تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 149

السريرة ، جميل ألأخلاق ، حسن المحاضرة ، قليل ألإهتمام بأمور الدنيا ، خفيف المؤونة ، كثير المعونة ، سخي الطبع، عالي الهمة ، روى بالإجازة عنه الميرزا محمد حسن إبن المولى علي العلياري التبريزي ، وتاريخ ألإجازة سنة 1304 هـ ، وكذا السيد إبراهيم إبن السيد محمد تقي إبن السيد حسين إبن السيد دلدار علي النقوي ، وتاريخها سنة 1290 هـ ، توفى في الحائر الشريف سنة 1309 هـ ، ودفن في مقبرة السادة الطباطبائيين ، خلف أربعة أبناء برزوا بوصفهم علماء وأئمة الجماعة في كربلاء ، وهم السيد محمد باقر والسيد علي والسيد محمد مهدي والسيد حسن.
ـ المولى الحاج أبو الحسن المازندراني الحائري ، كان من أبرز أصحاب العالم والرئيس الروحي الكبير ، الشيخ زين العابدين المازندراني البارفروشي المتوفى في الحائر الشريف سنة 1309 هـ ، وكانا متآخيين في ألله ، سكن كربلاء وعمر حتى ناهز التسعين عاما ، وكان من العلماء الربانيين المتجردين للعبادة. يقول الميرزا حسين النوري ، صاحب شرح «منتهى المقال في علم الرجال» عند النقل عنه : حدثني العالم الورع التقي ، المقدس الزكي الوفي الوالد الروحاني،الحاج مولى أبوالحسن المازندراني المتوطن في مشهد الحسن عليه السلام . له أولاد أفاضل، برز فيهم الشيخ عبدالهادي المازندراني الذي درس على الميرزا الشيرازي الكبير في سامراء. وكان من أفاضل العلماء وألأساتذة في حوزة كربلاء ، وهذا ألخير ، وأعني به الشيخ عبدالهادي هووالد الخطيب الحسيني الشهير الشيخ محمد مهدي المازندراني الحائري المتوفى سنة 1384 هـ .
ـ الشيخ الميرزا إبراهيم الحائري ، كان فقيها متبحرا وعالما فحلا ولد في كربلاء ، وتوفي بها سنة 1306 هـ ، من تصانيفه : «المفاخر العلية في فقه ألإمامية» ينتهي مجلده ألأول إلى منزوحات البئر ، وجدت نسخة منه عند الشيخ حسين بن علي الحلي النجفي ، وعليها تقريظ من السيدين علي وحسين آل بحر العلوم، و «رجوم الشياطين» ، و «شرح الزيارة السابعة» سماه «مشارق الشموس» في ستة مجلدات ، وجدت نسخة عند الميرزا هادي

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 150

الواعظ ، وله أيضا مسائل عن السيد كاظم الرشتي، كتب أجوبتها وهو بالجزيرة قرب مسجد الكوفة ، وسماها «المسائل الشيرازية» ، وقال فيها على ما يبدو: إن السيد كاظم الرشتي هو من أجلاء العلماء ، وقد وجدت نسخة منها عند السيد عبدالحسين الحجة الطباطبائي ، يرجع تاريخ كتابتها إلى سنة 1261 هـ ، ونسب هو إلى شيراز لكونه كان ربيبا للحاج محمد حسن القزويني الحائري نزيل مدينة شيراز والذي جاور فيما بعد الحائر الشريف ، وذكر النسابة الشيخ آغا بزرك الطهراني في كتابه «نقباء البشر» أنه رأى بخطه شرح حديث خلق ألسماء للشيخ أحمد الإحسائي ، إستنسخه في سنة 1256 هـ .
ـ الشيخ حسن الكربلائي المتوفى سنة 1322 هـ ، ولد ونشأ في كربلاء ولذا إشتهر بالكربلائي ، وهو الشيخ حسن بن علي بن محمد رضا بن محسن التستري ألأصل ألأصفهاني الحائري ، أمضى سنوات شبابه في تحصيل العلوم الدينية بمدرسة حسن خان المعروفة في كربلاء، حيث قرأ المقدمات والسطوح لدى فضلاء وأعلام الحوزة العلمية ، سافر بحدود عام 1300 هـ . إلى مدينة سامراء ، حيث حضر درس المجدد الشيرازي الكبير الحاج السيد ميرزا حسن ، لعدة سنوات وكتب تقريرات هذا ألأستاذ في الفقه وألأصول ، ثم عاد إلى كربلاء بصحبة العالم الكبير السيد إسماعيل الصدر، ومما كتبه من تقريرات أستاذه الشيرازي الكبير : قاعدة «الناس مسلطون على اموالهم» فقد كتبها وبسطها في غاية الروعة، ومن مصنفاته أيضا : رسالة فارسية شرح فيها بكل تفصيل وتبسيط قضية تحريم إستعمال التبغ في إيران ، والفتوى الصادرة بهذا التحريم من جانب المجدد الشيرازي، ومراحل تطور قضية منح إمتياز زرع التبغ في إيران من قبل السلطان ناصر الدين شاه القاجاري ، لشركة بريطانية إستعمارية من بدايتها حتى مرحلة مبادرة المجدد الشيرازي بإصدار فتواه الشهيرة بتحريم إستعمال التبغ من جانب المسلمين في إيران ، وردود الفعل التي أثارتها هذه الفتوى على الصعيد السياسي وألإجتماعي.
ـ الشيخ علي البفروئي اليزدي الحائري ، عالم كبير ، وفقيه ناضل، ومدرس جليل ، قرأ على المولى محمد حسين ألأردكاني وغيره من فحول

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 151

علماء الحوزة العلمية في كربلاء ، تصدر للتدريس بهذه الحوزة فحضر حلقة درسه عدد كبير من أهل العلم والفضل ، والكل يشيد بعلمه وورعه، كان من المعمرين ومن شيوخ ألأجتهاد ، لازم في البداية أستاذه الشيخ محمد حسين اليزدي المعروف بـ « باشنه طلائي» الحائري صاحب «المقاليد» في الفقه فأخذ منه ، مثلما أخذ من الشيخ ألنصاري في النجف ، وكان يقيم الجماعة في الحرم الحسيني الشريف بكربلاء ، إلى أن توفى بحود سنة 1324 هـ .
ـ الشيخ محمد علي الخراساني الحائري ، كان من أهل العلم والفضل والكمال ، تتلمذ على جماعة من العلماء ألأجلاء في كربلاء منهم : السيد الميرزا علي نقي الطباطبائي المتوفى سنة 1289 هـ ، حتى أصبح من كبار العلماء ، ومن وجوه الفضل وألأدب والكنال في حوزة كربلاء العلمية ، وظل مشتغلا بالتدريس والتحقيق، حتى وافته المنية بحدود سنة 1325 هـ .
ـ السيد باقر إبن المولوي حسين الهندي النصيرآبادي الحائري ، فقيه أديب متكلم ، هاجر من الهند إلى كربلاء سنة 1297 هـ ، وأخذ عن كبار علماءها مثل الشيخ زين العابدين المازندراني والسيد علي اليزدي والشيخ حسين فاضل ألأردكاني، وروى عنه بألإجازة ، توفى في الحائر الشريف سنة 1329 هـ ، ترجمه صاحب «أعيان الشيعة» فقال في حقه : كان عالما مناضلا ، أديبا شاعرا ، فقيها حكيما ، خبيرا في العقائد، سماها «دليل الخيرات» تبلغ ألفي بيت قال في آخرها:
وههنا أرجوزتي قد خُتمت في رمضان لثمان قد خلت
وزمن الشروع بعد المنتصف من رجب أعيذها من التلف
وحيث تهدي سبل النجاة أرختها دلائل الخيرات

وقد قرظ عليها علماء عصره واثنوا عليه ثناء بليغا ، وطبعت التقاريض مع المنظومة وحواشيها في أيامه، وكان يدرس فيها في الروضة الحسينية ، وله أرجوزة في الفقه ، شرح على أرجوزة الطباطبائي إلى الطهارة ، وبعضهم يقول إنها تشطير لمنظومة الطبلطبائي ، شرح على إرجوزة الشيخ محمد علي

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 152

ألأعسم في ألأطعمة وألأشربة، ونظم نجاةالعباد بلغة ألأردو ، ومنظومة الوجود والماهية ، ومنظومة في الحكمة.
ـ الشيخ موسى إبن الحاج محمد جعفر بن باقر الكرمنشاهي الحائري، نشأ بكربلاء، ودرس على علماءها وإختص بالميرزا محمد سين اشهرستاني المتوفى سنة 1315 هـ وروى بالإجازة عنه وعن أستاذه ألآخر الميرزا محمد حسين الشهرستاني المذكور ، توفى بحود سنة 1340 ، من تصانيفه: «تحقيق ألأحكام» في الفقه ، غير مكمل، و «مسألة في المنطق» ، و «تقريظ على أخبار ألأوائل»، و «اللقطات» من تقرير بحث أستاذه السيد إسماعيل الصدر.
ـ السيد ميرزا محمد علي بن حسين الشهرستاني، درس في النجف على المولى محمد الأيرواني، والميرزا حبيب ألله الرشتي، ودرس في سامراء على المجدد الشيرازي الميرزا محمد حسن النجفي، ثم رجع بأمر والده إلى كربلاء، حيث إنشغل بالتدريس والتصنيف ، توفى في الحائر الشريف سنة 1344 هـ عن عمر يناهز الرابعة والستين، له خمسون كتابا فرغ من تصنيفها جميعا في سنة 1336 هـ من اهمها : 1 ـ ذخائر ألأحكام في الفقه من باب الطهارة إلى آخر الزكاة 2 ـ التحفة الرضوية في ألإمامة 3 ـ نتيجة الفكر في الولاية على البكر 4 ـ رسالة في مسألة ألأعراض عن المال 5 ـ رسالة في اللباس المشكوك 6 ـ الدر الفريد في العزاء على السبط الشهيد 7 ـ رسالة في ألأرض المفتوحة عنوة 8 ـ هداية المسترشدين في فروع الدين 9 ـ رسالة في الحجة وميراث الزوجة 10 ـ التذكرة في شرح التبصرة 11 ـ الجامع في شرح النافع 12 ـ التبيان في تفسير غرائب القرآن 13 ـ رسالة في قبلة البلدان 14 ـ كشف الحجاب في شرح خلاصة الحساب.

الشيخ أحمد ألإحسائي:

في الحقيقة أن الساحة العلمية الدينية في كربلاء المقدسة ، كانت على الدوام ساحة حرة ومتفتحة أمام ألأفكار وألإتجاهات المختفة والمرتبطة بالعلوم

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 153

العقلية والنقلية ، في ذلك تكمن أصالة طابعها العلمي المتميز.
وطبيعي أن التعامل اللامحدود والمنطلق لابد ان تنشأ عنه تصورات ونظريات ، قد لا تكون مأنوسة أو مقبولة للآخرين ، غير أن ذلك يوجد فرص النقاش والجدل العلميين ، والتي تخدم في النهاية مسيرة العلم والمعرفة ، وإغناء التراث ألإسلامي الزاخر.
ومن هذا المنطلق برزت في حوزة كربلاء شخصيات علمية دينية كانت لهم أفكار وتصورات فلسفية ، أثارت في بعضها جدلا بين العلماء والفقهاء ومن جملة هذه الشخصيات تأتي في الصدارة شخصية الشيخ أحمد ألإحسائي ، بوصفه صاحب طروحات فلسفية كانت ولا تزال مثار بحث وجدل ، وتضارب في الرأي بين العلماء الذين عاصروه ،والذين جاؤوا من بعده حتى يومنا هذا ، خاصة وإن بعض ألأفكار المنسوبةإليه حول عدد من المبادئ العقائدية مثل المعاد الجسماني والمعراج الجسماني والتفويض للأئمة ألأطهار (عليهم السلام) ، خلق معارضة له من قبل عدد من العلماء المجتهدين ألأصوليين الذين وجدوا في هذه ألأفكار ما يتناقض مع رؤيتهم الدينية تجاه مبدأي المعاد الجسماني والمعراج الجسماني ، على وجه الخصوص.
غير أنه من خلال دراسة شخصيته العلمية الدينية ، وفي ضوء أقوال المعجبين أو المنتقدين له ، يمكن القول أنه كان عالما متبحرا ومفكرا متعمقا وضليعا بخلق ألأطر الفلسفية والعقلية لكثير من المبادئ العقائدية ألإسلامية الصرفة ، بحيث أن مؤيديه ومعارضيه يجمعون على القول بعلو منزلته العلمية ، ونزوعه الشديد إلى تزكية النفس ، وتهذيبها وترويضها.
ولد الشيخ أحمد في مدينة ألأحساء سنة 1166 هـ ، غير أن فترة تخضرمه وبروزه العلمي كانت في حوزة كربلاء ،وذلك في أعقاب وفاة المربي العظيم الوحيد البهبهاني ، وقد تروى بالإجازة عن تلميذيه المبرزين ـ تلميذي الوحيد ـ وهما السيد محمد مهدي بحر العلوم ، والشيخ جعفر صاحب

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 154

كتاب «كشف الغطاء» ، كما روى بالإجازةعن المير السيد علي الطباطبائي صاحب «الرياض» ، والسيد محمد مهدي الشهرستاني، والشيخ حسين بن محمد بن احمد بن إبراهيم بن عصفور الدرازي البحراني، وكذا عن عدد من علماء البحرين والقطيف ، مثلما روى عنه بألإجازة الشيخ إبراهيم الكرباسي صاحب كتاب «ألإشارات».
ومن أبرز تلامذته : السيد كاظم الرشتي ، والحاج محمد نجل الشيخ إبراهيم الكرباسي صاحب ألإشارات المذكور آنفا، والشيخ أسد ألله التستري ، وولداه هو وهما : الشيخ محمد تقي والشيخ علي تقي.
وقد ألف ما يزيد على مئة رسالة وكتاب وأهمها : كتاب «شرح الزيارة الجامعة الكبيرة» و «شرح الحكمة العرشية»لملا صدرا و «بيان حقيقة العقل والروح والنفس بمراتبها» و «جواز تقليد غير ألأعلم وبعض مسائل الفقه»و«معنى ألإمكان والعلم والمشيئة وغيرها» و «الرسالة الخامانية في جواب مسألة السلطان فتح علي شاه عن سر أفضلية المهدي على ألأئمة الثمانية عليهم السلام » و «الرسالة الخاقانية في جواب سؤاله عن حقيقة البرزخ والمعاد والتنعم في البرزخ والجنة»و«شرح علم الصناعة والفلسفة وأحوالها» و«شرح أبيات الشيخ علي بن عبدالله بن فارس في علم الصناعة» و«مباحث ألألفاظ في ألأصول» و«تحقيق الجواهر الخمسة وألأربعة عند الحكماء والمتكلمين ،وألأجسام الثلاثة وألأعراض ألأربعة والعشرين ، ومادة الحوادث وبعض مسائل الفقه» و «رسالة في البداء وأحكام اللوحين: لوح المحو وألإثبات واللوح المحفوظ»و«رسالة كيفية السير والسلوك الموصلين إلى درجات القربى والزلفى» و«حديث النفس إلى حضرة القدس في المعارف الخمس» وكتاب «الجنة والنار وشرح حديث خلق الذر والهباء» و«رسالة في أن الشيطان لا يمكن أن يتمثل بصورة ألأنبياء وألأولياء» و «رسالة في أن القرآن أفضل أم الكعبة»و «الرسالة السراجية في الشعلة المرئية من السراج» و«رسالة في معنى : ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى» و«جواب السؤال عن معنى الجسدين والجسمين»

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 155

و«جواب مسائل محمد علي ميرزا عن العصمة والرجعة» و كتب ورسائل أخرى كثيرة ، وكلها تعالج مسائل دينية ومبادئ عقائدية في إطار فلسفي وحكمي متعمق ، وإن نظرة سريعة على عناوين ومضامين هذه الكتب والرسائل تبين لنا أنه كان مولعا ومتفهما بالعلوم الفلسفية والعقلية ، وفي شرحها وتبسيطها ، وربط المبادئ الدينية العقائدية بها ، مما أوجد لنفسه تصورات قد تكون مختلفة في بعضها عن تصورات كثير من العلماء المجتهدين.
وقدأطنب صاحب كتاب «روضات الجنات» في مدح الشيخ أحمد ألأحسائي والثناء عليه والدفاع عن أفكاره ، وأشاد به اكثر من أي واحد من أعاظم العلماء ،إذ قال فيه: لم يعهد في هذه ألأواخر مثله في المعرفة والفهم والمكرمة والحزم وجودة السليقة وحسن الطريقة وصفاء الحقيقة وكثرة المعنوية والعلم بالعربية وألأخلاق السنية والشيم المرضية والحكم العلمية والعملية وحسن التعبير والفصاحة ولطف التقرير والملاحة يرمى عند بعض أهل الظاهر من علمائنا بالإفراط والغلو مع أنه لا شك كان ماهرا في أغلب العلوم ، عارفا بالطب والقراءة والرياضي والنجوم مدعيا لعلم الصنعة (الكيمياء) وألأعداد والطلسمات ونظائرها من ألأمر المكتوم. . . الخ.
وقال في حقه السيد شفيع الموسوي في كتابه «الروضة البهية » الشيخ أحمد بن زين الدين ألأحسائي، كان من أهل الأحساء وتوطن برهة في يزد ثم إنتقل إلى كرمنشاه بطلب من محمد علي الميرزا إبن فتح علي شاه القاجاري، وسمعتُ أنه اعطاه ألف تومان لأداء دينه ونفقة سفره إلى كرمنشاه، وجعل له وظيفة في كل سنة سبعمائة تومان، ثم إنتقل إلى كربلاء وتوطن فيها ، وقام مقامه في كرمنشاه إبنه الشيخ علي ، والشيخ المذكور (ويقصد الشيخ أحمد ألأحسائي) ، وكان ذاكرا متفكرا ، لا يتكلم غالبا إلا في العلم والجواب عن السؤالات العلمية أصولا وفروعا وحديثا ، وكان مشغولا بالتدريس ويدرس

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 156

أصول الكافي وألإستبصار ، لم نر منه إلا الخير.
وذكره الشيخ آغا برزك الطهراني في كتابه الرجالي «الكرام البررة» فقال: و الشيخ أحمد بن الشيخ زين الدين بن إبراهيم بن صقر بن إبراهيم بن داغر بن راشد بن وهيم بن شمروخ آل صقر المطيرفي ألأحسائي ، المنسوبة إليه الفرقة الشيخية ، من مشاهير علماء عصره ، إختلفت أراء العلماء والمؤلفين في المترجم (الشيخ ألأحسائي) ، بعد أن إتفقت على فساد جملة من تلامذته وتبعته، لإنكارهم بعض الضروريات ولسنا ألآن بصدد المناقشة بعد أن تقابل الفريقان في الردود ، فوضح الحق وذهب الباطل جفاءاً ، ولم يبق ما يجب علينا ألإشارة إليه والتنبيه عليه، ترجمه ولده الشيخ عبدالله في رسالة مستقلة ذكرناها في «الذريعة» ـ المجلد الرابع ـ الصفحة 89 ، ملخصها أنه ولد في إمارة ألأحساء «هجر» في قرية يقال لها (مطيرفي) في شهر رجب سنة 1166 هـ ، ونشأ بها وتلقى مبادئ العلوم عن جماعة من الفضلاء ، كالشيخ محمد بن الشيخ محسن ألأحسائي وغيره ، وفي سنة 1186 هـ هاجر إلى العراق ، وهو إبن عشرين سنة ، فورد كربلاء وحضر بها بحث الوحيد البهبهاني ـ ألآغا باقر ـ والسيد الميرزا مهدي الشهرستاني ، والسيد علي الطباطبائي صاحب «الرياض» ، وفي النجف درس على الشيخ جعفر كاشف الغطاء وغيره، ثم حدث طاعون جارف ألجأ الناس إلى مغادرة ألأوطان ، فعاد المترجم إلى بلاده وتزوج بها، وبعد زمن إنتقل بأهله إلى البحرين وسكنها أربع سنين ، وفي سنة 1212 هـ عاد إلى العتبات المقدسة بالعراق ، وبعد الزيارة رجع فسكن البصرة في محلة «حسر العبيد»، على عهد حاكمها (الشيخ علوان بن شاوة) ، وبعد قليل حدثت منافرة بينه وبين الشيخ محمد بن الشيخ مبارك القطيفي ألأحسائي ، فإضطر إلى نزول (الحبارات) من قرى البصرة أيضا ، ثم نزل قرية يقال لها ( التنومة) ، ثم (النسوة) من قرى البصرة أيضا، ثم عرض عليه السيد عبدالمنعم بن شريف الجزائري ، الذي كان من أجلاء تلك ألأطراف ومشاهيرها أن ينزوي في قرية تعود له فحلها في سنة 1219 هـ ، وبقي بها مع أهله سنة كاملة ، وفي سنة 1221 هـ زار النجف مع جمع من

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 157

أصحابه وزار سائر العتبات المشرفة ، ثم عزم على زيارة الرضا (عليه السلام) فمر بيزد فطلب منه أهلها البقاء عندهم ، فإمتنع ووعدهم بإنجاز طلبهم بعد عودته من الزيارة ، وتعرف على السلطان فتح علي شاه القاجاري وحل داره في طهران ، فأعزّه وأكرمه وسأله عن مسائل أجاب عنها برسائل مستقلة ذكرت في تصانيفه ، ثم خيّره في سكنى أي بلادفي إيران فأختار يزدا، ونزلها بأهله وعياله في سنة 1224 هـ وسكنها مدة، ثم إنتقل إلى اصفهان، ثم هبط كرمنشاه زمانا، وفي سنة 1232 هـ ، حج بيت ألله الحرام مع جمع من أصحابه ، ثم عاد إلى النجف وكربلاء والكاظمين وسامراء ثم كرمنشاه موطنه ألأخير وذلك في سنة 1234 هـ ، وبعد مدة توفى محمد علي ميرزا فأضمحلت حكومة كرمنشاه ، فهاجر إلى قزوين ثم طهران ، وشاه عبدالعظيم (مدينة الري) ، ثم خراسان ثم طبس ثم اصفهان ، وبعد كل ذلك عزم على مجاورة المشاهد المشرفة في العراق فقصد كربلاء، وبعد قليل عزم على الحج ثانية ، ولما وصل دمشق مرض وأخذ حاله بالتنازل وتوفى بمنزلة (هدية) قبل وصوله المدينة بثلاث مراحل، وذلك في ألأحد ـ الثاني من شهر ذي القعدة سنة 1241 هـ ، فنقل إلى المدينة ودفن في البقيع ، مقابل بيت ألأحزان . . . الخ.
وبعد وفاة الشيخ أحمد الأحسائي ، تولى تلميذه السيد كاظم الرشتي الحائري المرجعية الدينية لأتباعه ومقلديه ومعجبيه الكثر آنداك، إنطلاقا من موقعه بمدينة كربلاء التي برز وإشتهر فيها هو ألآخر.
وقد جاء ذكر السيد كاظم الرشتي الحائري في العديد من كتب التراجم والسير، فقال عنه الشيخ محمد علي التبريزي في كتابه «ريحانة ألأدب» : السيد كاظم بن قاسم الحسيني الجيلاني الرشتي الحائري ، من علماء أواسط القرن الثالث عشر الهجري ، ومن أكابر تلامذة الشيخ أحمد ألأحسائي ، وبعد وفاة أستاذه المذكور تولى المرجعية في جميع ألأمور الدينية.
وذكره خير الدين الزركلي صاحب كتاب «ألأعلام» وقال عنه بما يلي: كاظم بن قاسم الحسيني الموسوي الرشتي، فاضل إمامي من أهل «رشت»

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 158

بإيران ، سكن الحائر (كربلاء) ، له كتب منها «سائل الرشتي» ، اجاب فيها بعض المسائل و«شرح قصيدة عبدالباقي العمري اللامية » في مدح ألإمام موسى بن جعفر عليه السلام.
وترجمه أحمد عطية الله مؤلف كتاب «القاموس ألإسلامي» ، فقال: كاظم بن قاسم الموسوي الرشتي ، من فقهاء الشيعة ألإمامية ، لقب بالموسوي نسبة إلى ألإمام موسى بن جعفر عليهما السلام ، بيد ان مؤلف كتاب «تراث كربلاء» السيد سلمان هادي الطعمة ، يختلف مع المؤرخ المذكور (احمد عطية الله) في كون السيد كاظم الرشتي موسوي النسب، بل يؤكد على انه حسيني النسب ، أي أنه من أعقاب سيدنا الحسين عليه السلام.
توفى السيد كاظم الرشتي بكربلاء في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة سنة 1259 هـ ، وخلفه نجله ألأكبر السيد أحمد بن السيد كاظم ، فكان يقيم الجماعة في مكان والده بصحن الروضة الحسينية الشريفة ، وقد عرف عنه علمه وأدبه ، حيث له ديوان شعر مخطوط وقد إغتيل في حادثة معروفة في كربلاء سنة 1295 هـ ، كما ان نجله ألآخر السيد حسن بن السيد كاظم الرشتي كان أديبا وكاتبا قديرا ترك مؤلفات من أشهرها ، كتابه المعروف «شواهد الغيب»

حوزة كربلاء على عهد شريف العلماء:

في عهد الرئاسة العامة لشيخ العلماء ومربي المجتهدين ومعلم الفقهاء الفحول المولى محمد شريف بن المولى حسن علي القبيسي المازندراني الحائري ، المعروف بشريف العلماء ، أخذت الحوزة العلمية في كربلاء زخما قويا ،وطاقة إضافية ، نظرا لأن حلقات درسه وأبحاثه وتقريراته الفقهية وألأصولية إجتذبت إلى مدينة كربلاء المئات بل ألآلاف من الفضلاء والطلاب المبتدئين والمنتهين ، إذ كان يحضر تحت منبر درسه ألف من الطلبة فيهم العلماء وألأفاضل، وقد غالى فيه بعض تلامذته ، ومنهم تلميذه «الفاضل الدربندي» حتى فضلوه على المتقدمين والمتأخرين، ووصفه تلميذه السيد

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 159

محمد شفيع بن السيد علي أكبر الموسوي الحسيني العلوي البروجردي ، في إجازته المسماة (الروضة البهية في الطرق الشفيعية) فقال بشأن أساتذته ومشايخه: فمنهم السالك في مسالك التحقيق ، والعارج في مدارج التدقيق ، مقنن القوانين ألأصولية ، مشيد المباني الفرعية ، مفتاح العلوم الشرعية ، مربي العلماء ألإمامية ، مدرس الطالبين جميعا في جوار ثالث ألأئمة ، شيخنا ، وأستاذنا ومربينا ووالدنا الروحاني والعالم الرباني ، محمد شريف إبن ملا حسن علي المازندراني أصلا والحائري سكنا ومدفنا، أصله من آمل مازندران ، والظاهر أن مولده في كربلاء المشرفة وببالي أني سمعته منه ، وعاش فيها أكثر عمره الشريف ، وإشتغل أولا على السيد محمد إبن السيد علي صاحب الرياض ، ثم على والده، وفي مدة تسع سنين صرفها في الفقه وألأصول ، صار مستغنيا عن ألأشتغال وجامعا لشرائط ألإجتهاد . . . الخ .
كان بحق مربيا ومعلما للفقهاء ، مؤسسا لعلم الأصول وجامعا للمعقول والمنقول ، نادرة الدهر وأعجوبة الزمان ، تبوأ مكانة سامية في ميادين العلم والفضيلة وذاع صيته وحفلت حياته بجلائل ألأعمال ونوادر ألأفعال. قرأ اولا على السيد محمد المجاهد ، ثم قرأ على والده السيد علي صاحب «الرياض» في ألأصول والفقه، حتى إستغنى عن ألأستاذ ، ولم يعد ينتفع بدرسه فسافر مع أبيه إلى إيران وساح فيها ، وأقام في كل بلد شهرا أو شهرين فزار مرقد الرضا عليه السلام في مشهد وعاد إلى كربلاء ، وإشتغل بالمباحثة والمطالعة ، وشرع التدريس فاجتمع في درسه الطلاب الفضلاء والعلماء ، بما يربو على ألف طالب وعالم، وإجتذبت دروسه القيمة العلماء ألأجلاء من النجف إلى كربلاء، منهم تلميذه المبرز ، النابغة العالم ، الحجة الشيخ مرتضى ألأنصاري رحمه ألله.
وكان شريف العلماء يلقي درسين في اليوم ، احدهما للمبتدئين وألآخر للمنتهين ، وقلما وجد عالم وأستاذ بارع ، ومقتدر ومتمكن من قواعد علم الأصول مثله ، وقد صرف عمره وأنهك جهده في تربية جيل من العلماء ألأصوليين ، ولهذا كان قليل التأليف ، وإلى جانب ذلك كان أعجوبة في

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 160

الحفظ والضبط ،ودقة النظر وسرعة ألإنتقال في المناظرات والمباحثات الجدلية ، لإلمامه التام بعلم الجدل، وكان يقوم بمهمة التدريس لساعات طويلة في اليوم، وكانت حلقات درسه تعقد بإنتظام في المدرسة العلمية المعروفة بإسم مدرسة السردار حسن خان ، وهي أقدم واكبر مدرسة علمية في كربلاء ، قبل أن تمتد لها يد التخريب بمشروع إيجاد الشارع الدائري حول الحضرة الحسينية الشريفة.
ومن بين العلماء الذين كانوا يحضرون تحت منبر درسه : السيد إبراهيم القزويني صاحب كتاب «الضوابط» والمولى ألآغا الدربندي ، وسعيد العلماء البارفروشي ، والسيد محمد شفيع الجابلاقي ، والمولى إسماعيل اليزدي.
هذا وتوفى الشيخ شريف العلماء المازندراني بداء الطاعون الذي عم البلاد في حينه سنة 1246 ه أو 1245 هـ ، ودفن بداره في كربلاء وقبره مزار للمؤمنين يقع في زقاق «كدا علي » وقريب من قبره أقيمت مدرسة علمية دينية تعرف بإسم «مدرسة شريف العلماء» .
وقد جاء شرح حياته وخدماته العلمية ونشاطاته التدريسية في العديد من كتب السير والتراجم ، مثلما أطنب في مديحه الكثير من علماء الرجال والنسابة.
فقد ترجمه بإسهاب وتفصيل صاحب كتاب «الكرام البررة» ، حيث قال عنه بما يلي : هو الشيخ المولى محمد شريف بن المولى حسن علي ألآملي المازندراني الحائري الشهير بشريف العلماء ، من أعاظم العلماء في عصره،

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 161

كان من رؤساء الدين وسلالة المذهب ، وابطال العلم وعمد الشريعة ، ومن الحجج ألإثبات وشيوخ ألإجتهاد ألأفاضل، تلمذ أولا في كربلاء على السيد محمد المجاهد ، ثم حضر على والده السيد علي صاحب «الرياض» تسع سنين ، وعاد إلى إيران فزار مشهد الرضا (عليه السلام) ، وعاد إلى العراق في أواخر أيام صاحب «الرياض» ، فأشاد أستاذه بذكره وإتجهت أنظار الطلاب والمشتغلين إليه ، وتقاطروا عليه من كل حدب وصوب ، وتهاتفوا عليه مثل تهافت الفراش على النور ، فإشتغل بالتدريس والتربية ، وإتجه إلى المشتغلين بكله ورأف بهم كما يرأف الوالد البار بأولاده، وكان شديد العناية بهم كثير ألإهتمام لهم، حرص على تفهيمهم بأساليب راقية، حتى تخرج من منبر درسه عشرات المجتهدين بل المئات ، وكان يرفع طلابه إلى أوج ألإجتهاد بمدة قصيرة لغزارة علمه وحسن تفهيمه، والمشهور أنه كان لا يفتر عن التدريس والمذاكرة ليلا ونهارا، حتى في شهر رمضان الذي جرت العادة على التعطيل فيه ، ولذلك قل نتاجه العلمي ، ولم يكن له في عالم التأليف ما يتناسب وعظيم مكانته ، كما أنه لم يخرج ما كتبه إلى البياض.
توفى أعلى ألله مقامه في الطاعون الجارف سنة 1246 هـ ، ودفن في داره بكربلاء وقبره مزار معروف ، ومن أعظم تلامذته وأشهرهم الحجج: السيد إبراهيم القزويني صاحب «الضوابط» والشيخ مرتضى ألأنصاري صاحب «الرسائل» والسيد شفيع الجابلاقي صاحب «الروضة البهية» والمولى إسماعيل اليزدي وغيرهم.
وللتدليل على كثافة الحركة العلمية والتدريسية في كربلاء على عهد شريف العلماء المازندراني ، نورد هنا ما ذكره العلامة السيد محسن العاملي صاحب «أعيان الشيعة» ، في ترجمته للشيخ محمد صالح الجوبارئي المازندراني فقال: كان من أجلة علماء عصره وشيوخ العلم ، إشتغل أولا بأصفهان حتى صار من المدرسين بها، ثم هاجر إلى كربلاء وحضر درس شريف العلماء ، حتى صار من أعلام تلامذته ، ولما ورد الشيخ موسى إبن الشيخ جعفر ـ صاحب كشف الغطاء ـ إلى كربلاء لبعض الفتن التي وقعت

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 162

في النجف وشرع في الدرس ، وكذلك أخوه الشيخ علي ، أكب عليهما فضلاء الحائر ، وكان الحائر الشريف (كربلاء) يومئذ محط رحل أهل العلم، فيه ألف فاضل من علماء إيران ، وكانوا يحضرون درس شريف العلماء ، فحضر المترجم درس الشيخين (الشيخ موسى والشيخ علي) ، وكانا يدرسان الفقه لا غير، فإستحسن فقههما ولازم درسهما ، ولم يمكث الشيخ موسى غير ستة أشهر ورجع مع أخيه إلى النجف ، فلما إنقضى المحرم من تلك السنة توفى شريف العلماء ، فورد النجف ألف من طلبة كربلاء ومنهم المترجم ، وسكنوا النجف حبا بمدرسة الشيخ موسى واخيه الشيخ علي ، وبعد أيام توفى الشيخ موسى سنة 1244 هـ ، وإستقل الشيخ علي بالتدريس ، ومنها صارت النجف مرجعا لأهل العلم من إيران ، وقبلها كانت كربلاء مرجعا ولم يكن في النجف طلبة من الفرس . . . الخ.
وهكذا إتجهت ألأنظار إلى النجف ألأشرف ، حيث إنتقل إليها ثقل الحركة التدريسية بعد وفاة شريف العلماء المازندراني ، وفي هذه ألأثناء بدأ نجم العالم المحقق والفقيه المتتبع ، كبير الفقهاء المجتهدين ، الشيخ محمد حسن النجفي صاحب كتاب «الجواهر» ، المتوفى سنة 1266 هـ يلمع ويسطع في سماء العلم والفضيلة ، بهذه المدينة المشرفة «النجف».
فقد إجتذبت حلقة دروسه وأبحاثه القيمة طلاب العلم إلى النجف ، بفضل ما توفر له من تعبيرات بيانية رفيعة وغزارة فيالعلم ، وفكر ثاب ورأي صائب ، فبذل جهدا دؤوبا في مجال التدريس ، وتفرغ كليا للمطالعة والتحقيق ، وسعى إلى تربية رعيل من العماء ألأصوليين والفقهاء المحققين ، وآلت إليه المرجعية الدينية الكبرى عن جدارة وأهلية.
وفي عهد رئاسة هذا العالم والمرجع الكبير ، كانت الشخصية العلمية والدينية الرفيعة للشيخ مرتضىألأنصاري المتوفى سنة 1281 هـ تتصدر مجموعة العلماء الكبار في النجف ، بحيث إنتهت إليه الرئاسة الدينية العامة بعد وفاة الشيخ محمد حسن النجفي مباشرة ، فأصبح المرجع الديني ألأول وكان غاية في التزهد والتنسك ، بعكس سلفه الشيخ محمد حسن النجفي،

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 163

الذي كان متوسعا لحد ما تجملاته، ويقال أن الشيخ ألأنصاري سئل عن ذلك فقال: الشيخ محمد حسن أراد أن يظهر عز الشريعة ، وأنا أردت إظهار زهدها، كما أن الشيخ ألأنصاري كان متشددا للغاية في إجازة احد ، ولذا لا تعرف له إجازة أو شهادة بإجتهاد أحد قط، وذلك بخلاف سلفه الشيخ محمد حسن، الذي كان متساهلا في إجازة تلاميذه بالإجتهاد ، إذ كان يرى أن القضاء يجوز بالوكالة ، ولذلك كثرت وكالته بهذا الخصوص.

حوزة النجف في المرتبة الأولى:

في عهد الزعامة المطلقة للحجة العظمى ، الفقيه الثقة والعالم الزاهد ، الشيخ مرتضى ألأنصاري ، أصبحت حوزة كربلاء تابعة فكريا لحوزة النجف ، التي تألقت وإزدهرت بدرجات أعلى في عهد هذا العالم الصمداني ، الذي إشتهر أمره في ألآفاق ، وجرى ذكره على المنابر ، على وضع لم يتفق قبله لغيره، وكان مرجعا للشيعة قاطبة في دينهم ودنياهم، وإليه يعود الفضل في تكوين النهضة العلمية ألأخيرة في النجف ، وتخرج من مدرسته التجديدية أكثر فحول الفقهاء من بعده ، امثال الميرزا الشيرازي الكبير (السيد محمد حسن) ، الميرزا حبيب ألله الرشتي ، والسيد حسين الترك ،والشربياني والمامقاني والميرزا أبو القاسم الكلانتري صاحب كتاب «الهداية» ، وإنتشر تلاميذه هنا وهناك ،وذاعت آثاره في ألآفاق وكان من الحفاظ ، جمع بين قوة الذاكرة وقوة الفكر والذهن ، وصواب الرأي ، وكان حاضر الجواب ، لا يعييه حل مشكلة ولا جواب مسألة ، وعاش مع ذلك عيشة الفقراء المعدمين ، وكان لا يباريه احد في التقى وكثرة الصلوات ، وغزارة العلم أصولا وفروعا ، وحسن ألخلاق، له كتب في ألأصول والفقه ، اصبحت فيما بعده مصادر ومراجع للفقهاء والعلماء.
إذن نرى أن الحركة العلمية التجديدية الواسعة النطاق التي كانت قد إبتدأت من حوزة كربلاء بفضل الوحيد البهبهاني ، تلقت دفعا قويا آخر على يد الشيخ ألأنصاري في النجف ، إذ بفضل نشاطه التدريسي وعطاءه الفكري تجدد الفقه واصوله تجددهما ألأخير ، فقد أوجد مدرسة فقهية دقيقة

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 164

المضامين ، لا تزال تفرض نفسها على الحوزات العلمية القائمة حاليا في العالم الشيعي، عبر كتابيه الرائدين وهما : كتاب «المكاسب» ، وكتاب «الرسائل» ، اللذان يدرسهما كل طالب علم جاد ولا يستغني عنهما الفقهاء والمجتهدون ، إلى جانب تقريراته وتحقيقاته المدونة التي لا تزال تشكل العمود الفقري في الحركة التدريسية بالحوزات العلمية الناشطة في عصرنا الحاضر.
وعلى كل حال فقد كان الشيخ ألأنصاري صاحب ملكة ربانية ومكرمة إلهية تجلت بنور العلم الذي قذفه ألله في قلبه فجعله منذ صغره وصباه ، شغوفا بالعلم ومندفعا لتحصيله ، بشكل لا أرادي ، فقد تقدم في مدارج العلم والفضيلة والورع والنسك والتقوى حتى اصبح عالما زاهدا ذا مكرمات وفضائل بما يجعله في مرتبة ألأولياء الصالحين.
وحينما كان صبيا حان وقت مغادرته لمسقط رأسه مدينة دزفول في جنوب إيران متوجها إلى العراق لتحصيل العلوم الدينية في المشاهد المشرفة ، كانت أمه وجلة وخائفة على مصيره فحاولت في البداية منعه من السفر ، وحار ألأقارب فيما يفعلون ، ولكن تقرر بألأخير أن يقنعوها بالرجوع إلى المصحف الشريف ، وأخذ الخيرة والمشورة من كلام ألله العظيم الصفحة ألأولى المفتوحة منه« ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين» .
وبوجود شخصية دينية وعلمية وربانية بهذا المستوى الرفيع وهذه المكانة الفريدة من نوعها ، توفر لحوزة النجف جاذب قوي جدا، جعل منها العاصمة العلمية ألأولى للشيعة في العالم ، وحينما توفى رحمه ألله ، كانت في النجف صفوة من كبار العلماء المجتهدين الذين تربوا عليه وتتلمذوا لديه، والذين كانوا من الكفاءة وألأهلية والمقدرة العلمية ما يجعلهم قادرين على شغل الفراغ الكبير ، الذي أوجده موت الشيخ ألأنصاري (رحمة ألله عليه).

السابق السابق الفهرس التالي التالي