في ظلال الصيحيفة السجادية 221

استحياء منك ما استوجبت بذلك محو سيئة واحدة من سيئاتي ، وإن كنت تغفر لي حين أستوجب مغفرتك ، وتعفو عني حين أستحق عفوك فإن ذلك غير واجب لي باستحقاق ، ولا أنا أهل له باستيجاب إذ كان جزائي منك في أول ما عصيتك . . . النار ؛ فإن تعذبني ، فأنت غير ظالم لي .
( أشفار عيني ) : أهدابها ، وهي شعر الجفن الأعلى ، والأسفل ( وقمت لك ) صليت لك ( حتى تنتشر قدماي ) تنتشر : تنتفخ من التعب كما في مجمع البحرين للشيخ الطريحي (1) ( حتى ينخلع صلبي ) خلع الشيء : أزاله ، أو أزاحه من مكانه ، والصلب : عظم الظهر ( تتفقاً حدقتاي ) فقأ العين : قلعها ، والحدقة : سواد العين ، وتطلق عليها بالذات ( ماء الرماد ) الممزوج بالرماد .

ما طلب الدنيا من خالها

إن بناء الإنسانية لا يكتمل ، ويستقيم بالمادة وحدها ، ولا بالروح وحدها ، بل لا بد من هذه ، وتلك ، والعمل لهما معاً في وقت واحد على أن تراعى عملية التوازن بينهما في دقة ، وبراعة، كما في الحديث الشريف : « إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، وإعمل لآخرتك كأنك تموت غداً » (2) ، وفي عصر الإمام السجاد عليه السلام طغى الفساد ، والإستبداد على كل شيء ، ولم تبق للدماء ، والأموال ، والأعراض أية حرمة ، وحصانة ، ولا قوة تردع ، أو حاكم يسمع ، فاتخذ الإمام عليه السلام من إذاعة أدعيته ،
(1) انظر ، مجمع البحرين : 4 / 421 .
(2) انظر : وسائل الشيعة : 12 / 49 ح 2 ، تنبيه الخواطر : 2 / 234 ، فيض القدير شرح الجامع الصغير : 2 / 16 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 222

ومناجاته وسيلة لهداية الناس ، ورجوعهم إلى الله ، ونجاتهم من هذا الخطر الفظيع حيث لا خلاص للإنسانية من المتاعب ، والمشكلات في كل عصر ، ومصر إلا بالتوجه إلى الله ، وكلما ازدادت المادة قوة تفاقمت الآلام ، وتراكمت المصائب : « كلآ إن الإنسان ليطغى أن رءاه استغنى » (1) ، وقد استغنى إنسان القرن العشرين ، فاتخذ من المادة إلهاً ، وملأ الأرض فساداً ، وشراً ، ورعباً ، وجوراً ، ولا سبب موجب إلا الإنصراف عن الله ، والحق ، والعدل .
ونعود إلى كلمات الإمام عليه السلام لنشير أن الله سبحانه يقبل التوبة ممن أسرف على نفسه ، بمجرد الندم عن صدق ، وإخلاص ، ولا يكلفه إلا وسعاً ، ويسراً : « ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج » (2) . . . « يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر » (3) ، وقد عاتب نبيه الكريم صلى الله عليه وآله لما قام الليل حتى تورمت قدماه ، وقال له : « طه مآ أنزلنا عليك القرءان لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى » (4) ، وتواترعن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله : « لا رهبانية في الإسلام » . أما مراده بالجهاد الأكبر في حديث الجهاد فهو أخذ النفس الأمارة بالشدة ، وكبحها عن المحرمات ، وبهذا يكون الإنسان ربانياً ، يزداد قرباً من خالقه حتى يرتفع عنده إلى أعلى الدرجات ، وعليه يكون أكل التراب ، وشرب ماء الرماد ، والقيام حتى تنتفخ القدمان ، والركوع حتى ينخلع الظهر ، والسجود حتى تسقط العين ، وأهدابها ، كل ذلك وما إليه حرام محرم شرعاً ، وعقلاً ، وعرفاً .
(1) العلق : 6 ـ 7 .
(2) المائدة : 6 .
(3) البقرة : 185 .
(4) طه : 1 ـ 3 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 223

والإمام عليه السلام ما فعل شيئاً من ذلك ، ولا نقله عنه ناقل ، وإنما أراد بكلماته هذه الإرشاد والتنبيه إلى أن التوسل إليه تعالى إنما يكون بالعمل ، وبذل المجهود ، لا بالكلام ، وطلب الجود فقط من الله . . . هذا إلى أن مناجاة الإمام عليه السلام ـ على وجه العموم ـ تجسد بشكل واضح علمه الراسخ بعظمة الله وجلاله ، وفناءه في حبه ، وطاعته ، وانصرافه كله إلى الله ، واليوم الآخر في كل ما يقصد ويقول ، ويفعل ، ولا شيء أصدق في الدلالة على ذلك من جوابه للحاكم الأموي هشام بن عبدالملك حين قال له : « أطلب حاجتك . فجابهه بهذه الكلمة العاصفة القاصقة . ما طلبت الدنيا من خالقها حتى أطلبها من المخلوق » (1) ! . وكل أئمة الشيعة من هذا المعدن ، والجوهر : ما طلبوا الدنيا حتى من خالقها ؛ لأن دنياهم هي آخرتهم ، وما عملوا إلا لله ، ولها .
( لم أرفع طرفي إلى آفاق السماء . . . ) هذا كناية عن الخضوع ، والتذلل لعزته تعالى ، وكماله ، وإلا فإن ، الله في كل مكان بعلمه ، وقدرته ، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد ( وإن كنت تغفر لي حين أستوجب مغفرتك ، وتعفو عني حين أستحق عفوك فإن ذلك غير واجب لي باستحقاق ) .
وتسأل : إن قول الإمام عليه السلام في فعل الشرط : « حين أستوجب مغفرتك ، حين أستحق عفوك » ظاهر الدلالة في أن العفو حق للتائب ، والمغفرة له واجبة على الله تعالى ، وقوله عليه السلام في جواب الشرط : « فإن ذلك غير واجب لي باستحقاق » صريح في أنه لا حق للتائب ، ولا وجوب على الله أن يقبل ، ويعفو ! فكيف نفى ما أثبت ، ونقض ما أبرم ؟ .
(1) انظر ، مواهب الجليل للحطاب الرعيني : 2 / 540
في ظلال الصيحيفة السجادية 224

الجواب : إن التوبة من حيث هي لا تسقط العقوبة على الجريمة بمقتضى الأصل ، وفي الشرائع الوضعية ، ولكن الله سبحانه تفضلاً منه ، وكرماً أوجب على نفسه قبول التوبة ، وإسقاط العقوبة على أية جريمة سابقة إلا أن تكون حقاً للآخرين ، حيث قال : عز من قائل : « إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة » (1) . . . « أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم » (2) . ومعنى هذا أن التائب لا يستوجب المغفرة بمقتضى الأصل ، ويستوجبها بموجب النص ، والإمام عليه السلام نفى الوجوب بالنظر إلى الأصل ، وأثبته مع ملاحظة النص ، وعليه فلا تنافر ، وتناقض بين فصل الشرط ، وجوابه ، وبين صدر الكلام ، وعجزه (3) .
( إذ كان جزائي منك في أول ما عصيتك النار ) لأن الجزاء على الذنب يسوغ بداراً ، وتأخيراً ، عاجلاً ، وآجلاً ، ومعنى هذا ( فإن تعذبني ) الآن ، وعلى الفور ( فأنت غير ظالم لي ) ، بل أنا المذنب الظالم نفسي بنفسي . وبالنهاية فإن السباق إلى عفو الله ، ومرضاته لا يكون ، ولن يكون إلا بمقاومة الظلم ، والباطل ، ومناصرة الحق ، والعدل ، وبقهر النفس الأمارة ، وأخذها بالشدة ، وإعداد العدة .
إلهي فإذ قد تغمدتني بسترك فلم تفضحني ، وتأنيتني بكرمك فلم تعاجلني ، وحلمت عني بتفضلك ، فلم تغير نعمتك علي ، ولم تكدر معروفك عندي فارحم طول تضرعي ، وشدة مسكنتي ، وسوء موقفي .
(1) النساء : 17 .
(2) المائدة : 74 .
(3) انظر ، شرح الدعاء العاشر : فقرة الثواب تفضل ، أو إحسان . ( منه قدس سره ) .
في ظلال الصيحيفة السجادية 225


أللهم صل على محمد وآله ، وقني من المعاصي ، واستعملني بالطاعة ، وارزقني حسن الإنابة ، وطهرني بالتوبة ، وأيدني بالعصمة ، واستصلحني بالعافية ، وأذقني حلاوة المغفرة ، واجعلني طليق عفوك ، وعتيق رحمتك واكتب لي أماناً من سخطك ، وبشرني بذلك في العاجل دون الآجل بشرى أعرفها ، وعرفني فيه علامة أتبينها إن ذلك لا يضيق عليك في وسعك ، ولا يتأكدك في قدرتك ، ولا يتصعدك في أناتك ، ولا يؤودك في جزيل هباتك التي دلت عليها آياتك .
إنك تفعل ما تشاء ، وتحكم ما تريد ، إنك على كل شيء قدير .
( إلهي ، فإذ قد تغمدتني ) غمرتني بسترك علي فيما اطلعت عيله من ذنوبي ( فلم تفضحني ) عطف تكرار ، وتفسير ( وتأنيتني ) أمهلتني تفضلاً منك كي استدرك بالتوبة ، والعمل الصالح ( فلم تعاجلني بالعقوبة ) على تقصيري في الشكر لك على ما أسديت ( وحلمت عني بتفضلك ) عاملتني بإحسانك لا بما استحق ( فلم تغير نعمتك علي ) علماً بأني قابلتها بالتقصير ، ونكران الجميل ( ولم تكدر معروفك عندي ) عطف تكرار ( فارحم طول تضرعي ) ولا تخيب رجائي ( وسوء موقفي ) وارحم موقفي بين يديك ذليلاً ، خاشعاً ، وصاغراً ، خاضعاً .
( وقني من المعاصي ) أسلك سبيل الرشد ، والخير بتوفيقك ، وعنايتك ( واستعملني بالطاعة ) هبني الرغبة ، والنشاط على ما أمرتني به ( وارزقني حسن الإنابة ) وهي الرجوع ، والإنقطاع إلى الله بصدق ، وإخلاص ( وطهرني بالتوبة ) أقبل توبتي ، وأمحق بها جرمي ، وجريرتي ( وأيدني بالعصمة ) عن كل ما تكره ( واستصلحني بالعافية ) والعافية هنا تعم ، وتشمل الصحة ، والغنى عن الناس ـ أي

في ظلال الصيحيفة السجادية 226

السلامة من الفقر ، والمرض ـ وبها يستصلح الفرد ، والمجتمع ، ولذا قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله لخالقه : « غير أن عافيتك هي أوسع لي » (1) أي أصلح ، وأنفع .
( وأذقني حلاوة المغفرة ) وتقابلها مرارة الغضب ، والعذاب ، والسعيد من جمع بين عافية الدنيا ، والآخرة ( واجعلني طليق عفوك ) حررني من أسر الذنوب ( وعتيق رحمتك ) عطف تكرار ( واكتب لي أماناً من سخطك ) هب لي الأمن ، والأمان من غضبك ، وعذابك يوم الفزع الأكبر ( وبشرني بذلك في العاجل دون الآجل . . . ) أشعر قلبي بطريق ، أو بآخر بأني من الفائزين بغفرانك ورضوانك ، ليسكن ، ويطمئن ( إن ذلك لا يضيق عليك في وسعك ) هو عليك سهل يسير ، وعندي كبير ، وكثير ( ولا يتأكدك ) : لا يصعب عليك ؛ لأن كل شيء هو رهن بمشيتك .
(1) انظر ، كنز العمال : 2 / 699 ح 5120 ، تفسير القرطبي : 16 / 211 ، الكامل في التأريخ : 6 / 111 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 227

الدعاء السابع عشر

دعاؤه على الشيطان

أللهم إنا نعوذ بك من نزغات الشيطان الرجيم ، وكيده ، ومكائده ، ومن الثقة بأمانية ، ومواعيده ، وغروره ، ومصائده ، وأن يطمع نفسه في إضلالنا عن طاعتك ، وامتهاننا بمعصيتك ، أو أن يحسن عندنا ما حسن لنا ، أو أن يثقل علينا ما كره إلينا .
أللهم اخساه عنا بعبادتك ، واكبته بدؤوبنا في محبتك ، واجعل بيننا وبينه ستراً لا يهتكه ، وردماً مصمتاً لا يفتقه .
أللهم صل على محمد وآله ، واشغله عنا ببعض أعدائك ، واعصمنا منه بحسن رعايتك ، واكفنا ختره ، وولنا ظهره ، واقطع عنا إثره .


الشيطان رئيس العالم

( أللهم إنا نعوذ بك من نزغات ) : جمع نزعة بمعنى الوسوسة التي تحث ، وتحمل على الجريمة ، والرذيلة ( الشيطان الرجيم ) من الرجم بالشتم ، واللعن ، ومن

في ظلال الصيحيفة السجادية 228

هنا كان « اللعين » من جملة اسمائه ، ومنها الخبيث ، والمهلك ، والهاوية ، وأطلق عليه لقب « رئيس العالم » (1) ! ولهذي التسمية ، أو الصفة ما يبررها إن أريد بالعالم عالم الشر ، وأصحاب المصانع التي تنتج أسلحة الإبادة بالجملة . وفي قاموس الكتاب المقدس : « الشيطان كائن حقيقي ، وهو أعلى شأناً من الإنسان ، ورئيس رتبة من الأرواح النجسة . . . أما أعوانه فهم عصبة الأرواح الساقطة ، وهو يوقع الناس في الخطيئة عن طريق الغش ، والإحتيال ، ويظهر بمظهر النور ، والتنين ، والصور المقبولة للناس » (2) .
وتجدر الإشارة إلى الشيطان اسم جنس يشمل إبليس ، وغيره . ونحن لم نر كائناً من جنس خاص يسمى شيطاناً ، ولكن الوحي أخبر عنه ، والعقل لا ينفيه ، فوجب التصديق ، وقال سبحانه من جملة ما قال في وصف الشيطان : « يأمر بالفحشاء و المنكر » (3) . . . وقال تعالى : « ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً » (4) ، وعليه فأي دافع إلى الفساد ، والضلال يسوغ لنا أن نسميه شيطاناً أكان من الداخل كالهوى ، والغرور ، وسوء الظن ، والحقد ، والحسد أم من الخارج كالدجال ، والمحتال ، ووسائل الإعلام المظللة التي يسيطر عليها المستعمرون ، والصهاينة ، وكل من يلبس الحق بالباطل . وفي الحديث : « الشيطان يجري من ابن ءادم مجرى الدم » (5) وفيه إيماء إلى الشيطان الداخلي ، وفي القرآن الكريم : « وكذلك
(1) انظر ، إنجيل يوحنا : الإصحاح 12 الفقرة ( 31 ) ، منه قدس سره .
(2) انظر ، قاموس الكتاب المقدس : 245 ، طبعة الهند .
(3) النور : 21 .
(4) النساء : 60 .
(5) انظر ، سنن الدارمي : 2 / 320 ، صحيح البخاري : 7 / 824 ، الديباج على مسلم : 5 / 193 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 229

جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن » (1) . . . وقال تعالى : « وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم » (2) ، إشارة إلى الشيطان الخارجي .
( ومكائده ) : جمع مكيدة بمعنى المكر ، والحيلة ( ومن الثقة بأمانيه ) : جمع أمنية بمعنى البغية ، وكل ما يصوره الشيطان للإنسان ، ويعده به فهو خداع ، وسراب ( وأن يطمع نفسه في إضلالنا ) ولا يطمع الشيطان إلا بضعفاء الإيمان ، والعقول الذين يفتحون له الباب ، ويرحبون به ، ولو أقفلوه في وجهه لولي يائساً ( وامتهاننا ) امتهنه : احتقره ، واتخذه عبداً ، وخادماً في أغراضه ( أو أن يحسن عندنا ما حسن ) فنرى الشر خيراً ، والجهل علماً ، والخرافة ديناً ، والهذر بلاغة ( أو أن يثقل علينا ما كره إلينا ) يحذر الشيطان ، وينفر من الصوم ، والصلاة ، وغيرهما من العبادات ، ومن العفة ، والنزاهة ، والصدق ، والأمانة ، ومن كل خير ، وفضيلة ( اخساه عنا بعبادتك ) أطرده عنا ، واشغلنا عنه بالطاعات ، وفعل الخيرات .
( واكبته بدؤوبنا في محبتك ) اكبته : أخزه ، ورد كيده في نحره ، وبدؤوبنا : بجدنا ، واجتهادنا فيما يرضيك ( واجعل بيننا وبينه ستراً لا يهتكه ) هتك الستر : خرقه ، أو شقة ، ونفذ منه إلى ما يريد ، والمعنى لا تجعل له إلينا مدخلاً ، ومنفذاً ( وردما ) حصناً ، وسداً ( مصمتاً ) مغلقاً ( لا يفتقه ) لا ينقضه ( واشغله عنا ببعض أعدائك ) الذين كفروا بك ، وبكتبك ، وأنبيائك . ولكن في بعض الروايات ما معناه : « إن الشيطان قد فرغ من أهل الشرك ، والإلحاد ، وهو الآن في شغل شاغل بمن آمن بالله ، واليوم الآخر » (3) ( واعصمنا منه بحسن رعايتك ) احمنا منه بحفظك ،
(1) الأنعام : 112 .
(2) البقرة : 14 .
(3) انظر ، فيض القدير شرح الجامع الصغير : 2 / 633 ، قريب منه ، رسائل فقهيه للجواهري : 93 ، =
في ظلال الصيحيفة السجادية 230

وعنايتك ( واكفنا ختره ) : غدره ، واغتياله ( وولنا ظهره ) وفي الأمثال : « أرنا ظهرك ، ولا ترنا وجهك » (1) ( واقطع عنا إثره ) إجعل أقوالنا ، وأفعالنا ، ومقاصدنا كلها خالصة لوجهك الكريم .
أللهم صل على محمد وآله وأمتعنا من الهدى ، بمثل ضلالته ، وزودنا من التقوى ضد غوايته ، واسلك بنا من التقى خلاف سبيله من الردى . أللهم لا تجعل له في قلوبنا مدخلاً ، ولا توطنن له فيما لدينا منزلاً .
أللهم وما سول لنا من الباطل فعرفناه وإذا عرفتناه فقناه ، وبصرنا ما نكايده به ، وألهمنا ما نعده ، وأيقظنا عن سنة الغفلة بالركون إليه ، وأحسن بتوفيقك عوننا عليه .
أللهم وأشرب قلوبنا إنكار عمله ، والطف لنا في نقض حيله . أللهم صل على محمد وآله ، وحول سلطانه عنا ، واقطع رجاءه منا ، وادرأه عن الولوع بنا .


إخلاص إبليس

( وأمتعنا من الهدى ، بمثل ضلالته ) أبداً ، لا أحد على الإطلاق أتقن مهنته ، وأخلص لها ، وكافح من أجلها كإبليس اللعين . . . وكان واعظ قديم يصيح في الجماهير : كونوا في الإخلاص مثل إبليس . ولا أدري هل أخذ هذه الموعظه من الإمام السجاد عليه السلام الذي سأل الخالق سبحانه في دعائه هذا أن يجعل نشاطه في
= كتاب العمر والشيب لابن أبي الدنيا : 56 ، قريب منه .
(1) انظر ، كتاب الأمثال البغدادية : 521 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 231

طاعته الله ، وشوقه إلى مرضاته كنشاط إبليس في معصية الحق ، وإغواء الخلق ؟ .


التقي

( وزودنا من التقوى ضد غوايته )قيل في معنى التقوى : إنها البعد عن مواطن الريب ، وإتقاء الشبهات ، أي أن التقي هو الذي لا يقدم على أي عمل إلا بعد علم اليقين أنه حلال محلل ، ويبتعد عن كل ما فيه شائبة التحريم وشبهته . ونحن نلتقى مع هذا القول حيث نرى أن التقي هو العادل الذي يفعل الواجبات ، ويترك المحرمات بنية صادقة ، وقلب سليم لقوله تعالى : « اعدلوا هو أقرب للتقوى » (1) وقوله تعالى : « سيجنبها الأتقى » (2) أي يتجنب نار الجحيم ( واسلك بنا من التقى خلاف سبيله من الردى ) اهدنا الصراط المستقيم ، وابتعد عنا عن صراط الضالين ( أللهم لا تجعل له في قلوبنا مدخلاً ) من أعطى قلبه للشيطان فقد ألغى وجوده ، وأصبح العوبة بيده .
( ولا توطنن له فيما لدينا منزلاً ) يستحيل أن تستقيم الحياة في أي مجتمع يتحرك فيه الأشرار ، والقراصنة بحرية ، وبلا رادع ، وزاجر من أنصار الحق ، والعدل ، ومن هنا جاءت المسؤولية الاجتماعية ، والجهاد ، واستنقاذ المجتمع من الفوضى ، والفتن ، قال سبحانه : « وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة » (3) واشتهر عن النبي الكريم : « الساكت عن الحق شيطان أخرس » (4) . . . « من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان » (5) . ( وما سول لنا من
(1) المائدة : 8 .
(2) الليل : 17 .
(3) البقرة : 193 .
(4) انظر ، الأذكار النووية : 335 ، فقه السنة : 2 / 611 ، دراسات في الحديث والمتحدثين : 147 .
(5) انظر ، الدر المنثور : 2 / 301 ، روضة الطالبين : 7 / 420 ، مواهب الجليل : 2 / 441 ، المحلى : =
في ظلال الصيحيفة السجادية 232

باطل فعرفناه . . . ) سول : سهل ، وزين ، وقول الإمام عليه السلام « فعرفناه » يشير إلى أن الإنسان الطيب قد يضلل ، ويخدع بالتمويهات الكاذبة ، والدعايات المغرضة ، فيظن الشر بأهل الخير ، والخير بأهل الشر ، والإمام عليه السلام يرجو الله سبحانه أن يمده بالفهم ، والوعي ليميز بين أهل الصدق ، والكذب ، والأمانة ، والخيانة . . . وقد تمثلت أمام ناظري ، وأنا أشرح هذه الفقرة من الدعاء ، الأضاليل ، والأباطيل التي تبثها ، وتذيعها وسائل الاعلام في هذا العصر لتخدع السذج ، والبسطاء . . . ولكن الله سبحانه فضح حملة الشعارات الزائفة ، والأجهزة المأجورة ، ولم يعد لها من أثر يذكر إلا بما وصفها الشاعر : « سلع تباع وتشترى وتعار » .
( وألهمنا ما نعده ) للخائنين من الرفض ، والتكذيب ( وأيقظنا عن سنة الغفلة . . . ) سنة : النعاس ، والفتور ، والمعنى نبهنا ، وذكرنا بطاعتك ، ومعصية الشيطان في أوقات النعسة ، والغفلة ( وأحسن بتوفيقك عوننا عليه ) أي نستعين بالله على أنفسنا كيلا نستجيب لدعوة الغي ، والضلال ( وأشرب قلوبنا إنكار عمله ) املأ قلوبنا بحب الخير ، وكراهية الشر ( والطف لنا في نقض حيلة ) هب لنا نوراً نستضيء به في ظلمات الشبهات ، والشكوك ( وحول سلطانه عنا ) اجعلنا من عبادك المؤمنين الذين لا سلطان عليهم للشيطان الرجيم ( واقطع رجاءه منا ) أبداً لا ييأس الشيطان ، ويقطع الرجاء إلا من القوي في دينه ، وعقله ، وشخصيته ( وادرأه عن الولوع بنا ) ادارأه : ادفعه ، والولع : الحب ، والتعلق ، ولا يحب الشيطان إلا من استمع له ، واغتر بحيلة ، وعلله .
أللهم صل على محمد وآله ، واجعل آباءنا ، وامهاتنا ، وأولادنا ، وأهالينا ، وذوي أرحامنا ، وقراباتنا ، وجيراننا من المؤمنين ،
= 1 / 27 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 233

والمؤمنات منه في حرز حارز ، وحصن حافظ ، وكهف مانع ، وألبسهم منه جنناً واقيةً ، وأعطهم عليه أسلحة ماضية .
أللهم ، واعمم بذلك من شهد لك بالربوية ، وأخلص لك بالوحدانية ، وعاداه لك بحقيقة العبودية ، واستظهر بك عليه في معرفة العلوم الربانية .
أللهم احلل ما عقد ، وافتق ما رتق ، وافسخ ما دبر ، وثبطه إذا عزم ، وانقض ما أبرم .
أللهم واهزم جنده ، وأبطل كيده ، واهدم كهفه ، وأرغم أنفه .
( واجعل آباءنا ، وامهاتنا . . . ) ابتدأ الإمام عليه السلام دعاءه هذا متعوذاً من الشيطان ، بضمير المتكلم ومن معه ـ على سبيل الإجمال ـ ثم فصل بذكر الذين أشركهم في الدعاء ، وهم الأولاد ، والآباء ، وسائر الأرحام ، والجيران ، والخلان ، وكل من قال : لا إله الله محمد رسول الله ، طلب للجميع الصلاح ، والفلاح ، لتبقى الصلة فيما بينه وبينهم قائمة ، دائمة دنيا ، آخرة حيث لا قرابة ، ولا صداقة يوم الفصل إلا بين المؤمنين المتقين ، قال سبحانه وتعالى : « الأخلآء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين » (1) .
وإذا كانت ملة الكفر واحدة فملة الإيمان كذلك . . . وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وآله أول ما دعا عشيرته الأقربين بأمر من الله الذي خاطبه بقوله : « وأنذر عشيرتك الأقربين وأخفض جناحك لمن أتبعك من المؤمنين » (2) ، ولما ردوا عليه دعوته
(1) الزخرف : 67 .
(2) الشعراء : 214 ـ 215 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 234

التمس قبولها عند الأبعدين عنه ، فاستجابوا له ، وفدوه بالمهج ، وكان الآباء يبارزون الأبناء ، وهؤلاء يتربصون بؤلائك ، وبهذا كانوا أقرب له ، وألصق به دنياً ، وآخرته ، من القرابات ، وأولى الأرحام الكفرة . وفي نهج البلاغة : « إن ولي محمد من أطاع الله ، وإن بعدت لحمته ، وإن عدو محمد من عصى ، وإن قربت قرابته » (1) . . . « رب قريب أبعد من بعيد ، ورب بعيد أقرب من قريب » (2) .


العلم الإلهي

( واستظهر بك عليه في معرفة العلوم الربانية ) استظهر عليه : استعان عليه بالحجج البالغة ، والأدلة الدامغة ، والعلوم الربانية الإلهية تعم ، وتشمل فلسفة العقيدة ، وأدلتها ، والفقه ، واصوله ، ومعرفة التفسير ، والحديث ، والأخلاق ، والتربية ، وبكلمة إن العلم الإلهي معرفة ما يجب الإيمان به كعقيدة ، وفي السلوك معرفة ما يجب فعله ، أو تركه ، وكل ذلك تصدق عليه كلمة التفقه في الدين المأمور به في الآية : « ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون » (3) . وفي الحديث : « تفقهوا في الدين » . . . « عليكم بالتفقه في دين الله » (5) .
( احلل ما عقد . . . ) أبطل كل أمر عزم عليه ، وبادر إليه .
(1) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 22 ، الخطبة ( 96 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 18 / 252 .
(2) انظر ، نهج البلاغة : 3 / 55 ، الخطبة ( 31 ) ، عيون الحكم والمواعظ : 266 .
(3) التوبة : 122 .
(4) انظر ، الكافي : 1 / 31 ح 6 ، شرح اصول الكافي : 2 / 14 ، المصنف لعبد الرزاق الصنعاني : 4 / 324 .
(5) انظر ، الكافي : 1 / 31 ح 7 ، شرح اصول الكافي : 2 / 15 ، منية المريد : 112 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 235

وتسأل : إن الله سبحانه قد بت في أمر الشيطان ، وفرغ منه بلا رجعة قبل أن يرزق ءادم بنين ، وبنات حيث قال ، عز من قائل : « إن عبادى ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين » (1) ، ومعنى هذا ان سلطانه على الغاوين الذين يفتحون له الباب ، ويرحبون به ـ ثابت على كل حال ، وعليه فلا جدوى من الدعاء بأن يسلبه وينزع منه هنا الملك ، والسلطان ؟ .
الجواب : إن موضوع هذه الآية هو إبليس بالخصوص ، وموضوع دعاء الإمام عليه السلام هو الشيطان الذي يشمل النفس الأمارة بالسوء من الداخل ، وشياطين الإنس من الخارج (2) ، والإمام عليه السلام يدعو الله أن لا يسلط عليه شياطين الإنس ، ولا غريزة الشر التي تتصارع ، وتتدافع مع العقل ، والإيمان ، وهذا الأمر لم يبت فيه ، ويفرغ منه سبحانه وتعالى . وفي اصول الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام : « يا ميسر ادع ، ولا تقل : إن الأمر قد فرغ منه ، إن عند الله سبحانه منزلة لا تنال إلا بمسألة » (3) .
أللهم اجعلنا في نظم أعدائه ، واعزلنا عن عداد أوليائه ، لا نطيع له إذا استهوانا ، ولا نستجيب له إذا دعانا نأمر بمناواته من أطاع أمرنا ، ونعظ عن متابعته من اتبع زجرنا .
أللهم صل على محمد وآله خاتم النبيين ، وسيد المرسلين وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ، وأعذنا وأهالينا ، وإخواننا ، وجميع
(1) الحجر : 42 .
(2) انظر ، فقرة الشيطان رئيس العالم في أول هذا الدعاء .
(3) انظر ، الكافي : 2 / 466 ، شرح اصول الكافي للمازندراني : 10 / 229 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 236

المؤمنين ، والمؤمنات مما استعذنا منه ، وأجرنا مما استجرنا بك من خوفه ، واسمع لنا ما دعونا به ، وأعطنا ما أغفلناه ، واحظ لنا ما نسيناه ، وصيرنا بذلك في درجات الصالحين ، ومراتب المؤمنين آمين رب العالمين .
( واجعلنا في نظم أعدآئه . . . ) النظم بفتح النون ، وسكون الظاء الجماعة ، والمعنى اجعلنا ممن عصاه ، وعاداه لا ممن أطاعه ، وولاه ( نأمر بمناواته ) من ناوأه بمعنى عاداه ( ونعظ ) وننهى واعظين ، وناصحين عن متابعة ( وأعذنا ) احفظنا ، واعصمنا ( وأجرنا ) أنقذنا ، وأغثنا ( وأعطنا ما أغفلناه ، واحفظ لنا ما نسيناه ) أمنن علينا بما يصلحنا دنياً ، وآخرة ، ذكرناه نحن ، أو نسيناه ، وأحصيته أنت . إنك الواسع العليم ، والغني الكريم .


زين العابدين ، والنبأ العجيب

وبعد ، فإن الإمام السجاد ، وزين العابدين عليه السلام قد أطال الدعاء ، والتضرع خوفاً من الشيطان ، ونزغاته علماً بأنه في حصن حصين منه ، ومنها ، ومن الأدلة القاطعة على عصمته من الخطأ ، والخطيئة ، وحصانته من الشيطان هذا الخوف الذي هو في جوهره ، وواقعه خشية من غضب الله : « إنما يخشى الله من عباده العلماؤا إن الله عزيز غفور » (1) ، ومن خاف شيئاً ابتعد عنه حتى الطفل يحترز ، ويهرب مما يخشى شره ، وإيذاءه ، قال سبحانه : « سيذكر من يخشى » (2) . وللإمام السجاد عليه السلام كرامات تدل على عصمته ، ومكانته عند الله منها ـ على سبيل المثال ـ ما ذكره الشيخ
(1) فاطر : 28 .
(2) الأعلى : 10 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 237

الأزهري والكاتب الإسلامي الشهير الأستاذ الكبير خالد محمد خالد (1) ، قال ما نصه بالحرف :
« يقص علينا الزهري هذا النبأ عن زين العابدين علي بن الحسين عليه وعلى أبيه وأهله صلاة الله وسلامه . . . لقد استدعى عبد الملك بن مروان زين العابدين من المدينة إلى الشام ليقيم بجواره ، ورفض فحمله الحرس بالقوة ، وأثقلوه بالحديد ، وقبل رحيلهم به طلب الزهري أن يزوروه . . ولندع الزهري يكمل النبأ العجيب ! ! قال :
دخلت عليه ، وهوفي قبة ، والقيود في رجليه ، والغل في يديه فبكيت ، وقلت له : وددت أني مكانك ، ولا يصيبك مكروه . فقال لي : يا زهري أتظن هذه السلاسل تكربني ؟ أما لو شئت ما كان من ذلك شيء ، ثم هز يديه فانفرج الغل ، وهز قدميه فتفسخ القيد ، وعاد يقول : ولكن دعها تذكرنا بعذاب الله » .
وقول الإمام عليه السلام : « تذكرنا بعذاب الله » يؤيد ما أشرنا إليه قبل لحظة من أن خوف الإمام من نزغات الشيطان هو في واقعة خشية من غضب الله . ثم قال خالد محمد خالد : « هذا القديس الأعزل ـ أي الإمام زين العابدين عليه السلام ـ يدخل على عبد الملك ذات يوم ، ويمكث معه لحظات ثم ينصرف ، فيتنفس الخليفة الصعداء ، ويقول : والله لقد امتلأ قلبي منه خيفة » (2) ومن خاف الله أخاف الله الناس منه .
(1) انظر ، كتابه ( والموعد الله ) : 111 ، الطبعة الأولى سنة 1971 م ( منه قدس سره ) . وتأريخ مدينة دمشق لابن عساكر : 41 / 372 ، ينابيع المودة : 3 / 156 ، مناقب أهل البيت للشيرواني : 256 ، نوادر المعجزات للطبري : 125 .
(2) انظر ، الكتاب السابق ، للأستاذ خالد محمد خالد ، والصواعق المحرقة : 200 ، مناقب أهل البيت للمولى حيدر الشيرواني : 257 ، ينابيع المودة : 3 / 106 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 238



في ظلال الصيحيفة السجادية 239

الدعاء الثامن عشر

دعاؤه في المحذورات

أللهم لك الحمد على حسن قضائك ، وبما صرفت عني من بلائك ؛ فلا تجعل حظي من رحمتك ما عجلت لي من عافيتك ، فاكون قد شقيت بما أحببت ، وسعد غيري بما كرهت ، وإن يكن ما ظللت فيه أو بت فيه من هذه العافية . . . بين يدي بلاء لا ينقطع ، ووزر لا يرتفع ، فقدم لي ما أخرت ، وأخر عني ما قدمت ؛ فغير كثير ما عاقبته الفناء ، وغير قليل ما عاقبته البقاء ، وصل على محمد وآله .
كثيراً ما يرغب الإنسان في شيء ، ويجد في طلبه حتى إذا أدركه ود أنه لم يكن ، والطامة الكبرى أن يحاول الخلاص منه فلا يجد الطريق إليه ، وإلى هذا تشير الآية : « وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون » (1) . والغرض من هذا التمهيد أن يلقي ضوءاً على الهدف الذي رمى إليه الإمام عليه السلام من دعائه .
(1) البقرة : 216 .
في ظلال الصيحيفة السجادية 240


( أللهم لك الحمد على حسن قضائك ، وبما صرفت عني من بلائك ) كل إنسان عرضة لأنواع النوائب ، والمطائب في نفسه ، ودينه ، وأهله ، وماله . والإمام عليه السلام يحمد الله تعالى على السلامة من كل فتنة ، ومصيبة عافاه الله منها ، وأبعده عنها ( فلا تجعل حظي من رحمتك ما عجلت لي من عافيتك ) منحتني العافية يا إلهي ، وغمرتني بفضلك في الدنيا العاجلة ، وكل ما أرجوه أن لا يكون هذا الفضل منك هو كل ما أعددت لي عندك من فضل ، واستوجبه من خير ، ومالي في الآخرة من نصيب في عطائك ، ورحمتك ( فاكون قد شقيت بما أحببت ) أي تكون العافية التي أحببتها سبباً لحرماني من ثواب الآخرة ، ويقول الإمام علي عليه السلام : « اعلموا أن ما نقص من الدنيا وزاد في الآخرة خير مما نقص من الآخرة ، وزاد في الدنيا » (1) . . . « كم من أكله منعت أكلات » (2) . ( وسعد غيري بما كرهت ) المراد بهذا الغير كل من كانت دنياه جحيماً ، وآخرته نعيماً .
( وإن يكن ما ظللت فيه أو بت فيه من هذه العافية ) العاجلة التي فرحت بها هي ( بين يدي بلاء . . . ) أي السبب الموجب لعذاب السعير في الآخرة ( فقدم لي ما أخرت ) من البلاء ، والعذاب أي اجعله في الدنيا لا في الآخرة ( وأخر عني ما قدمت . . . ) من السلامة ، والعافية أي اجعلها في الآخرة لا في الدنيا ، قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : « ما خير بخير بعده النار ، وما شر بشر بعده الجنة ، وكل نعيم دون الجنة محقور ، وكل بلاء دون النار عافية » (3) .
(1) انظر ، نهج البلاغة : 1 / 225 ، الخطبة ( 114 ) ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 7 / 251 ـ 258 .
(2) انظر ، نهج البلاغة : 4 / 42 ، الحكمة ( 171 ) ، شرح نهج البلاغة للمعتزلي : 18 / 397 ، شرح النهج للبحراني : 5 / 336 ، شرح النهج لمحمد عبده : 3 / 193 ، عيون الحكم والمواعظ : 380 .
(3) انظر ، نهج البلاغة : الحكمة ( 387 ) ، شرح اصول الكافي : 11 / 267 ، فيض القدير شرح الجامع الصغير : 5 / 46 ، جامع الأخبار : 135 ، من لا يحضره الفقيه : 4 / 392

السابق السابق الفهرس التالي التالي