تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1113

يهوذا](1) «إنّه هو العليم الحكيم»(2) ، «وتولّى ـ يعقوب ـ عنهم» لشدّة الحزن لما بلغه خبر [حبس](2) ابن يامين ، وهاج ذلك وجده بيوسف لانّه كان يتسلّى به ، «وقال يا أسفى على يوسف» أي واطول حزني على يوسف .
عن سعيد بن جبير [أنّه قال](4) : لقد اُعطيت هذه الاُمّة عند المصيبة مالم يعط الأنبياء قبلهم إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ولو اُعطيها الأنبياء لاُعطيها يعقوب ، «وابيضّت عيناه من الحزن» والبكاء .
وسئل الصادق عليه السلام : ما بلغ من حزن يعقوب(5) على يوسف ؟
قال : حزن سبعين حرى ثكلى ؛؛ وقيل : إنّه عمي ستّ سنين ، «فهو كظيم»(6) وهو المملوء من الهمّ والحزن ، الممسك للغيض لا يشكوه إلى أهل زمانه ، ولا يظهره بلسانه ، ولذلك لقّب موسى بن جعفر عليهما السلام بالكاظم لكثره ما كان يتجرّع من الغيظ والغمّ طول أيّام خلافته لأبيه في ذات الله تعالى .
«قالوا ـ أي قال إخوة يوسف لأبيهم : ـ تالله تفتؤُا تذكر يوسف حتى تكون حَرَضاً»(7) أي هالكاً دنفاً ، فاسد العقل ، قريباً م الموت ؛ وقيل : إنّهم قالوا ذلك تبرّماً ببكائه إذ تنغّص عيشهم(8) بذلك «قال ـ يعقوب في جوابهم : ـ إنّما أشكوا بثّي وحزني إلى الله» .
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أن جبرئيل أتى يعقوب فقال : يا
(1 و3 و4) من المجمع .
(2) سورة يوسف : 83 .
(5) كذا في المجمع ، وفي الأصل : ما يبلغ حزن يعقوب .
(6) سورة يوسف : 84 .
(7) سورة يوسف : 85 .
(8) كذا في المجمع ، وفي الأصل : عليهم ـ وهو تصحيف ـ .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1114

يعقوب ، إنّ الله يقرئك السلام ويقول : ابشر وليفرح قلبك ، فوعزّتي وجلالي لو كانا ميّتين(1) لنشرتهما لك اصنع طعاماً للمساكين فإنّ أحبّ عبادي إليّ المساكين ، أتدري لم أذهبتُ بصرك ، وقوّستُ ظهرك ؟ لأنّكم ذبحتم شاة ، وأتاكم فلان المسكين وهو صائم فلم تطعموه شيئاً ، فكان يعقوب بعد ذلك إذا أراد الغذاء أمر منادياً ينادي : ألا من أراد الغذاء من المساكين فليتغذّ مع يعقوب ، «وأعلم من الله ما لا تعلمون»(2) أي وأعلم صدق رؤيا يوسف، وأعلم أنّه حيّ ، وأنّكم ستجدونه .(3)
وفي كتاب النبوّة : بالاسناد عن سدير الصيرفي ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : إنّ يعقوب دعا الله سبحانه أن يهبط عليه ملك الموت ، فأجابه فقال : ما حاجتك ؟
فقال : اخبرني هل مرّ بك روح يوسف يوسف في الأرواح ؟
قال : لا ، فعلم أنّه حيّ ؛ وقيل : إنّهم لمّا أخبروه بسيرة الملك قال : لعلّه يوسف ، فلذلك قال : «يا بنيّ اذهبوا فتحسّسوا من يوسف وأخيه» أي استخبروا من شأنهما ، واطلبوا خبرهما ، وانظروا ملك مصر ما اسمه ؟ وعلى أيّ دين هو ؟ فإنّه قد اُلقي في روعي أنّ الذي حبس ابن يامين هو يوسف ، وإنّه إنّما طلبه منكم ، وجعل الصاع في رحله احتيالاً في حبس أخيه عند نفسه ، «ولا تيأسوا من رَوح الله إنّه لا ييأس من رَوح الله الا القوم الكافرون»(4) .
قال ابن عبّاس : يريد انّ المؤمن من الله على خيرٍ يرجوه في الشدائد
(1) في «ح» : أي يوسف وأخوه بنيامين .
(2) سورة يوسف ك 86 .
(3) في المجمع : ستسجدون له كما اقتضاه رؤياه .
(4) سورة يوسف : 87 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1115

والبلاء ، ويشكره ويحمده في الرخاء ، والكافر ليس كذلك .
سؤال : كيف خفي أخبار يوسف على يعقوب في المدّة الطويلة مع قرب(1) المسافة ؟ وكيف لم يعلمه بخبره لتسكن نفسه ويزول وجده ؟
الجواب : قال السيد المرتضى رضى الله عنه : يجوز أن يكون ذلك ممكناً ، و[كان](2) عليه قادراً ، لكن الله سبحان أوحى إليه أن يعدل عن اطّلاعه على خبره تشديداً للمحنة عليه ، ولله سبحانه أن يشدّد(3) التكلّف وأن يسهّله .(4)
ولمّا قال يعقوب لبنيه : «اذهبوا فتحسّسوا من يوسف وأخيه» ، خرجوا قاصدين مصر .(5)
وروي في كتاب النبوّة : بالاسناد عن الحسن بن محبوب ، عن أبي إسماعيل الفرّاء ، عن طربال ، عن أبي عبد الله عليه السلام في خبرٍ طويلٍ أنّ يعقوب كتب إلى يوسف :
بسم الله الرحمن الرحيم

إلى عزيز مصر ، ومظهر العدل ، وموفي الكيل .
من يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صاحب نمرود الذي جمع له النار ليحرقه بها فجعلها الله عليه برداً وسلاماً وأنجاه منها .
اُخبرك ايها العزيز ، إنّا أهل بيت لم يزل البلاء إلينا سريعاً من الله ليبلونا
(1) كذا في المجمع ، وفي الأصل : مدّة .
(2) من المجمع .
(3) في المجمع : يصعّب .
(4) مجمع البيان : 3 / 257 ـ 258 .
(5) مجمع البيان : 3 / 260 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1116

عند السرّاء والضرّاء ، وانّ مصائباً تتابعت عليّ منذ عشرين سنة ؛ أوّلها انّه كان لي ابن سمّيته يوسف ، وكان سروري من بين ولدي وقرّة عيني وثمرة فؤادي ، وانّ إخوته من غير اُمّه سألوني أن أرسله معهم يرتع ويلعب ، فبعثته معهم بكرة فجاؤني عشاء يبكون ، وجاءوا على قميصه بدم كذب ، وزعموا أنّ الذئب أكله ، فاشتدّ لفقده حزني ، وكثر على فراقه بكائي حتى ابيضّت عيناي من الحزن ، وكان له أخ وكنت به معجباً وكان لي أنيساً ، وكنت إذا ذكرت يوسف ضممته إلى صدري فسكن بعض ما بي وما أجد في صدري ، وإنّ إخوته ذكروا [لي](1) أنّك سألتهم عنه وامرتهم أن يأتوك به ، فإن لم يأتوك به منعتهم الميرة ، فبعثته معهم ليمتاروا [لنا](2) قمحاً فرجعوا إليّ وليس هو معهم ، وذروا انّه سرق مكيال الملك ، ونحن أهل بيت لا نسرق ، وقد حبسته عنّي وفجعتني به ، [وقد اشتدّ لفراقه حزني حتى تقوّس لذلك ظهري وعظمت به](3) مصيبتي مع مصائب تتابعت عليّ ، فمنّ عليّ بتخلية سبيله وإطلاقه من حبسك ، وطيّب لنا القمح ، وعجّل سراح آل إبراهيم .
قال : فمضوا بكتابه حتى دخلوا على يوسف في دار الملك وقالوا : «يا أيّها العزيز مسّنا وأهلنا الضرّ»(4) فتصدّق علينا بأخينا ابن يامين ، وهذا كتاب أبينا يعقوب أتينا به إليك يسألك تخلية سبيله ، فمنّ به علينا ، وأخذ يوسف كتاب يعقوب ، وقبّله ووضعه على عينيه ، وبكى وانتحب حتى بلّ دمعه القميص الذي عليه ، ثمّ أقبل عليهم و«قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه» من إذلاله وإبعاده عن أبيه ، وإلقائه في الجبّ ، والاجتماع على قتله وبيعه بثمن وكس ، وما فعلتم بأخيه من إفراده عن يوسف والتفريق بينهما حتى صار وحيداً
(1 ـ 3) من المجمع .
(4) سورة يوسف : 88 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1117

ذليلاً [فيما](1) بينكم لا يكلّمكم الا كما يكلّم الذليل العزيز ؟
وإنّما لم يذكر أباه يعقوب تعظيماً له ، ورفعاً من قدره ، وانّ ذلك كان بلاء له ليزداد به علوّ الدرجة عند الله تعالى ، «إذ أنتم جاهلون»(2) وكان هذا تلقيناً لهم بما يعتذرون به ، وهذا هو الغاية في الكرم إذ صفح عنهم ولقّنهم وجه العذر(3) ، «قالوا أإنّك لانت يوسف» ؟ قيل : إنّ يوسف لمّا قال لهم : «هل علمتم ما فعلتم بيوسف» ، رفع التاج عن رأسه وتبسّم إليهم ، فلمّا أبصروا ثناياه كأنّها اللؤلؤ المنظوم شبّهوه بيوسف و«قالوا أإنّك لأنت يوسف» فقال : «أنا يوسف» المظلوم المستحلّ منه المحرم ، «وهذا أخي» المظلوم كظلمي «قد منّ الله علينا»(4) بالاجتماع بعد طول الفرقة : «قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنّا لخاطئين»(5) أي اختارك بالحلم والعلم والملك(6) والحسن .(7)
قيل : إنّه عليه السلام لمّا عرّفهم نفسه سالهم عن أبيه ، فقال : ما فعل أبي بعدي ؟
قالوا : ذهبت عيناه .
فقال : «اذهبوا بقميصي هذا» ، واطرحوه على وجه أبي يعد مبصراً(8)
(1) من المجمع .
(2) سورة يوسف : 89 .
(3) كذا في المجمع ، وفي الأل ك وكفتهم العذر .
(4) سورة يوسف : 90 .
(5) سورة يوسف : 91 .
(6) في المجمع : والعقل .
(7) مجمع البيان : 3 / 262 وبدون أن ينسب كتاب يعقوب إلى يوسف كتاب النبوّة ـ كما هو أعلاه ـ .
(8) كذا في المجمع ، وفي الأصل : منظراً .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1118

«وأتوني بأهلكم أجمعين» .(1)
وروي أنّ يوسف عليه السلام قال : إنّما يذهب بقميصي من ذهب به أوّلاً .
فقال يهوذا : أنا ذهبت به وهو متلطّخ بالدم ، وأخبرته انّه أكله الذئب .
قال : فاذهب بهذا أيضاً واخبره أنّه حيّ ، وافرحه كما أحزنته ، فحمل القميص وخرج حافياً حاسراً حتى أتى يعقوب وكان معه سبعة أرغفة ، وكانت مسافة ما بينهما ثمانين فرسخاً ، فلم يستوف الأرغفة في الطريق وقد ذكرنا [من](2) قبل شأن القميص ، وإنّما أرسل القميص بأمر من جبرئيل عليه السلام قال له : أرسل إليه قميصك فإنّ فيه ريح الجنّة لا يقع على مبتلى ولا سقيم الا صحّ وعوفي .
ثمّ انّ يوسف عليه السلام أمر لهم بمائتي راحلة وما يحتاج إليه من آلات السفر ، فلمّا قربوا من يعقوب قال لأولاد أولاده الذين كانوا عنده : «إنّي لأجد ريح يوسف» .
روي عن ابي عبد الله عليه السلام قال : وجد يعقوب ريح قميص يوسف(3) عليه السلام حين فصلت العير من مصر وهو بفلسطين من مسيرة عشر ليال .
قال ابن عبّاس : هاجت ريح فحملت ريح قميص يوسف إلى يعقوب .(4)
وروي أنّ ريح الصبا استأذنت الله ربّها في ان تأتي يعقوب بريح يوسف
(1) سورة يوسف : 93 .
(2) من المجمع .
(3) كذا في المجمع ، وفي الأصل : إبراهيم .
(4) مجمع البيان : 3 / 261 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1119

قبل أن يأتيه البشير بالقميص ، فأذن لها ، فأتته بها ، ولذلك يستروح كلّ محزون بريح الصبا ، وقد أكثر الشعراء من ذكرها ، فمن ذلك قولهم :
فإنّ الصبا ريحٌ إذا ما تنسّمت على نفس مهموم تجلّت همومها

«لولا أن تُفنّدون»(2) أي : تقولون إنّه شيخ قد هرم وخرف ، وذهب عقله ، «قالوا تالله إنّك لبفي ضلالك القديم»(3) عن الصواب في حبّ يوسف عليه السلام فإنّه كان عندهم أنّ يوسف قد مات منذ سنين ، ولم يريدوا الضلال عن الدين .
«فلمّا أن جاء البشير» وهو يهوذا «ألقاه على وجهه فارتدّ بصيراً»(4) . قال الضحّاك : عاد إليه بصره بعد العمى ، وقوّته بعد الضعف ، وشبابه بعد الهرم ، وسروره بعد الحزن . فقال للبشير : ما أدري ما اُثيبك [به](5) هوّن الله عليك سكرات الموت .
ولمّا قدموا أولاده عليه «قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنّا كنّا خاطئين»(6) .
فقال لهم : «سوف أستغفر لكم ربّي إنّه هو الغفور الرحيم»(7) ؛ قيل : إنّه لم
(1) كذا في المجمع ، وفي الأصل : منجب .
(2) سورة يوسف : 94 .
(3) سورة يوسف : 95 .
(4) سورة يوسف : 96 .
(5) من المجمع .
(6) سورة يوسف : 97 .
(7) سورة يوسف : 98 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1120

يستغفر لهم في الحال ، لأنّه أخرّهم إلى سحر ليلة الجمعة ، روي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه كان يستغفر لهم ليلة جمعة في نيّف وعشرين سنة حتى نزل قبول توبتهم .
وروي أن جبرئيل عليه السلام علّم يعقوب هذا الدعاء : يا رجاء المؤمنين لا تخيّب رجائي ، ويا غوث المؤمنين أغثني ، ويا عون المؤمنين أعنّي ، ويا حبيب التوّابين تب عليّ ، فاستجب لهم(1).(2)
وفي حديث ابن محبوب ، عن أبي جعفر عليه السلام انّ يعقوب قال لولده : تحملوا من ساعتكم إلى يوسف في يومكم هذا بأهليكم(3) أجمعين ، فساروا من فورهم ويعقوب معهم وخالة يوسف [اُمّ](4) يامين فحثّوا السير فرحاً وسروراً تسعة أيّام إلى مصر .
فلمّا دنا يعقوب من مصر تلقّاه يوسف في الجند وأهل مصر . فقال يعقوب : يا يهوذا ، هذا فرعون مصر ؟ قال : لا ، هذا ابنك يوسف ، ثمّ تلاقيا على يوم من مصر ، فلمّا دنا كلّ واحد من صاحبه بدأ يعقوب بالسلام ، فقال : السلام عليك يا مُذهب الأحزان .
ثمّ انّ يوسف اعتنق أبها وبكى ، «وقال» لهم قبل دخول مصر : «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين»(5) ، وإنّما قال : «آمنين» لأنّهم كانوا يخافون ملوك مصر ، ولا يدخلونها الا بجوازهم ؛ قيل : دخلوا مصر وهم ثلاثة وسبعون إنساناً ،
(1) كذا في المجمع ، وفي الأصل : له .
(2) مجمع البيان : 3 / 263 .
(3) في المجمع : تحملوا إلى يوسف من يومكم هذا بأهلكم .
(4) من المجمع .
(5) سورة يوسف : 99 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1121

وخرجوا مع موسى وهم ستّمائة وألف وخمسمائة وبضع وسبعون رجلاً ، «ورفع أبويه على العرش» على سرير ملكه إعظاماً لهما .
ثمّ دخل منزله واكتحل وادّهن ، ولبس ثياب العزّ والملك ، فلمّا رأوه سجدوا له جميعاً إعظاماً له ، وشكراً لله ، ولم يكن يوسف في تلك المدّة يدّهن ، ولا يكتحل ، ولا يتطيّب ، حتى جمع الله بينه وبين أبيه وإخوته .
فلمّا رأوه «وخرّوا له سجّداً» وكانت تحيّة الناس ـ في ذلك الزمان ـ بعضهم لبعض يومئذ السجود ، والانحناء ، والتكفير ، ولم يكونوا نهوا عن السجود لغير الله في شريعتهم ، وأعطى الله تعالى هذه الاُمّة السلام ، وهو تحيّة أهل الجنّة .
«وقال» يوسف : «يا ابت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربّي حقّاً»(1) في اليقظة .
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : كان بين الرؤية وتأويلها أربعون سنة .
وولد ليوسف من امرأة العزيز زليخا : أفراثيم(2) ، وميشا ، ورحمة امرأة أيّوب ، وكان بين يوسف وموسى عليهما السلام أربعمائة سنة .
وفي كتاب النبوّة بالاسناد عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال يعقوب ليوسف : حدّثني كيف صنع بك إخوتك ؟
قال : يا أبه دعني .
قال : أقسمت عليك الا ما أخبرتني .
(1) سورة يوسف : 100 .
(2) في المجمع : أفرايم .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1122

فقال : أخذوني وأقعدوني على رأس الجبّ ، ثمّ قالوا : انزع قميصك ، فقلت لهم : إنّي أسألكم بوجه يعقوب الا تنزعوا قميصي عنّي ، ولا تبدوا عورتي ، فرفع فلان السكّين عليّ ، فصاح يعقوب وخرّ مغشيّاً عليه ، ثم أفاق ، فقال : يا بنيّ ، كيف صنعوا بك ؟
فقال يوسف : إنّي أسألك بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق الا أعفيتني ، قال : فتركه .
وروي أنّ يوسف قال ليعقوب عليهما السلام : يا أبة ، لا تسألني عن صنع إخوتي ، واسأل عن صنع الله بي .
قال أبو حمزة الثمالي : بلغنا أنّ يعقوب عاش مائة وسبعاً(1) وأربعين سنة ، ودخل على يوسف في مصر وهو ابن مائة سنة وثلاثين سنة ، وكان عند يوسف في مصر سبع عشرة سنة ، ثمّ توفّي صلوات الله علليه فنقل غلى الشام في تابوت من ساج ، ووافق ذلك اليوم يوم مات عيصو ، وكان يعقوب وعيصوا ولدا في بطن واحد ودفنافي قبر واحد .
وكان يوسف عليه السلام قد مضى مع تابوت أبيه إلى بيت المقدس ، ولمّا دفنه رجع إلى مصر ، وكان دفنه في بيت المقدس عن وصيّة منه إليه أن يدفن عند قبور آبائه عليهم السلام ، وعاش عليه السلام بعد أبيه ثلاثاً وعشرين سنة ، ثمّ مات ، وكان أوّل رسول في بني إسرائيل ، وأوصى أن يدفن عند قبور آبائه عليهم السلام .(2)
وعن أبي خالد ، عن ابي عبد الله عليه السلام قال : دخل يوسف السجن
(1) كذافي المجمع ـ وهو الصحيح ـ ، وفي الأصل : سنة .
(2) مجمع اليان : 3 / 264 ـ 266 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1123

وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، ومكث فيه ثمانية عشرة سنة ، وبقي بعد خروجه ثمانين سنة ، فذلك مائة سنة وعشر سنين .
قالوأ : ولمّا جمع الله سبحانه شمله ، وأقرّ عينه ، وأتمّ له رؤياه ، ووسّع عليه في ملك الدنيا علم أنّ ذلك لا يبقى ولا يدوم ، فطلب من الله سبحانه نعيماً لا يفنى ، وتاقت نفسه إلى الجنّة ، فتمنّى الموت ودعا به ، ولم يتمنّ ذلك نبيّ قبله ولا بعده ، فقال : «ربّ قد ءاتيتني من المُلك وعلّمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليّي في الدنيا والآخرة توفّني مسلماً وألحقني بالصالحين»(1) فتوفّاه الله تعالى بمصر وهو نبيّ ، ودفن في النيل في صندوق من رخام ، وذلك أنّه لمّا مات تشاحّ الناس عليه ، كلّ يحبّ أن يدفن في محلّته ، لما كانوا يرجون من بركاته ، فرأوا أن يدفنوه في النيل فيمرّ الماء عليه ، ثمّ يصل(2) إلى جميع مصر ، فيكون كلّهم شركاء في بركته شرعاً ، فكان قبره في النيل إلى أن حمله موسى عليه السلام لمّا خرج من مصر ، ودفنه عند آبائه الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين .(3)
وإنّما أوردت هذه القصّة بتمامها ليكون ذلك تسلية للمؤمن التقيّ ، وردّ على الجاحد الشقيّ ، فإنّ الله سبحانه يبتلي عباده الصالحين بأعدائه الطالحين ، ليكون الجزاء على قدر البلاء ، والثواب على قدر المشقّة ، لأنّه سبحانه هو المدبّر الحكيم العليم بمصالح عباده في معاشهم ومعادهم ، فتارة يكون البلاء في النفس والولد ـ كما مرّ في قصّة يعقوب ويوسف ـ ، وتارة يكون في ضنك العيش والفقر كما ذكر سيّدنا أمير المؤمنين عليه
(1) سورة يوسف : 101 .
(2) كذا في المجمع ، وفي الأصل : رحل .
(3) مجمع اليان : 3 / 266 ، عرائس المجالس : 142 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 1124

السلام عن موسى عليه السلام في قوله : «ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير»(1) قال : والله ما سأله الا خبزاً يأكله ، لأنّه(2) كان يأكل بقلةَ الأرض ، ولقد كانت خضرة البقلِ نُرى من شفيف صِفاق بطنه(3) ، لهزاله ، وتشذّب لحمه(4).(5)
ولقد دخل هو وأخوه هارون عليهما السلام على فرعون ، وعليهما مدارعُ الصوف ، وبأيديهما العصيّ ، فشرطا له ـ إن أسلم ـ بقاء ملكه ، ودوامَ عزّه .
فقال : ألا تعجبون من هذين يشترطان لي دوامَ العزّ ، وبقاء الملك ، وهما على ما ترونَ من حال الفقر والذلّ ، فهلّا اُلقيَ عليهما أساورة من ذهب ؟ إعظاماً للذهب وجمعه ، واحتقاراً للصوف ولُبسه ! ولو أراد الله سبحانه بأنبيائه حيث [بعثهم](6) أن يفتح لهم كنوز الذهبان ، ومعادن العِقيان ، ومغارس الجنان ، وأن يحشر معهم طير السماء ووحوش الأرضين لفعل ، ولو فعل لسقط البلاء وبطل الجزاء .(7) كما ذكرنا أوّلاً .(8)
كما حكي عن بعضهم أنّه كان إذا أقبلت عليه الدينا يقول : هذا ذنب
(1) سورة القصص : 24 .
(2) كذا في النهج والمجمع ، وفي الأصل : ولقد .
(3) كذا في النهج والمجمع ، وفي الأصل : من صفاق سفاف بطنه .
وشفيف : رقيق ، يستشفّ ما وراءه .
(4) أي تفرّقه .
(5) نهج البلاغة : 226 خطبة رقم 160 ، مجمع البيان : 4 / 248 .
(6) من النهج .
(7) نهج البلاغة : 291 خطبة رقم 192 «الخطبة القاصعة» .
(8) في ص 40 ، وذكرنا تخريجات اُخرى .

السابق السابق الفهرس التالي التالي