الاسرة مركز الحب والعواطف ، والمحبة ، والسلام ، والصداقة ، فللمراة دور اساسي في ايجاد كل ذلك ، فيمكنها ان تجعل من الكيان الاسري مركزا للنور والصفاء ، او ان تبدله بجهنم محرقة ، فقلب الزوج والابناء مرتهن بحبها واخلاصها . فالزوج الذي يعود من عمله متعبا يجد الراحة والسكون بمجرد ان وجهها لعوطف ، وكذلك الطفل الذي يعاني من الم ما او مرض يطلب مساعدتها .
في الفصل السابق ذكرنا بعض واجبات الزوجة تجاه زوجها ، والان نتناول بعض من علاقات الزوجة بزوجها ، وفي البداية نذكر قول رسول الله (صلى الله عليه واله) : «ما استفاد امرئ فائدة بعد الاسلام افضل من زوجة مسلمة تسره اذا نظر اليها ، وتطيعه اذا امرها وتحفظه اذا غاب عنها في نفسها ومالها» (1) .
والقران يعبر عن العلاقة بين المراة والرجل بـ(اللباس) فكما ان اللباس يحفظ بدن الانسان ويستره ، كذلك الزوجان يحفظان بعضهما ويستر احدهما الاخر : «هن لباس لكم وانتم لباس لهن» (1) . وسنذكر هنا بعض من واجبات المراة في علاقتها الانسانية مع الزوج والتي يجب عليها مراعاتها .
للمراة في المنزل دور ذو جانبين ، فلها من جانب دور القدرة كمدبرة ومديرة ومسؤولة للمنزل والاسرة ، وتنظيم الامور المنزلية ولا يكون الا بذوقها ، كما ان ادارة امور الابناء وامرهم ونهيهم تابع لها ، وفي غياب الزوج فهي التي تتخذ القرارات المنزلية اللازمة . ومن جانب اخر في طاعة الزوج ، فان في كل الامور التي تحدث للعقل سهم فيها يعادل سهم الإحساس والعاطفة ، لذلك فإن أخذ رأي الزوج ورضاه وكسب اجازته في الاعمال والتصرفات المختلفة وحتى في مجال استثمار اموالها الشخصية او اي مجال اخر ، وفي الاسلام ليس لاحد حق على المراة اكثر من حق زوجها .
ان اساس الزواج التفاهم والمودة والصداقة والمحبة ، والتراحم والاخلاص ، لا الاكراه والاجبار ، والاسرة التي تقوم على تلك الاسس
مصداق للاية الكريمة : «وجعل بينكم مودة ورحمة» (1) . وافضل النساء هي المحبة الودود ، الطاهرة العفيفة الوفية التي تدوم محبتها ، وتعين زوجها على امور الحياة الاسرية .
على الزوجة ان تحترم زوجها وتجله ، فالتي تعامل زوجها هكذا تكن مرغوبة لديه دائما ، وكل سعي في اختيار الزوج يجب ان يكون قبل عقد الزواج . فابداء الراي في مظهر الرجل كقامته وتصرفاته وافعاله بعد الزواج منفذ لدخول المراة في عالم الوسواس ، فعليها ان تقبل بزوجها الرسمي الذي ارتبطت به بالعقد كما هو ، او على الاقل ان تقنع نفسها بالقبول بذلك . فالمراة التي تعد زوجها المحبوب الوحيد لديها ولا تعادله باي شيء ، تستقبله عند دخوله البيت وتهيئ له وسائل الراحة ، فهي بذلك تسكن متاعبة والامة التي يواجهها طيلة يومه .
في الوقت الذي تكون فيه المراة فردا محترما وعزيزا في بيت ابيها ، يجب ان تكون متواضعة لزوجها ، بان لا تفتخر عليه وتتمرد على اوامره ، وان لا تحدثه عن قدرة وامكانات والديها ، او تمن عليه ان اصبحت زوجته .
فان وجود مثل ذلك لا يؤدي فقط الى الفشل والسقوط : بل يؤدي الى سيطرتها على الزوج ، كما ان هناك مجالات اخرى قد تعتقد الزوجة بامكانها السيطرة على زوجها بمثلها كالجمال والمال والشهادة .
على المراة المسلمة ان تسعى لاشباع رغبة زوجها في هذا المجال حسب ، وبشكل يجعل الزوج لا يرغب في غيرها ولا يرضى بسواها ، فعليها أن تتزين له وتبدو امامه بشكل مرغوب ، هناك روايات في هذا الشان تحث على التزين مثل الخضاب والدهن وصبغ الاظفار والشعر ، ولبس الثياب الجميلة للزوج . من جملة الاسباب التي تدعو الزوج بعدم التعلق وعدم رغبته في زوجته هو اهمالها لزينتها ، كما ان نظر الزوج الى هذه وتلك ، واظهار رغبته وحبه للاخريات يدل على ان الزوجة لم تستطع ان تجذب نظر زوجها اليها ، او انها لا تعلم ان حب ازوج قد يتغير تجاهها وعليها ان تشده دائما اليها .
قال ابو جعفر (عليه السلام) : «خير النساء التي اذا خلت مع زوجها فخلعت الدرع خلعت معه الحياء ، واذا لبست الدرع لبست معه الحياء» (1) . فالمراة الصالحلة حتى اذا كانت في حالة اضطراب وقلق ، وحتى ان لم
تكن مستعدة للعلاقة الجنسية يجب ان لا تبدي ذلك للزوج وان تمكنه من نفسهافي كل حال . كما ان عليها ان تهيء نفسها لذلك وتظهر له انها راغبة به من صميم قلبها .
المراة المسلمة معين للزوج ليس فقط في امر الاسرة ، بل في طلب العلم ، وفي امور الحياة ، التشجيع على الحج والجهاد وغيره . قال رسول الله (صلى الله عليه واله) : ـ «ايما امراة اعانت زوجها على الحج والجهاد او طلب العلم ، اعطاها الله من الثواب ما يعطي امراة ايوب عليه السلام» (1) . فهي تواسيه وتهدا من اضطراباته اذا ما راته قلقا مشغولا ، وتطمئنه وتعينه وتساعده عند ضيق اليد ، وتستغل اموالها الشخصية لايجاد الطمانينة في قلبه ، ان الله خلق المراة لتكون زوجة واما لزوجها ، فعليها ان تتكيف وفق ذلك .
اذا ما ساعدت المراة المسلمة زوجها ، فعليها ان لاتمن عليه بذلك مثلا اذا ساعدته من الناحية المالية في اموالها وثروتها فلا تمن عليه ، كان تقول له : انا التي ادير مسؤولية البيت المادية ، انا التي تصرف عليك
وتطعمك وغيرها ... قال رسول الله (صلى الله عليه واله) : «ايما امراة منت على زوجها بمالها ، فتقول : انما تاكل انت من مالي ، لو انها تصدقت بذلك المال في سبيل الله لا يقبل الله منها الا ان يرضى عنها زوجها» (1) .
توصي الروايات بضرورة حسن الخلق مع الزوج ، وان تصبر على سوء خلقه من اجل المحافظة على الكيان الاسري ، وتربية الابناء ، وتسعى لان تتسامح وتضحي لزوجها . قال رسول الله (صلى الله عليه واله) : «من صبرت على سوء خلق زوجها اعطاها الله مثل ثواب اسية بنت مزاحم» (2) . فيجب ان لا تكون منافقة ، مرائية ، ؟، وان تكون مخلصة محبة ، وفية، تبدي احترامها له ، وتتغاضى عن عيوبه .
ليس دائما يحصل التوافق الاخلاقي بين الزوجين ، ففي مثل هذه الحالة هناك طريقان للعلاج : امر الصبر والتحمل ، او الخلافات والنزاعات . اما الطريق الثاني فهو اسلوب طفولي ، سواء كان جليا او خفيا ، وسيكون طعم الحياة مرا لكل منهما ، ويزول بذلك كل نشاط وحيوية ،
وتهدر الكرامة ، ويحل الاضطراب والفوضى في الحياة الاسرية ، واضرار كل ذلك تنعكس على الزوجين والاقارب . واما الطريق الاول : فهو الافضل وهو طريق الصبر والتحمل ، وهو الاسلوب الانساني الذي يوصي به الانبياء والصالحين والكرام . فما اجمل ان يتغلب المرء على هوى نفسه ويظهر انه حر ابي ، واما الفضل ان يتحمل متاعب الحياة بالمحبة والمشاركة والتضحية لا بالحرب والنزاع ، والتهاجم والجدال .
قال رسول الله (صلى الله عليه واله) : «ايما امراة لم ترفق بزوجها وحملته على ما لا يقدر عليه وما لا يطيق لم تقبل منها حسنة ، وتلقى الله وهو عليها غضبان» (1) . فعلى المراة ان لا تضغط على زوجها وتلومه ، او تجعله يسعى لان يهيء لها المال من طريق الحرام ، او ان تجعله يرتكب اثما في الحصول عليه ، فعليها ان تقبل بوضع زوجها المادي وان كان قليلا ، وتفتخر به وتتكيف معه .
المراة المسلمة يجب ان تكون معتدلة في انفاقها ، لا تفرط ولا تفرط ، وتنفق باعتدال وتمسك باعتدال ، ففي مثل هذه الحالة تكون كما
وصفها الحديث عن المعصوم (عليه السلام) : «خير نساءكم الطيبة الريح ، الطيبة الطعام ، التي ان انفقت انفقت بمعروف ، وان امسكت امسكت بمعروف ، فتلك عامل من عمال الله ، عامل الله لايخيب ولا يندم» (1) . فالتطلعات والامال التي خاترج نطاق مقدرة الانسان تحول حياته ظلاما دامسا ، وتسبب التعب والملل المتواصلين له ، كما ان ملء البيت بحاجات كثيرة واثاث فاخرة حتى يصبح كمحل لبيع الاثاث عمل خطا وتصرف طفولي . فالنفقات يجب ان تتعادل مع دخل الاسرة ، وان تقوم على اسس عقلانية ، واتخاذ السبيل الوسط بلا افراط وتفريط ، ويجب التفكير في ايام الفقر ، والاحساس بحال الفقراء . والمراة المسرفة المبذرة في الاسلام تعد مشؤمة وغير محمودة ، فالمراة التي تؤذي زوجها وتضغط عليه لاجل شراء الذهب والمجوهرات ، مثل هكذا امراة تسبب النكبة في الحياة ، قال رسول الله (صلى الله عليه واله) «من شؤم المراة شدة مؤونتها وتعسير ولادتها» (2) .
تستطيع المراة وبالاف الطرق ان تجذب نظ الزوج ؛ وذلك عن طريق تغيير تسريحة شعرها وزينتها ، وترتيب لوازم منزلها ، وتنوع الغذاء اليومي كان تقدم له لقمة لذيذة ، كل ذلك يؤدي الى جلب والفات نظره
وتوجيهه نحوها ، وهذا الامر لا يحتاج الى جهد ولا مال كثير ، ويعود الى فكر المراة وذوقها وذكائها وقدرتها على الابداع ومهارتها ، والاهم من كل ذكل حسن الخلق واللسان .
ما اكثر الزوجات اللواتي يسعين لجلب نظر ازواجهن وكسب عطفهن بسبب تعب بسيط تبالغ به امامه وتصوره كانه الم ثقيل لا يمكن تحمله ، ان عظمة المراة واسلوب جلب نظرة لا يكون عن هذا الطريق ، فالفن ان تقدر المراة على اخفاء تعبها عن زوجها وكتمان المها عنه . فقيمة المراة الصبورة المحتملة الزاهدة افضل عند الرجل من المراة الجزعة الضعيفة التي تبالغ في ابداء تعبها والمها كالجبال . من المسائل التي عظمت قدر الزهراء (عليها السلام)عند امير المؤمنين (عليه السلام) انه بعد موتها وحينما كان يغسلها لفت انتباهه وجود ورم في عضدها ، فتعجب (عليه السلام) كيف انها استطاعت ان تخفي ذلك عن زوجها طيلة تلك المدة ، ولم تشتك المها له .
يكون البيت في بعض الاحيان كالقبر بالنسبة للزوج ، والزوجة كمنكر ، ونكير ، فبمجرد وصوله للبيت متاخرا تبدا الزوجة بطرح اسئلة كثيرة ومحيرة ، وهي بذلك تريد ان تعرف اين كان ؟ وماذا كان يفعل ؟ ومع اي شخص كان ؟ ولماذا عاد متاخرا ؟
هذا ليس اسلوبا للحياة بل طريقا للحرب والجدال ، فالافضل في مثل تلك الحالة ان تتركه الزوجة يبدل ثيابه ويستريح ، ويجلس معها لعله يوضح سبب تاخيره ، وان لم يفعل تساله بهدوء وصبر عن ذلك . والا فماذا تستفيد المراة من كل تلك الاسئلة التي تجبر الزوج على الكذب عليها والغضب واستمرار النزاع والجدال .
نحن نعتقد بخلاف القول الشائع بين العامة (بين الاحباب تسقط الاداب) . ان وجود الاداب ورعايتها ضروري جدا ، فيما بين الاصدقاء وفيما بين الزوجين ايضا . فوجود الاداب بين الاشخاص الى حد مراعاة الاحترام يؤدي الى ان لا يخرق حجاب الستر والحياة فيما بينهما .
من المسائل الاخرى التي يجب ان تراعيها الزوجة ان تكون صادقة معه وتؤكد له باخلاقها وتصرفاتها انها تحبه ، وهي منه ، وتعتمد عليه وتثق به ، ولا تتحدث عن رجال اخرين بحضوره ، ولا تمتدح اوضاعهم . وان تبتعد عن كل ما يعكر صفو الحياة الزوجية ، وان تحب الخير له ، وان تجعل مصلحته كمصلحتها ، وان تكون امينة عليه وعلى ماله وثروته ، وعلى تربية ابنائه .
قال رسول الله (صلى الله عليه واله) : «ان خير نسائكم الولود الودود الستيرة العفيفة ، العزيزة في اهلها ، الذليلة مع بعلها ، المتبرجة مع زوجها الحصان عن غيره ، التي تسمع قوله وتطيع امره ، واذا خلا بها بذلت له ما اراد منها ولم تتبذل له تبذل الرجل (1) .
وخلاصة القول : ان الحياة المشتركة لا يمكن ان تدوم الا بالتوافق والتفاهم واداء واجبات بعضهما للبعض الاخر . فاذا كان كل طرف يريد ان يتسلط على الاخر ستضيع الاسرة ، ولا شك انه عندما تصل الامور الى نهايتها ، ولا صبر للطرفين فلا داعي لاستمرار الحياة المشتركة ، وطريق الطلاق مفتوح ، ولعل النفصال الطرفين افضل من حدوث التصادم والمشاكل يوميا .
|
|
|
الفصل التاسع عشر |
هل ان تعدد الزوجات من مخترعات الاسلام ؟ |
|
هل الحكم بالتعدد جائز ام واجب ؟ |
السابق | الفهرس | التالي |