الحسين في طريقه الى الشهادة 162

صلوات الله عليهم . وكان الناس يقدمون على الحسين (ع) وينتفعون بما يسمع منه . ويضبطون ما يروون عنه من الاحاديث والفتيا . واما «فصاحته» فناهيك عن خطبته التي خطبها بالمدينة . وخطبته الشهيرة التي خطبها بمكة قبيل خروجه منها . وخطبته يوم عاشوراء وخطبته التي تعرب عن نفسه الكريمة وابائه العظيم . التي قال فيها : الاوان الدعي بن الدعي(2) قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة . وهيهات منا الذلة . يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون . وحجور طابت وطهرت . وانوف حمية ونفوس أبية . من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام . قال ابن ابي الحديد ـ يصف الحسين (ع) ـ سيد أهل الاباء . الذي علم الناس الحمية والموت تحت ظلال السمهرية اختيارا له على الدنية . ابو عبد الله الحسين بن علي بن ابي طالب عليهما السلام . عرض عليه الامان واصحابه . فأنف من الذل . وخاف من ابن زياد أن يناله بنوع من الهوان . مع انه لا يقتله . فاختار الموت على ذلك . قال : وسمعت النقيب أبا زيد يحيى بن زيد العلوي البصري يقول : كأن أبيات أبي تمام في محمد بن حميد الطائي ما قيلت الا في الحسين (ع) :
وقد كان فوت الموت سهلا فرده اليه الحفاظ المر والخلـق الـوعر
ونفس تعـاف الضيـم حتى كأنه هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر

مفرقة على طريقة سفر آدم (ع) الخ وتوجد في مخازن الكتب نوادر مخطوطة في هذا العلم . فان في دار الكتب المصرية كتاب مخطوط اسمه الجفر الجامع والنور الساطع ـ للامام العظم ابن عم رسول الله (ص) في مجلدين ضخمين كما ذكر ذلك على جلال الحسيني في كتابة ـ الحسين ـ واطلعني الدكتور حسين على محفوظ على كتاب من خزانة كتبه مخطوط اسمه ـ الدر المنظم في السر الاعظم ـ في الجفر الجامع والنور اللامع ـ لمؤلفه كمال الدين ابو سالم محمد بن طلحة النصيبي الشافعي المتوفى سنة 652 هجـ وتاريخ كتابة النسخة 1273 هجـ . وفي مكتبتي نسخة خطية ـ عنوان النسخة ـ الجفر الجامع جفر علي وجفر جعفر الصادق مؤلفه العلامة محي الدين بن العربي . اوله الحمد لله الذي اودع السر المكتوم في طي الحروف المرقوم الخ .
(2) يريد بالدعي بن الدعي عبيد الله بن زياد بن اميه ، ابن مرجانة . كان واليا على الكوفة من قبيل يزيد حينذاك .
الحسين في طريقه الى الشهادة 163

فأثبـت في مستنقع الموت رجله وقال لها من تحت أخمصك الحشر
تردى ثياب الموت حمرا فما أتى لها الليل الا وهي من سندس خضر

قال الشبراوي(2) والحسين رضي الله عنه أقدم بقوة الجنان الى مقارعة الابطال والشجعان ومنازلة السيف والسنان . فكان رضي الله عنه في حرب أعدائه كرارا صبارا . يرى الفرار دناءة وعارا . فلم يزل خائضا غمرات الاهوال بنفس مطمئنة . وعزيمة مرجحنة . يرى مصافحة الصفاح غنيمة . ومراوحة الرماح فائدة جسيمة . وبذل المهج والارواح في نيل العز ثمنا قيلا . ويأبى الدنية وان تركته قتيلا .
يرى الموت أحلا من ركوب دنية وليس بعيش عيش من ركب الذلا

وللمغفور له السيد حيدر الحلي (ره)
كريـم أبـى شـم الـدنيـة أنفه فأشمه شـوك الـوشيـج المسـدد
وقال قفـى يا نفس وقفـة وارد حياض الـردى لا وقـفـة المتردد
رأى ان ظهـر الذل أخشن مركبا من الموت حيث الموت منه بمرصد
فاثر أن يسعى على جمرة الوغى برجل ولا يعطـى المقـادة عن يد

وقال أيضا :
وسامته يركب احـدى اثنـتين وقد صرت الحرب أسنانها
فاما يـرى مـذعنـا أو تموت نفس أبـى العـز اذعانها
فقال لهـا اعتصـمـي بـالابا فنـس الابـى ومـا زانها
اذا لم تجـد غيـر لبـس الهوا ن فبالموت تنـزع جثمانها
رأى القتل صبرا شعـار الكرام وفخرا يزين لهـا شانـها
فشمـر للحـرب في مـعـرك به عرك الموت فرسانـها
وأضرمها لعـنـان السـمـاء حمراء تلفـح أعنـانهـا
ركين وللارض تحت الكمـاة رجيف يزلزل ثهـلانـها

(3) انظر الشبراوي ـ الاتحاف بحب الاشراف ـ ص 59 طبع الاردنية .
الحسين في طريقه الى الشهادة 164

أقـر على الارض من ظهرها اذا ململ الرعـب أقرانها
تزيـد الطـلاقـة فـي وجهه اذا غير الخـوف ألـوانها
ولمـا قضـى للعـلا حقـها وشيـد بالسيـف بنيـانها
ترجل للمـوت عــن سابح له أخلت الخيـل ميـدانها
ثوى زايـد البشر في صرعة له العز حبـب لقيـانـها
كأن المنـيـة كانـت لـديه فتاة تـواصـل خلصانها
جلتها له البيض في مـوقف به أنكـل السمر خرصانها
وأصبح مشتجـرا للرمـاح تحلى الـدما منـه مرانها
عفيرا متى عاينـتـه الكماة يختطـف الرعب الوانـها
فما أجلت الحـرب عن مثله صريعا يجبـن شجعـانها
تريب المحيا تظـن السمـا بأن علـى الارض كيوانها

ذكر الحسيني(4) قال : ومن يطلب ما طلبه الحسين (ع) ويجاهد لامته تقربا الى الله واعلاء لكلمته يوطن النفس على الموت . والحسين أولى بعزة النفس من سواه ، وفي كل حال فالحسين مجتهد في دينه . مجاهد لامة جده عاش سيدا زكيا حميدا . ومات بأجله كريما شهيدا . واذا لم يصل الى غرضه فقد قضى ما عليه . ومبلغ نفس عذرها ., مثل منجح . ويغلب المقدار على التقدير . كما قال ابوه كرم الله وجهه . وللسيد ابن شهاب من قصيدة له يرثى الحسين (ع) بقوله :
أجل قدرة المولى تبارك انفذت ارادته طبق القضاء المحتم

واليك ما قاله في شجاعته صاحب ـ اسعاف الراغبين ـ كان الحسين (ع) شجاعا مقداما من حين كان طفلا . وذكر ابن ابي الحديد . قال : فيما افتخرت

(4) انظر علي جلال الحسيني ـ الحسين ـ ج 2 ص 175 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 165

به بنو هاشم على بني امية قولهم . من مثل الحسين بن علي عليهما السلام يوم الطف . ما رأينا مكثورا قط قد فرق من اخوته واهله وأنصاره أشجع منه كان كالليث الجائب(5) يحطم الفرسان حطما وما ظنك برجل أبت نفسه الدنية أن يعطى بيده . فقاتل حتى قتل هو وبنوه واخوته وبنو عمه . بعد بذل الامان لهم والتوثقة بالايمان المغلظة . وهو الذي سن للعرب الاباء . واقتدى به أبناء الزبير وبنو المهلب وغيرهم . قلت شجاعته يوم الطف ذكرتهم بصولات ابيه علي (ع) وكان المتنبي عناه بقوله :
واستعار الحديد لونا فالقى لونه في ذوائب الاطفال

أو كما قال ابو بكر الرصافي :
لو كنت شاهده وقد غشى الوغى يختال في درع الحديد المسبل
لرأيت منـه والحـسـام بكفـه بحرا يريق دم الكماة بجـدول

وللآشني مثله :
ما لاح في درع يصول بسيفه والوجه منه يضيئ تحت المغفر
الاحسبـت البحـر مد بجدول والشمس تحت سحائب من عثير

(وأما سخاؤه وجوده) فانه (ع) كان يهب الالوف بل وعشارت الالوف من الدنانير والدراهم حتى عد من سادات اجواد العرب . روى ابن عساكر في تاريخه : عن ابي هشام القباذ . انه كان يحمل الى الحسين (ع) بالمتاع من البصرة . ولعله لا يقوم حتى يهب عامته . وقصته مع اسامة بن زيد مدونة في كتب السير والتواريخ . اذ وفى عنه ستين الف درهم . وناهيك ، عن عبادته وما جاء في الاثر عنه . كان كثير العبادة والصلوة . ولقد حج خمسا وعشرين حجة ماشيا على قدميه . والنجائب تقاد بين يديه . اما تواضعه . يكفيك ما ذكره ابن عساكر في تاريخه . قال : ان الحسين (ع) مر بمساكين يأكلون في الصفة . فقالوا الغذاء . فنزل (ع) وقال : ان الله لا يحب المتكبرين . فتغدى معهم . ثم قال لهم : قد

(5) الجائب الجافي .
الحسين في طريقه الى الشهادة 166

أجبتكم فأجيبوني . قالوا نعم : فمضى بهم الى منزله . وقال للرباب خادمته اخرجي ما كنت تدخرين الخ . وايم الحق ان الحسين (ع) كان اكرم أهل زمانه خيما واخلاقا . كما قال الشريف الرضي (ره) :
كريم له يومان قـد كفـلا له بنيل العلى من بأسـه وسخائه
فيوم نزال مشمس من حسامه ويوم نوال ما طر مـن عطائه
فما رعت كوفان حـرمةً له ولا وعت بماأتى في هل أتى

المراد هنا . أهل كوفان . حذف المضاف للايجاز والاختصار . قال الفخر الرازي(1) في تفسير قوله تعالى : واسأل القرية التي كنا فيها(2) والمراد واسأل أهل القرية . الا انه حذف المضاف للايجاز والاختصار . وهذا نوع من المجاز مشهور في لغة العرب . قال ابو علي الفارسي . ودافع جواز هذا في اللغة كدافع الضروريات وجاحد المحسوسات ، ومثله قول الشاعر :
أرى أجأ لم يسلم العام جاره(3)

كأنه يقول أن أهل اجأ . أو سكان جبل أجأ لم يسلموا جاره . وان أجأ ذكره امرؤ القيس بشعره مؤنثا بقوله :
ابت أجأ أن تسلم العلم جارها فمن شاء فلينهض لها من مقاتل

وهذا غلط صرف فان أجأ مذكر وهو اسم جبل طى ، نعم ان اهل الكوفة . ما رعت للحسين (ع) حرمة حين أقدمت على قتله وقتل ذويه وأنصاره وذبح أطفاله ونهب رحله وسبي عياله . ذكر الحسيني(4) قال : والحقيقة أن الذين أشاروا على الحسين بعدم الخروج أرادوا أن يصرفوه عن المسير الى الكوفة لعدم ثقتهم بأهل العراق . وترجيحهم عدم ثباتهم في تأييد امامهم . وصدق ظن من وصفهم بالغدر .

(1) انظر فخر الدين الرازي التفسير ص 154 .
(2) سورة يوسف .
(3) أجار وسلمى . جبلان عن يسار سميراء ، المعجم لياقوت ج 1 ص 113 .
(4) انظر علي جلال الحسيني ـ الحسين ـ ج 2 ص 173 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 167

وعدم اثبات وصادف حدسهم الواقع فيمن فشل من أهل العراق عن نصرة الحسين حتى كان من عجيب أمرهم ان ابن زياد . يدخل الكوفة مع نفر من أهل البصرة . ثم يتحصن من مسلم بن عقيل بالقصر ومعه خمسون رجلا جلهم من الشرط . وقد أحاط به منهم أربعة الاف رجل فيتفرقون عن مسلم ويتركونه وحده غريبا . ولا رموا عن قوس ولا ضربوا بعصى . ولم يبق معه من يدله على منزل أو يرشده الى طريق . فلاذ بامرأة لا تعرفه . فكانت خيرا من رجالهم . وهي ـ طوعة ـ زوج اسيد الحضرمي رحمها الله . وغاية ما كان يخمنه العاقل ويراه البصير ان اهل العراق يعدون فيخلفون ويبايعون فينكثون . أما أ نهم قاتلوا أنفسهم دون الحسين (ع) فلا يكتفون بخذلانه وتركه يقاتل أخصامه بل يكون منهم جيش يحيط به ويقاتله حتى يقتله دون أن يحدث منه أمر ينكرونه . فلذلك غدر لم يسمع بمثله ولم يخطر ببال انسان . فضرب المثل بهم في الغدر . فقيل «أغدر من كوفى» كما في كتاب البغدادي(5) وقيل الكوفي لا يوفى من ذلك غدرهم بأمير المؤمنين والحسن والحسين . وشكايتهم للعمال . شكوا سعد بن ابي وقاص . فدعا عليهم الا يرضيهم الله بوال . ولا يرضي عليهم . واليا . وشكوا عمار بن ياسر فقالوا لا يعقل . وشكوا المغيرة بن شعبة والوليد بن عقبة . وسعيد بن العاص . واخرجوه من الكوفة . وغروا زيد بن علي وخذلوا مسلم بن قيل وقبلوا المختار بن ابي عبيدة وقال عمر بن الخطاب أعضل بي أهل الكوفة . لا يرضون بأمير ولا يرضاهم امير . وقال قوم من اهل الكوفة . للوليد بن عقبة . لما عزل عنهم . جزاك الله خيرا يا ابا وهب فما رأينا بعدك خيرا منك . قال : لكني بحمد الله . لم أر بعدكم شرا منكم . وان بغضكم لتلف وحبكم لكلف وقال النجاشي :
اذا سقى الله ارضا صوب غادية فلا سقى الله أهل الكوفة المطرا
التاركيـن علـى طهر نساءهم والنائكين بشاطـي دجلـة البقرا

(5) انظر عبد القاهر بن طاهر البغدادي ـ الفرق بين الفرق ـ ص 26 .
الحسين في طريقه الى الشهادة 168

والسارقين اذا ما جن ليلهم والدارسين اذا ما اصبحوا السورا
الق العداوة والبغضاء بينهم حتى يكونوا لمن عاداهـم جزرا

وقال ايضا :
لعـن الله ولا يغفـر لهم ساكني الكوفة من حيى مضر
واليمانين فلا يحفل بـهم فهم مـن شـر من فوق الغبر
جلدوني ثـم قـالوا قدر قدر الله بهـم سـوء القــدر

وادعى النبوة من اهل الكوفة غير واحد منهم المختار بن ابي عبيد . كتب الى الاحنف بن قيس بلغني انكم تكذبونني . وقد كذبت الانبياء من قبلي . ولست خيرا من كثير منهم . وكان منهم ا بو منصور الخناق وكان يتولى سبعة أنبياء من قريش . وسبعة من بني عجل . وكان منهم . راشد الهجري . وكانت منهم هندة الافاكة . وقال امير المؤمنين لاهل الكوفة . اللهم كلما نصحتهم فغشوني واءتمنتهم فخانوني فسلط عليهم فتى ثقيف الذيال الميال يأكل خضرتها . ويحكم فيها بحكم الجاهلية . ولما قتل مصعب بن الزبير خرجت سكينة بنت الحسين بن علي . فقال لها اهل الكوفة : يا بنت رسول الله (ص) أحسن الله صحابتك . فقالت يا أهل الكوفة لا أسحن الله صحابتكم . لقد قتلتم جدي عليا وعمي الحسن . كانت تنتقض جراحته حتى مات . وقتلتم ابي الحسين وقتلتم مصعبا . والله لقد ايتمتموني صغيرة وايتمتموني كبيرة . فلا أحسن الله عليكم الخلافة ولا دفع عنكم السوء(6) .
واليك البيتين الذين نظمهما الشيخ كاظم السوداني خاطب بهما سعادة الاستاذ عباس البلداوي عندما كان حاكما في النجف ويحضر محكمة الكوفة في يوم السبت من كل اسبوع . وقد زاره السوداني في المحكمة بالنجف فاخبر انه مضى الى الكوفة فكتب له هذين البيتين :

(6) انظر . ابن الفقيه ـ البلدان ـ ص 184 ـ الى 186 . طبع ليدن .
الحسين في طريقه الى الشهادة 169

زرت المقام فلم اجدك ممثلا فيه وشوقا قد اطلت وقـوفي
فسألت عنك فقيل كوفيا غدا كرمت عن سبت ونسبة كوفي

فلما حضر وقراها البلداوي طلب من الشيخ علي البازي الجواب دفاعا عن بلدته الكوفة . فقال :
يا هاجيـا كـوفـان مـوطن حيدر هلا رعيـت حفيـظة الايمان
تهجو بلا سـبـب ودون هــداية كيما تعــد لنـا من الاقران
فبنا اتـى عـن جعـفر بـن محمد خبر روته نخبـة الاعـيـان
اعلام شيعـتـنـا وجـل رواتـنا ومنارنا الوضاء في كـوفان
قدما سبقت الى الهجا وهجوت من منها تنبى في بنـي قحطـان
شيخ القريض بن الحسين ومن به شهدت اقاصي يعرب والداني
اصبحت تخـبط كالذي لا يرعوى عن غيه ويبـوء بالخسـران
لقد ارتكبـت جـريمـة وجنـاية سودت حتى أوجه السـودان

وذكر اليعقوبي(*) في تاريخه . أن أهل الكوفة شكوا سعد بن ابي وقاص واليهم الى عمر بن الخطاب . وقالوا : لا يحسن يصلي فعزله عمر عنهم وولى عليهم عمار بن ياسر . ثم قدم عليه اهل الكوفة . فقال : كيف خلفتم عمار بن ياسر اميركم ؟ فقالوا : مسلم ضعيف . فعزله ووجه جبير بن مطعم . فمكر به ا لمغيرة . وحمل عنه خبرا الى عمر . وقال له : ولني يا امير المؤمنين . قال : انت رجل فاسق . قال وما عليك مني كفايتي ورجلتي لك وفسقي على نفسي فولاه الكوفة . فسألهم عن المغيرة . قالوا أنت اعلم به وبفسقه فقال : ما لقيت منكم يا اهل الكوفة ان وليتكم مسلما تقيا قلتم ضعيف وان وليتكم مجرما قلتم هو فاسق .
ذكر سبط ابن الجوزي(7) قال عامر الشعبي : لما بلغ عبد الله بن الزبير قتل

(*) انظر احمد بن ابي واضح الكاتب الشهير باليعقوبي المتوفى سنة 292 هجـ ج 2 ص 133 مطبعة الغري .
(7) انظر سبط ابن الجوزي ابو المظفر يوسف بن قزغلي البغدادي . المتوفى سنة 654 بدمشق ودفن في جبل قاسيون . تذكرة الخواص ص 152 طبع ايران .
الحسين في طريقه الى الشهادة 170

الحسين (ع) خطب بمكة . وقال : الا ان أهل العراق قوم غدر فجر . الا وان أهل الكوفة شرارهم انهم دعوا الحسين ليولوه عليهم . ليقيم امورهم وينصرهم على عدوهم . ويعيد معالم الاسلام . فلما قدم عليهم . ثاروا عليه يقتلوه . قالوا له ان لم تضع يدك في يد الفاجر ابن زياد الملعون . فيرى فيك رأيه . فاختار الوفاة الكريمة على الحياة الذميمة . فرحم الله حسينا وأخزى قاتله ولعن الله من أمر بذلك ورضي به . أفبعد ما جرى على ابي عبد الله ما جرى . يطمئن أحد الى هؤلاء أو يقبل عهود الفجرة الغدرة . أما والله . لقد كان صواما بالنهار قواما بالليل . وأولى بينهم من الفاجر بن الفاجر . والله ما كان يستبدل بالقرآن الغناء ولا بالبكاء من خشية الله الحداء . ولا بالصيام شرب الخمور . ولا بقيام الليل الزمور ولا بمجالس الذكر . الركض في طلب الصيود . واللعب بالقرود . قتلوه فسوف يلقون غيا الا لعنة الله على الظالمين ثم نزل ، وذكر القزويني(8) ومثله محمد بن ابي طلحة(9) قال : وكان اكثر هؤلاء الخارجين لقتاله قد شايعوه وكاتبوه وطاوعوه وعاهدوه وبايعوه . فلما جاءهم كذبوه ما وعدوه وأنكروه وجحدوه ومالوا الى السحت العاجل فعبدوه . وخرجوا الى قتاله رغبة في عطاء ابن زياد فقصدوه ، قال الشاعر
اذا ما سقـى الله البلاد فلا سقى معاهد كـوفـان بنوء المرازم
أتت كتبهـم في طيهـن كتائب وما رقمـت الا بسـم الاراقم
لخير امام قام في الامر فانبرت له نكبـات أقعـدت كـل قائم
اذا ذكرت للطفـل حل بـرأسه بيـاض مشيب قبل شد التمائم
أن أقدم الينا يابن اكرم من مشى على قدم من عربها والاعاجم

(8) انظر القزويني . زكريا بن محمد ـ اثار البلاد ص 167 طبع كوتنجن .
(9) انظر محمد بن ابي طلحة الشافعي ـ مطالب السؤول ـ .
الحسين في طريقه الى الشهادة 171

فودع مأمون الرسالة وامتطى متون الرماسى لا الهجان الرواسم
وجشمهـا نحو العراق تحفه مصاليت حـرب من ذوابة هاشم

نعم ان أهل الكوفة . عرفوا بالغدر والخيانة . ومن سبر تاريخهم وقف على غدرهم آنفا بخليفتهم امير المؤمنين (ع) وما ذكر عنهم خفي مشاهير خطبه ومطولات كتبه وهكذا غدروا باولاده وأحفاده بحيث منعوهم شرب الماء الذي لا يصد عنه كل ذي روح .
ومن النوادر الطريفة التي جرت في الكوفة . احتفل اهل الكوفة ـ بقائمقام النجف وقتئذ السيد حسن جواد الحسيني البغدادي ، فالقى في ذلك الحفل صديقنا الخطيب الشيخ علي بازي ـ قصيدة تكريما للقائمقام . وقد طالب بقصيدته انشاء اسالة ماء الكوفة . وبعد انتهاء الحفل وانفضاض الجمع الا القليل من النجفيين المدعوين وأشراف اهل الكوفة . ناول استاذنا اليعقوبي ـ رقعة للقائمقام . وقد كتب فيها بيتين على سبيل المداعبة والضرافة والبيتان :
لاتعر أهل الكوفة الجند سمعا ودع القوم يهلكون ظماءا
كيف تسقى يابن الجواد أناسا منعوا جدك الحسين الماءا

فقامت قيامة الشيخ البازي وصار يزبد ويرعد وراح يشطرهما معارضا واليك تشطيره :
لا تعر أهل كوفة الجنـد سمعا عجبـا منك يطلبون جفاءا
ويقولـون لا تجبهـم بـشـيء ودع القـوم يهلكون ظماءا
كيف تسقـى بابن الجواد أناسا وسواهـم يكـابدون العناءا
أو ترضى تعد من حزب قوم منعوا جدك الحسيـن الماءا

ولقد شطرها الادباء وخمسها الشعراء واليك تشطيري :
لاتعر أهل كوفـة الجند سمعا يابن من جاز في علاه السماءا
فاله عنهم ولا تعدهـم بمـاء ودع القوم يهلـكـون ظمـاءا
كيف تسقى يابن الجواد أناسا سقوا المرهفـات منكـم دماءا
فحـرام عليهـم المـاء لما منعوا جدك الحسيـن الـمـاءا

الحسين في طريقه الى الشهادة 172

وجاء في ـ كتاب البلدان ـ(10)
قال قطرب سميت الكوفة من قولهم تكوف الرمل . أي ركب بعضه بعضا . والكوفان الاستدارة . وقال ابو حاتم السجستاني . الكوفة رملة مستديرة . يقال : كانهم في كوفان ، وقال المغيرة بن شعبة : اخبرنا الفرس الذين كانوا بالحيرة قالوا رأينا قبل الاسلام في موضع الكوفة فيما بين الحيرة الى النخيلة نارا تأجج . فاذا أتينا موضعها لم نر شيئا فكتب في ذلك صاحب الحيرة الى كسرى . فكتب اليه ان ابعث الي من تربتها . قال : فأخذنا من حواليها ووسطها وبعثنا به اليه فاراه علماءه وكهنته . فقالوا يبنى في هذا الموضع قرية . يكون على يد أهلها هلاك الفرس ، قال فرأينا والله الكوفة في ذلك الموضع . قالوا اول من اختط مسجد الكوفة . سعد بن ابي وقاص . وقال غيره : اختط الكوفة السائب بن الاقرع . وابو الهياج الاسدي . وكانت العرب تقول : أدلع البر لسانه في الريف فما كان يلي الفرات فهو ـ الملطاط ـ وما كان يلي الطين فهو النجف ، ويروى عن امير المؤمنين انه قال : الكوفة كنز الايمان . وجمجمة الاسلام . وسيف الله ورمحه يضعه حيث يشاء . والذي نفسي بيده لينصرن الله جل وعز باهلها في شرق الارض وغربها كما انتصر بالحجاز . وكان عليه السلام يقول : ان موضع الكوفة اليوم . كانت سورستان . وكان سلمان يقول : أهل الله . وهي قبة الاسلام يحن اليها كل مسلم . وقال امير المؤمنين ليأتين على الكوفة زمان وما من مؤمن ولا مؤمنة الا بها أو قلبه يحن اليها وقال ابن الكلبي . وفد الحجاج على عبد الملك بن مروان ومعه اشراف العراق . فلما دخلوا عليه . تذاكروا أمر الكوفة والبصرة . فقال محمد بن عمير العطاردي . ان أرض الكوفة أرض سفلت عن الشام وعملها ووبائها . وارتفعت عن البصرة وحرها وعمقها وجاورها الفرات فعذب ماؤها وطاب ثمرها . وهي مريئة مريعة . فقال . عبد الله بن الاهتم

(10) انظر ابن الفقيه من علماء اواخر القرن الثالث للهجرة ـ كتاب البلدن ص 163 طبع ليدن .
الحسين في طريقه الى الشهادة 173

السعدي : نحن والله يا امير المؤمنين اوسع منهم تربة واكثر منهم دربة . واعظم منهم برية . واغذ منهم في السرية . واكثر منهم قندا ونقدا . يأتينا ما يأتينا . عفوا صفوا . ولا يخرج من عندنا الا سائق او قائد أو ناعق . فقال الحجاج . ان لي بالبلدين خبرا يا امير المؤمنين . قال هات فانت غير متهم فيهم . قال : أما البصرة فعجوز شمطاء بخراء ذفراء . أوتيت من كل حلى وزينة . واما الكوفة فبكر عاطل لا حلى لها ولا زينة . فقال : عبد الملك ما أراك الا وقد فضلت الكوفة . وكان عمر بن الخطاب يكتب الى سيد الامصار وجمجمة العرب يعني الكوفة . وكان عبد الله بن عمر يقول : يا أهل الكوفة . أنتم أسعد الناس بالمهدي : وقال امير المؤمنين للكوفة . ويحك يا كوفة واختك البصرة . كاني بكما تمدان مد الاديم . وتعركان عرك العكاظى . الا أني أعلم فيما أعلمني الله عز وجل . انه ما أراد بكما جبار سواءا الا ابتلاه الله بشاغل . وكان محمد بن عمير بن عطارد يقول الكوفة سفلت عن الشام ووبائها . وارتفعت عن البصرة وعمقها فهي مريئة مريعة برية بحرية . اذا أتتنا الشمال هبت مسيرة شهر على مثل رضراض الكافور . واذا هبت الجنوب جاءتنا بريح السواد وورده وياسمينه وخيريه واترجه ماؤنا عذب ومحتشنا خصب . وكتب اليهم عمر بن الخطاب اني اختبرتكم . فاحببت النزول بين أظهركم لما أعرف من حكم لله ولرسوله . وقد بعثت اليكم عمار بن ياسر اميرا . وعبد الله بن مسعود مؤذنا ووزيرا . وهما من النجباء من أهل بدر . فخذوا عنهما واقتدوا بهما . وقد آثرتكم بعبد الله بن مسعود على نفسي . وكان زياد يقول : الكوفة جارية حسناء تضع لزوجها فكلما رآها يسر بها .
قالوا ولنا فتوح وأيام فمن فتوحنا الحيرة . وبانقيا . والفلوجتين . وتستر . وبغداد . وعين التمر . ودومة . والانبار . وما فتحوا مع خالد بن الوليد في مسيرهم الى الشام . المضيح . وحصيد . وبشر . وقراقر . وسوى . وأراك . وتدمر . ثم شاركوا أهل الشام في بصرى . ودمشق هذا كله في خلافة

الحسين في طريقه الى الشهادة 174

ابي بكر . ثم كان من آثارهم في خلافة عمر . يوم جسر ابي عبيد . ويوم مهران . ويوم القادسية . ويوم المدائن وجلولاء وحلوان . هذا كله قبل ان ينزلوا الكوفة . ثم نزلوها ففتحوا الموصل . وآذربايجان . وتستر وما سبذان . ورامهرمز . وجرجان والدينور . ولهم مع أهل البصرة نهاوند . ولهم بعض الري . وبعض اصبهان . ولهم طميس . ونامية . من طبرستان ونزل الكوفة من الخلفاء والائمة علي والحسن عليهما السلام ومن الملوك والخلفاء معاوية وعبد الملك وابو العباس وابو جعفر المنصور والمهدي وهارون الرشيد . وكان بها عمال العراق . والدعوة لهم في العطاء قبل أهل البصرة . عدة أهل الكوفة ثمانون الفا ومقاتلتهم اربعون الفا . وكان زياد يقول : أهل الكوفة اكثر طعاما وأهل البصرة اكثر دراهم . وقال الاحنف بن قيس : نزل اهل الكوفة في منازل كسرى ابن هرمز بين الجنان اللتفة والمياه الغزيرة والانهار المطردة . تأتيهم ثمارهم غضة لم تخضد ولم تفسد . ونزلنا أرضا هشاشة في طرف فلاة وطرف ملح اجاج في سبخة نشاشة لا يجف ثراها . ولا ينبت مرعاها يأتينا ما يأتينا في مثل مرئ النعامة . قال : ولما ظهر امير المؤمنين عليه السلام على أهل البصرة قال أعشى همدان :
اكسـع البـصري ان لاقيته انما يكسـع مـن قـل وذل
واجعل الكوفي في الخيل ولا تجعل البصـري الا في النفل
واذا فاخرتمـونا فـاذكروا ما فعلنا بكم يـوم الجـمـل
بين شيخ خاضـب عثنونه وفتـى ابيـض وضاح رفل
جاءنا يخطـر فـي سابغة فذبحنـاه ضحـى ذبح الحمل
وعفـونا فنسيتـم عفـونا وكفرتـم نعـمـة الله الاجل

وقال قطرب بن خليفة نازعني قتادة في الكوفة والبصرة . فقلت دخل الكوفة سبعون بدريا . ودخل البصرة عتبة بن غزوان فسكت . وقال امير المؤمنين (ع) قبة الاسلام الكوفة والهجرة بالمدينة . والابدال بالشام والنجباء بمصر وهم قليل .

الحسين في طريقه الى الشهادة 175

وقالوا من نزل الكوفة . فلم يقر بفضل ثلاث فليست له بدار . بفضل ماء الفرات . ورطب المشان وفضل امير المؤمنين علي عليه السلام . ومن نزل البصرة فلم يقر لهم بثلاث فليست له بدار بفضل عثمان وفضل الحسن البصري ورطب الازاذ . قالوا ومن اسخياء الكوفة هلال بن عتاب . واسماء بن خارجة وعكرمة بن ربعي الفياض . ومن فتيانها خالد بن عتاب . وابو سفيان بن عروة بن المغيرة بن شعبة وعمرو بن محمد بن حمزة . قال سعيد بن مسعود المازني . لسليمان ابن عبد الملك . منا أحلم الناس الاحنف وأحملهم بحمالة . اياس بن قتادة . وأسخاهم طلحة بن عبد الله بن خلف . واشجعهم عباد بن حصين . والحريش . واعبدهم ابن قيس . فقال نظار الكوفة : منا أشجع الناس الاشتر . واسخاهم خالد بن عتاب . واحملهم عكرمة الفياض . واعبدهم عمرو بن عتبة بن فرقد . وقالوا : اذا كان علم الرجل حجازيا . وطاعته شاميا وسخاؤه كوفيا فقد كمل .
«افتخار الكوفيين والبصريين(11)»

قال : اجتمع عند ابي العباس امير المؤمنين عدة من بني علي وعدة من بني العباس وفيهم بصريون وكوفيون . منهم ابو بكر الهذلي . وكان بصريا . وابن عياش . وكان كوفيا فقال ابو العباس : تناظروا حتى نعرف لمن الفضل منكم . قال بعض بني علي . ان اهل البصرة قاتلوا عليا يوم الجمل . وشقوا عصى المسلمين . قال ابو العباس ما تقول يا ابا بكر قال : معاذ الله أن يجهل أهل البصرة . انما كانت شرذمة منها شذت عن سبل المنهج واستحوذ عليها الشيطان . وفي كل قوم صالح وطالح . فاما اهل البصرة فهم اكثر اموالا واولادا وأطوع للسلطان . واعرف برسوم الاسلام . قال ابن عياش : نحن أعلم بالفتوح منكم نحن نفينا كسرى عن البلاد وأبرنا جنوده وابحنا ملكه وفتحنا الاقاليم وانما البصرة من العراق بمنزلة المثانة من الجسد ينتهي اليها الماء بعد تغيير . وفساده مضغوطة قبل ظهرها بأخشن احجار وأقلها خيرا . مضغوطة من فوقها ببطيحتها . وان

(11) انظر ابن الفقيه . كتاب البلدان ص 167 طبع ليدن .

السابق السابق الفهرس التالي التالي