تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1273

وصار أمير المؤمنين أخا رسول الله لى الله عليه وآله من ثلاثة أوجه :
[أوّلها :](1) لقوله عليه السلام : ما زال ينقل من الآباء الأخائر ، الخبر .
الثاني : أنّ فاطمة بنت أسد ربّت رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قال : هذه اُمّي ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله عند ابي طالب من أعزّ أولاده ، ربّاه في صغره ، وحماه في كبره ، ونصره بالمال واللسان والسيف والأولاد [والهجرة](2)، والأب أبوان : أب ولادة وأب إفادة ، ثمّ انّ العمّ والد ، قال سبحانه حكاية عن يعقوب : «ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل»(3) الآية ، وإسماعيل كان عمّه .
وقال سبحانه حكاية عن إبراهيم : «وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر»(4) قال الزجّاج : أجمع النسّابة أنّ اسم أبي إبراهيم تارخ .
[والثالث :](5) آخاه النبي صلى الله عليه وآله في عدّة مواضع : يوم بيعة العشيرة حين لم يبايعه أحد بايعه عليّ على أن يكون له أخاً في الدارين . وقال في مواضع كثيرة ، منها : يوم خيبر : أنت أخي ووصيّي . وفي ويوم المؤاخاة ما ظهر عند الخاصّ والعامّ صحّته ، وقد رواه ابن بطّة من ستّة طرق .
وروي أنّ النبي صلى الله عليه وآله كان بالنخيلة وحوله سبعمائة وأربعون رجلاً ، فنزل جبرئيل وقال : إنّ الله تعالى آخى بين الملائكة : بيني وبين ميكائيل ، وبين إسرافيل وعزرائيل ، وبين دردائيل وراحيل ، فآخى النبي صلى
(1 و2 و5) من المناقب .
(3) سورة البقرة : 133 .
(4) سورة الأنعام : 74 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1274

الله عليه وآله بين أصحابه .
وروى خطيب خوارزم في كتابه(1) بالاسناد عن ابن مسعود ، قال النبي صلى الله عليه وىله : أوّل من اتّخذ علي بن أبي طالب أخاً إسرافيل ثمّ جبرائيل ، الخبر .
وعن ابن عبّاس ، قال : لمّا نزل قوله تعالى : «إنّما المؤمنون إخوة»(2) آخى رسول الله صلى الله عليه وآله بين الأشكال والأمثال ، فآخى بين أبي بكر وعمر ، وبين عثمان وعبد الرحمان ، وبين سعدبن أبي وقّاص وسعيد بن زيد ، وبين طلحة والزبير ، وبين أبي عبيدة وسعد بن معاذ ، وبين مصعب بن عمير وأبي أيّوب الأنصاري ، وبين أبي ذرّ وابن مسعود ، وبين سلمان وحذيفة ، وبين حمزة وزيد ، وبين أبي الدرداء وبلال ، وبين جعفر الطيّار ومعاذ بن جبل ، وبين المقداد وعمّار ، وبين عائشة وحفصة ، وبين زينب بنت جحش وميمونة ، وبين اُمّ سلمة وصفيّة ، حتى آخى بين أصحابه بأجمعهم على قدر منازلهم ، ثمّ قال : يا عليّ ، أنت أخي وأنا أخوك .
تاريخ البلاذري : قال عليّ عليه السلام : يا رسول الله ، آخيت بين أصحابك وتركتني !
فقال : أنت أخي ، أما ترضى أن تدعى إذا دعيتُ ، وتكسى إذا كسيتُ ، وتدخل الجنّة إذا دخلتُ ؟!(3)
(1) مناقب الخوارزمي : 31 ـ وفيه : اسرافيل ، ثم ميكائيل ، ثم جبرئيل ـ ، عنه كشف الغمّة : 1 / 376 . وفي البحار : 39 / 110 ح 17 عن الكشف .
(2) سورة الحجرات : 10 .
(3) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 184 ـ 185 وزاد فيه : قال : بلى ، يا رسول الله ، عنه البحار : 38 / 335 ح 10 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1275

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ(1) من بطنان العرش : يا محمد ، نعم الأب أبوك إبراهيم ، ونعم الأخ أخوك عليّ بن أبي طالب .(2)
وروى أبو إسحاق العدل ، قال أبو يحيى : ما جلس عليّ صلوات الله عليه على المنبر الا قال : أنا عبد الله ، وأخو رسول الله ، لا يقولها بعدي إ لّا كذّاب .(3)
الصادق عليه السلام قال : لمّا آخى رسول الله صلى الله عليه وىله بين أصحابه وترك عليّاً ، فقال له في ذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : إنّما(4) اخترتك لنفسي ، أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة .
فبكى عند ذلك أمير المؤمنين وقال :
أقيك بنفسي أيها المصـطفى الذي هدانا به الرحمن من عَمَهِ(5) الجهل
بروحي أفديه(6) وما قدر مهجتي ؟ لمن أنتمي منه إلى الفـرع والأصل
ومن ضمّني مذ كنت طفلاً ويافعاً وأنعـشني بالبـرّ والعـلّ والنهـل(7)
(1) في المناقب : نوديت .
(2 و3) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 186 ، وعنه البحار : 38 / 337 .
(4) كذا في المناقب ، وفي الاصل : أنا .
(5) العمه : الحيرة والتردّد .
(6) في المناقب : وأفديك حوبائي . والحوباء : النفس .
(7) العل : الشرب الثاني : والنهل : الشرب الأول . وهذا كناية عن غاية اهتمامه صلى الله
=
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1276

ومن جدّه جـدّي ومـن عمـّه عمّي ومن اُمّه(1) اُمّي ومن بنته أهلي
ومن حين آخى بين من كان حاضراً دعاني وآخاني وبيّن من فضلي
لك الفضل إنّي ما حييـت لـشـاكرٌ لإتمام ما أوليت يا خاتم الرسل(2)

قيل لقثم بن العباس : بأيّ شيء ورث عليّ النبي صلى الله عليه وآله دون العبّاس ؟
قال : لأنّه [كان](3) أشدّنا به لصوقاً ، وأسرعنا به لحوقاً .(4)
وقد علمنا أنّ أمير المؤمنين لم يكن أخاص للرسول في النسب ، فلمّا جعله شكلاً له وأخاً بين الأشكال والأمثال واستخلصه لنفسه علمنا بذلك أنّه الإمام الحقّ على سائر المسلمين ، فلا يجوز لأحدٍ أن يتقدّمه ، ولا أن يتأمّر عليه ، لأنّه شبه الرسول ومشاكله ، والعرب تقول للشيء : إنّه أخو الشيء إذا أشبهه وقاربه ، فكما لا يجوز التقدّم على رسول الله صلى الله عليه وآله «لا تقدّموا بين يدي الله ورسوله»(5) كذلك لا يجوز التقدّم على أمير المؤمنين صلوات الله عليه لأنّه
= عليه وآله بتربيته على جميع الحالات .
(1) في المناقب : أهله .
(2) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 186 ـ 187 ، عنه البحار : 38 / 337 .
وانظر ديوان الإمام علي عليه السلام ـ طبعة دار ابن زيدون ـ : 246 .
(3) من المناقب .
(4) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 188 ، عنه البحار : 38 / 340 .
(5) سورة الحجرات : 1 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1277

مشابهه ومماثله ، ولهذا أمر الله نبيّه بسدّ أبواب الصحابة وترك باب عليّ لكونه مماثله ومشابهه .(1)
روى أحمد في كتاب الفضائل(2) أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال في ذلك ـ لمّا تكلّم الناس ـ : والله ما سددت شيئاً ولافتحته ، ولكن اُمرت بشيء فاتّبعه .(3)
تاريخ البلاذري ومسند أحمد في خبر قال [عمرو بن ميمون](4): خلا ابن عبّاس مع جماعة ، فنالوا من عليّ ، فقام ابن عبّاس ، ثمّ قال : اُف اُف وقعوا في رجل قال له رسول الله صلى الله عليه وآله : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، ومن كنت وليّه فعليّ وليّه .
وقال له : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، الخبر .
وقال : لأدفعنّ الراية غداً إلى رجل ، الخبر .
وسدّ أبواب الصحابة الا بابه . ونام مكان رسول الله ليلة الغار . وبعث ببراءة مع أبي بكر ، ثمّ أرسل عليّاً فأخذها منه .(5)
وفي فضائل أحمد : قال عبد الله بن عمر : ثالثة أشياء كنّ لعليّ لو كان لي واحدة منها لكانت أحبّ إليّ من حمر النعم ؛ أحدها : إعطاؤه الراية يوم خيبر ، وتزويجه فاطمة ، وسدّ أبواب .
(1) نحوه في مناقب ابن شهراشوب : 2 / 189 ، عنه البحار : 38 / 340 .
(2) فضائل الصحابة : 2 / 581 ح 985 ، مسند أحمد : 1 / 175 ، وج 4 / 369 .
(3) مناقب ابن شهراشوب ك 2 / 190 .
(4) من المناقب .
(5) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 191 ، عنه البحار : 39 / 28 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1278

وقيل : إنّ العبّاس خرج يوم سدّ الأبواب ، وهو يبكي ويقول : سددت باب عمّك(1) وأسكنت ابن عمّك !
فقال صلى الله عليه وآله : ما أخرجتك ولا أسكنته ، ولكنّ اله أكسنه .(2)
وفي رواية أنّه قال : أمّا علي فابن عمّ رسول الله وختنه ، وهذا بيته ـ وأشار بيده إلى بيت عليّ ـ حيث ترون أمر الله تعالى نبيّه أن يبني مسجده فبنى فيه عشرة أبيات : تسعة لبنيه وأزواجه وأصحابه ، وعاشرها وهو متوسّطها لعليّ وفاطمة ، وكان ذلك في أول سنة الهجرة ؛ وقيل : كان في آخر عمر النبي صلى الله عليه وآله ، والأوّل أصح ، وبقى على كونه مفتوح الباب إلى المسجد ، ولم يزل عليّ وولده فيه إلى أيّام عبد الملك بن مروان ، فعرف الخبر فحسد القوم على ذلك واغتاظ ، وأمر بهدم الدار ، وأظهر أنّه يريد أن يزيد في المسجد ، وكان في الدار الحسن بن الحسن فقال : لا أخرج ولا اُمكّن من هدمها ، فضرب بالياط ، وتصايح الناس ، واُخرج عند ذلك ، وهدمت الدار ، وزيد في المسجد .(3)
وروى عيسى بن عبد الله أنّ دار فاطمة عليها السلام حول تربة النّبي صلى الله عليه وآله ، وبينهما حوض .(1)
وفي منهاج الكراجكي أنّه ما بين البيت الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وبين الباب المحاذي لزقاق البقيع . فتح له باب وسدّ على سائر الأصحاب ، من قلع الباب كيف يُسدّ عليه الباب ؟ قلع باب الكفر من التخوم ،
(1) في الماقب : ويقول : أخرجت عمّك .
(2) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 191 ، عنه البحار : 39 / 28 .
(3) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 191 ـ 192 ، عنه البحار : 38 / 29 ح 11 .
(4) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 192 ، عنه البحار : 39 / 29 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1279

فتح له أبواب من العلوم .(1)
ومن شدّة تحنّن رسول الله صلى الله عليه وآله ما رواه ابن مسعود ، قال : رأيت كفّ عليّ في كفّ رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقبّلها فقلت : ما منزلته منك ، يا رسول الله ؟
قال : منزلتي من الله ؟(2)
وسئل النبي صلى الله عليه وآله عن بعض أصحابه فذكره بخير(3)، فقال قائل : فعليّ ؟
فقال صلى الله عليه وآله : إنّما سألتني عن الناس ، ولم تسألني عن نفسي .(4)
مَن نفسي مِن نفسه وجنسه من جنسه وغرسه من غرسه(5) فهل له معادل ؟(6)

وروي أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا جلس وأراد أن يقوم لا يأخذ بيده غير عليّ عليه السلام .(7)
أنساب الأشراف(8): قال رجل لابن عمر : حدّثني عن عليّ بن أبي
(1) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 192 ، عنه البحار : 39 / 29 .
(2) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 220 .
(3) في المناقب : فذكر فيه .
(4) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 217 .
(5) في المناقب : وعرسه من عرسه .
(6) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 218 . والبيت للسوسي .
(7) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 219 ، عنه البحار : 38 / 297 .
(8) أنساب الأشراف : 2 / 180 ح 211 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1280

طالب .
قال : تريد أن تعلم ما كانت منزلته من رسول الله صلى الله عليه وآله ، فانظر إلى بيته من بيوت رسول الله صلى الله عليه وآله ، هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وآله .(1)
وكان النبي(2) إذا غضب لم يجترئ عليه أحد [أن](3) يكلّمه الا عليّ ، وأتاه يوماً فوجده نائماً فلم يوقظه .
لا شكّ انّ النّبي صلى الله عليه وآله كان أكبر سنّاً وأكثر(4) جاهاً من عليّ ، فلمّا كان يحترمه هذا الاحترام إمّا انّه كان من الله تعالى أو من قبل نفسه ، وعلى الحالين جميعاً أظهر للناس فضله ، وعلوّ درجته عند الله ، ومنزلته عند رسول الله صلى الله عليه وآله .(5)
وروي عن عائشة ، قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله ارتزم عليّاً وقبّله وقال : بأبي الوحيد الشهيد ، بأبي الوحيد الشهيد ، ذكره أبو يعلى الموصلي في المسند .(6)
وانّه لمّا جرح أمير المؤمنين في رأسه من ضربة عمرو بن ودّ يوم الخندق ، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فشدّه ونفث فيه فبرأ ، فقال :
(1) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 219 ، عنه البحار : 38 / 297 .
(2) أنساب الأشراف : 2 / 107 ح 44 .
(3) من المناقب .
(4) كذا في المناقب ، وفي الأصل : وأكبر .
(5) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 219 ، عنه البحار : 38 / 298 .
(6) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 220 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1281

أين أكون إذا خضبت هذه من هذه ؟(1)
وكان النبي صلى الله عليه وآله إذا لم ير(2) عليّاً قال : أين حبيب الله ، وحبيب رسوله ؟(3)
وكان أمير المؤمنين من أوثق أصحابه عنده .
روى محمد بن الحنفيّة أنّ الذي قذفت به مارية وهو خصي يقال له مابور وكان المقوقس أهداه مع مارية(4) إلى النبي صلى الله عليه وآله .
وكان(5) سبب القذف أنّ عائشة قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله : إنّ اإبراهيم ليس منك ، وإنّه من فلان القبطي .
فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله عليّاً عليه السلام وأمره بقتله ، فلمّا رأى عليّاً وما يريد به تكشّف حتى يتبيّن لعليّ أنّه أجبّ لا شيء له ممّا يكون للرجال ، فكفّ عليه السلام عنه .(6)
وفي خبر أنّه كان ابن عمّ مارية(7)، فأرسل عليّاً ليقتله ، فقال أمير المؤمنين : يا رسول الله ، أكون في أمرك كالسكّة المحماة ـ وفي رواية : أو المسمار المحمى ـ ولا يثنيني شيء حتى أمضي لما أمرتني به ، أو الحاضر يرى ما يرى الغائب .
(1) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 220 .
(2) في المناقب : يلق .
(3) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 221 .
(4) في المناقب : الجاريتين .
(5) تفسير القمّي : 2 / 318 ، عنه البحار : 22 / 153 ح 8 .
(6) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 225 .
(7) أي الذي قُذفت به .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1282

فقال صلى الله عليه وآله : الحاضر يرى(1) ما لا يرى الغائب .
قال أمي المؤمنين : فأقبلت متوشّحاً بالسيف فوجدته عندها ، فاخترطت السيف ، فلمّا أقبلت نحوه عرف أنّي اُريده فأتى نخلة فرقى فيها ، ثمّ رمى بنفسه على قفاه وشغر برجليه ، وإذا به أجبّ أمسح ماله ممّا للرجال قليل ولا كثير ، فأغمدت سيفي ، وأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته ، فقال : الحمد لله الذي يصرف عنّا أهل البيت .(2)
ودعا له رسول الله صلى الله عليه وآله في عدّة مواضع : في قوله يوم الغدير : اللهم وال من والاه .
ودعا له يوم خيبر : اللهم قه الحرّ والبرد .
ودعا له يوم المباهلة : اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا .
ودعا له لمّا مرض : اللهم عافه واشفه . وغير ذلك ، ودعا له بالنصر والولاية ، والولاية لا تجوز الا لوليّ الأمر ، فبان بذلك إمامته .(3)
وفي أمالي الشيخ أبي جعفر بن بابويه رضي الله عنه في خبر طويل أنّ النبي صلى الله عليه وآله كان يوماً جالساً ، فقال : يا معاشر أصحابي : أيّكم ينهض إلى ثلاثة نفر آلوا(4) باللات والعزّى ليقتلوني ، وقد كذبوا وربّ الكعبة ؟ فأحجم الناس .
(1) في المناقب : بل الشاهد قد يرى .
(2) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 225 ، وزاد فيه : الامتحان .
(3) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 226 ، عنه البحار : 38 / 303 ح 5 .
(4) أي حلفوا .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1283

فقال : ما أحسب عليّاً فيكم . فاُخبر أمير المؤمنين عليه السلام بذلك ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله ، وقال : أنا وحدي لهم سريّة ، يا رسول الله ، فعمّمه ودرّعه وقلّده سيفه وأركبه فرسه .
فخرج أمير المؤمنين صلوات الله عليه فمكث ثلاثة أيّام لا يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله منه خبر لا من السماء ولا من الأرض ، فأقعدت فاطمة عليها السلام الحسن والحسين عليهما السلام على وركيها ، وهي تقول : يوشك أن تؤتم هذين الغلامين .
فأسبل النبي صلى الله عليه وآله عينيه يبكي ، ثم قال : معاشر الناس ، من يأتيني بخر علي فاُبشّره بالجنّة .
فافترق الناس في طلبه ، وأقبل عامر(1) بن قتادة يبشّر بعليّ ، فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام ومعه أسيران ، ورأس ، وثلاثة أبعرة ، وثلاثة أفراس ، وقال : لمّا صرت في الوادي رأيت هؤلاء ركباناً على الأباعر ، فنادوني : من أنت ؟
فقلت : أنا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله ، فشدّ عليّ هذا المقتول ودارت(2) بيني وبينه ضربات ، وهبّت ريح حمراء سمعت صوتك فيها ـ يا رسول الله ـ وأنت تقول : قطعت لك جربّان(3) درعه ، فضربته ، فلم أحفه(4) ، ثم هبّت ريح صفراء سمعت صوتك فيها وأنت تقول : قلبت لك
(1) كذا في جميع المصادر ، وفي الأصل : عمرو .
(2) كذا في المناقب ، وفي الأصل : وثارت .
(3) جريّان : جيب القميص .
(4) الإحفاء : المبالغة في الأخذ . وفي الأمالي : أخفه : أي لم أخف السيف في بدنه .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1284

الدرع عن فخذه ، فضربته ووكزته(1)، فقال الرجلان : صاحبنا هذا كان يعدّ بألف فارس فلا تعجل علينا ، وقد بلغنا أنّ محمّداً رفيق شفيق رحيم فاحملنا إليه .
فقال النبي صلى الله عليه وآله : أمّا الصوت الأول فصوت جبرئيل ، والآخر فصوت ميكائيل ، فعرض النبي عليهما الإسلام فأبيا ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بقتلهما ، فقتل أحدهما بعد أن عرض عليه الإسلام وأبى ، وقال [الآخر](2): الحقني بصاحبي ، فهمّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه بقتل الآخر ، فهبط جبرائيل وقال لرسول الله صلى الله عليه وآله : لا تقتله ، فإنّه حسن الخلق ، سخيّ في قومه .
فقال النبي : يا علي ، أمسك ، فإنّ هذا رسول الله جبرئيل يخبرني انّه سخيّ في قومه ، حسن الخلق .
فقال الرجل : والله ما ملكت مع أخ لي درهماً قط ، ولا قطبت(3) وجهي في الحرب(4)، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمدا رسول الله .(5)
ومن قوّته وشدّته انّه قلع باب خيبر .
روى أحمد بن حنبل ، عن مشيخته ، عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله دفع الراية إلى عليّ صلوات الله عليه يوم خيبر بعد أن دعا له ،
(1) الوكز : الضرب بجمع الكف والطعن والدفع .
(2) أثبتناه لما يتطلّبه المقام .
(3) القطوب : العبوس .
(4) في الخصال : الجدب ، ولعلّه الأنسب . والجَدب : القحط .
(5) أمالي الصدوق : 93 ح 4 ، الخصال : 94 ح 41 ، عنهما البحار : 41 / 73 ح 4 ، وج 71 / 390 ح 49 .
وأخرجه في مناقب ابن شهراشوب : 2 / 236 ، وحلية الأبرار : 2 / 88 ح 3 عن الأمالي .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1285

فجعل يسرع السير وأصحابه يقولون له : ارفق ، حتى انتهى إلى الحصن فاجتذب بابه والقاه على الأرض ، ثم اجتمع منّا سبعون رجلاً وكان جهدهم أن أعادوا الباب .(1)
أبو عبد الله الحافظ بإسناده إلى أبي رافع : لمّا دنا عليّ من القموص أقبلوا يرمونه بالنبل والحجارة ، فحمل حتى دنا من الباب فاقتلعه ، ثم رمى به خلف ظهره أربعين ذراعاً ، ولقد تكلّف حمله أربعون رجلاً فما أطاقوا .(2)
وروى أبو القاسم محفوظ(3) البستي في كتاب الدرجات أنّ أمير المؤمنين بعد أن قتل مرحب حمل على القوم فانهزموا إلى الحصن ، فتقدّم إلى باب الحصن وضبط حلقته ـ وكان وزنها أربعين منّاً ـ وهزّ الباب ، فارتعد الحصن بأجمعه حتى ظنّوا زلزلة ، ثم هزّة اُخرى فقلعه ، ودحا به في الهوى أربعين ذراعاً .(4)
أبو سعيد الخدري : [وهزّ حصن خيبر حتى](5) قالت صفيّة : كنت جالسة على طاق كما تجلس العروس ، فوقعت على وجهي ، فظننت الزلزلة ؛ فقيل : هذا عليّ قد هزّ الحصن يريد أن يقلع الباب .(6)
وفي كتاب رامش أفزاي(7) قال : كان طول الباب ثمانية عشر ذراعاً ، وعرض الخندق عشرون ، فوضع صلوات الله عليه طرف الباب على الخندق
(1) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 293 ، عنه البحار : 41 / 279 .
(2) مناقب ابن شهراشوب : 2 / 293 ، عنه البحار : 41 / 279 .
(3) كذا في المناقب ، وفي الأصل : أبو القاسم بن محفوظ .
(4 و6) ماقب ابن شهراشوب : 2 / 294 ، عنه البحار : 41 / 280 .
(5) من المناقب .
(7) رامش أفزاي آل محمد للشيخ محمد بن الحسين المحتسب ، ويعني بالفارسية : الطرب والعيش . «الذريعة : 10 / 59» .

السابق السابق الفهرس التالي التالي