ديوان الوائلي

اسم الکتاب : ديوان الوائلي

المؤلف : ديوان شعر الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (قدس سره) عميد المنبر الحسيني
المطبعة : المكتبة الحيدرية

 

 

 

 

 

فأبـــــــناء جـــــــفنة(1) جـــــــذر أشـــــــم           ومـــــــجد يـــــــتيه بـــــــه الإنتمــــــــاء

إذا مـــــــلؤوا بالنـــــــحور الــــوغـــــــى           وإن مـــــــلؤوا بالجـــــــفان الفــــــناء(2)

وتـــــــاريخ إســـــــلامك اخـــتال فـــــــي           فـــــــتوح مكـــــــللة بـــــــــــالعـــــــطاء

فجـــــــعفر إذ يتـــــــحدى الـــــرعـــــــيل          على سفــح مؤتة عـــــــزم مـــــــضاء(3)

وصـــــــوت بـــــــلال علـــى لابتـــــــيك           وأكـــــــرم بدعـــــــوة داعـــي السماء(4)

وإضـــــــمامة لابـــــــن عبــد العزيـــــــز          غـــــــراء مـــــــن سيــــــــــر الأتقياء(5)

فـــــــأنت الصبـــــــابة يــــوم الـــــــغرام           وأنـــــــت الـــــــملاحم يـــــــوم الفــــداء

***

_______________
(1) أبناء جفنة أو آل جفنة: ملوك غسان الذين سكنوا الشام، وأصلهم من اليمن ويتيه به الانتماء: يتكبر ويزدهي ويزهو.

(2) النحور: الصدور. والوغى: الحرب. والجفان: جمع مفرده جفنة: وهي القصعة العظيمة. والفناء: بكسر الفاء: الساحة أمام الدار أو بجانبها.

(3) جعفر: هو جعفر بن أبي طالب الذي استشهد في السنة الثامنة للهجرة عندما التقت جيوش المسلمين وجيوش هرقل في مؤتة التي تقع على بعد مرحلتين من بيت المقدس.

(4) لابتيك: مثنى مفرده لابة: وهي الأرض ذات الحجارة السود البركانية.

(5) ابن عبد العزيز: هو الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي عرف بالتقى والورع والعدل.

(201)

 

خداع

 

تـــعب الـــــــردح واشـــــــمأز النشـــــــيد          واستـــــــحى مـــــــن خــــــداعه التمجيد

وتــــــهرى الـــــــهراء إذ مـــــــله السمـــ           ـــع فما فيه حيــــــن يتـــــــلى جديـــــــد

فـــــــإلام الـــــــهتاف للمــــسخ يبـــــــدي           بـــــــالبطـــولات ضـــــــخمةً ويعـــــــيد

حافـــــــل بالـــــــتزوير يــــــرتجل البهـــ           تـــــــان فــيمـــــــا يـــــــقوله ويشيـــــــد

والمـــــــسيرات إنهـــــــا اتـــــــخمتنـــــــا          كـــــــل يــــــوم ترف فيـــــــها بنـــــــود

بـــــــالرزء الـــــــذوق الســـــليم من الهر           جة(1) جـــــــوفاء ليـــــــس فـــــــيها مفيد

***

أوجـــــــه الـــــــهاتفين يطــغى عليهـــــــا           خـــــــوف قــــطع الرغيف والتهديـــــــد

خـــشدوهم من كـــــــل فـــــــج فوعـــــــد           لــفريـــــــقٍ وآخـــــــريـــــــن وعـــــــيد

جـــــــردوهـــم مـــــــن آدميتـــــــهم قســـ           ـــراً فهـــــــم للـــــــحكام قـــــــن عبيد(2)

حشـــــــروهم للرقـــــــص والنـــــط حتى           خجـــــــلت مـــــــن مقـــــــلديها الــقرود

رددوا الكـــــــذب في الشعارات حتـــــــى           صدقـــــــوهـــــــا وصـــــــدق الــــترديد

والــــــخدوع الذي غدا يحســـــــب الشعــ           ب بليـــــــداً لـــــــهو الغـــــــبي الـــــبليد

***

أيها الحـــــــاكمون قـــــــد طفـــــــح الكيل          فمـــــــا فـــــــي الإنـــــاء ما يســـــــتزيد

جـــــــأرت(3) ألسن المقاييــــس تشكـــــــو          خرقهـــــــا حيـــــــث للـحدود حـــــــدود

انصيب الشـــــــعوب بـــــــعد النضــــــال          المـــــــر هـــــــذا الـمذمم المنكـــــــود(4)

نـــــــفر لـــــــم يوصلـــــــه للحــــكم مجد           لا ولا طـــــــارف لـــــــه أو تلــــــــيد(5)

_______________
(1) الهرجة: واحدة الهرج: وهي الكلام فيه هذر كثير.

(2) قن: مستعبدون.

(3) جأرت: رفعت صوتها.

(4) المذمم: المذموم كثيراً. المنكود: المشؤوم العسر اللئيم.

(5) الطارف: المستفاد حديثاً من المال ونحوه، وعكسه التليد.

(202)

 

وإذا رمـــــــت مـــــــدحه فجـــــــمـــــــيع          الذم فـــــــي بـــــــعض مــــــا به موجود

غـــــــير أن الــــــذي أطـــــــال يديـــــــه           فـــــــارس مـــــــن رواتـــــــه مـــــعدود

حـــــــرك الـــــــحقد فـــــــيه ثــــــأر قديم           وهو فيـــــــما علمـــــــت وغــــــد حقود

ورأى فـــــــيه عــــــاهةً وهو من كـــــــل           الـــــــذي فيـــــــه عاهـــــــةٌ يستـــــــفيد

قـــــال: كن للكرام سوطـــــــاً تـــــــشظى           مـــــــن أذاه أبشـــــــارهم والــــــجلود(1)

واحتـــــــضن هـــــــذه الـــمسوخ وصغها           نقـــــــمةً مـــــــا لبطـــــــشها تـــــــحديد

واخـــــــدع الــــــناس بالشعارا جوفـــــــا           ء عليـــــــها مـــــــن الـــــــبريق بـــرود

وغـــــــذا قــــــال قائل هـــــــي كـــــــذب    فهو وغــــــــد وخـــــــائن رعديـــــــد(2)

إنما أنت وحـــــــدك الشـــــــعب والـــــــبا          قون رهـــــــن بـــــــما علـــــيهم تجود(3)

فاعـــــــط وامـــــــنع حـــــرية كيفما شئــ           ــت وصنف بالنـــــــاس كيـــــــف تـريد

هكـــــــذا تـــــــبتلى الشــــعوب ولكـــــــن          كــــــــل لـــــــيل لفـــــــجره مشـــــــدود

قــــد عرفت الشعوب جوهرهـــــــا(4) يعــ           ــرف إن أطـــــــبقت خطـــــــوب ســود

ليـــــــلة الظـــــــالمين طـــــــولي وطولي           فعـــــــلى أفـــــــقنا صـــــــباح جديــــــد

***

أيـــــــها الحـــــــاكمون لســـتم من الشعـــ           ــب فأفـــــــعالكم عليـــــــكم شـــــــــهود

أمـــــــن الشـــــــعب ســــارق يفقر الشعــ           ــب ويـــــــثري آلامـــــــه ويــــزيـــــــد

أمـــــن الـشعب من يرى الشـــــــعب عبداً          لا تحلـــــــي يـــــــديــــــه إلا القـــــــيود

أمن الشعب الشـــــــعب من شـــــــدا لبكاه           ورأى أن نـــــــوحـــــــه تغـــــــريـــــــد

أمن الشـــــــعب مـــن يعـــــــب دمـــــــاء          الشعب خمراً والشعب عانٍ شريــــــــد(5)

لـــــــو نســـــــبتم لـــــــه لكــنتم دمـــــــاءً          وهـــــــو مـــــــن تلـــــــكم الدمأاء وريد

_______________
(1) الأبشار: البشرات.

(2) رعديد: الجبان يرتد عند القتال من الخوف.

(3) رهن: موقوفون ومجازون وكفلاء وضامنون.

(4) جوهر الشيء: حقيقته وذاته.

(5) العاني: الأسير أو الذليل.

(203)

 

ولكـــــــنتم كالـــــــروح منـــــــه فحــــزن          حيـــــــن يبـــــــكي وحـــــــين يفرح عيد

وإذا أطبـــــــقت علـــــــيه جـــــــراحــــــا          ت فأنتـــــــم لجـــــرحـــــــه تضـــــــميد

غيـــــــر أنـــــــا ولا كـــــــرامة نـــــدري          أنكـــــــم داؤه الـــــــقديــــم العتـــــــيد(1)

***

آيها الحـــــــاكمون شـــــــيء مـــــــن النو          ر فــــإن الظـــــــلام تيـــــــه أكيـــــــد(2)

نبـــــؤنا هـــــــل الشعـــــــوب لكـــــــم إر          ث حبـــــــته آبـــــــاؤكــــم والجـــــــدود

أم طفـــــــرتم بـــــــه غـــــــداة فتـــــــوح           أنتم يومهـــــــا الـــــــكماة الـــــــصيـد(3)

أم بنيـــــــتم كيانـــــــه فــــــارتضـــــــاكم           قـــــــادةً وهـــــــو للـــــــبناة مقــــــــــود

مــــــــا بـــــــهذا ولا بـــــــذاك ولكـــــــن           طالع النحس إذ تغيـــــــب السعـــــــود(4)

ودبيب الـــــــسراق في صـــــــخب الأنـــ           ــواء والليــــــــل ظلـــــــمة ورعـــــــود

وانتهاز(5) الذئــــاب حيـــــــن القطـــــــيع           الـــــــغر يجتـــر والرعـــــــاة رقـــــــود

وانتـــــــقام الأقـــــــدار مـــــن غفلة الأمة           تــــــــغفـــــــو ورحـــــــلها مقـــــــصود

كــــــل هـــــــذا أتـــــــى الدمـــــــاء وهذا           شأن ذئب علـــــــى خـــــــراف يـــــسود

يا لهـــــــذي الشعـــــــوب! ما حــل فيها؟!          هكذا استـخرفت(6) وفـــــــيها أســـــــود؟

ولهـــــــا قدرةٌ عـــــــلى النــــــطح عهدي           أن مـــــــن فعـــــــلها تـــــــزاح الــسدود

فــــلمـــــــاذا هـــــــذا الـــــــخنوع ودرب           المـــــــجد مـــــــن دون وثــــــبةٍ مسدود

***

_______________
(1) العتيد: المهيأ والحاضر والمعد والجسيم.

(2) التيه: الضلال.

(3) الكماة: جمع مفرده كمي وهو الشجاع المقدام الجريء والصيد: جمع مفرده أصيد، وهو المزهو بنفسه الذي يرفع رأسه كبراً.

(4) طالع النحس إذ تغيب السعود: يبدأ النحس عند أفول السعادة.

(5) انتهاز الذئاب: استغلالها الفرص للسطو.

(6) استخرفت الشعوب: صارت وادعة كالخراف.

(204)

 

أيهـــــــا الحاكــــــمون كـــــــان عليـــــــنا          حـــاكم واحـــــــد وعـــــــرش وحـــــــيد

فدفعـــــــنا بـــــــه وحـــــــين تـــولـــــــى           حل فيـــــــنا مــــــن العروش العديـــــــد

كـــــــل عـــــــرش علـــيه تاج عظيـــــــم          ولـــــــه هيـــــــلمانــــــه المحـــــــفود(1)

وحـــــــواليه رهطـــــــــه والحواشـــــــي           في حشـــــــود مــــــن خلفهن حـــــــشود

مـــــــا لهم شــــــــغلة سوى أن يبـــــــيدو           الناس مـــــــثل الوباء حـــــــين يـــــــبيد

ويـــــــشيعوا الإرهــــــاب وهـــــــو كثير           ويــشلوا الإنتـــــــاج وهـــــــو زهـــــــيد

ويـــــــلهوا(2) إذا الزعيــــــــم بهـــــــم مر          فيـــــــعلوا التســـــــبيـــــح والتحـــــــميد

إشـــــــتراكية لـــــــهم مـــــــن جناهـــــــا          كل صـــــــفو وللشـــــعوب القـــــــديد(3)

في شـــــــــعارات كادحـــــــين ولكـــــــن           كـــــــل فردٍ لديـــــــه در نـــضـــــــيد(4)

فارهات من المـــــــراكـــــــب تـــــــختال           وبـــــــيض من الأوانـــــــس غـــــــيد(5)

وليالٍ حــــــــــمر وأصبـــــــح خـــــــضر          وصـــــــدور مجـــــــلوة ونهــــــــــود(6)

واكدحـــي يا مناكـــــــب العري حـــــــتى           تـــــــتهـــادى للـــــــحاكمين قـــــــدود(7)

أيـــــها الحاكمون جـــــــدوا ولو يومـــــــاً          فـــــــضرب الـــــــعدو فيــــنا شديـــــــد

جربوا طـــــــــعنكم بـــــــه لا بصـــــــدر           هــو أصـــــــل له الـــــــفروع تعـــــــود

أقنـــــــعوا هـــــــذه النيــاشين(8) في الأكــ           ـــتاف أن الميـــــــدان فــــــيه جنـــــــود

_______________
(1) هيلمانه: تسلطه وسطوته وجبروته. والمحفود: المخدوم.

(2) يهل: يفرح ويصيح.

(3) الجنى: المردود والإنتاج، وأصله: ما يجنى من الثمر وغيره. والقديد: ما قدد من الخبز أو الطعام أو ...

(4) الدر النضيد: لآلئ عظيمة وكثيرة مضموم بعضها إلى بعض.

(5) المراكب الفارهة: الجميلة الحسنة الفخمة. والغيد: جمع مفرده غيداء وهي التي تتمايل وتتثنى في لين ونعومة.

(6) الأصباح: جمع مفرده صباح. ومجلوة: مكشوفة.

(7) المناكب: جمع منكب، وهو: ما بين الكتف والعنق من الإنسان. وتتهادى القدود: تتمايل في مشيتها.

(8) النياشين: الأوسمة.

(205)

 

وتساووا مـــــــع السفوح فإن الســـــــفــح           يـــــــأبى أن تـــــــمتطــيه النـــــــجود(1)

لا تحيدوا عــــــن دربه فهـــــــو الـــــــجذ          ر الـــذي رب عـــــــودكم والرصـــــــيد

***

رب رحـــــــماك ذوبـــــــتنا الــرزايـــــــا           واللـــــظى قد يذوب منـــــــه الـــــــحديد

كف نعمــــى الـــــــحكام عـــــــنا فـــــــإنا          نحــــو هذي النعماء فيـــــــنا جـــــــحود

وأعـــــــنا علـــــــى الوصـــول لحكـــــــم           مـــــــن معانيــــــك ظـــــــله ممـــــــدود

أنت والضـــــــر والنـــعـــــــيم بكفـــــــيك          عـــــــلى كــــــــل حالـــــــة مـــــــحمود

وإلـــــــى الحــــــــــاكمين هذا بريـــــــدي          فعسى يـــــــــنقل الخطـــــــاب بريـــــــد

_______________
(1) النجود: جمع نجد وهو ما ارتفع من الأرض وصلب من تل أو جبل ونحوه.

(2) الرزايا: جمع رزيئة وتخفف إلى رزية وهي المصيبة.

               

(206)

 

بمناسبة عيد الأم

 

أمي تجعد وجهي وانقضـــــــى العـــــــمر           ولم يزل ملء أنفي جــــــيبك العـــــــطر

علــــيه مـــــــن لبـــــــن الثديين باقـــــــية          ومن لعابي ومــــن أقـــــــذائه(1) أثـــــــر

كم كـنت ســـــــاعة إرضاعي أشـــــــد به           حتى يجيء بكفي الـــــــخيط والـوبــــــر

لكي أنحــــــيه عـــــــن ثديي فتحـــــــضنه          كفي وأغرز أظـــــــفاري وأعتــــــــصر

أهوى إذا مـــــــا لمحت الثدي منــــــحدراً           كظامئ الطير فوق النـــــــبع ينحـــــــدر

خذا النـــــــعيم مـــــــن الدنيا بأجمعـــــــها          وما عدا ذاك حتى صـــــــفوها كــــــــدر

تلك البــواكير فـــــــي عيني صـــــــورتها          وعند صدرك من أشـــــــذائها خـــــبر(2)

***

أمـــــــي لحـــــــجرك عندي ألف سابغة(3)          هيهـــــــات يغـــــــرب معـــــناها ويندثر

فـــــــي مـقلتي خلوب(4) من ملامحهـــــــا           وفي مخيلتـــــــي جنـــــــاتها الخــــــضر

دفء وفيـــــــض حنـــــــان نــاعم ورؤى           جديدة الوجه مهما امتدت الـــــــعصـر(5)

ومـــــــنبع يلــتقي جذري ويسكـــــــب في           عمـــــــري فـيورق عود كاد ينكـــــــسر

غـــــــداة يجـــــــمعني زنــد ويلـــــــحفني          صدر وبيــــنهما أطـــــــوى وأنـــــــتشر

وفـــــــي شـــــــفاهــك أنغـــــــام تهدهدني          غزيرة مثلـــــــما الـــــــشلال ينـــــــهمر

تصـــــــوغ لـــي ألف موال وتغرقـــــــني           من الحنان وتـــــــشدو لي وتبتـــــــكر(6)

حتـــــــى أنـــــــام علـــــــى حــلم يترجمه          تبسم فوق ثـــــغري نـــــــاعم نـــــــضر

_______________
(1) الأقذاء: جمع مفرده قذى: وقصد بها مفرزاته.

(2) الأشذاء: جمع مفرده شذاً وهو قوة الرائحة الطيبة.

(3) السابغة: النعمة والفضل والتامان.

(4) في مقلتي خلوب من ملامحها: فيها أثر تعلقي بها وانجذابي إليها.

(5) العصر: الأعصر: جمع مفرده العصر: أي الدهر والزمان يمر على دولة من الدول.

(6) تبتكر الأناشيد التي تنشدها وتبدعها من وحي الخاطر والمشاعر.

(207)

 

أمي لو اسطـــــــعت إرجــــاع الزمان إلى          الماضي لآثرت أن يبقى لي الصــــــــغر

أعيــــــــش يوردني صدر ويصـــــــدرني           ثغر، فما أروع الإيـــراد والصـــــــدر(1)

وحـــــــين أطفـــــــو علـــى نبعين من نغمٍ          ومن حنــــــانٍ فأستـــــــجلي وأنغـــــــمر

بحــيث كتفك أيكي إن لغـــــــوت ومـــــــا           لغوي بأذنيـــــــك إلا مــــــا شدا الوتر(2)

مبـــــــاهج لو جـــــــنان الخلد تلمحهـــــــا          لأعلنت: ها هنا الجـــــــنات والـــــنهر(3)

***

امـــــــي! إذا كانـــــــت الجـنات مصدرها           من تحت رجليك فيما يـــــــذكر الـــــخبر

فما بصدرك من خـــــــير ومـــــــن كــرمٍ           يظل أكبر ممـــــــا تحـــــــدس الـــفكر(4)

يـــــــا للأمـــــــومة آفـــــــاق مقـــــــدسة           أبعـــــــادها وعطـــــــاء مـــــــاله قـــدر

تلـــــــك الكرائم لا تنسى وإن ضعفـــــــت           بالذهن أشبـــــــاحها أو غــــامت الصور

تعيـــــــش ذكـــــــراك أنـــــــغاماً ودالــية           ما عاش عند البــــــنين السمع والبصر(5)

***

قـــــــد كنــت أشبع من نوم وأنتِ إلـــــــى           جنب السرير عيـــــــون كلـــــــها ســهر

النجم مـــــــل ومـــــــا مــــلت شفاهك من           تلك المواويل حتـــــــى يطـــــــلع السحر

الــثدي يشبعني والصـــــــدر يغـــــــمرني           دفئاً ومنك الطوى والقـــــــر يهــتصر(6)

ومـــــــلء نفـــــسك فيما تبذلين رضـــــــاً          ومنـــــــحة مـــــا بـــــــها منٌّ ولا ضجر

لله حـــــــجرك، مهـــــــد إن غفــــــوت به          فلا ضرار بذي الدنيـــــــا ولا ضــــــرر

_______________
(1) يوردني ويصدرني: يحضرني: وقد أورد الشاعر حرف الروي مضموناً هنا وحقه الفتح، ففيه إقواء.

(2) الأيك: البستان المتكاثف الأشجار: ولغا الطفل: تلفظ ببعض الألفاظ.

(3) النهر: السعة أو النهر.

(4) تحدس الفكر: تظن وتخمن الأفكار.

(5) الدالية: الناعورة تصدر اصواتها وهي تدور، أو كما عند العامة: شجرة العنب تتدلى عناقيدها.

(6) الطوى: الجوع. والقر: البر الشديد أو الاستقرار. ويهتصر: قصد بها: يعتصر.

(208)

 

أمـــــــــاه يا ذكريات أستـــــــجير بـــــــها          غـــــــداة يجمـــــــعني والهـم مؤتـــــــمر

تشتاقها الروح كالرمـــــل الجـــــــديب إذا           لاحت له ديـــــــمة أو رشـــــــه الدرر(1)

وأطـــــــمئن لـــــــذكراهـــــــا كمـــــؤمنة           إذ تطمئن بـــــذكر الله لـــــــو ذكـــــــروا

وعنـــــــدما طـــــارق الآلام يطرقـــــــني           فلا ننـــــــام أنـــا واللـــــــيل والـــــــقمر

ويـــــــستبد بـــــــروحـي فـــــــي شراسته          ليل من النازلات الـــــسود معتكـــــــر(2)

أستاف روحك في عطـــــــر ووجهــك في          بدرٍ وأجلوك حـــــــتى يـــــــعذب السـمر

فـــــــأنت كــعبة وحي لست أبرح فـــــــي           دهـــــــري الحــــج لذكـــــــراها وأعتمر

***

أمـــــــي! رعـــــى الله حجراً ضمني زمناً          ولف جنـــــحي من جنحيه معتـــــــجر(3)

وكـــــــرم الله مثـــــــواه وأكـــــــرمـــــــه           ورشه الأرج الـــــمطلول والمـــــــطر(4)

وحـــــــول الرحمـــــــات الغـــــــر وارفة           من الظلال وحــــــقلاً كلـــــــه زهـــــــر

حـــــــتى يــــــرف على قبر يرف بـــــــه           طهر، فيـــــــورق فـيما حوله الحـــــــجر

***

أمــــــــاه هذا جناح الـــــــذل أخفـــــــضه           وجبـــــــهة فـــــــي ثراك الـــطهر تنعفر

وهـــــــذه أمنـــــــيات لا حـــــــدود لــــها           لـــــــــكل أم، بعــــــــيد الأم تدخــــــــــر

***

_______________
(1) الديمة: الغمامة الممطرة، والدرر: قطر المطر أو رذاذه.

(2) النازلات السود: المصائب الشديدة. والمعتكر: العكر.

(3) المعتجر: الذراع يعتجر الوليد أي يلتف حوله.

(4) الأرج: فوح الطيب أو العطر، والمطلول: المنهمر عليه الطل أو المطر الخفيف.

(209)

 

نموذج من الرباعيات

إلى طفلتي جمانة

 

جمـــــــانة يا حسنـــــــات الـــــــطفولــــة           أمامـــــــك قـــــــلبي أطـال مثولـــــــه(1)

سحـــــــائب عنـــــــدي تـــــــنث الـــحنان          ستبقـــــــى ســــماها عليك هطولـــــــه(2)

وكـــــــتف يـــــــذل لكـــــــي تـــــــمتطيه           ويحـــــــسن للطفـــــــل ذل الرجـــــــولة

لـــــــماذا وعـــــــدت بلـــــــثم الجبــــــين           وكـــــــنتِ بـــــــوعدك هـــــذا مطولة(3)

***

جمـــــــانة إمـــــــا احـــــــتويت الــــجبين          وقبـــــــلت مـــــــنه الـجلي الأغـــــــر(4)

أرى فـــــــيك إخـــــــوتك الغـــــــائبيـــــن          فإنـــــــك كلـــــــهم المـــــــختـــصـــــــر

وفـــــــي قلـــــــبك الـــــــطفل أرواحهـــم           مشـــــاعر نـــــــابـــــــضة بـــــــالصور

تـــــــهدهدنـــــــي فهـــــــي طيـــف المنام           وتؤنســـــــني فـــــــهي روح الـسمـــــــر

***

جـــــــمانة عـــــــذراً إذا لـــــــم أكــــــــن           ألاعـــــــب فـــــــيك الـــــــمزاج اللعوب

فقد شل روحــــــي عـــــــبء السنـــــــين           وغـــــضن وجهي ركام الخـــــــطوب(5)

وكـــــــيف يغنـــــــي فـــــــؤاد بـــــــــكى           وكـــــــيف تغـــــــرد روح تلــــــــوب(6)

ولكن ســـــأفـــــــتعل البشـــــــر حتـــــــى          يغـــــــرد ثـــــــغرك هــــــــذا الخلوب(7)

***

 

_______________
(1) المثول: الوقوف والقيام.

(2) تنث: ترشح. وسماها: أي: سماؤها. هطولة: ممطرة.

(3) مطولة: مماطلة ومسوفة وكثيرة تأجيل تنفيذ الوعد.

(4) الأغر: الأبيض.

(5) ركام الخطوب: المصائب المتراكمة المتجمعة.

(6) تلوب: تستدير في بحث أو عطش عن خلاصها من محنتها.

(7) افتعل البشر: تصنع وتكلف البشاشة أو طلاقة الوجه. والخلوب: الساحر الذي يخلب العقول.

(210)

 

جـــــمانة أمـــــــر الليـــــــالي عجـــــــيب          يحار بــــــه العـــــــبقري الأريـــــــب(1)

تـــــــلاقـــي الـــــــكآبة بـــــــالإبـــــــتسام          وتلـــــــقى الســـــــرور بوجه كئيـــــــب

تـــــــقرب منـــــــا البـــغيض القـــــــصي           وتبعد عــــــــــنا الشـــــــهي القريـــــــب

وأخـــــــلاقها مـــــــثــــل أبنـــــــائهـــــــا           عـــــــدوق لـــــــدود(2) بوجهٍ حـــــــبيب

***

جمـــــــانـة يعـــــــجبني فيـــــــك مـــــــن           سمات الطـــــــفولة هــــذا الوضـــــــوح

فإنـــــــــا بعـــــــصرٍ طغـــــــى الازدواج           به وذئاب لبـــــــســــــــن المســـــــوح(3)

وينـــــــسب للـــــــخائنـــــــين الخـــــــلود           وللهـــــــادمــــــــــين بنـــــــاء الصروح

فـــــــيا زمـــــــن الـــــــنور يـــــــا ليـــتنا          نعـــــــيش الظـــــــلام عـــــلى عهد نوح

***

جمـــــــانــــــــة والله فـــــــضل كبـــــــير           بـــــــأنا نـــــــسمـــــــــــــى بـــــــني آدم

ونـــــــحن ســـــــوائم عنـــــــد الطـــــــغا           ة أو سلـــــــعة بيـــــــد الســـــــائــــــم(4)

فلو كان في الأفق بـــــــعض النـــــــجوم            لما ظـــــــل فـــــــي ليــــــــله القاتـــــــم

ولـــــــولا المـــــــهانة بـــــــالخاشعــــــين          لما عـــــــربدت قـــــــبضـــة الظالـــــــم

***

جمـــــــانة هـــــــوم عنـــــــدي الأصـــيل           وشعشع عـــندك نـــــــور الصبـــــــاح(5)

وعبـــــــق فـــــــيك شــــذى الياسمـــــــين          وفي أخــواتـــــــك عـــــــطر الأقـــــــاح

فـــــــلا ترقبـــــــوا شــــــدو قيثارتـــــــي           لم يبق شــــــــيء يهـــــــيج الصـــــــداح

لـــــــقد عـــــــاد قلبي نضو الهمـــــــوم(6)           وقد عاد جــــــسمي بقـــــــايا جـــــــراح

_______________
(1) الأريب: العاقل الذكي الفطن.

(2) اللدود: المخاصم الشديد الخصومة.

(3) المسوح: جمع مفرده مسح: وهو ثوب الراهب.

(4) السوائم: الإبل أو الماشية ترسل للرعي ولا تعلف. جمع مفرده: سائمة. والسائم: عارض السلعة للبيع.

(5) هوم: هز رأسه من النعاس أو نام نوماً خفيفاً. والأصيل: وقت اصفرار الشمس عند المغيب. وشعشع: انتشر خفيفاً.

(6) نضو الهموم: المجهد لكثرتها.

(211)

 

جـــــــمانة إن حصـــــــاد الــــــسنـــــــين           على ما عـــــــهدت الونـــــى واللغوب(1)

ولكـــــــنما النـــــــبع رغــــــم الفتـــــــور           ســــــيبقى ولا يعـــــــتريه النـــــــضوب

وتبـــــــقى الثـــــــمالة أشهـــــــى مـــــــن          البواكــــير عند لـــــــهاة الـــــــشروب(2)

ويبقى صـــــــدى المـــــــاضـيات الحسان           ألـــــــذ وإن ذهـــــبـــــــت لا تـــــــؤوب

***

أيـــــــا طفـلتي ليت دنـــــــيا الصـــــــغار           تســـــــود الكبـــــــار فيجـــــــلى الغــبار

فـــــــتبدو الأمــــور عـــــــلى وجهـــــــها           موضـــــحة مـــــــا علـــــــيها ستـــــــار

فـــــــلا يلــــــبس الذئب ثوب التقـــــــاة(3)          ولا يدعـــــــي المــــجد خزي وعـــــــار

ولا يـــــــجد الزيـــــــف دربـــــــاً لـــــــه           ولا يحـــــــكم الليــــــــل باسم النهـــــــار

***

أيـــــــا طفـــــــلتي إنـــــــني واثـــــــــــق           بــــــــــأن الـــــــذي قلت حلم جمـــــــيل

نعـــــــوض فـــــــيه عـــــــن الواقـــــــــع          المـــــــريـــــــر لتخفيف عبءٍ ثقـــــــيل

وإلا فـــــــإن الزمـــــــان الزمــــــــــان(4)           بــــــما فيـــــــه من زائفٍ أو أصـــــــيل

ولكـــــــن أحـــــــلامـــــــــــــنا راحـــــــة          مــن الـــــــكبت(5) حتى ولو تستـــــــحيل

***

_______________
(1) الونى: التعب والإعياء والفتور والضعف. واللغوب: أشد الإعياء.

(2) الثمالة: ما يتبقى في آخر الكأس، ويقصد هنا آخر العمر. والبواكير: جمع مفرده باكورة وهي أول كل شيء أو المعجل منه. ولهاة الشروب: حلق الإنسان الذي يشرب شرباً كثيراً.
(3) التقاة جمع مفرده تقي، وهو: الذي يلزم تقوى الله وطاعته ولا يقع في المعصية.

(4) الزمان الزمان: الزمان الحق أو الحقيقي.

(5) الكبت: كتمان الغيظ في القلب. والكبت في علم النفس: العملية النفسية اللاشعورية التي يقصي به المرء بعض تصوراته وعواطفه المؤلمة ورغائبه المحرمة، عن ساحة الشعور الواضح ليخفيها في العقل الباطن (اللاشعور)، ويتم ذلك بغير إرادة صاحبها أو بغير علمه.

(212)

 

سوانح

 

تمـــــــدد الصـــــــبح علــــــــى لمـــــــتي          ورب صـــــــبح فـــــــدم لا يــــــــرام(1)

ورب إشـــــــراق علــــــــــــى حسنـــــــه           وحـــــــسن مـــــــرآه ثقـــــيل المقـــــــام

فالصـــــــبح مـــــــا فيـــــه نجـــــــوم ولا           للشـــــــمل فيـــــــه ســــــمر والتـــــــئام

كـــــــرهت ضـــــــوء الصــــبح في لمتي           إلا فلـــــــولا(2) مـــــــن جيـــوش الظلام

***

صاح علـــــــى كـــــتفي ثقـــــــل بمـــــــا           تسمـــــــع مـــــــنه الأذن هــــمس الأنين

ودب بـــــــالأوصـــــــال فـــــاغتالـــــــها           واســـــــتامها في يـــــــــبس لا يلـــــــين

فـــــــرحت أشـــــــكو للطــــيب الـــــــذي          اعتـــــــاد بأن يفـــــــحصني كـــــل حين

فـــــــقال لـــــــي: لــــــــــكـــــــل داءٍ دوا           يطـــــــبه(3) إلا ركـــــــام الـــــسنـــــــين

***

هـــــــل دريــت الإنسان والذئـــــــب جنــ           ــس واحـــــــد يجمـــــــعان بالأعــــراق

غيـــــــر أن الذئـــــــاب تـــــــعوي وأولا           ء ينـــــــاغون فـــــــي حــــــروفٍ رقاق

وصـــــــفات الذئـــــــاب تفـــتك بالـــــــغا          ب وأولاء فتكـــــــهم بـــــــالــــــــــرواق

اشمـــــــخي يـــــــا صـراحة الذئب فالإنــ           سان خـــــــب(4) مــــــــنافق بالنفـــــــاق

***

هــــــــطل الغـــــــيث بالربيع فعاشـــــــت          وردة بـــــالصـــــــحراء دون رفيـــــــق

سكنت غير دارهــــــــا فــــــهي وسط الــ           ــجدب غـــــــرقى، يا للجديب(5) الغريق!

 

_______________
(1) اللمة: بكسر اللام: شعر الرأس المجاوز شحمة الأذن. والفدم: الغليظ الجافي.

(2) الفلول من جيوش الظلام: قصد بها: بقايا الأسود.

(3) يطبه: يداويه ويعالجه.

(4) خب: خداع يسعى بين الناس بالفساد.

(5) الجديب: الذي أصابه الجدب أي القحط.

(213)

 

أيـــــها الوردة الوحـــــــيدة بعـــــــض الــ           ـــوجد أشبهت وحدتي فـــــــي طــــريقي

فكلانـــــــا عـــــــب الصـــــــبوح بصحرا          ء ستنهيـــــــه مـــــــفرداً للغـــــــبــوق(1)

***

في محفل الــــــــورد ودنيـــــــا الـــــــشذا           تـــــــبرج الخمـــــــيل فـــــــي نبتــــــــه

والـــــــسمك اكتـــظ علـــــــى شاطـــــــئ           ولـــــــم يـــــــعد يمنـــــــع في سبــــته(2)

وكـــــــان قـــلبي يا ليالـــــــي الهـــــــوى           غـــــــاف عـــــــلى بـــــــردٍ فألهـــــــبته

لـــــــكـــــــنه إذ رام جـــــــريــــاً كـــــــبا          فليـــــــته ظـــــــل عـــــــلى كـــــــبته(3)

***

ســـــــألتني الهـــــــموم هل من مكـــــــانٍ           غـــــــير هذا القـــــــلب الذي مـــا تهنا؟!

خلـــــــه للـــــــشذا وللحــــــب والشـــــــد           و وغـــــــرد بـــــــه علــــــــى البعد عنا

قـــــــلت: قـــــــلب بغـــــــير هـــــم معـــ           ـــنى ومـــــن لازم العـــــــناء مـــــــعنى

اسأل العـــــــود دون شـــــــد وقـــــــــرع           هل شدا فــــــــي لحـــــــونه وتغـــــــنى؟

_______________
(1) عب الصبوح: أي أستهلك شبابه. وستنهيه للغبوق: أي ستوصله لنهاية العمر.

(2) السبت: السكون والراحة والنوم.

(3) كبا: تعثر وانكفأ على وجهه. والكبت: كتمان الغيظ في القلب. ولها معنى في علم النفس شرحناه في القصيدة السابقة.

(214)

 

سماسرة الحرب

 

مـــــلأتم رباع الأرض بالنوح والنــــــدب           كفاكم دماءً يـــــــا سمـــــاسرة(1) الحرب

لقد ملهـــــــا وحـــــــش الفلا وتجــشأت(2)          بطون الـــــرمال المسر من كثرة الشرب

تعبونها كالـــــــشهد تـــــــستمرئونهـــــا(3)          فيا بـــــــئس من شهد ويا بئس من عـــب

لقد أصبحت صهباؤكم(4) وكؤوســـــــهـــا           جراح بني الإنسان في الشرق والغـــرب

فــــــأين عصــــور هذبت من غرائـــــــز           وسارت مع الإنـــــــسان من أول الدرب

لتسمو به عن غابـــــة وابـــــــن غابـــــــة          وعن خلق العربيد والثعـــــــلب الــخب؟!

وشعت له الأديـــان نـــــــوراً وزحـــــــمة          لتسرج في ظلمائه أضـــــــوأ الشــــــهب

وتجتث مـــــن أطـــــــماعه وشـــــــروره           لينعم كل الناس جنباً إلـــــــى جنـــــــــب

فلما اختفى الحيـــــــوان فـــــــيه ولوحــت           سمات عن  الإنسان في فعـــله تنبـــــــني

تيـــــــقظ فـــــــيه اللـــــــيل وارتــــد ثانياً           إلى الطبع وانزاح الذي جاء بالكســــــب

وعـــــــدنا لـدنيا الغاب في كل ما بهـــــــا           وحوشاً نغطي مخلب الوحش بالــــــثوب

***

كفاكم دمـــــــاءً يا ســــماسرة الـــــــحرب          دعوها لرد الحق والوطـــــــن الــــمسبي

وللـــــــشرف المـــــــجني علـــــــيه، فأمه          بلا شرفٍ تنداس بالنعــــــل كالتـــــــرب

وللظـــــــالم المغـــــــرور تصــــــفع خده           وللبائس المظلوم تنجيه مـــــــن كرب(5)

فليســـــــت دمـــــــانا سلعة تشـــــــترونها          ومـــــــا للدما أثـــــــمان عنـد ذوي اللب

_______________
(1) سماسرة الحرب: تجار الحروب الذين يستفيدون من بيع السلاح للمتحاربين أو من أمور تتعلق بالحروب.

(2) تجشات: دفعت ما في بطنها من غازات عند امتلائها.

(3) تستمرئونها: تستسهلونها.

(4) الصهباء: من أسماء الخمر أو الخمر المعصورة من عنب أبيض.

(5) تنجيه من كرب: تنقذه من الحزن أو الغم الشديد.

(215)

 

ولا لعبة يلـــــــهو بـــــــها متـــــــــبطر(1)          فـــــــإن مــــــــكان الدم أسمى من اللعب

ولا هـــــــي سيـــــــف للبـــــــغاة تــــسله           مـــــــتى رغــبت في حلبة الختل والنهب

لقد بعتم قـــــدس الدمـــــــاء وطهرهـــــــا           ببخـــــــسٍ من الأثمان يا إخوة الذئـــــب

وألقيتم من أجـــــــل دنـــــــياً خـــــــسيسة           وحــــــــفنة نفطٍ ألف يوسف في الجب(2)

فـــــــأنتم أبـــــــو الآثــــــام تجترحونها(3)           وأنتـــــــم أبو جـــــــهل وأنتـــم أبو لهب

دخلتم إلى الدنيــــــــا وفيـــــــها مـــــــنافذٌ           إلى الحـــــــق، مــــن بوابة الشر والسلب

فحتام هذا الوحـــــــل والأرض عــــــندها           ريـــــــاض وزهـــر فوق زاهٍ من العشب

***

كــــفاكم دماءً يا ســـــــماسرة الـــــــحرب          أفيـــــــكم قلوب أم خلقتـــــــكم بلا قلب؟!

أمــــــــا هـــــــزكم مرأى يتيمٍ ودمـــــــعةٌ           معلقة ما بيـــــــن جفنـــــــيه بالـــــــهدب

بقية روح فـــــــي إهـــــــاب(4) مــــــمزق          فعظم بلا لحم وقــــــشر بـــــــلا لـــــــب

فللجـــوع أحشاه وللـــــــخوف روحـــــــه           وللدمع عين لا تمل مـــــن الســـــــكب(5)

لقد سلـــــــبته الحــــــرب حضنين من أبٍ           وأم، فأقوى(6) من حنانٍ ومن حـــــــــدب

وقـد هدمـــــــت منـــــــه القـــــــنابل داره           وآماله، فاغتـــيل بالبـــــــعد والـــــــقرب

مريـــــــض مقــــــيم بين مرضى، وجائعٌ           رماه القضا ما بين جائعــــة سغـــــــب(7)

فليـــت وقـــــــد أثكـــــــلتموه بأهـــــــله(8)          ستعطونه من بعض ما خص للكلــــــــب

***

_______________
(1) متبطر: متكبر غالٍ في مدحه وزهوه.

(2) إشارة إلى غدر إخوة يوسف (ع) به.

(3) تجترحونها: تفترفونها.

(4) الإرهاب: المظهر أو الجلد المغلف للجسم.

(5) السكب: سكب الدموع.

(6) أقوى من الحنان: خلا منه وافتقر إليه.

(7) الجائعة السغب: جائعين في مجاعة لا يجدون طعاماً.

(8) أثكلتموه بأهله: أفقدتموه أهله بإهلاكهم.

(216)

 

 

كفاكـــــــم دمـــــــاءً يا سمــــاسرة الحرب          ومثلكـــــــم لا يـــــــترك الـشر من عتب

أمـــــا هزكم وجه شبـــــــاب خضـــــــابه           دم في شعيرات علـــــــى خده زغـــــــب

وأم تـــــــناجيـــــــه بأحـــــــلام قلـــــــبها           وتجمع ما ترجــــــوه للقفص الذهبـــــــي

فجـــــــيء إليـــــها بابنها وجرو جثـــــــة           فأذهب منها عقـــــــلها فادح الخطـــــــب

ولـــــــم يـــــــبق إلا صورة لوحيدهـــــــا           تحن إليها مـــثل فاقـــــــدة الســـــــقب(1)

ومن أجل مـــــــاذا؟ هـــــــل هـناك قضية           تراد ويضرى دونهــا الـــــــمرء للذب(2)

ولكـــــــنها مــن أجل لوثـــــــة معشـــــــر          بلا لبن يجـــــــنون منها ولا قعـــــــب(3)

ومن أجـــــــل كـــــــرسي علـــــيه معاشر          أحط مقــــــاماً من مســـــــندة خشـــــــب

أرغبـــــة مهبوش وأحـــــــلام طـــــــائش          تحكم في دنـــياً وتعلب في شـــــــعب؟(4)

أيـــــــعطى زمام الركب في يد ثائـــــــهٍ؟!          فيا ضيعة الساري ويا وحــــــشة الركب!

ويـــــــا ضيـــــــعة الإنســــان بين معاشرٍ          ترى فيه أدنى قيمة من نوى القـــــسب(5)

***

كفاكم دمـــــــاءً يـــــــا سمــــاسرة الحرب          ففي السلم ما يغني عن المركب الصــعب

وفـــــي السلم كسب من حلال فجـــــــربوا          بأن تتركوا من لعبة الدم والغــــــصب(6)

إذا كـــــــان عمـــــــر الـــمرء رحلة عابرٍ          ويحوي جناه غـــــــيره، فـــــلمن يجبي؟!

ملأتم الأرض مـــــــن عـــــــلق الدمـــــــا          وأولـــــــى بكم أن تغمروها من الخصب

زرعـــــتم بأشلاء الشـــــــباب حقـــــــولنا          وكـــــــان المـــــنى أن تزرعوهن بالحب

_______________
(1) فاقدة السقب: الناقة التي فقدت سقبها أي ولدها ساعة ولادتها إياه.

(2) يضرى: يثور ويتوحش. والذب: الدفاع ورد العدوان.

(3) اللوثة: الحماقة أو مس الجنون. والقعب: القدح الضخم.

(4) المهبوش: الذي يسعى لكسب المال بأية طريقة. وربما قصد: المهووس أو المهوس.

(5) نوى القسب: بذور التمر اليابس الذي يتفتت في الفم.

(6) لعبة الدم والغصب: التلاعب بدماء الأبرياء واغتصاب الحقوق.

(217)

 

سلــــــبتم من الأطفال ضـــــــحك ثغورهم          فأحـــــــزنتم من كـــــــان طهراً بلا ذنب

أفيـــــــضوا علـــى الأطفال دفئاً وهدهدوا           نفوسهم بالحلو والـــــــسائغ الـــــــعــذب

فـــلا نغم في الأرض من دون لغـــــــوهم           ولو لم يكونوا كانت الأرض في جــــدب

فيـــــــا رب ألهـــــــمنا السـلام وأمـــــــنه           ويا رب ذد عنا دهاقنـــــة الرعـــــــب(1)

فأنت شجبت الحـــــرب(2) إلا كريمــــــــة           وأنت جعلت الســـــــلم أكرم يا ربـــــــي

***

_______________
(1) الدهاقنة: جمع مفرده دهقان أو دهقان وهو التاجر أو زعيم الجماعة.

(2) شجبت الحرب: استنكرته ورفضته.

(218)

 

احتفال الورد

 

كــــــــــان حـــــــديثاً شـــــــيقاً مـــــــمتعاً           حدثنـــــــي فـي ذات يـــــــومٍ خمـــــــيل

قال: رأيـــــــت الـــــــورد فـــــــي جــلبة           مجتمعاً عنــــد الصبـــــــاح البليـــــــل(1)

ســـــــألته عـــــــما بـــــــه فــــانـــــــبرى          يجـــــــيب(2) وامتد حديـــــث طويـــــــل

فـــــــحواه أن الـــــــورد ينـــوي بـــــــأن           يقــــيم حفـــــــلاً وردويـــــــاً أصـــــــيل

لأنـــــــنـــــا لـــــــو نـــــــشـــــــأت وردة           نزفـــــــها فـــــــي ظـــــــل أــــيك ظليل

نـــــــجمع كـــــــل الـــــورد في دبـــــــكة           وطـــــــيرنـــــــا نأمـــــــره بالهديـــــــل

ويرقص النـــــــور وتـــــــشدو الربــــــى           ويعـــــــبق الليـــــــلك والزنــــجبـــــــيل

والـــــــيوم يحـــــــيي وردنـــــــا حـــــفلة           فقـــــــد رأى فـــــــي وجــــه ليلى زميل

فابتـــــــسمت ليـــــــلى ولكـــــــنهـــــــــــا          أبت بـــــــأن تنـــــــمى لهـــذا القبـــــــيل

قـــــــالت بـــــــأن الـــــــورد مــــــا عنده           كمـــــــثل مـــــــا عنـــدي إلا القلـــــــيل

فـــــــالورد لـــــــون وشـــــــذى مـــــا به           طـــعم إذا ذاقوه يـــــــطفي الغلـــــــيل(3)

ولـــــــي بثـــــــغري قـــــــهوة طعـــــمها           يـــــــحرك المـــــوتى ويشفي العلـــــــيل

والـــــــورد لو قـــــــبل لم يـــــــستجــــب           بمثـــــــلها ونحـــــــن نــعطي المثـــــــيل

والـــــــورد وجـــــــه واحـــــــد مــــــا به          تنـــــــوع لمـــــــن أراد الــــــــبديـــــــل

أمـــــــا أنـــــــا فلـــــــي فـــــــتون علـــى          روعـــــــتهــــا لـــــــمن أراد البديـــــــل

عنـــــــدي بـــــــرأسي ذهـــــــب طــــائر           أروع حتى مـــــن خيوط الأصـــــــيل(4)

ومـــــــقلة سكـــــــرى وثـــــــغر بــــــــه           يلتهب الجـــــــمر وخــــــــد أســـــــيل(5)

ونـــــــاهد بـــــــه غـــــــرور علــــــــــى           صدرٍ مـــــــن العــاج وخـــــــصر نحيل

_______________
(1) الجلبة: الصياح والصخب. والصياح البليل: الرطب الندي.

(2) انبرى يجيب: تعرض للإجابة وتصدى لها.

(3) يطفي الغليل: يروي ظمأ النفس.

(4) خيوط الأصيل: أشعة الشمس الذهبية الممتدة عند الغروب كالخيوط.

(5) الخد الأسيل: الأملس المستوي.

(219)

 

والجـــــــانب الآخـــــــر كنـــــــز بــــــــه          موج من العطر وفـــــــرع رســـــــيل(1)

وكـــــــل هـــــــذا وأنـــــــا عنـــــــدكــــم           كالورد والـــــــورد لهـــــــذه عديـــــل؟!

فـــــــأمن الــــــــورد علـــــــى قولـــــــها           مقـــــــتنعاً بـــــــما أتت مـــــن دليـــــــل

لكـــــــنه قـــــــال لهـــــــا: إرفـــــــقـــــي           بنا فما جـــــــدوى الــــجمال البـــــــخيل

يا أخت كـــــل الـــــــورد لا ترفـــــــضي           أن تـــــــتحفي الــــــورد ولو بالقلـــــــيل

فـــــــردت الـــــــورد ولـــــــم تشـــــترك           بالـــحفل. يا للـــــــحسن إذ يستـــــــطيل!

فـــــــردد الـــــــورد: حــــجبت السنـــــــا           يا مشرق الــشمس فصـــــــبر جمـــــــيل

***

_______________
(1) فرع رسيل: شعر مرسل طويل.

(220)

 

محاورة مع النيل

       نظمت بالقاهرة 1969م

يا نيـــــــل جئـــــــتك أســـــــتحث ركابـي          وأكـــــــاد أستـــــــبق الخـــــــيال لما بي

رحــــلت إليك على النعوت مشاعـــــــري          فأسرتهـــــــا فــــــي واقـــــع جـــــــذاب

ووقفـــــــت أرقـــــــب والــــــــتأمل جلوة           صـــــــوراً على ألــق لديـــك مـــــــذاب

الـــــــصبح غـــرد بالشواطئ ضحكـــــــة           بيضـــــــاء بين المــــــــاء واللبـــــــلاب

والـــــــعصر أروع ما رأيـــــــت غـــلالة           تمتد بيـــــــن متالـــــــــع وروابـــــــي(1)

والـــــــنخل مـــن ذهب الأصيل كأنـــــــه           حوريـــــــة في مطرف عنـــــابـــــــي(2)

والـــــــموج يحــــــضنه الـــــــشعاع كأنه           جـــــــسد تلوى في شفـــيف ثيـــــــاب(3)

حــــــملت طيوف جلالـــــــه وجمالـــــــه           رجــــع الهدير ونغـــــــمة المـــــــطراب

فبدا بـــــــه رمـــــــسيس يعــــتجر(4) القنا           ويمـــــر بـــــــين أسنـــــــة وحـــــــراب

فـــــــي حين تعبر كلـــــــيوباترا فتـــــــنة           مجلــــــوة فـــــــي الزورق المنـــــــساب

أرخـــــــت عـلى التاريخ عطر ثيابـــــــها           فالدهـــــــر نـــــــفاح مـــن الأطـــــــياب

***

يا نيل ســـــــحر فـــــــي العـيون وصورة           فـــــــي الذهـــــــن مـــن متقادم الأحقاب

رسمــــــتك مسحور الشواطئ من رؤى(5)          مــــاضٍ وروعة حـــــــاضرٍ خـــــــلاب

الــــغانيات تمـــــــر فـــــــوق رمـــــــالها           فعل القـــــــطا يـــــــمتد فـي أســـــــراب

في مـــوكب للعطر بعـــــــض سمـــــــاته           وهج الــــشفاه ورعشـــــــة الأهـــــــداب

_______________
(1) المتالع جمع مفرده متلع. وهو من الأضداد وقصد به الشاعر ما انخفض من الأرض

(2) المطرف: أصلاً هو الرداء أو الثوب الحريري المربع ذو الأعلام، وقد وصف الشاعر لونه هنا بالعنابي.

(3) شفيف الثياب: ما تشف عما خلفها، الشفافة.

(4) يعتجر القنا: اعتجر الشيء: لفه. والقنا: العذق: وهو من النخيل كالعنقود من العنب، أو الرمح.

(5) رؤى الماضي: وحيه وخيالاته.

(221)

 

وبكرنــــــــفال(1) للشعـــــــور وحـــــــفلةٍ           للكـــــــحل والألـــــــوان والأثـــــــــواب

وتأود الأجـــــــسام أعـــــــرب كـــــسرها           عما تضيـــــــق بـــــــه قــــوى الأعراب

هـــــــزت لـــــــه الدنيـــا فكل تحـــــــركٍ           في أفقـــــــها لـــــــون مـــــــن الإعجاب

وخـــــــطاً حســـدت الرمل أن ثـــــــغوره           شبعت بها لثمــــــاً بغـــــــير حســـــــاب

يـــــــا غـــــــاية الســــيقان يا خمـــــــرية           الألـــــــوان جـــــــنت خــــمرةً بإهاب(2)

مســـــي الثرى وأنا الضميـــــــن بـــــــأنه          سيرف فـــــــي زهـــر وفي أعـــــــشاب

***

يـــــــا نـــــــيل لـــــــو ظفـــر الرشد بليلة           مـــــــن لـــــــيلك الــــــمخمور بالأنخاب

الـــــــباعث الخيـــام فـــــــي خـــــــطراته          نغمـــــــاً عـــــــلى شبـــــــابةٍ وربـــــاب

والمـــــــستثير علـــــــى تـشنج (سومة)(3)          مهجـــــــاً سبحن مـــــــن الجوى بعبــاب

لسلا لياليـــــــه وعــــــاف بـــــــساطـــــه           وجـــــــثا على رمـــــــلٍ هنا وتـــــــراب

وحبـــــــا إلـــــــى كـــــــأس ولف ذراعه           خـــــــصراً وبـــــــلل ثغره برضـــاب(4)

حتـــــــى إذا أهــــــوى الخمار برأســـــــه          وسجـــــــا وآذن وعيـــــــه بــذهـــــــاب

أرضـــــــى أمـــــــانيه وأرســـــــل طبعه           وانـــــــفك مـــــــن خطأ به وصــــــواب

***

يـــــــا نـيل ليلك رغم أنـــــــي لـــــــم ألج           فيـــــــه لــــــمحت رؤاه خلف البـــــــاب

آلاؤه(5) لـــــــو مــــست البلوى مشـــــــى           فيها النعيـــــــم حــــــــلاوة وتصابـــــــي

شعت به البيض النجوم عـــــــلى الثـــرى           ومشت نجيمات السمـــــاء خوابـــــــي(6)

_______________
(1) الكرنفال: الاحتفال الملؤء بالبهجة والألوان والحركة.

(2) الإهاب: المظهر الخارجي للأمور، وهي في الأصل الجلد المغلف لجسم الحيوان أو مالم يدبغ منه.

(3) سومة: أم كلثوم، المطربة التي سميت في القرن العشرين كوكب الشرق لعظمة صوتها وسحر غنائها وتمثيلها ظاهرة فنية فريدة في عصرها.

(4) الرضاب: الماء العذب أو الريق.

(5) الاؤه: نعمه: واحدها: ألي وإلي.

(6) خوابي: من خبا يخبو بمعنى سكن نورها وخمد، وثمة ما بين انطفاء نور النجوم والخوابي بمعانيها الأخرى.

(222)

 

وانــزاح عن قمر السمـــــــاء غـــــــروره          وخداع ما أعــــــطوه مـــــــن ألـــــــقاب

فلقد تحـــــــدته البـــــــضاضة والـــــــشذا           والسحر عنـــــــد كـــــــواعبٍ أتــراب(1)

سهرت على شطـــــــيك واحـة متـــــــعب           وربيع منـــــــتجع وحـــــــلم رغـــــــاب

رقصت فأرضى الجاز(2) مــــــن أجسادها          متـــــــشنج فـــــي جيـــــــئة وذهـــــــاب

وهفـــــــت فللــــشعر الحرير ملاعـــــــب           بالكتـــــــف، يا لأنــــــــاقة الألعـــــــاب!

وسخت فأعـــــــطت كــــل ما شاء الهوى           أفبـــــــعد ليلك مقـــــــصد لطـــــــلاب؟!

***

يـــــــا نـــــــيل إن أك قد جلوتك فتـــــــنة           من ضـــــــحك آفـــــــاقٍ وحــسن رحاب

وســـــــكبت تهـــــــويم النجوم بأعيـــــــن          كثر النـــــداء بموجـــــــها الســـــــنجابي

وزفـــــــفت للأســـــــماع من إيـــــــقاعك           الـــــــمهموس مـا يفتن في الإطـــــــراب

فـــــــلأن ذلك مــــــــنك لم يرعـــــــف به          قلمـــــــي(3) ولـــــــم تمطر عليك سحابي

لا نغـــــــمة مـــــــن غـــير قيثـــــــارٍ ولا          عقــــد له ســـــــحر بـــــــغير رقـــــــاب

غردت في سمعي وعـــــــشت بـــــجانحي          وهززتـــــــني ورقصت في أكوابـــــــي

هبـــــــة رددت إلــــيك بعض عطائهـــــــا          والأصـــــــل أن الفـــــــضل للـــــوهاب

***

يا نـــــــيل أي ســـــــوانـــح مشـــــــكورة           دفعت إليــك رواحـــــــلي وركابـــــــي؟!

قـــــــذفت إلـــــــيك بغير قصدٍ مهـــــــجةً           شابت مـــــشاعرها من الأوصـــــــاب(4)

وقـــــــسا علـــــيها الجدب حتى ردهـــــــا          صحراء خاليـــــــة مـــن الإخـــــــصاب

جفـــــــت وفيها ألف نـــــــبع وانـــــــتهى           مـــــــا كـــــــان من خضــلٍ بها ليباب(5)

_______________
(1) البضاضة: الطراوة والليونة والكواكب: جمع كاعب وهي الفتاة التي نهد ثدياها. والأتراب: المتماثلات في العمر.

(2) الجاز: نوع من الموسيقا غير العربية يتميز بالصخب والضجيج ذو توقيع سريع.

(3) لم يرعف به قلمي: لم يكتب عنه.

(4) الأوصاب: جمع مفرده وصب، وهو الوجع أو المرض.

(5) يباب: خراب.

(223)

 

حتى أتيت إليـــــــك فانبـــــــعث الــــهوى           ونزت شمول أهمـــــــلت بوطـــــــاب(1)

وتـــــــملمــــــلت قيـــــــثارة مهجـــــــورة          عـــــــادت لـــــــها الأنــــــغام بعد غياب

***

لكـــــــنني والشـــــــكر ملء جوانـــــــحي          لعـــــــطاك لـــــــم أظفــــــر بغير عذاب

فلـــــــقد أثـــــــرت علي قلباً أخـــــــضراً           فـــــــي هـــيكل أمسى من الأحـــــــطاب

قـــــــلب ككنـــــــز بالــــــتراب مخـــــــبأ           من ذا درى بـــــــالكنز تحت تـــــــراب؟

مرت عليه المـــــــغريات فـــــــلم تــــــجد          ما تستريـح إلـــــــيه مـــــــن أســـــــباب

وعـــــــذرتهــــــا فالعود إن لم تنبـــــــعث           نغـــــــماتــه قطع مـــــــن الأخشـــــــاب

فلو أن وقـــــــدك إذ أعـــــــاد لــي الهوى           المشبــــوب رد علي بعض شبـــــــابي(2)

***

يا نـــــيل جريك مـــــــثقل فكـــــــأنـــــــه           خـــــــطوات مهـــــدود من الأتـــــــعاب

أتـــــــراك أســكرك الذي يجري علـــــــى          شطـــــــيك من نجوى هوى وعـــــــتاب

أم أن ذلـــــــك رحـــــــمــــة بـــــــزوارق          نشـــــــوانـــةٍ بالحـــــــب والأحبـــــــاب

أن أنـــــــها خـــــيلاء مجـــــــدٍ حـــــــزته          من عهـــــــد آمـــــــون ليـــــــوم عرابي

ينـــــــمي(3) إلـــــــيك الخالدين درايـــــــة           في متـــــــحف وروايـــــــة بكـــــــــتاب

حرصوا على صنع الخلود بكرنـــــــــك(4)          فعل الــــــملوك ومنحـــــــة الأربـــــــاب

وأروك حتى المـــــــوت فـــــــي أهرامهم           يتلـــــفع الخيـــــــلاء فـــــــي جلـــــــباب

وسجـــــــيــــــة الآســـــــاد أن مثـــــــالها           كعيانـــــــها في الرعــــــب والإرهاب(5)

***

يا نيل! أي قــــــــلادة مـــــــن جوهـــــــر           شـــــــعت بجـــــــيدك فتـــــــــنة الألباب

_______________
(1) الشمول: الخمر تشمل بريحها الناس، والوطاب: الإناء.

(2) الهوى المشبوب: المتقد.

(3) ينمي إليك الخالدين: ينسبهم إليك.

(4) الكرنك: منطقة معابد أثرية في مصر.

(5) سجيتها: طبعها وغريزتها. والعيان: الرؤية أو ما يرى بالعين.

(224)

 

نظمـــــــت فـــــــرائدها ســـــــــلالة فاطم           خـــــــير الــــــصفات وأشرف الأحساب

جــــمعت على فـــــــخر عزيـــــــمة حاكم          وعلا معـــــــز للذمـــــــار مهــــــــاب(1)

ومـــــــست بأزهرها الشريف فيممـــــــت           شطر السمـــــــا بمـــــــآذن وقـــــــــباب

العـــــــلم والآداب فـــــــي أبهــــــائـــــــه           والهدي والإيمـــــــان فـــــــي المــحراب

طـرد الضـــــــلالة والـــــــظلام لأنـــــــه           متحدر مـــــــن كـــــــوكبٍ وشــــــــهاب

وضـــــحت مـــــــعاله وما أزرى بهـــــــا          من رام يســـــــتر وجـــــــهه بنـــــــقاب

فالبـــــــيت بـــــــيت الله لا يخــــــفى وإن           مــــلؤوه بـــــــالأزلام والأنصـــــــاب(2)

***

يا نــــيل من وهج الفـــــــرات ووقـــــــده           ونفـــــــار غـــــــزلان بـــــــه وكعاب(3)

وخمـــــــار أديـــــرة الأســـــــاقف رصع           ابن عـــــــدي منـــــــه كـــــــاسه بحباب

ورؤى ســــــميراميس وهي مـــــــن السنا          بـــــــغلالة ومن الشـــــــذا بمـــــــلاب(4)

ومـــــــن الليـــــــالي الألـــف تخطر دجلة          منهـــــــن فـــــــي زاهٍ مـــــــن الأثــواب

وبهــا علـــــــية والرشـــــــيد وجعفـــــــر           سكروا على الأنـــــــغام مـــــــن زريـاب

وأبو نـــــــؤاس مـــــــر ينـــــــشد  حــانة           فسقـــــــوه حتـــــــى طــــاح بالأعتاب(5)

ومــــــــــن الرضـــــــي وليـــــــله وقلائد           حميت بفـــــــعل عنـــــــاقه الملهـــــــاب

ومـــــــن الـــــقيان ودار سابور ومـــــــن           متع لذيـــــــذات المـــــــذاق عـــــــــذاب

من كـــــــل ذاك إلـــــــى لهيـــــــبك مـثله           فكلاكما لــــهب علـــــــى الأعصـــــــاب

وإلــى ابن رمسيس الذي عـــــــزل الهوى           هذا النـــــــسيج مـــــــن ابــــن حمورابي

***

_______________
(1) الذمار: ما يتوجب على المرء حفظه والدفاع عنه كالأهل والعرض.

(2) الأزلام: ما كان العرب يقترعون بها من القطع الخشبية في الجاهلية. والأنصاب: جمع مفرده نصب، وهو ما نصب وعبد من دون الله عز وجل.

(3) الكعاب: الكواعب: ورد شرحها سابقاً.

(4) سميراميس: ملكة آشورية يمتزج تاريخها بالخرافة. ينسب إليها  تأسيس بابل وإقامة الحدائق المعلقة إحدى عجائب الدنيا القديمة.

(5) أبو نؤاس: شاعر عباسي أجود شعره خمرياته.

(225)

 

إلى جمعية منتدى النشر

       نظمت عام 1963 أيام تعرضها إلى هزات عنيفة في محيطها

نجاك عبـــــــر التـــــــيه أنـــك بـــــــيرق           ووقـــــــاك عنــــــد الموج أنك زورق(1)

لا تـــــــرهبي أن يــــــغرقوك بضجـــــــةٍ          فأبوك عهدي ســـــــابح لا يــــــــــــغرق

شـــــــدت بكـــــــاهله الخطوب فـــــــأدها           ثقلاً ومـــــــا أدته ســـــــود تــــــطرق(2)

ورمتـــــــه أم بـــــــالعــــقوق فكذبـــــــت           كـــــــف تـــــــذود وفكـــــــرة تتـــــــألق

الـــــــمسرج الأذهــــان يطعم جوعـــــــها          قلباً عـــــــلى اللـــــــهب الــمقدس يحرق

والـــــــمنكر الـــــــذات لــــــو رامـــــــها           لضخـــــــمت ذات وأخـــــــصب مــرفق

لكـــــــن ذات العـــــــاملين وجــودهـــــــا           هدف وإن وعر الـــــطريق يحـــــــقق(3)

ولتـــــــنمحي مــــــن بعدك ذلك ذاتهـــــــا          ما عاش رقم بالمكاســـــــب يــــــــــنطق

***

يا بنـــــت من أسرى أبـــــــوك مـــــــحلق          عبر النجــــوم ومـــــــشعل متـــــــألق(4)

فترسميـــــــه ليـــــــستبـــــــيق صغـــــاره          بدأت قوادمـــــــها الزغـــــــاب تـــحـلـق

غذي فإن الدرب يـــــــعرف مــــــن مشى           متثائب الـــــــخطوات مــــــمن اعنقوا(5)

وتساكبي شــــــــدواً يـــــــعود خـــــــميله           ألقاً ينضره الـــــــصباح الــــــــــــمشرق

فـــــــبليه أن الــــهزار يـــــــكف عـــــــن           غـــــــرد وثـــــــمة ألــــــف بوم تنعق(6)

***

 

_______________
(1) التيه: المكان أو الأمر يتاه أو يضل فيه. والبيرق: الراية تظهر من مكان بعيد.

(2) أدها: أثقلها واتعبها.

(3) وعر الطريق: شق التقدم عبره إلى الهدف.

(4) أسرى: سار ليلاً.

(5) غذي: انشطي في المسير والتقدم. ومتثائب الخطوات: الماشي بفتور وكسل.

(6) بلية: مصيبة.

(226)

 

يـــــــا بـــــــنت دنــيا الخصب إن براعماً           نبـــــــتت صـــــغاراً في ثراك ستبسق(1)

فـــــــتعهدي غـــــــــرساً نما وتـــــــوقعي           أن يســـــــتهين بغـــــــرسك الــمتفيهق(2)

مـــــــا ضـــر والهدف الـــــــمؤمل ناصع           أن ينـــــــبز الـــــــمذال مـــــــرنـــــق(3)

لـــــــو كـــــــان كل مطـــــــقطق يعنى به          حاز الوســـــــام لـــــدى السباق اللقلق(4)

إلى الألى نـــــــبزوك حيـــــــن تـــــــبينوا          رجعوا إلـــــــيك وكذبـــــــوا مــــــا لفقوا

وفـــــــقاً بـــــــعاقرة تهـــــــز بـــــــمهدها          خلواً لتـــــــهرب مـــــــن فـــراغٍ يقلق(5)

***

سيـــــــري فـــــما وقف الزمان لفريـــــــة          يومـــــــاً ولا رد الـــــــمغذ مــــــعوق(6)

ما فل عـــــــارضة الـــــــهزبر مــــــخذل           أبداً ولا دفـــع الـــــــجبان مصـــــــفق(7)

روي الـثرى فإذا ازدهـــــــى فرســـــــالة           أولا فحســـــــبك أن غـــــــيثك ريــــق(8)

إن الـــــــحياة لواضــــحين مـــــــشوا إلى           هدفٍ وليـــــــست للذيـــــــن تـــزأبقوا(9)

صنـــــــعوك للأجيــــــــــال أمنـــــــية فلا          يلوي بعزمـــــــك أن أفـــــــقك ضيـــــق

إنـــــــا نـــــــريدك جـــذوة تـــــــهدي ولا           يكوى بها حتــــى العـــــــدو المـــــــحنق

غـــــــذي البـــــصيص فسوف يغدو شعلة           تهدي وإن غضــــــب الظلام المطبق(10)

وتســـــــاكبي شــــــــدواً يبرعم في الثرى           نبتاً ولو كــــــل الضـــــــفادع نقـــــــنقوا

***

_______________
(1) تبسق: يعلو ذكرها في الفضل.

(2) المتفهيق: من يملأ فمه بالكلام ويتوسع فيه ويتنطع. ماضيه: تفيهق.

(3) ينبز النبع: يلقبه. والمذل: المهين المبتذل أو المتطاول. والمرنق: المكدر.

(4) معروف عن اللقلق أنه يصدر طقطقة جوفاء لا طائل منها.

(5) العاقرة: قصد المرأة العاقر التي لا تنجب أطفالاً.

(6) الفرية: الكذب أو الافتراء. والمغذ: الجاد في مسيرته.

(7) ما فل عارضة العزب: ما رد خد الأسد أو انقضاضة مخذل ومخوف.

(8) حسبك يكفيك فخراً. أن غيثك ريق: أن تضحيتك مثال يقتدى به. فالريق من كل شيء أوله.

(9) تزأبقوا: تذبذبوا في اتجاهاتهم وميولهم مترجرجين كالزئبق.

(10) البصيص: اللمعان والبريق. والظلام المطبق: الشامل.

(227)

 

إلى رائدين

       ألقيت بمناسبة عودة عميد منتدى النشر الشيخ محمد رضا مظفر وسكرتيرها السيد محمد تقي الحكيم من مؤتمر إسلامي عام 1964م.

غادرتما فالقـــــــطر عـــــــين ترمــــــــق           ورجعـــــــتما فالقـــــــطر ثـــــغر مشرق

حلقـــــــتما وأرى الغـــــــري وأنتمـــــــــا          ضافي جنـــــــاحيه يـــــــظل يحـــــــــلق

أهلاً بســـــــباقين رحـــــــب فيهــــــــــــما          قلم يعـــــــبر عـــــــن فـــــــؤاد يخـــــفق

وبـــــــريـــــــشتين تـــــــفننا إذ صـــــورا           فعلـــــــمت أن العـــــــبقريـــة تـــــــخلق

فـــــــلرائدين عـــــــن الـــــــغري تــــحية          تـــــــهدى وعطــــــر من علي يعبـــــــق

***

للــــــعائدين إلى الغري عـــــــواطـــــــف           أصفـــــــى مـــــــن النــبع المذال ترقرق

الـــــــمثقلين ولـــيس غـــــــير مـــــــفاخر          يزهر بهـا جـــــــيد ويشـــــــمخ مـــــــفر

شـــــــاهدتـــــــما فـتحدثا عمـــــــا بـــــــه           يجزى مجـــد في الـــــــحياة ومخـــــــفق

هـــــــل مـــــــثل بــلوانا هناك فمبـــــــدع           يقصى ويحضن تافـــــــه مـــتمشدق؟!(1)

وهـــــــل الرؤوس يعـــــــيث فـي أبعادها           حتى بعصـــــــر الــــنور فكر أحمق؟!(2)

هــل منحة الألقـــــــاب أمـــــــر هـــــــين           يسخو بها ومــــتى يشـــــــاء المغدق؟!(3)

وهـــــــل الحــديث من العلوم ضلالـــــــة           كبرى ودارســـــها فتى مـــــــتزندق؟!(4)

هـــــــل بـــــــيننا قـــــــدر بــــــذلك جامع          أم أنهم عرفوا الشـــــــذى وتـــــــذوقوا؟!

اللهم أوضح عـــــــند قومـــــــي رؤيـــــةً           ليـــــــميزوا ما يستـــــــطاب وينتـــــــقوا

_______________
(1) يقصى: يبعد. والمتمشدق الذي يتشدق بالكلام أي يملأ شدقيه به تفصحاً.

(2) يعيث فيها: يفسدها.

(3) المغدق: الذي يكثر المكافآت والعطاء.

(4) المتزندق: المتخلق بأخلاق الزنادقة فأظهر الإيمان وأبطن الكفر وأخفاه.

(228)

 

فالـــــــشهد قـــــــيء الــــنحل إلا أنـــــــه           مـــــــا زال عـــــند ذوي النهى يتذوق(1)

واللعس فـــــــي الشـــــــفتين لــــون أسود           لكـــــــنه عـــــــند الأوانـــــــس يعشق(2)

***

أغــــــــــــنت موائدنا جـــــــهود أئـــــــمة           فكلـــــــوا وغـــــــذوا الجـــائعين وأنفقوا

والـــــــنشء عنـدكم الوديعة فاحفظـــــــوا           هذي الوديعـــة لا تـــــــخان وتســـــــرق

غـــــــذوه لكـــــــن بالأصــــــــالة وانبذوا           ما روج المتـــــــزمتـــــــون وزوقـــوا(3)

أجـــدى كثيراً مـــــــن غـــــــذاء تـــــــافهٍ           ذهن يـــــــجوع إلـــى الصحيح وأخلق(4)

شـــــــبر يـشاد على الصخور أهم مــــــن           قـــــــصر يـطول على الرمال ويسمق(5)

غـــــــذوه خـــــــير قديـــــــمه وحـــــديثه           وضعـــــــوا خطــأه على الهدى وترفقوا

رشـوا الطريق عن الـــــــغبار لـــــــه ولا           تزد الميـــــــاه عـــــــن الــــــمراد فيزلق

وابـــــــنوه عــــــــملاق الضمير فإنـــــــه           مـــــــن دون ذاك مغـــــــرب ومــــشرق

وعلى تراب أبي تراب ضـــــــعوا لـــــــه           عرساً فـــــــترب أبــــي ترابٍ يعـــــــبق

***

دنيا علي وهـــــي خصـــــــب ممـــــــرع           يمتاز منهـــــــا مــــــا استطاع المنطق(6)

فــــوارة الينـــــــبوع إن تــــــمتح لـــــــها           كأساً تدافـــــــع ضـــــــعفه يتـــــــدفــــق

تختـــــــار منهـــــــا رونــــــقاً وتـــــــظنه          الأسمى فيـــــــلمع فـــــــوق ظـنك رونق

_______________
(1) قيء النحل: يخرج من أفواهها. ذوو النهى: العاقلون.

(2) اللعس: سواد مستحسن في باطن الشفة أو سواد في حمرة، والأوانس، والآنسات جمع آنسة: الفتاة الطيبة النفس والحديث التي يؤنس حديثها ويحب قربها.

(3) الأصالة: العلم والأدب والفكر والأصيل. انبذوا: اطرحوا. وارموا. وروج المتزمتون: اعلنوا تزكيتهم له. وقصد بالمتزمتين: المتشددين في آرائهم. وزوق الشيء أو الكلام: جمله وحسنه.

(4) الذهن: الفهم واعلقل والفطنة أو التفكير أو الاستعداد للإدراك.

(5) يسمق: يعلو ويرتفع.

(6) يمتار: يستمد.

(229)

 

رقــــص الشعاع بها لغير عـــــــيونـــــــنا          فكـــــــأنها فـــــــي أرضنـــــــا لا تشرق

يتـــــــنفس الـــــــغرباء نــشر أريجهـــــــا          والجو عند بـــــــني علـــــــي يــــــــخنق

الكـــــــأس مـــــــلأى بالــــخلو أهـــــــكذا          يا ملهمين وكـــــــاس غيـــــرك تشهق(1)

ولو أن غـــــــيركم يـــــــماز بـــــــــــزائد          عنكم لقلـــــــت مـــــــن الـــتنافس أشفقوا

لـــــكن غـــــــيركم اســـــــتظل وأنـــــــتم           بالشـــــــمس ظـــــــل لــــواؤكم إذ يخفق

***

يـــــــا لاطئـــــين على التراب مخـــــــافة           الإعصـــــــار غــــيركم السماء تسلقوا(2)

أتـــــــقلهم عـــــــند الســـــــرى نفاثـــــــة           وتظـــــــل تــــــخطر في سرانا الأنيق(3)

أوليــــــس رزءاً أن نعـــــــيش بعتـــــــمة           والنـــــــور فـــــــي آفـــــــاقنا يـــتألق(4)

أنا لا أقـــــــول ذروا الـــــــقديم فــــــــإنه           أصـــــــل عليـــــــه جـــــــديدنا يتــــعلق

لكـــــن أفيدوا منـــــــهما فـــــــكلاهمـــــــا          فيـــــــه الـــــــكريه وفـــــــيه آخــر شيق

إني رأيت النـــــبت يغرس في الـــــــثرى           جـــــــذراً ويتـــــــلع للشــــعاع فيورق(5)

_______________
(1) كاس غيرك تشهق: تكاد أن تختنق من الامتلاء الحقيقي.

(2) يا لاطئين على التراب: يا ملتصقين به.

(3) السرى: السير أو التحرك ليلاً. الأنيق: النوق والنياق: جمع مفرده ناقة.

(4) الرزء: المصيبة.

(5) يتلع: يمد عنقه ويتطاول.

(230)

 

خطرات في العيد

 

       نظمت عام 1959م

مــــــــر عــــيد الورى ومامر عيــــــــدي           فشــــــــدا عــــــــــودهم وهوم عودي(1)

صنــــــــفتهم مــــــــباهــــــج فتــــــــنادوا          لجــــــــناها ولــــــــست مــــــــمن نودي

فهــــــــفا مــــــــعشر إلــــــــى عب صهبا          ء وقيــــــــثارة ومــــــــلعب غــــــــيد(2)

فــــهم في الضلال من ليــــــــل فــــــــرع          وهم فــــــــي الــــــــهدى بـــضوء خدود

وهــــــــبوهــــــــا نـــــــفوسهم والقرابيـــ           ـــن قديمــــــــاً تقــــــــاد للمــــــــــــعبود

ثم لا شــــــــيء إنــــــــهم نســــــــخ مـــن          صور قــــــــد تــــــــكررت مــــــن بعيد

***

وفريــــــــق تيــــــــمموا عتـــــــبة الأســـ           يــــــــاد فــــــــي حقـــــــــل سيد ومسود

ربــــــضوا حولهم كما كان أهــــــــل الـــ           ــكهف فيــــــــه وكلــــــــبهم بـالوصيد(3)

لفظتــــــــهم شــــــــتى المـــجالات إذ ضا           قت بــــــــهم مــــــــن بـــــــلاهة وجمود

فاســــــتراحوا إلى التــــــــفيؤ بالــــــــحو           زة أكــــــــرم بــــــــظلــــــــها الـــممدود

فاستحالوا فــــطاحلاً فــــــــي شهــــــــور           واستــــــــطالوا هيــــــــاكــلاً من جليد(4)

واستــــــــفادوا مضــــــــيرة وسمـــــــتهم           بشعــــــــار فــــــــي جـــــــبهة أو فود(5)

فتـــــــــبدى على الوجــــــــوه وســــــــام           فــــــــيه نــــــــور مــــــــن الجباه السود

وتــــــــهامــــــت ســــــــخيةً بركــــــــات          من خــــــــداع فبــــــــئس دنيــــا القرود

_______________
(1) الورى: الخلق والبشر. وهوم: فترت حركته وهز الرأس من النعاس.

(2) العب: الشرب السريع دون تنفس أو مص. والغيد: جمع غيداء.

(3) ربضوا: جثموا. والوصيد: فناء الدار والبيت أو عتبة الباب.

(4) الفطاحل: جمع مفرده، فطحل: وهو الضخم الممتلئ الجسم أو الغزير العلم.

(5) المضيرة: الطعام المصنوع من اللبن الحامض واللحم. والفود: جانب الرأس مما يلي الأذن إلى الأمام أو الشعر الذي ينبت في المكان الموصوف.

(231)

 

ثم مـــــــــاذا فلـــــــــيس ذلــــــــــك بالطا           رف بل بعـــــــــض مــــا أتى من تليد(1)

***

ومشـــــــــت أمـــــــــة تقــــــــــــدم للسلــ           ــطان مـــــــــا أتـــــــــقنته مـــــن تحميد

فــــــانحنوا خشعاً على السدة الغـــــــــراء           في موكـــــــــب طـــــــــويل الــسجود(2)

يتـــــــــبارون فـــــــــي المـــــــديح ويثنو           ن علـــــى منـــــــــجزاته والجـــــــــهود

أو لـــــــــيست كروشهم وهي مـــــــــأوى           السحت للمنجزات خــير شـــــــــهود؟!(3)

وتتيه الأكـــــــــتاف فـــــــــي الحـــــــــلل           الزهر وللموت يا عـــــــراة الجـــــــــلود

أو لـــــــــيست مكـــــــــاسباً أن يــــساوى           بالفقير الغـــــــــني فـــــــي التـــــــــحديد

مـــــــــا لنا والصـــــــــعود إن الـــــنزول           السهل أجدى من متعــبات الصـــــــــعود

وقـــــــــديم هـــــــــذا ولـــــــــيس جــديداً           فالســـــــــلاطين ســـــــــادة للعبــــــــــيد

***

ومـــــــضى بعضهم وقد جاع شـــــــــهراً           يرتـــــــــعي من طبــــــــــاقها والثريد(4)

كلما نالـــــــــت الـــــــــكروش مــن الأكــ           ــل تنادت تقول: هـــــــــل مــــــن مزيد؟

ومـــــــــشوا يـــــــــلبسون كـــــــــل جديد          من ثـــــــــياب ومـــــــــا أتـــــــوا بجديد

إن عيـــــــــشاً قـــــــــوامه الأكـــل والشر          ب لمن شيـــــــــمة الحـمار البلـــــــــيد(5)

وأخـــــــــيراً فلـــــــــيس ذلـــــــــــــك إلا           صـــــــــورة مـــــــــن تسلــــسل مشهود

***

هكـــــــــذا عيـــــــــدوا ورحـــت كما قيــ           ــل غريباً كصـــــــــالح فـــي ثمـــــــــود

وعلـــــــــى مقـــــــــلتي لفـــــــــتة حيــرا           ن قصـــــــــي عـــــــــن الصحاب وحيد

_______________
(1) الطارف: الجديد الحديث. والتليد: القديم.

(2) السدة: المكان المرتفع ينصب للإشراف على أمور معينة أو المنبر.

(3) السحت: الحرام وما خبث من المكاسب كالرشوة ونحوها.

(4) الثريد: نوع من الطعام يفت فيه الخبز ويبل بالمرق. والطباق: أطباق الطعام.

(5) قوام الأمر: نظامه وعماده وما يقوم به.

(232)

 

لست أدري كيف انـــــــــفردت ومــــــنهم           جبـــــــــلت طــــــينتي وصيغ وجودي؟!

وســــــــواء كنت المـــــــــميز أم كـــــــــا          نوا فقد بأن نجـــــــــدهم عـــن نجودي(1)

فســـــــــماواتهم وإن مـــــــــلئت شــــهـــ           ــباً فخـــــــير منها حصى في صعيدي(2)

أنـــــــــا لا أرتـــــــــضي الـــشموس بمن           عن ســــــراج أسرجته من وقـــــــــودي

وبكاسي صــــــــبابة هـــــــــي خـــــــــير          من غديــــرٍ ما نلـــــــــته بجـــــــــهودي

***

وتســـــــــائلت والشـــــــــكوك تـــــــــدير           الراس منـــــــــي بالجـــــــــزم والترديد:

أنا وحدي دربــــــــي هـــــــــدًى ودروب           الناس جمعاً إلى الضـــــــــلالة تــــــودي

أم هي اللاحـدود عنـــــــــد صاحـــــــــبي           وهـــــــــي عنـــــد نوازع في حدود؟!(3)

أم قــــــيود صنـــــــــعتها باخـــــــــتياري           ثم جارت علـــــــــى يـــــــــدي قيودي؟!

لا، فـــــما استبهم الظلام من الـــــــــصبــ           ــح وللصبح رفـــــــــة فـــــــــي عمـــود

وبعيني نراقـــــــــد يـــــــــعرف الــــــتبــ           ــر المصفى مـــــــــن زائـــــــفات النقود

غير أنـــي يا رب أملـــــــــك روحـــــــــاً           واضـــــــــحاً لا يـــــــــميل للـــــــــتعقيد

وسأبقـــــــــى كـــــــــما تريـــــد وإن أفـــ           ــردت من كــــل صاحب ومريـــــــــد(4)

مستنبراً بوحــــــدة مـــــــــنك تحـــــــــمي          فطرتي مـــن تعـــــــــدد المعبـــــــــود(5)

***

رب! أثرى عطاؤك الــــغمر روحـــــــــي          فزرعت الريـــــــــاض فــــــي كل بيد(6)

وملأت الأفق الشفـــــــــيف طيــــــــــــوفاً          يتساحــــبن لامـــــــــعات الـــــــــبرود(7)

_______________
(1) النجد: الطريق الواضح.

(2) الصعيد: المنزلة والمكانة أو وجه الأرض.

(3) النوازع: الآمال والأحلام التي يؤمل تحقيقها.

(4) أفردت: ابتعد عني وتركت وحيداً.

(5) الفطرة: الطبيعة السليمة لم تشب بعيب.

(6) البيد: جمع بيداء وهي الفلاة.

(7) البرود: جمع برد وهو الثوب المخطط الموشى.

(233)

 

أنــــــــت لــــــــو لــــــــم تـــــعد مني قيثا          راً لمــــــــا أســــــــكر الـزمان نشيدي(1)

بفــــــــمي مــــــــن مـــنابع النــــــــور قد           سك روح ســــــــكبته فــــــــي قــصيدي

وأرتــــــــني وللــــــــنهـــى خطــــــــرات          رحمةً مــــــــنك ســــــــمحة الـــــــتسديد

إن مــــــــا فــــــــي الوجــــــود إلاك وهم           فانحنــــــــى خــــــــاشعاً لديـــك وجودي

واطـــــــــمأنت خطــــــــاي للدرب إذ أنــ           ت علــــــــى غــــــــايةٍ بـــــه مقصودي

***

_______________
(1) لو لم تعد مني قيثاراً: لو لم تجعلني خيراً سائغاً.

(234)

 

من أطياف العيد

       نظمت عام 1961

عادني من أطـــــــــياف وحــــــــــيك دفق          فمـــــــــشى يـــــــــؤنس الحوالك برق(1)

حالـــــــــمات مـــــــــا كـدن يخطرن حتى          أرقص الجانح المـــــــــهموم خــــــفق(2)

فجـــــــــسست الأوتـــار بعد هجـــــــــوع           فتبارى شـــــــــدو وردد جــــــــــــوق(3)

وجـــــــــلوت الصــــدى عن الـــــــــكأس           فافتر وبي للـــــــــسلافة الـــــــبكر شوق

أنـــــــــا لولا وحــــــي لديك لمـــــــــا مو           سق عود عنـــــــــدي وعـــــــــــربد زق

***

قـــــــــد تـــــــــعددت في معانيك يــا عيــ           ــد ففي كـــــــــل جـــــــــانح لــك أفق(4)

فبأحـــــــــلام طفـــــــــلتي أنـــــــــت أثوا           ب حســـــــــان الألـــــــوان حمر وزرق

وأراجيـــــــــح فـــــــي الهوى ومواصـيـــ           ل على نـــــــــظة الـــــــــصغار تــــــنق

وشـــــــــفاه تـــــــــــثرثر الكلم الـــــــــسا           ذج مـــــــــن نـــــــــاعم النـــــــسيم أرق

نـــــــــظرات بريـــــــــئة في عيـــــــــون           تسكب الطهر لم يـــــــــدنسه حــــــــــنق

وبـــــــــأحلام جــدتي أنت كـــــــــعك الـــ          ــعيد يدحـــــــــى بــــكفها ويـــــــــرق(5)

وحـــــــــكاياً مـــــزوقات عـــــــــن السلــ           ـــطان في مسمع الصـــــــــغار تــزق(6)

وحـــــــــنين إلــــــــى الشبـــــــــاب وأولا          ع ترامـــــــــت أبــــــعادها فهي مزق(7)

_______________
(1) الحوالك: من الحلكة: أي شدة السواد. وهي جمع حالك أو حالكة. وقصد بالحوالك: همومه وأحزانه.

(2) المهموم: المتعب الراغب في النوم لشدة نعاسه وتعبه.

(3) جسست الأوتار: عزفت عليها.

(4) تعددت في معانيك: كثرت إيحاءات معانيك.

(5) يدحى: يبسط ويمهد.

(6) تزق: تلقى على مسامعهم.

(7) أولاع: جمع ولع: وهو نوع من التعلق والهوى.

(235)

 

وبقـــــــــايا صـــــــــبابة ثــــم عنـــــــــها           راحـــــــــة خـــــــــضبت ورجل تشق(1)

يـــــــــا لحلـــــــــو الشــباب إن راح تبقى           منه للنــفس ذكريـــــــــات وعـــــــــشق!

***

وبـــــــــدنيا المـــــــــرفهين لــــــــــــــذاذا          ت تنزى فـــــــيها على الإثم عـــــــــرق

كـــــــــل أيـــــــــامهم نعـــــــــيم وأعيــــا           د فما جـــــــــد فـــــــــي صـــباحك فرق

خبـــــــــروا أمتـــــــــع اللــــــــذائذ فالبكـ           ــر عتـــــــــيق حتـــــــــى تجـشأ ذوق(2)

لـــــــم يخافوا أن تنضب الكاس مــــــــادا           م  لهم من مـــــــــناكب الــــــعري رزق

إنهم مـــــــــا علــــــــمت عبء على الدنــ          ــيا يئـــــــــد احـــــــــتماله ويـــــــشق(3)

فـــــــــإذا عـــــــدت المفاخر لـــــــــم تعــ           ــدم لهم زامـــــــــراً وطبـــــــــلاً يــــدق

أي فوضى في الـــــــكون أن يشمخ الزيــ           ــف وأن يدمـــــــــغ المـــــقاييس خرق؟!

***

ولـــــــــدى البــــــائسين أنت سويعـــــــــا           ت بـــــــــها قـــــــــسوة الــــــــحياة ترق

فيـــــــــفيئوا إلـــــــــى حصيل حـــــــــولٍ          أد فيه الأجســـــــــام حــــــرق وطرق(4)

بـــــــــين ثـــــــــوب وإن تـــــــواضع الإ           أنه ليس فـــــــــيه رتـــــــــق وفــــــــتق

ورغيـــــــــف ليـــــــــلن بالمــضغ لم يتــ           ــعب كبـــــــــاقي أيامه منه شــــــــدق(5)

ووعـــــــــود لـــــــــزوجة وصـــــــــغار           أنـــــــــه سروف يــــنعش الحقل ودق(6)

***

_______________
(1) الراحة: راحة الكف.

(2) البكر: الجديد أو أول الشيء.

(3) يئد: من أده الأمر: أثقله وعظم عليه.

(4) يفيثوا: مضارع ماضيه فاؤوا، وهو هنا بمعنى يعمدوا أو يلجؤوا.

(5) الشدق: جانب الفم من باطن الخد.

(6) الودق: المطر.

(236)

 

أيـــــــــها الــعيد أنت أبـــــــــعد مـــــــــما          نحتوه مـــــــــن الـــــــــنعوت وشــــــقوا

إن مـــــــــعنى تريده منـــــــــك دنـــــــــيا          الله أســـــــــمــــــى ممـــــــــا رأوا وأدق

لـــــــــست بالعــيد أو يسود القـــــــــوانيــ           ــن بأيدي الحكـــام عدل وصـــــــــدق(1)

وبـــــــــأن يـــــــــفهموا وكـــــــــم تكشف          الأيام أن الشـــــــعوب لا تـــــــــسترق(2)

وبأن تـــــــــسمع الــــــــصروح نـــــــداء           السفح حـــــــــتى يــــزول حقد وحمق(3)

وبـــــــان توسع الهوامـــــــــش إبعـــــــــا           داً وأن يدخـــــــــل الحيـــــــــاة الأحــــق

مـــــــــن أنــاس عاشوا الحياة فقاعـــــــــا           ت إذا مســـــــــها النـــــــــسيم تطـــــــق

ويذاد الغربان عن سرحـــــــــة الــــــــرو           ض ليشدوا عـــــــــلى الخـــمائل ورق(4)

فـــــــــترقب أولا فــــــــذي خدعة الأحـــ           ــلام أن العرجـــــــون في النخل عذق(5)

***

_______________
(1) أو: حتى.

(2) لا تسترق: لا تستعبد.

(3) الصروح: جمع صرح، وهو القصر العالي وقصد المقيمين فيه.

(4) يذاد: يردون ويدفعون. والسرحة: الشجرة العظيمة الطويلة. والورق: جمع ورقاء، وهي الحمامة ذات اللون الرمادي.

(5) العرجون: العذق الذي هو من النخل كالعنقود من العنب، والعذق مثله مأكولاً ما عليه.

(237)

 

الخوف من المجهول

       نظمت بلبنان في مناسبة عام 1955م

ســــــهرى أصـــــــــاخ اللـــــــــيل يســـــــــمع تحـــــــــت جـــــــــانحها الوجيـــــــــب(1)

محـــــــــمومــــــــة النـــــــــهدات يلفـــــــــح فـــــــــي ترائـــــــــبها اللـــــــــهيـــــــــب(2)

نــــــــــظراتـــــــــها مـــــــــشدوهـــــــــة           لا تـــــــــعرف الوضــــــع الرتـــــــــيب

وبعـــــــــــــينها لاح الشــــــــــــرود ينــــــــــــم عـــــــــــن قـــــلـــــــــق عــــجــــيــــــب

تتـــــــــطلـــــــــع الآتـــــــــي كمــــــــــــا          يتلـــــــــفت الـــــــــنائي الغـــــــــريب(3)

وبـــــــــها شـــــــــعور مـــــــــبهـــــــــــم          يشـــــــــتاق معـــــــــرفة النـــــــــصـيب

هـــــــــل تخـــــــــطىء الأقـــــــــدار فيـــــــــمن ترتـــــــــضـــــــــيه أم تصـــــــــيب؟(4)

وهـــــــــل الــــــــــحـــــــــياة مـــــــــباءة          للـــــــــنتن أم روض رطـــــــــيــــب؟(5)

وهـــــــــل الـــــــــمفاتن عـــــــــندهـــــــا           ترضـــــــــي البعـــــــــيد أو القـــــريب؟

فـــــتكـــــــــورت وانـــــــــزاح عـــــــــن          ســـــــــيقانها الـــــــــروب القشـــــيب(6)

ومـــــــــضت تـــــــــشد مســــــــــــــلسلاً          في صـــــــــدرها فيـــــــــه صلـــــيب(7)

وتـــــــــساءلـــت: أتـــــــــــرى تــفـــــــــوز بـــــــــــمن تحــــــــــــب ولا تـــخيـــــــــب؟

_______________
(1) السهرى: التي سهرت حتى وقت متأخر من الليل. والوجيب: دقات القلب.

(2) النهدات: التنهدات أو مد النفس حزناً أو ألماً. والترائب: عظام الصدر مما يلي الترقوتين حيث تتردد الأنفاس مفردها: تريبة.

(3) تستطلع الآتي: تتشوق لمعرفة ما سيحصل مستقبلاً.

(4) الأقدار: جمع قدر، وهو القضاء الذي قرره الله عزوجل للعباد.

(5) المباءة: المنزل أو المكان المناسب ليعاش فيه من كائنات خاصة والنتن: هنا رمز للفساد العام في الحياة.

(6) الروب: عامية بمعنى الثوب.

(7) المسلسل: السلسلة الذهبية أو المعدنية التي تتزين بها النساء.

(238)

 

ومــــــــشــى بــــــــــعينيـــــــــــها خــــــــــيال عــــــــــــابــــــــق شــــــــهداً وطيــــــــب

وبـــــــــــثــــــــغرها جــــــــوع إلــــــــى           قبــــــــل الهــــــــوى لــــــــو تـــستجيب

فتــــــــــهالــــــــكت وبـــــــــجسمــــــــها الخــــــــدر الــــــــمحبب والــــــــدبيــــــــــب(1)

واســــــــتسلــــــــمت للــــــــمخــــــــدع الـــــــــوردي تــــــــــحلم بــــــــالحــــــــــبيب(2)

***

_______________
(1) تهالكت: ألقت بنفسها على الفراش أو غيره. والدبيب: الإحساس بتحرك لذيذ في داخلها.

(2) المخدع: الحجرة في البيت.

(239)

 

طرد المرارة

       نظمها بالقاهرة وارسلها للدكتور أحمد الحوفي أستاذ الأدب بدار العلوم أثناء إجرائه عملية لقلع المرارة وذلك سنة 1971م.

أخـــــــــبرني بـــــــــأن أستاذنا الحوفي قـــــــــد جـــــــــرحوه ولا عـــــــــن عـــــــــداوه

نزعوا مـــــــــن حـــشاه ما كان مـــــــــراً          وسيغـــــــــدو نـــــــــقاهة ونــــــــقاوه(1)

كنت كالدهـــــــــر فــــــيه حلو ومـــــــــر           فتمحـــــــــضت بعـــــــــدها للـــحلاوة(2)

ليـــــــــت كـــــــــل امـــــرئٍ يزيلون عنه          مره كـــــــــي تـــــــــزول كــــل القساوه

فـــــــــالورى قـــــــــد طـــــــــــغت عليهم مرارات وحـــــــــقد مدمـــــــــر وشـــــــــقاوه

والنـــــــــفوس التـــــــــي عهــــــــــدنا بها الرقة واللطف أشـــــــــبعت بالضـــــــــراوة(3)

وكـــــــــثير مـــــــــن الأكـــــــــف الــــتي ترفع عند التسليم صـــــــــارت هـــــــــراوه(4)

وكـــــــــأن الأخـــــــــلاق وهـــــــــي جمــــــــال المرء عادت على النفوس إتـــــــــاوه(5)

فتـــــــــقبل طـــــــــلاوة فـــــــي شعوري           نحوكـــــــــم إن منك هذ الـــــــــطلاوه(6)

فاتـــــــــل هـــــــــذي الأبـــــــــيات فـــــــــهي رســـــــــول بيــــــننا طاب ثغركم بالتلاوه

***

 

_______________
(1) النقاهة: فترة تماثل المريض للشفاء بعد عملية أو علاج.

(2) تمحض: تخصص.

(3) الضراوة: الشراسة والشدة.

(4) الهراوة: العصا الضخمة.

(5) الإتاوة: المبالغ تؤخذ كرها من صاحبها.

(6) الطلاوة: الحسن والبهجة والقبول.

(240)

 

رسالة إلى سجين

 

خفـــــــــف الله عـــــــــنك يا أعــــــصابي          ولو أن الأعباء فـــــوق النـــــــــصاب(1)

لـــــــــيس من صاح والحمولة فـــــــــوق           الطوق والوسع مــــــوقع اســـــــــتغراب

فإذا المـــــــــنكب الـــــــــقوي لـــــواه الــ           ــخطب فـــــــــي عنـــــقه فليس بعاب(2)

تعـــــــــصف الريـــــــــح بالقوي من الدو           ح فـما شـــــــــأن يابـــــــــس الأحــطاب

إـــــــــنني رغـم هيكل يخدع العيـــــــــنين          نضـــــــــو مـــــــــلفع بـــــــــالثيـــاب(3)

أخـــــــذت منه عاديـــــــــات اللــــــــيالي           وأذابـــــــــته فـــــــــرقـــــــــة الأحــباب

وبقايا مـــــــــن خـــــــــافقٍ لم يزل يرزح           بالعبء مـــــــــن صـــــــــنوف الــعذاب

هــــــــو لولا الحريق تحت ضــــــــلوعي           قلت ولى ومـــــــــا لـــــــــه مـــــن إياب

وبقايا مـــــــــن كبـــــــــرياءٍ أبــــــــت أن          أتداعى أمـــــــــام وقـــــــــع المــــصاب

يــــــــــا رهيناً في محبسٍ دونه المـــــــــو           ت لمـــــــــا يحـــــــــتويه مـــــن إرهاب

ولدي طـــــــــوح الأســـــــــى بســــروره          فأنـــــــــا لـــــــــوعة وفــــــــرط اكتئاب

عـــــــدت جرحاً يترجم الحزن بالـــــــــنز          ف وعاد الترديـــــــــد باســـــمك دابي(4)

يستوي الليل والـــــــــصباح بعـــــــــــيني           وصوت من بـــــــــلبل أو غـــــــــــراب

فســـــــــواء فـي مقلتي الروض والصحــ           ــراء كل الوجـــــــــود مــــحض يباب(5)

وفـــــــمي من مرارةٍ ليـــــــــس فـــــــــيه           لــــــــــذة للطعـــــــــام أو للـــــــــشراب

إن تكن بالســــــــجون تغتـــــــــالك المحــ           ــنة من وحــــــشةٍ وطول احتجـــــــــاب

_______________
(1) فوق النصاب: كناية عن الكثرة المجهدة، إذ النصاب من الشيء: القدر الذي يصيب كل فرد منه.

(2) العاب: العيب.

(3) النضو: المهزول المجهد.

(4) عاد دابي: صار عادة بي، أو تعودت على ترديده.

(5) محض يباب: مجرد شيء خرب (خراب).

(241)

 

فأنا مـــــــــن أســـــــــاك فـــي ألف سجن           فلئـــــــــن عــــــــــشت في وسيع رحاب

سجــــنتني مشاعـــــــــري وهـــــــــمومي          وبداني أســـــــــىً وطــــــول اغتراب(1)

يـــــــــا عيــــوناً في خيمةٍ من ظـــــــــلامٍ          غيهبـــــــــان مـــــــــمدودة الأطـــناب(2)

أين إشـــــــــراق الـــــــــشمس مـن سجنك          المظلم أيـــــــــن الأصيــــــل عند الغياب

ورفــــــــيف السنا على صــــــــحوة الور           د وسجـــــــــع الطــــــــــيور في أسراب

والأمـــــــــاني المــــجنحات الـــــــــلواتي           يتبـــــــــرجن فـــــــــي حــلوم الشباب(3)

والهوى في عينيك زهـــــــو وعطـــــــــر           وعـــــــــروس أنيـــــــــقة الجلبـــــــــاب

كل هـــــــــذا تغـــــــــولته ســــــجون الــ           ــقوم في بـــــــــعض ما بها من عقاب(4)

عصـبة ما لها إلى الخـــــــــير سبـــــــــق           ولها السابقـــــــــات فـــــــــي كـــل عاب

الـــــــــمآسي والـــــــــقتل والبطش والتنــ           ــكيـــــــــل مـــــــــما تجــــــيد من ألعاب

أي رزءٍ وســـــــــوء طـــــــــالع شــــعبٍ           أن يولى قانـــــــــون ظـــــــــفرٍ ونــــاب

أيـــــــــها الـــــسجن خل علمت بـــــــــمن          فيك من القابـــــــــعين فـــــــــي سـرداب

مـــــــــن كبـــــــــيرٍ مــــــــــــهدمٍ وصبيٍّ           مشرق الوجنتين غـــــــــض الإهـــــــاب

وحصـــــــــانٍ كـــــــــريمة الأصــل عفٍ           عاث في طهرهـــــــــا رعيـــل الذئاب(5)

وصغــير غر روى الرعب فـــــــــي عيــ           ـنيه ما لا يرويـــه ألـــــــــف كـــــــــتاب

أخـــــــــذوه وخلـــــــــفه قـــــــــلـــــب أم           مثل خفق الجـــــــــناح فــي الإضطراب

وأب يصـــــــــرخ الذهـــــــــول بــــعينيــ           ــــه ويشــــتد فاقـــــــــداً للصـــــــــواب

سحـــــــــقتهم مـــــــــرارة الـــيأس والتنــ           ـــكيل واستسلموا لوخـــــــــر الحــــراب

ضوؤهم في سجونهم مـــــــــن ظــــــــلامٍ           وغـــــــــطاهم وفـــــــــــرشهم من تراب

_______________
(1) وبداني: ظهر علي أو ابتدأني وابتدرني.

(2) الغيهان: الظلمة الشديدة. والأطناب: جمع طنب، وهو الحبل الطول الذي تشد به الخيمة.

(3) يتبرجن: من التبرج: يتزين.

(4) تغولته: اغتالته أو قتلته على حين غرة.

(5) الحصان: العفيفة أو العف.

(242)

 

شبـــــــــعت مـــــــــنهم الــــسياط وجاعوا          وانطـــــــفى النور في العيون الخوابي(1)

وانـــــــــمحى فـــــــي وجوههم كل تعبيـــ           ــر فلا مـــــــــن رضـــــا ولا من عتاب

مـــــــــا لـــــــــديهم إلا سـؤال لمـــــــــاذا           دخلوا الســـــــــجن دونمـــــــــا أســـباب

ثـــــــــم هـــــــل من نهايةٍ ولو الـــــــــمو           ت تريح النفـــــــــوس مـــــن أوصاب(2)

ألحفوا ثم ألحـــــــــفوا فـــــــــي ســــــؤالٍ           ظل في سمع القـــــــــوم دون جـــواب(3)

أيـــــــــها الـــــــــقابعون لا تطلبوا الرحــ           ــمة والرفق مـــــــــن وحـــــــوش الغاب

***

أـــــــــيه شـــــــعبي يا زورقاً تعبـــــــــث           الأمـــــــــواج فـــــــــيه بهادرات العباب

مبـــــــــهم نـــــــــهجه أفــــــــي خطأ يمــ           ـشي إلى القصد أم مشى فـــــــي صواب

منذ جـــــــاء الدنيـــــــــا أتاها رديفـــــــــاً           لـــــــــسواه بـــــــــجيئةٍ وذهاـــــــــب(4)

مـــــــــا استـــــــــقلت بــــه الدروب بيومٍ           أو خـــــــــطاه تـــــــــمرســــت بالشعاب

فـــــــــامتطاه خصمك ولـــــــــم يكفهِ ذلك           بل قد ســـــــــماه شـــــــــر الــــــــدواب

تاه في مـــــــــلاحيه بيـــــــــن الـــشواطي          وكبت مقـــــــــلتاه وســـــــــط الــضباب

وانـــــــــتهى في مـعلـــــــــميه على حســ           ــن النوايا لغلـــــــــطةٍ فـــــــــي الحساب

وصحـــــــــا وعـــــيه وقد قمر القـــــــــد           ح رعيـــــــــل الأزلام والأنصــــــاب(5)

 

 

_______________
(1) الخوابي: جمع خابية وهي التي لم تعد تبصر لعدم قدرتها على الاستجابة للنور. من خبث النار: إذا سكنت وخمد لهبها.

(2) الأوصاب: الأوجاع والأمراض أو التعب والفتور في البدن: مفردها وصب.

(3) ألحف في السؤال: كرره في إلحاح، ألح عليه.

(4) الرديف: الراكب خلف الراكب، أو التابع لغيره.

(5) قمر القدح: راهن. ورعيل الأزلام والأنصاب: المقامرون. والأزلام: قطع من الخشب كان العرب في الجاهلية يقترعون بها عند الأصنام. والأنصاب: ما نصب وعبد من دون الله عز وجل. قال تعالى: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان) (سورة المائدة/90).

(243)

 

والفتـــــــــي الــــــــــفصيل لا يحرز السو          ط إذا صـــــــــار بيــــــن جردٍ عراب(1)

ورجعنا قتــــــــلى وأســـــــــرى وجرحى           ونجا الرهط مـــــــــن ذوي الألــــــــباب

نــــــــحن بالسهل حيث يغرقنا الطـــــــــو           فان والآخـــــــــرون فـــــــــوق الروابي

وإذا مـــــــــن خـــــــــلناه يصـــلح ما ضا           ع ضياع مـــــــــشى بـــــــــنا لتـــباب(2)

وارتضى بعـــــــــد ذلـــــــــك الأمـل الطا           مح فـــــــــي أن يعـــــــــيش بالألـــــقاب

خـــــــــمة تـــسكن الحضيض وأنـــــــــف          قصرت عنه ناطحـــــــــات الـــسحاب(3)

الـــــــــدنا حـــــوله على النجم تبـــــــــني           وهو بـين البـــــــــناء والإعـــــــــراب(4)

أيـــــــــها الــدرب مذ ولجـــــــــناك أدميــ           ــت لنـــــــــا مـــــــــن أصــــابع وكعاب

واســتساغت أفـــــــــواهنا المر أكـــــــــلاً           وشراباً علـــــــــى مـــــــــدى الأحقـــاب

وهـــــــــربنا للحـــــــــلم عــن واقـــــــــع           مر فـــــــــجادت ضــــــــروعه باحتلاب

فاسترحـــــــــنا ونــــحن ندري إلى الأحــ           ــلام حتى وإن تـــــــــكن مــــــــن كذاب

غيــــــر أن الأحقاد لم تـــــــــرض أن ننــ           ــعم حتى بالحلـــــــــم فـــــــــي أهـــداب

فـــــــــأفقـــــــــنا علــــــــى شفارٍ تشظيـــ           ـــنا وعسفٍ وضـــــيعةٍ وخـــــــــراب(5)

واستجبنا لكـــــــــل هـــــــــذه المآســـــــي          والمعانـــــــــاة بــــالعجيب الـــــــــعجاب

خـــــــــدر واســـــــــتكانة وانــقـــــــــسام           واجهتـــــــــه العـــــقول باستـــــــــغراب

أي رد هذا عـــــــــلى هجـــــــــمة الخطــ           ــب أهـذي حصـــــــيلة الأتــــــــــعاب؟!

أقصارى المــخاض أن نحـــــــــسن الرقــ           ــص على عــــــــزف مــــزمر الأغراب

_______________
(1) الفتي الفصيل: المفصول عن أمه حديثاً من الجمال أو غيرها. لا يحرز الشوط: لا يفوز بالسبق في السباقات. والجرد العراب: الخيول الأصيلة.

(2) التباب: الخسران والهلاك.

(3) الحضيض: ما سفل من الأرض.

(4) وهو بين البناء والإعراب: في جدليات عقيمة.

(5) الشفار التي تشظي: الأسلحة التي تمزق وتفرق وتقتل.

(244)

 

تــــــــلك كــــــــانت أدلــــــــة بــــــيد الغا          صــــــــب فــــــــي أنـــــــنا تبيع نابي(1)

ودمــــــــانا جــــــــوائز بـــــــيد الــــــــقا           تــــــــل والــــــــمستــــــــفيد والــنصاب

فــــــــإلى كـــــــم تظل يــــــــا أيها الركــ           ــب كــــــــما أنـــــــت حاضر في غياب

ومــــــــن الـــرزء أن وعيــــــــك لا يحــ           ــفظ مــــــــا مــــــــر فــــيه كالميزاب(2)

فــــــــإذا رمـــــــت أن تكرمــــــــك الدنــ           ــيا وتمــــــــتد فــــــــي جــــــناب مهاب

فتــــــــمرد علــــــــى تـــــمائم رهــــــــطٍ           ما بهــــــــم غــــــــير نــــــــافخ بـجراب

ما لتحصيل الفوز فــــــي شــــــــرف الغا           ية كالــــــــسيف مــــــــن دعــــاءٍ مجاب

***

_______________
(1) التبيع: التابع: والنابي: النافر الذي في غير محله.

(2) الميزاب المزراب أو المرزاب الذي تسيل منه المياه من أعلى السطح عند الإمطار.

(245)

 

مأساة لبنان

 

أشـــــــــرقت نـــــــــجمة يقـــــــوم بها ما    بـــــــــين لبـــــــــنان والنــــــــجوم سفير

ســـــــــألت تـــــــــربها وقـــد ملئت رعباً           وبالأرض جــــــــــــاحم وسعـــــــــير(1)

أحـــــــــرق النبع والــــــــــعرائش والأفــ           ــياء فالـــــــشاطئ الجميم هجـــــــــير(2)

والشفيـــــــــف المـــــــخضل عند ذرا لبــ           ــنان أفــــــــق مـــــــــعتم وقـــــــــتير(3)

هـــــــــزها مـــــــــا رأته فـــانبعـــــــــثت          تسأل هل للـــــــــذي تـــــــــرى تفسير؟!

أتـــــــــكون الجـــــــــنان نــــــاراً وله في           طبعـــــــــه النــــــــــاعم استبد الحرير؟!

مدفع ضـــــــــابح وأشـــــــــلاء تــــــدمى           وصـــروح يطالهـــــــــا التـــــــــدمير(4)

وظــــــلام داج وأشـــــــــباح تـــــــــمشي           ليس تدري أيـــــــــن الـــــسرى والمسير

يشتكي الــثكل للضيـــــــــاع ويـــــــــدوي           الدم للدمـــــــــع والدمـــــــــى تــــستجير

وحكايا الـــــــــجوع التـــــــــي كـــــــتبت           للدهر ما يقشـــــــــعر مــــــــــنه الضمير

صـــــور للأســـــــــى تـــــــــعذر أن يشــ          ـــرح مـــــــــقدار حجـــــــــمها الــتعبير

هبــــــطت بالإنســـــــــان عن رتبة الوحــ          ــش وشـــــــــالت بــالوحش فهو أمير(5)

مـــــــــا لـــدينا الوحش اختيـــــــــار وللنا           س بـــــــــما يصـــــــــنعونــــــــه تخيير

ولـــــــــدى الوحـــــــــــش شافع أنه وحــ           ــش ومـــــــــن فــــــرط جوعه تبريز(6)

أوهذا لبنـــــــــــان كلا ولـــــــــو كـــــــــا           ن لضـــــــــج الـــــــــسنا وفــــاح العبير

_______________
(1) الجاحم: الجمر الشديد الاشتغال، وقصد بالجاحم والسعير: لهيب الحرب والعدوان.

(2) الشاطئ الجميم: الذي كان يستجم به ويتخذ للراحة والاستجمام.

(3) القتير: المبخول عليه والمقتر عليه والمضيق عليه.

(4) مدفع ضابح: شديد التصويت والدوي. من ضبحت الخيل: إذا صوتت أنفاسها في جوفها.

(5) شالت بالوحش: رفعت قدره.

(6) التبريز: الظهور.

(246)

 

ولـــــــــخفت بالمـــــــــجينا رقـــــــصات           وقـــــــــدود من طبعـــــــــها التكـــــسير

ولـــــــــعربدن بالســـــــــفوح دنــــــــــانٌ           فهـــــــــو من يـــــــــوم خــــــــلقه سكير

أوهـــــــــذا الأفـــــــــق الــــــــذي بالعتابا          كـــــــــاد فـــــــــي ليــــله يضيء الزفير

ونــــــوادٍ لولا الجـــــــــواذب بـــــــــالأر           ض لـــــــــكادت بــــــــــالراقصين تطير

وخصـــــــــور بالأذرع اللدن تــــــــطوى           وصدور بــــــها فـــــــــراش وثـــــــــير

ومـــــــــروج خـــــــــضراء يسرح فيـــها          صائد مـــــــــاهر وظـــــــــبي عـــــزيز

ورفـــــــــيق الـضحى ومنـــــــــجيرة الرا           عي ونبع يفتـــــــــن فـــــــــيه الـخرير(1)

وثغاء لمعـــــــــــزة وأبـــــــــو طنـــــــــو           س يـــــــــروي مـــــــــواله والغـــــــفير

ورواب تلـــــــــفعت بالســـــــــنـــــا والــ           ــعطر فهي الأضواء وهي الزهـــــــــور

وصـــــــــبايا مـــــع الفراشات تلـــــــــهو           وغد حـــــــــالم وطـــــــــرف قــــــــرير

ونسيج من مـــــــــثل هـــــــــذا عـــلى أنــ          ــس فـــــــــلا غصـــــــــة ولا تــــــكدير

لـــــــــو سالت الخيال أن يحتـــــــــوي أر           وع منـــــــــه لقـــــــــال: هـــــــذا عسير

أين لبنـــــــــان الـــــــــيوم مــــــــــما أراه          أكـــــــــذا الـــــــــدائـــــــرات حين تدور

الـــــــــرياض الـــــــــمؤنقات جحـــــــــيم          والقصـــــــــور المـــــــــجنحــــات قبور

لـــــــــيس مـن طبعه الـــــــــمدافع من من          طبــــــعه أن يـــــــــغرد الـــــــــشحرور

ومـــــــــروج خـضر بها ألف جـــــــــوق           تستعيد الأنغـــــــــام فـــــــــيه الـــــطيور

عابثات بـــــــــها الـــــــــمدافع فــــالقصــ           ــد عديم والـــــــــواتـــــــــر المـوتور(2)

ومـــــــــن الخبط بالمقاييس أضـــــــــحت           تتـــــــــساوى احـــــــــادها والكــــــسور

حضـــــــــنت بــــــيضها الغرائب فالنســـ           ــل هجـــــــــين ما أنـــــــــجبته الجـذور

_______________
(1) الخرير: صوت المياه الجارية في مسيلات المياه.

(2) المؤتور: من قتل له قتيل فلم يدرك بدمه.

(247)

 

إن مـــــن يستـــــــــسغ أن يـــــــــدخل الذ           باح في بيتـــــــــه بـــــــــذبح جــــــــدير

كـــــــــل مــــــعطٍ بدون آخـــــــــذ لا يعــ           ــطي ومن يرتض الصغير صغــــــــــير

وغـــــــــريب بـــــمن غدا سلـــــــــعة للــ           ــبيع لو قيـــــــــل إنـــــــــهُ مــــــــعذور

ثمـــــــــن الـــــــــدم مـوقف يصنع المجـــ          ــجد وعـــــــــارٌ عــلى الدماء الأجور(1)

***

قــيل حرب الأديان تحـــــــــرق لـــــــــبنا           ن وما بـــــــــينها صـــــراع مريـــــــــر

قلـــــــــت عيــــــــسى وأحمد أنـــــــــبياء           الله والله واحـــــــــد والمــــــــصـــــــــير

ومـــــــــن الجـــــــهل أن يعالج بالـــــــــبا          رود ما قـــــــــد يـــــــــحله التفـــــــــكير

وإذا رهـــــــــك أحمـــــدٍ يستـــــــــحر الــ          ــقتل والويــــل بينهـــــــــم والثـــــــــبور

وإذا الراجـــــــــمات فـــــــي رهطٍ عيسى           بتعاليــــــــمه الـــــــــجحود الكـــــــــفور

وعـــــــرفنا أن الحروب هـــــــــي الأطــ           ــماع يقتـــــــــادها الـهوى الشـــــــــرير

إي ديـــــــــن هـــــــــذا الـــــــــذي حملوه           سلســـــــــلاً قـــــــــد تقـــــــــلدته النحور

وخلت منهـــــــــم الــــــــقلوب من الرحــ           ــمة والخـــــــــير والهـــدى فهي بور؟(2)

أيها المـــــــــعتلون عشـــــــــرين عرشاً            حضـــــــنتها جنـــــــــائن وقصـــــــــور

ســـــــــورتها فـــــــــيالق وحـــــــــشود             ومتى كـــــــــان للبـــــــــطولة ســـور(3)

الحســــــــام الصقيل عريان يـــــــــوم الــ           ــروع يجلى بلمعـــــــــه الديــــــــجور(4)

حسبكم من جــــــــراحنا حـــــــــسو صهبا          ء وحسب الـــــــتأريخ كـــــــــذب وزور

قد عرفنا الـجراح تـــــــــضرى إذا ابتزت           ويـــــــــغلي صـــــــــديدها ويفـــــــــور

_______________
(1) الأجور: الأجير العميل.

(2) بور: خالية من الخير والرحمة كالأرض الخالية من الزرع.

(3) سورتها فيالق وحشود: حرستها.

(4) الديجور: الظلام.

(248)

 

فاحمـــــــــلوها مـــــــــلاحمـــــــاً وحذاراً           أن تعود الجراح وهـــــــــي جســـــور(1)

مــــــــنذ دهرٍ وكل لـــــــــبنان مـــــــــأسا          ة وأنتـــــــــم مـــــــــــسرة وحـــــــــبور

ليـــــــــس يـــــدري نـــــــــهاركم أين ليل           لا ولا تعـــــــــرف الـــــــــمساء البـكور

كلـــــــــها بالأضواء بـــــــــحر من النشــ           ــوة والسابحـــــــــــات غيد وحـــــــــور

حسبـــــــــكم وانــــــــزلوا إلى الساح يوماً          لتروا ما تشـــيب منـــــــــه الدهـــــــــور

شـــــاطرونا الهموم إنـــــــــا شـــــــــراعٌ           واحد إن أتت صــــــــباً أو دبـــــــــور(2)

أوليـــــــــس الـــرؤوس أجزاء في الأجـــ           ــسام ســـــــــاوى مــــــــا بينهن العور؟!

وصحـــــــــيح أـــــــــنتم صـــــدور ولكن           دونما الذيل لا تـــــــصير الصـــــــــدور

أوليـــــــــس النشاز أن توجـــــــــع الأغــ           ـــراب آلامكم وأنـــــــتم صخـــــــــور؟!

أذوو الدار غيب وهــــــــــي تشـــــــــوى           بلظاها والـــــــــعابرون الحـــــــــضور؟

أومـــــــــا آن أن تبــــــينوا كـــــــــما أنـــ           ــتم فـــلا مضـــــــــمر ولا مستـــــــــور

صارحـــــــــونا أنـــــــــحن أحـرار تمشي          كيف شـــــــــئنا عــلى يدينا الأمـــــــــور

أم رقيــــــــــق أربابـــــــــنا تتـــــــــوارى           خلف أستارها ونحــن الظـــــــــهور؟!(3)

وكفاكم زيف الصــــــــروح اللـــــــــواتي           هي وهـــــــــم وبــــــاطل وغـــــــــرور

كـــــــــم رسمـــــتم لنا القيود ســـــــــواراً           والقشـــــــــور اللبـــــــــاب وهي قشور!

إيه لبنان هـــــــــل بوعـــــــــيك أيـــــــــا           م هنا عشتهــــا وفـــــــــيها الكـــــــــثير؟

يوم قلبي مثـــــل الفـــــــــراشة طـــــــــوا           ف على الحقـــــــــل هـــــــــائم مـسحور

وزمان الصبـــــــــا بــــه الرمل تـــــــــبر           والتراب الـــخابي أنـــــــــيق نظـــــــــير

الهوى والشباب والنـــــزق الأربـــــــــعاء           عـــــــــن يـــــــــفديه كـــــــل عقلٍ وفير

_______________
(1) لا تسمحوا باستغلال نضالكم لعبور جديد إلى الحكم من قبل الانتهازيين.

(2) الصبا والدبور هنا ريحان متعاكستا التأثير رمز بهما إلى المصر المشترك في السراء والضراء.

(3) ونحن الظهور: الظاهرون في الواجهة أو على الساحة ظاهراً.

(249)

 

كل حســـــناء ترتـــــــــئيك لـــــــــها كالــ           ــبدر كل يقـــــــــول عنـــــــــدي مـــنير

لـــــــــم أزل أصطـــــــــلي وهــــــجٍ منــ           ــه إذا هز أضـــــــــلعي الزمـــــــــهرير

وبـــــــــوعيي مــــــــــــن وقده ما لو اجتا          ز على الميت ينـــــــــهض الـــــــــمقبور

أيـــــــــن مـــــــــني أيـــــــــامه ولــــياليــ          ــــه ووقع مهـــــــــمس وعـــــــــطور؟!

ذهبـــــــــت كـــــــــلها ونـــــــــام بـــبطن           الأرض ترب من الصــــبا وعشيـــــــــر

ويـــــــــح هـــــــــذا الـثرى لدى كل جزءٍ           فيه جـــــــــيل وحـــــــــادث ودهــــــور

فـــــــــلو أن الـــــــــتراب أفــــــــق لهلت           فـــــــيه ما شئـــــــــت أنجم وبـــــــــدور

هـــــــــائمات مشـــــــــاعري بلــــــــحودٍ           منه أســـــــــرى ومـــــا لها تحريـــــــــر

خـــــــــدعتك الـــــــــرؤى إذا هـــي تعني          أن عوداً لـــــــــذاهب مــــــــــــــقدور(1)

وبــــــــــــــرجع الصدى إذا راحت النغـــ           ــمة شـــــــــيء فـــــــــليغنيك الـــميسور

ليـــــــــس لـــــــــي حـــــاضر فأمرع فيه           الـــــــــدوالي ذوت وجف النمـــــــــير(2)

وغـــــــــدي مـــــــــوحش فــما هو معنى           سامرٍ لـــــــــسي فــي فناه سمـــــــــير(3)

لـــــــــم يــــــــعد لي إلا طيوف من الأمــ           ــس إليهـــــــــا بنـــــاظري أستديـــــــــر

ولـــــــــكم أستـــــــعير منـــــــــها وتعطي          وإلى كم يظل يعــــــــطي المعـــــــــير؟!

إنها خلفت ويا لــــيت لـــــــــم تفـــــــــعل           ذكـــــــــرى بـــالقلب منها زفـــــــــير(4)

وتـــــــــبدت عـــــــــلى أخـــاديد في وجــ           ــهي لرســـــــــم الــــــتاريخ منها سطور

_______________
(1) مقدور: ممكن الحدوث.

(2) أمرع فيه: أخصب وأربع وأسعد.

(3) السامر: مجلس السمر.

(4) هذا البيت ليس على وزن القصيدة العروضي (الشارح).

(250)

 

رسائل للأمس

 

تخـــــــيلته فاعشوشب الرمـــــل وأخضرا           فكيف لو استجليـــــــته منــــــــبعاً ثـــــــرا

مـــــــراح تــــــفيء النفس من جنباتـــــــه          إلى مستقـــــــرٍ نـــــــاعمٍ عشتـــــــه دهـرا

ثـــــــري بآلاء الشبـــــــاب وروضـــــــه           خضيل أشـــــــوكاً أنبــــت الحقل أم زهرا

طليـــــــق الـــــــمحيا مـــا اكفهرت ملامح          له في مــلمات الخـــــــطوب ولا ازورا(1)

على عهده في كل ما ضـــــــم واحــــتوى           وما جف من تلـــــــك الضـــروع وما درا

ســـــــلام بـــما أربى من الشوق مثــــــقل           وملتهب مـــــــما تؤجـــــــجه الذكـــــــرى

أفـــــــر لــه في خـــــــصبه وخضـــــــيله           من الواقـــــــع المــشنوق في هذه الصحرا

وهل غير أيـــــــام الـــــــشباب مـــــــوائد           تـــــــناول فـــيها الشهد أو تنشق العطرا؟!

فـــــــإن ذهـــــــبت أيـــــــامه فـــحذار أن           تسمـــــــي زمـــــــاناً عشـــته بعدها عمرا

أيا ذكريات الأمــــس أنـــــــت رقيـــــــمة           أطـــــــالع مـــــــن أمسي بأبعادها سفرا(2)

وأنهل من مضــــمونه ـــــــما بصـــــــفوه           تمـــــــايلت مــــن سكرٍ ولم أشرب الخمرا

غداة نداماي النجـــــــوم فمـــــــا لـــــــدى           نديي ســـــــوى الــجوزاء تألق والشعرا(3)

وعنـــــــدي مـــــن بالٍ رخي وغـــــــبطة           وعافـــــــيةٍ ما لا أحـــــــد لـــــــه سبــــرا

ومــــا ذاك من مـــــــالٍ وفيرٍ ومـــــــوقع           خــــطيرٍ ولا نعماء وارفـــــــها يـــــــترى

ولكنـــــــه خـــــــصب النفوس فـــــــدونه           ترى الجـــــــنة الخــــــــضراء يابسةً قفرا

_______________
(1) طليق المحيا: بشوش الوجه. واكفهرت الملامح: عبست الوجوه. وازور: أعرض عمن حوله وانحرف.

(2) الرقيمة: الرقيم، الكتاب. والسفر: الكتاب الكبير.

(3) الجوزاء: نجوم في السماء تشكل برجاً مميز الصفات من بروجها حسب تسميات علم الفلك. وكذلك الشعرى، إلا أنها نجمان فقط. والندي: النديم المنادم. وتألق: تلتمع.

(251)

 

ومن حقبةٍ جاءت على غـــــــير طبعـــــها          فمـــــــا صــدعت شملاً ولا حملت شرا(1)

فـــــــلو ســــــاغ لي بعت الزمان ببعضها           ولكـــــــنها مـــــــا لا يبـــــــاع ولا يشرى

يسائلني دربي وقـــــــد أوغـــــــل الــمدى           إلى أين تمشي فيك هذي الخــــطا الحيرى

فقـــــــلت لـــــــه خطــــو الغريب نبت به           مفاهـــــــيم جــيل عاش في ظله قســـــــرا

فــما وجدوا فيه خصائـــــــص جيـــــــلهم           وسحنة دنياهم لــــــكي يدخل العـــــــصرا

ولا وجـــــــد الـــــــنهج الـــــــذي يستميله          ليحيي به روحــــــاً ويحـــــــمله فـــــــكرا

فـــــــها هـــــــو يجــتاز الحياة بغربـــــــة           وحيداً بلا رهطـــــــٍ وقــــد بعد المسرى(2)

يخـــــــوض فــي ليلين لـــــــيلٍ بـــــــإفقه           وليل بـــــــروح عـــــــاشه فــــاحماً غمرا

أيــا ليل عصر النـــــــور كـــــــان بوهمنا          بأنك خـــــــير مـــــــن لـــــــيالٍ لنا أخرى

وقـــــــد فاتنـــــــا أن الليـــــــالي بطبــعها           ظلام فما فيـــــــها الــــــمرير ولا الأمرى

أطـــــــل علـــــــينا فـــــــيك وحــش ملفع           وقد خـــــــضبت بـــــــالدم أنـــيابه الحمرا

ومـــــــن بــــــدع الأيام وحش مـــــــقدس           توشح بالأخـــــــلاق واحـــــــترف الطهرا

فيا أيهذا هذا الـــــــليل لـــــــو أن ليــــــلنا           الذي ما حـــــــوى إلا الــــتهجد والذكرا(3)

إلـــــــى جـــــــانب المــحراب فيه كواسر           وجـــــــيل مـــــــن الأنـــــياب نعتده ذخرا

إذاً لتـــــــحامتــــــنا الوحوش ونهـــــــشها           فما عاث فينا طــــارق بـــــــلا ولا مرا(4)

فــإن الحمى من دون نـــــــابٍ فريـــــــسة          مهيأة حتى الجـــــــبان بـــــــها يغـــــــرى

أتيـــــــنا بليلٍ ليـــــــس مـــــــن جنس ليلةٍ          يقال لها بالذكر سبحـــــــان مــــــن أسرى

ولدنا به محـــــلولك الأفـــــــق أطـــــــلساً           فلست ترى نجماً يـــــــلوح ولا بـــــدرا(5)

_______________
(1) ما صدعت شملاً: لم تفرق الأحبة.

(2) رهط الرجل: عشيرته وقبيلته والأقربون، وما دون العشرة من الرجال.

(3) التهجد: صلاة الليل.

(4) تحامتنا الوحوش: اجتنبتنا. عاث الطارق: أكثر الدخيل من الإفساد وفعل الشر.

(5) المحلولك: المشتد السواد. والأطلس: ما في لونه غبرة مائلة إلى السواد.

(252)

 

ومـــــــا مـــــن نهايات لطول امـــــــتداده           كـــــــأن إلـــــــى يـــــــوم المعاد به جسرا

أنـــــــاخ عـــــــلى أرواحـــــــنا وعيــوننا           وعسعس لا يجلــــــى فيا لك معـــــــترا(1)

ولـــــــما حـــــــدانا ذات يـــــــوم تـــوثب           يحاول أن يستام مــــــــن طوقه كســـــــرا

تصـــــــدت لـــــــنا فــــي عتمه ألف مدية           تمزقنــا حقـــــــداً وتوسعـــــــنا جـــــــزرا

وكـــــــنا لهـــــا الكبش المقدس ذبحـــــــنا          إلى الله زلفى توجب القرب والأجـــــــر(2)

وثـــــــار عليــــــنا أهلـــــــنا ينـــــــعتوننا          بأنا بـــــــترك النــــــص نحتقب الوزرا(3)

كأن الســـــــما مـــــــا شرعت في نظامها           دفاعاً يصون النـــــــفس أو يــــدفع الضرا

ولا لعنت مستضعـــــــفين رضـــــــوا بأن          يناموا على ضيمٍ ويحتمـــلوا الوقـــــــرا(4)

فـــــــيا أهــــلنا حسب النفوس وداعـــــــةً           وإلا سنبقى عمر هذي الدنــــــا أســـــــرى

ووهم عنودٍ عـــــــاش فـــــــي خلـــــجاتنا          فما حـــاد عنا ذات يـــــــومٍ ولو شبـــــــرا

يـــــــصور وعـــــــداً قد خلقنا لأجلـــــــه           ويرسم حـــــــالاً فـــــــي ثــــــوابته قرا(5)

يـــــــرد الونــــا والعجز في خـــــــطواتنا           إلى قدرٍ مـــــــما يـــــــرد له يـــــــبرى(6)

ويجعله الممتد فـــــــي طـــــــول بـــــعدنا           يحــــتم فينا أن نـــــــجوع وأن نـــــــعرى

وأن نـــــــقطع الأعمـــــــار بالكدح والعنا           ونحتـــــــمل الحـــــــرمان والــذل والقهرا

ونـــــــشبع بالنــعماء من طول كدحـــــــنا           على بلهٍ مـــــــن راح يـــــــشبعنا فــــــقرا

أعــــيذ النهى أن يســـــــتكين لـــــــهاجسٍ          ويأبى الـــــــحجا أن يخدع الخبرا لخبرا(7)

_______________
(1) أناخ على أرواحنا: برك كما يبرك الجمل بثقله الكبير. وعسعس: أقبل. ولا يجلى: لا يخرج. والمعتر: الغليظ الكثير اللحم.

(2) زلفى: قربة. قال تعالى: (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى).

(3) نحتقب الوزر: نرتكب الإثم والذنب.

(4) الضيم: الظلم أو الإذلال. والوقر: ثقل السمع أو الصمم والوقر: الحمل الثقيل.

(5) قر: ثبت.

(6) الونى: التعب والإعياء والفتور والضعف. ويبرى: يتبرأ ويقطع الصلة بينه وبين الآخر.

(7) الخبر: الخبرة والعلم بالشيء والمعرفة ببواطن الأمور.

(253)

فعهدي بالأقــــــدار للحـــــــزم تـــــــنحني          وتتبـــــــعه بـــــــالجري إن حــــزم الأمرا

ومــــــن شر بلوانا الذيـــــــن تـــــــبرعوا           لتعليمنا التســـــــليم للخــــطب والصبرا(1)

يكيـــــــلون وعظـــــــاً للقتـــــــيل وليـتهم           أغاثوه يوماً وهـــــــو يســــــتطعم النصرا

فـــــــهلا تـــــــعافونا لنصـــــــنع فـــجرنا           ونرسم مـــــــسرانا ونخـــــــترق الـــــقبرا

فـــــــقد لعـــــــنتنا وانـــــــتهت لاحـتقارنا           دماء على تفـــــــريطنا شبــــــعت هدرا(2)

مضـــــــيعة بالـــــــقفر حتـــــــى رثى لها          حسام فراها واســــــــتباح لها نحـــــــرا(3)

***

وكـــــــم جـــــــذ منـا خصمنا دون رحمةٍ           نواجـــــــم قد تمتــــــد يوماً وقد تضرى(4)

ودفـــــف حتى استام مـــــــن خـــــــلجاتنا          نوابض فارتدت بأرقامـــــــها صـــــفرا(5)

وافرغ منـــــــا المـــــــحتوى فألحـــــــالنا           على أسفٍ من بـــــــعد مضــــــموننا قشرا

غثـــــــاءً علـــــــى ســـــــيلٍ نــــظن بأننا           نـــــــسير علـــــــى أنا يســير بنا المجرى

ومـــــــعذرةً يـــــــا مـــــــن لهــا بجراحنا          وأوهمنـــــــا بـــــــاللهـــــــو أن لـــه دورا

إذا مـــــــا رأيـــــنا فيك شراً من العـــــــدا          فشر العـــــــدا مـــــــن غال وعيك أو غرا

وقد يتقى من ينتضـــــــي الســـــيف جهرةً          ولا يتقى من يـــــــنتضي سيـــــــفه ســـرا

أمـــــــا أنضجـــــــت نار التجارب وعيكم           وقد سجرتكم في تـــــــنانيرهـــــا سجرا(6)

ومــا مر من وهج اللظـــــــى بكـــــــيانكم           ينضج حـــــــتى لـــــو وضعنا به الصخرا

أفي سمـــــــعكم وقــــــع السياط التي ثوت          ترائبـــــــنا أم أن فـــــــي سمــــــعكم وقرا

_______________
(1) التسليم للخطب: الاستسلام والصبر على الشدائد والمصائب.

(2) التفريط في الشيء: التقصير فيه وتضييعه. قال تعالى: (وما فرطنا في الكتاب من شيء) (الأنعام: 38).

(3) فراها: شقها أو قطعها.

(4) جذ: استأصل. والنواجم: الظواهر أو الحوادث.

(5) دفف: أسرع أو أجهر على الجريح.

(6) سجر التنور: أشبعه وقوداً وأحماه.

(254)

 

فإن خلتــــــمو أن الوقـــــــوف بنـــــــجوةٍ           يخلصكم من سطوة الوحش إن هـــــــرا(1)

هو الوهم فالطـــــــوفان فـــــــي عــنفوانه           إذا ما تمـــــــادى يغـــــــمر الــبحر والبرا

ومـــــــن بعـــــــض ما تقضي البداهة أننا          نسير بـــــدربٍ ليـــــــنا كـــــــان أو وعرا

شـــــــربنا بـــكأس واحدٍ عبـــــــر شوطنا           ولا فـــــــرق طـــــيناً كانت الكاس أم تبرا

فيا عاشقي النجوى ارفعوا الصــوت عالياً           فـــــما الهمس والرعد المجلجل قد صرا(2)

لقد كشف المــــــــستور في كـــــــل ما به           وأصــــحر ما أخفوه فاطرحـــــــوا السترا

ويا قمماً شـــــــماء ندعـــــــو لمجـــــــدها          بأن يعتلــي الجوزاء ما شـــــــارف ذرا(3)

أرى أنـــــــكم لـــــــما علـــــــوتم بــــعدتم          عن السفح حتى أجفل السفــــــح وانجرا(4)

فــلم لا تكونوا الشمس تدنو وإن عـــــــلت           وتهمي عـــــــطاءً بالجـــــديدين ماكرا؟(5)

لقد ألمـــــــتنا محـــــــنة الـــــــفكر عنـدكم          ومن نـــــــكبات الفكــــــــر لو حاد أو فرا

مـــــــشيم بـــــــه للســـــــهل تفـــــترعونه          وأولى به أن ينتحي السهل والوعـــــــرا(6)

ذرره يمـــــــد الظـــــــالمين ويــصنع الـــ           ــمعذب سيفاً يذبـح الـــــــظلم والكـــــــفرا

لمـــــــن هــذه الأزلام والردح والبـــــــنى           إذا لم تذد عسراً ولم تجــــــلب اليـــــــسرا

وما ساءنا أن تكـــــــبروا وتعــــظمـــــــوا          وأن تسكنوا الصرح الممرد والقــــــــصرا

فـــــــمن ســـــــعدنا أن نســـــــتظل بظلكم          فنسمـــــــو بكم مجـــــــداً ونــعلو بكم قدرا

ولكنـــــــنا نســـــــتامكم شكـــــــر نعــــمةٍ          ومثلكـــــــم لا يجـــــــهل الحـــمد والشكرا

_______________
(1) هر: أصدر صوتا تردد في حلقه يسمع ويدل على الغضب أو نفاد الصبر.

(2) صر: صوت.

(3) الشارف: عالي القدر أو المكان المرتفع المشرف. وذر: طلع أو أطل.

(4) انجر: انجذب أو أنسحب.

(5) تهمي: تسيل. والجديدان: الليل والنهار. وكراً: عادا مرة بعد أخرى.

(6) مشيم: من شام فلان السيف إذا سله أو أغمده. أو من: شام فلان السحاب أو البرق: نظر إليه يتحقق أين يكون مطره. أو من: شام مخايل الفتى: تطلع إليها مترقباً نبوغه. وتفترعونه: تبتدئونه.

(255)

 

وأن تغـــــــمـــروا أرواحـــــــنا بـــــــأبوةٍ          لكـــــــي تـــــــأخذوا مـــــــنا البنوة والبرا

ويا أنـــــــت يا أمــــسي بما فيك من رؤى          تســـــــبقى بـــــــقعر الروح تحفرها حفرا

فبعض الرؤى إن حاول الدهر طــــــمسها           تأبـــــــت وشـــــــعت في حـــــوالكه فجرا

عـــــــرائس يـــــــجلوها الخــــــــيال فيتة           فما كبـــــرت عمراً ولا نقصت سحـــــــرا

إذا عبــرت فـــــــي أضـــــــلعٍ باخ وقدها           مـــــــشت في حــــــوانيها فأوقدت الجمرا

أعد لي فـــؤادي إن قـــــــدرت لـــــــخفقه           ورد هـــــــزاري إن وجـــــــدت له وكـرا

فقد ضج بالأضلاع جـــــــرس مصــــــفد           يريد بـــــــأن يشــــدو ويخترق الصدرا(1)

وما العيش إلا غمـــــــرة الوقـــــد واللظى           فإن فارقـــــــتك الـــــــنار أبقـــت لك القرا

ويل فلـــــذات كنت اعـــــــتدهم غـــــــدي          وأقـــــــرأهم مستـــــــقبلاً زاهـــــراً نضرا

إذا جن ليلي أســــــــرجوا لي عيونـــــــهم           فآنـــــــست فيـــــها الدفء والأنجم الزهرا

أذبت بهم ذاتـــــــي فعـــــــدت مـــــشاعراً          تلفعـــــــهم عطـــــــفاً وتغــــــــمرهم بشرا

إذا بعدوا ألفــــــيتني القلـــــــب خـــــــافقاً           وإن حضـــــــروا ألفيــــــــتني الثغر مفترا

وإن رقدوا وطأت حـــــــضني فراشـــــهم           وإن لـــــــعبوا رحـــــــلت كتــفي والظهرا

أحبة قلبي كــــــيف أنتـــــــم وقـــــــد نأت           ديار وعاد الوصل ما بيـــــــننا هجـــــــرا

وكيـــــــف ســـــــجين عنــدكم هد من أبٍ           فـــــــعاد دعــــــاء في حشا الليل مضطرا

لو اني استرقت السمع أستعطف الـــــصبا           لتهدي إلى أذني من هـــــمسكم نـــــــقرا(2)

فـــهل لكم أن تمسحـــــــوا لي غـــــــربتي          وســـــــهدي بطيــف من وجوهكم الغرا(3)

ويـــــــا وطـــــــني لــــم لا تفك مشاعري           وترحـــــــل حـــــــتى أســـــتعيد دمي حرا

وأنى وقد عرشـــــــت فـــــــــي كل قطرةٍ           تـــــــمر بـــــــأوداجي فكــــــنت بها جذرا

_______________
(1) الجرس: الصوت الخفي أو النغم يتردد في الأعماق.

(2) الصبا: الريح تهب من الشرق رخية.

(3) الغرا: الغراء الحسنة البيضاء.

(256)

 

وألهــــبتني حتى جعـــــــــلت جـــــــــهنماً          لما يلتظي في جانحي تشـــــــــتكي الحرا

تطالعني بالصبــــــــح ورداً وبالـــــــــمسا           نجوماً وتجلو لي الشواطئ والنــــــــهرا؟

إذا رمـــــــــت أن أنــــــساك ضج بخافقي           هواك فمن إيقاعه أنـــــــــظم الـــــــشعرا

وما غاظـــــــني من يستبيحك وحـــــــــده           ولكن من ينساك في غضبي أحـــــــــرى

تناسى مع الأيام عشـــــــــقك والـــــــهوى           وراح بعيداً يعشق البـــــــــيض والـشقرا

معـــــــــاذ الـــشذا والرافدين ولمـــــــــعةٍ           على الحقل تزجيها سنابـلك الصـــــــــفرا

بأن يصطبيني غيـــــــــر نخــــــــلك باسقاً          وشطيك والنـــــــــاعور والرمــلة السمرا

ومـــــــــلعب أضـواءٍ درجت برمـــــــــله           أقاذف أتــرابـــــــــي بحـــــــــصبائه درا

يفضض ضوء الصبح مــــن ذكـــــــــواته           ويلبسها ذوب الأصيـــــــــل السنا تبرا(1)

خذ النوم من عيني والـــــــــــحلو من فمي           وذرني ســــــــقيماً أكرع السهد والمرا(2)

***

_______________
(1) ذكواته: اشتداد سطوعه وفوح روائحه الحلوة. من: ذكت الريح: إذا سطعت وفاحت.

(2) أكرع: أتجرع.

(257)

 

نبي السلام

       بمناسبة ولادة المسيح عيسى بن مريم عليه السلام.

كـــــــتب الـــــــكون عـــــــنه فــي تقريره          أنه الكـــــــون كـــــــله فـــــــي صــــغيره

وهـــــــو للـــــــعالمني طـــــــراً عــــطاء           فعلام الإصـــــــرار فـــــــي تــنصيره؟(1)

مـــــــولد للـــــــفداء جســـــــد روحــــــــاً          أنـــــــه روح الله فــــــــــــي تـــــــصويره

فتـــــــلقاه الـــــــكون نجـــــــماً وروضـــاً           وانـــــــتشى من شعـــــــاعه وعبـــــــــيره

آنســـــــت بـــــــين لـــــــحم طلـعة عيسى          في جـــــــلال مـــــــا حـدثوا عن نظيره(2)

خـــــــلق الله رحـــــــمة وجـــــــمــــــــالاً           وجـــــــلالاً فصبهـــــــا فـــــي ســـــــفيره

وتـــــــسامى بصـــــــنعه والـــــــنبـــــــوا           ت نسيـــــــج ممـــــــيز بـــــــحريـــــــــره

وبـــــــراه ليـــــــمسح الـــــــشر بـــالخيـــ          ـــر فكـــــــان الـــــــمســـــــيح في تبشيره

أيـــــــها الـــــــراهب الـــــــذي نـبذ الدنـــ           ـــيا وخـــــــلى كثـــــــيرهـــــــا ليــــسيره

خـــــــرقة عنـــــــد الـــــــعري ثـم رغيف          عند جـــــــوع وهجـــــــعة فـي حصيره(3)

ووســـــــاد مـــــــن الرمـــــــال وظــــــل           بذرا عوســـــــج الـــــــفلا فـــــــي هجيره

فــــالفـــــــلا كنـــــــوزه كـــــــل قلـــــــب          حمـــل الحـــــــب خـــــــالصاً لأمـــــــيره

ذاك سلـــــــطانـــــــه فأيـــــــن السلاطيـــ           ــن جمـــــــيعاً رمـــــــن جنــــده ونفيره(4)

كـــــــل عـــــــرش إن لـــــــم يــقم بقلوب           فهو طـــــــيف الـــــــخيال فـــــــي تعبيره

والنـــــــبوات عـــــــرشـــــــها مـن قلوبٍ           ليـــــــس يـــــــقوى شــــــيء على تغييره

_______________
(1) الإصرار في تنصيره: عده للنصارى خاصة.

(2) آنستها: أحسستها أو أحسست بها وأبصرتها عن بعد. والنظير: المناظر والمثل والمساوي.

(3) الهجعة: الرقدة والنوم.

(4) النفير: استدعاء الناس عامة لقتال العدو.

(258)

 

يا رســــول الســـــــلام إنـــــــك تـــــــأبى          إن يســـــــاء الســـــــلام فـــــــي تـــفسيره

إن خـــــــدا أردت أن يـــــــحمل اللــــطـــ           ــم تمـــــــادى بــالظلم في تصعـــــــيره(1)

صـــــــنف الكـــــــون فــــــي مقاييس تأبا          هـــــــا وآذى عظـــــــيمــــــه بحـــــــقيره

ورأى الناس دونـــــــه فـــــــي جــــــذور           فتناءى مســـــــيره عـــــــن مـــــــســــيره

إنـــــــه ابن الــــــسماء فيـــــــما يـــــــراه           وهم ابن الـــــتراب في تـــــــبريـــــــره(2)

ولـــــــقد كنـــــــت واضحاً وهو خـــــــب           عاش يـــــــخفي الأحقـــــــاد في تكفيره(3)

إنـــــــه اللـــــــؤم فـــــــي محـــــيا خدوع           لست تدري بشـــــــيره مـــــــن نـــــــذيره

إن رهـــــــطاً يـــــــنمى إلـــــــيك بــريء           منك فـــــــي فعـــــــله وفـــــــي تكـــــفيره

يـــــــ،ا نبي السلام والـــــــنور يـــــــا من           هـــو حـــــــب لخـــــــصمه ونصـــــــيره

أنـــــــت تحــــيي الموتى بإذن مـــــــن الله          وعـــــــن أمـــــــره وعـــــــن تقـــــــديره

وتـــــــشيع الوفـــــــاء والـبر في الكــــــو           ن وتـــــــوصي غـــــــنيه بفـــــــقيـــــــره

فـــــــغريب مـــــــن كـــــــادرٍ لــــك ينمى          أن يمـــــــيت الأحيـــــــاء مـــوت ضميره

كل مـــــــيت مـــــــن العـــــــداوات يحــيا          وكـــــــريم يمـــــــوت مـــــــن تدبــــــيره

لــــــوث الأرض والسمـــــــاء وحتـــــــى           البحر يشكـــــــو التـــــــلويث مــن تفجيره

أيـــــــن أولاء منـــــــك حتى وإن شـــــــد          بك الانـــــــتساب فـــــــي تـــــــجذيـــره؟!

أنت كالشـــــــمس يـــــــأخذ النـــــور منها          الورد فـــــــي الـحقل والقذى في حفيره(4)

وهـــــــي تبــــقى شمساً ويبقى الـــــــقذى           نتناً وأيـــــــن الـــــــمنير مـــــن مستنيره؟

يا رســـــــول الســـــــلام أبـــــــناء حربٍ           قد تبـــــــاروا لـــــــلكون فـــــــي تــدميره

فـــي شعـــــــارات كذبـــــــتها النـــــــوايا           احكـــــــم الـــــــنفط صــــــــوغها لأجيره

_______________
(1) تصعير الخد: إمالته إعراضاً وتكبراً وعجباً.

(2) التبرير: تزكية أمر من الأمور وذكر الأسباب التي تبيحه.

(3) الخب: الخداع.

(4) في حفيره: في حفرته. والقذى: ما يتكون في العين من رمص وغمص.

(259)

 

واستـــــــغلوا الأحقـــــــاد والطـــــــائفــيا           ت فعـــــــاثت كالخـــــــمر في سكـــــــيره

وأعـــــــيدت مصـــــــاحف رفع (ابن الـــ           ــعاص) فيها الخـــــداع يوم هـــــــريره(1)

والـــعزيف المجـــــــنون يرقـــــــص للدم           ويشـــــــدو لمـــــــدفع فـــــــي هديـــــــره

ووجـــــــوه الشــــــباب في حمـــــــم الليــ          ــزر يشوي مـــــــنـا اللظـــــــى في زفيره

وألـــــــوف المعـــــــوقيـــــــن حـــــــطام           قد تبـــــــارى الــــــبارود في تكســـــــيره

والـــــــبواقـــــــي أرامـــــــل ويتامـــــــى           عاشـت الدـــــــمع تحتـــــــسي من غزيره

وشـــــــؤون مـــــــريــــــرة وســـــــجون           وغـــــد مـــــــظلم الرؤى فـــــــي مصيره

وإلـــــــه الحــــروب فـــــــوق ســـــــرير           وكســـــــور الرجــــــال حـــــــول سريره

يتـــــــباهــــــون أنهـــــــم أعـــــــبد السلــ           ــطان لا يرغـــــــبون فـــــــي تحـــــريره

والــــغواني وراقصـــــــات الجـــــــواري           جنب تســـــــبيح الـــــــبوق أو تـــــــكبيره

صادحـــــــاتٍ ينـــــــسجن ثوبــــــاً معاراً           يـــــــدرك العـــــــارفون كـــــــنه مـــعيره

فـــــــإلى الـــــــموت إن أردت حيــــــــاءً           أمـــــــتي لا خـــــــيار فـــــــي تخيــــــيره

يـــــــا شـــــــذا روح الله هـــــــب علـــينا           إن إبليـــــــس نـــــــافخ فـــــــي كيــــره(2)

وأعـــــــد للـــــــربيـــــــع فـــــــينا شـــذاه          وابـــــــعث الـــــــجلنار فـــــــي تزهيـــره

رد عـــــــنا مـــــــخططـــــــا أجنــبـــــــياً          نجـــــــح الاســـــــتعمـــــــار فــي تمريره

فلـــــــئن كـــــــانـــــــت الـــــيهود أرادتــ           ـــك دماً تـــــــسكر الهـــــــوى مـن خميره

فـــــــعلينا قـــــــد ألب الحـــــــقد وحشــــاً          يحـــــــسب الـــــــدم ســـــائغاً من نميره(3)

***

 

_______________
(1) يوم الهرير: اليوم الذي أمر فيه عمرو بن العاص برفع المصاحف على الرماح طالباً من علي (ع) ورجاله الاحتكام إلى القرآن الكريم في الحديث المشهور.

(2) الشذا: قوة الرائحة الطيبة. والكير: جهاز إشعال النار، وأكثر ما يستعمله الحداد.

(3) ألب الوحش: حرضه.

(260)

 

مصرع كباية أو كلاس

       في كأس من الشاي كسر وكان يشرب فيه الشاي نحو 10 سنوات فقال:

أســـــــاقيتــــــــي لا المـــــــنى تكـــــــمل           ولا الـــــــمرء يـــــــدرك مـــــا يأمـــــــل

والا اللـــــــيل دام ولا الــــــصبـــــــح دام           وطـــــــبع الـــدنـــــــا قلـــــــب حـــــــول

فيـــــــوماً ســـــــرور ويــــوماً همـــــــوم           وبـــــــينهمــــــا زمـــــــن مـــــــهـــــــمل

وفـــــــحوى الزمـــــــان عطاء ومـــــــنع           ومن ذهبـــوا ثـــــــم مـــــــن أقـــــــبلوا(1)

وقـــــــد يـــــــستوي في النهايات مـــــــن           تمشوا وئـــــــيداً ومـــــــن هـــــــرولــــوا

ولا بـــــــد مـــــــن غـــــــاية للمســـــــير           أجـــــــل ينـــــــتهـــي مـــــــا لـــــــه أول

وتـــــــمضي الأنـــــــاسي والـــــــحادثات          ويـــــــمضـــــــي المــفصل والـــــــمجمل

وليـــــــس يـــــــظل ســـــــوى الـذكريات           بـــــــعمـــــــق مـــــــداركنـــــــا تعــــــمل

***

أســاقيـــــــتي كـــــــم شربـــــــنا مـــــــعاً           ولـــــــذ بـــــــأسمـــــــاعنـــــــا محــــــفل

فــــــما مـــــــل ثغـــــــرك ثغـــــــري ولا          سئمـــــــنا ولا أدبـــــــر المـــــــقبــــــل(2)

يـــــــساجل فـــــــيك الغـــــــبوق الصبوح           فــــأســـــــال أيـــــــهمـــــــا أفـــــــضل(3)

بـــــــأحـــــــمر ينـــــــعشــــــني لونـــــــه          فـــــــلون الـــــــيواقيـــــــت أو أجـــــــمل

أشـــــــدك للثـــــــغر فـــــــعل الرضــــيع           بثـــــــدي إذا شـــــــدت الأنـــــــمــــــــــل

وأقـــــــرأ وجهـــــــي عليـــــــك ومـــــــا           إذا كـــــــان يـــــــكبـــر أو يـــــــذبـــــــل

وأعـــــــرف فيـــــــك الصـــــــديق الوفي           فعـــــــشر تـــــــصرمــن أو أطـــــــول(4)

_______________
(1) فحوى الزمان معناه ومضمونه ومرماه.

(2) ولا أدبر المقبل: أي لم يحصل تناحر بيننا.

(3) الغبوق: شرب المساء. والصبوح: شرب الصباح.

(4) تصرمن: انقضين.

(261)

 

وصـــــــحبة عـــــــشر بـــــــهذا الزمـــان          مكـــــــاسب فـــــــي نـــــــدرةٍ تــحصل(1)

إلــــى أن رأيتـــــــك فـــــــوق الثـــــــرى           وقـــد هـــــــشم الـــــــرأس والمفـــــــصل

فعــادت بتحـــــــطـــــــيمك الذكريـــــــات          حـــــــطاماً وأحـــــــزنني الـــــــموئـــل(2)

وربـــــــت كـــــــأس إذا حـــــــطمـــــــت          تــــعوض فـــــــي غيـــــــرها المـــــــنهل

وكم عاش كـــــأس وراحـــــــت شـــــــفاه          تفـــــــاريق منـــــــها الـــــــبلا يأكـــــــــل

وقـــــــد تســـــــتحــــيل شـــــــفاه لنـــــــا           كـــــــؤوساً لثـــــــغر بـــــــها ينـــــــــــهل

وكـــــــل تـــــــراب لـــــــه قـــــــصـــــة           وأمـــــــس ويـــــــوم ومـــــــستــــــــــقبل

ولــــو نطقـــــــت طـــــــبقات الثـــــــرى           لأســــــمـــــــعت الأذن مـــــــا يذهـــــــل

***

أـــــــساقيتي وعـــــــذرت الـــــدمـــــــوع           غـــــــداة تـــــــملـــــــتك إذ تهـــــــمــل(3)

فـــــــما امتـــــــهنت كبريـــاء الدمــــــوع           ليـــــــغر أخٍ هـــــــوى يـــــــثكــــــــــل(4)

وللـــــــمرء أحـــــــبابـــــه جـــــــامـــــــد           تعـــــــلق أم نـــــــاطـــــــق يــــــعقـــــــل

ويـــــــستويـــــــان بعـــــــرف الوفـــــــاء          فكـــــــل لـــــــه بالـــــــهــــوى مـــــــنزل

ويؤذي الوفا عـــــــند فقـــــــد العـــــــزيز           عــــواطف فـــــــي فيضـــــــها تبخـــــــل

وهـــــل خلـــــــق القلـــــــب إلا لكـــــــي           يـــــــذوب عـــــــلى الإلــف أو يشعل؟!(5)

وإلا فـــــــما الفـــــــرق إن لـــــــم يذب؟!           أقـــــــلب بصـــــــدرك أم جــــــــندل؟!(6)

***

أســـــــاقـــــــيتي لك أشـــــــكو الزمـــــان          فـــــــمن جـــــــهله عـــــــجب الجــــهل(7)

_______________
(1) في ندرة: على قلة.

(2) الموئل: المرجع والمآل.

(3) تهمل: تفيض ويسيل دمعها.

(4) يثكل: يفقد.

(5) الإلف: المألوف المأنوس المحبوب.

(6) الجندول: الحجارة أو الصخر.

(7) الجهل: الجاهلون.

(262)

 

يـــــــذود القـــــــريب ويـــــــدني البـــعيد           ويـــــــسمو ويـــــــعلو بـــــــه الأسفــــــل

ويـــــــصنع مـــــــن جيـــــــفةٍ هـــــــــيئةً          لهـــــــا الـــــــترب لـــــــو دفــنت أمثل(1)

وقد يـــــــسأل الـــــــبغل ســـــــبق الجواد           وتأبـــــــى الـــــــفوارق مـــــــا يســـــــأل

ويدعو الـــــــبغاث لصـــــــيد الصـــــقور           فيسخـــر مـــــــن قـــــــوله الأجـــــــدل(2)

يكـــــــلف فيـــــــه الـــــــجواد النـــــــهيق          وصـــــــوت الـــــــحمار بـــــــه يصـــهل

ويــطـــــــمع أنتـــــــلد العـــــــاقـــــــرات           وهيـــــــهات فـــــــالعـــــــقم لا يـــــــنسل

ويـــــــبقى يســـــــف ويـــــبقى يـــــــسف          إلـــــــى دركٍ مـــــــا بــــــــه أنـــــــزل(3)

وفـــــــي كـــــــل هـــــذا تعود الحيـــــــاة           عبثـــــــاً ومضـــــــمونـــــــــها يـــــــهزل

فـــــــلست ألـــــــومك إمـــــــا رحـــــــلت          فقـــــــد يســـــــتريح الـــــــذي يـــــــرحل

أســـــــاقيتي ولـــــــع الــــــــــبين بـــــــي          ولا عـــــاد يـــــــدرك مـــــــا يفـــــــعل(4)

فـــــــأفردنـــــــي مـــــــن رفـــــــاق هـــم          مجنـــــــي وســـــــيفــــي والجـــــــحفل(5)

فـــــــراح مجـــــــني وسيفـــــــي بـــــــهم          وهـــا أنـــــــذا بـــــــعدهـــــــم أعـــــــزل

ولو أنهـــــــم لو مـــــــضوا قوضـــــــــوا           مـــــــن الأرض والنفـــــــس ما أصلــــوا

لهـــــــان ولـــــــكن أطـــــــيـــــــافهـــــــم          تلـــــــح عـــــــلــــــــي ولا تـــــــغفـــــــل

وفـــــــي النـــــــوم مـــــــا عــافني طيفهم           وفـي اليقـــــــظة الجـــــــرح لا يدمـــــــل

وقـــــــد ينـــــــسخ العـــــــذب عئــذب ألذ           ويلهـــــــيك عـــــــن حـــــــافلٍ أحـــــــفل

وقـــــــد مـــــــلؤوا كـــــــل بـــــــعد لديك           فـــــــلا فـــــــارغ بعـــــــدهــم يشـــــــغل

فـــــــديـــــــتك آنـــــــية مـــــــا خلـــــــت          وعـــــــاش لهـــــــا رحـــــــم مثــقــــــــل

_______________
(1) الجيفة: جثة الميت إذا أنتنت.

(2) البغاث: طائر أغبر أصغر من النسر ويشبهه ولكني بطيء الطيران. والصقر من الطيور الصيادة التي تربى لتصاد بها الطيور لحدة بصرها وجدواها. والأجدل: من أسماء الصقر.

(3) يسف: يطلب الدنيء من الأمور. والدرك الذي ما به أنزل: هو أدنى المستويات.

(4) البين: البعاد أو البعد.

(5) المجن: الترس الذي يتوقى به في الحرب. والجحفل: الجيش الكثير.

(263)

 

وعامـــــــلةً في المســـــــا والـــــــصــباح          فمـــــــا كســـــــلت مثـــــــل مـــن يكسل

بــــــعاطـــــــلةٍ هـــــــزلٌ فكـــــــرهـــــــا          ويــــــــسمـــــــنها عطـــــــل مخـــــــجل

تـــــــعيش عـــــــلى رنـــــــة الادعــــــاء           وطبـــــــل يـــــــمجد مـــــــن طـــــــبلوا

ويحـــــــتقر الـــــــكدح والكـــــــادحيـــــن          وأشـــــــرف مـــــــن مـــــــجده المغـزل

فمــــــا صـــــــنع الادعـــــــاء الحيـــــــاة           بـــــــل الفـــــــأس والــــــسيف والمنجل

وليـــــــس ســـــــواء يـــــــد رخــــــــــوة           وأخـــــــرى بمســـــــحاتها تــــــــمجل(1)

***

أســـــــاقيـــــــتي إن دمـــــــع الـــــــوفـــا           شمـــــــول يـــــــعب وقـــــــد يــــثمل(2)

وخـــــــير الرســـــــائل مــــا بين مـــــــن          تريـــــــث دهـــــــراً ومـــــــن عجـــــلوا

ورمـــــــز يـــــــدلــــــــل أن النـــــــفوس           علـــــــى طـــــــيب فـــــــطرتها تــــجبل

وقربـــــــى هـــــــوى وقـــــــريب الهوى           وإن بـــــــان فـــــــي جـــــنسه أوصل(3)

وهـــل أسكر الروح مثـــــــل الـــــــجراح          وأوحـــــــى لـــــــها وهـــــــي تـــستنزل

وبـــــــعض الدمــــــوع يغني الجـــــــراح          وبـــــــعض الدمـــــــوع لــــــها يعول(4)

ومـــــــعذرة يـــــــا وعـــــــاء الـــــــــشذا          إذا الدمـــــــع للـــــــرزء لا يــــــــعدل(5)

فـــــــما يعـــــــدل الدمـــــــع فـــقد العزيز          ولا دفـــــــع الـــــــرزء مــــن حوقلوا(6)

***

وفـــــــي التـــرب حيث تذوب الشفـــــــاه           وتـــــــذوي الـــــــقلوب بـــــــما تحـــمل

رغـــــــائب مـــــــاتت ودنـــــــــيا طموح           غـــــــفت بالثـــــــرى ومـــــــنى حفــــل

_______________
(1) المسحاة: أداة القشر والجرف. وتمجل: تتقرح من العمل أو تصلب ويثخن جلدها وتتعجر.

(2) يثمل: يسكر.

(3) تستنزل: تنزل أو يطلب منها النزول.

(4) يعول: يرفع صوته بالبكاء أو الصياح. الماضي: أعول.

(5) لا يعدل الدمع الرزء: لا يساويه ولا يعادله.

(6) من حوقلوا: الذين قالوا: لا حول ولا قوة إلا بالله.

(264)

 

وأحـــــــــلام أم ونجــــــــوى حبـــــــــيب          وشـــــــــدو وروض هـــــــــوى أشــهل

وغصـــــــــن صبـــــــــاً جـــــف في ينعه          ويـــــــــا للصبـــــــــا الغــــــض إذ يذبل

وخــــود لعوب طـــــــــواها التـــــــــراب           وثوب الزفـــــــــاف بـــــــــها يــــرفل(1)

وحـــــــــيث الـخدود وحيث الشـــــــــعور          ثوب نـــــــــبت الـــــــــكرم والســــــنبل

عـــــــــوالم حافـــــــــلــــة بالعظـــــــــات          لو الترب عـــــــــما بـــــــــها يـــــــــنقل

أيا مـــــــــن يـــــــــرى العــيش نبعاً يسيل          وخـــــــــصباً يـــــــــرف ولا يـــــــمحل

خــدعت فكم صوحـــــــــت روضـــــــــة           وكم جـــــــــفت عــــــن جريه الجدول(2)

فـــــــــمن ســـــــــمعة الــــعيش حلو ومر           وحـــــــــال يقـــــــــيد أو يرســـــــــل(3)

فإن غلـــــــــب الـــــــــمر طعــــــم الحياة          فتلك هــــي الســـــــــمج الحنظـــــــــل(4)

وللمـــــوت أكـــــــــرم من بعـــــــــض ما          يـــــــــمر علـــــــــى المـــــــرء أو ينزل

                                                                           26/6/1986

***

_______________
(1) الخود: الفتاة الشابة الحسنة الخلق.

(2) صوحت الروضة: يبست وتشققت.

(3) يرسل: يطلق حراً.

(4) السمج: القبح. والحنظل: المرار أو نبتة الحنظل شديدة المرار.

(265)

 

أيها الأسعد

 

       طلب يوماً التحدث مع الدكتور أسعد علي فقيل له إنه في خلوة مع الله: فأنشأ قائلاً:

أيـــــــــها الأســـعد الذي من رجائـــــــــي          إنه في الدارين ســـــــــعد وطــــــــيب(1)

قيـــــــــل لـــــــــي: إنـــــــــكم خلــوتم مع          الله وقد قـــــــــلت: إن ذاك عجــــــــــيب

لـم يك الله في خـــــــــصوص مـــــــــكان           إنما الــكون فيـــــــــضه الـــــــــموهوب

هـــــــــو فـــــي الكون رفة والعـــــــــيون          الزرق سحر وفـــــــــي الضـــمير رقيب

وســـــــــع الكــــــــون وجه فالشروق الــ           ــحلو لمـــــــــح مـــــــن وجهه والغروب

فـــــــإذا الأفق روضة والـــــــــسما زهـــ           ــر نجوم والأرض غـــــــــصن رطــيب

فتـــــــــحراه عنـــــــــد كـــــــــل مـــــكان          فهو بداٍ فـــــــــي كلـــــــــها مــحجوب(2)

قــد رأته الأرواح والـــــــــعين كلـــــــــت          أن تراه فهـــــــــو البـــــــــعيد القريب(3)

كل شيء مـــــــــن فيـــــــــضه ونـــــــداه           وإلى الله في المصـــــــير يـــــــــؤوب(4)

إن ربي كــــــــما يقـــــــــول حـــــــــديث           لم يسعـــــــــه فـــــــــي الذات إلا القلوب

***

_______________
(1) الدران: الدنيا والآخرة.

(2) تحره: اطلب فهم حقيقته قدر المستطاع بإيمان صادق.

(3) كلت العين: ضعفت وعبيت. والفيض: الكثير الغزير. والندى: الجود والسخاء والفضل الكثير.

(4) ما بنا من نعمة فمن الله عز وجل وإلى الله ترجع الأمور.

(266)

 

جنون البقر

 

       قال في تقديمه لهذه القصيدة:

       بسمه تعالى هذه بضعة أبيات أوحت إلي مناسبة تلك هي أن خبراً نشر في لندن في اليوم السابع من الشهر السادس من سنة 1990 الميلادية، وكنت آنذاك في لندن، مفاد هذا الخبر أن هناك داء يسمى جنون البقر انتشر ورفعت التقارير عنه بأنه قابل للسراية إلى من يأكل هذه اللحوم، فهز الخبر أوساط الناس وقامت الدنيا وقعدت لاعتماد اوربا تقريباً على لحوم البقر، واتخذت احتياطات مشددة وحاولوا تعويض الأسواق بأنواع أخرى من اللحوم. تلك هي المناسبة. وقد أوحت إلي بهذه الأبيات، وأليكها:

بــــــلنـــــــدن بالأمـــــــس دوى خبـــــــر          قد أرعـــــــب الـــــــناس حيــــــن انتشر

مـــــــلـــــــخصـــــــه أن داءً غــــــــــــزا          العـجول يـــــــسمى جـــــــنون الـــــــبقر

فســـــــدت عـــــــلى الفـــور سوق اللحوم           كمـــــــا أوقـــــــفوا وردهـــا والصدر(1)

وقــــامـــــــت دوائـــــــر صـــــــحيـــــــة          تعـــــــد اللقـــــــاح لدفـــــــع الضــــــرر

وأخـــــــرى اســـــــتعدت لحــجر العجول           طويـــــــلاً إلـــــــى أن يــزول الخطر(2)

ورد المـــــــبـــــــاع إلـــــــى أهــــلـــــــه           وأوقـــــــفت الـــــــصفقـــــــات الأخــــر

وذلـــــــك أمـــــــر بـــــــأبـــــــــعـــــــاده           طبيـــــــعي مـــــــا فيــــــه لفت النظر(3)

فـــإن العـــــــجول بـــــــدون الـــــــجنون           تـــــــقادح فـــــــي مقـــــــلتيها الـــــشرر

يخيـــــــفك ذو الـــــــقرن مــن نطـــــــحة           الـــــــقوي إذا مـــــــا رغــــــا وأزبأر(4)

فـــــــكيف إذا جـــــــن ثـــــــور يمـــــــت          لثـــــــوريةٍ نحتـــــــت مـــــــن ثــــــور؟

وســـــــال الـــــــجنون بأبعـــــــاضـــــــه           مـــــــن الذيـــــــل حـــــتى الجبين الأغر

فمنا من سبيلٍ ســــوى الـــــــبعد عـــــــنه           وذلـــــــك مـــــا يقتضيـــــــه الـــــــحذر

ولكـــــــن ويـــا للمـــــــصاب الـــــــجليل           أليـــــــس بـــــــما قـــــــد ســـمعنا عبر؟!

_______________
(1) الورد والصدر: الاستيراد والتصدير.

(2) حجر العجول: عزلها بعيداً ممن قد يصابون منها بالعدوى.

(3) لفت النظر: استرعاء الانتباه لأهمية الأمر.

(4) رغا: خار. وازبأر: علا صوته وانتشر.

(267)

 

فــــــــــكم جــــــــــن من بــــــــــقرٍ عندنا          وأحــــــــــدث أشــــــــــياء لا تغـــــــتفر

وعــــــــــاث بقــــــــــرنينه واشــــــتد في           خوارٍ وازعــــــــــج حتــــــــــى الحــجر

ولكــــــــــننا ما اتخــــــــــذنا لــــــــه احــ           ــتياطاً على صـــــــــورة من صـــــــور

ولا اســــــــــتقذرت مــــــنه أذواقنــــــــــا          برغم الــــــــــذي عنده مـــــــــن قـــــذر

بــــــــــل الــــــــــعكس من ذاك راحت له           تصــــفق أرتالنــــــــــا إن جــــــــــعر(1)

وتــــــــــوهمه أنــــــــــه الــــــــــــعبقري           وتنــــــــــعت غــــــــــرته بـــــــالقمر(2)

وتــــــــــنعته بــــــــــالعظيــــــــــم الـكبير          وبالثائــــــــــر الــــــــــفذ والمـــــعتبر(3)

وتــــــــــنفخ فــــــــــيه إلــــــــــى هــــيئةٍ           ولــــــــــولا تنــــــــــفســه لانــــــــــفجر

أجــــــــــل مــــــــــا لطــــــاغيةٍ أن يكون           ومــــــــــن حــــــــــوله الكــاملون البشر

ولكــــــــــن يكــــــــــون فـــــــي بيئة الـــ           ــخنوع وبيــــــــــن رجــــــــــال كســــر

فـــــــــيا كسراً مــــــــــن رجــــــــــالٍ ألا          تلمين حتـى يــــــــــنال الوطــــــــــر؟(4)

فتنمو المـــــناعة ضــــــــــد الــــــــــطغاة           ولا يتولــــــــــى علــــــــــينا التـــــــــتر

                                                       لندن إيست إكتون 1/9/1990م

***

_______________
(1) جعر: تحدث بصوت عال قبيح (عامي)، وجعر السبع: تغوط (فصيح)

(2) الغرة: الشعر الذي يكون مسدلاً فوق الجبين. والغرة من كل شيء: أوله ومعظمه وطلعته.

(3) الفذ: الفرد.

(4) الوطر: الحاجة والبغية.

(268)

 

تحية وفد اتحاد الجامعات

       ارتجلها تحية لوفد اتحاد الجامعات الذي زار النجف الأشرف ومنتدى النثر في 9/12/1966

حيــــــــــــيت وفـــــــد الجـــــــامـــعـــــــا          ت يـــــــزور سامقـــــــة الجوامـــــــع(1)

أهـــــــلاً بـــــــنــــاة الفـــــــكـــــــر والـــ           آداب بـــــــالغــــــرر اللـــــــوامـــــــع(2)

بـــــــمكـــــــوكـــــــبي آفـــــــاقـــــــنــــــا          مـــــــن كل زاهـــــــي النــــجم ساطع(3)

يـــــــا حـــــــاملي ثقــــــــــــــل الأمـــــــا          نة نحـــــــو أجـــــــيال طـــــــوالـــــــــع

الـــــــجيـــــل عـــــــندكـــــــم الـــــــوديــ           ــعة فاحـــــــفظوا هـــــــذي الودائــــع(4)

ســـــــووه عـــــــمـــــــــلاق الضـــــــميــ           ـــر إذا تقـــــــازم كـــــــل خانــــــــــع(5)

وتـــــــعــــاهــــــــدوه بـــــــــالـــــــــغــذا           ء الـــــــمنتقى فالـــــــجيل جـــــــائــــــع

بـــــــالعلـــــــم غـــــــذوا العـــــــقـل منـــ           ـــه وروحـــــــه بهـــــــدى الشــــــــرائع

فــــــــالجـــــــــامعـــــــــات رزيــــــــــــة          بـــــــسوى الجـــــــوامع والصــــوامع(6)

وكـــــــــذا الـــــــــعقيـــــــــدة دونـــــــــما          عـــــــلم أســــــــــاطـــــــير خـــــــوادع

ردوا عــــــــــليــــــــــه تـــــــــراثـــــــــه           فــــــــالمســـــــتعار لديـــــــه راجـــــــع

وابــــــــنوا لنـــــــا الــــــعرب الصـــــــلا          ب فقــد سئـــــــمنا مـــــــن قـــــــواقع(7)

مـــــــمـــــــن إذا حـــــــمـي الـــــــوطيـــ           ــس يـــــــذوب مــــــــن وهج المعامع(8)

_______________
(1) سامقة الجوامع: عاليتها وساميتها.

(2) الغرر: جمع غرة، وهي طلعة الشيء أو طليعته وأوائله.

(3) بمكوكبي آفاقنا: بصانعي العظماء المفيدين.

(4) الوديعة: الأمانة تودع.

(5) تقازم: قبل أن يكون قزماً وضيعاً خانعاً لدى المتعاظمين المستذلين غيرهم.

(6) زرية: معيبة وذميمة ومحتقرة ووضيعة لا قيمة لها.

(7) الصلاب: الأشداء الأقوياء.

(8) حمي الوطيس: اشتدت المعركة النضالية. والمعامع: جمع معمعة: وهي شدة القتال، أو صوت الأبطال في الحرب.

(269)

 

بــــــــــالأمس أولــــــــــى القـــــــــــبلتيـــ          ـــن حديــــــــــثها للشــــــــــمل جـــــامع

والــــــــــيوم شــــــــــظتــــــــــنا ومــــــا           جمــــــــــعت شظــــــــــاياها الــذرائع(1)

فــــــــــي كــــــــــل قــــــــــطر ثـــــــائر           وبــــــــــكل ناحــــــــــية مــــــــــصارع

وطغى الصــــــــــراخ فمــــــــــا حفــظـــ           ـــنا غــــــــــيره والــــــــــقدس ضــــائع

والكــــــــــرم عــــــــــاد لغــــــــــيرنــــــا          يجــــــــــنيه والــــــــــناطور راتـــــــــع

وتــــــــــسائــــــــــل الـــــــمتــــــــــشردو          ن كما تســــــــــاءلت المــــــــــصارع(2)

لــــــــــمــــــــن العــــــــــرا والجــــــــــو           ع والحرمان والــــــــــدم والفجــــــائع(3)

فإذا الصــــــــــدى رجــــــــع الــــــــــشتا           ئم والــــــــــمهازل والــــــــــفظائــــــــع

يــــــــــا قــــــــــوم شــــــــــدوا بـــالأكف          وإن تخــــــــــالفـــــــت الــــــــــمنازع(4)

فــــــــــالكــــــــــف أم أنــــــــــامــــــــــل           مهــــــــــما تـــــــــعددت الأصــــــــــابع

إن لــــــــــم تــــــــــعودوا بالغــــــــــنيــــ           ـــمة تــــــــحية النجف المــــــــــقارع(5)

فــــــــــلأنت نحــــــــــن ونحـــــــــن أنـــ           ـــت إذا انتمــــــــــينا للمــراجــــــــــع(6)

                                                أحمد الوائلي – سكرتير جمعية منتدى النثر

***

_______________
(1) شظتنا: فرقتنا وقسمتنا. والذرائع: جمع ذريعة وهي الوسيلة والسبب إلى الشيء.

(2) المصارع: جمع مصرع: المقاتل.

(3) العرا: مخففة من العراء الذي تشرد فيه العزل.

(4) المنازع: جمع منزع وهو التوجه نحو الخصائص الأصلية للفرد أو الجماعة، الذي يجعله يحن إليها ويشتاق.

(5) المقارع: المناضل.

(6) انتمينا للمراجع: انتسبنا للأصول.

(270)

 

أطياف الوطن

       هذه أبيات أوحت بها للشاعر نكبة العراق على يد هذه الحفنة من المغامرين الذين سلموا المغرر بهم للطغاة وحقدهم فأنحى على العراق فحوله إلى رماد وما تزال ثلة الطغاة تنتزع من الهزيمة ادعاءات النصر(1).

أتاني فتاه القصـــــــد فـــــــي خطـــــواتي           وتـــــــهت فـــــــما أدري بـــــأي جهات

نعـــــــي نــــــعى أهلي ورهطي وموطني           وملـــــــعب أتـــــــرابي ومــــهد لداتي(2)

وتـرب جذوري والجـــــــدود وجـــــــنتي           وأعـــراس أولادي وســـــــتر بـــــــناتي

ثرى عـــــــشت في ذكراه بالقرب والنوى           فما غاب في الحالين عـــن خطراتـــــــي

يغرد فـي ســـــــمعي اســـــــمه فكأنـــــــه           إذا مـــــــر شـــــــلال مـــــــن الـــنغمات

أفـــــــيء لـــــــدن فـــــــيه عـــند سلافتي           وأغـــــــرق في مـــــــحرابه بصلاتـــــي

ولم لا ومن نعـــــــماه مـــــــا لذ فــي فمي           ومـــــــا رف في قــــلبي من الصبوات؟!

وفـــــــي جــــسدي من شمسه وترابـــــــه           ملامح لا تخفـــــــى بـــــــكل ســـــــماتِ

ومصدر إلـــــــهامٍ أفـــــــاض ولــــم يزل           يمد أحاسيســـــي بخـــــــير هبـــــــات(3)

فـــــــلا تــلحوني وهو يدمى إذا مشـــــــى          بي الوجد واستولى عــلى قسمـــــــاتي(4)

فما صان عهد الحب مـــــــن بـــات ناعماً           ومحـــــــبوبه شـــــــلو مـــــــن الطعنات

ولا أنا صـــــــب أحــــمل الشوق والهوى           إلى تـــــربه إن غاب عن خلجاتـــــــي(5)

وكيف يغــــــيب الذهـــــــن عن وإنـــــــه           أنا أتـــــــرى ذاتـــــــي تفـــــارق ذاتي؟!

***

_______________
(1) قدم الشاعر لقصيدته بهذه المقدمة غير الواضحة المعنى، بسبب ما فيها من اخطاء وقع –على ما يبدو- بها منضد الطبعة الأولى. لذا أبقيناها على حالها لعدم تمكننا من فهمها كما أرادها الشاعر.

(2) النعي: إذاعة خبر موت الميت. ونعى الميت: أذاع خبر موته. والكلام على سبيل المجاز، لأن الوطن والأمة والشعوب لا تموت، مهما أثخن الأعداء فيها قتلاً. اللدات: الذين ولدوا في وقت واحد. والمفرد: لدة. والتاء المربوطة في لدة عوض من الواو المحذوفة من أولها.

(3) الهبات: العطايا التي تعطى بلا عوض. والمفرد: هبة.

(4) لا تلحوني: من (لحا يلحو): لا تلمني.

(5) الخلجات: المشاعر المضطربة المتنوعة. والمفرد: خلجة.

(271)

 

ربـــــــى الرافـــــــدين الســـهل أي طلاقةٍ          لدى غدوات الشـــــــمس والــــــروحات؟!

وفـــــــوح عبير مازج الضوء والحـــــــلا          وما رق مـــــــن رأد ومـــــــن نــسماتٍ(1)

كــــأن مجـــــــاليها مـــــــحاسن غـــــــادةٍ          تصدت لـــــــصب فــــي مدى النظرات(2)

أســـــــال لعـــــــاب الأفـق حسن مروجها           فما الويل إلا الريـــــــق بـــــــاللـــهوات(3)

وغر حصاها النجم في فاحـــــــم الدجـــى           وقد شع فـــــــوق الرمـــــــل والذكوات(4)

وأســـــــرف فـــــــيها الــــنخل في خيلائه          فذلـــــــت لـــــــديه ســـــــائر الشـــجرات

سمـــــــاء يـــــشف الأفق فيها فنجمـــــــها          سبـــــــوح بـــــــمجلو مـــــــن الـــــحلبات

وأرض ببرد مـــــــن نـــــــسيج مــــــنمنم           يـــــــطرز بـــــــالأعشاب والـــزهرات(5)

يـــــــغرد فـــــــيها الــــــــرافدان فمن جدا          نمرهمـــــــا روح بـــــــكل مـــــــــوات(6)

وفـــــــيضهما عنــــــد الحقول مواســـــــم          محمـــــــلة بالخـــــــير والـــــــبركــــــات

لــــــدى السهل منها غلة بـــــــعد غـــــــلة          ومحتـــــــفل للكـــــــرم بــــــالربـــــــوات

ومثقلـــــــة بطـــــــن الثرى من منابـــــــع          بكل رخيـــــــات الـــــــعطا ودقـــــــات(7)

يـــــــد الله أغـــــــنتها ومـــــــرت بوجهها          فأرخـــــــت علـــــــيه أروح اللمســـــــات

على كل عضوٍ لي لســـــــان شـــــــدا بها           فرحـــــــت أغـــــــنيها بـــــــألف قــــــناة

***

بـــــــلادي يـــــــا صـرحاً وصرحاً وثالثاً           مشــــــــيدةً مـــــــن أمتـــــــن اللبـــــــنات

ويا مهد أصناف الحـــــــضارات أسـهمت           بإنشـــــــائها مـــــــن ســـــــــالف الفترات

_______________
(1) الراد: النعومة واللين أو الأشياء اللينة الناعمة.

(2) المجالي: جمع مجلى وهو مكان الانجلاء والوضوح، فالمجالي بهذا المعنى: الأماكن الجميلة الشديدة الوضوح. والصب: العاشق ذو الحب الشديد والاشتياق.

(3) أسال لعاب الأفق: أجراه. وسيلان اللعاب أكثر مايكون بدافع الشهوة إلى الامتلاك والتلذذ والاستمتاع. والوبل: المطر. واللهواات: جمع لها: وهي اللحمة المشرفة على الحلق أو الهنة المطبقة في أقصى سقف الفم.

(4) غر حصاها النجم: أغراه أو أصابه بالغرور.

(5) البرد: الثوب المخطط أو الموشى.

(6) الجدا: العطاء أو المطر العام الواسع لا يعرف أقصاه. ونمير الرافدين: ماؤهما العذب.

(7) الودق: الممطر أو المغدق العطاء.

(272)

 

ويا قمماً كل الســـــوابق لــــــم تـــــــصل           إلى ســـــــفحها فـــــــي أكبـــــــر الوثبات

ولا وقعت عين الزمـــــان علـــــــى رؤى           كمـــــــثل رؤاهـــــــا الـــحلوة النظرات(1)

أمــــــثلك تحدو من ركابـــــــك طغمـــــــة          ترفع عـــــــنها أحـــــــقر اللعــــــــنات؟(2)

حصائـــــــل مــــــسخٍ منبتاً وحضـــــــانةً           ومـــــــن دمـــــــنٍ منـــــــبوذة نتــــنات(3)

عوارٍ من الأخــــلاق والفضل والنهـــــــى          كـــــــواس مــــن الأوضار والوصمات(4)

رمــــــتك بها الدنيا بـــــــساعة هـــــــزلها          فهـــــــا أنـــــــت مـــــــهوى أفدح النكبات

أناخـــــــت عـــــــلى الأرواح عبئاً ولفعت           ســـــــماءك بـــــــالأحزان والكربــــــــات

وغالتك واستامت دمـــــــاك رخيــــــــصة          وزجتـــــــك فـــــــي بـــــحر من الأزمات

فـــــــها أنـــــــت كــــــوم من تراب مهشم          وأكـــــــدس أشـــــــلاءٍ بـــــــكل فـــــــلاة

وتــــلك بقايا السيف من كـــــــل أهلـــــــنا          رعــــيل جيـــــــاع يـــــــشتكي لعـــــــراة

أجل هـــــــذه عـــــــقبى الـذين رضوا بأن          يــــــــحوز زمـــــــام الأمـــــــر شر رعاة

ولـــــو حملوا بعض الرجولـــــــة لا نتهوا          إلى ما يقــــــيهم أوجـــــــع الضربـــــــات

ولم يـــــــركضوا للذل فــــــي أسر معشرٍ           أبى المسخ أن ينمـى لهـــــــم بصـــــــفات

من الراكبي مد الشعوب ومـــــــذ علـــــوا           أذلوا شمـوخ الشـــــــعب بالركـــــــلات(5)

وذادوه ـــــــحتى أوصـــــلوه لموضـــــــع           قذى لم تـــصله أوضـــــــع الحشـــــــرات

ومـــــــا احتــرموا عقلاً له إذ تشـــــــدقوا           بكل شـــــــعارٍ كـــــــاذب الــــــنظرات(6)

ومن شر ما عاثـــــــوا بـــــــه أن تغــولوا           مـــــــضامينه فـــــــارتد مــــــحض رفات

_______________
(1) الرؤى: ما يراه النائم في نومه من الأحلام. مفردها رؤيا. والرؤية بالتاء المربوطة: المشاهدة بالبصر. والرؤى تطلق على أحلام اليقظة. والرؤى في البيت هنا يغلب عليها معنى المشاهد والمناظر وكل ما يرى أو يتصور.

(2) تحدو من ركابك: تقودك. والظغمة: طغام الناس وأوغادهم. والواحد والجمع فيه سواء.

(3) الدمن: جمع دمنة وهي آثار الديار أو بقية الماء في الحوض أو المزبلة.

(4) النهى: جمع نهية وهي العقل. والأوضار: جمع وضر: الوسخ. والوصمات: العيوب والعار. مفردها وصمة.

(5) شموخ الشعب: كبرياؤه وعزته وكرامته.

(6) تشدقوا: لووا أشداقهم وهم يتكلمون في كبر وتعالم.

(273)

 

ومـن سلـــــــب منـــــــه المـــــــواقف إنه           وعـــــــاء قمـــــــامات علــــــى الطرقات

عهـــــــدتك شعــــبي الصقر يزهو بصيده           ويرفـــــــض أن يـــــــؤتى لـــــــه بفـتات

يعب الظما إن كـــــــان بالـــــــماء مـــــنة           ويرضـــــــي هــــــموم المجد بالهبوات(1)

فمـــــــالك والأوطـــــــان هـــــدت وأهلها           أبيدت وديســـت أقـــــــدس الـــــــحرمات

تهـــــــشمها أهـــــــواء أخــرق عـــــــابثٍ          وغفـــــــوة حـــــــراس وحقـــــــد طـــغاةِ

دعوا فرخهم بالأمس أن يحــــــرق الحمى           ولفـــــــوه إيـــــــهاماً بثـــــــوب حــــــماة

ومـــــــن مــــــحن الأيام قتل معـــــــارفٍ          وضــاح بأيـــــــدي شـــــــبهة نـــــــكرات

متى بنت الدنيـــــــا الذئـــــــاب وأيــن من           غزيـــــــرة أنـــــــيابٍ عقـــــــول بــــناة؟!

***

حنـــــــانيك شعـــــــبي والـــــــدوي ملعلع          وأنت علـــــــى غمـــــضٍ وطول سبات(2)

أما آن أن ترتـــــاد شوطـــــــاً بمـــــــلعبٍ           فما عـــــــادت الأشـــــــواط بــــالحجرات

وتزأر في دنيـــــــا الزئيـــــــر فــــــلم يعد          يروق لسمع الدهـــــــر صـــــــوت فـــتاة؟

إذا كانت الدنيـــــــا نيـــــــوباً ومخلــــــــباً          فما هو معـــــــنى رقـــــــة الظــــــــبيات؟

تقـــــــحم فــــــأنت الذبح بالسخط والرضا           وأنت دم فـــــــي مـــــــذبح الشــــــــهوات

ومت إن دنيا القـــــــبر رغـــــــم ظــلامها          لأضوأ مـــــــن دـــــــنياً بظـــــــل بغـــــاة

وألـــــــعن مـــــــا حـــــاك الزمان حكومة          تقوم علـــــــى التـــــــزوير والفلـــــتات(3)

يجـــــــيء بــــــها للحكم رهط مـــــــغامر          فحفنة غوغـــــــاءٍ وحقـــــــد تـــــــرات(4)

عـــــــلى مـــــركب ربانـــــــه متـــــــميز           بـــــــغوصٍ وإبـــــــحارٍ بـــــــكل قنــــــاة

_______________
(1) الهبوات: الغبار. مفردها هبوة.

(2) حنانيك يا شعبي: تحنن علينا مرة بعد مرة. الدوي: ما يسمع من صوت الرعد أو القصف وغيرهما قوياً شديداً. والسبات: لغة النوم وفي الطب: حالة يفقد فيها المريض وعيه فقداناً تاماً، ولا يفيق بأقوى المنبهات، وهو خلاف الإغماء.

(3) الفلتات: جمع فلتة. المفاجآت. يقال: حدث الأمر فلتة: أي: فجأة بلا روية.

(4) الغوغاء: الكثير من الناس اختلطوا وكثر لغطهم وصياحهم بجلبة وضجيج. والترات: جمع ترة، وهي الجناية يجنيها الرجل على غيره من قتل أو نهب أو سبي.

(274)

 

ويــا نـــــــفراً ذادوه عـــــــن مستـــــــقره           بأنـــــــماط للتـــــــبرير مخـــــــتلقـــــــات

فأســـــــلم للحـــــــرمان والبــؤس والنوى           وذاب بأمـــــــواج مـــــــن الـــــــــغمرات

ومـــــــا جمـــعته النار في عز وقـــــــدها           بل اخـــــــتار أن يـــــــبقى رهين شتات(1)

يجر بـــــــه المـــــــستثمرون ولــــــم أخل          بأن الدمـــــــا نـــــــوع مـــــــن الثــمرات

وتـــــــقذفه الأشــــــواط تلهو بجرحـــــــه           كمـــــــا تتـــــــلهى صـــــــبية بــــــكرات

وطالت به البلوى وطـــــــال انتـــــــظاره           وما أفـــــــرعت بالـــــــحقل أي نــــــــواة

فـــــــعاد هـــــــراءً مـــــــا لــه من قضيةٍ           تـــــــبرر هـــــــذا الـــــتيه في الظلمات(2)

وراح ولا أهـــــــلٌ ولا مــــوطـــــــن ولا           تـــــــغـــــــير أحـــــــوال ولا لـــــــممات

قلـــــــيلاً قليـــــلاً بعد أن عام بالأســـــــى          تـــــموت أمـــــــانيه على خـــــــطوات(3)

***

وبــــعضهم باع الجـــــــراح رخيصـــــــة          فأعطـــــــى بهـــــــذا أقـــــــبح المثلات(4)

وما كبـــــــرياء الجـــــــرح لعــــبة لاعبٍ          ولا سلـــــــعة تـــــــستام بـــالصـــــــفقات

وقـــــــد فـــــــاته أن الـــــذي جاء يشتري          أســـــــاه ويســـــــتعديــــــــه للوثبـــــــات

هو المبتني بالأمس عرشـــــــاً لمجـــــــرم          يســـــــاد علـــــــى الأشـــــــلاء والعبرات

فخـــــــاض بحـــــــاراً مـــن دمانا ودمعنا           ومـــــــا رق قـــــــلب عنـــــــده لشـــــكاة

كـــــــأن أســــــــانا واصطلام نفوسنـــــــا          بمنـــــــظوره مـــــــن أعظــــم القربات(5)

وقد جاء هذا اليـــــــوم يحـــــــمل مصحفاً           ويستـــــــنهض الإيـــــــمان للحـــــــملات

وصـــــار الذي قد كان بالأمس كافـــــــراً           أخا مؤمـــــــناً يـــــــدعى لصــــــــد غزاة

يعيدون فيـــــــنا لـــــــعبةً لـــــــم نــعد لها           كعـــــــهدهم فيـــــــنا علـــــــى غفـــــلات

ولـــــــو كشـــــــفت هــــــذه الغمامة عنهم          ســـــــنرجع كفـــــــاراً بـــــــال شــــبهات

_______________
(1) رهين شتات: مشتتاً، والشتات التفرق أو أماكن تفرق الناس.

(2) التيه: الضياع.

(3) عام: سبح أو طفا.

(4) المثلات: العقوبات يتمثل بها. مفردها: مثلة.

(5) اصطلام النفوس: استئصالها وإبادتها.

(275)

 

فإن الـــــــفتاوى الجـــــــاهزات رخـصية           تســـــــير مـــــــع الحــــــكام والرغبات(1)

***

فـــــــيا وطـــــــني هـــل أخبرتك ملامحي          بما تحـــــت أضلاعي من الجـــــــذواب(2)

وحقـــــــط لــــو حاولت جس تـــــــرائبي           لفحت علـــــــى كفــــــيك باللذعـــــــات(3)

ولو عدتني ألفـــــــيت نضـــــواً من الضنا          وأشجاك قـــــــلب خـــــافق اللهـــــــثات(4)

ولـــــــو جبــت أفكاري لألفيت هائمـــــــاً           علـــــــيك بـــــــأغـــــوار ومنعـــــــطفات

أجل أنا صـــــــب فـــــــي هــــــواك متيم           تقـــــــلبني الذكـــــرى على الجـــــــمرات

وإنـــــــك أنــغامي وومض خواطـــــــري          تغـــــــرد فــــي جهري وفي همـــــــساتي

فذرني غريقاً مـــــــن هـــــــواك بــــــلجةٍ          كما يـــــــغرق الصــوفي بالجذبـــــــات(5)

إذا جنـــــــني ليـــــــلي تحـــــــملك الصـبا          طيـــــــوفاً إلـــــــى عيني مؤتلقـــــــات(6)

وتحـــــــملني الأشــــــواق صبحاً مشاعراً          تطـــــــوف علــى شطيك والتلـــــــعات(7)

تعـــــــيش بأعـــــــراقي وروي وهيكـــلي           وتطـــــــبع أمشـــاجي فأنت حـــــــياتي(8)

وأنت وإذ أهـــــــوى وأشـــــــدو وأجتـلي           وأشتـــــــار فكـــــــراً كل مـــــــنتدياتي(9)

***

_______________
(1) الفتاوى الجاهزة: الأحكام التي يدعى أنها شرعية وليست كذلك.

(2) الجذوات: جمع جذوة وهي الجمرة الملتهبة أو القبسة من النار.

(3) الترائب: عظام الصدر مما يلي الترقوتين أو موضع القلادة من الصدر. المفرد: تريبة.

(4) عدتني: زرتني. والنضو: الهزيل المجهد. والضنا: المرض والهزال.

(5) الصوفي: من سلك طريق التصوف الديني وصفى قلبه ليدرك الحقائق الإلهية بطريق الحدس والإلهام. وكل جلسة يجلسها الصوفي في هذه الحال يحس بنفسه فيها منجذباً نحو الذات الإلهية جذبة بعد جذبة ليصبح في النهاية غارقاً بالجذبات كما يقول الشاعر.

(6) الصبا: الريح المنعشة تأتي من جهة الشرق.

(7) التلعات: جمع تلعة وهي: ما ارتفع من الأرض وأشرف أو العكس.

(8) الأمشاج: الأشياء المختلط بعضها ببعض. مفردها مشيج.

(9) أجتلي: أستوضح. وأشتار فكراً: أستخرجه وأجنيه.

(276)

 

عمان

 

تمـــــــلكني عــــــــمقـــــــك المـــــــعنوي           وتأريـــــــخ أمـــــــس بمـــــــا يحــــــتوي

ويـــــــوم تـــــــبلـــــــج فـــــــي افـــــــقه           يــعـــــــب الشـــــــعاع ولا يرتـــــــوي(1)

(عمـــــــان) برمـــــــلك كـــــــل الزمـــان          مقيـــــــم وهـــــــا هـــــــو فـــــــيه ثــوي

يضـــــــج بأحـــــــداثه الـــــــصاخبــــات           بصـــــــمت وربـــــــة صــــــــــمت دوي

ويـــــــروي التـــــــواريخ عبــــــر السنين          فســـــــموه مـــــــن أجـــــــل هــــذا روي

رؤوس جبـــــــال شـــــــوتها الشـــــموس           فعاشـــــــت بنـــــــيرانهــــــــا تكـــــــتوي

كمـــــــثل الأســـــــنة حتـــــــى الــــطيور          تـــــــحاذرها حيـــــــن تـــــــهوي هـــوي

بـــــــها للعـــــــروبة بيـــــــض الـــسمات           كدائـــــــم فـــــــي نهـــــــجها الـــــتربوي

حـــــــلوم وعـــــــزم قـــــــوي الـــمراس           وفـــــــكر ومـــــــجتمـــــــع شـــــــوروي

أبـــــــى أن يـــــــذوب لـــــــدى الـفاتحين           وأن يستـــــــكيـــــــن وأن يـــــــنضوي(2)

تصـــــــدت له الـــــــكتل الـــــــعارمـــات          مـــــــن اليـــــــعربي إلـــــــى الـــكسروي

إلى جـــــــحفل الـــــــروم فـــــــي بطـشه           وعنـــــــف مـــــــخططـــه الـــــــتصفوي

فــــــألوى بهـــــــا كلـــــــها واشـــــــرأب           وعربـــــــد فـــــــي عزمـــــــــه الثوروي

وتـــــــلـــك مـــــــلامـــــــح أهـــــــلي إذا           تنـــــــمر عـــــــاد ولـــــــم يــــــرعوي(3)

عمـــــــان وبالأمـــــــس كنــــــت العجوز          تكـــــــاد لـــــــدى الـــــــمشي لا تــستوي

وعـــــــدت شـــــــباباً ببـــــــضع سنــــين           فـــــــأدشــــــــني جهـــــــدك التـــــــنموي

فـــــــيا جيـــــــلاً شامخـــــــاً يشـــــــمخر           ويـــــــــا شاطئـــــــاً دافـــــــئاً يلتـــــــوي

_______________
(1) تبلج: بزغ وظهر، يعب: يشرب.

(2) أبى: رفض يستكين: يركن إلى الذل.

(3) تنمر: صار نمراً، عاد: معتد.

(277)

 

رسمـــــــت الفحـــــــولة فـــــــوق الجبال           وفـــــــي الـــــــشاطيء الــــــغنج الأنثوي

فـــــــأنت صـــــــلالة بـــــــين الــــزروع           كغنيـــــــة شعـــــــرهــــا فوضـــــــوي(1)

كـــــــأن شـــــــذا الـــــــود مـــــــن نفحها          مـــــــسر يـــــــبوح بـــــــما يــــنتـــــــوي

(عـــــــمان) أســـــــاطير الـــــــرائعـــات           بهن الـــــــسوي وغيـــــــــــر الســـــــوي

واســـــــتاف رمـــــــلك كهــــــــف رهيب          وللجـــــــان والغــــــــول فيه عـــــــوي(2)

وروض صـــــــلالة وعـــــــد الجـــــــنان          تعـــــــجل عـــــــن غـــــــده الأخـــــروي

وهـــــــمس شـــــــواطيك خـلف الصخور           رســــائل مـــــــن عـــــــاشق مـــــــنزوي

تـــــــذوق مـــــــن طـــــــعمك الــواجفون           ســـــــواء مـــــــواليــك والمجـــــــتوي(3)

(عـــــــمان) ســـــــلام امـــــــرئ جـــذره          بعـــــــمق رمـــــــالك جـــــــذر قـــــــوي

إذا شـــــــم رمـــــــلك شـــــــم الجــــــدود          ولاقـــــــى بهـــــــا إلـــــــفه (والخــــوي)

بـــــــه من سمـــــــاتك أنـــــــف أشــــــــم          ورأس ومـــــــرتفـــــــع جـــــــبـــــــهوي

***

_______________
(1) صلالة: مطر.

(2) استاف: شم، عوي: صوت.

(3) الواجفون: المضطربون.

(278)

 

القسم الوجداني

 

       1- ذكرى                                      8 حوار مع القلب

       2- إلى أم محمد                               9- عتب على الشباب

       3- إلى النجف الأشرف ... بلدي الحبيبة           10- إلى ولدي علي

       4- ليلة في بغداد                              11- إلى ولدي حسن

       5- تحية عيد إلى أولادي                     12- الطيف العاتب

       6- دعوة إلى الشباب                         13- جمانة وخولة

       7- الأمس واليوم والغد                       14- رسالة إلى صغاري

 

(279)

 

 

(280)

 

ذكرى

 

ذكـــــــرتك والذكـــــــريــــات الـــــــعذب           مـــنـــاهـــل أشـــواقـــي الـــظـــامــــيــــه

فعادت لعــــيني الـــــــرؤى الـــــــماتعات           تـــــــلفح بالـــــــسـحر أجـــــــفانيـــــــه(1)

وثـــــــارت رواســـــــب ذاك الـــــــهيــام           تـــهـــدهـــد أحـــلامـــي الــــغــــافــــيــــه

تقـــــــول وقـــــــد نازعتـــــــني الزمــــام          أفٍ علـــــــى المهجـــــــة الـــــــساليــــــه

غفوت وقــــــد رقـــــــص الســـــــامرون           نشـــــــاوى علـــــــى وقــــــع ألحـــــــانه

وألهـــــــب وقـــــع الشـــــــفاه الأثيـــــــر           فـــــــحم مـــن القـــــــبل الحـــــــاميـــــــه

وخـــــــف النــــــدي بأهـــــــل الـــــــندي           فمـــــــاج بـــــــأجـــــــسامه الـــــــعاريــه

وقـــــــد فقـــــــد الـــوتـــــــر الإتــــــزان           فعــــــــربد بالنوطـــــــة الـــــــساجيـــــــه

وظـــــــل الـــــــغناء بـــــــألحــــــانــــــه           فـــــــتاه عـــــــن الـــــــوزن والقـــــــافيه

وعـــــــربدت الكـــــــأس ثــــم الســـــــقاة          وعربـــــــدت الـــــــخمر والـــــــخابــــيه

***

أباعـــــــثتي بـــــــعد طـــــــول الــــركود           لأحســـــــو ثمـــــــالـــــة أيـــــــا مـــــــيه

رويـــــــدك ليـــــــس غبـــــــار الســــنين           وإن طـــــــال يـــــــمحق أحـــــــلافيـــه(2)

ولـــــــكنــها هجـــــــعة الـــــــمستـــــــجم           يـــــــمهد للـــــــوثـــــــبة الثـــــــانيـــــة(2)

أأنســـــى ومنـــــــك بـــــــهذا الوجـــــــود          علـــــــى كـــــــل ما قـــــــد حــوى ناحيه

ففي الروض حيث غــــــــناء الـــــــطيور           تمـــــــوج ألحـــــــانــــك الشـــــــاديـــــــه

وحيـــــــث الـــــــبراعـــــــم وفـــــــتوحة           تـــــــراءى شـــــــبابـــــــك قـــــــداميــــه

_______________
(1) الماتعات: الطويلات من كل شيء أو الجيدات من كل شيء.

(2) يمحق: يمحو أو يبطل.

(3) هجعة: نومة ليل، المستجم: الشديد.

(281)

 

وحيـــــــث النـــــــسائـــــــم عربــاقـــــــة           تـــــــردد أنـــــــفاســـــــك الـــــــذاكيــه(1)

وحيـــــــث رواعـــــــش تـــــلك الغصون           تـــــــبدت نـــــــواهـــــــدك الـــــــنائـــــيه

وحـــــــيث يســـــــيل لعـــــــاب الأصـيل           تـــــــرف جـــــــدائـــــــلك الـــــــزاهـــيه

وحـــــــيث يشـــــــف أزرقـــــــاق السماء          يـــــــسيل بـــــــمقلـــــــتك الصـــــــافـــيه

فـــــــأنت بســـــــمعي وفـــــــي نـــاظري          ومـــــــلء فمـــــــي وبـــــــأنحـــــــائـــيه

أأنـــــــسى وهـــــــل بارحـــــــتني الرؤى           لأنـــــساك يـــــــا كـــــــل آمـــــــاليـــــــه

لـــــــيال تـــــــكاد مـــــــن الإقــــــــتراب           تلـــــــف بـــــــهديـــــــك أهـــــــدابـــــــيه

طـــــــبعت بهـــــــا مــــــن سطور الهوى           وســــاماً على الوجـــــــنة الـــــــقانيـــــــه

أأنـــــــسى ومـــــــا فـــــــي الظـلام البهيم          إلاك والـــــــنجـــــــم ســـــــمـــــاريـــــــه

أصـــــــلي وتـــــــرفـع كـــــــلتا يـــــــدي           وردي لـــــــطلعـــــــتك الســـــــامــــــــيه

واســـــــجد إمـــــــام اعـــــتراني الخشوع          ومـــــــا غـــــــير ذكـــــــرك مــــــحرابيه

وكـــــــم مـــــــن صـــــــلاة وتــــــسبيحةٍ           تظـــــــل النـــــــجوم لهـــــــا راويـــــــــه

***

_______________
(1) العبق: الطيب، الذاكية: المنتشرة.

(282)

 

إلى أم محمد

ذرينـــــــي! فمــــــا يجدي الملام؟ ذريني!          وخلـــــــي سهــــادي في الوساد قريني!(1)

تـــــــريني ســـــــلواً كـــــاذباً وتجـــــــلداً           وعندك ماعنـــــــدي، فــــــكيف تريني؟(2)

كـــــــلانا مـــــــقيم الــقلب عند محمـــــــد          وإن دونك السجـــــــان حــــال، ودوني(3)

ومـــــــا انـــــــتقلت أبصـــــارنا عن مقبل           رشفنا معـــــــاً مـــــــن عـــــــذبه وجــبين

وعـــــــند جـــدار السجن من خلجـــــــاتنا          ضراعة مـــــــضطر ورجـــــــع حنـين(4)

حملنـــــــا المـــــــنى مـــــــن كل أم ووالد          لــكل مقيـــــــم بالســـــــجون قطـــــــين(5)

وحــــــين طغى الإيثار ما عرف الفـــــــدا          أروحـــــك أم روحي فداء سجيـــــــن؟!(6)

***

رحـــــــلت بحـــــــزني للســـــــماء مـيمماً          رحـــــــاب كـــــــريم وانـــــتجاع معين(7)

ولـــــــم أنتـــــــجع بابـــــــاً لطـــاغ محكم           يبيع قليـــــــلاً مـــــــن جـــــــداه بــهون(8)

ومن طلب الطـــــــيب الشـــــــذي بــدمنةٍ           كمن نشـــــــد الأحـــــــساب عنـد هجين(9)

وتـــــــأبى جـــراحي أن أذل شموخهـــــــا          فأســـــــأل رفـــــــع الظلم من ظلموني(10)

وبالحـــــــزن أحـــــــرار وبالحـــزن أعبد          توزع فـــــــي هـــــــذين كـــــــل حــــزين

***

_______________
(1) يجدي: يفيد. القرين: المصاحب.

(2) السلو: النسيان، والتجلد التماسك والتصبر.

(3) مقيم القلب عنده: دائم التفكير به.

(4) الضراعة والتضرع: التذلل. ورجع الحنين: تردد الشوق.

(5) القطين: القاطن والمقيم.

(6) الإيثار: تفضيل المرء غيره على نفسه.

(7) انتجع المعين: قصد الله عز وجل.

(8) الجدا: العطاء. والهون: الخزي والهوان والذلة.

(9) الدمنة: آثار الدار والناس: أو المزبلة.

(10) الشموخ: العزة والرفعة والترفع.

(283)

 

بُنــــــيَّ! لكــــــي أســـــلو تعوذت بالكرى           لأدفــــــن في قلــــــب الـــظلام شجوني(1)

فطاردني طــــــيف وطيــــــف وثالــــــث           كأنك فــــــي كــــــل الــــــجهات خديني(2)

وعـــهدي بأن الطيف يقــــــصر مــــــكثه           وطيفــــــك مــــــا يــــــنفك بيـن جفوني(3)

يذكــــــرني عــــينيك طفــــــلاً ويافــــــعاً           وما كبــــــراً والله عــــــند عــــــيونــــــي

فعــــــاديت نومــي كي أفر من الــــــرؤى          ومن أســــــر قــــــلب فـي هواك رهين(4)

معنى فــــــلا يــــــأس يريــــــح عـــــناءه          ولا أمــــــل حتــــــى لبــــــضع سنـــــــين

إذا بــــك تلقــــــاني بأحــــــلام يقظتــــــي           فتمــــــلك أبــــــعادي وكــــــل شـــــؤوني

***

يحــــــاورني من يحسبــــــوني عنــــــدهم          وعنــــــدك كلــــــي رغــــــم من حسبوني

تــــؤنق عــــــندي ذكــــــريات تذيــــــبني          وإن ســــــبحت أطيــــــافها بفـــــــــنون(5)

غداة يــــــناغي لغــــــوك الـــحلو مسمعي           ويطــــــربني حــــــتى بــــــجن جنــــوني

فأعطــــــيك صــــــدري والـــترائب ملعباً           وراحــــــلة وجنــــــاء فــــــوق جـنوني(6)

أفــــــجر نبــــــعاً مــــــن حــــنانٍ مصرداً          لتــــــنهل مــــــن مــــــعسوله بمـــــعين(7)

وفــــــي شفــــــتيك الحــــــلوتين مطــالب           أقــــــول لهــــــا عنــــــد الصـباح: مريني

يــــــدافع خطــــــوي بعـــضه إن دعوتني           وأدعــــــو يــــــديك الطــــــفلتين: خـذيني

مــــــلامــــــح فــــــرخ يســــــتظل أبـــوةً          ويــــــمسك مــــــن حبــــــل الـهوى بمتين

ومــــــا أتــــــفه الدنــــــيا بـــــدون طفولةٍ           ودون أبٍ دافــــــي الــــــجناح حنــــــون!

***

_______________
(1) الشجون: الأحزان. والمفرد: شجن.

(2) الخدين: الصديق الصدوق قلباً وقالباً.

(3) المكث: الإقامة واللبث والانتظار. وما ينفك: مازال.

(4) الرؤى: التصورات وأحلام اليقظة أو مايراه النائم في نومه من الأحلام، وهي ما قصده الشاعر هنا. والرهين: الموضوع رهناً أو كفالة أو ضماناً.

(5) تؤنق: تبدد في أحسن مظهر وبأناقة. سبحت بفنون: تفننت في مراودة خاطري.

(6) الترائب: عظام الصدر مما يلي الترقوتين. الواحدة: تريبة.

(7) المصرد: المتقطع الذي يأتي على دفعات.

(284)

 

وواهٍ بـأضلاعــــــي تــــــخذت خفــــــوقه           نديمــــــاً أعــــــي مــــــا عنــده ويعيني(1)

فأعــــــيا كمـا أعييت من وطأة الأســــــى           وعــــــدت أناجــــــي وحـدتي وسكوني(2)

تكــــــاثرت الــــــبلوى فـما اسطاع حملها           وكــــــم مــــــن مكــــــان مرهـــقٍ بمكين!

بوجهــــــي صــــــراع للــــــتجلد والأسى           معــــــانيه لا تخــــــفى لــــــكل فـــطين(3)

يــــــخبر ضحــــــكي الـــــناس في نبراته           بهــــــمس بكــــــاء فـــــي الفؤاد دفيــــــن

وغاظ الجــــــوى أن لا يتــــــرجم نفـــسه           فأغــــــرق وجــــهي من أسى وغضون(4)

***

بنــــيَّ! تحــــــريت المــــــظان مــــــؤملاً           خلاصــــــك فــــــي شـك بها ويقــــــين(5)

أرود بــــــها حتــــــى الهـــزيل من الرجا           إذا أكدت الآمــــــال عـــــــند سميــــــن(6)

إذا أخلــــــفتني فــي الصباح مقاصــــــدي           تؤملنــــــي عــــــند المـــــساء ظنونــــــي

وروض مـني الوجــــــد روحــــــاً عرفته           ركيناً إذا الجــــــلى هـــــوت بركــــــين(7)

ولكــــنني والمــــــوج فــــــي عنــــــفوانه           وعينيك فيــــــه لــــــم يضــــل سفيــــــني

أسير بــــــخطوٍ فــــــي الخــــطوب مسددٍ           وحلمٍ وإن خــــــف الزمــــــان رصــــــين

وراودنــــــي خــــــل يؤمـــــل محنــــــتي          بكــــــل انــــــفراج إن مددت يمينــــــي(8)

وكــــــان أمــــــيناً مـــا علمت بقصــــــده           ومــــــا كــــــل مــــــن عاشرته بأمــــــين

فقلــــــت لـــــه لو طاوعتني عــــــواطفي           سيــــــمنعني مــــــن فــــعل ذلك ديــــــني

أأسأل روحاً لــــــو أطــــــاقت لأغـــرقت           بنــــــي الأرض طــــــراً والسما بمنون(9)

_______________
(1) واه بأضلاعي: كناية عن قلبه الذي يصفه بالضعيف الواهي.

(2) أعيا: أحس بالتعب والعجز محتاراً: ما أفعل؟!

(3) التجلد: التصبر والتحمل. والفطين والفطن: الحاذق الماهر.

(4) الجوى: الحرقة وشدة الوجد من عشق أو حزن. والغضون: تجعدات الوجه.

(5) تحريت المظان: تفحصت الظنون والشبهات والتهم.

(6) أرود: أطلب وأبحت عن. وأكدت الآمال: خاب الرجاء.

(7) الجلى: الأمر الجليل والخطب العظيم. والركين: الوقور.

(8) راودني: خادعني وراوغني. ويؤمل محنتي بكل انفراج: يطلب رشوة. وإن مددت يميني: إن قدمت له ما طلب.

(9) المنون: الموت. وطرا: أجمعين.

(285)

 

جــــــهاماً أبــــــت أن تفـــــعل الخير مرة           وما شبعــــــت مــــــن فــعل كل مشين؟(1)

***

كفــــــرت بدنيــــــاً مـن مسوخ أناسهــــــا          يعــــــبون مــــــن حــــــقد بها وضغون(2)

حبـــــيب لهم مرأى أبٍ فــــــارق ابــــــنه           فأغــــــرق فــــــي وجــــــد وطـــول أنين

وآهـــات أم أثــــــكلوهــــــا بــــــبعلهــــــا           وفاضــــــت لــــــها بالركل روح جنين(3)

وما أطــــــربت أحــــــقادهم مـــــثل مديةٍ           تــــــفنن فــــــي قطــــــع وبـــقر بطون(4)

دمــــــوع الــثكالى خمرة في كؤوســــــهم           ونــــــوح اليــــــتامى نغــــــمة برنـــــــين

أتــــــنشد جـــــــناتٍ بــــــقلب جهــــــنم؟!           معــــــاذ الــــــنهى! مــــــا مثل ذا بقمين(5)

***

ســــلاف الحزانى الحــــــزن أم مــــــحمدٍ          أجــــــل! فدعيــــــني للشجـون.. دعيني(6)

وحــــــمداً لآلام علــــــى الـــــبعد أوجبت           بأنــــــك مــــــن بــــــعد النوى تصليني(7)

فتــــــمسح روح منـــــــك آلام غــــــربتي          وتســــــقي يبــــــيساً ذابــــــلاً بغصـــوني

وما جمع الروحـــــين كابــــــن مــــــهذبٍ           وشــــــدهما مــــــن ألــــــفةٍ بــــــمكـــــين

وقد كنت أولى أن أواســــــيك فـــــاعذري          إذا خانــــــني صبــــــري كـما تصفيني(8)

ضعي فوق قلبي العبءواستشعري الرضا          لأعتــــــجر البــــــلوى وتعتجرينـــــــي(9)

وعــــــودي لــــــبــــــاب الله أم مــــــحمد    فما مثــــــل باب الله بــــــاب ضمـــــــــين

سيأتي الصباح الحلو إذ يطــرد الدجــــــى           وعدتــــــك هــــــذا الــــــوعد فانتــظريني

***

_______________
(1) جهاماً: عبوساً. يقال: جاء من هذا الأمر بجهام: أي بما لاخير فيه.

(2) الضغون: جمع ضعينة أو ضغن: وهو الحقد.

(3) أثكلوها ببعلها: أفقدوها إياه بقتله.

(4) المدية: السكن. وبقر البطن: فتحه وشقه وتوسيع شقه.

(5) النهى: العقل. وقمين: جدير.

(6) السلاف: الخمر أول ماتعصر. أو أخلص الخمر وأشدها تأثيراً.

(7) النوى: البعد. وتصليني: تأتين إلي وتجتمعين بي.

(8) أواسيك: أخفف عنك أحزانك. وأولى: أحق وأجدر.

(9) اعتجر البلوى: وضعها على رأسه كالعمامة.

(286)

 

إلى النجف الأشراف بلدي الحبيبة

 

بــــــعض الـــــعتاب فما تركت وفائــــــي           ورؤاك مشــــــرقـــة علــــــى أجوائــــــي

تجــــــتاحني شوقاً وتأســــــر مســــــمعي           وقــــــعاً وتــــــغمرني مـــن الأضــــــواء

قــــد عشتها نــــــغماً ولــــــما أن نــــــأت          عــــــني دابــــــت أعيش بالأصــــــداء(1)

صـــور أقــــــمن بــــــمقلتي إقامــــــة الــ           ــمعمــــــود فــــــي ربــع الحبيب النائي(2)

يزددن حــــــسناً كــــــلما بــــــعد الـــمدى           ويــــــلـــفــــــهن الــــــبعد فــــــي لألاء(3)

وتــــــراب أوطــــــاني ربــــــيع أخــضر           ولوانــــــها فــــــي بلــــــقع جـــــــرداء(4)

صافــــــحته بالــــــخد عنــــــد ولادتــــي           ورســــــمت منــــــه بـــجبهتي طغرائي(5)

***

بلــــــدي! يعــــــيش أخـو السلو بنعــــــمةٍ           وأنــــــا أعــــــيش الــــــبعد فـــي لأواء(6)

حــــــملت عيــــــني والــــــنجوم إلـــــــية           أن يــــــحرساك بعــــــتمة الــــــــظلماء(7)

ولــــــو ان أضــــــلاعي تفــــــيك جعـلتها          سوراً يصــــــونك مــــــن أذى وبـــــــلاء

يــــــا كــــــل أهــــــلي والحــــــنين سجية          للكــــــل تســــــكن فــــــطرة الأجـــــــزاء

ابــــــعث قلــــــيلاً من شــــــذاك فـــــإنني          أســــــتاف عطــــــر رمــــــالك الـــعفراء

أنا بــــــعض تــــــربك بــــــنت عنه برهة          وغــــــداً يــــــطول لــــدى ثراك ثوائي(8)

***

يا سحر شلال الأصــــيل بــــــموطــــــني           والأفــــــق يــــــلبـــــس مــــــنه أي رداء!

_______________
(1) دأب على الشيء: عود نفسه وجد وداوم. الأصداء هنا بمعنى الذكريات.

(2) المعمود: الذي هده العشق. وربع الحبيب النائي: موضع ديار المحبوب المرتحل.

(3) بعد المدى: تقادم العهد وأوغل في الماضي. والألاء: اللمعان والبريق.

(4) البلقع الجرداء: الأرض القفر لاشيء فيها.

(5) الطغراء: الطرة التي تكتب في أعلى الأشياء كالكتب والرسائل وتتضمن نعوتاً وألقاباً وما أشبهها.

(6) اللأواء: ضيق المعيشة والشدة.

(7) الإلية: القسم واليمين.

(8) بنت عنه: ابتعدت عنه. والثواء: الإقامة والاستقرار.

(287)

 

وبطــــــاح ناعــــــمة الرمــــــال صعيدها          سمــــــوه يــــــوماً وجــــــنة العــــــــذراء

ومــــــسارح الظـــبيات في وادي النــــــقا          بــــــين الســــــدير وجــــــبهة الصـــحراء

وشــــــقائق النـــعمان فــــــي واحــــــاتها           مــــــجدولــــــة كجــــــدائـــل الحــــــسناء

ورؤى ديــــــارات الأســــــاقف صبــحها           للــــــدل والصــــــبــــــوات والإغــــــراء

ومــــــساؤها ثــــــمل إذا نــــــام الـــورى           شــــــرب الــــــغبوق وجـد في الإسراء(1)

ورســــــوم ثــــــرواني عــــــب بقـــرقف           وغــــــفى عــــــلى عشــــب وبركة ماء(2)

وبــــــحيث تــــــل بونــــــةٍ بــــــدنانـــــه           والنســــــوة الــــــعطرات والــــــندمـاء(3)

وأبــــــو نــــــؤاس على سلاف عتــــــقت           عشــــــراً وخــــــايبة وصــــــوت غناء(4)

وبــــــدير هنــــــد بـــلال صــــــداحــــــة           وخــــــمائــــــل عــــــباقــــــة الأشــــــذاء

مــــــتع وإن ذهـــــب الزمان صــــــداحة           ويــــــد الزمــــــان شــــــديدة الإقــــواء(5)

مــــــا زال بــــــين الرمـل بعض كؤوسها           كــــــسراً وفــــــي الــتاريخ سحر رواء(6)

***

بــــــلدي جــــــداول عــــــذبة رقــــــراقة           جاد الفــــــرات بهــــــا، فــــــاي عطـاء!؟

روى الســــــهول العــــــاريــــــات ولـفها           مــــــن خــــــصبه وخضــــــيله بـــــغطاء

فـــإذا البــــــقاع الــــــيابسات عــــــرائس           مجــــــلوة بــــــمــــــلاءة خــــــضــــــراء

وإذا الـــــروابي الجرد روض يزدهــــــي           بجنــــــائــــــنٍ وســــــنابــــــلٍ شقــــــراء

وإذا الشــــــجيرات الخــــــضيلة ألــــــسن          يشــــــكرن مــــــا للــــــماء مـــــــــن آلاء

***

_______________
(1) الغبوق: ما يشرب بالعشي.

(2) ثرواني: هو عبد الرحمن الثرواني أبو نؤاس الكوفة. والقرقف: الخمر.

(3) تل بونة: من تلال النجف الأشرف ومتنزهاته. والدنان: جمع دن، وهو جرة الخمر، والندماء: جمع نديم وهو الرفيق أو الصاحب أو المنادم على الشراب.

(4) أبو نؤاس: كنية الشاعر العباسي الحسن بن هانئ الذي نشأ بالبصرة واتصل بالخلفاء العباسيين في بغداد ومدح بعضهم، وكان أجود شعره خمرياته. وكان يقصد الحانات وينادم الثرواني.

(5) شديدة الإقواء: كثيرة إخلاء الدور من ساكنيها.

(6) الكسر: القطع المكسرة. والرواء: المنظر الحسن.

(288)

 

بــــــلدي ملاعــــــب للسنا تــــــشدو بهـــا          أجــــــلاواق ساجــــــعة بــــــكل غــناء(1)

سجــــــع البــــــلابل جنب صوت فواخت           وهــــــديل كــــــل حمامــــــة ورقـــــاء(2)

ومــــــطارح العــــــصفور فوق نخيـــــله           أعــــــراس كــــــل صبيــــــحة ومـــــساء

ومــــــن الــــــجداول هادر ومهـــــــــمس           قيــــــثارتــــــان تنــــــوعا بـــــــــــأداء(3)

ومــــــن الجــــــنان مصففات بالجـــــــنى           حفلــــــت مــــــن البركــــــات والنعماء(4)

ومــــــن الزهــــــور مفوف ومــــــــطرز           كــــــبر الجــــــمال به عــــن الإطــــــراء

ومــــــن الكــــــروم عرائش ريــــــانـــــة          يوقظــــــن حــــــلم الـــ1كاس بالصهــــــباء

***

بـــلد النخــــــيل الــــــسامقات تخــــــايلت           مــــــزهــــــوة بالــــــقامــــــة الهـيــــــفاء

وتعــــــانقت فســــــجا الظـلال وربما اهــ           ـــتزت فهــــــزت راعـــــش الأفــــــياء(5)

فالــــــظل فيــــــها ضـــــارب أطــــــنابه           والشمس تدخــــــلها علـــى استــــــحياء(6)

ومــــــسابح الــــــبسر الـمعذق تمتــــــمت           بالشــــــكر فـي حــــــباتها الصــــــفراء(7)

وبــــــكل سعــــــفة نضـدت في تاجــــــها           عــــــرس لطــــــيـرٍ أو عــــــناق لــــــقاء

والــــــتمر بالــــــعسل الــشفيف مــــــلوح           سال اللــــــعاب لـه علــــــى الإيمــــــاء(8)

***

_______________
(1) أجواق: جمع جوفة وهي الجماعة من الناس، ومنه الجوقة الموسيقية ونحوها. والساجعة: مرددة صوتها على طريقة واحدة كالحمامة.

(2) الفواخت: جمع فاختة، وهي الحمامة المطوقة التي إذا مئت تتمايل. والورقاء: التي لونها كالرماد الذي فيه سواد.

(3) الجدول الهادر: الذي فيه ماء متدفق أكثر من الذي يكون صوته خفيضاً كالهمس والذي سماه الشاعر المهمس، كالسواقي ومسيلات المياه الصغيرة.

(4) الجنان: جمع جنة، وهي البستان التف شجره حتى سترت الأرض. والمصففات بالجنى: حاملات الثمار مصفوفة على أغصانها.

(5) راعش الأفياء: الأفياء أو الظلال المرتعشة.

(6) الأطناب: جمع طنب أو طنب، وهو الحبل اذي تشد به الخيمة إلى أوتادها، وضارب أطنابه أي متمكن ومتمدد بارتياح.

(7) المسابح هنا: السبحات. والبسر: التمر قبل أن يصير رطباً، إذا لون ولم ينضج. والمعذق: الموضوع في عذق كعذق النخلة.

(8) على الإيماء: لمجرد ذكره أو الإشارة إليه.

(289)

 

بــــــلدي مــــــواويل تلــــــهب بالــــجوى           وتــــــبث مــــــا للــــــعشق مــن برحاء(1)

ضــــــاقت بــــــها دنيا الحواضر فانتحت           قصــــــب الرعــــــاة بــــــها إلـــى البيداء

وتــــــقاسمت هــــــي والربــــــاب حكـاية          مــــــن وجــــــد ليلــــــــى أو هوى ميساء

وحــــــكاية الــــــناعور والــــــسمار قـــد           حــــــفوا بــــــه فــــــي اللــــــــيلة القمراء

شــــــرحوا لــــــباناتٍ لــــــهم وأتـــوا بها           عريــــــانةً مــــــن دون أي ريــــــــــاء(2)

بــــــدؤوا حكــــــايا الــــحب في أسمارهم           لكنــــــها ظـــــــــلت بــــــلا إنــــــهــــــاء

وبنو الهوى مــــــهما اســــــتطال حـــديثه          سمــــــعوا ومــــــا ملــــــوا مــن الإصغاء

***

بــــــلدي تــــعانق والنــــــجوم هــــــمومه           وتــــــرود كــــــل بعــــــيدة عصــــــمــاء

نــــــبتت بــــتربته العــــــلوم وأنــــــجبت           ثلـلاً مــــــمـــيزة مــــــن الــــــعلمـــــاء(3)

صنــــــعته مـــدرسة الوصي ونوعــــــت           ملكــــــاته وبـــــــــــــنته خــــــير بــــــناء

بلــــــد الــــــفصاحة والـــــسماحة والندى           ومعــــــرس الأبــــــرار والــــــفقــــهاء(4)

وأبــــــو فـــــوارس لو سبرت كفاحــــــهم           لقــــــرأت فــــــخر مــــــلاحم الــهيجاء(5)

ممــــــن تــــــقلده الوســــام يد الوغــــــى           بمؤهــــــل حــــــق وحــــــسنٍ بــــــــــلاء

لا مــــــن تــــــقلده يــــــد هي لم تــــــجئ          للحكــــــم عــــــن شــــــرعيةٍ بــــــيضــاء

لكــــــنها مشــــــبوهــة جــــــاؤوا بهــــــا           فــــــي ليــــــلةٍ دمــــــويــــة دهمــــــاء(6)

ركــــــبت وليــــــس علــى الجدارة ركبها           لــــــكن عــــــلى كــــــتفٍ مـن الغوغاء(7)

_______________
(1) الجوى: الحرقة وشدة الوجد من عشق أو حزن. والبرحاء: الشدة والمشقة.

(2) اللبانات: جمع لبانة وهي الحاجة وما يطلبه المرء من رغبة وشهوة. والرياء: نوع من النفاق يري فيه الإنسان الآخرين نفسه على خلاف ما هو عليه.

(3) الثلل: جمع ثلة: وهي المجموعة.

(4) المعرس: البلد التي يقصدها المسافرون آخر الليل وينزلون بها.

(5) الهيجاء: الحرب، وملاحم الهيجاء: القصص الشعبية التي يشاد فيها بذكر الأبطال كسيرة عنترة بن شداد.

(6) الليلة الدموية الدهماء: المفاجئة وشديدة السواد.

(7) الغوغاء: السفلة من الناس لكثرة لغطهم وصياحهم واختلاطهم.

(290)

 

وأجــــــل نــــــبتك يــــــا بـــلادي انه أبـــ          ن الطــــــهر وابــــــن الــــــقادة الأمــــناء

الســــــائرين بضــــــوء أبـــــيض واضح           وتحــــــيةً للــــــواضــــــح الــــوضــــــاء

أولاء يــــــا بلــــــدي بنـــــوك فهلى ترى           أسمــــــى غــــــداة الــــــفخر مــن أولاء؟
***

وادي الــــــغري وحــــــق رملـك وهو ما           اشتــــــاقه فــــــي غدوتــــــي ومـــــسائي

لــــــو تــــستبين على البعاد مشاعــــــري           ملــــــهوبة كــــــالجــــــمر فـــــي الظلماء

وصابتي وأنــــــا القــــــصي عــن الحمى           وبمــــــقلــــــتي تفــــــلت الغــــــربـــاء(1)

لحــــــزنت لــــــي ولــــــحن رمـلك مثلما           ضــــــج الحــــــنين بأدمــــــعي ودمـــائي

فــــــأنا ابنــــــك الــــــبر الوفي وفطــــرة           عــــــطف الأب الــــــحاني عــــلى الأبناء

أتــــــرى وطــــــيفك يــــــستبد بمـــــقلتي           أنســــــاك؟ لا، ورمــــــالك الســـــــــمراء

فــــــأنا لهــــــيب مــــــشاعر وصــــــبابة           تــــــواقــــــةٍ لقــــــبابــــــك الــــــشمــــاء

وإلــــــى محــــــاريب العــــــبادة والــتقى           ولخشــــــعةٍ مــــــن راهــــــبٍ بــــــكـــاء

أمــــــا مــــــدارسك الــــــتي رقـــــت بها           للــــــفكر ألــــــف خــــــميلةٍ غــــــنــــــاء

أنا من طيور خــــــميلها أشــــــدو بــــــما           فــــــي روضــــــها مــــــن روعةٍ وبهــاء

وبــــــبطن تـــــربكِ لي جذور أوغلــــــت           مــــــن أعظــــــم الأجــــــداد والآبــــاء(2)

ممــــــن أراق دمــــــاً وأســـرج فكــــــرةً           مــــــن أجــــــل مجدك دونما ضوضاء(3)

وبــــــراعم لــــــي فــــــي حــشاك دفنتهم           كانــــــوا الــــــنسيج البكر من أحشائــــــي

واريــــــت فيــــــهم للطــــــفولة بســـــمة           ودفــــــنت فيــــــهم بــــــهجتي وهــــنائي

فــــــلديك أصــــــلي والــــــفروع وإننــي           أنا لاحــــــق بهــــــما بــــــدون مـــراء(4)

***

_______________
(1) القصي عن الحمى: المبعد عنه.

(2) جذور: أصول النسب.

(3) أراق دماً: استشهد . واسرج فكرة: نشر عقيدة.

(4) دون مراء: دون شك.

(291)

 

ليلة في بغداد

 

قــال لي والظــــــلام ألقــــــى جرائنــــــه           صــــــاحب كنــــــت اســــــتلذ بــــــيانـــه

قــــــم مــــــعي فالزمــــــان جـــــد قصير           نتــــــملى مــــــشاهــــــداً ريــــــانــــــه(1)

صــــــور بــــــضة يــــــداعبها الحــــسن           تبــــــدت فــــــي ليــــــلة أضـــــــحيانه(2)

فــــــخرجنا والــــــبدر أســــــفر مرتــــــا           حاً وألــــــقى مــــــن زهــــــوه طيلســـانه

لا نــــــرى غيــــــر عــــــاشق رنــــــحته          فــــــي ثــــــنايا الطــــــريق بـــنت الحانه

بــــــين كــــــفيه غــــــادة أغــــــرقتـــــها           قبــــــل وهــــــي لــــــم تــــــزل ظمـــآنه

فــــــيد قد ســــــطت علـــى خصل الشعر           وأخــــــرى تــــــطوق الخــــــيزرانـــــــه

وإذا بــــــالعيــــــون تــــــفصح مـــــــعنى          عجــــــزت عــــــنه خــــــطبة رنــــــانــه

وعــــــبرنا الــــــطريق ثــــــم ارتقيــــــنا           سلــــــماً نــــــحو قــــــاعــــــة مــلآنــــــه

نضــــــدوها بــــــالورد نــــــامٍ وحــــــسا           س فــــــأمــــــست فـــــي بــــهجة مزدانه

وانــــــتحى كــــــل ذي غــــرام بليــــــلى           ليقــــــضي مــــــن الغــــــرام لــــــبانــــه

والتصــــــقنا الصــــــدور صدراً إلى صد           ر ولــــــفت ســــــيقانــــــها سيــــــقانـــــه

واحـتوينا الأيــــــدي الــــــترائــــــب يهـــ           ــصرن من الــــــشوق قــــــامة فيــــــنانه

وانتقلنا الأقـــدام فــــــي نغــــــم الــــــعود           يحاكيــــــن فــــــي الخــــــطى ألحـــــــانه

وتخــــــطى فــــــتى تــــــداعــب كــــــفاه           علــــــى نــــــغمة الــــــجميع (كمــــــانـه)

ومضــــــى صــــــاحبي يــــــقول تأمــــل          جلــــــسة حلــــــوة الــــــرؤى فــــــتانـــه

ها هو الحب أوتــــر القــــــوس يرمــــــي          نــــــاثــــــلاً بــــــين راحتــــــيه كنــــــانه

 _______________
(1) نتملى: نمعن النظر.

(2) بضة: فيها غضارة ونعومة.

(292)

 

فاحذرنه وضــــــع علــــــى الـــقلب كفيـــ           ـــك لــــــئلا يــــــغادرون مــــــكانـــــــــه

فلــــــكم تــــــاه قــــــبل يومــــــك صـــب           مـــلــــــك الــــــحب والهــــــيام جنــــــانه

هــــــيمـــــته ألــــــظهــــــا فــــــتولــــــى           ناشــــــداً فــــــي جــــــفونهــــــا ســـلوانه

فــــــرأى بــــــسمة أظــــــلت شـفاهــــــي          كــــــنت فــــــيها مــــــفنداً بــــــرهانــه(1)

قــــــال مــــــاذا أرى فــــــقلــت تــــــأمل           لســــــت مــــــن يــــــملك الــــغرام عنانه

مــــــا أنــــــا مـــن طغت عليه شــــــمول           أثــــــقلــــــته وطــــــففت مــــــيزانــــه(2)

أنــــــا مــــــن معـــــــشر إذا هدأ الســــــا          مــــــر أو أطــــــبق الدجــــــى أجــــــفانه

كــــــان إلــــــف الكـــــتاب في هدأة الليـــ           ـــل وكــــــانت قــــــيثارة قــــــرآنـــــــــه

أنــــــا سكــــــري طــــــرائف مـــن خليل          تخــــــذ الــــــعلم والــــــتقى عــــــنوانـــه

***

_______________
(1) مفنداً: مبطلا.

(2) طغت: علت، شمول: خمرة، طفف الميزان: نقصه قليلاً.

(293)

 

تحية عيد إلى أولادي

 

أتى العــــــيد فاحــــــتفل النــــــاس فـــــيه          مــــــن الــــــطامحــــــين إلـــــــى القنع(1)

تبــــــرج فــــــي شكــــــله للبــــــسيــــــط          وجــــــلى بمــــــعنــــــاه لــــــلألمعــــي(2)

وأعطــــــى الــــــعيون وأعطــــى القلوب           وقــــــال لأنــــــغامــــــه لعــــــلعــــــي(3)

وكــــــنت عــــــن الــــــعيد فــــــي معزلٍ          فمــــــا طعــــــم عــــــيدٍ ولســــــــتم معي

ولا تــــــتمــــــلاكــــــم مقــــــــــــلتــــــي           ولا يـــــتـــــنــــغــــمــــكــــم مــســمــعـي

ويغــــــفو الخــــــميل إذا مــــــا الــــهزار           تغــــــيب عــــــنه ولــــــم يــــــرجــــــــع

***

فمــــــي لعــــــيونــــــكم الــــــنائبـــــــات           بــــــه قــــــبــــلات ولــــــم تــــــطبــــــع

ومــــــا الــــــعيد فــــــي كــــــل إشــرافه           بــــــدون وجــــــوهكــــــم مــــــقنـــــــعي

بــنــــــي! يلــــــذعنــــــي بعــــــــدكــــــم           كمــــــا يــــــلذع الــــــجرح بالمــــــبضـع

ولــــــي خافــــــق إن كــــــواه الجـــــوى           شــــــدا فــــــي حــــــمائــــــمه الســــــجع

ومــــــا لــــــذع الــــــقلب مــــــثل الـبعاد           فــــــغرد فــــــي نــــــغمٍ لــــــوذعـــــي(4)

إذا مــــــا تمــــــليتكم فــــــي الــــــخيـــال          أحــــــن كــــــأم إلــــــى الـــرضــــــيع(5)

وإمــــــا ألــــــحت علــــــي الــــــــــرؤى           ألــــــح السهــــــاد فــــــلم أهــــــجـــــع(6)

وأغــــــرقني الــــــوجد فــــــي خـــــافقي           وأحــــــرقنــــــي الجــــــمر فـــي أضلعي

فــــــأرجــــــع أحــــــضن نــــــجواكــــــم          لدى وحشــــــة الــــــليل فـــــي مخدعي(7)

***

 

_______________
(1) القنع: القانعون.

(2) الألمعي: الذكي المتوقد الذكاء الصادق الفراسة.

(3) لعلعي: ابرقي والمعي وقصد: اعلي.

(4) لوذعي: متوقد الذهن، الذكي.

(5) تمليتكم: تمتعت برؤياكم.

(6) لم أهجع: لم أنم ليلاً.

(7) المخدع: الحجرة في البيت.

(294)

 

بنــــــي! وإمــــــا أطــــــل الخــــــيــــــال          يقــــــض بقــــــلب الــــــدجى مضجعي(1)

ويــــــسري بــــــروحي عبــــــر الـــمدى           لــــــوادي الغــــــرييــــــن لا الأجـــــــرع

فــــــــأحــــــسب أنــــــي مــــــا بــــــينكم           وأنـــــــــــي أوســـــــدكـــم أذرعــــــــــي

وأدنــــــي الغــــــطاء لكيــــــ تدفــــــــؤوا           ولا يلــــــذع الــــــبرد مــــــن لـــم يعي(2)

وتمضــــــي الــــــرؤى فــــــإذا بـــي هنا           غريــــــباً عــــــن الأهــــــل والأربــــع(3)

تــــــقاسمنــــــي الــــــحزن والكــــــبرياء           فــــــهــــــذا يــــــئــن وذي تــــــدعــــــي

وأرجــــــع للصــــــبر، والــــــصابـــرون          كــــــرام الأرومــــــة والــــــمنـــــــزع(4)

أقــــــول لنــــــفسي: بــــــعض الجـــــوى           فمــــــا يــــــدفع الحــــــزن أن تــــجزعي

تعــــــزي فــــــإن كــــــبار الــــــنفـــوس           تــــــوائـــــم لــــــلألــــــم الــــــموجــــــع

وإن الــــــنفوس بغــــــير الــــــهمــــــــوم           ســــــوائـــم بلــــــهاء فــــــي مرتــــــع(5)

***

بنــــــي! علــــــى بــــــلدٍ ضمــــــكــــــــم           مــــــلاب الــــــشذا فــــي السنا الأروع(6)

عــــــريــــن عــــــلي ومــــــأوى أبــــــي          تــــــرابٍ ودار الحــــــمى الأمــــــنـــــــع

سمــــــات الكــــــليم وطــــــيف الخلــــيل           علــــــى ذكــــــواتٍ بــــــــــــــه أربــــــع

ووادٍ عــــــلى تــــــربــــــه أمــــــرعـــت           قــــــرائــــــح للــــــــملهــــــــم المــــــبدع

ومــــــعقل للــــــنــــــــفر الــــــنابغــــــين          ومــــــحراب للــــــسجـــــد الــــــركــــــع

ورمــــــل تــــــسيل علـــــيه العــــــصور           بتــــــاريخــــــها الألــــــق الــــــمبــــــدع

وروح مـــــــن ابــــــن أبــــــي طــــــالبٍ           تمــــــد الخضــــــيل علــــــى بلــــــقــع(7)

***

_______________
(1) يقضي مضجعي: يجعلني لاأنام، يهدم نومي.

(2) يلذع: يلسع. من لم يعي: الغارق في النوم. والياء في (يعي) للإشباع.

(3) الأريع: جمع ريع، وهو الموضع ينزل فيه زمن الربيع، وقصد الديار وناسها.

(4) أرجع للصبر: أتجمل به. وكرام الأرومة: أصليون. والمنزع: الهوى والميل والاتجاه.

(5) السوائم: الإبل أو الماشية. والمرتع: الملعب أو المرعى ترتع فيه السوائم.

(6) ملاب: مدار، لوب.

(7) البلقع: الأرض الخالية لا شيء فيها. والخضيل: النبات الندي.

(295)

 

ويــا أيــــــها العيــــــد فــــــي غربــــــتي           وددت طــــــــبـــولك لــــــــم تــــــــقــرع

فمــــــا عــــــاد وقــــــعك فــــــي خــاطرٍ           سبــــــته الهــــــموم بــــــذي مـــــــوقع(1)

وللــــــهم فــــــعـــــــل يــــــعيد الــــــحياة          أســــــى والنــــــهار إلــــــى أسفــــــــع(2)

ورب همــــــوم تربــــــي الــــــنفــــــوس           وتصـــــــــــعد بالــــــروح لــــــلأرفــــــع

وأرفــــــع همــــــاً يــــــريـــــد الســــــمو           عــــــن الــــــفرح الخــــــانع الألكــــــع(3)

***

تعــــــود شــــــدوي الــــــذرا لا كـــــــمن          يــــــغرد فــــــي أيــــــما مـــــوضــــــــع

وشــــــدو الــــــهزار علــــــى روضـــــةٍ           وشــــــدو البــــــعوض بمــــــستـــنــــــقع

ســــــأبقى بحــــــزني أغــــــني النــــجوم           وأشــــــرب خمــــــري مـــــن أدمــــــعي

وأقــــــتات طيــــــف بــــــلادي هــــــوى           قــــــوي الــــــشكيمة لــــــم يخـــــــــنع(4)

***

_______________
(1) سبته: من سبي يسبي: أخذت عقله وشغلت. والوقع: الأثر في النفس.

(2) يعيد الحياة أسى: يعكر الصفو ويملأ النفس حزناً. والأسفع: الأسود المائل إلى حمرة.

(3) الخانع: الخاضع الذليل. والألكع: الأحمق اللئيم العيي.

(4) لم يخنع: لم يقبل بالذل ولم يذل.

(296)

 

دعوة إلى الشباب

 

أعد لي وخذ ما شئت مخضوضل الصبـــا           فإن جــــــميع الــــــعيش مـــن دونه هبا(1)

أعد لي الجوى والوصل الهجر والنــــوى           وبرقاً بــــــه أغــــــوى وإن كـــان خلباً(2)

فما مـــــتع الدنيــــــا بكــــــل صنــــــوفها           لتــــــسعد لـــــولا سحــــــره أو لتــــــعذبا

وعهد الصــــــبا فــــــيه رســـــيس عهدته           يمس شغــــــاف القلب حتى ليخــــــصبا(3)

وعــــــهد الصبا عهد القلوب وشجوهــــــا          وما شب من نــــــار الــــــهيام ومــــا خبا

فما خــــــط شـــــيئاً كاتب ما روى الهوى           وما كــــــان صــــــباً عــــــاشق مــا تعذبا

فمعنى الشذا أن يمــــــنح الصــــــبح عبقةً           ومعنى السمــــــا أن تمــــــنح الليــل كوكبا

ومــــــا العــــــيش إلا الـوجد يعتمر الحشا          وما الــــــحب إلا نــــــبض قـــلب توثبا(4)

أقــــــلب بلا خــــــفقٍ وعيـــــش بلا هوى           لــــــقد ضــــــل مــــن يرضى بذلك مذهبا

***

أعــــــهد الصبــــــا هـــذي الحياة حصائل          علــــــى قــــــدرٍ فــــــيها أراح وأتـــعبا(5)

فنبت على الصحراء أيبــــــس غصــــــنه           هــــــجير وألــــــوى عــــــوده فـتخشبا(6)

ونـــــــبت تــــــبناه الخــــــــميل فربــــــه           ورواه بالنــــــبع الــــــمذال ورطـــــــبا(7)

أجــــــل هــــــذه الدنــــــيا خـــــميل وبلقع          وبيــــــنهما أرضــــــى الزمان وأغضبا(8)

ولــــــي قــــــدر ألــــــقى جــذوري بقفرةٍ           فأيبســــــها الــــــحر الهــــــجير وألهـــــبا

_______________
(1) مخضوضل الصبا: شبابي الغض. هباء: ماتطاير في الهواء من ذرات الغبار وغيره من الأشياء الدقيقة الناعمة، ويضرب به المثل لما لايعتد به.

(2) البرق الخلب: الآمال الخادعة.

(3) الرسيس: دخول الشيء في القلب وثباته وتمكنه. يقال: رس الحب في قلبه أو السقم في جسمه رسيساً. وشغاف القلب: غلافه وحبته وسويداؤه ومهجته.

(4) اعتمر الشيء: وضعه على رأسه كالعمرة أوالعمامة أو القلنسوة.

(5) الحصائل: جمع حصيلة وهي النتيجة.

(6) الهجير: قيظ نصف النهار. أو نصف النهار القائظ.

(7) ريه: رياه وأنضجه وتعهده بما يغذيه.

(8) البلقع: الأرض الخالية لاشيء فيها. والخميل: الأرض السهلة يشبه نبتها خمل القطيفة، أو الشجر المجتمع الكثير الملتف.

(297)

 

رغــــــائب عـــندي ما افترشن جــــــدائلاً          ولا عشــــــن يلــــــبسن النـــسيج المقصبا

وغصني ما غنــــــت عــــــليه عنــــــادل           وأفقي تحاشــــــته الشــــــموس فقـــطبا(1)

وأنــــــحى علــــــى الأشــذاء  وهم فغالها           وأسرف في خــــــنق الربــــــيع وأسهبا(2)

وجــــــئت خيــــــالاً أستـــــجير بدفئــــــه           من الــقر فاجتــــــاح الــــــخيال وكذبــــــا

وكــــــلف غيــــــر الطــــــبع قــــلبي فأده           ومن عاش غير الطبع عــــــاش تكســــــبا

واقــــــسم أنــــــي لا أنــــــال لــــــبانــــة           ولا أجتــــــني حتــــــى خــــــبالاً مذهبا(3)

***

تغــــــرب حــــــزني فــاستحال أغانــــــياً          وقــــــد يــــــبدع الألحـــــــان حزن تغربا

وعــــــندي قــــــوافٍ مــــن هموم حملتها           فما بعض شــــــعري غير هم تعــــــربا(4)

ومــــــا هـــــز أوتار الحشا مثل لاعــــــج          فأبكى كما شــــــاء الــــبكاء وأطربــــــا(5)

وللحــــــزن خــــــمر ليــــس يعرف فعلها           سوى من حــــــسا من كاسها وترضــــــبا

وبــــالحزن جمر صاغ كــــــل ملاحــــــم           وصــــــالاً وهجــــــراناً وعشقاً ترهــــــبا

تــــــقلب بيــــــن الحــــمر والخمر خافقي           فيــــــا لفــــــؤاد بــــــين ذيــــــن تقــــــلبا

وأخلــــــد للأحــــــزان حتــــــى عشــــقنه          وغازلــــــنه إلــــــفاً وتــــــرباً محــــببا(6)

فعــــاش ولم يعرف سوى الحزن والجوى           فلــــــو مــــــرت الأفــــــراح فــــيه تعجبا

***

أعــــــهد الــــــصبا عــاينت بالأمس لمتي           فعاينت مــــــا أشــــــجى الفـــــؤاد وأكربا

تــــــولى ومــــــيض مـــــن سوادٍ ورونقٍ           بشــــــعري فـــأضحى  يابس اللمس أشيبا

_______________
(1) العنادل: جمع عندليب. والشموس جمع شمس.

(2) أنحى على الشيء: أقبل عليه. غالها: اغتالها. الأشذاء: الشذى، الرائحة الطيبة. وأسهب في خنق الربيع: أمعن في القضاء عليه.

(3) اللبانة: الحاجة والرغبة والشهوة. والخبال: النقصان أو الهلاك أو الفساد الذي يورث الاضطراب.

(4) عندي قواف: أشعار أو قصائد.

(5) الحشا: ما يوجد في داخل البطن. واللاعج: الهوى المحرق.

(6) أخلد للأحزان: ركن إليها وسكن. والترب: المماثل في السن.

(298)

 

هجــــــير مــــــن الأحـــــداث أيبس جذره          وحــــــلأه عــــــن ورده فتــــــحطـــــبا(1)

ولو ظل فعل الشيب في الــــــشعر وحــده           لهــــــان ولــــــكن نــــــال روحــاً فأعطبا

وكــــــبل قــــــلباً كــــــان يحــــــلم ربــما           إذا أنــــــزل الــــميدان أصمى أو استبى(2)

وألــــــزمه بالصــــــوم فـــــاحترف النهى          وــــــكان جموحاً يمتطي الشــــــوق مركبا

***

فــــــؤادي رعــــــاك الله أتعـــــبك السرى          وشــــــرق فــــــيك الإنتــــــجاع وغربا(3)

تولــــــى الصــــــبا الريــــــان في نسماته           وحـل الدبور القر في موضع الصــــــبا(4)

أرح واســــــترح فالضررع جـف ولم يعد           به من بقــــــايا الــــــدر شــــــيء ليـــحلبا

***

أطــــــل من الأمــــــس القـــــريب منظرا           خيــــــال فــــــما أشــــــهى وأحلى وأطيبا

جــــــلالي أتــــــرابي وأهلـــــي ومعشري          وفاءً وإشــــــراقاً ووجــــــهاً مــــــؤشبا(5)

رأيــــــت بــــــهن الأمــــــس حـشد كرائم           وآنــــست فيهــــــن الوفــــــاء المــــــجربا

وفــــــجرن عــــــندي ذكــــــريات كثـيرةً           فعانقــــــت منــــــهن الرقيــــــق الـــمهذبا

وبالذكــــــريات الخــــــضر عمـر ضممته          لعــــــمرك فاستــــــجلى البــــــعيد وقربــا

أعــــــل بخــــــمر الذكــــــريات جوانحي           إذا الواقــــــع الأســــــوان ألـوى وألغبا(6)

فــــــأونس فــــــيها وحشـــة البعد والنوى           وأورد أشــــــواقاً عــــــطاشــاً لــــــتشربا

فــــــيا ذكــــــريات الأمـــــــس ألف تحيةٍ           إلــــــيك لأحــــــبابي لعــــــهدٍ تــــــغيبــــا

ويــــــا ساجــــــعاً في الــنفس ينقر مزهراً          من الأمس غــــــرد للفـؤاد فقد صــــــبا(7)

***

_______________
(1) هجير من الأحداث: أحداث مرت علي شديدة كقيظ النهار الصيفي. وحلـأه عن الشيء: منعه منه وطرده عنه.

(2) أصمى أو استبى: قام بدوره كما يجب، فأصاب الأهداف وأسر من الأعداء.

(3) الانتجاع: الإقامة في المنتجع أي مكان الكلأ.

(4) الدبور: ريح تأتي من الغرب مقابلة لاتجاه ريح الصبا التي تأتي من الشرق. والقر: البارد.

(5) الوجه المؤشب: قصد به المتهلل. تأشب الشجر: التف واشتبك.

(6) أعل جوانحي: سقاها. والأسوان: المحزن. وألغب: أتعب وأعيا.

(7) ينقر مزهراً: يعزف على العود. وصبا: حن وتشوق إلى الأمس الجميل.

(299)

 

الأمس واليوم والغد

 

كعــــــاب مــــــن الأمــــس القريب بروع           لها بيــــــن أحــــــناء الضلــــوع ربوع(1)

تنــظر لي أمســــــي ســــــماء مــــــكوكباً          بأفقٍ شفــــــيفٍ فــــــي مــــــداه نصـــوع

وتــــــرسم لـــي ذكراه محــــــراب راهبٍ          فــروحي ســــــجود عــــــنده وركــــــوع

تــــــضمخ حيــــــناً بالعبير فحــــــاضري           وحــــــتى غــــــدي مــــما تنث يضوع(2)

وتمــــــنع حــــــيـناً لا عــــــبير ولا رؤى           ويــــــنضب مــــــنها الـــوحي فهي منوع

فيسألني يــــــومي عــــن الأمس هل ذوت           أصــــــول لــــــه فــــي جانحي وفروع(3)

أم الأمـــــس يبقى من جــــــواه وأنــــــسه          بأعــــــماق نــــــفسي بســـــــمة ودموع(4)

ويــــــأسف يــــــومي أن يزاحــــــم دوره           مـــــن الأمس خفق في الفؤاد ولــــــوع(5)

فــــــقلتُ: صــــــروح الأمــس تبقى أثيرةً           وإن هــــــي طيــــــن باهــــــت وصـدوع

فــــــإنك أنــت الزرع والأمس أرضــــــه           ومــــــن غــــــير أرضٍ لا تــــقوم زروع

فلا تخش أن يطغى الصدى فــــوق خاطر           فمــــــن أيــــــن للمـــــاضي البعيد رجوع

وإن أك خلت الأمــــــس ضـــــرعاً محفلاً           وروضــــــاً أنيــــــقاً نــــــورته شمـوع(6)

فــــــذاك لأنـــي عاد يــــــومي مــــــظلماً           وجفــــــت يــــــنابيع بــــــه وضـــروع(7)

وأيــــــقنت أمــــسي لا يعود وإن يكــــــن           بنفــــــسي إلــــــيه لهــــــفة ونــــــزوع(8)

_______________
(1) الكعاب: ناهدة الثدي. والبروع: البارعة أو التي تبرع، أي تغلب.

(2) تنث: تشيع، وتبث وتنشر. ويضوع: يتحرك فتنتشر رائحته.

(3) ذوت: ذبلت.

(4) من جواه: من حرقته وشدة وجده أو حزنه.

(5) الولوع: كثير التعلق.

(6) الضرع: ثدي ذوات الخف أو الشاء والبقر الذي يدر اللبن، وقصد به الخير المتدفق. والمحفل: الممتلئ الحافل.

(7) الضروع: جمع الضرع.

(8) النزوع: الحنين والشوق.

(300)

 

وجــــــاء غــــــدي يشــكو تمرد حاضري          عليه ابــــــتزازاً فــــــهو مـــــنه جزوع(1)

فـــــــيومي شبع من رصيد غدي الــــــذي          اجتنى وغدي مــــــن شــــــبع يومي جوع

أجل سوف تأتي الكاس وهــــــي ثـــــمالة           فيشرب منها الـفضل وهــــــو قنــــــوع(2)

وتــــــلك نــــــواميس الحـــــياة فســــــابق          له التمر والتــــــالي جــــــناه جــــــدوع(3)

***

_______________
(1) الابتزاز: الاستلاب والتجريد. وجزوع: كثير الجزع أي الخوف.

(2) الفضل: المزية أو الزيادة أو الإحسان ابتداءً بلا مقابل. والقنوع: الراضي المكتفي بما أتاه.

(3) النواميس: جمع ناموس وهو القانون أو الشرع. والجدوع: كثير الانجداعات أي متقطع الجنى أو  الاستفادة.

(301)

 

حوار مع القلب

       نظمت عام 1967م

عادت خيولك أنضــــــــاء من الســـفر        فهل تكف عن التجوال يا غجـــــــري؟(1)

يا قلب يا قلب يابن الخـــــــافـــقين ألا        تكف عن صبوات السمع والبصــــأـر؟(2)

يوماً على الرمل في وادي الأراك إلى        جنب المها في فــــراش حيـــــك من وبر

وتارةً في سرير جــــــنب غــــــــــــــانية           على وثيرٍ توشـــــيه يد الحــــــــــضــر

تظل تسرح طول الدهــــــر مخـــــــتــبئاً            بثوب كل أنيق متــــــــرف نـــــــضــــر

وكم تنام على ثـــــغر يفح لـــــــــــظـــى            ولا تخاف لهـــــــــيباً لافح الشــــــرر(3)

ياعاشـــــق النار قل لي لو سألتـــــك هل            تريد منزلك المـــــــختار فـــــي سقر؟(4)

لكن للنار فيمـــــــــــــا قـد علمـــــت يداً             عليك إذ طردت ما فيك من وــــــضر(5)

وحولتك سبيــــكاً لا مكـــــــــــــــــان له             إلا الصــــدور وإلا بارق النــــــحـــر(6)

ورغم ما في صدور قد نزلـــــــت بــها              من نغمة فهـــــي سطــــــح غيـــر مستتر

تسطو العـــــــــــيون عليه رغـــم عفتها             وترتـــــمي فيه من عـــــالٍ لمــــــنحدر

بالأمس يا قلب قد عانيـــت في عجــــب             على فعــــــــالك أمراً واضــــــح الغير(7)

في كبرياء كـــــذوب تســــــــــــتدير إذا             ما مر ســــرب القطا ينداح في زمــر(8)

زعماً بـــــأنك قد أصبــــــــحت أكبر من            دنيا الشـــباب فلا عـــــــــود إلى الصغر

خدعتني مدة حــــتى دعـــــــوت لك الــ             ـــباري بأن تَكُ في بعــــــدٍ عــن الخطر

_______________
(1) الأنضاء: المجهدة الهزيلة. مفردها: نضو. والغجري: قصد بها المتشرد. وأصل الغجري: المتجول المنحدر من أصل هندي والمتمسك بتقاليد وعادات جماعته الذين يتجول معهم في أنحاء البلدان المختلفة.

(2) الصبوات: جمع صبوة: وهي جهلة الفتوة أو الشباب ولهوهما.

(3) الفحيح: للأفعى.

(4) سقر: جهنم.

(5) الوضر: الوسخ والأقذار عامة.

(6) السبيك: الشيء يذوب ثم يفرغ في قالب ليجمد على حال.

(7) الغير: التقلبات. غير الدهر: أحداثه وأحواله المتغيرة من حال إلى حال.

(8) الكبرياء الكذوب: المخادعة. وسرب القطا: قصد به مجموعة أناث. وينداح: ينتشر.

(302)

 

وقلت راح العنا واستـــــــــــــسلمت إرب           فلا تقلب بين البيـــــــــــــــــض والسمر(1)

حتى رأيتك أحياناً تنــــــــــــــــطنط كالـــ            ــعصفور إذ يســـــــــــتبيه ناضـج الثمر(2)

طوراً على مفرق ســـــــــــال النضار به            تارة بين أصـــــــــــــــــــداغ إلى طرر(3)

وإذ سألتك: ما هــــــــــــــــذا؟ أجبت: أنا            دم ولحم ولم أخــــــــــلق من الــــــحجر

***

عزفت عن صبــــــــــــوات القلب آونة       واستــــــــــــــسلم القلب بعد النط للخدر(4)

وسائل الليل قلــــــــــــــبي عن مواسمه              وعن أحاديـــــــــــــث أحباب وعن سمر

وللأحبة كــــــــــــــون في مخيــــــلتي        هيهات يمحى الــــــــــذي أبقاه من أثر(5)

أيام نــــــــحسب كل الدهــر من عسل        وكل أبعاد هــــــــــذي الأرض من زهر

وبالنفوس أمانٍ لا حــــــــــــــدود لها         وبالعـــــــــــــيون مدى أوفى مـن النظر

وللغرام حــــــــــــــــــديث لا ختام له         تســـــــــــــير من وطر فيه إلى وطر(6)

وللـصبابة أطياف مــــــــــــــــــجنحة         نشتــــــــــاقها شوق ظامي الرمل للــمطر

ودعتها وخــــــــــريف الأربعين على        وجهي يبيس ومبــــــــــــيض مـن الشــعر

وقلت جفت خضـــــــيلات الخميل فلا        طير يحط لكي يـــــــــشدو على شجري(7)

لكن رأيتك في كل الفصـــــــــول لدى        كرم وشادية تشـــــــــدو ومعتــــــــصر(8)

قد كنت أحسب أن القـــــــــــلب ديدنه         كالـــــــجسم يضعف إن أشقى على الكبر(9)

لكن عرفتك قــــــــــــــلبي كما يبست         أطراف جسمي على عودي فأنــــت طري

_______________
(1) أراح العنا: زال التعب. والإرب: الحاجات.

(2) يستبيه: يأسره بحبه وفتنته ويجتذبه إليه.

(3) النضار: الذهب. والأصداغ: جمع صدغ، وصدغ المرء: ما بين العين والجبهة والأذن والخد من الرأس. والطرر: جمع طرة، وهي شعر المرأة التي تتزين به بإسباله على جبهتها وقصه وتصفيفه.

(4) عزف عن الشيء: امتنع عنه. وصبوات القلب: لهوه وجهله.

(5) كون: وجود.

(6) الوطر: الحاجة والبغية.

(7) يحط: يهبط وينزل.

(8) الكرم: شجر العنب المعروف.

(9) ديدنه: طبيعته وعادته. أشفى على الكبر: شارف.

(303)

 

تخضر في الجمر ما هذي النقائـــض في            دنياك تجمع بين الـــــــــــــجمر والخضر؟

كالعود في النار عــــــــــــطر في تلهبها             فيالمــــــــحترق فـــــــي نـــــــــاره عطر!

وإذ يلح عليك الضــــــــــــــــرب يتحفنا             تـــــــرديد نـــــــــبضك بالأنـــــغام كالوتر

وقد ينوح غنـــــــــــاء عنـــــــــــد منتبه             ويضـــــــــــحك الــــــنوح حيناً عند معتبر

***

يا قلب هل هطر الإنــــــصاف منك على            بــــــــــالٍ فأنصفت ضعفاً غـــــــير مقتدر

تمضي نهارك جــــــــــــــوالاً على لعس            عــــــــــند الشـــــفاه وطوافاً عـلى حور(1)

والليل تقضيه ركـــــــــضاً خلف خادعة             مــــــــــــــن الطيوف وخلاب من الصـور

خلقت تــــــــــــركض لا تأوي إلى دعة             ولا تـــــحط عصا التــــــرحال من سفر(2)

تعزو وتحســــــــــــب أن الغزو منتصر             وأنـــــــــــــت منـــــهزم في ثوب منتصر

أما سألت فــــــــــــــــراشــاً عن تجاربه             مــــــــــــع اللهيب وما يـــــرويه من خبر؟

نشوان يرقص فــــــــــوق النار محترقاً              وبـــــــــــعض موت نــــــعيم عند منتـــحر

يا قلب أتعبني ما تـــــــــــــــــستريح له              فـــــــــــــنحن ضدان في وردٍ وفي صدر(3)

أشجى وترقص نـــــــشواناً وأكـــتم من              وجــــــــــدي فتبديه في وجهيي على الأثر

وقد أضيق بــــــــــثوبي حـــــين أحمله       وقــــــــــــــتاً وتحمل أثـــــــقالاً مدى العمر

وقد يصوغك وقع الـــــــهجر أغـــــنية       فــــــــــي حين يملأ لي وجهي من الحفر(4)

فسوف أبقى إلى ما شـــــــئت في تعبٍ        مــــــــــــــــما تــــــكبلني فيه فذا قدري(5)

***

_______________
(1) اللعس: السواد الذي يستحسن في باطن الشفة، ومنه ما يميل إلى الحمرة. والحور: صفة في عيون الغواني تكسبها جمالاً تتجلى في اشتداد بياض بياض العين مع اشتداد سواد سوداها.

(2) الدعة: السعة في العيش والسكينة والراحة.

(3) الورد: الورود كما يرد الظمآن الماء. والصدر: الانصراف عن الماء بعد ورده، أو رجوع المسافر عن مقصده.

(4) الحفر: تجاعيد الوجه.

(5) تكبلني: تقيدني.

(304)

 

عتب على الشباب(1)

سألت ظـــــــــــــلام اللــــــــيل أن يتمددا            فأعيا وخلى الســـــــــرب للصبح إذ بدا(2)

وبعض الليالي لو تــــــــــجاب رغــــائب           رجـــــــونا بأن تبقى مدى الدهر سرمدا(3)

وبـــعض الليالــــي يـــــــــفتدى ما بــــها            بألف صبـــــــــــــــاح لو يتــــاح لك الفدا

فمـــــــــــا الـــــــــــــعمر إلا ليلة عبقرية           بـــــنيت لها في ذكـــــــرياتك مســـــــجدا

إذا مـــــا انــــــــــتهت منها وقائع عشتها            نعــــــمت بذكــــــراها وهــــومت للصدى

يظل بها الــــــــعين فـــــــي يوم جوعها             مــــن الزاد ما يبـــــــقى وإن بــــعد المدى

***

لك الله يـــا قلبي أما زلـت ســـــــــارحاً             تــــجوب وراء الــــغيد درباً وفـــــدفدا(4)

ففي كل يوم ضــــائع أبـــــــحث الــدنا       عــــليك فــــلا ألقـــــاك إلا مصــــــفدا(5)

تــــــــفيأ صــــــــــدراً نافراً أو مكحلاً        من الجــــفن أو شعـــــــراً أثــيثاً مجعدا(6)

تــحولــت آهاً عــــــــــن كــــل مـــتيم        وذبت مــع الأنــــــغام في عود من شدا(7)

ومـــــــن أســـف في أنهم شربوا معاً         وألقـــــــــوك للــــــــكاس الـــــخلية مفردا

يـــــحث ظـــــــماك النبع وهو معسل         فـــــتهفو ولــــــــكن لا تــرى لك موردا(8)

فترجع إن ضم الهوى مـعشر الـــــهوى              تــــجوب الـــــدنا روحـــــــاً غريباً مشردا

***

كفرت بكل الأرض من دون خــــــفقة        مـــن القـــلب تـــــغري الــــقلب أن يتوقدا

_______________
(1) نظر في المرآة فرأى الشيب قد استوعبه فكانت هذه القصيدة عام 1975م.

(2) أعيا: تعب تعباً شديداً، أو عجز عن الاهتداء. خلى السرب لغيره: تركه.

(3) سرمداً: على الدوام.

(4) الفدفد: الأرض الواسعة المستوية لاشيء فيها.

(5) المصفد: المقيد.

(6) نافراً: بارزاً. والشعر الأثيث: الكثير الملتف. والمجعد: الملتوي والمتقبض.

(7) المتيم: العاشق الذي أهذب عقله الحب. وشدا: مد صوته بالغناء.

(8) معسل: ممزوج بالعسل. ولا ترى لك موردا: تجد نفسك محروم من الانتفاع كغيرك.

(305)

 

وأن يــــــــرتوي طــــوراً ويظمأ تارة        ويــــــــــــطرد آرام الـــــظباء ويطردا(1)

ويقتله هــــــــجر وتــــــــــحييه زورة        ويـــــــرقد فـــــي أهـــل الجراح مضمدا

وإلا فمــــا جـــــــــدوى الحياة تعيشها        ولا قـــــلب فــي أســـــــــر يطيح ويفتدى

وحـــــــــــولك أصوات العيون جريئة        تنــــــاديك أن تـــــــــــدنو ولا تسمع الندا

***

رعـــــــــى الله فينان الـصبا إن ليله           يود من الأحلام أن لا يــــــــرى غدا(2)

تخضب بالـــــــنعماء وردية الـــردا           فلســــــــت تــرى إلا خمــــــيلاً موردا

كأن لك الدنيا بكـــــــــل الذي حـوت          وإن عشتها جوعــــــــاً وثـــــوباً مقددا

ملاعبك النجم القــــــــصي وترتدي           الأصيل إذا ما شئت بــــــردا معسجدا(3)

تباركت آلاء الشبــــــــاب سخـــــيةً                  تفجر أنغاماً وحـــباً وصــــــــــــرخدا(4)

قليت ضلالي دام فــــــي ميعة الصبا          ولا مال في الشيــب يوماً إلى الهدى(5)

ولا نضجت مني مـــــدارك أبصرت          لهذي الدنا وجهـــاً كريهاً معــــــــقدا(6)

ولا عشت جيلاً كــــــــل آن له هوى          تنصر صــــــــبحاً ثم عصــــراً تهودا

تمرس في التمثيل حــــــــتى تخاله                   له كل آن مظــــــــهر قد تــــــــجـــسدا

ومن نكد الأيام تحــــــــسب الذي                    تحول حرباءً حصيفاً مــــــــســــددا(7)

وأن تتلاشى في الحــــــــياة مبادئ                   أخال الدنا والحق من دونـــها سدى(8)

***

_____________
(1) الآرام: جمع مفرده رئم، وهو الظبي الخالص البياض.

(2) الصبا الفينان: الحسن.

(3) القصي: البعيد. والأصيل: وقت اصفرار الشمس عند المغرب. والبرد: الثوب المخطط. والمعسجد: المذهب.

(4) الآلاء: جمع مفرده ألي وإلي: النعم. والسخية: الكريمة الجوادة. والصرخد: موضع نسب إليه الشراب في الشعر.
(5) ميعة الصبا: أوله.

(6) المدارك: الحواس التي تدرك بها الأمور أي تلحق وتنال.

(7) الحصيف: ذو العقل الجيد المستحكم. والمسدد: ذو السواد والاستقامة والرشاد.

(8) النعمى: الدعة ولين العيش.

(306)

 

إلى ولدي علي

       نظمت في القاهرة 1969 م

طـــــــــيوفك الحلوة الوســــــنى بني علي    في كل درب اراها وهي تـــــــــضحك لي

مـــــــــلأت كــــــــــل جهاتي والزمان فلا          وجه ولا زمـــــــــن إلا وفيـــــــــه علـــي

أراك فـــــــــي كل طفل في الطريق مشى           يدحـــــــــو برجليه مــــــا يلقاه من زبل(1)

يـــــــــظل حيـــــــــن يرى في دربه جملاً          لم يشتـــــــــروه له يبكــــــــي على الجمل

فأغـــــــــتدي خــــــــــفقة في قلب كل أب           يرعـــــــــى على البعد فرخــاً غير مكتمل

وأجـــــــــمع النجــــــــوم والأزهار عابقة           والمـــــــــترفات من الأصـــداغ والمقل(2)

ودجلة أيقظتهــــــــا بعــــــــد ســـــــهرتها          أصباح نيسان فانسابت على كسل(3)

وما تــــــــزال الصـــــبايا الشقر تصرعها          بقية الراح عند الشاطئ الخضل(4)

ومسحب الزق بين الــــــــسامرين مــضى           أبو نؤاس فأبقاه ولم يزل(5)

وروعة في الفرات الــــــحلو يسكبــــــــها           ذوب الأصيل على شطآنه الشهل

وقد تــــــــعانق مــــــــوال وأغنــــــــــــية          تخضب الجرف بالتنهيد والغزل

وللــــــــنخيل ظلــــــــال يستــــــــحم بـــه           وللهوى موسم بالزورق الجذل(6)

وما تشــــــــاء من الــــــــنعمى وما حفلت           به الأماني من صاحٍ ومن ثمل(7)

فأنتقى لك منها لو تشــــــــــــاء دمــــــــى           وأشتري لك منها لو تشاء حلي

***

بني يا خفقة النعمى علــــــــ  ى كبــــــــدٍ            يدب فيها دبيب البرء في العلل(8)

_______________
(1) يدحو: يبسط ويمهد وقصد يركل. والزبل: بقايا الأشياء، مفردها زبالة.

(2) عابقة: فواحة الروائح. والمترفات: المتنعات. والأصداغ: جمع صدغ والمقل: جمع مقلة.

(3) الأصباح: الصباحات. جمع صباح.

(4) الراح: الخمر.

(5) السامرون: الساهرون ليلاً يتسامرون ويسلي بعضهم بعضاً بالأحاديث المتنوعة.

(6) الهوى: العشق والميل إلى الشيء. والجذل: الفرحان.

(7) الأماني: الآمال. وصاح من الصحو. والثمل: المخمور.

(8) النعمى: الدعة ولين العيش.

(307)

 

إذا دجا الليل شدتني إليك رؤى         غراء إن حال بعد الدار لم تحل(1)

تجلوك في حضن ماما والكرى سنة          تدب منه إلى عينيك في مهل(2)

تطويك للصدر في زند وأنملها         تشد من شعرك المجدول في خصل

تكاد تشرب من خديك قبلتها            كظامئ عب في عل وفي نهل(3)

تسقيك أحلى حكاياها مهدهدة           حتى تنام على مهدٍ من العسل

***

بني هل جار ورد في حديقتنا           فناء عن كفك الصغرى فلم تصل(4)

قد كنت أنهاك عنه ثم تقطفه            كأنما النهي إغراء على العمل

وحينما أسلات الورد تجرح من        كفيك تشتم جد الورد والأسل(5)

والكرم هلى تتنزى في عرائشه        كما عهدتك في تهوية الطفل(6)

تنط أنت وعصفور الغروب على             نقر العناقيد نقر الخائف العجل

أسرفت في ذبحها فافتر من دمها       خمر بخديك تغري الفم بالقبل

فهل عذرب شفاهي حين تنهل من             مقبل بالشذا المخمور محتفل

بني يا قصة في الحب رائعة           لها بأعماقنا وقع من الأزل(7)

تغري مضامينها بالكاس كل أب        حتى ولو أوهنت كتفيه بالثقل

كتبت أسطرها صنفين طائفة           من البلابل والأخرى من الحجل

براعم فرشت دربي بحضرتها  وفجرت لي ينابيعاً من الأمل

_______________
(1) دجا الليل: أظلم واشتدت ظلمته. والرؤى: جمع رؤيا: وهي التصورات وأحلام اليقظة. وتطلق أيضاً ما يراه النائم في نومه من أحلام. والغراء: البيضاء أو الكريمة أو الشريفة. وحال بين الشيئين: حجز.

(2) الكرى: النوم. والسنة: النعاس أو الفتور الذي يسبق النوم أو أول النوم، أو الغفلة. وتدب: تمشي مشياً رويداً وتسري أو تدخل.

(3) عب: شرب لا تنفس ولا مص، والعل: الشرب أكثر من مرة تباعاً. والنهل: الشرب الأول.

(4) ناء: نأى أي بعد.

(5) أسلات الورد: أعوادها الطويلة المستقيمة التي لاعوج فيها، مفردها: أسلة.

(6) تتنزى: تتواثب عليه وتسارع إليه.

(7) وقع من الأزل: تأثير قديم قدم الإنسان.

(308)

 

وآنست ليلتي من بعد وحشتها          فزوقتها من الأضواء والشعل

ونبهت وتري الساجي فعدت له        لأستجد على أنغامه زجلي(1)

ولف صحراء عمري من ربيعكم             خصب ولولاه كان العمر في محل(2)

وعدتم لي محراباً وعدت به            الصوفي أخشع في تسبيح مبتهل(3)

***

سل الطفولة هل مر الزمان على       ألذ منها ومن أيامها الأول؟

أيام نشتار من صبح يطل على         ورد وليل على الألحان منسدل

نظل نركب أحلاماً مجنحة              تطير فينا إلى الجوزاء والحمل(4)

ونرسم الليل سعلاة بأعينها             جمر وجثتها السوداء كالجبل(5)

وكلنا نتبارى في بطولتنا         إذا حكينا فما فينا سوى بطل

حتى إذا ما انتهينا من ملاحمنا         وأسلمتنا حكايانا إلى الملل

عدنا إلى الرمل نبني منه أروقة        ونصنع الطين من خيل إلى إبل

وقد يمر شجار ثم يعقبه          صلح وما ثم من غل ولا دغل(6)

عواطف في نقاء الشمس ناصعة       ما إن تعاملن في يوم على دغل(7)

يا للطفولة نوار وأخيلة          مزوقات وطهر غير مفتعل!

بني شوقاً إلى وجه أحن له             بالخمر مغتسل بالليل مكتحل

أراه كالبدر في أحلى مواسمه           ولو رأى فيه غيري صورة الجعل(8)

_______________
(1) الزجل: الشعر العامي.

(2) المحل: اليباس والجفاف في الطبيعة وغيرها.

(3) عدتم: صرتم. والمحراب: صدر البيت أو كرم موضع فيه أو مقام الإمام في المسجد، أو القصر، وقصد: ما يبالى به ويعد مهما لديه. والصوفي: من سلك طريق التصوف فصفى قلبه ليدرك الحقائق الإلهية بدقة أكثر، والمبتهل: المتضرع إلى الله أو المجتهد في الدعاء.
(4) الجوزاء والحمل: من أبراج السماء.

(5) السعلاة: أنثى الغول أو الغول.

(6) الشجار: المنازعة والخصام. وثم: هناك. والغل: الحقد الكامن. والدغل: العيب المفسد.

(7) ما إن تعاملن: لم تتعامل. و(ما) هنا زائدة. وعلى دغل: بغدر وخيانة وسوء نية.

(8) الجعل: الخنفساء.

(309)

 

إلى ولدي الحسن

 

       ألقيت في جمعية الرابطة الأدبية بالنجف الأشرف في أحد مواسمها الأدبية عام 1970م.

حسون يا أجمل ما يكتب         ويا رؤى الجنة بل أعذب

يا قسمات من رفيف السنا       أحلى ومن عرف الشذا أطيب(1)

يا تمتمات كم على حلها         دأبت أستظهر أو أعرب(2)

ليس لها معنى ولكنها            أحلى من النغمة بل أخصب

يا قدماً شددت عيني بها          تتبعها دوماً ولا تتعب(3)

يشدو لها صدري إذ تعتلي              وينتشي كتفي إذ تركب(4)

زغيلــل من همس أقدامه  يموسق الرملة إذ يلعب(5)

تهفو النجيمات إلى لثمه          والترب في أترابه يعجب(6)

***

حسون ما أحلاك والصبح في          عينيك يرخي النوم أو يجذب

وأنت مسترخ على أضلعي             تطفو على الحنان أو ترسب(7)

ورأسك الصغير أحلامه         وردية اللون كما أحسب

***

_______________
(1) السنا: الضياء, المخففة من السناء: العلو والارتفاع. وعرف الشذا: قوة الرائحة العطرة.

(2) التمتمات: الكلمات التي يقولها الطفل في بدء تعلمه الكلام والتي أكثر بداياتها تاء وميم. وأستظهر: أحفظ عن ظهر قبلب. وأعرب: أبين وأوضح.

(3) شددت عيني بها: لفت انتباه عيني إليها أو حولت نظرها إليها.

(4) يشدو: يغني ويطرب. وينتشي: يحس بالنشوة والارتياح. وينتشي: يسكر أو يحس بالارتياح.

(5) زغيلـل: عصفور صغير جديد الفقس. ويموسق الرملة: يجعلها تصدر أصواتاً موسيقية.

(6) الترب: الممائل في السن، جمعها أتراب.

(7) ترسب: ترسو وتستقر.

(310)

 

يا صورة لونها مبدع            فما بها إلا الذي يطرب(1)

البرد في ثغرك إذ يزدهي       والجمر في خدك إذ يلعب

والبحر إذ يشف في مقلة         والشعر إذ من ذهب يخضب(2)

وبسمة كالشمس في حسنها             تطلع بالثغر ولا تغرب

وحيث تبدو فطرة الله في        عينيك إذ ترضى وإذ تغضب

بريئة في كل حالاتها            بيضاء ما لوثها مأرب(3)

يغسل أدران الدنا طهرها        فليس في هذي الدنا مذنب

ويا لذيذ الطعم أشتاق أن         أشربك الساعة لو تشرب

***

حسون كم عندك من جنة        عيني من خيراتها تنهب

حتى مضت أمك ترقيك من            عيني يا للأم إذ تحدب(4)

تطقطق الحرمل في مجمر             وتأمر الجن بأن يهربوا(5)

وأنت من حجري إلى حجرها          نط كما ينطنط الأرنب(6)

ما بين زندي وأثدائها            منا نعيم لك لا ينضب(7)

وربما كنت رسولاً لنا           تنقل نجوانا ولا تكذب

تجيئني باللفظ لم تدر ما          معناه أو في مثله تذهب

وأنت للسلام ما بيننا             حمامة من صدعنا ترأب(8)

وربما يغيرني أنك أســــ         ــــتـأثرت منها بالذي أرغب(9)

_______________
(1) مبدع: خلاق مجدد. ويطرب: يجعل الإنسان يرتاح وينشط ويهتز.

(2) يشف: يرق ويلين. يخضب: يتلون.

(3) المأرب: الغاية والبغية.

(4) تحدب: تعطف.

(5) تطقطق الحرمل: تجعله يصدر صوتاً عند احتراقه.

(6) ينطنط: يقفز أو ينط هنا وهناك.

(7) لا ينضب: لاينفد.

(8) رأب الصدع: جبر الكسر.

(9) يغيرني: يجعلني أغار. استأثرت بالذي أرغب: استحوذت على حبها.

(311)

 

في حين يرضي مهجتي أنك            النعيم في أبعادنا يسكب

***

حسون دنياك وأحلامها          دمى وأجراس وما يقرب(1)

من ورق ملون يقتنى            أو قصب ينفخ أو يركب

دنيا الحكايا البيض أسطورة            تنافس الأخرى بما يخلب(2)

دنيا السلام السمح في روحه            فليس ما يعتب أو يتعب

لا ليتنا منها بأخلاقنا             وليت فينا روضها المعشب

***

أين دمى تلهو بها من دم         نلهو به كأننا أذؤب(3)

أين الصفاء الصدق لا يلتوي           وأين منه حول قلب(4)

لقد سمت دنياك في طهرها             عما بدنيانا فلا تنسب

لكن تلاقينا بدنيا الدمى           في دمية تعزل أو تنصب(5)

يخلق منها بطلاً وهمنا           وهي إلى واقعها أقرب

فكم نسجنا من خيالاتنا           صرحاً وقلنا: إنه مكسب(6)

وكم حضيض قد خدعناه إذ             قلنا: تطاول إنك الكوكب(7)

وكم خلطنا في مقاييسنا          حتى تساوى النور والغيهب(8)

كم برثت من غدرنا حية         واستنكفت من فعلنا عقرب(9)

_______________
(1) الدمى: جمع دمية وهي اللعبة.

(2) الأسطورة: الحكاية الخرافية لا أصل لها. يخلب: يسلب العقل أو يذهب به.

(3) أذؤب: ذئاب جمع ذئب.

(4) الحول: المتحولات المتغيرات. والقلب: المتقلبات.

(5) تعزل: من. عزل فلاناً عن منصبه: صرفه. وتنصب: تولى شخصاً ما منصباً.

(6) الصرح: القصر العالي أو البناء الضخم. والمكسب: الريح.

(7) الحضيض: ما سفل من الأرض أو نهاية سفح الجبل.

(8) الغيهب: الظلمة الشديدة.

(9) برئت من غدرنا: تبرأت منه وتخلصت منه وقررت عدم صلتها به وبراءتها منه. واستنكفت من فعلنا: امتنعت عنه وأعرضت استكباراً وأنفة.

(312)

 

وكم تعلقنا وقد طوح             الموج بنا فضحك الطحلب

إن كان نحن الناس فلتشمخ             الجيفة وليقدس الثعلب(2)

***

حسون لولا أنت في عالمي             وإخوة أهفو لهم زغب(3)

يؤنقون العيش في وحدتي       ويسهلون الوعر إذ يصعب(4)

في كل نبض بي من حبهم       قلب من الدنيا لهم أرحب

والعيش لولا الحب مهما ازدهى        فليس إلا يبس مجدب

لكنت لا يقتادني مشرق   إلا لكي يجذبني مغرب

فكل روض لي به أيكه           وكل نبع لي به مشرب

وأنتم حبي فدنياي لم             تمر فيها الكاعب الربرب(5)

بني إن ألححت في حبكم         فإنما ذاك لأني أب

***

_______________
(1) طوح الموج بنا: أخذنا أو ذهب بنا في اتجاهات مختلفة. وضحك منه الطحلب: هزئ بنا وسخر منا. والطحلب الخضرة التي تعلو الماء الآسن.

(2) تشمخ: تتباهى بنفسها وتتعالى على غيرها. والجيفة: جثة الميت إذا أنتنت. وليقدس: يظهر وليتبارك.

(3) أهفو: أحن، ويهفو له الفؤاد: يذهب في إثره ويطرب. ماضيه: هفا. وزغب: جمع زاغب: ذو الزغب. الطير الصغير ذو الريش الناعم الصغير.

(4) يؤنقون العيش في وحدتي: يجعلونني أحس بأناقته أو بأنه أنيق. يسهلون الوعر: يجعلونني أرى المكان الصلب المليء بالحجارة ممهداً سهلاً.

(5) الكاعب: الفتاة ناهدة الثدي. والربرب: التي ربت ونمت في جسدها حتى غدت كأحد الطباء المعجبة. فالربرب في الأصل: القطيع من بقر الوحش أو الظباء.

(313)

 

الطيف العاتب

       نظمها بالشام وأرسلها لولده محمد حسين 1980م

توطن عيني والنجوم غوارب          لعينيك طيف مر بي وهو عاتب(1)

يعاتبني أني نستيتك مدة          وقصرت عما يقتضيه التحابب

فقلت: تناساني فقابلت فعله              على الرغم مني والفعال تجاوب(2)

ولكنني استذكرت أمراً نسبته           وقد يختفي رأي عن المرء صائب

بأنك نور في عيوني ونابض           بقلبي وحب في كياني ضارب(3)

ولست بجزءٍ منك حتى أحل ما         حللت فما في الحالتين تناسب

سوى أنني ذاك الخباء الذي انبنى             ليطرد عنك الحر والجو لاهب(4)

وتلك الضلوع الحانيات بدفئها          تلفك عن برد الهوا، والترائب(5)

وحجر به كل الحنان وجانح            تنط على أضلاعه وملاعب(6)

***

بني حسين استأسد الشوق والهوى             على البعد فرض في المضاجع لازب(7)

فعاودني من لاعج الشوق عائد         وعذراً لتعبيري فما هو غائب(8)

ولكنه ينزو ويهدأ تارة           وبالقلب من شوقي لرؤياك دائب(9)

فإنك إن أزرى بي الدهر والعدا        وإخوتك الزغب الصغار الحبائب(1)

_______________
(1) توطن: تتوطن، تسكن. وطيف: خيال. وعاتب: لائم.

(2) تناساني: تظاهر بأنه نسيني.

(3) نابض بقلبي: مختلط بكل نبضة من نبضاته. وضرب الحب في الكيان أوغل فيه وتغليل.

(4) الخباء: الذي انبنى: بيت الصوف أو الشعر الذي ضرب أو أقيم.

(5) الترائب: عظام الصدر مما يلي الترقوتين. الواحدة: تريبة. أو: موضع القلادة من الصدر.

(6) الحجر: الحضن. وتنط: تقفز.

(7) لازب: لازم أو ثابت.

(8) اللاعج: الهوى المحرق. والعائد: الذي يعود مرة بعد مرة.

(9) ينزو: يثب إلى فوق ويطمح. ودائب: إلحاح مستمر.

(10) أزرى بك الدهر: وضع من قيمتك وحقرك.

(314)

 

إذا شغلت غيري عن الأهل رغبة             فأنتم بدنياي المنى والرغائب

وإن صابحت عيناي غر وجوهكم             فدنياي نور مشرق وكواكب

وإن حال بعد بيننا أو تغرب            فيومي حتى بالشموس غياهب(1)

بنيت لكم بين الجوانح معبداً            أنا فيه صوفي المحبة ذائب

***

بني وإن طالت بجسمك قامة            أعوذها بالله واخضر شارب

وبانت على الأفعال منك رجولة        وعزم إذا ما استبهم الأمر ثاقب

فما زلت في عيني طفلاً بمهده   ينط كما نط الصغار الأرانب

وفرخاً أغذيه فإن فترت يدي           عن الأكل يلوي وجهه ويشاغب

ويوسعني شتماً فألتذ شتمه       وألقم كفيه فمي وهو غاضب

وأمسح خديه إذا سال فيهما             لعاب وأؤذي عضوه وأداعب

وأسرق من ألعابه لأغيظه       وأقذف منه بالنوى وأحارب

أحس إذا أنفاسه لفحت فمي             نعيماً وترتاح الأماني اللواغب(2)

وألمح في عينيه كل خصائصي        وقد أتمنى فيه ما أنا راغب

ستبقى الخميل الخصب في متخيل            وتبقى الحديث الحلو حين يجاذب

بني تقاضاني الهوى بعض ماله        فرحت وبي مما تقاضى متاعب(3)

فجسمي بأرض الشام والروح عندكم          وقلبي إلى واديكم يتوائب

وإني وإن تحنو علي مرابع             وأهل بأرباض الشام أعارب(4)

فإني كوفي الهوى تستميلني            بأرض الفراتين الربا والمناكب(5)

_______________
(1) الغياهب: جمع غيهب: وهو الظلمة الشديدة.

(2) اللواغب: جمع لاغبة وهي المتعبة تعباً شديداً.

(3) تقاضاني الهوى: طالبني باستحقاقاته علي.

(4) المرابع: جمع مربع وهو الموضع يقيم فيه الناس زمن الربيع. والأرباض: جمع ربض، وهو الناحية، وربض المدينة: ريفها أو ماحولها. وقصد بالأعارب العرب.

(5) الربا: جمع ربوة وهو المكان المرتفع من الأرض. والمناكب: جمع منكب وهو من الإنسان ما بين الكتف والعنق.

(315)

 

ولا أرتضي إلا الفرات وماءه          ونخلاً يناغيه الهوى ويناعب(1)

مطالع الشمس بالفرات أحبها           وفي دجلة تسبي عيوني المغارب

ورمل بأكناف الغري مذهب            تنث عليه بالعبير السحائب(2)

به للظباء النافرات مسارح             وللمرقلات الضابحات مقانب(3)

ورهك على أحسابهم وفعالهم           حسان مزاياً تجتلى ومناقب(4)

هنالك جسمي والفؤاد وأولي            وآخر ما أصبو له والمآرب(5)

***

حنيني إلى وادي الغري وقبة           يغازلها نجم السما ويلاعب

عليها لعاب الشمس تبر وتحتها         أئمة عرفانٍ وحبر وراهب(6)

تقاة أصابوا من علي أخا هدى          وحبر تقى، والصالحات نسائب(7)

وتاقوا إلى المثوى الأخير بجنبه        ونعم علي في الشدائد صاحب

فلا زلت يا وادي الغري خميلة         تمر عليها الغاديات السواكب(8)

***

_______________
(1) يناغيه: يغازله ويلاطفه بما يسره ويعجبه. ويناغبه: يخاطبه بصوت كصوت الغراب.

(2) تنث السحائب: تمطر.

(3) المسارح: جمع مسرح، وهو مكان السرحان، الملاعب. والمرقلات: جمع مرقلة وهي الناقة السريعة. والضابحات: جمع ضابحة وهي الناقة صوتت أنفاسها في جوفها عند العدو. والمقانب: جمع مقنب وهو المكان الذي تتجمع فيه للإغارة.

(4) الرهط: عشيرة أو قبيلة أو أقرباء. والمناقب جمع منقبة وهي الخصلة الحميدة.

(5) أصبو إليه: أحن وأتشوق والمآرب: جمع مأرب: الحاجة والبغية والأمنية.

(6) الحبر: العالم الصالح. والراهب: المتعبد في صومعته يتخلى عن أشغال الدنيا وملاذها.

(7) أصابوا منه: أخذوا عنه. ونسائب: جمع نسيبة: وهي القريبة ذات الصلة.

(8) الأرض السهلة المنخفضة التي يشبه نبتها خمل القطيفة، أو الشجر المجتمع الكثير الملتف. والغاديات السواكب: من صفات السحب لغدوها وسكبها المطر أو الأمطار نفسها.

(316)

 

جمانة وخولة

 

أصغيرتي توسدا من أضلعي           وتسلقا أرجوحتين بأذرعي(1)

وترضبا نبعين من دفء ومن          عطفٍ بقلبٍ من حنانٍ مترع(2)

وتسمعا نغماً يوقعه الهوى       لكما بنبض بالفؤاد موقع(3)

قسماً بلغوكما وما قيثارةٌ         مسحورةٌ تشدو بلحنٍ مبدع(4)

بألذ منه إذا شدا فتناغمت        ألفاظه في جملةٍ أو مقطع

أصغيرتي وإن الح تولعي        بكما فما نسي البعيد تولعي(5)

في إخوةٍ لكما وإن بعد المدى           لم يبعدوا عن مقلتي ومسمعي

أتتبع النسمات من أرجائهم             حتى من الإلحاح مل تتبعي

أشتار من تلك الجهات نسائماً          مرت برمل بالغري ملمع

ولكم سألت القلب تخفيف الجوى       لكنه ما عاد يسمع أو يعي

قد عاش عندهم هناك وعافني          إلا بقايا النبض تحت الأضلع

***

أصغيرتي الدهر غام بوجهه            وتحول الأفق الشفيع لأسفع(6)

ولقد يطيقه القلب حمل ملمةٍ            ما لم تكن أدهى من المتوقع(7)

قد عاث في شكلي ومضموني فما             أنا غير باقي غصةٍ وتصدع(8)

واغتال شمل أحبتي في جمعهم         فإذا هم نهب الجهات الأربع(9)

_______________
(1) توسدا من اضلعي: إجعلا بعض أضلعي وسادة تريحان رأسيكما عليها.

(2) ترضبا: ارشفا أو شربا. والمترع: المليء.

(3) موقع: ذو إيقاع على مقادير مناسبة.

(4) اللغو: كلام الطفل عند بدء محاولته الكلام، وهو ما لايفهم منه أي معنى.

(5) التولع: التعلق بالمحبوب بشدة.

(6) الأسفع: المائل إلى السواد.

(7) الملمة: المصيبة النازلة تلم بالإنسان.

(8) عاث في الشيء: أفسده.

(9) اغتال شملهم: فرقهم.

(317)

 

فقسمت بينهم الفؤاد وها أنا             أحيا بقلبٍ بالجهات موزع(1)

يطغى الضياع علي حتى إنني          لم أدر ما زمني ولا موضعي

أمسي وأصبح دون أمس أو غدٍ        وأسير لا من مبتدأ أو مرجع

والمرء دون أحبةٍ ومواطنٍ             يبدو بلا معنى كمشط الأقرع(2)

أصغيرتي ولا سواءٌ بيننا        في مهجع لكما يباين مهجعي(3)

تتضاجعان على وثير أبوتي            وأنا على جمر النوائب مضجعي(4)

تتراقص الأحلام في أرسيكما          خضراً تماوج بالأنيق الممتع

أما أنا فالرأس هم كله            ما مر للحلم الجميل بموقع

ناما فثمة حارسان بوالدٍ          يرعاكما وبذات ثدي مرضع

لا ترهبا حراً ولا قراً فما        جدوى جناح أبٍ إذا لم يدفع(5)

***

أصغيرتي الغد في قسماته       يبدو كوجه بالرداء ملفع(6)

يا ليت شعري هل لعيشكما به          أمل بمخضل الجوانب ممرع(7)

فتشاهدان كما أومل جنة         بالرافدين عطاؤها لم يمنع

ونزيلها عالي الجناب مكرم             لا يستضام ولا يذل لألكع(8)

أو أن يدع لأن يمجد دمية        ويشيد بالشعر الأثيث لأصلع(9)

فإذا توجه للرغيف بجوعه              منعوا الرغيف عليه إن لم يركع

ويسام عيشاً في امتهان كرامةٍ          في ذل مسلوب الخيار مضيع(10)

 

_______________
(1) القلب الموزع: المفرق الحنين.

(2) الأقرع: من لا شعر في رأسه.

(3) السواء: العدل أو الأمور الوسط. المهجع: مكان الهجوع والنوم.

(4) تتضاجعان: تستلقيان وتتمددان. وثير أبوتي: أبوتي المريحة. والنوائب: المصاعب.

(5) القر: البرد الشديد.

(6) القسمات: ملامح الوجه. جمع مفرده قسمة. وملفع: مغطى.

(7) المخضل: المبتل. والممرع: المخصب أو المعشب.

(8) نزيلها: ساكنها. وعالي الجناب: رفيع القدر. ولا يستضام: لا يظلم. والألكع: اللئيم الأحمق.

(9) الأثيث: الكثيف الملتف.

(10) يسام عيشاً في امتهان: يذل في معيشته.

(318)

 

أم تكشف الظلماء عن أفقٍ به           زهر النجوم على سماء أنصع

أم أنه الحلم اللذيذ بجنةٍ          يهفو إليها من ينام ببلقع(1)

صاتك وادي الرافدين يد السما         وحمتك من غولٍ هناك مقنع

يبدو على بعض الوجوه ويختفي       وله يشير العارفون بإصبع

أصغيرتي ستكبران وعندها            تريان مدرسة الخداع الأبشع

تريان بعض الفكر يشتم طامعاً         لكنه بخس يباع بمطمع

وصحافة تمجديها لحقائقٍ        لكنها تمشي بركب المدعي(2)

ومفقه يفتي بعزل ابن الزنا             لفظاً وبالأفعال يتبع الدعي

ويشاد تاريخ على زورٍ وتعظيم على          وهمٍ ومجد من هوى وتصنع(3)

فتخيرا إما حياةٌ دونما            عقل وإما كفر ذلك أجمع

هذي هي الدنيا ولولا ثلة         صلحاء ساروا في طريقٍ مهيع(4)

وبقيةٌ من شمخةٍ وكرامةٍ         ومسيرةٌ ترجو الصعود لأرفع(5)

لكفرت بالدنيا وعشت بغابةٍ             فالغاب ما ستر النفاق ببرقع

***

أصغيرتي تغيرت سمة الدنا            فتعجبا من بعض ما يجري معي

ما عاد بالدنيا طويل فارع       قصروا ودوح شموخهم لم يفرع

أما الكرائم فاغتدين جوارياً             وتعذر الفحل الكريم المنزع(6)

سكت الهدير وضج صوت مخنثٍ             لولا الدياثة صوته لم يرفع(7)

_______________
(1) البلقع: القفر.

(2) المدعي: ناسب الشيء إلى نفسه حقاً وباطلاً.

(3) الزور: الباطل والكذب والقوة.

(4) المهيع: الطريق الواسع البين.

(5) الشمخة: العزة أو الإحساس بها وبالكرامة.

(6) الفحل: القوي الكريم، جمعها فحول، والفحول من الشعراء أو العلماء: الفائقون فيه.

(7) المخنث: المتشبه بالنساء كلاماً وفعالاً. والدياثة: فقد الغيرة والخجل.

(319)

 

وتجرأت كتل ابن آوى فاغتدت         تختال لا تخشى بوادٍ مسبع

وإذا تدجنت السباع فنعجةٌ       وغضنفر سيان يوم المفزع(1)

يا حلبة الجرد العتاق تصبري   مشق الفحول على الونى فاسترجعي(2)

أصغيرتي الأرض عادت غابةً         يكتظ جنباها بكل مروع

فتيقظا أن تخدعا في غابةٍ خضراء وشاها الندى بمرصع(3)

فبها الأفاعي الربد تنفث سمها          والعقرب الشرس الشديد الملسع(4)

حذقت فنون الصيد في أعماقها         وتبرجت بلحون طيرٍ ألمعي(5)

والصيد حرفة كل حيوان فقد           يأتي بضحكٍ أو يجيء بأدمع

إني أعيذ طفولةً وبراءةً          لكما بطهرٍ واضحٍ لم يخدع(6)

***

_______________
(1) الغضنفر: الغليظ الجثة والأسد. وسيان: متساويان. ويوم المفزع: عند القتال.

(2) الجرد: جمع أجرد وهو الحصان الذي قل شعره وقصر من الخيل. والحصان الأجرد: السباق. والعتاق: جمع عتيق وهو الكريم الأصيل الرائع. والمشق: سرعة الطعن والضرب في الحرب. والونى: التعب والإعياء.

(3) المرصع: المحلى كما يحلى التاج بالجواهر.

(4) الريد جمع أريد وهو ما اختلط سواده بكدرة.

(5) الألمعي: الذكي المتوقد الذكاء الصادق الفراسة.

(6) أعيذها: أدعو لها بالحفظ.

(320)

 

رسالة إلى صغاري

لا تلمني إن الملام تجني         وأعني إذا استطعت أعني(1)

ما احترقت الجوى لأقلع عنه           فأشر للجوى ليقلع عني(2)

ما سوى الحزن في الوجود فلا تكــ           ــثر لومي إن صرت مدم حزنٍ(3)

وإذا ما سبرت دني فلا تلمح            الأحزان خمراً بدن(4)

إن لحناً يصوغه الحزن لحن           عبقري من دونه كل لحن(5)

أخلفتني تطلعات يقينٍ            كاذب الوعد فاستجرت بظني(6)

وعشقت الأحلام أغرق فيها            فهي إن خان واقع لم تخني

وإذا أكدت الوسائل بالا          مال أفضت بطبعها للتمني(7)

أرأيت العقيم إذ يحرم الطفــ            ل فيروي غليله بالتبني(8)

ها أنا أنشد السمو بأحلامي             لا سمو عن واقع متدني(9)

نعمة الحلم عند صحو الرزايا          نعمة النجوم في ظلام الدجن(10)

_______________
(1) التجني: اتهام الآخر بذنب لم يرتكبه.

(2) الجوى: شدة الوجد من عشق أو حزن.

(3) مدمن حزن: مداوماً عليه ومواظباً لاأستطيع الإقلاع عنه.

(4) سبرت دني: اختبرت محتويات جرتي أو زقي.

(5) عبقري: مبدع.

(6) أخلفتني: لم تف بوعدها. واستجرب بظني: استغثت به والتجأت إليه.

(7) أكدت الآمال: من أكدى يكدي: بخل عند السؤال.

(8) العقيم: الرجل لا ينجب أطفالاً. التبني: اتخاذ اليتيم ولداً له. ويروي غليله: يسقي شدة عطشه ويبرد حرارته، وهي كناية عن معالجة النفس من غيظها وحقدها لمصاب ينزل بها.

(9) أنشد: أطلب. والسمو: العلو والارتفاع. والواقع المتدني: المتخلف.

(10) النعمة: المنة والفضل. وعند صحو الرزايا: حين اشتداد المصائب. والدجن الظلام. وظلام الدجن: من قبيل إضافة اللفظ إلى نفسه، وهو أصلوب وارد في اللغة.

(321)

 

أنا لولا الأحلام ما كنت إلا             مزقاً في يد الأسى المرجحن(1)

يا صغاري على البعاد سلام            من أب شاء حزنه أن يغني

وكثير من الغناء نواح           يتخفى بثوب شدوٍ مرن(2)

وإذا غنت الجراح مشى الإبـــ          ـــداع لحناً في عود كل مغني(3)

أنا بالليل آهة تتحدى             كل ورقاء أن تئن كأني(4)

فإذا أصبح الصباح أفاق الــ            وقد بالقلب والشرود بذهني(5)

قد ألح الطعن الشديد على رو          حي ومال وحقكم من مجن(6)

والذي يرفد الشجون طيوف            أين يممت الوجه لم يدعني(7)

حملتكم مشاعري خفقاتٍ         باكيات في نابضٍ مستجن(8)

وإلى أن أضم منكم وجوهاً             بينها حال البعد دهراً وبيني(9)

سيظل الحنين وردي وزادي            وبريد الدموع منكم ومني(10)

عمرك الله يا طيوف بلادي             ما الذي تحمليه زاداً لفني(11)

_______________
(1) الأحلام: الرؤى والخيال. والمزق: جمع مزقة وهي القطعة من الشيء إذا تمزق وتقطع. والمرجحن: من ارجحن الشيء: إذا اهتز ومال وثقل.

(2) النواح: البكاء بصوت مسموع. والشدو: الغناء. والمرن: الذي يرن ويصوت.

(3) الإبداع: الإتيان بشيء جديد، التجديد، ككتابة القصة أو نظم الشعر.

(4) تتحدى: من تحداه في فعله: باراه ونازعه الغلبة عليه. والورقاء: الحمامة الرمادية اللون. والأن: الأنين أو التأوه.

(5) الوقد: الاشتغال اللاهب. والشرود الذهني: عدم الانتباه إلى الظروف المحيطة أو الملابسات الطارئة.

(6) الطعن: الإحساس داخلاً بوقع المؤثرات الخارجية من أحداث وغيرها. والمجن: الترس الواقي من الضربات.

(7) يرفد: يساند ويدعم. والشجون: الأحزان. والطيوف: الخيالات والأحلام والتصورات. ويممت توجهت.

(8) النابض المستجن: القلب المستتر بين الضلوع.

(9) حال العبد بينها وبيني: حجز الفراق بيننا.

(10) بريد الدموع: تواصلها وتوجهها بعضها نحو بعض.

(11) عمرك الله: قسم بمعنى: وحياتك.

(322)

 

كم تمنين أن أجليك مجداً         وأرجي بك العلا وأمني(1)

وجبال الشمال تشمخ زهواً             ونخيل الجنوب حلو التثني(2)

وهدير الفرات والدجلة البيــ            ضاء إمتاع كل عين وأذن

والمواويل في مطارفك الخضرا       ء والعيش في غدٍ مطمئن(3)

غير أني ويا لهو لا لذي قا             سيت مما سمعته غير أني(4)

كل آن أرى معز يرن           الثكل في صوته ولا من مهني(5)

وتطيح الأمجاد مجداً فمجداً             وتعود الصروح مفروش عهن(6)

وصنوف مروعة من مآسٍ             لم ترد في تأريخ إنس وجن

وإلى أن يطوى الدجى وإلى أن         يترك العزم مشية المتأني(7)

وتعج الرحاب بالفارس الأســ          مر في صهوة الجواد الأرن(8)

سوف ابقى أعيش في لجة       الأحلام من جور واقع متجن(9)

***

_______________
(1) أجليك مجداً: أتحدث عن أمجادك أو أمجدك. وأرجي بك العلا: أتفاءل لك أو أتنبأ بمجد رفيع.

(2) الزهو: الكبر والفخر والتيه.

(3) المطارف: جمع مفرده مطرف أو مطرف: الثوب الحريري المربع ذو الأعلام.

(4) قاسيت: عانيت.

(5) المعزي: الذي يعزيك أو يحاول أن يسليك في البلوى. والثكل: فقد الإنسان عزيزاً أو أثر ذلك في نفس الفاقد. والمهني: الذي يهنئ بالمناسبات السعيدة.

(6) تطيح: تسقط أوتهلك. والصروح: الأبنية العالية أو القصور الضخمة. والعهن: الصوف.

(7) الدجى: الظلام. والمتأني: المتمهل.

(8) تعج بالأشياء أو الأمور: تمتلئ بها وصهوة الجواد المزن: أعلى ظهر الحصان الصادرة عن سنابكه أصوات الإقبال السريع.

(9) لجة الأحلام: التطلعات والأماني المصطخبة كالأمواج. الجور: الظلم والضلال عن الطريق والعدول عن القصد. والمتجني: الكاذب في نسبته الذنوب لمن لم يرتكبها ظلماً.

(323)

 

(324)