كربلاء في الذاكرة 24

وكان يسيطر على المنطقة الممتدة من الفلوجة حتى جنوب العراق . وتمكن من الفتك بالحامية العثمانية في كربلاء التي أصبحت مركزاً لمديريه . وفي هذه الفترة زار كربلاء الرحالة البرتغالي بيدرو تكسيرا Pedro Teixra في (24 أيلول 1604) وقال عنها : «كانت بلدة تحتوي على أربعة آلاف بيت معظمها من البيوت الحقيرة .. وقد كانت أسواقها مبنية بناء محكماً بالطابوق وملأى بالحاجات والسلع التجارية لتردد الكثيرين من الناس عليها ..» ثم اشار الى تيسر الارزاق ورخصها وتوفر المأكولات والحبوب بكثرة مثل الحنطة والرز والشعير والفواكه والخضروات واللحوم ، والى لطف الهواء فيها ، وكون جوها أحسن منه في جميع الامكنة التي زارها .
1623 احتل الفرس العراق وقام الشاه عباس الصفوي بعد احتلاله بغداد بالمسارعة الى احتلال كربلاء والنجف واخضاعهما للسيطرة الاستعمارية الفارسية .
1638 خلال حصار السلطان العثماني مراد الرابع لمدينة بغداد تقدم الى الحلة وكربلاء وقام باحتلالها للضغط على بغداد واجبرها على التسليم وبالفعل تمكن العثمانيون من دخول بغداد في السنة نفسها .
1765 زار كربلاء الرحالة الالماني المعروف كارستن نيبور Neibuhr فوصفها بقوله ان بيوتها لم تكن متينة البنيان لأنها كانت تبنى باللبن غير المشوي ، وان البلدة كانت محاطة بأسوار من اللبن المجفف بالشمس أيضا ، ولهذه الاسوار خمسة أبواب . على انه وجد الاسوار متهدمة كلها تقريباً .

كربلاء في الذاكرة 25

حادثة الوهابيين

1801 هجم الوهابيون على كربلاء ، وكانت في هذه الفترة عبارة عن قصبة صغيرة مؤلفة من ثلاثة اطراف يعرف الأول ـ محلة آل فائز ، والثاني آل زحيك ، والثالث آل عيسى ، وكانت مسورة بسور بسيط من اللبن وسعف النخيل وجذوعه والطين . ويذكر لونكريك(1) في استعراضه للهجوم الوهابي بأن والي العراق المملوكي ، سليمان باشا كان في الخالص مبتعداً عن الطاعون الذي انتشر في بغداد عندما وصله خبر تحرك القوات الوهابية نحو العراق للغزو الربيعي المعتاد فأصدر أوامره الى نائبه (الكهية) علي باشا بالتحرك نحو كربلاء لصد الغارات الوهابية وبينما كان القائد العثماني يجمع جيشه في الدوره قرب بغداد ، هاجم الوهابيون ، وكان معظم سكانها في زيارة للنجف فسارع من كان فيها لأغلاق أبواب السور لكن المهاجمين تمكنوا من فتحه عنوة ، اما حاكم المدينة العثمانية عمر أغا فلم يستطع اتخاذ الاجراءات الفعالة للمقاومة وفضل الهرب الى المدينة الامر الذي دفع الى اتهامه بالتواطؤ مع الوهابيين ويبدو ان السبب في ذلك يرجع الى عدم قدرة الحامية العثمانية الصغيرة على مواجهة القوة الوهابية التي قدرتها المصادر المعتدلة بست مائة هجان وأربع مئة فارس ، وبالغت مصادر أخرى في تعداد القوة فجعلتها (12 و14) الف مقاتل . ووصف ياسين العمري في كتابه «غرائب الاثر في حوادث ربع القرن الثالث عشر» ما حل في المدينة من تخريب بقوله : «لم يبق من بيوتها الا داراً واحدة كانت محصنة بالبناء الشامخ وأجتمع فيها نحو خمسين رجلاً

(1) أربعة قرون من تاريخ العراق / لونكريك . ترجمة جعفر الخياط ص 260 .
كربلاء في الذاكرة 26

وجعلوا يضربون بالبنادق وقتلوا من الوهابيين عدداً كبيراً»(1) .
وصل القائد العثماني علي باشا الى كربلاء بعد انسحاب الوهابيين منها ، فقام ببناء سور لها ، وعاد اليها من نجا من أهلها . وبدأ العمران يعود اليها مجدداً رويداً رويداً ، الامر الذي دفع الى الاهتمام بحصانة سورها .
«وقد أقيم حول السور الابراج والمعاقل ، ونصب له آلات الدفاع على الطراز القديم ، وصارت على من يهاجمها أمنع من عقاب الجو فأمنت على نفسها ، وعاد اليها بعض الرقي والتقدم» .
ومهما يكن من أمر فان المدينة كانت مسورة خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر ، وان لهذا السور ستة أبواب .

حادثة المناخور (2)

1824 كانت كربلاء تشع منها روح معادية للمماليك وللأتراك على وجه العموم ، ووصف المدينة بأنها «بعيدة عن حكم الحكومة التركية تقريباً فقد ثارت كربلاء ثورة عنيفة في عام 1820 ـ 1823 وكان داود باشا قد عين فتح الله خان حاكماً لقصبة كربلاء ووضع في المدينة حامية مؤلفة من (500) شخص ، وتشير المصادر المحلية الى حدوث تمرد ضد الحاكم بسبب سوء سلوكه وعدم احترامه لقدسية المدينة واستخدامه القسوة في جباية الضرائب الامر الذي دفع الكربلائيين الى التآمر على الحاكم وقتله . وعين داود باشا بدلاً عنه علي أفندي لكنه لم يستطع

(1) تاريخ العراق الحديث / الدكتور عبد العزيز سليمان نوار ص 88 و89 .
(2) غرائب الاثر في حوادث ربع القرن الثالث عشر / ياسين العمري .
كربلاء في الذاكرة 27

اعادة النظام وتطبيق سياسة الشدة التي عزم داود باشا على تطبيقها ، فأبدل بسليمان أغا الذي أدت سياسته الى حدوث الخلاف بينه وبين السيد حسين نقيب كربلاء ، فعزل أيضاً وعين بدله السيد عبد الوهاب محمد علي آل طعمة ، ولكن الامور لم تستقر في المدينة ، فقرر داود باشا ارسال قوة عسكرية لأعادة النظام واستحصال أموال الخزينة وحل التشكيلات العسكرية المحلية فحاصر المدينة عام 1824 حتى اضطرت الى الاستسلام وتعهد أهلها بدفع الاموال وسميت هذه العملية العسكرية بـ «واقعة المناخور» نسبة الى قائد الجيش المملوكي سليمان ميراخور ، وقد بالغت المصادر المحلية كثيراً في ذكر وقائع هذه العملية العسكرية وقوة أهل المدينة ، بحيث قالت «كان الكربلائيون يملكون أربعة آلاف بندقية جيدة صالحة للاستعمال وثلاثين ألف بندقية رديئة غير صالحة للاستعمال .. وكان لديهم خمسة عشر طوب (مدفع) .

حادثة نجيب باشا

1842 وصفت كربلاء في عهد الوالي العثماني نجيب باشا ومن سبقه بانها «شبه جمهورية Aself - governingseml - alien ARepublic فقد أراد علي باشا الذي ولي الحكم في العراق بعد داود باشا أن يؤكد سيادته على كربلاء ولجأ الى الحيلة دون القوة وتظاهر بأنه يود ان يؤدي الزيارة لقبر الحسين ، ولكن أهل المدينة رفضوا ان يسمحوا له بذلك ، وفضل علي رضا باشا اسناد حكم المدينة الى السيد عبد الوهاب محمد علي آل طعمة في المدينة التي ظلت مدة حكم علي رضا باشا في العراق شبه مستقلة ، ولكن تحت سيرطة جماعة مسلحة أطلق عليها اسم «يارمز» أخذت تعتدي

كربلاء في الذاكرة 28

أملاك وأرواح الاهالي فتكبد أهالي كربلاء أشد أنواع الخسائر المادية والارهاق العصبي ، وفاق نفوذ اليارمز رجال الدين في المدينة .
لم يسكت نجيب باشا على ترك كربلاء تحكم نفسها بنفسها وتجني ثمار الفوضى القاتلة وخاصة عندما ابدى رغبته لزيارة المدينة وحدد له أولو الأمر في المدينة عدد مرافقيه بستة أشخاص فقط بالاضافة الى انهم رفضوا رغبة نجيب في أن يمدوه بتموين لجشيه في سنة 1842م(1) .
وفي ايلول 1842 كان نجيب باشا على رأس جيشه في منطقة المسيب لقمع العشائر الثائرة ، فانتهز الفرصة واتصل بزعماء كربلاء طالباً مساعدته في اعادة النظام ، فاتفقوا معه على ارسال حامية عثمانية تعدادها (500) جندي ، الا ان الاتفاقية سرعان ما مزقت واستعد اليارمز والاهالي والقبائل الساكنة قرب المدينة للدفاع عنها . وكان في مقدمتهم السيد عبد الوهاب الطعمة حاكم المدينة وسادن الروضتين والسيد ابراهيم الزعفراني والسيد صالح الداماد والسادة آل نصر الله والسيد حسين النقيب وعلي كشمش وطعمة العيد .
أدى نقض الاتفاق الى اصرار نجيب باشا على اخضاع المدينة ، وقبل أن يضرب نجيب ضربته الأخيرة عقد مباحثات مع القنصلين الفرنسي والبريطاني والوكيل الفارسي واخطرهم مقدماً بمشروع حملته لما كان يتوقعه من نشوب أزمة سياسية بين الدولتين الفارسية والعثمانية ثم حشد قوات المرابطة في المسيب بالاضافة

(1) تاريخ العراقيين بين احتلالين / عباس العزاوي ج 7 ص 66 و67 .
كربلاء في الذاكرة 29

الى قوات جلبت من بغداد . وبعد ان أتم نجيب اجراءاته الدبلوماسية والعسكرية اصدر أوامره بمهاجمة المدينة بكتيبة من الفرسان وعشرين مدفعاً وثلاث كتائب من المشاة وقد حاول أهالي المدينة اقناع قائد القوة سعد الله باشا بالمفاوضة ، وعرض عليه السيد كاظم الرشتي ان يأخذ عائلات زعماء اليارمز كرهينة حتى ينسحب الجيش لكن القائد أصر على استخدام القوة لتأديب العصاة ، وقامت المدفعية بقصف أسوار المدينة ، فزادت جذوة المقاومة الشعبية وهب رجال الدين يصلحون الاسوار ويثيرون حماس المدافعين ولكنهم لم يستطيعوا الصمود أمام جيش منظم ودخلت القوات المدينة في (13 كانون الثاني 1843) وفقد الضباط سيطرتهم على الجند ووقعت حوادث نهب وقتل عديدة ، ثم هدأت الامور بعد دخول نجيب باشا المدينة وبدأ بتنظيم الادارة ، وتعيين حاكم للمدينة وقاض وخطيب ليدعو للسلطان في صلاة الجمعة .
ارتفعت المشكلة الى مصاف الازمات الدولية ، وأرسل كاننج Canning السفير البريطاني في الاستانة معتمداً من قبله الى كربلاء هو الكوزلونيل Fairen كما طلب المبعوث الروسي في الاستانة المستر بوتنييف Boutenieff ان يقوم فارن بتمثيل الجانب الروسي ايضاً ، وارسل السلطان العثماني مندوبا الى كربلاء وهو نامق باشا . وقد جاء في تقرير فارن Fairen ان القتلى لا يزيدون على خمسة آلاف قتيل منهم ثلاثة آلاف داخل المدينة معظمهم من العرب ، أما الفرس فقد فروا من المدينة قبل اقتحام القوات العثمانية لها ، وقتل ثلاثة من الهنود وواحد من الروس ، وفقد حوالي (20 ـ 30) من البنجابيين ومن أهل كشمير . أما المبعوث العثماني فقدر عدد القتلى في المدينة بحوالي (250) قتيلاً

كربلاء في الذاكرة 30

منهم (150) بينما خسر العثمانيون (400) قتيل و(200) جريح .
وقد وصف عالم الآثار البريطاني وليم كنت لوفتس William Kent Lofuts الذي زار كربلاء عام 1853 . أي بعد عشر سنوات من الحادثة آثار التدمير الذي أصاب المدينة بقوله : «فقد تهدمت الدور للسراي ولم يعد تشييدها فبقيت دلائل للخراب والتدمير وتعرضت المساجد الى الخراب والتدمير بصورة خطيرة فظلت آثار القنابل والشظايا واضحة للعيان في قبابها ، وجدران البلدة التي لم تسد الفجوات والثقوب الحاصلة فيها ولم يسلم النخيل في البساتين من آثار القصف كذلك ، فبقي عدد كبير منه تبدو الثقوب في جذوعه بارزة للمشاهدين ، بينما احترق عدد آخر منه هنا وهناك وتجرد من سعفه» .
1864 كانت كربلاء قضاء تابعاً لسنجق الحلة ، وقد ذكر المستر جون أشر ، عضو الجمعية الجغرافية البريطانية ، الذي زار المدينة في 1864 بأنه أرسل الى قائممقام كربلاء ولذلك فتح له باب السور عند وصول قافلته بعد مغيب الشمس فمرت القافلة ما بين أزقة المدينة الضيقة التي كانت تضيء ظلمتها الفوانيس المعتمة التي بعثها القائممقام لتحمل امامه وقد وجد البلدة عندما تجول فيها في اليوم التالي ، بأنها بلدة ذات حركة غير يسيرة ونشاط ملموس برغم عدم أتساعها ، وكان كل شبر متيسر فيها من الارض مشغولاً بالبيوت المتراصة ، أو التي كانت في مرحلة التشييد .
ـ وعند تعيين مدحت باشا والياً على العراق خلال الفترة (1869 ـ 1872) طبق نظام الولاية الجديدة ، وهو نظام

كربلاء في الذاكرة 31

اداري أصبحت كربلاء بموجبه سنجقاً (لواء) تابعاً لولاية بغداد دون ان تتبعها أية أقضية أو نواح ، وقام مدحت باشا بزيارة كربلاء على أثر شكوى ضد متصرفها اسماعيل باشا ، فقام بعزله لأنه علم أنه كان سيء الادارة مرتشياً ، وكذا بعض الموظفين ممن على شاكلته ، وأمر بتقديمه للمحاكمة وعين بدلا عنه حافظ افندي . وقد وجد مدينة كربلاء صغيرة وشوارعها ضيقة ومزدحمة فأمر بانشاء محلة جديدة ، وباع الاراضي الحكومية الى الاهلين لبناء الدور أو المحلات وصرف الواردات لتنظيم شوارع المدينة ، وبني في عهده محلة العباسية الشرقية الحالية ، كما هدمت أسوار المدينة القديمة الى حد كبير ، وشرعت الحكومة في عام 1871 ببناء دوائر للدولة وبتوسيع سوق المدينة . وقد وصفت مدام ديولافوا التي زارت المدينة عام 1881 بانها «عبارة عن جامعة دينية كبيرة يقصدها طلبة العلم من كل حدب وصوب من انحاء العالم الاسلامي فيقضون فيها سني حياتهم ..» .
ـ وفي عهد مدحت باشا زار مدينة كربلاء ناصر الدين شاه وخلال الزيارة أجرى مفاوضات مع مدحت باشا بصالح الدولتين .

كربلاء في الذاكرة 32

حركة علي هدلة

ـ في أوائل عام 1876 أعلنت الحكومة العثمانية النفير في الامبراطورية نتيجة لحربها مع روسيا القيصرية ، فأخذ المكلفون في كربلاء بالفرار من الجندية ، وأخذ مختار باب الطاق المدعو حسين قاسم حمادي يوصل أخبار هؤلاء الفارين الى السلطة فقام هؤلاء بقتله الامر الذي دفع السلطة المحلية الى القبض على المتهمين ، ففر عدد منهم الى البساتين المجاورة وأخذوا يعبثون بالامن ، وحرضوا الاهالي على العصيان وشكلوا عصابة برئاسة القهواتي علي هدلة ضمت حوالي (150) شخصاً أخذت تهاجم القوات الحكومية ، فأرسل الوالي العثماني عاكف باشا قوة عسكرية لتأديب العصاة وتمكنت هذه القوة من القبض على «علي هدلة» ومعه حوالي (70) شخصاً واودعتهم السجن ، واعادت النظام الى المدينة .
1890 زار مدينة كربلاء جون بيترز Gohn Peters رئيس بعثة بنسلفانيا للتنقيب ، فقدر عدد سكان المدينة بحوالي (60) ألف نسمة وقال عنها انها بلدة مزدهرة وان القسم الجديد الذي انشئ خارج السور القديم فيه شوارع واسعة ، وأرصفة بحيث يبدو لها مظهر أوربي حديث ومع ان أسوارها مهدمة قديمة فان أبوابها كانت ولا تزال قائمة تجبى فيها المكوس ورسوم الدخولية .
ـ ضم لواء كربلاء في بداية القرن العشرين ، أقضية النجف الذي تتبعه ناحية الكوفة ، والهندية الذي تتبعه ناحية الكفل ، والرزازة الذي ضم المنطقة الصحراوية ، أما نواحي المسيب

كربلاء في الذاكرة 33

وشفاثه فكانتا ترتبطان بمركز اللواء . وكان متصرف كربلاء عام 1898 عبد اللطيف باشا ، وفي عام 1906 عين رشيد باشا ابن محمد فيضي الزهاوي بمنصب وكيل المتصرف .
1908 ساهمت كربلاء في النشاط السياسي الذي اعقب الثورة ضد السلطان عبد الحميد الثاني ، وانتخب نائب واحد كربلائي في دورة مجلس المبعوثان الاولى في عام 1908 هو الزعيم السياسي والشاعر الحاج عبد المهدي الحافظ ، ومثل كربلاء في دورة المجلس الثانية 1912 نائبان هما فاؤد الدفتري ونوري بك البغدادي رئيس تحرير القسم التركي في جريدة الزهور البغدادية .
1909 عين جلال باشا متصرفاً في كربلاء وقد شرع بالقيام ببعض الاعمال الاصلاحية ومنها فتح سوق باب قبلة الحسين وتوسيع سوق بين الحرمين (سوق البزازين) . وقد زارت المس بيل ، المستشرقة والرحالة البريطاني المشهورة التي أصبحت فيما بعد سكرتيرة دار الاعتماد البريطاني في بغداد ، كربلاء في عهد متصرفها جلال باشا وذكرت بأن أعماله الاصلاحية جوبهت بمقاومة غير يسيرة حينما عهد الى الاقتصاد بالنفقات وقطع الرواتب التي كانت تدفع الى الكثيرين من الناس على اختلاف طبقاتهم ، وبخاصة طبقة رجال الدين وكان هدفه في ذلك توفير الاموال اللازمة لتنفيذ بعض الاصلاحات والقيام ببعض الاعمال العمرانية .
1911 وصف تقرير سري عسكري بريطاني مدينة كربلاء بانها تحتوي على خمسة آلاف بيت واسع حسن البناء وليس لها أسوار ، لكنها تحاط بالجنائن والبساتين ، وتستمد ماؤها من

كربلاء في الذاكرة 34

جدول الحسينية ، ويبلغ عدد سكان كربلاء حوالي (60) ألف نسمة أكثريتها من العرب والسوق في كربلاء ممتليء بالحاجات والسلع وكثير الحركة لأن البلدة تعد مركزا لمنطقة زراعية مهمة . وقد أصبحت في الايام الاخيرة مركزاً لمتصرفية تتبع بغداد ، ويوجد فيها اليوم وكيل بريطاني يقوم بالاعمال القنصلية .
1914 دخلت الدولة العثمانية الحرب الى جانب المانيا فأرسل البريطانيون قوة عسكرية احتلت البصرة وبدأت تتقدم لأحتلال العراق فظهرت حركة واسعة في كربلاء للدعوة للجهاد ضد البريطانيين ، وساهم المجاهدون من كل انحاء العراق في موقعة الشعبية . وخلال الحرب فقدت الحكومة العثمانية قدرتها على ادارة الامور في كربلاء الامر الذي شجع القوى المحلية على التجرد وطرد ممثلي الحكومة العثمانية من المدينة وتولى شؤون المدينة من قبل شيوخها وعلى رأسهم آل كمونة في حزيران 1915 ، وقد أجرى الشيخ محمد علي كمونة اتصالاً مع البريطانيين الذين كانوا قد وصلوا الى الكوت ، واقترح على السير برسي كوكس التعهد بتنصيبه حاكماً وراثياً في ولاية مقدسة تمتد من سامراء الى النجف وتقول المس بيل ان كوكس ارسل الى محمد علي رداً ودياً ولكن لا لون مع هدية صغيرة ، لكن هزيمة البريطانيين في سلمان باك بدل الموقف السياسي فقد سعى العثمانيون في نيسان 1916 لأستعادة المدينة واتهموا فخر الدين كمونة بتحريض شيوخ «آل يسار» فأحاطوا بداره واعتقلوه ، فثارت البلدة وحدث صدام عنيف استخدم فيه الأتراك المدافع ضد المدينة وأنزلوا بعض الاضرار ، بالعتبات الا ان روح المقاومة ضد الاتراك استمرت في المدينة وتمكن أهاليها من طردهم في عام 1917 .

كربلاء في الذاكرة 35

1917 احتل البريطانيون بغداد في 11 آذار 1917 وزار محمد علي كمونة السير برسي كوكس الذي كلفه الاستمرار في ادارة شؤون المدينة نيابة عن سلطات الحتلال ومنحه من أجل هذه الخدمة بعض المخصصات المالية وقد حدث خلاف بين برسي كوكس ومحمد علي كمونه وأخيه واتهمهما بتهريب المواد الغذائية للقوات التركية فاعتقل فخري كمونة في 9 أيلول 1917 وأرسل الى الهند بصفة ضابط أسير من أسرى الحرب واعفي محمد علي كمونة من مهمته كوكيل عن الحكومة البريطانية وعين بدلا عنه معاون حاكم سياسي في كربلاء هو الكابتن بري Bray (5/10/1917) وبقي في منصبه حتى (5/11/1918) الميجر بوفيل Bovill الذي استمر في منصبه حتى نقل الى الهندية (طويريج) في (17/9/1919) .
1918 أصدرت الحكومة البريطانية أوامرها الى وكيل الحاكم الملكي البريطاني العام أرنولد ولسن في تشرين الثاني باجراء استفتاء للتعرف على آراء العراقيين في شكل الحكم الذي يريدونه والاجابة على الاسئلة الآتية :
1 ـ هل يفضل العراقيون تأسيس دولة عربية واحدة تستهدي باشارات بريطانية وتمتد حدودها من حدود ولاية الموصل الشمالية الى الخليج ؟
2 ـ وفي هذه الحالة ، هل يرون ان الدولة الجديدة يجب ان يكون على رأسها أمير عربي ؟
3 ـ واذا كان الأمر كذلك ، فمن الذي يفضلون نصبه رئيساً للدولة ؟

كربلاء في الذاكرة 36

لكن رجال الاحتلال البريطاني في العراق ، وعلى رأسهم أرنولد ويلسون ، وكيل الحاكم الملكي العام ، كانوا غير ميالين الى تأسيس أي شكل من أشكال الحكم الوطني في العراق ، فبادروا الى اتخاذ التدابير اللازمة للحصول على نتائج استفتائية تتفق وما يرتأون بالتأثير على الناس في كل منطقة من مناطق العراق عن طريق الحكام السياسيين البريطانيين الذين كانوا يعملون فيها ، وبتزييف آراء الشعب وتحريفها .
ولما كانت العتبات المقدسة تعتبر ذات دور قيادي فعال في هذا الشأن للوعي المتوثب عند أبنائها فقد صدرت تعليمات خاصة باستحصال نتائج مرضية للأنكليز منها على الاخص ، لكن رجال الدين أصدروا فتاوى تجعل كل من يرغب في حكومة غير مسلمة من الناس مارقاً عن الدين ، وبتأثير هذه الفتوى تردد سكان المدينة في اعطاء أي رأي كان . الامر الذي أوقف سير الاستفتاء وأخذ الكربلائيون ينظمون مضابط تعبر عن حقيقة رأي الناس في حكم البلاد وتتفق مع مصلحتها ، ولما وجدت السلطات البريطانية فيها انها لم تكن قادرة على تنفيذ ما تريد في هذا الشأن القت القبض على ستة من الوجهاء وأبعدتهم ، وهم : عمر الحاج علوان ، وعبد الكريم العواد ، والسيد محمد علي الطباطبائي ومحمد علي أبو الحب ، والسيد محمد مهدي المولوي وطليفح الحسون ، وقد أدى اعتقال هؤلاء الى تعاظم الحركة الوطنية في المدينة وتوجيهها ضد السلطات الانكليزية المحتلة .

كربلاء في الذاكرة 37

ثورة العشرين

استمرت كربلاء في مقاومة رجال الحتلال ، وقد اكتشفت هذه السلطات في خريف 1919 مؤامرة لقتل الضباط البريطانيين والموظفين في كربلاء فقامت بتوقيف بعض الاشخاص ، كما صدرت الفتاوى بتحريم توظيف المسلمين في الادارة البريطانية فبدأت الاستقالات من خدمة حكومة الاحتلال تزداد يوماً بعد آخر . وعندما نودي بالامير عبد الله ملكاً على العراق من قبل المؤتمر العراقي في 8 آذار 1920 نشطت في كربلاء حركة واسعة تحث جميع شيوخ القبائل الفراتية توقيع وثيقة ترسل الى الامير عبد الله تدعوه للتوجه لتسلم مملكته ، كما ارتفعت الدعوة من المدينة للقيام بحركة متناسقة من أجل تشكيل حكومة مسلمة ، وكان لهذه الدعوة أثرها في اثارة القبائل للدفاع عن بيضة الاسلام ضد الكفار . ويقول ايرلند ان خطط الثورة كانت قد وضعت بصورة أكيدة في كربلاء في متنصف حزيران 1920 عندما كانت جماعات من الوجهاء وشيوخ العشائر تؤدي واجب الزيارة ، وتؤكد المس بيل هذه الحقيقة حين تقول ان خطة معينة قد وضعت للثورة حين زار كربلاء في العيد الذي صادف وقوعه في منتصف حزيران عدد كبير من الشيوخ والوجهاء .
وازاء تصاعد روح المقاومة في كربلاء قامت السلطة البريطانية في 22 حزيران باعتقال عدد من شخصيات المدينة هم : السيد حسين الدده والسيد عبد الوهاب آل طعمة وعبد الكريم العواد ، وأحمد القنبر ، وعمر الحاج علوان ، وعثمان الحاج علوان ، ومحمد علي الطباطبائي ، وأحمد البير ، وكاظم أبو ذان ، وعبد المهدي القنبر وغيرهم . ولكن هذه الاجراءات لم تؤد الا الى ازدياد روح الثورة واتساع نطاقها ، ولم يستطع المرزا محمد خان بهادر ، معاون الحاكم السياسي في كربلاء ، ان

كربلاء في الذاكرة 38

يحد من الروح الثورية او يقف بوجه الثوار فأنسحب من كربلاء ، وأصبحت المدينة تحت سيطرة الثوار الذين رفعوا علم الثورة العربية الكبرى على مبنى البلدية وعينوا حكومة محلية لادارة شؤون المدينة .
أما بريطانيا فقامت بمحاصرة المدينة وذلك بقطع مياه نهر الحسينية عنها ، لكن هذه الخطوة لم يكن لها أي تأثير على تطور الاحداث وسيرها .
وقد اتهم ارنولد ويلسن ، وكيل الحاكم الملكي العام ، جهات أجنبية بأثارة المدينة ، ويقول «أن سبعة آلاف ليرة تركية ذهب قد وصلت الى ايدي المتطرفين في كربلاء خلال شهري مايس وحزيران» ومهما يكن من أمر فان المدينة بقيت في ثورتها الى ان استطاع البريطانيون العودة اليها .

مؤتمر كربلاء

في الخامس عشر من شعبان سنة 1340 هـ (12 نيسان 1922م) عقد المؤتمرون اجتماعهم الأخير في صحن الامام الحسين بكربلاء ، ووقع الرؤساء والزعماء وثيقة للنظر بما اوقعه الخوارج الأخوان باخواننا المسلمين من الاعمال الوحشية من القتل والسلب والنهب ورفعت الى جلالة الملك . وقد حضر المؤتمر العلماء والرؤساء والزعماء والادباء وقادة الرأي وقدر عددهم بنحو مئتي الف نسمة وندبت الحكومة وزير الداخلية توفيق الخالدي لحضور المؤتمر(1) مؤتمر كربلاء .

(1) تاريخ الوزارات العراقية / عبد الرزاق الحسني ج 1 ص 89 .
كربلاء في الذاكرة 39

مؤتمر كربلاء (2)

في منتصف شعبان سنة 1349 هـ (5 كانون الثاني 1931م) عقد المؤتمر في كربلاء حضره ممثلون عن العشائر المختلفة ولفيف كبير من الشخصيات القيت فيه الخطب الحماسية واسفر عن توقيع مضبطة تؤيد (مناهضة مشروع المعاهدة الجديدة بكل الوسائل السياسية لانه مشروع جائر وصك ممقوت) و(والسعي لاسقاط الوزارة السعيدية وحل المجلس النيابي لعدم مشروعيته) ورفع الى الملك(1) .

(1) تاريخ الوزارات العراقية / عبد الرزاق الحسني ج 3 ص 102 .
كربلاء في الذاكرة 40




كربلاء في الذاكرة 41

الفصل الثاني

الجهاز الاداري لمدينة كربلاء


1 ـ وزارة الداخلية


1 ـ السراي (المحافظة) :

تعاقبت على حكم العراق حكومات مختلفة وذلك قبل تأسيس الحكم الوطني في العراق ، وكان الولاة والحكام هم الممثلون لحكوماتهم في مناطق العراق ، وليس من شك ان كربلاء هذه المدينة الباسلة الصامدة حرمت من حقوقها ابان العهد العثماني الجائر ، وكان لمواقفها البطولية الجريئة ما أدى الى نقمة الحكام عليها ، فانتشرت فيها الفوضى الادارية والرشوة والدمار .
وعند اندلاع ثورة العشرين التحررية في العراق عين الثوار الكربلائيون السيد محسن أبو طبيخ متصرفاً للواء كربلاء سنة 1920م ، بعدها توالى الاداريون على مدينة كربلاء ، حتى تشريع قانون المحافظات بتاريخ 1/10/1969م الذي اعطى صلاحيات واسعة للسادة المحافظين في ادارة وتنظيم ما يهم المناطق التي يرونها .

كربلاء في الذاكرة 42

كان موقع السراي قديماً في خان (خلفه حسن) بشارع الگمرك الذي يعرف بـ (خان الشرطة) ثم انتقل الى شارع العباس في خان الخيالة . وفي سنة 1928م شيد السراي الحاج حسين المعمار والحاج علي أكبر وهو البناية السابقة أي المحكمة حالياً ، وقد صرف عليه 27 ألف روبية . وبعدها شيدت البناية الجديدة التي هي اليوم ماثلة للعيان وذلك في عهد الاستاذ شبيب المالكي المحافظ الأسبق .
وفيما يلي جدول يوضح اسماء الولاة والمتصرفين والمحافظين :
اسماء متولي وحكام ومتصرفي كربلاء
(المحافظون)

1052هـ متولي قصبة كربلا أحمد أغا .
1104هـ متولي قصبة كربلا عبد الله أغا .
1120هـ متولي قصبة كربلا حسين أغا . وأرخ توليته العالم الشاعر السيد
نصر الله الحائري بقوله(1) :
بمصرنا وليّ العُتُل ذاك الذي بالشقا تمسّك
وساءنا حكمه فأرخ (فرعون الطف قد تملك)
1129 هـ متولي قصبة كربلاء أحمد السياف . وارخ قدومه العالم الشاعر
السيد نصر الله الحائري بقوله(2) :

(1) ديوان السيد نصر الله الحائري ص 162 .
(2) ديوان السيد نصر الله الحائري ص 158 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي