ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 120



المطلب الواحد والثلاثون

في تتمة قضية المختار

لما أظهر المختار دعوته بالكوفة , صار يطلب بثار الحسين عليه السلام , أجابه جماعة من أشراف أهل الكوفة ولبّوا نداءه .
قال الطبري : عن عمر بن شعبي , قال : كنت أنا وأبي أول من أجاب المختار , واجتمع إليه من عيون جماعته , وقالوا : لو دعوت إبراهيم بن مالك الأشتر رحمة الله علينا لكان خير لك ولنا , ولرجونا القوة على عدونا , ولا يضرنا خلاف من خالفنا فإنه فتى شريف وابن رجل شريف، بعيد الصيت، وله عشيرة ذات عز وعدد . فقال لهم المختار : فألقوه وادعوه , واعلموا الذي أمرنا به من الطلب بدم الحسين عليه السلام وأهل بيته .
قال الشعبي : فخرجوا إليه , وأنا فيهم وأبي , فتكلم يزيد بن أنس فقال : إنّا قد أتيناك في أمر نعرضه عليك وندعوك إليه , فإن قبلته كان خيراً، لك وإن تركته فقد أدينا إليك فيه النصيحة , ونحن نحب أن يكون عندك مستوراً فقال لهم إبراهيم بن الأشتر : وإن مثلي لا تخاف غائلته , ولا سعايته ولا التقرب الى سلطانه باغتياب الناس , أنما اولئك الصغار الأخطار الدقائق همما . فقال له : إنما ندعوك الى أمر قد اجتمع عليه رأي الملأ من الشيعة الى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه واله وسلم والطلب بدماء أهل البيت , وقتال المحلين والدفع عن الضعفاء .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 121


قال الراوي : وأقبل القوم كلهم عليه يدعونه الى أمرهم ويرغبونه فيه, فقال لهم إبراهيم بن الأشتر: فإني قد أجبتكم الى ما دعوتموني إليه من الطلب بدم الحسين عليه السلام وأهل بيته على أن تولوني الأمر . فقالوا له : أنت لذلك أهل ولكن ليس الى ذلك من سبيل , هذا المختار قد جاءنا من قبل المهدي , وهو الرسول المأمور بالقتال , وقد أمرنا بالطاعة , فسكت عنهم ابن الأشتر , ولم يجبهم .
قال : فانصرفنا من عنده الى المختار فأخبرناه بما رد علينا , قال : فغبر ثلاثاً ثم إن المختار دعا بضعة عشرة رجلاً من وجوه أصحابه , قال الشعبي : وأنا فيهم وأبي , قال : فسار بنا ومضى أمامنا يقد بنا البيوت الكوفة قداً لا ندري إلى أين يريد , حتى وقف بباب دار إبراهيم بن الأشتر , فاستأذنا عليه فأذن لنا , وألقيت لنا الوسائد , فجلسنا عليها وجلس المختار معه على فراشه , وطلب منه أن ينهض معه ويشد عضده بهذه الدعوة , فأجابه إبراهيم إلى ذلك .
قال أبو مخنف : حدثني يحيى بن عيسى بن الأزدي , قال : كان حميد بن مسلم الأسدي صديقاً لإبراهيم بن الأشتر , وكان يختلف إليه ويذهب به معه , وكان إبراهيم يروح في كل عشية عند المساء فيأتي المختار ويمكث عنده حتى تصوب النجوم , ثم ينصرف فمكثوا بذلك يديرون امورهم , حتى اجتمع رأيهم على ان يخرجوا ليلة الخميس لأربعة عشر من ربيع الأول سنة ست وستين , ووطن على ذلك شيعتهم ومن أجابهم , هذا وقد هال أمر المختار والي الكوفة وهو عبدالله بن مطيع , فنظم الشرطة المسلحة على مفارق الطرق والسكك وفي الجبانين , وقد خرج إبراهيم ليلة من الليالي ومن حوله عشيرته وهم مدججون بالسلاح متقلدين السيوف قاصدين دار المختار , وكان إبراهيم فتى حدثاً شجاعاً .
قال الراوي : فأخذ إبراهيم على طريق باب الفيل , وإذا بياس بن مضارب ومعه الخيل والرجال قد أخذوا أفواه السكك , فصاح بإبراهيم : من هؤلاء ؟ فقال إبراهيم : أنا إبراهيم بن مالك الأشتر , فقال له إياس , ما هذا الجمع معك وما
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 122

تريدون ؟ والله إن أمرك لمريب , وقد بلغني إنك تمر كل عشية ههنا وما أنا بتاركك حتى آتي بك الأمير فيرى فيك رأيه . فقال إبراهيم : لا أبا لغيرك خل سبيلنا . فقال : كلا والله لا أفعل وكان مع إياس رجل من همدان يقال له أبو قطن وكان صديقاً لابن الأشتر , فقال له ابن الأشتر : يا أبا قطن أدن مني , وكان مع أبي قطن رمح طويل , فدنا منه أبو قطن ومعه الرمح , وهو لا يرى إلا ابن الأشتر يطلب إليه أن يشفع له الى ابن مضارب ليخلي سبيله , فجاء إبراهيم فتناول الرمح من يده وقال : إن رمحك هذا لطويل , ثم حمل به على ابن مضارب فطعنه في ثغرة نحره فصرعه وقال لرجل من قومه : انزل فاحتز رأسه , فنزل إليه واحتز رأسه وتفرق أصحابه ورجعوا الى ابن مطيع , فبعث ابن مطيع ابنه راشد ابن إياس مكانه أبيه على الشرطة .
وأقبل إبراهيم بن الأشتر الى المختار ليلة الأربعاء , فدخل عليه فقاله له إبراهيم : إنا اتعدنا للخروج للقابلة ليلة الخميس , وقد حدث أمر لابد من الخروج الليلة , قال المختار : وما هو ؟ قال : عرض لي إياس بن مضارب في الطريق ليحبسني بزعمه فقتلته وهذا رأسه مع أصحابي على الباب . فقال المختار : بشرك الله بخير , فهذا طير صالح , وهذا أول الفتح إنشاءالله . ثم قال المختار : قم يا سعد بن منقذ واشعل في الهرادي النيران, ثم ارفعها للمسلمين , وقم أنت يا عبدالله بن شداد فناد : يا منصور أمت , وقم أنت يا سفيان ين ليل وأنت يا قدامة بن مالك فناد : يا لثارت الحسين عليه السلام , ثم قال المختار : عليّ بدرعي وسلاحي فأتى به وأخذ يلبس سلاحه وهو يقول :
قد علمت بيضاء حسناء الطلل واضحة الخدين عجزاء الكفل
إني غداة الروع مقدام البطل

ثم إن إبراهيم قال للمختار : إن هؤلاء الرؤوس الذين وضعهم ابن مطيع في الجبانين يمنعون أخواننا أن يأتوننا ويضيقون عليهم , فلو إني خرجت بمن معي الى قومي ودعوتهم فيأتيني كل من بايعك منهم وندفعهم عن مواطنهم . فقال له
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 123

المختار : نعم أخرج وإياك أن تسير الى أميرهم تقاتله ولا تقاتل أحداً وأنت لا تستطيع أن لا تقاتل , واحفظ ما أوصيتك به إلا أن يبدأك أحد بقتال .
قال الراوي : فخرج إبراهيم بن الأشتر من عنده في الكتيبة التي أقبل فيها حتى أتى قومه , واجتمع إليه جل من بايعه وأجابه ثم إنه سار بهم في سكك الكوفة طويلاً من الليل , وهو في ذلك يتجنب السكك التي فيه الأمراء حتى انتهى الى مسجد السكون , فلقيته خيل وليس لهم قائد , فحملوا عليهم وحمل أبراهيم وأصحابه عليهم فكشفوهم حتى دخلوا جبانة كندة , وكانت شرطة ابن مطيع تعتد وتجتمع حتى انتهى ابراهيم جبانة أثير , وقف فيها طويلاً , ونادى أصحابه بشعارهم فجاءته الشرطة بالخيل والرجال وفي مقدمتهم سويد بن عبدالرحمن المنقري , فلما رأى ذلك ابن الأشتر , قال لأصحابه : يا شرطة الله انزلوا فإنكم أولى بالنصر من الله من هؤلاء الفسّاق الذين خاضوا دماء أهل بيت رسول الله فنزلوا ثم شد عليهم إبراهيم فضربهم حتى أخرجهم الى الصحراء وولوا منهزمين يركب بعضهم بعضا , وهم يتلاومون فقال قائل منهم : إن هذا الأمر يراد , ما يلقون لنا جماعة ألا هزموهم , فلم يزل يهزمهم حتى أدخلهم الكناسة , وقال أصحاب إبراهيم لإبراهيم : أتبعه وغنم ما قد دخلهم من الرعب فقد علم الله الى الله من ندعوا وما نطلب والى من يدعون وما يطلبون , فقال إبراهيم : لا أفعل ذلك .
نعم إن إبراهيم لما حارب الكوفة قتلة الحسين عليه السلام كان لا يتبع مدبراً ولا يأمر بالنهب , ولكن أهل الكوفة نهبوا يوم عاشوراء جميع ما كان في رحل الحسين عليه السلام وخيامه حتى الملاحف الأزر من على رؤوس الفاطميات !!
هذي تصيح أبي وتهتف ذي أخي وتـعج تـلك بأكـرم الأجـداد (1)
(1) من قصيدة للشيخ أحمد النحوي المتوفى سنة 1183 هـ ومطلعها:
بأبي أبي الضيم لا يعطي العدى حذر المنية منه فضل قياد
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 124



المطلب الثاني والثلاثون

في محاربة المختار لأهل الكوفة

لما نهض المختار بالكوفة وشد أزره بإبراهيم بن الأشتر , فكان أول ما صنعه المختار أن قاتل رؤساء الشرطة الذين كانوا قد وظفهم عبدالله بن مطيع , وجعلهم على أفواه السكك , والطرقات والجبانين , ولما بان الضعف والعجز من أصحاب عبدالله بن مطيع أقبل شبث بن ربعي الى عبدالله بن مطيع , وقال : ابعث الى امراء الجنابين فمرهم فليأتوك , واجمع اليك جميع الناس ثم انهض على هؤلاء القوم (يعني المختار وأصحابه) وابعث إليهم من تثق به فليكفك قتالهم , فأن أمر القوم قد قوى , وقد خرج المختار وظاهر واجتمع له أمره , فلما بلغ ذلك المختار من مشورة شبث بن ربعي على ابن مطيع , خرج في جماعة من أصحابه حتى نزل في ظهر دير هند , مما يلي بستان زائدة في السبخة , ونادى مناديه بالكوفة : يا منصور أمت , يا لثارات الحسين عليه السلام , ثم نادى المنادي : يا أيها الحي المهتدون , ألا إن أمير آل محمد ووزيرهم قد خرج فنزل دير هند , وبعثني إليكم داعياً ومبشراً فاخرجوا إليه رحمكم الله .
قال الراوي : فخرجوا من الدور يتداعون يا لثارات الحسين عليه السلام وأقبلوا إلى المختار حتى نزلوا معه في عسكره , فتوافي الى المختار في تلك الليلة ثلاثة آلاف وثمانمائة من اثني عشر ألفاً كانوا قد بايعوه , فاستجمعوا له قبل انفجار الفجر ,
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 125

فأصبح وقد فرغ من تعبئته .
قال حميد بن مسلم : فلما أصبح استقدم فصلى بنا الغداة بغلس , ثم قرأ والنازعات , وعبس وتولى , قال : فما سمعنا اماماً أم قوماً أفصح لهجة منه , قال : وبعث ابن مطيع الى أهل الجبانين يأمرهم أن ينظموا الى أهل المسجد , وقال لراشد بن إياس بن مضارب ناد في الناس , فليأتوا المسجد فنادى المنادي : ألا برئت الذمة من رجل لم يحضر المسجد الليلة فتوافى الناس فلما اجتمعوا بعث ابن مطيع شبث بن ربعي في نحو ثلاثة آلاف الى المختار , وبعث راشد بن إياس في أربعة ألاف من الشرطة .
قال أبو سعد الصقيل : ولما فرغ المختار من صلاة الغداة وانصرف سمعنا أصواتاً مرتفعة في ما بين بني سليم وسكة البريد , فقال المختار : من يعلم لنا هؤلاء ما هم ؟ فقلت له : أنا أصلحك الله . فقال المختار : أما لا فألق سلاحك وانطلق حتى تدخل فيهم كأنك نظار , ثم تأتيني بخبرهم , قال : ففعلت فلما دنوت منهم إذا مؤذنهم يقيم , فجئت حتى دنوت منهم , فإذا شبث بن ربعي معه خيل عظيمة وعلى خيله شيبان بن حريث الضبي , وهو في الرجالة معه منهم كثرة , فلما أقام مؤذنهم تقدم فصلى بأصحابه فقرأ أذا زلزلت الأرض زالزاها , فقلت في نفسي : أما والله إني لأرجو أن يزلزل الله بكم , وقرأ والعاديات ضبحاً , فقال له ناس من أصحابه : لو كنت قرأت سورتين هما أطول من هاتين شيئاً , فقال شبث : ترون الديلم قد نزلت بساحتكم وأنتم تقولون لو قرأت سورة البقرة وآل عمران .
قال : وكانوا ثلاثة آلاف , قال : فأقبلت سريعاً حتى أتيت المختار فأخبرته بخبر شبث وأصحابه وأتاه معي ساعة أتيته سعر بن أبي سعر الحنفي يركض من مراد , وكان ممن بايع المختار , فلم يقدر على الخروج معه ليلة مخافة من الحرس .
قال : فسرح المختار إبراهيم بن الأشتر , قبل راشد بن إياس في تسعمائة .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 126

ويقال : ستمائة فارس وراجل فمضى إبراهيم الى راشد فلقيه في مراد ومعه أربعة آلاف , فقال إبراهيم لأصحابه , لا يهولنكم كثرة هؤلاء فوالله لرب رجل خير من عشر , ولرب فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله , والله مع الصابرين , ثم قال : يا خزيمة بن نصر سر إليهم في الخيل , ونزل وهو يمشي في الرجال ورأيته مع مزاحم بن الطفيل , فأخذ إبراهيم يقول له : ازدلف برايتك امض بها قدماً قدماً , قال : واقتتل الناس , فاشتد قتالهم وبصر خزيمة بن نصر العبسي براشد بن إياس فحمل عليه فطعنه وقتله , ثم نادى , قتلت راشداً ورب الكعبة .
قال : وانهزم أصحاب راشد , وأقبل إبراهيم بن الأشتر وخزيمة بن نصر ومن كان معهم بعد قتل راشد نحو المختار , وبعث النعمان بن أبي الجعد يبشر المختار بالفتح عليه وبقتل راشد , فلما ان جاءهم البشير بذلك كبروا واشتدت أنفسهم , ودخل أصحاب بن مطيع الفشل , وسرح بن مطيع حسان بن فائد بن بكير العبسي في جيش كثيف نحو من ألفين , واعترض ابراهيم بن الأشتر فريق الحمراء ليرده عن من في السبخة من أصحاب بن مطيع ومشى ابراهيم نحوه في الرجال .
قال الراوي : ما أطعنا برمح ولا اضطربنا بسيف حتى انهزموا , رجع ابراهيم نحو المختار وإذا بشبث بن ربعي ويزيد بن أنس وأصحابه قد أحاطوا بالمختار , فلما أن رأوا إبراهيم جعلوا ينكصون روائهم رويداً رويداً حتى انهزموا وتراجعوا الى ابن مطيع , وفي ذلك الحين استخبر ابن مطيع بقتل راشد بن أياس فأسقط في يده . .
ثم إن المختار جمع أصحابه وانهد نحو المسجد والقصر , وكان هناك جند كثير , فحاربهم بمن معهم , وشتت شملهم حتى دخل السوق هو وأصحابه وحصروا ابن مطيع في القصر ثلاثة أيام , وكان معه الأشراف من رؤوس العسكر
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 127

إلا عمرو بن حريث , فإنه أتى داره ولم يلزم نفسه الحصار ثم خرج حتى نزل البر , ثم جاء المختار ونزل جانب السوق وولى حصار القصر ابراهيم بن الأشتر , ويزيد بن أنس , وأحمر بن شميط , فكان ابن الأشتر مما يلي المسجد وباب القصر ويزيد بن أنس مما يلي بني حذيفة , وسكة دار الروميين وأحمر بن شميط مما يلي دار عمارة ودار أبي موسى , فلما اشتد الحصار على ابن مطيع وأصحابه كلم الأشراف , وقام إليهم شبث فقال له : أصلح الله الأمير انظر لنفسك ولمن معك فوالله ما عندهم غناء عنك ولا عن أنفسهم . قال ابن مطيع : أشيروا علي برأيكم . فقال له شبث : الرأي أن تأخذ لنفسك من هذا الرجل اماناً ولنا وتخرج ولا تهلك نفسك ومن معك .
قال الراوي : ولما أن جن الليل خرج من القصر من نحو درب الروميين حتى أتى دار أبي موسى , وخلى القصر وفتح أصحابه الباب فقالوا له : يابن الأشتر آمنون نحن ؟ قال : أنتم آمنون , قال : وخرج من القصر عند ذلك وهو قصر الإمارة هذا هو القصر الذي أصعدوا مسلم بن عقيل على سطحه ورموه من أعلى السطح الى الأرض , هذا هو القصر الذي أدخول فيه بنات الرسالة على ابن مرجانة والسجاد مغلل ومقيد , فلما رأه ابن زياد (لعنه الله) قال : من هذا العليل ؟ فقيل له : هذا علي بن الحسين . قال : أليس قد قتل الله عليّاً ... الخ .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 128



المطلب الثالث والثلاثون

في بيعة أهل الكوفة للمختار

ذكر الطبري في تاريخه (1) ، قال : بعد أن فتح الله على المختار وانهزم عبدالله بن مطيع أمير الكوفة , وقد اخلى قصر الإمارة ـ جاء المختار حتى دخل القصر وبات به وأصبح أشراف الناس في المسجد وعلى باب القصر , فخرج المختار وصعد المنبر فحمدالله وأثنى عليه , ثم قال : الحمدلله الذي وعد وليه النصر وعدوه الخسر , وجعله في الى آخر الدهر وعداً مفعولاً وقضاء مقضياً , وقد خاب من افترى . أيها الناس إنه رفعت لنا راية ومدت لنا غاية , فقيل لنا في الراية أن ارفعوها ولا تضعوها وفي الغاية أن اجروا إليها ولا تعدوها , فسمعنا دعوة الداعي ومقالة الواعي , فكم من ناع وناعية لقتلي في الواعية , وبعداً لمن طغى وأدبر وعصى وكذب وتولى , ألا فادخوا أيها الناس فبايعوا بيعة هدى فلا والذي جعل السماء سقفاً وكفوفاً والأرض فجاجاً سبلا , ما بايعتم بعد بيعة علي بن أبي طالب عيله السلام وآل علي أهدى منها , ثم نزل فدخل القصر ودخلنا عليه .
ودخل عليه أشراف الناس فبسط يده وابتدره الناس فبايعوه، وجعل يقول : تبايعوني على كتاب الله وسنة نبيه والطلب بدماء أهل البيت وجهاد المحلين
(1) انظر ج 4 ص 487 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 129

والدفع عن الضعفاء , وقتال من قاتلنا , وسلم من سالمنا , والوفاء ببيعتنا لا نقيلك ولا نستقيلكم , فإذا قال الرجل نعم بايعه .
قال موسى بن عامر العدوي : فكأني والله انظر الى المنذر بن حسان بن ضرار , إذ أتاه حتى سلم عليه بالإمرة ثم بايعه , وانصرف عنه , فلما خرج من القصر استقبل سعيد بن منقذ الثوري في عصابة من الشيعة , واقفاً عند المصطبة , فلما رأوه ومعه ابنه حيان بن المنذر , قال رجل من سفائهم : هذا والله من رؤوس الجبارين فشدوا عليه وعلى ابنه فقتلوهما , فصاح بهم سعيد بن منقذ لا تعجلوا حتى ننظر ما رأي أميركم فيه .
قال : وبلغ المختار بذلك فكرهه , حتى رؤي ذلك وجهه , وأقبل المختار يمني الناس ويستجر مودتكم ومودة الاشراف , ويحسن السيرة جهده قال : وجاء ابن كامل فقال للمختار : أعلمت أن ابن مطيع في دار أبي موسى , فلم يجبه بشيء , فأعاده عليه ثلاثاً فلم يجبه , فظن ابن كامل ان ذلك لا يوافقه وكان المختار قبل هذا صديقاً لابن مطيع , فلما أمسى بعث الى ابن مطيع بماءة ألف درهم , وبعث إليه تجهّز هذه الليلة وأخرج , فإني قد شعرت بمكانك وقد ظننت أنه لم يمنعك من الخروج إلا أنه ليس في يديك ما يقويك على الخروج , فأخذها ومضى الى البصرة وأصاب المختار تسعة آلاف ألف في بيت المال بالكوفة , فأعطى أصحابه الذين قاتل بهم حين حاصر ابن مطيع في القصر وهو ثلاثة ألف وثمانمائة رجل كل رجل خمسمائة درهم , وأعطى ستة آلاف من أصحابه أتوه بعد ما أحاط بالقصر , فأقاموا معه تلك الليلة وتلك الثلاثة أيام حتى دخل القصر مائتين مائتين واستقبل الناس بخير ومناهم العدل وحسن السيرة , وأدنى منه الأشراف فكانوا جلساءه وحداثه , واستعمل على شرطته عبدالله بن كامل الشاكري , وعلى حرسه كيسان أبا عمرة مولى عرينة , فقام ذات يوم على رأسه فرأى الأشراف يحدثونه
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 130

ورآه قد أقبل بوجهه وحديثه عليهم , فقال لابي عمرة بعض أصحابه من الموالي : أما ترا أبا إسحاق قد أقبل على العرب ما ينظر إلينا , فدعاه المختار , وقال له : ما يقول لك اولئك الذين رأيتهم يكلمونك ؟ فقال له وأسر إليه : شق عليهم أصلحك الله صرفك وجهك عنهم الى العرب , فقال له قل لهم لا يشقن ذلك عليكم , فأنتم مني وأنا منكم , ثم سكت طويلاً ثم قرأ «إنا من المجرمين منتقمون » فسمعها الموالي منه , فقال بعضهم لبعض : ابشروا كأنكم والله به قد قتلهم .
قال الراوي : لما ظهر المختار واستمكن , ونفى ابن مطيع , وبعث عماله الى الآفاق (1) جعل يجلس للناس غدوة وعشية يمضي بين الخصمين , ثم قال : والله إن لي فيما إزاول وأحاول لشغلا عن قضاء بين الناس , قال: فأجلس للناس شريحاً (2) وقضى بين الناس , ثم إنه خافهم فتمارض وسمعهم يقولون : إنه
(1) ذكر الطبري في تاريخه قال : أول رجل عقد له المختار راية عبدالله بن الحارث أخو الأشتر عقد له على أرمينية , وبعث محمد بن عمير بن عطارد على آذربيجان , وبعث عبدالله بن سعيد بن قيس على الموصل , وبعث اسحاق بن مسعود على المدائن وأرض جوخي , وبعث قدامة بن أبي عيسى بن ربيعة النصري وهو حليف لثقيف على بهقباذ الاعلى , وبعث محمد بن كعب بن قرطة على بهقباذ الأوسط , وبعث حبيب بن منقذ الثوري على بهقباذ الأسفل , وبعث سعد بن حذيفة بن اليمان على حلوان , وكان مع سعد حذيفة ألفا فارس بحلوان , قال : ورزقه ألف درهم في كل شهر وأمره بقتال الأكراد وبإقامة الطرق , وكتب الى عماله في الجبال يأمرهم أن يحملوا أموال كورهم الى سعيد بن حذيفة بحلوان .
(2) شريح القاضي أبو أمية بن الحرث بن المشجع , كان من كبار التابعين , وأدرك الجاهلية , واستقضاه عمر بن الخطاب على الكوفة , فأقام قاضياً خمس وسبعين , ولم يتعطل فيها إلا ثلاث سنين , امتنع فيها من القضاء في فتنة ابن الزبير , استعفى الحجاج بن يوسف من القضاه فأعفاه , ولم يقض بين اثنين حتى مات , ولم يكن على وجهه طاقة شعر , وسخط عليه أمير المؤمنين عليه السلام مرة فطرده من الكوفة , ولم يعزله عن القضاء وأمره أن يقيم ببانقيا , =
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 131

عثماني , وإنه ممن شهد على حجر بن عدي , وإنه لم يبلغ عن هاني بن عروة ما أرسله به , وقد كان علي بن أبي طالب عليه السلام قد عزله عن القضاء , فلما أن سمع بذلك ورآهم يذمونه ويسندون إليه مثل هذا القول , تمارض وجعل المختار مكانه عبدالله بن عتبة بن مسعود (1) .
= وكانت قرية من الكوفة أكثر سكانها اليهود , وبالجملة فالأخبار في خباثة رأي هذا الرجل وسوء عاقبته كثيرة , توفي سنة سبع وثمانين من الهجرة وهو ابن مائة سنة وقيل سنة ست وسبعين وهو بن مائة وعشرين سنة (روضات الجنات). (1) (فائدة) : نظم عبدالله بن همام قصيدة وجاء بها الى المختار بعد أن استتب الأمر بالكوفة يصف بها ثورة المختار , ومن تبعه من القبائل , فأنشدها بمجلس المختار منها :
وفـي ليـلة المختار ما يذهل الفتى ويلهيه عن رود الشباب شموع
دعا يا لثـارات الحـسين وأقبلت كتائب من هـمدان بـعد هزيع
ومن مذحج جاء الرئيس بن مالك يـقود جـموعاً عبيت بجموع
ومن أسـد وافى يزيـد لنـصره بكل فتـى حـامي الذمار منيع
وجاء نعـيم خير شيـبان كـلها بأمر لـدى الهـيجاء أحد جميع
وما ابن شـيمط إذ يحرض قومه هنـاك بمـخذول ولا بمضيع
ولا قيس نهـد لا ولا ابن هوازن وكل أخـو اخبـاته وخـشوع
وسار أبو الـنعمـان لله سـعيه الى ابن أياس مصحراً لـووقع
بخيل عليها بوم هـيجا دروعها وأخرى حسوراً غير ذات دروع
فــكر عــليهم كـرة ثقفتهم وشد بأولاها علـى ابن مـطيع
فولى بضرب يشدخ الهام وقعه وطعن غداة الـسكتين وجـيـع
فحوصر في دار الإمـارة بائياً بـذل وارغـام لـه وخـضوع
فمن وزير ابن الوصي علـيهم وكان لهم في الـناس خير شفيع
وآب الـهدى حقاً الى مستـقره بخــير إيــاب آبـه ورجوع
الى الهاشمي المهتدى المهتدى به فنـحن له من سـامع ومـطيع
ولهذه القصيدة ذكر في تاريخ الطبري وما جرى بعد إلقائها اختلاف القول والثورة , راجعها في محلها للطبري : 7 / 111 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 132


نعم كل ما تكلم أهل الكوفة في شريح القاضي فهو صحيح , وكأن فاتهم انه كان يجالس ابن زياد في قصر الإمارة وهو الذي رد مذحج عن ابن زياد , وكذب عليهم حين حبس عنده هاني بن عروة وهو أيضاً من جملة من أفتى بقتل الحسين عليه السلام ورضي لما فعله يزيد وابن مرجانة وأهل الكوفة بسيد شباب أهل الجنة , ولم ينكر عليهم لا بيده ولا بلسانه , قتلوا الحسين عليه اسلام وأجروا الخيل على صدره وظهره , وقطعوا رأسه وحملوه على رأس رمح , فما أنكر الخيبث على أهل الكوفة فعلهم , وكذلك لما سبوا بنات الرسالة , وادخلوهن الكوفة مربقات بالحبال ما أنكر ذلك , ورأى ابن مرجانة ينكث ثغر الحسين عليه السلام بعود الخيزران ما أنكر ذلك , قال الشاعر :
كحلت بمنظرك العيون عماية وأصم رزئك كل اذن تسمع
رأس ابن بنت محمد ووصيه للنـاظرين على قنـاة يرفع
والـمسلمون يمنظر وبمسمع لا منكر منـهم ولا متـفجع (1)
(1) الأبيات للشاعر الكبير دعبل بن علي الخزاعي رحمه الله .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 133



المطلب الرابع والثلاثون

في ثورة أهل الكوفة على المختار

لما جاء ابن زياد الى حرب التوابين , ووقعت واقعة وجرى ما جرى على التوابين , مكث ابن زياد في بادية الموصل , وفي ذلك الحين هلك مروان بن الحكم في مستهل شهر رمضان سنة خمس وستين , وولى بعده ابنه عبدالملك , فأقر ابن زياد على ما كان أبوه ولا , أقبل الى الموصل وكان بها عبدالرحمن بن سعيد فكتب إلى المختار يخبره بدخول ابن زياد أرض الموصل، فندب المختار يزيد بن أنس الأسدي في ثلاثة آلاف اختارهم يزيد، وأمر المختار عبدالرحمن بن سعيد أن خل بين يزيد وبين البلاد , فسار يزيد الى المدائن , ثم الى أرض الموصل , فنزل بها وبلغ خبره ابن زياد , فجز سريتين أحداهما مع ربيعة بن مخارق ثلاثة آلاف , والاخرى مع عبدالله بن حملة ثلاثة آلاف , فسبق ربيعة بن مخارق الى يزيد بن أنس فالتقيا في أرض الموصل , مما يلي الكوفة فتواقفا ويزيد بن أنس مريض , ثم اقتتلوا هم والشاميون يوم عرفة سنة ست وستين عند اضاءة الصبح , ففر الشاميون قتل أميرهم ربيعة , واجتاز جيش المختار ما في معسكرهم ورجع فرارهم , فلقوا الأمير الآخر عبدالله بن حملة فأخبروه فرجع بها وسار نحو يزيد بن أنس , فانتهى إليهم عشاءاً فبات الناس متحاجزين .
ولما أصبحوا يوم الأضحى من سنة ست وستين اقتتلوا قتالاً شديداً , ثم
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 134

نزلوا فصلوا الظهر , ثم عادوا الى القتال , فهزم جيش المختار جيش الشام أيضاً وقتلوا أميرهم عبدالله بن حملة , واحتووا على ما في معسكرهم , وأسروا منهم ثلاثمائة أسير , فجاؤا بهم الى يزيد بن أنس وهم بآخر رمق , فأمر بقتلهم فضربت أعناقهم , ومات يزيد بن أنس فمن يومه ذلك آخر النهار , وكان قد استخلف ورقاء بن عامر , فدفنه ورقاء وسقط في أيدي أصحابه وجعلوا يتسللون راجعين الى الكوفة , واتفق رأي الأمراء على الرجوع الى الكوفة , فأرجف أهل الكوفة بالمختار , وقالوا : قتل يزيد بن أنس في المعركة وانهزم جيشه وعما قليل يقوم ابن زياد فيستأصلنا , وتمالؤوا على المختار وقتاله , وإخراجه من بين أظهرهم , وقالوا : هو كذاب وانتظروا حتى خرج إبراهيم بن الأشتر فإنه قد عينه المختار وأمره على سبعة آلاف للقاء عبيدالله بن زياد .
فلما خرج إبراهيم بن الأشتر اجتمع أشراف أهل الكوفة ممن كان في جيش قاتلي الحسين عليه السلام وغيرهم في دار شبث بن ربعي (1) وكان شيخهم وكان
(1) شبث بن ربعي على مارواه ابن حجر العسقلاني في الإصابة روى الحديث عن أبيه مالكاً وإن مالكاً رواه عن أمير المؤمنين عليه السلام , وذكر اليافعي في مرآة الجنان , قال سيد نخع وفارسها وقد ناضل الأمويين بجهده حتى فتل في الواقعة بدير الجاثليق , من طسوج مسكن قريب من ـ أرانا ـ على نهر دجيل في غربي بغداد , وقتل فيها مصعب بن الزبير وكانت سنة اثنتين وسبعين للهجرة , ولقد أحسن العلامة الشيخ محمد على الأردوبادي حيث يقول مادحاً لإبراهيم بن الأشتر رحمه الله :
فـي نـجدة ثـقفية يـسطوا بها في الروع من نخع هزبر ضاري
الندب إبراهـيم من رضـخت له الصيد الأباة بـملتـقى الآصـار
من زانه شـرف الهوى من سؤدد وعلى يـفوح لـها إريـح نجار
حشوا الدروع أخي حجي لم يحكه هضب الرواسي الشم في المقدار
إن يحكه فالـليت فـي حمـلاته والـغيث فـي تسـكابه المـدرار=
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 135

جاهلياً إسلامياً وأجمعوا رأيهم على قتال المختار , ثم وثبوا فركبت كل قبيلة مع أميرها في ناحية من نواحي الكوفة , وقصدوا قصر الإمارة .
وبعث المختار قاصدا مجدّاً الى إبراهيم بن الأشتر ليرجع إليه سريعاً , وأرسل المختار الى اولئك يقول لهم : ماذا تنقموا مني , فإني اجيبكم الى جميع ما تطلبون , وإنما يريد أن يثبطهم عن المناهضة , وقال : إن كنتم لا تصدقونني في أمر محمد بن الحنفية فابعثوا من جهتكم وابعث من جهتي , ولم يزل يطاولهم حتى قدم ابراهيم بن الأشتر بعد ثلاث , فاقتسم هو وابراهيم الناس فريقتين تكفل المختار بأهل اليمين وتكفل إبراهيم ابن الأشتر بمضر , وعليهم شبث بن ربعي , واقتتل الناس من نواحي الكوفة قتالاً عظيماً , وكثرت القتلى بين الفريقين , وقتل جماعة من الأشراف منهم عبدالرحمن بن سعيد بن قيس الكندي وسبعمائة وثمانين رجل من قومه , وقتل من مضر بضعة عشر رجلاً في ذلك اليوم وكانت
= او يحـوه فـقلوب آل مـحمد المـصطفـين السـادة الأبـرار
ما إن يحض عند اللقـا في غمرة إلا وأرسـب مـن سطا بـغمار
أويمم الـجلي يـعـزم ثـاقـب إلا ورد شـواضـهــا بـأوار
المرتدي حلل الـمديج مـطارفا والمـمتطـي ذللا بـكل فخـار
وعليه كل الـفضل قصر كلـما كل الـثنا قـصر علـى المختار
وابن عبدالبر في الإستيعاب وابن الإستيعاب وابن الأثير في أسد الغابة واللفظ لابن حجر قال : شبث بفتح أوله والموحدة , ثم مثله ابن ربع التميمي اليربوعي , أبو عبدالقدوس , له أدراك النبي صلى الله عليه واله وسلم ورواية عن حذيفة وعن علي عليه السلام , وقال الدار قطني : يقال إنه كان مؤذن سجاع لما ادعت النبوة , ثم راجع الإسلام . وقال ابن الكلبي : كان من أصحاب علي عليه السلام في صفين , ثم صار مع الخوارج , ثم تاب , ثم كان فيمن قاتل الحسين بن علي عليه السلام . وقال الغجلي : كان أول من أعان على قتل علي بن أبي طالب , وبئس الرجل هو . وقال معمر عن أبيه عن أنس , قال : قال شبث : أنا اول من حرر الحرورية , وكان فيمن كتب الى الحسين عليه السلام أما بعد: فقد أخضر الجناب وأينعت الثمار الى آخره .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 136

النصرة للمختار , وأسر خمسمائة فعرضوا عليه , فقال انظروا من كان منهم شهد مقتل الحسين عليه السلام فاقتلوه فقتل منهم مائتان وأربعون رجلا وقتل أصحابه مهم من كان يؤذيهم يسيء إليهم بغير أمره , ثم أطلق من بقي منهم .
أقول : هذا أول يوم أخذ المختار فيه بثار الحسين عليه السلام من أهل الغدر والكفر , وبعدها أخذ يقتل كل من حضر طف كربلاء ويهدم داره . قال أرباب التاريخ : فتتبعهم حتى أكثر فيهم القتل , ولكننا ننتظر في الحقيقة اليوم الذي ينادي فيه المنادي : ظهر إمامكم فاتبوه يظهر عليه السلام ويأخذ بثارات أهل بيته .
متى ينجلي ليل النوى عن صبيحة نرى الشمس فيها طالعتنا من الغرب

السابق السابق الفهرس التالي التالي