الأطهار عليهم السلام إلى أساليب النياحة حينما وجدوا أن أحاسيس الناس تشاركهم متى ما أظهروا مصائبهم .
فالإمام زين العابدين عليه السلام طلب من الطرماح بن عدي أن يتقدم الركب الحسيني المفجوع عند دخوله المدينة ، وينعى الحسين عليه السلام ، مما حدى بالناس إلى الاجتماع واستقبال الإمام عليه السلام وعائلته بشكل يتناسب وعظم المصاب ، بل وإدانة النظام كذلك ، فكانت محاولة ناجحة للاحتجاج على السلطة بشكل لم يبق لاعتذار أزلامها في الإقدام على قتل سيد الشهداء عليه السلام مجال .
وهكذا كان الإمام محمد بن علي الباقر عليهما السلام يخصص مبلغا في كل عام للنياحة عليه عليه السلام في منى إمعانا في إظهار مظلوميتهم ، وإشارة إلى ما بلغه النظام من تنكيل وتقتيل لأهل هذا البيت العلوي الطاهر ، حتى انه عليه السلام أوصى بندبه عشر سنين في منى ، وهو موضع اجتماع الحجيج ؛ ليتسنى للمسلمين معرفة ماجرى على أهل هذا البيت عليهم السلام من ظلم واضطهاد .
وهكذا كان الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام يقيم مجالس النياحة على جده الحسين عليه السلام حينما ينشده السيّد الحميري ويأمر أهله بالجلوس .
والإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام كان يأمر عياله بالاستماع إلى مراثي الإمام الحسين عليه السلام عندما ينشدها دعبل الخزاعي ، فيبكون ويأمرون شيعتهم بذلك .
هذا هو ديدن الأئمة الأطهار عليهم السلام ، يتحرون مواضع الندبة والبكاء على فجائعهم ، وليمعنوا في بيان مظلوميتهم ، لذا فإن السيدة « آمنة » سكينة بنت الحسين عليهما السلام كانت تستشعر هذا الإحساس ، وقد حرصت على إبراز ما تكنه
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة
88
نفوسهم الطاهرة من أحزان وآلام ، وهي لا تزال تعايش مصائب الطف ، وقتل إخوتها وأبيها بشكل مروع ، وتسييرهم أسارى من بلد إلى بلد ، وشعور الحزن والألم يتفاقم وهم لا يزالون مهضومي الحق ، مدفوعين عن مقامهم ، لذا فإنها عليهما السلام قريبة عهد بفجائع الطف ، والمناسب أن تتحرى ما يخفف من أحزانها ، ويعزز من موقف أهلها الميامين ببيان ما جرى عليهم ، والرواية التالية تؤكد هذا المنحى والاتجاه :
قال أبو الفرج الاصفهاني : إن سكينة بعثت إلى ابن سريج بمملوك لها يقال له : عبدالملك ، وأمرته أن يعلمه النياحة . فلم يزل يعلمه مدة طويلة ، ثم توفي عمها أبوالقاسم محمد بن الحنفية ، وكان ابن سريج عليلا بعلة صعبة ، فلم يقدر على النياحة ، فقال لها عبدها عبدالملك : أنا أنوح لك نوحا أنسيك نوح ابن سريج ، فقالت: أو تحسن ذاك ؟ قال : نعم ، فأمرته فكان في الغاية (1) .
هذه الرواية إذا ما قارناها بخبر غناء ابن سريج للسيدة « آمنة » سكينة ، وجدنا أن مصعب الزبيري قد افتعل الخبر ونسجه على منوال نياحة ابن سريج ، فاستبدل الزبيري مفردات هذه الرواية بوضع خبر الغناء هكذا :
1 ـ استبدال النياحة بالغناء .
2 ـ استبدال عبارة « أن سكينة بعثت إلى ابن سريج بمملوك لها يقال له : عبدالملك ، وأمرته أن يعلمه النياحة » بعبارة خبر أشعب كالآتي :
قالت لأشعب : ويلك أن ابن سريج شاخص ! وقد دخل المدينة منذ حول ولم أسمع غناءه .
3 ـ استبدال اسم عبدالملك وهو مملوكها باسم « أشعب » الخليع
(1) الأغاني 1 : 249 و 250 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة
89
الماجن ، مدعيا الخبر ملازمته للسيدة سكينة ؛ لمضاحكتها ومؤانستها على غرار ما كان يفعله مع خلفاء بني أمية وآل الزبير ، فقد عرف« أشعب » بولائه لآل الزبير ، وهو ابن حميدة سيئة السمعة والصيت ، فقد كانت مولاة لأسماء بنت أبي بكر زوجة الزبير ، ولها تاريخها الأسود بما ذكر عنها بأنها : كانت تدخل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتحرش بينهن ، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتعزيرها ، وقيل : دعا عليها فماتت (1) .
وقال ابن حجر في لسان الميزان : كانت تنقل كلام أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعضهن إلى بعض فتلقي بينهن الشر ، فدعا عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فماتت (2) .
هذا هو أشعب الذي تربى في بيوت الزبيريين ، ونقل عنه ملاحم العبث معهم ما شهدت به مطولات التاريخ ، فمتى أتيح له أن يكون مع سكينة بنت الحسين لا يفارقها ، وهو حليف عدو الهاشميين الألداء آل الزبير ، الذين عرفوا بمنافستهم لآل علي عليه السلام وعدائهم وبغضهم لهم ، وهو أمر لا يستقيم مع ماذكر من مرافقته للسيدة سكينة ، وفي الوقت نفسه فهو مولى لآل الزبير ؟!
على أن مرافقة أشعب للسيدة سكينة « آمنة » ـ كما نقله الخبر ـ يتعارض مع القيم الإسلامية والأخلاقية التي عرف بها آل علي ، من ورع وقداسة وتقوى تأبى معها مخالطة الرجال الأجانب والاجتماع بهم ومؤانستهم .
وبهذا تنكشف جليا محاولات الوضع والتزوير على السيدة سكينة ،
(1) الإصابة في تمييز الصحابة 4 : 275 .
(2) لسان الميزان 1 : 507 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة
90
وما بذله أعداء آل البيت عليهم السلام من محاولات انتقاص هذا البيت الطاهر ، ودفع ما عرف به أعداؤهم من العبث والخلاعة ، وإلصاقها بهم ، ونسج مغامرات اللهو على منوال ما عرف به أعداء أهل البيت وشانئيهم .
محاولات وضع وتزوير أُخر
لم يكتف آل الزبير وأتباعهم في اختلاق القصص ووضعها ، بل أنهم حاولوا ابتداع أسلوب آخر من تزوير الحقائق ، حيث جعلوا بعض الأسماء الصريحة المعروفة بالخلاعة والعبث وادعوا أنها هي سكينة بنت الحسين ، وهو أمر يثير الاستغراب حقا ، فالأسماء الحقيقية لهذه الوقائع شخصيات أثبتها المؤرخون في مواقع عدة والأشخاص معروفين ، في حين تأتي الروايات الزبيرية فتلصقها بالسيدة سكينة بنت الحسين ظلما وعدوانا ، ونماذج من هذا الخرق الذي ارتكبه الزبيريون تبينه الأخبار التالية :
1 ـ روى ابن عبد ربه الأندلسي أن الأحوص قال يوما لمعبد: إمض بنا إلى عقيلة حتى نتحدث إليها ونسمع من غنائها وغناء جواريها ، فمضيا فألفيا على بابها معاذا الأنصاري وابن صياد ، فاستأذنوا عليها فأذنت لهم إلا الأحوص ، فإنها قالت: نحن على الأحوص غضاب ، فانصرف الأحوص وهو يلوم أصحابه على استبدادهم بها وقال :
ضنت عقـيلة عنك اليـوم بالـزاد
وآثرت حاجة الثـاوي على الغادي(1)
قال ابن عبد ربه في موضع آخر : إن عقيلة هذه هي جارية أبي موسى الأشعري ، وذكر قصتها منفردة .
(1) العقد الفريد 7 : 22 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة
91
إلا أن الإصفهاني لسذاجته نسب عقيلة هذه إلى أنها من ولد عقيل بن أبي طالب ، فقال : وللأحوص مع عقيلة هذه أخبار قد ذكرت في مواضع أخر ، وعقيلة امرأة من ولد عقيل بن أبي طالب (1) .
وأكذوبة الإصفهاني على أنها من ولد عقيل لم تكف آل الزبير ، حتى أمعنوا في التحريف فجعلوا عقيلة هذه هي سكينة بنت الحسين عليهما السلام .
قال الإصفهاني في نفس الموضع: وقد ذكر الزبير ، عن ابن بنت الماجشون ، عن خاله أن عقيلة هذه هي سكينة بنت الحسين كنى عنها بعقيلة (2) .
هكذا أمعن الزبيريون في تزوير الحقائق ، واتهام السيدة سكينة بأمور تتنافى وأبسط القيم الإسلامية ، ووسموها بأقبح الصفات من البذخ واللهو والعبث ، ولم يكتفوا حتى قرنوها بالأحوص الذي قال عنه الإصفهاني بأنه : كان قليل المروءة والدين ، هجاء للناس ، مأبونا فيما يروى عنه (3) .
2 ـ قال أبو الفرج الاصفهاني : كانت سعدى بنت عبدالرحمن بن عوف جالسة في المسجد الحرام ، فرأت عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت ، فأرسلت إليه : إذا فرغت من طوافك فأتنا . فأتاها ، فقالت: لا أراك يابن ربيعة إلا سادرا في حرم الله ، أما تخاف الله ؟ ويحك إلى متى هذا السفه ؟! قال : أي هذه ، دعي عنك هذا من القول ، أما سمعت ماقلت فيك ؟ قالت:لا ، فما قلت ؟ فأنشدها قوله :
قالت سعيدة والدموع ذوارف
منها على الخــدين والجـلباب
(1) الأغاني 4 : 258 .
(2) المصدر السابق .
(3) المصدر السابق : 231 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة
92
إلى آخر الأبيات (1) .
هذا ما ذكره الإصفهاني من الخبر وقصة الأبيات ، إلا أن المحرفين لم يرقهم ذلك فحرفوه ، وجعلوه على ألسنة المغنين بلفظ« سكينة » بدل « سعيدة » وقد اعترف الإصفهاني بهذه المشكلة فقال :
وهذا الشعر تغني فيه :
قالت « سكينة » والدموع ذوارف ... .
وفي موضع :
« أسعيد » ما ماء الفرات وبرده ... .
« أسُكين » ، وإنما غيره المغنون ، ولفظ عمر ما ذكر فيه في الخبر (2) . أي الخبر المتقدم .
3 ـ روى أبو علي القالي في أماليه قول عمر بن أبي ربيعة هكذا :
جددي الوصل يا قريب وجودي
لمـحب فـراقـه قـد ألما(3)
فأبدلوا لفظة« قريب » بلفظ« سكين » أي ترخيم سكينة .
4 ـ روى ابن قتيبة في المعارف : إن عائشة بنت طلحة تزوجها مصعب بن الزبير فأعطاها ألف ألف درهم ، فقال أنس بن زنيم الديلي لأخيه [ عبدالله بن الزبير] :
أبـلغ أمـير المـؤمنين رسـالة
من ناصح لك لا يريد خـداعـا
بـضع الفـتاة بألف ألف كـامل
وتبيت سـادات الجـيوش جياعا
(1) الأغاني 16 : 12 . وقد مر الحديث حول القصة والأبيات ، فراجع صفحة : 49 ـ 52 و74 .
(2) المصدر السابق : 162 .
(3) أمالي أبو علي القالي 2 : 305 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة
93
لو لأبي حـفص أقـول مـقالتي
وأقص شأن حديثهم لا رتاعا(1)
إلا أن الإصفهاني رواها عن مصعب ، عن محمد بن يحيى هكذا :
ولما تزوج مصعب سكينة على ألف ألف ، كتب عبدالله بن همام على يد أبي السلاس إلى عبدالله بن الزبير :
أبـلــغ أمـير المـؤمنين رسـالة
من ناصـح لك لا يريد خـداعا
بـضــع الفـتاة بألف ألف كـامل
وتبيت سـادات الجيوش جياعا
لو لأبـي حـفص أقـول مـقالـتي
وأقص شأن حديثهم لا رتاعا(2)
هذا هو دأب الوضاع ، يقلبون الحقائق ، ويحرفون الكلم ، طعنا منهم في مخالفيهم أو مخالفي أسيادهم ، ويجهدون في دفع كل قبيح عنهم ، ليوصمون به مخالفيهم ، كما فعل من قبل معاوية بن أبي سفيان في الطعن على علي عليه السلام ، ظنا منه إطفاء نوره ، ويأبي الله إلا أن يتم نوره .
(1) كشف البصر عن زواج أم كلثوم من عمر للمؤلف ، يستعرض روايات الفريقين وعدم دلالة الجميع على واقعة الزواج ، فراجع .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة
99
وسيكون ترتيب هذه القائمة الموحدة هكذا :
1 ـ مصعب بن الزبير ، حسب رواية الإصفهاني وابن سعد وابن خلكان وسبط ابن الجوزي .
2 ـ عبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حكيم بن حزام ، حسب رواية الإصفهاني وابن سعد وابن خلكان وابن الجوزي .
3 ـ الأصبغ بن عبدالعزيز بن مروان ، كما في رواية ابن سعد ، أما الإصفهاني وابن خلكان وسبط ابن الجوزي فقالوا : لم يدخل بها .
4 ـ زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان ، فهو برواية الإصفهاني وابن سعد وابن خلكان ، أما سبط ابن الجوزي فلم يذكره .
5 ـ إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، لم يذكره غير الإصفهاني وابن سعد ، واتفقا أنه لم يدخل بها ، ولم يذكره ابن خلكان وسبط ابن الجوزي .
6 ـ أما عبدالله بن الحسن بن علي ، فهو حسب رواية الإصفهاني فقط .
وبذلك فقد اشتملت القائمة الموحدة على مصعب بن الزبير وعبدالله ابن عثمان ، وهما الاسمان المشتركان في القوائم الأربع . وسيتم مناقشة هذين الاسمين بشيء من التفصيل ؛ ليمكننا تحديد الواقع من أحاديث الزواج هذه . ثم نأتي على بقية الأسماء ، كل بما يقتضيه البحث .
أولا : مصعب بن الزبير
ليتسنى لنا صحة دعاوى زواج مصعب بن الزبير من السيدة « آمنة » سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، علينا أن نلقي نظرة سريعة على الخط الزبيري منذ نشوئه ، للحصول على رؤية واقعية عن توجهات هذا البيت الزبيري وأتباعه . وهل بالإمكان سيتم ثمة تقارب بين الزبيريين المعروفين
فخرج عليه الزبير مصلتا بالسيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه(1) .
هذه الصورة تعطينا تصورا عن موقف الزبير إبان بيعة الشيخين .
ويبقى الزبير معارضا ملتزما جانب الرفض لنظام الشيخين ، إلا أن ذلك لا يكون بالضرورة موقفا مناصرا للإمام علي عليه السلام ، حيث لم توقفنا النصوص التاريخية على مواقف النصرة للإمام بقدر ما كان معارضا معاندا ، لا يرى أهلية لشيخي تيم وعدي أن يتقدما على ابن صفية الذي عرف بأنه ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فضلا عن مواصفات الخلافة ؟! هذا ولم يكن للزبير إبان عهد الشيخين أية ميزات اجتماعية ، فضلا عن إلغاء دوره السياسي كذلك .
لذا فإن عهد عثمان بن عفان يعد متنفسا لتوجهات الزبير الاجتماعية ، فبنى القصور واقتنى الأموال كما ذكر المسعودي فقال : وفي أيام عثمان اقتنى جماعة من الصحابة الضياع والدور منهم الزبير بن العوام ، بنى داره بالبصرة وهي المعروفة ... وبلغ مال الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار ، وخلف الزبير ألف فرس وألف عبد وأمة ... (2) .
أي سيجد الزبير حينئذ متنفسا يستطيع من خلاله أن يمارس دوره الاجتماعي باقتنائه الأموال والقصور ، إلا أنه يبقى محبوسا سياسيا ، أي لا يزال ملغى الدور السياسي الذي يطمح أن يصل إليه الزبير بعد إشباعه ماليا ، وسيكون دوره الاجتماعي منقوصا ما لم يكمله بحضوره السياسي في
(1) تاريخ الطبري 2 : 443 .
(2) مروج الذهب 2 : 350 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة
102
الأحداث العامة ، ولم يجد الزبير أفضل من فرصة يوم الدار ، يوم محاصرة عثمان تأليب الثوار عليه ، منضما بذلك إلى الحركة الثورية التي قررت إيقاف انتهاكات عثمان الدينية والاجتماعية وحتى السياسية ، فرأى الزبير أن مناورة الانضمام إلى الثوار ستعطيه فرصة سياسية ناجحة ، يستغلها من أجل تثبيت موطئ قدم له . وكان حليفه طلحة كذلك ، وكان طلحة شديدا على عثمان حتى قال عثمان : اللهم اكفني طلحة بن عبيدالله فإنه حمل عليّ هؤلاء وألبهم ، والله إني لأرجو أن يكون منها صفرا ، وأن يسفك دمه ...(1) .
كتاب طلحة والزبير في تحريض المسلمين على قتل عثمان
بل كان الزبير يعمل على قتل عثمان ، ولعل في ذلك أمنيته في انحياز الأمر إليه ، وهو ما كشفه الأشتر حين قرأ كتابه وكتاب طلحة في التحريض على قتل عثمان ، قال ابن قتيبة الدينوري : إن الأشتر قال لطلحة والزبير بعدما تظاهرا بعدم الرضا عن قتل عثمان ، وبعثوا إلى الأشتر في الكف عن محاصرته قال : تبعثون إلينا وجاءنا رسولكم بكتابكم وهاهو ذا ، فأخرج كتابا فيه : « بسم الله الرحمن الرحيم ، من المهاجرين الأولين وبقية الشورى ، إلى من بمصر من الصحابة والتابعين ، أما بعد: أن تعالوا إلينا وتداركوا خلافة رسول الله قبل أن يسلبها أهلها ، فإن كتاب الله قد بدل ، وسنة رسول الله قد غيرت ، وأحكام الخليفتين قد بدلت . فننشد الله من قرأ كتابنا من بقية أصحاب رسول الله والتابعين بإحسان إلا أقبل إلينا ، وأخذ الحق لنا وأعطاناه ، فأقبلوا إلينا إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ، وأقيموا الحق على المنهاج الواضح الذي فارقتم عليه نبيكم ، وفارقكم عليه الخلفاء . غلبنا على حقنا
(1) تاريخ الطبري 3 : 411 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة
103
واستولي على فيئنا ، وحيل بيننا وبين أمرنا ، وكانت الخلافة بعد نبينا خلافة نبوة ورحمة ، وهي اليوم ملك عضوض ، من غلب على شيء أكله » . أليس هذا كتابكم إلينا ؟ فبكى طلحة ، فقال الأشتر : لما حضرنا أقبلتم تعصرون أعينكم ، والله لا نفارقه حتى نقتله ...(1) .
فكان الزبير ممن يحث الناس على قتل عثمان ، بل خاذلا له مؤلبا عليه ، خارجا عن المدينة حتى لا يشهد قتله ويطالب بنصرته .
قال ابن الأثير في كامله : إن الزبير خرج من المدينة قبل أن يقتل عثمان ... (2) أي أيام حصاره في الدار .
وهكذا حصل الزبير على مكسبه السياسي بعد قتل عثمان ، وتحول الأمر إلى علي عليه السلام ظنا منه أن الفرص السياسية قد سنحت له بعد أن قاد معارضته السياسية ضد نظام نقم عليه المسلمون ، وحسب أن سيكون له موطئ قدم في العهد الجديد حينئذ .
قال اليعقوبي في تاريخه : وأتى عليا طلحة والزبير فقالا : إنه قد نالتنا بعد رسول الله جفوة فأشركنا في أمرك ، فقال : أنتما شريكاي في القوة والاستقامة وعوناي على العجز والأود(3) .
ومعنى ذلك أن عليا عليه السلام لم يشركهما في الأمر ، فسارا إلى البصرة يطالبان بدم عثمان ومعهما عائشة وهم من خلال ذلك يطمحون للوصول إلى مآربهم السياسية ، فكانت وقعة الجمل التي ذهب ضحيتها آلاف المسلمين ولقي طلحة والزبير حتفهما في مغامرة سياسية فاشلة ، ولعبة لم
(1) الامامة والسياسية 1 : 34 .
(2) الكامل في التاريخ 3 : 87 .
(3) تاريخ اليعقوبي 2 : 77 .