كربلاء في الذاكرة1


كربلاء في الذاكرة


تأليف

سلمان هادي الطعمة


بغداد 1988م

كربلاء في الذاكرة 2




كربلاء في الذاكرة 3

يوم لا يُنسى

لقد رأى اولئك الناس مني مالا يحبون ، لأني رفضت ان أقيم في
بلدهم غير ليلة واحدة ، ومع ذلك صبروا عليّ واستقدموني
مرة ثانية ، واحتفلوا بتكريمي أعظم احتفال . وهل
أنسى لطف الرجال الذين لقيتهم في كربلاء ؟
هل أنسى كيف تنسمت الحياة في يوم قائظ
في البلد الذي تشرّف برفات الحسين ؟
دكتور زكي مبارك

كربلاء في الذاكرة 4




كربلاء في الذاكرة5


الاهداء

الى كل قلب أمضّه الوجد والحنين لمدينة ابي الشهداء . الى كل من يتشوق لتكحيل بصره برؤيا قبة الإمام الحسين ومعالم مدينته .
الى الشفاه الظمأى لتقبيل الضريح الطاهر . أهدي هذا الجهد المتواضع .

سلمان هادي الطعمة



كربلاء في الذاكرة 6




كربلاء في الذاكرة 7

المقدمة

تزخر مدينة كربلاء بأنماط لا حصر لها ولا عد من الفعاليات والحرف الفولكلورية التي تمتد اصولها الى زمن سحيق . كما ان لها كسائر المدن العراقية مؤثرات حضارية كالعقائد والطقوس والعرف والعادات الخاصة بالمأكل والمشرب وطرائق الترفيه والتسلية ووسائل الراحة والنوم والزيارة والألعاب الى غير ذلك مما يتعلق بدواخل حياة الفرد الكربلائي .
هناك نماذج مميزة تشهدها المدينة من الفعاليات والصناعات شارك فيها كل الكربلائيين وخاصة في مجالات الابداع والأسهام المباشر في النهضة التي تشهدها كربلاء .
وانطلاقاً من مبدأ الحفاظ على هذا التراث ، بات مهماً نشر البحوث المتعلقة بتلك المظاهر الحضارية التي عرفتها كربلاء مدينة العلم والشهادة والبناء والمجد الزاهر عبر السنين الطويلة .
وقد اعتدتُ منذ زمن غير قصير أن أجالس المعمرين من أبناء المدينة خاصة المعنيين منهم والمشايخ المعاصرين للاستفادة من المعلومات النافعة التي تركت بصماتها في ذاكرة الكثيرين منهم ، فدلفتُ الى جمعها بعد ان عانيت من جراء ذلك الكثير من المتاعب . ولا زالت البحوث المتعلقة بكربلاء تبقى حاجة ماسة لكل الدارسين والباحثين ، علينا أن نفيها حقها من الاهتمام والاعلام ، في سبيل أن نعرّف المهتمين بشؤون الثقافة والتراث الجديد من تلك المواد التاريخية والفولكلورية والثقافية المقيدة في هذا الحقل الواسع .
واني اذ أقدم فصول هذا الكتاب التراثي الفولكلوري ، لابد لي ان اعترف بفضل هؤلاء الاصدقاء وعونهم لي في الحصول على الكثير من المعلومات التي وردتني منهم ، كما أخص بالشكر الدوائر الحكومية على المساعدات القيمة والتوجيهات السديدة التي تلقيتها منها .

كربلاء في الذاكرة8

أرجو أن أكون قد وفيت البحث من جوانبه العديدة ، واعطيته ما يستحقه من الاهتمام ، وأكون شاكرا لو تكرم القراء عليَّ بملاحظاتهم ، فقد يكون هناك من جديد فاتني ذكره ، ليضاف الى الطبعة الثانية ، فالكمال لله وحده ، ومنه العون والتوفيق .
كربلاء ـ العراق سلمان هادي محمد مهدي آل طعمة
1ـ11ـ1986م



كربلاء في الذاكرة 9

الفصل الاول

كربلاء في اللغة والتاريخ

تعتبر كربلاء من المدن العراقية القديمة التي يعود تاريخها الى العهد البابلي . ويذكر ان اسمها يعني (قرب الآلهة) وذهب بعضهم الى إن اسمها مشتق من كلمة (كور بابل) التي هي عبارة عن مجموعة من قرى بابلية قديمة منها نينوى والغاضرية وكربله بتفخيم اللام ثم كربلاء وعقر بابل والنوايس والحائر ، وذهب آخرون ان اسمها مشتق من الكرب والبلاء .
وتشتهر كربلاء بقدسيتها ، فقد أريق على تربتها دم سبط الرسول الكريم الامام الشهيد الحسين بن علي (ع) وأهل بيتـه في واقعـة الطف المشهـورة سنة 61 هـ (680م) .
وكربلاء بالمد ، ذكر ياقوت الحموي في المعجم انها لفظ مشتق (كربله) وتعني الرخاوة في القدمين ، عللها لرخاوة أرضها وتربتها(1) . ويرجع بعض المؤرخين ان العرب خففوا من لفظة كربلاء من (كور بابل) . ويقول الأب انستاس ماري الكرملي ان كربلاء منحوتة من (كورب) و(الـ) وهو أمر وارد لأن هذه البقاع سكنها الساميون قديما(2) . واذا فسرنا (كرب) بالعربية أيضا دلت معنى (القرب) فقد قال العرب كرب يكرب مكروباً ، أي دنا وهو يعطي المعنى نفسه لدى الساميين . أما (الـ) فقد كان يعني (الال) في اللغة السامية . وعلى حسبان كربلاء من الأسماء السامية تكون القرية من القرى

(1) معجم البلدان / ياقوت الحموي مج 7 ص 229 .
(2) لغة العرب مج 5 ص 178 / 1927 م .
كربلاء في الذاكرة 10

القديمة التابعة لبابل . وهي كما قال ياقوت الحموي ناحية من نواحي نينوى الجنوبية . ومما يدل على قدم كربلاء وجودها قبل الفتح الاسلامي ما ذكره الخطيب البغدادي بسنده الى ابي سعيد التميمي : (اقبلنا مع علي (ع) من صفين فنزلنا كربلاء ، فلما انتصف النهار عطش القوم) والمهم في هذا الحديث دلالته التوثيقية حيث يعتبر كربلاء موجودة قبل سنة 40 هـ وهو التاريخ الذي مرّ به الامام علي فيها .
وذكر ياقوت الحموي لفظة (كربلاء) واوعزها الى ثلاثة أوجه ، فقال ما نصه : «كربلاء بالمد وهو الموضع الذي قتل فيه الحسين بن علي (عليه السلام) في طرف البرية عند الكوفة(1) . فأما اشتقاقه فالكربلة رخاوة في القدمين ، يقال جاء يمشي مكربلاً فيجوز على هذا ان تكون أرض هذا الموضع رخوة فسميت بذلك ويقال كربلتُ الحنطة اذا اهززتها ونقيتها وينشد في صفة الحنطة :
يحملن حمراء رسوباً للثقل قد غربلت وكربلت من الصقل

فيجوز على هذا ان تكون هذه الارض منقاة من الحصى والدغل فسميت بذلك ، والكربل اسم نبت الحماض . وقال أبو وجره يصف عهون الهودج :
وتامر كربل وعميم دفلى عليها والندى سبط يمورُ

فيجوز ان يكون هذا الصنف من النبت يكثر نبته هناك فسمي به ، وقد روي ان الحسين لما انتهى الى هذه الارض قال لبعض اصحابه ما تسمى هذه القرية وأشار الى العقر فقال اسمها العقر

(1) مراصد الاطلاع / ياقوت الحموي . وانظر : معجم البلدان لياقوت مج 7 ص 229 .
كربلاء في الذاكرة 11

فقال الحسين نعوذ بالله من العقر ثم قال فما اسم هذه الارض التي نحن فيها قالوا كربلاء فقال أرض كرب وبلاء وأراد الخروج منها فمنع كما هو مذكور في مقتله حتى كان منه ما كان . ورثته زوجته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل فقالت :
وا حسيناً فلا نسيت حسيناً اقصـدته أسنـّة الأعـداء
غادروه بكـربلاء صريعاً لا سقى الغيث بعده كربلاء

ونزل خالد عند فتحة الحيرة كربلاء فشكى اليه عبد الله بن وثيمة البصري الذبّان فقال رجل من أشجع في ذلك :
لقد حبسـت في كربلاء مطيتي وفي العين حتى عاد غثاً سمينها
اذا رحلت عن منزل رجعت له لعمري وايهـا اننـي لأهينهـا
ويمنعهـا مـن ماء كل شريعة رفاق من الذبان زرق عيونهـا(1)

وبعد هذا ليس بمقدور كل متتبع استيفاء البحث عن قدمها لندرة المراجع التي يمكن للباحث أن يعوّل عليها .
وتحدثنا المراجع التاريخية ان كربلاء هي أم لقرى عديدة تقع بين بادية الشام وشاطئ الفرات وانها كانت من امهات مدن بين النهرين الواقعة على ضفاف نهر بالاكوباس ـ الفرات القديم ـ وعلى أرضها معبد للعبادة والصلاة كما يستدل من الاسماء التي عرفت بها قديماً . وقد كثرت حولها المقابر كما عثر على جثث الموتى داخل اواني خزفية يعود تاريخها الى قبل

(4) معجم البلدان / ياقوت الحموي مجلد 7 ص 229 .
كربلاء في الذاكرة 12

العهد المسيحي . أما الاقوام التي سكنتها فكانت تعوّل على الزراعة لخصوبة تربتها وغزارة مائها(1) .
من كل ما تقدم تتجسد لنا المكانة الرفيعة التي منيت بها هذه البقعة المقدسة والمنزلة السامية التي حظيت بها بين بلدان العالم .



(1) تراث كربلاء / سلمان هادي الطعمة (الطبعة الثانية) (بيروت 1983) ص 24 .
كربلاء في الذاكرة 13

جغرافية كربلاء

الموقع :

تعتبر مدينة كربلاء من أهم المدن المقدسة في العراق . تقع في جنوب غرب بغداد بمسافة (105) كم ، وترتبط المحافظة بمحافظات بغداد وبابل والنجف والقادسية بطرق مبلطة تحيطها البساتين من كل جانب ويسقيها نهر الحسينية المتفرع من نهر الفرات والذي يبلغ طوله 29 كم .

النفوس :

يبلغ المجموع الكلي لسكان المحافظة حوالي 380 ألف نسمة .

المساحة :

تبلغ مساحة محافظة كربلاء 856 / 52 كم مربعاً .
بدأت شهرة مدينة كربلاء باستشهاد الامام الحسين (ع) وصحبه الأبرار عام 61 هجرية .
أول مهرجان سياحي أقيم فيها (مهرجان الاخيضر السياحي الأول) في 3 / 3 / 1982 .
التشكيلات الادارية :
تتألف محافظة كربلاء من الأقضية والنواحي التالية :
أ ـ مركز قضاء كربلاء وتتبعه :
1 ـ ناحية الحر 2 ـ ناحية الحسينية
ب ـ مركز قضاء الهندية وتتبعه :
1 ـ ناحية الخيرات 2 ـ ناحية الجدول الغربي
ج ـ قضاء عين التمر .

كربلاء في الذاكرة 14

الروضة الحسينية

لعلّ أهم ما يميز الروضة الحسينية المطهرة سعة الحصن وكثرة الأواوين الجميلة المزخرفة بالكاشي الكربلائي البديع .
يقع القبر الشريف الذي يضم في ثراه الامام الحسين بن علي (ع) وابنيه علي الأكبر وعلي الاصغر تحت صندوق من الخشب الثمين الرائع الصنع المطعم بالعاج يحيط به صندوق آخر من الزجاج .
أما الشباك الذي يعلو الصندوق مصنوع من الفضة الخالصة وموشى بالذهب تعلوه كتابات من الآيات الكريمة ونقوش وزخارف رائعة الصنع .
تحيط بالشباك روضة واسعة فرشت أرضها بالمرمر الأيطالي ، كما رصفت جدرانها بارتفاع مترين من المرمر نفسه ، فيما تزدان بقية الجدران والسقوف بالمرايا التي صنعت باشكال هندسية تشكل آية من آيات الفن المعماري .
وللروضة المطهرة عدة أبواب ، ولكل باب من هذه الأبواب طاق معقود بالفسيفساء البديع ، وأشهر هذه الأبواب : باب القبلة الذي يعرف بباب الذهب نسبة الى احجار ايوانه المغشاة بالذهب والفضة . والداخل من باب ايوان الذهب ينتهي به المطاف الى رواق يحيط بالحرم المطهر من الشرق والجنوب ، ويجد عن يساره قبر الشهيد الصحابي حبيب بن مظاهر الأسدي الذي استشهد مع الامام الحسين في واقعة الطف ، وعليه شباك من الفضة . كما يقع في الرواق وفي الزاوية الشمالية الغربية قبر السيد ابراهيم

كربلاء في الذاكرة 15

ابن محمد العابد بن الامام موسى الكاظم المعروف بالمجاب . ولهذا الرواق سبعة أبواب تؤدي الى الصحن هي : باب حبيب بن مظاهر الأسدي وباب القبلة وباب صاحب الزمان وباب علي الأكبر وباب الكرامة وباب سيد ابراهيم المجاب وباب رأس الحسين .
وللرواق ثمانية أبواب تؤدي الى الحضرة المطهرة هي : باب القبلة وباب علي الأكبر وبابان يعرفان بباب الكرامة وباب الناصري وباب ابراهيم المجاب وباب رأس الحسين وباب حبيب بن مظاهر وفي الرواق الأيمن الذي يعرف برواق الفقهاء مدافن لشخصيات علمية كبيرة حيث يوجد صندوق ضم اجداث عدد من العلماء الافاضل . وفي الرواق الأمامي للروضة الذي يعرف بـ (رواق الملوك) مقبرة للسلاطين القاجاريين .
قال عبد الوهاب عزام يصف الحضرة الحسينية : وقد دخلنا المسجد فاذا هو يدوي بالقارئين والداعين ، فزرنا الضريح المبارك ومنعنا جلال الموقف ان نسرح ابصارنا في جمال المكان وما يأخذ الأبصار من زينته وحليته وروائه ، وبجانب المسجد مسجد آخر فيه ضريح العباس بن علي . وفي المسجد سرداب نهبط فيه نحو عشر درجات الى مكان مغطى بشبكة من الحديد يسمونه (المذبح) ، ويقولون ان دم الحسين رضي الله عنه سال حينما قتل في فاجعة كربلاء ، وهناك رواية يقال انها مولد المسيح عيسى بن مريم . ثم هناك حجرة في ناحية من المسجد دفن فيها من ملوك القاجاريين آخرهم أحمد وابوه محمد علي وجده مظفر الدين ، والقبور ليست عالية وانما هي بلاطات في ناحية من الحجرة ، وقد علقت في مقربة منها صور الملوك الثلاثة .

كربلاء في الذاكرة 16

وددت لو أمكننا الوقت فأطلنا المقام في هذا المشهد العظيم لاطيل الحديث عنه ، ولكنها كانت زيارة عجلان يكتفي بتأدية الواجب(1) .
وتعلو الروضة الحسينية قبة شاهقة يبلغ ارتفاعها 27 مترا وهي مغشاة من أسفلها الى أعلاها بالذهب الأبريز وبالقاشاني البديع من الداخل ، ويحيطها من الأسفل 12 شباكاً ترتفع على جنبيها مئذنتان شاهقتان مكسوتان بالذهب الخالص ، ويتجلى فيها الريازة الاسلامية بأبهى فنونها . وفي جانبي الصحن ساعتان دقاقتان مثبتتان على برج شاهق احداهما فوق باب القبلة والأخرى فوق باب رأس الحسين . ويتدلى من سقف القبة والروضة عدد كبير من الثريات والمعلقات . ويحيط بالروضة المطهرة 65 ايواناً في كل ايوان حجرة زينت جدرانها من الداخل والخارج بالفسيفساء ، وقد اعدت هذه الحجر ليتلقى بها طلاب العلم ورجال الدين والسادة خدمة الروضة(2) .
وفي الروضة المطهرة شمعدانات(3) نحاسية يوضع بها الشمع ما بين كبيرة وصغيرة لانارة الحرم الشريف بأضواء ساطعة .

(1) رحلات / عبد الوهاب عزام ص 59 و60 (القاهرة 1929 م ـ 1358 هـ) .
(2) تراث كربلاء / سلمان هادي الطعمة (بيروت 1983) ص 58 و59 .
(3) كان السيد حسين الدده عند حضوره الى المرقد الشريف الحسيني ، وهو قادم من تكية البكداشية بعد الغروب ، يجتاز صفاً من السادة خدمة الروضة الحسينية وهم يحملون بأيديهم الشموع المطفئة بانتظار أن يسرجها لهم واحداً بعد الآخر من الفانوس الخاص الذي كان يحمله بيده ، وبعد ذلك يحملون الشموع الموقدة لوضعها في (الشمعدانات) الخاصة هناك . وقد أزيلت معالمها اليوم بسبب وجود الانارة بالكهرباء .
كربلاء في الذاكرة 17

ويحدثنا الرحالة نيبور خلال رحلته لكربلاء سنة 1765م انه كان يوجد بين يدي الباب الكبرى شمعدان نحاسي ضخم يحمل عدداً من الاضوية(1) .
أما مساحة الرواق فيبلغ 600 متراً مربعاً .
ومساحة الصحن تبلغ 15 ألف متراً مربعاً .
ومساحة الحرم 3850 متراً مربعاً .



(1) موسوعة العتبات المقدسة ـ قسم كربلاء ـ ج 1 ص 287 .
كربلاء في الذاكرة 18

الروضة العباسية

على بعد 350 متراً من الروضة الحسينية . يقع مرقد ابي الفضل العباس بن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) الذي استشهد مع اخيه الحسين يوم الطف .
لقد تولى تشييد صرح الروضة العباسية كل من تولى تشييد الروضة الحسينية في الادوار التاريخية المتعاقبة من ملوك وسلاطين وامراء ورجال اصلاح .
تبلغ مساحة الروضة بما فيها الصحن الشريف (4370) م2 وهذه الروضة لا تقل روعة وبناء عن الروضة الحسينية . الارض مفروشة بالرخام والجدران المكسوّة بالمرايا ، الروضة والرواق ، الايوان الكبير ، المنائر الشاهقة ، القبة العالية ، الصندوق البديع على القبر الشريف بشباكه الرائع المصنوع من الفضة والذهب الخالص الذي يعتبر آية من آيات الروعة الفنية . تعلو القبر الشريف قبة ذهبية ضخمة ذات هيبة ووقار نقشت في أسفلها الآيات القرآنية المطعمة بالميناء والذهب وفي اطراف القبة مئذنتان ضخمتان ، و هناك ساعة أثرية كبيرة دقاقة واقعة على باب القبلة وقد زينت جوانب وجدران الصحن بالفسيفساء والقاشاني التي هي النفائس الأثرية .
وللصحن ثمانية أبواب هي : باب الامام الحسن ، باب الامام الحسين ، باب الامام صاحب الزمان ، باب الامام موسى بن جعفر تقع هذه الابواب من الجهة الغربية ، باب الامام أمير المؤمنين ، باب الامام علي بن موسى الرضا تقعان في الجهة الشرقية ، وباب الرسول المسماة حالياً (باب القبلة) الجنوبية .

كربلاء في الذاكرة 19

أما في الجهة الشمالية باب تسمى باب الامام الجواد(1) . يبلغ ارتفاع القبة من سطح الارض 39 متراً . بينما يبلغ ارتفاع المنارة الواحدة 44 متراً . وتبلغ مساحة الرواق 320 متراً مربعاً . اما مساحة الصحن فهو 9300 متراً مربعاً . ومساحة الحرم هو 1836 متراً مربعاً .
وهذه الروضة تمثل بهاء الفن المعماري العربي الاسلامي ، واصالته حيث تزين كل زاوية منها بزخرفة رائعة وزينة فنية بديعة ، وهي غاية في البهاء والروعة ، وقد شملت بالرعاية والاهتمام كما في الرياض المقدسة الأخرى .
وبين الروضتين الحسينية والعباسية يمتد اليوم شارع واسع .



(1) تراث كربلاء / سلمان هادي الطعمة الطبعة الثانية (بيروت 1983م) ص 71 .
كربلاء في الذاكرة 20

السور والابواب

كانت المدينة محاطة بأسوار من اللبن المجفف بالشمس . كما كانت لها في هذا السور خمسة أبواب ، ومما يذكر ان أول سور شيد للحائر في القرن الرابع الهجري أي في سنة 372 هـ وهو السور الذي ذكره ابن ادريس في كتابه (السرائر) في الفقه . وقد قدّرت مساحته (2400) قدم(1) .
اما السور الثاني فقد أقامه الوزير الحسن بن الفضل بن سهلان الرامهرميزي وذلك سنة 412 هـ حول قصبة كربلاء ونصب في جوانبها الاربعة أبواباً مكينة من الحديد(2) .
وكانت البلدة محاطة بأسوار من اللبن المجفف بالشمس ، كما كانت لها في هذه الاسوار خمسة أبواب كما يظهر من رحلة نيبور سنة 1765م(3) .
وبمرور الزمن اضمحل بناء السور ، وهيء له من يشيده ، وهكذا حتى أصبحت كربلاء مركزاً لهجمات الاعراب الذين همهم السلب والنهب والقتل . ففكر المصلحون بحماية البلدة من غزوات الاعداء ، وذلك ببناء سور للمدينة يحمي سكانها ويحافظ عليها ، فكان أن تصدى العالم الفاضل السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض ببناء سور المدينة سنة 1217 هـ أي بعد غارة الوهابيين ، وجعل لها ستة أبواب عرفت كل باب باسم خاص واستبدل أسماء الأطراف باسماء تلك الابواب ، وبعد مجيء

(1) مدينة الحسين / محمد حسن الكليدار الطعمة ج 1 ص 25 .
(2) اعيان الشيعة / السيد محسن الامين العاملي ج 4 ق 1 ص 306 .
(3) موسوعة العتبات المقدسة ـ قسم كربلاء ج 1 ص 287 .
كربلاء في الذاكرة 21

مدحت باشا هدم قسماً من السور من جهة طرف باب النجف وأضاف طرفاً آخر الى البلدة سمي بمحلة (العباسية) فأصبحت لكربلاء سبعة أطراف(1) .
وكانت معالم هذا السور باقية حتى سنة 1342 هـ ، وقد ورد في كتاب (جغرافية العراق) ما نصه : يتراوح ارتفاع سور كربلاء ما بين الـ 20 الى 30 قدماً وهو مبني بالآجر ومن أعلاه ابراج وموقع المدينة مستو إلا ان الجهة الشمالية أعلى من سائر الجهات)(2) .
ولا تزال هناك بقايا من السور في طرف باب الخان وهو حمام نينوى ، كما توجد بقية من السور في طرف المخيم هو جدار لمعمل يقع في زقاق السور .
الأبواب (3) :

كانت كربلاء قبل سنة 1217 هـ تحتوي على ثلاثة اطراف . الطرف الاول منها كان يعرف بمحلة آل فائز والطرف الثاني بمحلة آل زحيك والطرف الثالث محلة آل عيسى نسبة للأقوام العلويين الذين سكنوها من قبل . وبعد هذا التاريخ استبدلت اسماء هذه الاطراف بالمحلات التالية :
الطرف الاول . باب النجف ويسمى احياناً باب المشهد أو باب طويريج وذلك نسبة الى الطريق الذي كان يسلكه المسافر الى النجف الاشرف عن طريق طويريج (الهندية) . وموقع باب السور كان نهاية سوق الصفارين حالياً .

(1) مدينة الحسين ج 1ص 15 .
(2) جغرافية العراق / رزوق عيسى ص 20 .
(3) مدينة الحسين ج 3 ص 166 .
كربلاء في الذاكرة 22

الطرف الثاني . باب الخان . وسمي بذلك نسبة لوجود ثلاثة خانات كبيرة محاذية لباب السور الذي كان موقع الباب في نهاية شارع العلقمي .
الطرف الثالث . باب العلوه أو باب بغداد . وعرف بهذا الاسم نسبة لوجود علاوي الحبوب والمخضرات وهي تقع على طريق بغداد ، وموقع باب السور كان في نهاية سوق النجارين .
الطرف الرابع . عرف بـ (الجاجين) المحرفة من كلمة (دكاكين) وهو الطرف الذي سكنته عشيرة (السلالمة) فعرف باسمها . وموقع باب السور كان في زقاق الوزون .
الطرف الخامس . باب الطاق . سمي بذلك نسبة لوجود الطاق المنسوب للسيد ابراهيم الزعفراني أحد رجالات كربلاء في واقعة المناخور سنة 1241هـ وموقع باب السور كان يقع في نهاية زقاق بني سعد .
الطرف السادس . باب المخيم . سمي بذلك نسبة لقربه من مخيم الحسين ، وموقع الباب كان في نهاية سوق القبلة حالياً .

كربلاء في الذاكرة 23

دور الكربلائيين في الحركات الوطنية (1)
1534هـ ـ 1931م

حاولت في هذا الفصل ضبط الوقائع التي شهدتها مدينة كربلاء من بداية العهد العثماني وانتهاء بثورة العشرين الخالدة .
1534 احتل العثمانيون العراق وقام السلطان العثماني سليمان القانوني بجولة للمراقد المقدسة زار خلالها كربلاء فوجدها كما هي يقول لونكريك ، حائرة في حائرها بين المحل والطغيان ، اذ كان الفرات الفائض في الربيع يغمر الوهاد التي حول البلدة بأجمعها من دون ان تسلم منه العتبات نفسها ، وعند هبوط النهر كانت عشرات الألوف من الزوار يعتمدون على الري من آبار قذرة شحيحة . فقام بحفر نهر من الفرات سمي (النهر السليماني) وهو نهر الحسينية الحالي ، وقد أدى هذا النهر الى أحياء أراض كبيرة فيها ، واستخدم في حفره مهندسين على مقدرة عالية وخبرة فائقة فكان هذا المشروع من أعظم المشاريع الاصلاحية بل كان حقيقة مشروعا جليلا في حياة المدينة وما جاورها من بقاع . وأصبحت قصبة تابعة للواء الحلة التابع لأيالة بغداد .

غارة آل مهنا

1604 نتيجة لضعف السلطة العثمانية أصبحت كربلاء تحت سيطرة المير ناصر بن مهنا الذي كان يطلق على نفسه لقب (ملك)

(1) راجع كتابنا (تراث كربلاء) (بيروت 1983) الطبعة الثانية ص 355 ـ (الوقائع والاحداث السياسية) .

الفهرس التالي التالي