تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 118

حول الكتاب

سفر كبير ثمين جلّه في مقتل الإمام الحسين بن علي عليهما السلام ، وثواب إظهار الجزع لمصابه ومصاب أهل بيته ، والبكاء لرزيّتهم والجلوس لعزيّتهم ، وحمل سبايا رسول الله صلى الله عليه وآله وبناته وأحفاده إلى الشام .
وقد قال مؤلّفه : إنّي بعد أن منّ الله عليّ بمجاورة سبط نبيّه ... أطلق لساني بمدح رسوله المصطفى ، ووليّه المرتضى ، وأهل بيتهما الأئمة النجباء ... فصرتُ اُحلّي بذكرهم المنابر ، واُزيّن بشكرهم المحاضر ... فقلّ أن يمضي يوم من الأيام التي حباهم الله فيها بتفضيله ، ونوّه بذكرهم في محكم تنزيله ، إلا وقد وضعتُ خطبة في فضل ذلك اليوم الشريف ... كخطبة مولد البشير النذير ، وخطبة يوم الغدير وذيّلتها بأحاديث رائقة ... وخطبة يوم السادس من شهر ذي الحجّة الذي كان فيه تزويج البتول من صنو الرسول ، ويوم نزول سوة «هل أتى» وما في فضلهم أتى ، والمجلس المشهور بـ «تحفة الزوّار ومنحة الأبرار» وهو مجلس ذكرت فيه ثواب زيارة سيّد الشهداء وفضل كربلاء ، وكالتعزية الموسومة بـ «مجرية العبرة ومحزنة العترة» وهي خطبة يوم التاسع من المحرّم ، وكالمجلس المشهور بـ «قاطع أسباب النفاق وقامع أرباب الشقاق» وهو مجلس قلته بإذن الله في اليوم السادس والعشرين من ذي الحجّة .. وكالرسالة الموسومة بـ «السجع النفيس في محاورة الدلام وإبليس» وغير ذلك من رسائل وخطب وأشعار تحث على اقتناء الفضائل ...
وكان ذلك يشتمل على مائتي ورقة وأكثر ، أبهى من عقود اللآلئ وأبهر ...
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 119

ثم إنّي بعد ذلك عثرت على كتاب لبعض فصحاء اللغة الفارسيّة ، وفرسان البلاغة الأعجميّة(1) ... قد رتّبه على عشرة مجالس لقيام المآتم لمصاب الغرّ الميامين من بني هاشم شهداء كربلاء ... وجعلها خاصّة بالعشر الاُول من شهر محرّم الحرام ... وجعل لكلّ يومٍ من أيّامه مجلساً لقواعد الحزن والتعزية ...
فاستخرت الله سبحانه أن أنسخ على منواله في التصنيف والترتيب ، وأقتدي بأفعاله في التأليف والتهذيب ، واُزيّن مجالس أهل الايمان بمناقب سادتههم ومواليهم ، واُهيّج أحزان قلوب أهل العرفان من شيعتهم ومواليهم ، واُحلّي أجياد اللسان العربي بدرر نظمي ونثري ، واُجدّد معاهد الأشجان بنواضح بدائع فكري ، ورتّبته كترتيبه ، وبوّبته كتبويبه ، لكن لم أقصد ترجمة كلامه ، ولا سلكت مسلكه في نثاره ونظامه ، وجعلته عشرة مجالس ... ولم اُورد فيه من الأحاديث الا ما صحّحه علماؤنا ، ورجّحه أعلامنا ، ودوّنوه في كتبهم ، ونقلوه عن أئمّتهم(2) .


نسخة الكتاب :

هي النسخة النفيسة المخطوطة في مكتبة مدرسة النمازي في مدين «خوي» ـ من توابع محافظة تبريز ـ برقم 459 مكتوبة بخطّ نسخ متوسّط ، وأخطاؤها ليست قليلة ، تقع في «585» صفحة ، احتوت كلّ صفحة «22» سطراً قياس الصفحة 17 + 70 / 11 سم ، سقط من وسطها سفحة واحدة أكلمناها من مقتل الإمام الحسين عليه السلام للخوارزمي ـ وأشرنا له في
(1) مراده «روضة الشهداء» للمولى الكاشفي .
(2) انظر ج 1 / 67 ـ 70 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 120

محلّه ـ ، ومن آخرها أيضاً صفحة أو أكثر وهي من نثر المؤلّف ، فلذا توقّفنا في آخر الكتاب كما في النسخة . كتبت على النسخة بعض الحواشي بالفارسية وبالعربية .
وقد كتب على ظهر النسخة ـ وبنفس خطّ كاتب النسخة ـ ما هذا نصّه : كتاب «تسلية المجالس وزينة المجالس» تأليف السيد الحسيب النسيب .... الحسيني الموسوي الحائري أدام الله أوصاله .
فيفهم من هذا انّ النسخة مكتوبة في عصر المؤلّف ولعلّ كاتبها تلميذ المؤلّف أو شخص آخر(1) .


تسمية الكتاب :

اُطلق على الكتاب عدّة تسميات ، وكما يلي :
1 ـ تسلية المُجالس .(2)
2 ـ تسلية المُجالس وزينة المَجالس .(3)
3 ـ زينة المَجالس .(4)
4 ـ مقتل الإمام الحسين عليه السلام(5) .
وجميعها غير بعيد عن الصحيح ، وثانيها هو الأصح والأكمل ، وهو الذي
(1) قال الشيخ آغا بزرگ الطهراني : نسخة ـ أي من هذا الكتاب ـ عند الشيخ محمد رضا فرج الله . «الذريعة : 22 / 27» .
(2) بحار الأنوار : 1 / 40 ، الذريعة : 4 / 179 رقم 885 .
(3) بحار الأنوار : 1 / 21 ، كشف الحجب والأستار : 121 رقم 579 ، أعيان الشيعة 9 / 62 ، طبقات أعلام الشيعة (القرن العاشر) : 214 .
(4) الذريعة : 12 / 94 .
(5) بحار الأنوار : 1 / 21 ، الذريعة : 22 / 27 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 121

صرّح به المؤلّف في مقدّمة للكتاب ، وكان اختيارنا عليه .


اشتباهان حول الكتاب :

1 ـ قال الخوانساري رحمه الله ـ نقلاً عن رجال النيسابوري ، وعند ذكره للمؤلّف ـ : وله كتاب «تسلية المُجالس» و«زينة المَجالس» كلاهما في مقتل مولانا الحسين عليه السلام(1) . انتهى .
والحال ـ كما عرفت ـ انّه كتاب واحد .
2 ـ قال الاستاذ عبد الجبّار الرفاعي حفظه الله في «معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت صلوات الله عليهم» ج 7 / 153 : «تسلية المُجالس» للسيد محمد الحسيني الحائري . يأتي بعنوان «زينة المَجالس» . انتهى .
الا انّه قال في ص 325 رقم 18677 :
«زينة المَجالس» (مقتل فارسي) للسيّد مجد الدين محمد بن أبي طالب الحسيني الحائري ، فرغ منه سنة 1004 هـ .... انتهى .
وقال ثالثة في ج 8 / 69 :
«مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام» للسيّد محمد الحائري ، تقدّم بعنوان : «زينة المَجالس» . انتهى .
ويمكن تصحيح هذا الاشتباه بالنقاط التالية :
أ : حصل خلط بين «تسلية المُجالس زينة المَجالس» ـ كتابنا هذا ـ وبين «زينة المَجالس» للسيد مجد الدين محمد بن أبي طالب الحائري ، وذلك
(1) روضات الجنّات : 7 / 35 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 122

نتيجة اشتراك اسم الكتاب واسم المؤلّف في الاثنين .
ب : إنّ «زينة المَجالس» هو في التواريخ وليس في مقتل الإمام الحسين عليه السلام .
وقد قال الشيخ آقا بزرگ الطهراني رحمه الله : «زينة المَجالس» في التواريخ ، للأمير مجد الدين محمد الحسيني المتخلص «مجدي» ألّفه سنة «1004» هـ باسم الشاه طهماسب ، مرتّباً على تسعة أجزاء ، وكلّ جزء على عشرة فصول ، إلا الجزء الأخير فإنّه لم يخرج منه الا ثمانية فصول في النسخة المخطوطة ، لكنّه اُلحق بالكتاب فصلان في الطبع ؛ أحدهما في تواريخ المغول ، والآخر في الصفويّة ، وينقل عنه في «مطلع الشمس» ، وهو فارسيّ ... إلى آخر كلامه(1) .
ج : إنّ مؤلّف «تسلية المُجالس وزينة المَجالس» أهدى كتابه للشاه إسماعيل الصفوي الذي كانت السلطة بيده في عام «906 ـ 930» هـ ، وهذا يعني أنّ تاريخ الكتاب يقع في هذه الفترة ، ومؤلّف هذا كتاب من البعيد أن يقلّ عمره عن «20» أو «25» سنة ، فعلى غالب الظنّ أنّ ميلاده كان قبل سنة «900» هـ .
وأمّا مؤلّف كتاب «زينة المَجالس» فقد ألّف كتابه سنة «1004» هـ ، ومن المعلوم أنّه توفّي بعد هذا التاريخ .
وبالنتيجة فمن البعيد جدّاً أن يكون مؤلّف «تسلية المُجالس وزينة المَجالس» المولود قبل سنة «900» هـ قد عمّر لما بعد سنة «1004» هـ .
(1) الذريعة : 12 / 94 رقم 618 .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 123

ومن الجدير بالذكر انّ العلّامة المجلسي رحمه الله قد نقل في بحار الأنوار عن «تسلية المُجالس وزينة المَجالس» في المجلّد العاشر من الطبع القديم (الحجري) ، أي المجلّد 44 ص 310 و354 وغيرها والمجلّد 45 من الطبع الجديد .

منهجيّة التحقيق

كان أوّل عملي هو استنساخ النسخة الخطيّة ، ومن ثمّ إرجاع الأحاديث إلى مصادرها الأصليّة ـ وإن لم يصرّح المؤلّف بمصادرها على الأغلب ـ حيث طابقت الأحاديث مع مصادرها ، وبعد ذلك ضبطت النصّ ضبطاً متقناً ـ على قدر الوسع والإمكان ، ولم أدّع الكمال في ذلك ـ وكما يلي :
1 ـ طابقت الآيات القرآنيّة الشريفة مع القرآن الكريم وأثبتّها كما هي في القرآن .
2 ـ ما أضفته من المصادر جعلته بين [ ] وأشرت لذلك في محلّه .
3 ـ اقتصرت في الإشارة لموارد الاختلافات ـ بين النسخة والمصادر ـ المهمّة منها فقط .
4 ـ قمت باتّحاد الأحاديث الواردة في الكتاب مع المصادر الحديثيّة المعتبرة .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 124

تقدير وعرفان :

لقد كان الأمل يحدوني بأن يُكتب لهذا السفر القيّم بالظهور قبل مدّة من الزمان ، أي في حياة اُستاذنا العلّامة الراحل والمحقّق الخبير السيد عبد العزيز ابن السيد جواد الطباطبائي اليزدي النجفي قدّس سرّه ، سيّما وانّه قد هيّأ لي النسخة التي اعتمدتها في التحقيق من مدرسة النمازي في مدينة «خوي» ، وانّه أيضاً كان يرغب في أن يرى صدور هذا الكتاب ، الا انّ اُموراً عديدة حالت دون إتمام تحقيق الكتاب في ذلك الوقت ، وشاءت الإرادة الإلهية غير ما شئنا برحيل السيد عنّا ، فجزاه الله خير جزاء المحسنين ، وأسكنه فسيح جناه وأوفرها .
واُسجّل وافر شكري لكلّ من مدّ لي يد العون في عملي هذا ، وأخصّ بالذكر منهم : الاستاذ الفاضل محمود البدري : وأشقّائي : علي وعبد الكريم وصادق وفّقهم الله جميعاً .
وأشكر أيضاً اُمّ ولدي «حيدر» التي شاركتني في مختلف مراحل تحقيق الكتاب ، من استنساخ واستخراج ومقابلة فجزاها الله خيراً .
والحمد لله رب العالمين .
فارس حسّون كريم
قم المقدّسة
ذكرى مولد سيّد الشهداء عليه السلام
3 شعبان 1417 هـ
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 125

صورة الصحفة الاُولى من النسخة الخطّية «الأصل» .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 126

صورة الصحفة الاُولى من النسخة الخطّية «الأصل» .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 127

مقدّمة المؤلّف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل مصائب دار الغرور مصروفة إلى وجوه أوليائه ، ونوائب بطشها المشهور موقوفة على جهة أصفيائه ، ووعدهم على الصبر الجميل بالثواب الجزيل في دار جزائه ، وأراهم فضل درجة الشهادة في منازل دار السعادة الباقية ببقائه ، فبذلوا أرواحهم لينالوا الزلفى من رحمته ، وباعوا أنفسهم من الله بنعيم جنّته ، وتلّوا حدود الصّفاح(1) بشرائف وجوههم ، وقابلوا رؤوس صدور الرماح بكرائم صدورهم ، فكوّرتهم وقد أظلم ليل نقع(2) الحرب ، وبلغت القلوب الحناجر لوقع الطعن والضرب ، وكفر القتام(3) شمس النهار بركامه ، وغمر الظلام فجاج الأقطار بغمامه ، وخشعت الأصوات لوقع الصرام على هامات الرجال ، وأشرقت الأرض بما سال عليها من شآبيب الجريال(4) ، فلم تر الا رؤوساً تقطف ، ونفوساً تختطف ، وأبطالاً قد صبغت
(1) هي السيوف العريضة .
(2) النقع : رفع الصوت .
(3) الكَفرُ : التغطية والقَتام : الغبار .
(4) الجِريال : صبغ أحمر ، وجِريال الذهب : حمرته . «لسان العرب : 11 / 109 ـ جرل ـ» .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 128

جيوبها بدم الحتوف ، وفرساناً وجبت جنوبها بغروب السيوف(1) ، لرأيت منهم وجوهاً كالبدور في ظثلَم النقع مشرقة ، واُسداً في غاب(2) الرماح مطرقة ، يرون الموت في طاعة ربهم راحة أرواحهم ، وبذلوا الوسع في إعلاء كلمة خالقهم مجلية أفراحهم .
ليوث إذا ضربت الحرب جمرها ، غيوث إذا السماء منعت درّها ، رهبان إذا الليل أرخى ستوره ، أعلام إذا النهار أشاع نوره ، مصابيح الظلام إذا الغسق غَمّت سُدفُته ، مجاديح(3) الانعام إذا الزمان عمّت أزمّته ، سادة الاُمّة ، وقادة الأئمّة ، ومعدة الحكمة ، ومنبع العصمة ، وبحار العلم ، وبحار الحلم ، إن سئلوا أوضحوا ، وإن نطقوا أفصحوا ، وإن استسمحوا جادوا ، وإن استرفدوا عادوا ، أصلهم معرق ، وفرعهم معذق ، وحوضهم مورود ، ومجدهم محسود ، وفخرهم ....(4) ، النبوة اصلهم ، والامامة نسلهم ، لا شرف الا وهم أصله ، ...(5)
واُمروا بالجهاد في سبيل الله فأتمروا ، لبسوا القلوب على الدروع عند مكافحة الكفاح ، وتلقّوا بالخدود والصدور حدود الصفاح ورؤوس الرماح ، يرون طعم الموت في طاعة ربهم أحلى من العسل المشار(6) ، وارتكاب
(1) أي سَقَطَت جُنوبها غلى الأرض بحدود السيوف .
(2) الغابة من الرماح : ما طال منها ، وكان لها أطراف تُرى كأطراف الأجمَة ؛ وقيل : هي المضطربة من الرماح في الريح ؛ وقيل : هي الرماح إذا اجتمعت . «لسان العرب : 1 / 656 ـ غيب ـ » .
(3) مِجدّحٌ : نجم من النجوم كانت العرب تزعم أنها تُمطَرُ به ، وهو المُجدَحُ أيضاً : وقيل : هو الدبَران لأنه يطلع آخراً ويسمّى حاديَ النجوم . «لسان العرب : 2 / 421 ـ جدح ـ » .
(4 و5) كانت هناك آثار ترميم على الصفحة الاولى من الأل ، ومن جرّاء ذلك فقد هنا مقدار 3 سطور .
(6) يقال : رجلٌ مِشرٌ : شديد الحُمرة . «القاموس المحيط : 2 / 134 ـ مشر ـ » .
وقال في حياة الحيوان الكبرى : 2 / 350 : وأجوده ـ أي العسل ـ الخريفي الصادق
=
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 129

الأخطار في إعلاء كلمة خالقهم أولى من ركوب العار .
جدّهم أكرم مبعوث ، وخير مرسل ، وأشرف مبعوث بالمجد الأعبل(1) ، والشرف الأطول ، لم يضرب فيه فاجر ، ولم يسهم فيه عاهر ، نقله الله من الأصلاب الفاخرة إلى الأرحام الطاهرة ، واختصّه بالكرامات الباهرة ، والمعجزات الظاهرة ، ونسخ الشرائع بشريعته ، وفسخ المذاهب بملّته ، أقام به الاسلام وشدّ أزره(2) ، وأوضح به الايمان وأعلا أمره ، وجعله مصباحاً لظلم الضلال ، ومفتاحاً لما استعلن من الأحكام ، وأحيا به السنّة والفرض ، وجعله شفيع يوم الحشر والعرض ، وأسرى به إلى حضيرة قدسه ، وشرّفه ليلة الاسراء بخطاب نفسه ، فهو أشرف الموجودات ، وخلاصة الكائنات ، أقسم ربّنا بحياته ، وجعله أفضل أهل أرضه وسماواته ، وأزلفه بقربه ، واختصّه بحبّه ، فهو سيّد المرسلين ، وإمام المتّقين ، وخاتم النبيين ، النبيّ المهذّب ، والمصطفى المقرّب ، الحبيب المجيب ، والأمين الأنجب .
صاحب الحوض والكوثر ، والتاج والمغفر ، والخطبة والمنبر ، والركن والمشعر ، والوجه الأنور ، والجبين الأزهر ، والدين الأظهر ، والحسب الأطهر ، والنسب الأشهر ، محمد سيد البشر ، المختار للرسالة ، الموضح للدلالة ، المصطفى للوحي والنبوّة ، المرتضى للعلم والفتوّة .
صاحب الفضل والسخاء ، والجود والعطاء ، والمذاكرة والبكاء ،
= الحلاوة والكثير الربيعي المائل إلى الحمرة .
وفي هامش الأصل : المشار : النشاط .
(1) العَبلُ : الضخم من كلّ شيء . وأعبلُ : غَلُظ وابيَضّ : «لسان العرب : 11 / 420 ـ عبل ـ » .
(2) في هامش الأصل : الأزر : الظهر .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 130

والخشوع والدعاء ، والانابة والصفاء .
صاحب الملّة الحنيفيّة ، والشريعة المرضيّة ، والامّة المهديّة ، والعترة الحسنيّة والحسينيّة .
صاحب الفضل الجليّ ، والنور المضيّ ، والكتاب البهيّ ، الرسول النبيّ الاُميّ .
هذا الذي زيّنت بمدحه طروسي(1) ، ورصفت بوصفه بديعي وتجنيسي ، وقابلت بدرّ كماله تربيعي وتسديسي ، وجعلت ذكره في خلواتي أليفي وأنيسي ، وحليت المجامع بملاقي(2) ، وشققت المسامع بمعالي مرابته .
هو الذي رفع الله به قواعد الصدق بعد اندراسها ، وأطلع أنوار الحقّ بعد انطماسها ، وأقام حدود السنّة بجواهر لفظه ، وحلّى أجياد الشريعة بزواجر وعظه ، وأطلع شمس الملّة الحنيفيّة في فلك نبوّته ، وأظهر بدر الشريعة المصطفويّة من مطالع رسالته ، فتح به وختم ، وفرض طاعته وحتم ، ونسخ الشرائع بشريعته ، ونسخ الملّة بملّته .
لم يخلق خلقاً أقرب منه إليه ، ولم ينشئ نشأً أكرم منه عليه ، شرفه من فلق الصبح أشهر ، ودينه من نور الشمس أظهر ، ونسبه من كلّ نسب أطهر ، وحسبه من كل حسب أفخر ، لما أخلص لله بوفاء حقّه ، وسلك إلى الله بقدم صدقه ، ورفض الدنيا رفضاً ، وقرضها قرضاً ، لعلمه بسوء موقع فتكها ، وحذراً من مصارع هلكها ، أطلعه الله على أسرار ملكوته ، وشرّفه بخطاب حضرة
(1) الطرسُ : الصحيفة . ويقال : هي التي محيت ثم كتبت . «لسان العرب : 6 / 121 ـ طرس ـ » .
(2) المَلاقي : أشراف نواحي أعلى الجبل لا يزال يَمثُل عليها الوعل يعتصم بها من الصيّاد . «لسان العرب : 15 / 255 ـ لقا ـ » .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 131

جبروته ، وأرسله صادعاً بحكمه ، وجعله خازناً لعلمه ، فقام صلى الله عليه وآله بأعباء الرسالة جاهداً ، وباع من الله روحه مجاهداً ، وقطع من قربت قربته ، ووصل من بعدت لحمته ، وهجر في الله الأذنين ، ووصل الأبعدين ، سل عنه اُحداً وبدراً كم خسف الله به فيهما للشرك بدراً ، وهتك للشرك ستراً ، وقصم للظلم ظهراً ، جاهد في الله حقّ جهاده ، وصبر على الأذى في الله من جهاد عباده حتى كسرت في اُحد رباعيته ، وشجّت لمناوشته(1) القتال جبهته ، وثفنت من دمه لمّته(2) ، وقتلت عترته واُسرته .
كم نصبوا له غوائلهم(3) ؟ وكم وجّهوا نحوه عواملهم ؟ وكم جرّدوا عليه مناصلهم(4) ؟ وكم فوقوا إليه معابلهم(5) ؟ وأبى الله الا تأييده بنصره ، وتمجيده بذكره .
روي أن النبي صلى الله عليه وآله كتب إلى كسرى بن هرمز :
أمّا بعد :
فأسلم تسلم ، والا فأذن بحربٍ من الله ورسوله ، والسلام على من اتّبع الهدى .
قال : فلمّا وصل إليه الكتاب مزّقه واستخفّ به ، وقال : من هذا الذي يدعوني إلى دينه ، ويبدأ باسمه قبل اسمي ؟ وبعث إلى رسول الله صلى الله عليه
(1) في هامش الأصل : المناوشة : الاسراع في النهوض .
(2) اللَمّة : شعر الرأس .
(3) الغوائل : الدواهي .
(4) النصلُ : حديدة السهم والرمح .
(5) المِعبَلة : نصلٌ طويل عريض ، والجمع مَعابل ... ومنه حديث علي عليه السلام : تكَنّفتكم غَوائلُه واقصَدَتكم معابِلُه . «لسان العرب : 11 / 422 ـ عبل ـ » .
تسلية المُجالس وزينة المَجالس ـ ج 132

وآله بتراب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : مزّق الله ملكه كما مزّق كتابي ، أما إنّكم ستمزّقون ملكه ، وبعث إليّ بتراب أما إنّكم ستمزّقون(1) أرضه ، فكان كما قال صلى الله عليه وآله .
ثم كتب كسرى في الوقت إلى عامله على اليمن ، وكان اسمه باذام(2) ، ويكنّى أبا مهران ، أن امض إلى يثرب واحمل هذا الذي يزعم أنّه نبيّ ، وبدأ باسمه قبل اسمي ، ودعاني إلى غير ديني ، فبعث باذام الى النبي صلى الله عليه وآله فيروز الديلمي في جمع ، وأرسل معه كتاباً يذكر فيه ما كتب إليه كسرى ، فأتاه فيروز بمن معه ، وقال : إنّ كسرى أمرني أن أحملك إليه ، فاستنظره صلّى الله عليه وآله ليلته إلى الصباح .
فلمّا كان في(3) الغد حضر فيروز مستحثّاً لرسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أخبرني ربّي انّه قتل صاحبك البارحة ، سلّط الله عليه ابنه شِيرَوَيه على سبع ساعات من الليل ، فأمسك حتى يأتيك الخبر ، فراع ذلك فيروز وهاله ، ورجع إلى باذام فأخبره .
فقال له باذام : كيف وجدت نفسك حين دخلت عليه ؟
فقال : والله ما هبت أحداً كهيبة هذا الرجل ، فوصل الخبر إليه كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فأسلما ، وظهر في زمانهما العنسي(4) المتنبّئ
(1) في المناقب : ستملكون .
(2) في المناقب ومصادر اُخرى : باذان .
انظر في قصّة إسلامه الاُنف للسهيلي : 1 / 307 .
(3) في المناقب : من .
(4) في الأصل : العبسي .
وهو عَيهلة بن كعب بن عوف العنسي ، مشعوذ من أهل اليمن ، كان بطّاشاً جبّاراً ، أسلم لمّا أسلمت اليمن ، وارتدّ في أيّام النبي صلى الله عليه وآله ، فكان أوّل مرتدّ في الاسلام ،
=

السابق السابق الفهرس التالي التالي