الله عليه لم يتردّد إلى عالم غير سيّد المرسلين ، ولم يكن بمكّة وما والاها من البلاد من أرباب العلوم الإلهيّة وغيرها من يسند عنه ذلك ، وإنّما كانوا جاهليّة أجلافاً لا بصيرة لهم بالعلوم ، ولا تمييز بين صحيح الفكر وفاسده ، ولا استنباط دليل يهديهم إلى سبيل الرشاد ، ولو كان لهم أدنى فكر صائب وترتيب مقدّمات تهديهم إلى سواء السبيل لم يتّخذوا الأصنام آلة من دون الله ، ولا نصبوا الأنصاب ، ولا استقسموا بالأزلام ، ولا بحروا لابحيرة ، ولا سيّبوا السائبة ، ولا وصلوا الوصيلة ، ولا وأدوا البنات ، ولا عظّموا هبل واللات ، ولم يعتقدوا من الجاهليّة ، ولا أبطلوا القول بالدليل القاطع ، ولم يقلّدوا آباءهم السالفين من لدن خندف إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وآله .
وإنّما سمّوا جاهليذة لفرط جهلهم ، وشدّة عنادهم ، وعدم انقيادهم ، فإذا خرج منهم رجل لم يتردّد إلى عالم ، ولم يطالع ما دوّنه القدماء من المتألّهة في دفاترهم عن المنطقي والطبيعي والإلهي والعلوم الرياضيّة من الحساب والهندسة وغيرها ، ثمّ أتى بكلام أبطل مقالهم ، وأدحض حجّتهم ، وأبطل شبهتهم ، ودلّ على وحدة الصانع سبحانه وقدمه ، وحدوث ما سواه ، وعلى قدرته واختياره ، وعلمه بالحريّ الزماني وغيره ممّا كان قبل أن يكون وما هو كائن ، ونزّهه عمّا لا يليق بكماله ، علم أنّ علمه من علم صاحب الشريعة الذي علمه بالوحي الإلهي من حضرة واجب الوجود سبحانه تعلى عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً .(1)
(1) اقتباس من الآية : 43 من سورة الإسراء .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1307

قال شيخنا وسيّدنا ومفخرنا السيد الجليل محمد الرضي الموسوي رضي الله عنه في خطبة كتاب نهج البلاغة : من كلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، ومن عجائبه التي تفرّد بها ، وأمن المشاركة فيها أنّ كلامه الوارد في الزهد والمواعظ ، والتذكير والزواجر إذا تأمّله المتأمّل ، وفكّر فيه المتفكّر ، وخلع عن قلبه أنّه كلام مثله ممّن عظم قدره [ونفذ أمره](1)، وأحاط بالرقاب ملكه ، لم يعترضه الشكّ في أ،ّه كلا مَن لا حظّ له في غير الزهادة ، ولا شغل له في غير العبادة ، قد قبع في كسر بيت(2)، أو انقطع في(3) سفح جبل ، لا يسمع الا حسّه ، ولا يرى الا نفسه ، ولا يكاد يوقن بأنّه كلام من ينغمس في الحرب مصلتاً سيفه يقطّ الرقاب(4)، ويجدّل الأبطال ، ويعود به ينطف(5) دماً ، ويقطر مُهَجاً ، وهو مع ذلك زاهد الزهّاد ، وبدل الأبدال(6)، وهذه من فضائله العجيبة ، وخصائصه اللطيفة ، التي جمع [بها](7) بين الأضداد ، وألّف بين الأشتات .(8)
قال الفاضل عبد الحميد بن أبي الحديد عند شرحه الخطبة التي قالها أمير المؤمنين صلوات الله عليه عند تلاوته «ألهاكم التكاثر»(9) وهي : يا له
(1) من النهج .
(2) كسر بيت : جانب الخباء .
(3) في النهج : إلى .
(4) يقطّ الرقاب : يقطعها عرضاً . فإن كان القطع طولاً قيل : يقدّ .
(5) ينطف : يسيل .
(6) الأبدال ك قوم صالحون لا تخلو الأرض منهم ، إذا مات منهم واحد بدّل الله مكانه آخر ، والواحد : بدل أو بديل .
(7) من النهج والمناقب .
(8) نهج البلاغة (صحبي الصالح) : 35 ـ 36 وفي «عبده» : 12 ، عنه مناقب ابن شهراشوب : 2 / 49 .
(9) سورة التكاثر : 1 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1208

مراماً ما أبعده ! [وزَوراً ما أغفله !](1) وخطراً ما أفظعه(2)! وخطراً ما أفظعه(2)! إلى آخرها(3)، وقد أتى في هذه الخطبة ما لا مزيد عليه من ذكر الموت ، والتحذير من الدنيا ، وما يؤول من الانسان إليه حين الموت من السكرات والغمرات ، وذكر من اعتزّ بالدنيا وركن إليها :
هذا موضع المثل ملعا يا ظليم والا فالتخوية(4)، مَن أراد أن يعظ ويخوّف الناس ، ويعرّفهم قدر الدنيا وتقلّبها بأهلها فليأت بمثل هذا الكلام الفصيح في مثل هذه الموعظة البالغة والا فليسكت ، فإنّ السكوت أصلح ، والعيّ خير من منطق يفضح صاحبه .
ولعمري من وقف على هذه الخطبة علم مصداق قول معاوية : والله ما سنّ الفصاحة لقريش غيره ، وينبغي إذا اجتمع الفصحاء وتليت عليهم هذه الخطبة أن يسجدوا لها كما سجدالشعراء لقول عديّ بن الرقاع :
قلم أصابَ من الدواةِ مِداده(5).
فقيل لهم في ذلك ، فقالوا : إنّا نعلم سجدات الشعر كما تعلمون أنتم سجدات القرآن .
وإنّي لاُطيل التعجّب من رجل يخطب في مقام الحرب بكلام يدلّ على أنّ طبعه مشابه لطباع الأسود والنمور وغيرهما من السباع الضارية ، ثمّ يخطب
(1) من النهج : والزَور : الزائرون .
(2) كذا في النهج ، وفي الأصل : ما أوصفه .
(3) نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 338 خطبة رقم 221 .
(4) الملع : السير السريع . ويقال : خوّى الطائر ، إذا أرسل جاحيه .
(5) صدره :
تُزجِي أغنّ كأن إبرة روقه
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1309

في ذلك المقام بعينه إذا أراد الموعظة بكلام يدلّ على أنّ طبعه مشابه لطباع الرهبان لابسي المُسوح الذين يأكلون لحماً ، ولم يريقوا(1) دماً قطّ ، فتارة يكون في صورة سقراط الحبر اليونانيّ ، ويوحنّا المعمدان الإسرائيلي ، وعيسى بن مريم الإلهيّ ، وتارة يكون في صورة عتيبة بن الحارث اليربوعيّ ، وعامر بن الطفيل العامريّ ، وبسطان بن قيس الشيبانيّ .
واُقسم بالذي تقسم الاُمم كلّها به ؛ لقد تلوت هذه الخطبة منذ خمسين سنة وإلى الآن أكثر من ألف مرّة ، وما تلوتها مرّة الا وأحدثت في قلبي وجيباً ، وفي أعضائي رعدة ، وخيّل لي مصارع من مضى من أسلافي ، وتصوّرت في نفسي أنّي أنا ذلك الشخص الذي وصف أمير المؤمنين صلوات الله عليه في قوله :
فكم أكلت الأرض من عزيز جسدٍ ، وأنيق لون كان في الدنيا غذيّ ترف ، وربيب شرف ، إلى آخرها(2)؟
وكم قال الناس ، وكم سمعت ، وما دخل كلام ما دخل هذا الكلام من قلبي(3)، فإمّا أن يكون ذلك لفرط حبّي لصاحبه ، أو أنّ نيّة القائل كانت صادقة ، ويقينه ثابت ، فصار لكلامه تأثير في النفوس .(4)
وقال أيضاً الفاضل ابن ابي الحديد عند شرحه كلامه صلوات الله عليه في خطبة الأشباح(5): عالم السر من ضمائر(6) المضمرين ، إلى آخر الفصل : لو
(1) كذا في شرح النهج ، وفي الأصل : يرتعوا .
(2) نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 240 خطبة رقم 221 .
(3) في شرح النهج : فلم أجد لشيء منه مثل تأثير هذا الكلام في نفسي .
(4) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 11 / 152 ـ 153 .
(5) نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 134 خطبة رقم 91 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1310

سمع النضر بن كنانة هذا الكلام لقال لقائله ما قاله عليّ بن العبّاس بن جريح لإسماعيل بن بلبل :
قالوا أبو الصَقرِ مِن شَيبان قلت لهم حاشا وكلّا ولكن منه(7) شَيبان
وكم أبٍ قد عـلا بـابنِ ذًُرا شرف(8) كما علا برسول اللـه عدنان

إذ كان يفخر به على عدنان وقحطان ، بل كان يقرّ به عين أبيه إبراهيم خليل الرحمن(9) ويقول له : إنّه لم يُعفِ ما شيّدتُ من معالم التوحيد ، بل أخرج الله تعالى لك من ظهري ولداً ابتدع من علوم التوحيد في جاهليّة العرب ما لم تبتدعه أنت في جاهليّة النبط(10)، بل لو سمع هذا الكلام أرسطو طاليس القائل بأنّه تعالى لا يعلم الجزئيّات ؛ لخشع قلبه ، وقَفّ شعره(11)، وارتعدت فرائصه ، واضطرب قلبه ، أما ترى ما عليه من الرواء والجزالة والفخامة(12)، مع ما قد اُشرب من الحلاوة والطلاوة واللطف والسلاسة ؟ لا أرى كلاماً قطّ يشبه هذا الكلام الا أن يكون كلام الخالق سبحانه ، فإنّه نبعة من تلك الشجرة ، أو جدول
(6) كذا في النهج ، وفي الأصل : ضمير .
(7) في شرح النهج : كلّا ولكن لعمري منه .
(8) كذا في شرح النهج ، وفي الأصل : بابن له شرفاً .
ِ(9) كذا في شرح النهج ، وفي الأصل : بل كان يفخر على عدنان وقحطان ، بل كان يفخر على إبراهيم الخليل .
(10) كذا في شرح النهج ، وفي الأصل : ويقول له : إنّ الله قد أخرج من صلبي ولداً وسيّدا من معالم التوحيد في جاهليّة العرب ما لم تشيّده أنت في جاهليّة النبط .
(11) كذا في شرح النهج ، وفي الأصل : لا يعلم الحرى الزماني لفقّ شعره .
(12) في شرح النهج : من الرواء والمهابة ، والعظمة والفخامة ، والمتانة والجزالة .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1311

من ذلك البحر ، أو جذوة من تلك النار .(1)
ومنهم الفصحاء والبلغاء وهو أوفرهم حظّاً .
قال السيد الرضي الموسوي رضي الله عنه : كان أمير المؤمنين عليه السلام مشرع الفصاحة وموردها ، ومنشأ البلاغة ومولدها ، ومنه ظهر مكنونها ، وعنه أخذت قوانينها .(2)
قال الجاحظ في كتاب الغرّة : كتب عليّ إلى معاوية : غرّك غرّك ، فصار قصار ذلك ذلّك ، فاخش فاحش فعلك فعلّك تهدأ بهذا ، والسلام .(3)
وروى أبو جعفر بن بابويه رضي الله عنه بإسناده عن الرضا عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام أنّ الصحابة اجتمعت فتذاكروا أنّ الألف أكثر دخولاً في الكلام من غيره ، فارتجل صلوات الله عليه الخطبة المونقة(4) وهي : حمدت من عظمت منّته ، وسبغت نعمته ، وسبقت رحمته(5)، وتمّت كلمته ، ونفذت مشيئته ، وبلغت قضيّته(6)، إلى آخرها .
ثم ارتجل صلوات الله عليه خطبة اُخرى على غير نقطة ، أوّلها(7): الحمد
(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 7 / 23 ـ 24 .
(2) نهج البلاغة (صبحي الصالح) : 34 .
(3) مناقب ابن شهراشوب ك 2 / 48 ، عنه البحار : 40 / 163 .
وأورد القطعة الأخيرة في مطالب السؤول : 1 / 176 ، عنه البحار : 78 / 83 ح 86 .
(4) انظر : شرح نهج البلاغة : 19 / 140 ، الخرائج والجرائح : 2 / 740 ح 56 ، كفاية الطالب : 393 ، مطالب السؤول : 1 / 173 ، مصباح الكفعمي : 741 ف 49 ، الصراط المستقيم : 1 / 222 ، البحار : 41 / 304 ح 36 ، وج 77 / 340 ، إثبات الهداة : 2 / 499 ح 372 وص 514 ح 432 وص 519 ح 457 .
(5) في بعض المصادر : وسبقت رحمته غضبه .
(6) في المناقب : من غير النقط ، التي أوّلها .

السابق السابق الفهرس التالي التالي