تكوين الاسرة في الاسلام 229


خلاصة ونتيجة البحث :


والخلاصة ان علاقة الرجل بزوجته يجب ان تكون حسنة قائمة على اساس حسن التفاهم وتحمل سوء خلقها وحمايتها ومساعدتها ، عن الامام الصادق (عليه السلام) : «ان ابراهيم خليل الرحمن عليه السلام خلق سارة ؟ فاوحى الله اليه ان مثل المرأة مثل الضلع ان اقمته انكسر وان تركته استمتعت به» (1) .
وهناك رواية اخرى للامام علي (عليه السلام) بنفس المضمون فقد شبه المراة بالقارورة .
وعلى هذا الاساس فواجب الرجل المحافظة عليها مع عدم الافراط والتفريط فيجب عليه ان يحبها ، وهذا الحب يبجسد بالبشر في الوجه وحسن الحديث والتجاوز والتسامح والصبر والتحمل .

ضرورة سعة صدر الرجل : ـ


ان الرجل حين يشكل اسرة ويريدها يحتاج في علاقته بالزوجة الى سعة صدر ، وان يكون سليم النفس بعيد النظر للامور . هذه الصفات ضرورية في كل الامور حتى في مسالة رزق يومه في العفو والتسامح ، في التضحية . والخلاصة في كل شيء قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) : «ان من شر رجالكم البهات البخيل الفاحش الاكل وحده ، المانع رفده ، الضارب اهله وعبده ، الملجيء عياله غيره العاق والدية» (2) . وقال كذلك : «وتحفظه اذا غاب عنها في نفسها ومالها» .

(1) مكارم الاخلاق : 216 .
(2) وسائل الشيعة : 14 / 18 ح 2 .
تكوين الاسرة في الاسلام 231


الفصل الثامن عشر

«التعامل الانساني للزوجة مع الزوج»


الاسرة مركز العواطف :


الاسرة مركز الحب والعواطف ، والمحبة ، والسلام ، والصداقة ، فللمراة دور اساسي في ايجاد كل ذلك ، فيمكنها ان تجعل من الكيان الاسري مركزا للنور والصفاء ، او ان تبدله بجهنم محرقة ، فقلب الزوج والابناء مرتهن بحبها واخلاصها .
فالزوج الذي يعود من عمله متعبا يجد الراحة والسكون بمجرد ان وجهها لعوطف ، وكذلك الطفل الذي يعاني من الم ما او مرض يطلب مساعدتها .

علاقة الزوج بالزوجة :


في الفصل السابق ذكرنا بعض واجبات الزوجة تجاه زوجها ، والان نتناول بعض من علاقات الزوجة بزوجها ، وفي البداية نذكر قول رسول الله (صلى الله عليه واله) :
«ما استفاد امرئ فائدة بعد الاسلام افضل من زوجة مسلمة تسره اذا نظر اليها ، وتطيعه اذا امرها وتحفظه اذا غاب عنها في نفسها ومالها» (1) .

(1) وسائل الشيعة : 14 / 23 ح 10 .
تكوين الاسرة في الاسلام 232

والقران يعبر عن العلاقة بين المراة والرجل بـ(اللباس) فكما ان اللباس يحفظ بدن الانسان ويستره ، كذلك الزوجان يحفظان بعضهما ويستر احدهما الاخر : «هن لباس لكم وانتم لباس لهن» (1) .
وسنذكر هنا بعض من واجبات المراة في علاقتها الانسانية مع الزوج والتي يجب عليها مراعاتها .
1 ـ الطاعة:


للمراة في المنزل دور ذو جانبين ، فلها من جانب دور القدرة كمدبرة ومديرة ومسؤولة للمنزل والاسرة ، وتنظيم الامور المنزلية ولا يكون الا بذوقها ، كما ان ادارة امور الابناء وامرهم ونهيهم تابع لها ، وفي غياب الزوج فهي التي تتخذ القرارات المنزلية اللازمة .
ومن جانب اخر في طاعة الزوج ، فان في كل الامور التي تحدث للعقل سهم فيها يعادل سهم الإحساس والعاطفة ، لذلك فإن أخذ رأي الزوج ورضاه وكسب اجازته في الاعمال والتصرفات المختلفة وحتى في مجال استثمار اموالها الشخصية او اي مجال اخر ، وفي الاسلام ليس لاحد حق على المراة اكثر من حق زوجها .
2 ـ الصداقة والتفاهم:


ان اساس الزواج التفاهم والمودة والصداقة والمحبة ، والتراحم والاخلاص ، لا الاكراه والاجبار ، والاسرة التي تقوم على تلك الاسس

(1) البقرة : 187 .
تكوين الاسرة في الاسلام 233

مصداق للاية الكريمة : «وجعل بينكم مودة ورحمة» (1) .
وافضل النساء هي المحبة الودود ، الطاهرة العفيفة الوفية التي تدوم محبتها ، وتعين زوجها على امور الحياة الاسرية .
3 ـ الاحترام والاستقبال:


على الزوجة ان تحترم زوجها وتجله ، فالتي تعامل زوجها هكذا تكن مرغوبة لديه دائما ، وكل سعي في اختيار الزوج يجب ان يكون قبل عقد الزواج .
فابداء الراي في مظهر الرجل كقامته وتصرفاته وافعاله بعد الزواج منفذ لدخول المراة في عالم الوسواس ، فعليها ان تقبل بزوجها الرسمي الذي ارتبطت به بالعقد كما هو ، او على الاقل ان تقنع نفسها بالقبول بذلك .
فالمراة التي تعد زوجها المحبوب الوحيد لديها ولا تعادله باي شيء ، تستقبله عند دخوله البيت وتهيئ له وسائل الراحة ، فهي بذلك تسكن متاعبة والامة التي يواجهها طيلة يومه .
4 ـ التواضع له:


في الوقت الذي تكون فيه المراة فردا محترما وعزيزا في بيت ابيها ، يجب ان تكون متواضعة لزوجها ، بان لا تفتخر عليه وتتمرد على اوامره ، وان لا تحدثه عن قدرة وامكانات والديها ، او تمن عليه ان اصبحت زوجته .

(1) الروم : 21 .
تكوين الاسرة في الاسلام 234

فان وجود مثل ذلك لا يؤدي فقط الى الفشل والسقوط : بل يؤدي الى سيطرتها على الزوج ، كما ان هناك مجالات اخرى قد تعتقد الزوجة بامكانها السيطرة على زوجها بمثلها كالجمال والمال والشهادة .
5 ـ التزين له:


على المراة المسلمة ان تسعى لاشباع رغبة زوجها في هذا المجال حسب ، وبشكل يجعل الزوج لا يرغب في غيرها ولا يرضى بسواها ، فعليها أن تتزين له وتبدو امامه بشكل مرغوب ، هناك روايات في هذا الشان تحث على التزين مثل الخضاب والدهن وصبغ الاظفار والشعر ، ولبس الثياب الجميلة للزوج .
من جملة الاسباب التي تدعو الزوج بعدم التعلق وعدم رغبته في زوجته هو اهمالها لزينتها ، كما ان نظر الزوج الى هذه وتلك ، واظهار رغبته وحبه للاخريات يدل على ان الزوجة لم تستطع ان تجذب نظر زوجها اليها ، او انها لا تعلم ان حب ازوج قد يتغير تجاهها وعليها ان تشده دائما اليها .
6 ـ تمكينه من نفسها:


قال ابو جعفر (عليه السلام) : «خير النساء التي اذا خلت مع زوجها فخلعت الدرع خلعت معه الحياء ، واذا لبست الدرع لبست معه الحياء» (1) .
فالمراة الصالحلة حتى اذا كانت في حالة اضطراب وقلق ، وحتى ان لم

(1) وسائل الشيعة : 14 / 16 ح 12 .
تكوين الاسرة في الاسلام 235

تكن مستعدة للعلاقة الجنسية يجب ان لا تبدي ذلك للزوج وان تمكنه من نفسهافي كل حال .
كما ان عليها ان تهيء نفسها لذلك وتظهر له انها راغبة به من صميم قلبها .
7 ـ مساعدته:


المراة المسلمة معين للزوج ليس فقط في امر الاسرة ، بل في طلب العلم ، وفي امور الحياة ، التشجيع على الحج والجهاد وغيره .
قال رسول الله (صلى الله عليه واله) : ـ
«ايما امراة اعانت زوجها على الحج والجهاد او طلب العلم ، اعطاها الله من الثواب ما يعطي امراة ايوب عليه السلام» (1) .
فهي تواسيه وتهدا من اضطراباته اذا ما راته قلقا مشغولا ، وتطمئنه وتعينه وتساعده عند ضيق اليد ، وتستغل اموالها الشخصية لايجاد الطمانينة في قلبه ، ان الله خلق المراة لتكون زوجة واما لزوجها ، فعليها ان تتكيف وفق ذلك .
8 ـ عدم المنة عليه:


اذا ما ساعدت المراة المسلمة زوجها ، فعليها ان لاتمن عليه بذلك مثلا اذا ساعدته من الناحية المالية في اموالها وثروتها فلا تمن عليه ، كان تقول له : انا التي ادير مسؤولية البيت المادية ، انا التي تصرف عليك

مكارم الاخلاق : 201 .
تكوين الاسرة في الاسلام 236

وتطعمك وغيرها ...
قال رسول الله (صلى الله عليه واله) : «ايما امراة منت على زوجها بمالها ، فتقول : انما تاكل انت من مالي ، لو انها تصدقت بذلك المال في سبيل الله لا يقبل الله منها الا ان يرضى عنها زوجها» (1) .
9 ـ من الناحية الاخلاقية:


توصي الروايات بضرورة حسن الخلق مع الزوج ، وان تصبر على سوء خلقه من اجل المحافظة على الكيان الاسري ، وتربية الابناء ، وتسعى لان تتسامح وتضحي لزوجها .
قال رسول الله (صلى الله عليه واله) :
«من صبرت على سوء خلق زوجها اعطاها الله مثل ثواب اسية بنت مزاحم» (2) . فيجب ان لا تكون منافقة ، مرائية ، ؟، وان تكون مخلصة محبة ، وفية، تبدي احترامها له ، وتتغاضى عن عيوبه .
10 ـ تحمل الزوج :


ليس دائما يحصل التوافق الاخلاقي بين الزوجين ، ففي مثل هذه الحالة هناك طريقان للعلاج : امر الصبر والتحمل ، او الخلافات والنزاعات .
اما الطريق الثاني فهو اسلوب طفولي ، سواء كان جليا او خفيا ، وسيكون طعم الحياة مرا لكل منهما ، ويزول بذلك كل نشاط وحيوية ،

(1) مكارم الاخلاق : 202 .
(2) مكارم الاخلاق : 214 .
تكوين الاسرة في الاسلام 237

وتهدر الكرامة ، ويحل الاضطراب والفوضى في الحياة الاسرية ، واضرار كل ذلك تنعكس على الزوجين والاقارب .
واما الطريق الاول : فهو الافضل وهو طريق الصبر والتحمل ، وهو الاسلوب الانساني الذي يوصي به الانبياء والصالحين والكرام .
فما اجمل ان يتغلب المرء على هوى نفسه ويظهر انه حر ابي ، واما الفضل ان يتحمل متاعب الحياة بالمحبة والمشاركة والتضحية لا بالحرب والنزاع ، والتهاجم والجدال .
11 ـ التكيف مع وضعه:


قال رسول الله (صلى الله عليه واله) : «ايما امراة لم ترفق بزوجها وحملته على ما لا يقدر عليه وما لا يطيق لم تقبل منها حسنة ، وتلقى الله وهو عليها غضبان» (1) .
فعلى المراة ان لا تضغط على زوجها وتلومه ، او تجعله يسعى لان يهيء لها المال من طريق الحرام ، او ان تجعله يرتكب اثما في الحصول عليه ، فعليها ان تقبل بوضع زوجها المادي وان كان قليلا ، وتفتخر به وتتكيف معه .
12 ـ الاعتدال في تكاليف الحياة:


المراة المسلمة يجب ان تكون معتدلة في انفاقها ، لا تفرط ولا تفرط ، وتنفق باعتدال وتمسك باعتدال ، ففي مثل هذه الحالة تكون كما

(1) مكارم الاخلاق : 214 .
تكوين الاسرة في الاسلام 238

وصفها الحديث عن المعصوم (عليه السلام) : «خير نساءكم الطيبة الريح ، الطيبة الطعام ، التي ان انفقت انفقت بمعروف ، وان امسكت امسكت بمعروف ، فتلك عامل من عمال الله ، عامل الله لايخيب ولا يندم» (1) .
فالتطلعات والامال التي خاترج نطاق مقدرة الانسان تحول حياته ظلاما دامسا ، وتسبب التعب والملل المتواصلين له ، كما ان ملء البيت بحاجات كثيرة واثاث فاخرة حتى يصبح كمحل لبيع الاثاث عمل خطا وتصرف طفولي .
فالنفقات يجب ان تتعادل مع دخل الاسرة ، وان تقوم على اسس عقلانية ، واتخاذ السبيل الوسط بلا افراط وتفريط ، ويجب التفكير في ايام الفقر ، والاحساس بحال الفقراء .
والمراة المسرفة المبذرة في الاسلام تعد مشؤمة وغير محمودة ، فالمراة التي تؤذي زوجها وتضغط عليه لاجل شراء الذهب والمجوهرات ، مثل هكذا امراة تسبب النكبة في الحياة ، قال رسول الله (صلى الله عليه واله) «من شؤم المراة شدة مؤونتها وتعسير ولادتها» (2) .
13 ـ جذب نظر الزوج:


تستطيع المراة وبالاف الطرق ان تجذب نظ الزوج ؛ وذلك عن طريق تغيير تسريحة شعرها وزينتها ، وترتيب لوازم منزلها ، وتنوع الغذاء اليومي كان تقدم له لقمة لذيذة ، كل ذلك يؤدي الى جلب والفات نظره

(1) مكارم الاخلاق : 200 .
(2) مكارم الاخلاق : 198 .
تكوين الاسرة في الاسلام 239

وتوجيهه نحوها ، وهذا الامر لا يحتاج الى جهد ولا مال كثير ، ويعود الى فكر المراة وذوقها وذكائها وقدرتها على الابداع ومهارتها ، والاهم من كل ذكل حسن الخلق واللسان .
14 ـ عدم اظهار تعبها له:


ما اكثر الزوجات اللواتي يسعين لجلب نظر ازواجهن وكسب عطفهن بسبب تعب بسيط تبالغ به امامه وتصوره كانه الم ثقيل لا يمكن تحمله ، ان عظمة المراة واسلوب جلب نظرة لا يكون عن هذا الطريق ، فالفن ان تقدر المراة على اخفاء تعبها عن زوجها وكتمان المها عنه .
فقيمة المراة الصبورة المحتملة الزاهدة افضل عند الرجل من المراة الجزعة الضعيفة التي تبالغ في ابداء تعبها والمها كالجبال .
من المسائل التي عظمت قدر الزهراء (عليها السلام)عند امير المؤمنين (عليه السلام) انه بعد موتها وحينما كان يغسلها لفت انتباهه وجود ورم في عضدها ، فتعجب (عليه السلام) كيف انها استطاعت ان تخفي ذلك عن زوجها طيلة تلك المدة ، ولم تشتك المها له .
15 ـ عدم تقييده:


يكون البيت في بعض الاحيان كالقبر بالنسبة للزوج ، والزوجة كمنكر ، ونكير ، فبمجرد وصوله للبيت متاخرا تبدا الزوجة بطرح اسئلة كثيرة ومحيرة ، وهي بذلك تريد ان تعرف اين كان ؟ وماذا كان يفعل ؟ ومع اي شخص كان ؟ ولماذا عاد متاخرا ؟

تكوين الاسرة في الاسلام 240

هذا ليس اسلوبا للحياة بل طريقا للحرب والجدال ، فالافضل في مثل تلك الحالة ان تتركه الزوجة يبدل ثيابه ويستريح ، ويجلس معها لعله يوضح سبب تاخيره ، وان لم يفعل تساله بهدوء وصبر عن ذلك .
والا فماذا تستفيد المراة من كل تلك الاسئلة التي تجبر الزوج على الكذب عليها والغضب واستمرار النزاع والجدال .
16 ـ رعاية الادب:


نحن نعتقد بخلاف القول الشائع بين العامة (بين الاحباب تسقط الاداب) . ان وجود الاداب ورعايتها ضروري جدا ، فيما بين الاصدقاء وفيما بين الزوجين ايضا .
فوجود الاداب بين الاشخاص الى حد مراعاة الاحترام يؤدي الى ان لا يخرق حجاب الستر والحياة فيما بينهما .
17 ـ جوانب اخرى:


من المسائل الاخرى التي يجب ان تراعيها الزوجة ان تكون صادقة معه وتؤكد له باخلاقها وتصرفاتها انها تحبه ، وهي منه ، وتعتمد عليه وتثق به ، ولا تتحدث عن رجال اخرين بحضوره ، ولا تمتدح اوضاعهم .
وان تبتعد عن كل ما يعكر صفو الحياة الزوجية ، وان تحب الخير له ، وان تجعل مصلحته كمصلحتها ، وان تكون امينة عليه وعلى ماله وثروته ، وعلى تربية ابنائه .

تكوين الاسرة في الاسلام 241

قال رسول الله (صلى الله عليه واله) : «ان خير نسائكم الولود الودود الستيرة العفيفة ، العزيزة في اهلها ، الذليلة مع بعلها ، المتبرجة مع زوجها الحصان عن غيره ، التي تسمع قوله وتطيع امره ، واذا خلا بها بذلت له ما اراد منها ولم تتبذل له تبذل الرجل (1) .

ضرورة التوافق والتفاهم :


وخلاصة القول : ان الحياة المشتركة لا يمكن ان تدوم الا بالتوافق والتفاهم واداء واجبات بعضهما للبعض الاخر .
فاذا كان كل طرف يريد ان يتسلط على الاخر ستضيع الاسرة ، ولا شك انه عندما تصل الامور الى نهايتها ، ولا صبر للطرفين فلا داعي لاستمرار الحياة المشتركة ، وطريق الطلاق مفتوح ، ولعل النفصال الطرفين افضل من حدوث التصادم والمشاكل يوميا .

(1) مكارم الاخلاق : 200 .
تكوين الاسرة في الاسلام 242




تكوين الاسرة في الاسلام 243


الباب السادس


تكوين الاسرة في الاسلام 244




تكوين الاسرة في الاسلام 245

«مباحث حول الزواج»


للزواج في الاسلام جوانب وابعاد استغل المتشرقون المسيحيون ظاهرها فطعنوا بها ، ولكنها في الحقيقة شرعت لخير وسعادة البشر عامة ، ومن هذه المسائل نورد مسالة تعدد الزوجات والزواج المؤقت ، لانهما جديرتان بالبحث ، وكثرت فيهما التساؤلات والاراء الموافقة والمخالفة .
فمن ناحية تعدد الزوجات : نرى انه تشريع ضروري اجتماعيا ، ويؤيده العقل السليم ، والاشكالات التي تؤخذ عليه هي قولهم : انه خلافا للمصلحلة ، والعقل السليم ، ويسبب السعي وراء ارضاء الرغبات ، وسبب في سلب حق شاب اعزب في الزواج والى غير ذلك من الاشكالات .
ونحن سنبحث هذه المسائل في هذا الفصل ، اما فيما يخص الزواج المؤقت فنحن نعده امرا مهما جدا وضروريا ، واحد التشريعات التي يفتخر الاسلام بها ، وذلك لفوائده الاجتماعية الكثيرة ، ومنعه يسبب اضرارا كبيرة ويفتح باب الاخطار على المجتمع التي من جملتها انتشار الفحشاء .
وفي الوقت نفسه نرى ان الكثير من الناس يعترضون عليه منهم الغربيون ، بل وحتى الاخوة من ابناء المذهب السني ويعدونه زنا ، وسببا لسقوط قيمة المراة والاسرة وارتكاب الخطا ، وكذلك اوردوا مسائل النسل والميراث واتساع المشاكل العاطفية .
ونحن سنحاول في هذا الفصل ان نبحث كل تلك الاعتراضات ، ونبين شروط مثل هذا الزواج ، والاشكالات التي تؤخذ عليه مع مراعاة الاختصار .

تكوين الاسرة في الاسلام 246




تكوين الاسرة في الاسلام 247


الفصل التاسع عشر

«مسالة تعدد الزوجات»


هل ان تعدد الزوجات من مخترعات الاسلام ؟


مسالة تعدد الزوجات ليست من مخترعات الاسلام ، بل بشهادة التاريخ انه كان موجودا في مجتمعات كثيرة ، ففي الجزيرة العربية وايران بل وحتى في البدان الغربية نصادف نماذج منه ، ولكنها لا تستحق الذكر .
الشيء الوحيد الذي جاء به الاسلام انه اقره ولكن تحت شروط وضوابط ونظام معين ، او وضع شروطا للشخص الذي يتزوج عدة نساء .
ففي العصور السابقة وكذلك عصرنا الحالي نجد ان هناك مجتمعات لاتسمح باكثر من زوجة ، وهي تمنع الطلاق ولا تجيز الزواج بثانية الا بعد موت الزوجة الاولى كالمسيحيين اليوم .
فهل هناك مشاكل وصعوبات اثيرت حول هذا النظام ؟ وما هي القيود التي وضعت في طريق من يطلب الزواج ثانية ؟ سنتناول بعضا من هذه التساؤلات ضمن هذا البحث .
والامر الاخر هو لماذا لم يقف الاسلام بوجه هكذا نظام (تعدد الزوجات) ويصدر حكما بتحريمه ؟ لهذا الامر اسباب سنشير اليها في بحثنا .
والخلاصة ، نقول : ان الاسلام راعى جانب المراة في هذا الامر اكثر ، واراد ان ينقذها من الانحراف ، لذلك لم يحرمه .

تكوين الاسرة في الاسلام 248


هل الحكم بالتعدد جائز ام واجب ؟


قبل الدخول في البحث المتعلق بضرورة التعدد ، يجب ان نذكر ان حكم الاسلام في التعدد جائز وليس امرا واجبا ، وبعبارة اخرى انه لايجبر الرجل على التزوج باكثر من واحدة ، كما لا يجبر المراة على القبول بالزواج من رجل متزوج ، فالامر يرجع الى تراضي الطرفين .
فهل يجوز لنا منع شخصين متراضيين من الزواج ؟ اليس تقيد رغباتهم الشخصية والشرعية ظلما لحقوقهما ؟ حتما يسكون الجواب : ان مثل هكذا زواج ظلم للزوجة الاولى فهي لا ترضى به ابدا .
وللجواب على ذلك نقول : ان الزوجة الاولى رضيت بالنظام الاسلامي في امر الزواج عندما تزوجها الرجل ، وهذا النظام يبيح تعدد الزوجات ، وعدم رضاها ـ في الحقيقة ـ ما هوالا فرار من هذا النظام هذا اولا .
وثانيا : ان هذا الامر يعالج مصالح اجتماعية واسعة النطاق لا يمكن حلها بعدم رضا شخص ثالث ، وثالثا الاسلام اخذ بنظر الاعتبار حقوق الزوجة الاولى ، ووضع شروطا لمسالة التعدد هذه سنشير لها ضمن بحثنا .
ولا بد ان نذكر ان اصل الحياة الزوجية يكون مع زوجة واحدة ، وان وجود ظروف معينة (ليس الهوى والذوق والاندفاع) يدعو الى تعدد الزوجات مع مراعاة اصول وضوابط معينة ، وبالاضافة الى ذلك فالاسلام ياخذ بنظر الاعتبار كل المسائل المتعلقة به من اقتصادية اجتماعية وحتى الفطرية والغريزية .

السابق السابق الفهرس التالي التالي