معجم  أنصار الحسين  (الهاشميون)(الجزء الثاني)

اسم الکتاب : معجم أنصار الحسين (الهاشميون)(الجزء الثاني)

المؤلف : (محمد صادق محمد (الكرباسي
المطبعة : المركز الحسيني للدراسات لندن – المملكة المتحدة

 

 

 

مازن بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان الفزارية(1).

     وأم خولة هي: ملكية بنت خارجة بن سنان بن أبي حارثة بن نشبة بن غيظ بن مرة المرية.

     وأم مليكة هي: تماضر بنت قيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن مازن المازنية(2).

     ويكنى: الحسن المثنى بأبي محمد الهاشمي(3)، وكانت أمه خولة قد تزوجت قبل الإمام الحسن «عليه السلام» محمد بن طلحة القرشي(4)، فلما قتل يوم الحمل عام 36هـ تزوجها الإمام الحسن «عليه السلام» بعد عدتها، وكانت أنجبت لابن طلحة إبراهيم وداود(5)، وأم قاسم(6).

     ولد على المشهور في المدينة عام 44هـ، ومات مسموماً في المدينة على يد سليمان بن عبد الملك(7) عام 97هـ(8).

     وعليه فإنه عاش 53 عاماً(9)، وما قيل إنه عاش 35 سنة(10) فهو من

______________________

(1) سر السلسلة العلوية: 5.

(2) راجع تاريخ مدينة دمشق: 13/63.

(3) راجع شرح الأخبار: 40.

(4) محمد بن طلحة القرشي: هو حفيد عبد الله التيمي يكنى بأبي سليمان، صحابي ولد في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسماه باسمه ويلقب بالسجاد لكثرة تعبده؛ وكان من أصحاب علي «عليه السلام».

(5) راجع سر السلسلة العلوية: 6، وكان الإمام الحسن «عليه السلام» قد زوج أختها تماضر من عبد الله بن الزبير فاعترض أبوها منظور زواجها من عبد الله بن الزبير فلما قيل له إن الحسن ملكه أمرها، أمضى منظور ذلك الزواج.

(6) حياة الإمام الحسن للقرشي: 2/456.

(7) سليمان بن عبد الملك: هو حفيد مروان، يكنى بأبي أيوب سابع ملوك الأمويين حكم يوم السبت منتصف شهر جمادى الآخرة سنة 96هـ ومات في العاشر من صفر عام 99هـ.

(8) راجع أعيان الشيعة: 5/43.

(9) راجع منتهى الآمال 1/455، سفينة البحار: 1/256.

(10) جاء في الحدائق الوردية: 1/78، أنه توفي وهو ابن ثمان وثلاثين سنة وقيل سبع وثلاثين سنة.

(61)

القلب والتصحيف لأن معنى أنه توفي عام 79هـ، وهو ما لم يقل به أحد، نعم جاءت وفاته في الأعلام للزركلي عام 90هـ ومقتضى ذلك أن تكون ولادته عام 37هـ وهو ليس بعيداً عن واقع زواج أبيه بأمه حيث توفي عنها زوجها الأول محمد بن طلحة في جمادى الآخرة من عام 36هـ وتنتهي عدتها في شهر ذي القعدة فلو تزوجها الإمام الحسن «عليه السلام» على الفور بعد عدتها فإن ولادة الحسن المثنى إن لم يتأخر الحمل تكون في شهر رجب  أو شعبان عام 37هـ(1)، فإذا كانت وفاته عام 90هـ فعمره يكون 53 عاماً، ولكنه لا ينطبق مع من روى بأن وفاته كانت في أيام سليمان بن عبد الملك الأموي الذي حكم ما بين 96 – 99هـ، وما ورد في عمدة الطالب أن الوليد بن عبد الملك(2) سقاه بالسم، لا يصح مع القول بأنه توفي عام 97هـ إلا إذا قيل بأن وفاته كان عام 90هـ لأن الوليد حكم ما بين 86 – 96هـ، وعليه يصح ما ورد في عمدة الطالب من أن اغتياله تم في عهد الوليد أولاً، كما يصح ما ورد في الأعلام(3) أن اغتياله كان في عام 90هـ ثانياً، ويرتفع إشكال الفصل الكثير بين زواج والديه وولادته ثالثاً، ويتحقق أنه عاش 53 عاماً رابعاً، ولكن ورد في تهذيب التهذيب أنه توفي عام 97هـ(4) وربما كان تصحيفاً(5) كما في عمره حيث لا يمكن أن يكون عمره 35 سنة ووفاته عام 97 أو 90هـ لأن معنى ذلك أنه ولد عام 62هـ أو 55هـ لأن أبوه كان قد توفي عام 50هـ، اللهم إلا على قول من ذهب إلى أن وفاة أبيه

__________________

(1) ولكن جاء في حياة الإمام الحسن للقرشي: 2/455 «أنها بقيت عنده حولاً لم تتزين ولم تكتحل حتى رزقت منه الحسن المثنى»، مما يدل على أنها لم تحبل بالحسن المثنى إلا بعد حول، وعليه فيصح أن تكون ولادته عام 39هـ ولكن في بدايتها، والله العالم.

 (2) الوليد بن عبد الملك: هو الآخر حفيد مروان، يكنى بأبي العباس سادس ملوك الأمويين حكم بعد أبيه يوم الخميس منتصف شهر شوال سنة 86هـ وتوفي يوم السبت منتصف شهر جمادى الآخرة سنة 96هـ.

(3) الأعلام للزركلي: 2/187.
(3) تهذيب التهذيب: 1/481.
(4) التصحيف يكون عن «93».

(62)

الإمام الحسن «عليه السلام» كان عام 58هـ(1) فتصح وفاته عام 90 هـ وليس عام 97هـ، ومن هنا اخترنا أن عمره كان 53 سنة، لأنه يتوافق مع كل المعطيات التي بأيدينا، ولا يخفى أنه جاء في الحدائق الوردية أن عمره يوم الطف كان عشرين سنة(2)، وهذا يعني أنه ولد عام 40 أو 39هـ ولا تبعد صحته.

     فالمحصل هنا قولان: إنه ولد عام 37هـ وتوفي عام 90هـ، أو إنه ولد عام 44هـ وتوفي عام 97هـ فعلى الأول كان عمره حين وقعة الطف 24 سنة وعلى الثاني كان عمره 17 سنة، وكلا التقديرين لا يناسب قول من قال بأنه نجا من معركة الطف حيث استصغر(3)، بل يناسب ما ورد في الإرشاد واللهوف أنه قاتل بين يدي عمه وقتل من القوم جماعة وأصيب بجراحات، وأسر فيمن أسر، جاءه خاله أسماء بن خارجة الفزاري فانتزعه من بين الأسرى، وقال: والله لا يوصل إلى ابن خولة ابداً، فقال عمر بن سعد: دعوا لأبي حسان ابن أخته، فداواه حتى برئ وحمله إلى المدينة(4) بعد ثلاثة أشهر بقى عنده(5).

     إذاً فالمرجح: أنه ولد عام 37هـ أو 39هـ، ولكن إذا كان شقيقه محمد الأكبر قد ولد قبله حيث ذكره ابن سعد في طبقاته قبله، وذكر بأن الحسن بن كني(6) ولكنه درج، فإن هذا يرجح كونه ولد عام 39هـ ليكون يوم الطف ابن عشرين تقريباً كما ذهب صاحب الحدائق الوردية إلى ذلك، وعليه تكون وفاته عام 92هـ، والله العالم.

____________________

(1) راجع أعيان الشيعة: 1/577.
(2) الحدائق الوردية: 1/275.
(3) راجع تاريخ الطبري: 3/343، الكامل في التاريخ: 3/303.
(4) راجع الإرشاد: 2/25، واللهوف: 61، وجاء في عمدة الطالب: 100 أنه شهد الطف مع عمه الحسين «عليه السلام»، وأثخن بالجراح فلما أرادوا أخذ الرؤوس وجدوا به رمقاً فقال أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفرازي، دعوه لي فإن الأمير عبيد الله بن زياد وهبه لي وإلا رأى رأيه فيه، فتركوه له فحمله إلى الكوفة، وحكوا ذلك لعبيد الله بن زياد، فقال: دعوا لأبي حسان ابن أخته وعالجه أسماء حتى برء ثم لحق بالمدينة.
(5) الحدائق الوردية: 1/275.
(6) تذكرة الخواص: 215 عن الطبقات الكبرى لابن سعد: 27.

(63)

     ولما توفي أبوه الإمام الحسن «عليه السلام» عام 50هـ على المشهور كان له من العمر 11 سنة فتولى أمره عمه الإمام الحسين «عليه السلام»، ولما بلغ مبلغ الرجال جاء إلى عمه خاطباً إحدى بناته.

     فقال له الحسين: يا بن أخي قد كنت أنتظر هذا منك، إنطلق معي.

     فخرج به حتى أدخله منزله، فأبرز إليه فاطمة وسكينة، وقال له: يابن أخي إختر أحبهما إليك(1).

     فاستحى الحسن، ولكنه أحب فاطمة، فقال الحسين: فإني قد اخترت منهما لك ابنتي فاطمة فهي أكثر شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أما في الدين فتقوم الليل كله، وأما في الجمال فتشبه حور العين، فكان يقال: إن امرأة تختار على سكينة لمنقطعة القرين في الحسن(2).

     ثم قال الحسين «عليه السلام»: قد زوجتك فاطمة، فقبل الحسن، وتم الزواج وذلك بعد عام 55 هـ، ونتوقع أن يكون في المدينة عام 60هـ، وذلك لأن أم فاطمة هذه هي أم إسحاق بنت طلحة التيمية والتي كانت زوجة الأمام الحسن «عليه السلام»(3)، وبما أن الإمام الحسن «عليه السلام» قد توفي في شهر صفر فلا بد وأن يكون زواج الإمام الحسين منها بعد عدتها التي تنقضي في شهر رجب من عام 50هـ(4) وإذا كان زواجه منها على الفور وأنها أنجبت له فاطمة

____________________

(1) راجع الأغاني: 21/126.

(2) راجع عمدة الطالب: 98، أعيان الشيعة: 5/44، فاطمة بنت الحسين للأميني: 68.
(3) جاء في نفس المهموم: 481 نقلاً عن القمقام: 659، توفيت سكينة في المدينة يوم الخميس لخمس خلون من شهر ربيع الأول سنة سبع عشرة ومائة، وفي هذه السنة توفيت أختها فاطمة بنت الحسين «عليه السلام» وأمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله وكانت تحت الحسن بن علي «عليه السلام» فولدت له طلحة بن الحسن «عليه السلام»، ومات وهو صغير ثم تزوجها الحسين بن علي «عليه السلام» فولدت له فاطمة بنت الحسين «عليه السلام».

(4) ويستبعد أن يكون الإمام الحسن «عليه السلام» كان قد طلقهما في حياته، لما ورد في الأغاني: 21/125 «وقد كانت أم إسحاق عند الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قبل أخيه الحسين «عليه السلام»، فلما حضرته وفاة دعا بالحسين صلوات الله عليه، فقال له: يا أخي إني أرضى هذه المرأة لك، فلا تخرجن من بيوتكم، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، فلما توفى الحسن عنها تزوجها الحسين «عليه السلام»، وقد كانت =

(64)

مباشرة فلا بد إذاً أن تكون ولادتها في شهر ربيع الأول من عام 51هـ، فيكون عمرها سنة ستين للهجرة تسعة أعوام وعندها يجوز نكاحها، وهذا يعني أنها كانت في العاشرة عندما حضرت مع أبيها وزوجها إلى كربلاء، لكن يبعد هذا الأمر خطبتها البليغة في الكوفة وهي في هذا العمر إلا إذا قيل بأنها من بيت العلم والفصاحة والمعرفة والبلاغة، ومع هذا فإن الاحتمال يتنافى مع قولهم إنها عاشت تسعين سنة وأنها توفيت في سنة 110هـ، بل ومع القول بأنها توفيت عام 117هـ، إلا إذا قيل إن قولهم عاشت تسعين سنة جاء اعتماداً على أنها ولدت عام 20هـ ووفاتها عام 110هـ، واحتمال الغلط مع أختها فاطمة الصغرى غير وارد في التصريحات التي وردت بشأنها، وتفصيل الكلام حول ولادتها ووفاتها وما يرتبط بها موكول إلى ترجمتها.

     والحاصل أن القول بأنها ولدت عام 51هـ، وتزوجت من الحسن المثنى عام ستين للهجرة هو المرجح عندنا، وقد حضرا معاً معركة الطف فأسرت فاطمة في ركب الإمام زين العابدين «عليه السلام» وأسر هو مع الجرحى والمصابين أولاً، ثم إن أحداً من أقوام أمه خولة الفزارية أخذه منهم ألا وهو أسماء بن خارجة الفزاري(1)، ذكر المؤرخون: إن الحسن المثنى ابن الإمام الحسن «عليه السلام» كان مع عمه الحسين «عليه السلام» وأثخن بالجراح فلما أرادوا أخذ الرؤوس وجدوا به رمقاً، فقال أسماء بن خارجة دعوه لي فإن الأمير عبيد الله بن زياد وهبه لي وإلا رأى رأيه فسمح له عمر بن سعد الزهري له بذلك فتركوه له فحمله إلى الكوفة وحكوا ذلك لعبيد الله بن زياد فقال: دعوا لأبي حسان –أسماء- ابن أخته، وعالجه أسماء حتى برئ  ثم لحق  بالمدينة(2)، قيل إنه أصيب ثماني عشرة جراحة وقطعت يده اليمنى(3).

______________

= ولدت من الحسن «عليه السلام» ابنه طلحة بن الحسن، فهو أخو فاطمة لأمها وابن عمها، وقد درج طلحة ولا عقب له».

(1) أسماء بن خارجة الفزاري: هو حفيد حصن بن حذيفة توفي سنة 66هـ، من أهل الكوفة، قال لابنته عندما أهداها للحجاج بن يوسف الثقفي: كوني لزوجة أمة يكن لك عبداً، كان مع الأمويين، وخرج لقتال الحسين «عليه السلام» في كربلاء.

(2) راجع عمدة الطالب: 100، الإرشاد: 2/25، أعيان الشيعة: 5/44.

(3) مقتل الحسين للمقرم: 263.

(65)

     وبرزت مواهبه بعد وقعة كربلاء فوصفه المفيد بقوله: كان جليلاً رئيساً فاضلاً ورعاً، وكان يلي صدقات أمير المؤمنين «عليه السلام» في وقته(1)، ذكر البراقي في الحدائق الوردية، وكانت له مواقف عظيمة بين يدي عمه الحسين بن علي «عليه السلام» في كربلاء، وكان فارساً وله يومئذ عشرون سنة فقتل تسعة عشر من جنود الضلال فأصابه ثماني عشرة جراحة حتى ارتث ووقع في وسط القتلى(2).

     لقد أسرع إليه الشيب، ولم يدع الإمامة لنفسه بل ولا ادعاها له مدع(3)، بل كان موالياً للإمام السجاد «عليه السلام» معترفاً بإمامته وفضله، وما ورد أن الإمام زين العابدين «عليه السلام» نازعه في صدقات أمير المؤمنين «عليه السلام» لم يثبت، ولو ثبت فالمعيار هو ما آل إليه وهو أن  السجاد «عليه السلام» سلمها إليه(4).

     وكانت صدقات علي «عليه السلام» بيده إلى أن تولى الحجاج بن يوسف الثقفي(5) إمارة المدينة عام 74هـ(6) سأل عمر بن علي «عليه السلام» ابن أخيه الحسن المثنى أن يشركه في صدقات أبيه أمير المؤمنين «عليه السلام» فأبى الحسن المثنى ذلك فاستشفع عمر بالحجاج فبينا الحسن يساير الحجاج ذات يوم قال له: يا أبا محمد إن عمر بن علي عمك وبقية أهلك(7) فأشركه معك في صدقات أبيه.

     فقال الحسن: والله لا أغير ما شرك علي فيها ولا أدخل فيها من لم

____________________

(1) الإرشاد: 2/23، وجاء في الحدائق الوردية: 1/277 أنه كان يلي صدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوقاف أمير المؤمنين «عليه السلام».

(2) الحدائق الوردية: 1/274.
(3) راجع الإرشاد: 2/26.
(4) راجع عمدة الطالب: 99.
(5) الحجاج بن يوسف الثقفي: هو حفيد الحكم (40- 95هـ) ولد ونشأ في الطائف (في الحجاز) وانتقل إلى دمشق فعمل في شرطة عبد الملك بن مروان الأموي، وتدرح حتى أصبح آمر جيوشه، ولما تمكن من القضاء على عبد الله بن الزبير وحركته ولاه عبد الملك مكة والمدينة والطائف ثم أضاف إليها العراق، فقمع الثورة على الأمويين في العراق، بنى مدينة واسط بين الكوفة والبصرة، توفي في واسط، وكان سفاكاً مسرفاً في القتل.

(6) راجع كتاب تاريخ أمراء المدينة المنورة: 81.

(7) وفي عمدة الطالب 99: «بقية ولد أبيك» ولا يصح إلا إذا أريد بالأب الجد.

(66)

يدخله وكان أمير المؤمنين «عليه السلام» قد شرط أن يتولى صدقاته ولده من فاطمة دون غيرهم من أولاده(1).

     فقال الحجاج: إذاً أدخله معك.

     فنكص عنه الحسن(2) حين سمع كلامه وذهب من فوره إلى الشام فمكث بباب عبد الملك بن مروان الأموي شهراً لا يؤذن له، فمر به يحيى(3) ابن أم الحكم(4)، وهي- أم الحكم- بنت مروان(5) وأبوه الثقفي(6) فلما رآه عدل إليه فسلم عليه، وسأله عن مقدمه وخبره فذكر له خبره مما كان بينه وبين الحجاج، فقال له يحيى: سأنفعك عنده واستأذن لك عليه وأرفعك عنده، وكان يحيى قد خرج من عند عبد الملك فكر راجعاً، فلما رآه عبد الملك قال له: يا يحيى لم رجعت وقد خرجت آنفاً؟

     فقال له: لأمر لم يسعني تأخيره دون أن أخبر به أمير المؤمنين.
     قال: ما هو؟

     فقال يحيى: هذا الحسن بن الحسن بن علي بالباب لمدة شهر لا يؤذن له وإن له ولأبيه ولجده شيعة يرون أن يموتوا عن آخرهم ولا ينال أحداً منهم ضر ولا أذى.

____________________

(1) وكان عمر أمه الصهباء بنت ربيعة التغلبية ويلقب عمر بالأطرق.

(2) في تاريخ دمشق: 13/65 «فنكص عنه الحسن حين غفل الحجاج».

(3) يحيى بن الحكم: هو حفيد أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، وهو أخو مروان بن الحكم الأموي، توفي بعد عام 83هـ، ولي المدينة ثم حمص من قبل عبد الملك ابن مروان، وكان شاعراً.

(4) في تاريخ دمشق: «يحيى بن الحكم».

(5) جاء في أعيان الشعية: 5/45 «فمر به يحيى بن الحكم وأمه أم الحكم وهي أم مروان وأبوها ثقفي» وهذا لا يصح حيث إن أم مروان ليست أم الحكم بل أمه آمنة بنت علقمة بن صفوان وإنما زوج أم الحكم كان عبد الله الثقفي، وقد اختلط عليه الأمر حيث  هناك شخصيتان باسم عبد الرحمن أحدهما عبد الرحمن بن الحكم الأموي، والآخر عبد الرحمن بن أم الحكم وأبوه عبد الله الثقفي، ويحيى هذا أبو الحكم الأموي وليس عبد الله الثقفي.

(67)

     فأمر عبد الملك بإدخاله، فدخل الحسن المثنى فرحب به عبد الملك وأعظمه وأكرمه وأجلسه معه على سريره وأحسن مساءلته، وكان الحسن قد أسرع إليه الشيب.

     فقال له عبد الملك: لقد أسرع إليك الشيب يا أبا محمد.

     فقال يحيى: وما يمنعه من ذلك أماني أهل العراق يرد  عليه الوفد بعد الوفد يمنونه الخلافة.

     فغضب الحسن من هذا الكلام(1)، وقال له: «بئس الرفد رفدت، ليس كما زعمت، ولكنا(2) قوم يسرع إلينا الشيب».

     وعبد الملك يسمع فالتفت إليه فقال له: ما الذي جاء بك يا أبا محمد؟

     فذكر له حكاية عمه عمر بن علي وأن الحجاج يريد أن يدخله معه في صدقات جده.

     فقال عبد الملك: ليس له ذلك، وكتب إلى الحجاج كتاباً أن لا يعارض الحسن بن الحسن في صدقات جده ولا يدخل معه من لم يدخله علي، وكتب في آخر الكتاب هذه الأبيات من السريع:

إنا إذا مالت دواعي الـهوى        وأنصت السامع للقائـــــل

واضطرب القوم بأحلامهم         نقضي بحكم فاصل عادل

لا نجعل الباطل حـــقاً ولا          نلفظ دون الحق بالباطــل

نخاف أم تسفه أحلامــــنا           فنخمل الدهر مع الخامـل

     وختم الكتاب وسلمه إليه وأمر له بجائزة وصرفه مكرماً، فلما خرج من عند عبد الملك لحقه يحيى فعاتبه الحسن على سوء محضره قائلاً له: بئس والله الرفد رفدت، ما هذا الذي وعدتني ما زدت على أن أغريته بي.

     فقال يحيى: إيهاً عنك والله ما وعدتك بنصيحة ولا ألوتك وفداً ولا يزال يهابك بعدها أبداً، ولا هيبته ما قضى لك حاجة(3).

___________
(1) علق الأمين في الأعيان بقوله: «ظناً منه أن يحيى قد غشه، والواقع أنه قد نصحه».

(2) في عمدة الطالب: 100 «ولكنا قوم تقبل علينا نساؤنا فيسرع إلينا الشيب».

(3) عمدة الطاب: 99، أعيان الشيعة: 5/45، شرح الأخبار: 13/27

(68)

     ويبدو أن الحسن المثنى كان على حق عندما اعترض يحيى مقالته لأنها دخلت في ذاكرة عبد الملك بن مروان هذا الأمر وخامره الشك، ولذلك نجد عندما  وشى إليه الواشون عن الحسن المثنى بأن أهل العراق يكتبون له للخروج عليه صدقهم، حيث يذكر أبو فرج الأصبهاني: أن عبد الملك بن مروان  عندما التقى بالحسن بن الحسن «عليه السلام» عاتبه على شيء بلغه من دعاء أهل العراق إياه إلى الخروج معهم على عبد الملك.

     فجعل الحسن يعتذر إليه ويحلف له – بعدم صدق الخبر- فقال خالد ابن يزيد(1) بن معاوية لعبد الملك: يا أمير المؤمنين ألا تقبل عذر ابن عمك وتزيل عن قلبك بما قد اشربته إياه، أما سمعت قول أبي الطمحان القيني(2) من الطويل:

إذا كان في صدر ابن عمك أحـــــنةً            فلا تتستر سوف يبدو دفيـــــنها

وإن حمأة المعروف أعطاك صفوها           فخذ عفوه لا يلتبس بك طينها(3)

     عندها قبل عذره، والظاهر أنه التقى به في المدينة عندما حج عبد الملك بن مروان بعد عام 74هـ، والذي خطب في قريش بقوله: نحن نعلم يا معشر قريش أنكم لا تحبوننا أبداً وأنتم تذكرون يوم الحرة، ونحن

_____________

(1) خالد بن يزيد: هو حفيد معاوية بن أبي سفيان الأموي، توفي عام 90هـ، اعتزل على الظاهر السياسة واشتغل بالعلوم كالكيمياء والطب والنجوم، وهناك من يشكك في ذلك كابن الأثير حيث  يقول: يقال إنه أصاب علم الكيمياء ولا يصح ذلك لأحد، وكان شاعراً خطيباً، ترجم بعض كتب النجوم والطب والكيمياء إلى العربية، ولد وتوفي في دمشق.
(2) أبو الطمحان القيني: هو حنظلة بن شرقي القضاعي، من بني القين من قضاعة، وقيل: إسمه ونسبه على الشكل التالي: ربيعة بن عوف بن غنم بن كنانة بن القين بن جسر القضاعي. وهو من حضرموت من وادي قضاعة، وكانت ولادته فيها سنة 46ق.هـ ـ 30هـ، فارس جاهلي عاش في الجاهلية أكثر من عمره وكان فيها من عشراء الزبير بن عبد المطلب وأترابه، أسلم إلا أنه لم ير الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن مشهور شعره من الطويل:

أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم          دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه

(3) أعيان الشيعة: 5/45 عن الأغاني.

(69)

لا نحبكم أبداً ونحن نذكر مقتل عثمان(1).

     ثم تكررت الوشاية وترسخت الفجوة فكتب عبد الملك(2) إلى وليه على المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي(3) ما بين عام 82- 86هـ: «إنه بلغني أن الحسن بن الحسن يكاتب أهل العراق فإذا جاءك كتابي هذا فابعث إليه فليؤت به»(4) فجيء به إلى الوالي هشام ولكن شغله شيء عن الحسن فقام إليه علي بن الحسين «عليه السلام» فقال له: يا بن عم، قل كلمات الفرج: «لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، الحمد الله رب العالمين»(5).

     فقالها الحسن المثنى، وعندما التفت إليه هشام نظر إليه نظرة وقال:

________________

(1) مروج الذهب: 3/122.

(2) وقيل إن الذي كتب إليه هو الوليد بن عبد الملك الأموي الذي حكم ما بين 14/10/86- 15/6/96هـ.

(3) إن هشام قد ولي إمارة المدينة في عهد عبد الملك وعزل في الأشهر الأولى من عهد الوليد بن عبد الملك، وهناك رواية تقول بأن الذي كتب إليه هو الوليد وليس عبد الملك، وإن الوالي كان عثمان بن حيان المري الذي ولي المدينة ما بين عامي 93 و96هـ، وقد استبعدنا ذلك لأننا اخترنا أن الحسن المثنى توفي في حدود التسعين وليس كما اختاره ابن حجر أن وفاته كانت عام 97هـ، وعليه فإن الوالي لا بد وأن يكون هشاماً ونرجح أن الكاتب هو عبد الملك لأن الفترة الزمنية الاولى للوليد لا تسمح لأن يكتب مثل هذا إلى واليه هشام والذي لم يبق في ولايته إلا أشهراً قليلة لأن البلاط الأموي منشغل بتثبيت الحكم للوليد، وإن الوالي منشغل بالمراسم أولاً، ثم إنه يستعد للرحيل.

(4) وجاء نص الكتاب في رواية أخرى: إن الوليد كتب إلى واليه عثمان بن حيان المري الذي تولى إمارة المدينة ما بين 93- 96هـ: «انظر الحسن بن الحسن فاجلده مائة ضربة وقفه للناس يوماً، ولا أراني إلا قاتله».

(5) وجاء في حياة الإمام زين العابدين للقرشي: 2/362: إن الوليد بن عبد الملك كتب إلى واليه على المدينة صالح بن عبد الله المري، بإخراج الحسن بن الحسن من السجن وضربه خمسمائة سوط فأخرجه إلى المسجد ليضربه ولما سمع الإمام زين العابدين «عليه السلام» بذلك خف إليه مسرعاً ودنا منه وعلمه دعاء الفرج. ولكن هذا لا يصح مع القول بأن الحسن المثنى توفي عام 90هـ وربما صح على القول بأنه توفي عام 97هـ، ولكن كما عرفت فإن الرواية نقلت على عهد عبد الملك بشكل آخر وفي عهد واليه هشام.

(70)

أرى وجهاً قد قشب(1) بكذبة، خلوا سبيله وليراجع فيه أمير المؤمنين، أما كاتب إليه بعذره فإن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب(2)، وربما كان هذا الحدث في أوائل ولاية الشام(3)، إذ إن هناك موقفاً آخر من هشام يختلف تماماً عن هذا مما يفهم منه أنه كان في آخر عهده بولاية المدينة، وربما كان في عام 85هـ أو 86هـ حيث يروي ابن عساكر: بأن عبد الملك بن مروان كان قد غضب غضبة له، فكتب إلى هشام بن إسماعيل وهو عامله على المدينة، وكانت بنت هشام بن إسماعيل زوجة عبد الملك بن مروان وأم هشام بن عبد الملك فكتب إليه: أن أقم آل علي يشتمون علي بن أبي طالب، وأقم آل عبد الله بن الزبير يشتمون عبد الله بن الزبير.

     فقدم كتابه على هشام، فأبى آل علي وآل عبد الله بن الزبير وكتبوا وصاياهم، فركبت أخت لهشام إليه، وكانت جزلة عاقلة، فقالت: يا هشام أتراك الذي يهلك عشيرته على يده، راجع أمير المؤمنين –عبد الملك-.

     قال هشام: ما أنل بفاعل.

     قالت: فإن كان لا بد من أمر فمر آل علي يشتمون آل الزبير، ومر آل الزبير يشتمون آل علي.

     قال: هذه أفعلها.

     فاستبشر الناس بذلك، وكان أهون عليهم، وكان أول من أقيم إلى جانب المنبر(4) الحسن بن الحسن وكان رجلاً رقيق البشرة عليه يومئذ قميص كتان رقيقة، فقال له هشام: تكلم بسب آل الزبير.

_________________

(1) القشب: الإصابة بالمكروه والافتراء واكتساب الحمد، وفي رواية أخرى «القرف» بدل «القشب» وهو بمعنى التهمة.

(2) تاريخ مدينة دمشق: 13/66و67.
(3) ولي هشام إمارة المدينة ما بين عام 82- 87هـ، وهو ابن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي.

(4) في أعيان الشيعة: 5/45 جاء المنبر وفي تاريخ دمشق جاء «المرمر» والمراد به حجر المرمر الذي كان يخطب من عليه، ولعل المنبر كان من المرمر، أو المرمر كان منبر المتكلمين.

(71)

فقال الحسن: إن لآل الزبير رحما أبلها ببلالها وإربها بربابها (يا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار)(1).

     فقال هشام لحرسي عنده: إضربه، فضربه سوطاً واحداً من فوق قميصه، فخلص إلى جلده فشرخه حتى سال دمه تحت قدمه في المنبر (المرمر)، وكان علي بن الحسين «عليه السلام» قد تمارض فلم يحضر كما لم يحضر عامر بن عبد الله ابن الزبير، فكان يقول: إن الله لم يرفع شيئاً فاستطاع الناس خفضه، انظروا إلى ما يصنع بنو أمية يخفضون علياً ويغرون بشتمه وما يزيده الله بذلك إلا رفعة(2) ولكن هناك من يربط غضب عبد الملك بن مروان الأموي إلى انتفاضة عبد الرحمن بن الأشعث الكندي(3) والذي سنذكرها في آخر ترجمة الحسن المثنى، حيث لم نتأكد من صحة النسبة إلى الحسن المثنى.

     ويحكى أن العجير السلولي(4) اصطحب شاعراً من خزاعة إلى المدينة فقصد الخزاعي الحسن بن الحسن «عليه السلام» وقصد العجير رجلاً من بني عامر بن صعصعة كان قد نال سلطاناً، فأعطى الحسن بن الحسن الخزاعي وكساه ولم يعط العامري العجير شيئاً فقال العجير من البسيط:

يا ليتني يوم حزمت القلوص له          يممتها هاشمياً غير ممذوق(5)

_________________

(1) سورة غافر، الآية: 41.

(2) راجع تاريخ دمشق: 13/68.
(3) عبد الرحمن بن الأشعث الكندي: هو عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس، ولاه الحجاج بن يوسف الثقفي إمارة الجيش الذي توجه إلى ملك الترك في بلاد رتبيل ليتخلص منه حيث كان غزو تلك البلاد صعباً فشل من قبله فلما علم بذلك خلع عبد الملك بن مروان والحجاج وأخذ البيعة لنفسه وجاء إلى فارس والبصرة وأخذ البيعة منهم، حاربه الحجاج ولم يتمكن منه إلا أنه أفشل انتفاضته، وقيل فتكه بعد ذلك عام 85هـ أو 90هـ وسنأتي في ترجمة الإمام محمد الباقر «عليه السلام» على شيء من حركته هذه.

(4) العجير: هو عمير بن عبد الله بن عبيدة بن كعب السلولي، الملقب بالعجير، والمكنى بأبي الفرزدق وأبي الفيل، توفي عام 90هـ تقريباً، كان من شعراء الدولة الأموية، مقل في نظمه.

(5) القلوص من الإبل: الطويلة القوائم، الشابة منها، ولعله أراد مطلق المركوب والذي قصد بها المدينة. الممذوق: الممزوج.

(72)

محض النجار من البيت الذي جعلت           فيه النبوة تجري غير مســـبوق(1)

لا يمسك الخير إلا ريث يسألــــــــه            ولا يطاعم عند اللحم في السوق(2)

     فلما بلغت أبياته الحسن بعث إليه بصلة إلى محلة قومه، وقال له: قد أتاك حظك وإن لم تتصد له(3).

     هذا وكانت فاطمة بنت الحسين «عليه السلام» أول زوجاته وقد أنجبت له أكثر من أولاده، ولكنها أول من أنجبت له بل كانت رملة قد أنجبت له محمداً فكني به(4)، وقد استقصى الامين أبناء الحسن المثنى(5) فكانوا كالتالي:

     1- عبد الله المحض: ولد عام 70هـ، وله عقب، وهو أول من جمع في الولادة بين السبطين الحسن والحسين «عليه السلام»، وكانت ولادته في بيت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المسجد(6).

     2- الحسن المثلث: ولد عام 77هـ، وله عقب.

     3- إبراهيم الغمر: ولد عام 78هـ، وله عقب، وهؤلاء الثلاثة ماتوا في حبس المنصور العباسي عام 145هـ في الهاشمية في العراق(7).

     4- زينب: قيل إنها تزوجت الوليد بن عبد الملك بن مروان وفارقها.

_____________________

(1) النجار: الأصل والحسب، ومحض النجار: خالصه.

(2) في الأغاني: «ولا يلاطم» بدل «ولا يطاعم».

(3) أعيان الشيعة: 5/46 عن الأغاني: 13/69.

(4) راجع الحدائق الوردية: 1/279.

(5) جاء في هامش عمدة الطالب: 101 «وكان للحسن المثنى ابن آخر اسمه محمد وبنتان رقية وفاطمة، أمهم رملة بنت سعيد بن زيد بن نفيل العدوي» نقلاً عن مناهل الضرب، ولعل هناك خلطاً حصل في أولاد رملة وحبيبة من جهة، وربما كانت رقية في مليكة، أو لعلها اسم لأم كلثوم الصغرى أو الكبرى، والله العالم.
(6) مقاتل الطالبيين: 168.
(7) راجع مقاتل الطالبيين: 171- 173: وكانت وفاة إبراهيم في شهر ربيع الأول وهو أول من توفي من الأخوة الثلاثة حيث توفي الحسن المثلث في شهر ذي القعدة.

(73)

     5- أم كلثوم الكبرى: وهؤلاء الخمسة أمهم فاطمة بنت الحسين «عليه السلام».

     6- محمد: وأمه رملة بنت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي، ولم يعقب.

     7- جعفر: وله عقب، وله ثلاثة أشقاء هم:

     8- داود: وهو قسيم أخته فاطمة وله عقب.

     9- فاطمة: المكناة بأم القاسم(1) تزوجها معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيار(2).

     10- مليكة: وهؤلاء الأربعة أمهم أم ولد يقال لها: حبيبة، قيل هي رومية(3)، وقيل فارسية(4)، وتكنى بأم داود(5).

     11- أم كلثوم الصغرى: وأمها أم ولد(6).

     ويذكر أن الحسن المثنى تزوج من ابنة عمه محمد ابن الحنفية، وكذلك من ابنة عمه الآخر عمر بن علي «عليه السلام»، ولكن لم تذكر المصادر أنهما أنجبتا له من الأولاد شيئاً.

     ويذكر بأن جد الحسن المثنى من قبل أمه خولة وهو منصور بن زيان الفزاري أتاه بعد أن غاب عنه فترة طويلة وقال له: لعلك أحدثت بعدي أهلاً؟

___________________

(1) جاء في الطبقات الكبرى: 5/319 وهي قسيمة أي أن اسمها قسيمة لا إنها كانت قسيمة داود في الولادة، وعدها مغايرة مع فاطمة، وقد سبق وقلنا: بان بعضهم ذكر أن له رقية فمعنى ذلك أن مجموع أولاده ثلاثة عشر بإضافة أم القاسم ورقية.

(2) مستدركات علم رجال الحديث: 2/366 وفيه أن فاطمة تزوجت معاوية بن عبد الله.

(3) جاء في سر السلسلة العلوية: 7 أنها رومية، ولكن الأمين ذكر بأنها فارسية الأصل.

(4) كما ورد في الطبقات الكبرى: 5/319.

(5) وهي التي علمها الإمام الصادق «عليه السلام» الدعاء في حبس إبنها داود فنجاه الله من الحبس، وعرف الدعاء بدعاء أم داود.

(6) أعيان الشيعة: 5/47، والظاهر من كلامه أن الحسن المثنى امتلك أمتين وتزوج زوجتين.

(74)

     قال: نعم تزوجت بنت عمي الحسين بن علي.

     قال: بئس ما صنعت، أما علمت أن الأرحام إذا التقت أضوت(1) كان ينبغي لك أن تتزوج من العرب(2).

     قال: فإن الله قد رزقني منها ولداً.

قال منصور: فأرنيه.

     فأخرج إليه عبد الله بن الحسن فسر به.

     فقال المنصور: أنجبت، هذا والله الليث عادياً ومعدواً عليه.

     قال الحسن: فإن الله قد رزقني منها ولداً آخر.

     قال منصور: فأرنيه.

     فأخرج إليه الحسن (المثلث) ابن الحسن (المثنى)، فسر به.

     فقال منصور: أنجبت والله وهو دون الأول.

     قال الحسن: فإن الله رزقني منها ثالثاً.

     قال منصور: فأرنيه.

     فأره إبراهيم بن الحسن.

     فقال منصور: لا تعد إليها بعد هذا(3).

     ويبدو أن زيارة الجد للحسن المثنى كان بعد عام 78هـ، كما يظهر أن فاطمة بنت الحسين «عليه السلام» قد أنجبت للحسن المثنى الأبناء أولاً إذ لا حديث عن البنات في لقاء الجد منصور بسبطه الحسن المثنى.

     والحاصل أن المعقبين من أبناء الحسن المثنى هم خمسة: عبد الله المحض، والحسن المثلث، وإبراهيم الغمر أبناء فاطمة بنت الحسين، وجعفر وداود ابنا حبيبة الرومية.

_______________

(1) أضوى: كان نحيفاً، وأضوت المرأة: جاءت بولد نحيف، والضاوي: القليل الجسم خلقة أو نقصاً، وهذا ما يؤكده العلم الحديث.

(2) في بعض النسخ: «من الغرب»، ولعله بالضم أي من الأغراب: أي ليسوا من الأرحام والأقارب، ولعله هو الأنسب بالمقام.

(3) مقاتل الطالبيين: 169، ومعنى ذلك: «لا تنجب منها بعد ذلك مخافة أن تضوي».

(76)

     ويذكر صاحب عمدة الطالب أن الوليد بن عبد الملك(1) سقى الحسن المثنى السم فمات على أثره(2)، هذا ولما دنا أجله أوحى إلى أخيه من أمه إبراهيم بن محمد بن طلحة رغم وجود أخيه زيد بن الحسن «عليه السلام» على قيد الحياة(3).

     ولما قبض ضربت زوجته فاطمة بنت الحسين على قبره فسطاطاً(4)، وكانت تقوم الليل وتصوم النهار، فلما كان رأس السنة قالت لمواليها: إذا أظلم الليل فقوضوا هذا الفسطاط، فلما أظلم الليل سمعت قائلاً يقول: هل وجدوا ما فقدوا؟

     فأجابه آخر: بل يئسوا فانقلبوا(5)، ويذكر أنها تمثلت بقول لبيد(6): من الطويل:

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما         ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر(7)

     ودفن الحسن المثنى في البقيع في المدينة، وسنأتي على بعض التفاصيل في ترجمة زوجته فاطمة بنت الحسين «عليه السلام» باعتبار أنها حضرت كربلاء.

     وكان الحسن المثنى قد روى عن جماعة، منهم أبوه الإمام الحسن «عليه السلام» وعن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب(8)، وعن زوجته فاطمة

______________

(1) جاء في الحدائق الوردية: 278 «لما ولي الوليد بن عبد الملك اشتد طلبه للحسن بن الحسن حتى دس إليه من سقاه السم فمات وحمل إلى المدينة مشياً على أعناق الرجال.

(2) عمدة الطالب: 100، وما ورد في الحسن والحسين سبطي رسول الله لمحمد رضا: 22 أن زيداً والحسن والقاسم وأبا بكر وعبد الله من أبناء الحسن «عليه السلام» قتلوا مع عمهم الحسين بن علي بالطف غير موثق بالدليل ويدل على ذلك أنه في آخر كتابه هذا عندما عد المقتولين من أهل بيت الحسين «عليه السلام» في كربلاء لم يذكر زيداً ولا الحسن منهم، بل اكتفى بالقاسم وأبي بكر وعبد الله.

(3) راجع الإرشاد: 2/25 وجاء في الحدائق الوردية: 277 أنه لما مات ولي ابنه عبد الله صدقات أمير المؤمنين «عليه السلام».

(4) في تهذيب التهذيب: 1/481 «ضربت قبة»، وكلاهما في المآل واحد.

(5) الإرشاد: 2/26 وعنه بحار الأنوار: 44/167.
(6) لبيد:

(7) الحدائق الوردية: 1/279.
(8) عبد الله بن جعفر الطيار: مضت ترجمته مفصلة في الجزء الأول من هذا المعجم.

(76)

بنت الحسين «عليه السلام»، كما روى عنه أبناؤه: عبد الله المحض(1) والحسن المثلث(2)، وإبراهيم الغمر(3)، وابن عمه الحسن بن محمد ابن الحنفية(4)، وحنان بن سدير الكوفي(5)، وسهيل بن أبي صالح(6)، وسعيد بن أبي سعيد مولى المهري(7)، وعبد الله بن حفص(8)، وإسحاق بن يسار(9)، والوليد بن كثير(10)،

____________________
(1) عبد الله المحض: إنما لقب بالمحض لشبهه برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (70- 145هـ) مات في حبس المنصور، وأمه فاطمة بنت الحسين «عليه السلام»؛ وكان شيخ بني هاشم والمقدم فيهم.

(2) الحسن المثلث: إنما لقب بالمثلث لأن أباه الحسن المثنى وجده الحسن السبط، (77- 145هـ) توفي في حبس المنصور العباسي، كان متألهاً فاضلاً ورعاً، أمه فاطمة بنت الحسين «عليه السلام».

(3) إبراهيم الغمر: أمه فاطمة بنت الحسين «عليه السلام» (78- 145هـ) توفي في حبس المنصور العباسي، سمي بالغمر لجوده، وكان سيداً شريفاً، وله عدد من الأبناء.

(4) الحسن بن محمد ابن الحنفية: جده الإمام علي «عليه السلام» من زوجته الحنفية، توفي سنة 99هـ، حبسه عبد الله بن الزبير ولما هم بقتله فر إلى منى والتحق بأبيه، كان من أصحاب الإمام السجاد «عليه السلام»، وكان من طرفاء بني هاشم.

(5) حنان بن سدير الكوفي: هو حفيد حكيم بن صهيب الصيرفي، من أصحاب الأئمة الصادق والكاظم والرضا «عليهم السلام»، ولم يدرك الإمام الباقر «عليه السلام»، له كتاب صفة الجنة والنار، ولد بعد عام 113هـ وتوفي قبل عام 203هـ.
(6) سهيل بن أبي صالح: لعله سهيل بن ميزان، حيث اشتهر أبوه بكنيته وهو من أهل البصرة توفي أبو صالح بعد المائة وكان من الموالين لأهل البيت وخواصهم، وقد تتلمذ على ابن عباس في التفسير.

(7) سعيد بن أبي سعي الذي كان مولى المهري، وكان أبوه أبو سعيد قد روى عن أبي ذر الغفاري وأبي سعيد الخدري وأمثالهما.

(8) عبد الرحمن بن حفص: هو حفيد عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري، يكنى بأبي بكر ويلقب بالمدني، روى عن أبيه وجدته وابن عمر، والزهري، وروى عنه ابن جريح وأبن بن عبد الله البجلي.
(9) إسحاق بن يسار: المدني، وهو والد محمد بن إسحاق صاحب السيرة النبوية، وهو الذي ينقل عنه الواقدي كثيراً، وكان إسحاق من أصحاب الإمامين السجاد والباقر «عليهما السلام».

(10) الوليد بن كثير: هناك شخصيتان الأول حفيد سنان المزني الراذاني الكوفي، والثاني هو المخزومي مولى أبي محمد المدني وقد سكن هو الآخر الكوفة ورمي برأي الخوارج.

(77)

وحميد بن أبي زينب(1) والفضل بن مرزوق(2) وغيرهم، فكان من الرواة الثقات، وتكفي وثاقته قول المفيد: «إنه كان جليلاً رئيساً فاضلاً ورعاً»، ومن مروياته ما يلي:

     1- روى ابنه عبد الله المحض عنه عن أبيه عن جده (علي) أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «من عال أهل بيت من المسلمين يومهم وليلتهم غفر الله له ذنوبه».

     2- روى محمد بن إسحاق عنه عن فاطمة «عليها السلام»(4) قالت: دخل علي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأكل عرقاً(5) فجاء بلال بالأذان، فقام ليصلي فأخذت بثوبه، فقلت: يا أبه ألا تتوضأ؟ فقال: «ممن أتوضأ يا بنية». فقلت: مما مست النار، فقال لي: «أوليس أطيب طعامكم مما مسته النار»(6).

     ولا يخفى أن البعض نسب إليه أحاديث منكرة قد وضعتها أيادٍ مأمورة من بني أمية وبني العباس واضخة النكران والدس، ضعيفة السند، أعرضنا عنها، وقد ناقشنا بعضها في ترجمة زوجته فاطمة بنت الحسين «عليه السلام» وبعضها الآخر في باب الشبهات فلا حاجة إلى تكرارها، ولعل أفضل هذه الروايات ما رواه الفضل بن مرزوق عن الحسن بن الحسن أنه قال لرجل ممن يغلو فيهم: ويحكم أحبونا لله فإن أطعنا الله فأحبونا وإن عصينا الله فابغضونا.

     قال الرجل: إنكم قرابة رسول الله وأهل بيته.

________________

(1) حميد بن أبي زينب: لم نتمكن من تحديد شخصيته.

(2) الفضل بن مرزوق: لم يرد اسمه في المعاجم.

(3) ورواه سعيد بن أبي سعيد مولى المهري عنه أيضاً.

(4) كذا في الأصل والظاهر فيه سقط والصحيح عنه عن أبيه الإمام الحسن «عليه السلام» عن فاطمة «عليها السلام».

(5) العرق: بالفتح ثم السكون، العظم، إذا أخذ عنه معظم اللحم.
(6) تاريخ مدينة دمشق: 13/62.

(78)

     فقال الحسن: ويحك لو كان الله مانعاً بقرابة من رسول الله أحداً بغير طاعة الله لنفع بذلك من هو أقرب إليه منا أباً وأماً، والله إني لأخاف أن يضاعف للعاصي منا العذاب ضعفين، وإني لأرجو أن يؤتى المحسن منا أجره مرتين، ويلكم إتقوا الله وقولوا فينا الحق، فإنه أبلغ فيما تريدون ونحن نرضى به منكم.. الحديث(1).

     حيث أراد بقوله أقرب إليه منا أباً وأماً أمثال عمي أبي لهب، ولكن جاء بعض الرواة فحرفوها إلى «من هو أقرب إليه منا أباه وأمه»(2)، ومن المعلوم أن في ذلك مغالطة واضحة حيث إن عبد الله بن عبد المطلب، وآمنة بنت وهب، كانا على الحنفية الإبراهيمية، والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد لم يبعث حتى يعتنقا الإسلام فقد توفي والده وهو في بطن أمه، وتوفيت أمه وهو في السادسة من عمره، وبعث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو في الأربعين، وأمثال هذه الأحاديث بحثناها في محلها(3).

     وأخيراً فإن البراقي ذكر في كتابه الحدائق الوردية: بأن عبد الرحمن ابن الأشعث الكندي(4) بايع الحسن المثنى وانتفض على عبد الملك الأموي والحجاج بن يوسف الثقفي(5) وأورد القصة على النحو التالي:

     إن عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي ولاه الحجاج سجستان(6) فسار إليه في جيش عظيم(7) حتى اجتمع له ثلاثون ألفاً فخلع

___________________
(1) الطبقات الكبرى: 5/320.

(2) راجع تاريخ دمشق: 13/70.
(3) راجع الأحاديث الموضوعة من هذه الموسوعة.
(4) عبد الرحمن الكندي: هو ابن محمد بن الأشعث، سبقت ترجمته، وسنأتي على بعض تفاصيل حياته في الجزء الثالث إن شاء الله تعالى.
(5) كانت الانتفاضة عام 81هـ.
(6) سجستان: منطقة في وسط آسيا تقاسمتها إيران وأفغانستان، قاعدتها نصرت آباد، فيها نشأ رستم بطل إيران الأسطوري.
(7) جاء في كتاب في ظلال التشيع: 393 «إن الحجاج أرسل عبد الرحمن بن الأشعث إلى سجستان لحرب رتيل صاحب الترك لأن هذا الأخير اعتدى على المسلمين هناك وقتلهم وأهانهم، فأخبر عبد الملك بما جرى فأجابه بقوله: فقد أتاني كتابك تذكر فيه مصاب المسلمين بسجستان وأولئك قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى =

(79)

عبد الملك والحجاج(1)- معاً- وهم أن يدعو لنفسه(2)، فقال من معه من علماء الكوفة والبصرة: هذا أمر لا يلتثم إلا برجل من قريش، فراسلوا علي بن الحسين زين العابدين «عليه السلام» والحسن بن الحسن «عليه السلام»، فأما علي بن الحسين «عليه السلام» فامتنع، وأما الحسن بن الحسن «عليه السلام»، فقال: ما بي رغبة من القيام بأمر الله ولأرجو في إحياء دين الله ولكن لا وفاء لكم تبايعوني ثم تخذلونني فلم يزالوا به حتى أجابهم، وورد عليه كتاب عبد الرحمن بن محمد ابن الأشعث والذين معه بالبيعة وأيمانهم المغلظة وأنهم لا يخالفونه فبايعهم.

     وخرج إليه جماعة منهم: عبد الرحمن بن أبي ليلى(3)، وأبو البختري

__________________

= مضاجعهم وعلى الله ثوابهم، وأما ما أردت أن يأتيك فيه رأيي من توجيه الجنود وإمضائها إلى ذلك الفرج الذي أصيب فيه المسلمون أو كفها، فإن رأيي في ذلك أن تمضي رأيك راشداً موفقاً –تاريخ الطبري 3/84. والظاهر إنما اختار الحجاج عبد الرحمن لشجاعته وقوة بأسه وحب الجيش وتقديره له وبالفعل فقد أبلى حسناً وأبدى مهارة عسكرية مذهلة».

(1) جاء أيضاً في ظلال التشيع: 394، «إن الحجاج كان يكره عبد الرحمن بن الأشعث وكان أبغض رجل إليه في العراق، وحاول الحجاج في كثير من المواقف أن يزج عبد الرحمن في أمور حرجة ليقلل من مكانته وقيمته وعندما لم يستجب أخذ يوبخه ويتهمه     بالعجز».
(2) جاء أيضاً في ظلال التشيع: 395 «إن عبد الرحمن قام خطيباً في رجاله وجنوده وقواده فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس إني لكم ناصح ولصلاحكم محب، ولكم في كل ما يحيط بكم نفعه ناظر، وقد كان من رأيي فيما بينكم وبين عدوكم رأي استشرت فيه ذوي أحلامكم، وأولي التجربة للحرب منكم، فرضوه لكم رأياً، ورأوه لكم في العاجل والآجل صلاحاً، وقد كتبت إلى أميركم الحجاج فجاءني منه كتاب يعجزني ويضعفني ويأمرني بتعجيل الوغول بكم في أرض العدو، وهي البلاد التي هلك إخوانكم فيها بالأمس، وإنما أنا رجل منكم أمضي إذا مضيتم وآبي إذا أبيتم، فثار الناس فقالوا: بل نأبى على عدو الله ولا نسمع له ولا نطيع، ثم خطب عامر بن وائلة الكناني، ثم عبد المؤمن بن شبث بن ربعي التميمي وكان على شرطة الحجاج حين أقبل مع عبد الرحمن؛ ثم وثب الناس إلى عبد الرحمن فبايعوه، فقال لهم: تبايعوني على خلع الحجاج عدو الله، وعلى النصرة لي، وجهاده معي حتى ينفيه الله من أرض العراق، فبايعه الناس –راجع الطبري أيضاً».

(3) عبد الرحمن بن أبي ليلى: هو عبد الرحمن بن يسار بن بلال بن بليل بن أحجية الأوسي الأنصاري (17- 83هـ) كان من خواص أمير المؤمنين «عليه السلام»، وكان مقتله في معركة الجماجم مع ابن الأشعث.

(80)