آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 87

الأطهار عليهم السلام إلى أساليب النياحة حينما وجدوا أن أحاسيس الناس تشاركهم متى ما أظهروا مصائبهم .
فالإمام زين العابدين عليه السلام طلب من الطرماح بن عدي أن يتقدم الركب الحسيني المفجوع عند دخوله المدينة ، وينعى الحسين عليه السلام ، مما حدى بالناس إلى الاجتماع واستقبال الإمام عليه السلام وعائلته بشكل يتناسب وعظم المصاب ، بل وإدانة النظام كذلك ، فكانت محاولة ناجحة للاحتجاج على السلطة بشكل لم يبق لاعتذار أزلامها في الإقدام على قتل سيد الشهداء عليه السلام مجال .
وهكذا كان الإمام محمد بن علي الباقر عليهما السلام يخصص مبلغا في كل عام للنياحة عليه عليه السلام في منى إمعانا في إظهار مظلوميتهم ، وإشارة إلى ما بلغه النظام من تنكيل وتقتيل لأهل هذا البيت العلوي الطاهر ، حتى انه عليه السلام أوصى بندبه عشر سنين في منى ، وهو موضع اجتماع الحجيج ؛ ليتسنى للمسلمين معرفة ماجرى على أهل هذا البيت عليهم السلام من ظلم واضطهاد .
وهكذا كان الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام يقيم مجالس النياحة على جده الحسين عليه السلام حينما ينشده السيّد الحميري ويأمر أهله بالجلوس .
والإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام كان يأمر عياله بالاستماع إلى مراثي الإمام الحسين عليه السلام عندما ينشدها دعبل الخزاعي ، فيبكون ويأمرون شيعتهم بذلك .
هذا هو ديدن الأئمة الأطهار عليهم السلام ، يتحرون مواضع الندبة والبكاء على فجائعهم ، وليمعنوا في بيان مظلوميتهم ، لذا فإن السيدة « آمنة » سكينة بنت الحسين عليهما السلام كانت تستشعر هذا الإحساس ، وقد حرصت على إبراز ما تكنه

آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 88

نفوسهم الطاهرة من أحزان وآلام ، وهي لا تزال تعايش مصائب الطف ، وقتل إخوتها وأبيها بشكل مروع ، وتسييرهم أسارى من بلد إلى بلد ، وشعور الحزن والألم يتفاقم وهم لا يزالون مهضومي الحق ، مدفوعين عن مقامهم ، لذا فإنها عليهما السلام قريبة عهد بفجائع الطف ، والمناسب أن تتحرى ما يخفف من أحزانها ، ويعزز من موقف أهلها الميامين ببيان ما جرى عليهم ، والرواية التالية تؤكد هذا المنحى والاتجاه :
قال أبو الفرج الاصفهاني : إن سكينة بعثت إلى ابن سريج بمملوك لها يقال له : عبدالملك ، وأمرته أن يعلمه النياحة . فلم يزل يعلمه مدة طويلة ، ثم توفي عمها أبوالقاسم محمد بن الحنفية ، وكان ابن سريج عليلا بعلة صعبة ، فلم يقدر على النياحة ، فقال لها عبدها عبدالملك : أنا أنوح لك نوحا أنسيك نوح ابن سريج ، فقالت: أو تحسن ذاك ؟ قال : نعم ، فأمرته فكان في الغاية (1) .
هذه الرواية إذا ما قارناها بخبر غناء ابن سريج للسيدة « آمنة » سكينة ، وجدنا أن مصعب الزبيري قد افتعل الخبر ونسجه على منوال نياحة ابن سريج ، فاستبدل الزبيري مفردات هذه الرواية بوضع خبر الغناء هكذا :
1 ـ استبدال النياحة بالغناء .
2 ـ استبدال عبارة « أن سكينة بعثت إلى ابن سريج بمملوك لها يقال له : عبدالملك ، وأمرته أن يعلمه النياحة » بعبارة خبر أشعب كالآتي :
قالت لأشعب : ويلك أن ابن سريج شاخص ! وقد دخل المدينة منذ حول ولم أسمع غناءه .
3 ـ استبدال اسم عبدالملك وهو مملوكها باسم « أشعب » الخليع

(1) الأغاني 1 : 249 و 250 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 89

الماجن ، مدعيا الخبر ملازمته للسيدة سكينة ؛ لمضاحكتها ومؤانستها على غرار ما كان يفعله مع خلفاء بني أمية وآل الزبير ، فقد عرف« أشعب » بولائه لآل الزبير ، وهو ابن حميدة سيئة السمعة والصيت ، فقد كانت مولاة لأسماء بنت أبي بكر زوجة الزبير ، ولها تاريخها الأسود بما ذكر عنها بأنها : كانت تدخل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتحرش بينهن ، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتعزيرها ، وقيل : دعا عليها فماتت (1) .
وقال ابن حجر في لسان الميزان : كانت تنقل كلام أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعضهن إلى بعض فتلقي بينهن الشر ، فدعا عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فماتت (2) .
هذا هو أشعب الذي تربى في بيوت الزبيريين ، ونقل عنه ملاحم العبث معهم ما شهدت به مطولات التاريخ ، فمتى أتيح له أن يكون مع سكينة بنت الحسين لا يفارقها ، وهو حليف عدو الهاشميين الألداء آل الزبير ، الذين عرفوا بمنافستهم لآل علي عليه السلام وعدائهم وبغضهم لهم ، وهو أمر لا يستقيم مع ماذكر من مرافقته للسيدة سكينة ، وفي الوقت نفسه فهو مولى لآل الزبير ؟!
على أن مرافقة أشعب للسيدة سكينة « آمنة » ـ كما نقله الخبر ـ يتعارض مع القيم الإسلامية والأخلاقية التي عرف بها آل علي ، من ورع وقداسة وتقوى تأبى معها مخالطة الرجال الأجانب والاجتماع بهم ومؤانستهم .
وبهذا تنكشف جليا محاولات الوضع والتزوير على السيدة سكينة ،

(1) الإصابة في تمييز الصحابة 4 : 275 .
(2) لسان الميزان 1 : 507 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 90

وما بذله أعداء آل البيت عليهم السلام من محاولات انتقاص هذا البيت الطاهر ، ودفع ما عرف به أعداؤهم من العبث والخلاعة ، وإلصاقها بهم ، ونسج مغامرات اللهو على منوال ما عرف به أعداء أهل البيت وشانئيهم .

محاولات وضع وتزوير أُخر

لم يكتف آل الزبير وأتباعهم في اختلاق القصص ووضعها ، بل أنهم حاولوا ابتداع أسلوب آخر من تزوير الحقائق ، حيث جعلوا بعض الأسماء الصريحة المعروفة بالخلاعة والعبث وادعوا أنها هي سكينة بنت الحسين ، وهو أمر يثير الاستغراب حقا ، فالأسماء الحقيقية لهذه الوقائع شخصيات أثبتها المؤرخون في مواقع عدة والأشخاص معروفين ، في حين تأتي الروايات الزبيرية فتلصقها بالسيدة سكينة بنت الحسين ظلما وعدوانا ، ونماذج من هذا الخرق الذي ارتكبه الزبيريون تبينه الأخبار التالية :
1 ـ روى ابن عبد ربه الأندلسي أن الأحوص قال يوما لمعبد: إمض بنا إلى عقيلة حتى نتحدث إليها ونسمع من غنائها وغناء جواريها ، فمضيا فألفيا على بابها معاذا الأنصاري وابن صياد ، فاستأذنوا عليها فأذنت لهم إلا الأحوص ، فإنها قالت: نحن على الأحوص غضاب ، فانصرف الأحوص وهو يلوم أصحابه على استبدادهم بها وقال :
ضنت عقـيلة عنك اليـوم بالـزاد وآثرت حاجة الثـاوي على الغادي(1)

قال ابن عبد ربه في موضع آخر : إن عقيلة هذه هي جارية أبي موسى الأشعري ، وذكر قصتها منفردة .

(1) العقد الفريد 7 : 22 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 91

إلا أن الإصفهاني لسذاجته نسب عقيلة هذه إلى أنها من ولد عقيل بن أبي طالب ، فقال : وللأحوص مع عقيلة هذه أخبار قد ذكرت في مواضع أخر ، وعقيلة امرأة من ولد عقيل بن أبي طالب (1) .
وأكذوبة الإصفهاني على أنها من ولد عقيل لم تكف آل الزبير ، حتى أمعنوا في التحريف فجعلوا عقيلة هذه هي سكينة بنت الحسين عليهما السلام .
قال الإصفهاني في نفس الموضع: وقد ذكر الزبير ، عن ابن بنت الماجشون ، عن خاله أن عقيلة هذه هي سكينة بنت الحسين كنى عنها بعقيلة (2) .
هكذا أمعن الزبيريون في تزوير الحقائق ، واتهام السيدة سكينة بأمور تتنافى وأبسط القيم الإسلامية ، ووسموها بأقبح الصفات من البذخ واللهو والعبث ، ولم يكتفوا حتى قرنوها بالأحوص الذي قال عنه الإصفهاني بأنه : كان قليل المروءة والدين ، هجاء للناس ، مأبونا فيما يروى عنه (3) .
2 ـ قال أبو الفرج الاصفهاني : كانت سعدى بنت عبدالرحمن بن عوف جالسة في المسجد الحرام ، فرأت عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت ، فأرسلت إليه : إذا فرغت من طوافك فأتنا . فأتاها ، فقالت: لا أراك يابن ربيعة إلا سادرا في حرم الله ، أما تخاف الله ؟ ويحك إلى متى هذا السفه ؟! قال : أي هذه ، دعي عنك هذا من القول ، أما سمعت ماقلت فيك ؟ قالت:لا ، فما قلت ؟ فأنشدها قوله :
قالت سعيدة والدموع ذوارف منها على الخــدين والجـلباب


(1) الأغاني 4 : 258 .
(2) المصدر السابق .
(3) المصدر السابق : 231 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 92

إلى آخر الأبيات (1) .
هذا ما ذكره الإصفهاني من الخبر وقصة الأبيات ، إلا أن المحرفين لم يرقهم ذلك فحرفوه ، وجعلوه على ألسنة المغنين بلفظ« سكينة » بدل « سعيدة » وقد اعترف الإصفهاني بهذه المشكلة فقال :
وهذا الشعر تغني فيه :
قالت « سكينة » والدموع ذوارف ... .
وفي موضع :
« أسعيد » ما ماء الفرات وبرده ... .
« أسُكين » ، وإنما غيره المغنون ، ولفظ عمر ما ذكر فيه في الخبر (2) . أي الخبر المتقدم .
3 ـ روى أبو علي القالي في أماليه قول عمر بن أبي ربيعة هكذا :
جددي الوصل يا قريب وجودي لمـحب فـراقـه قـد ألما(3)

فأبدلوا لفظة« قريب » بلفظ« سكين » أي ترخيم سكينة .
4 ـ روى ابن قتيبة في المعارف : إن عائشة بنت طلحة تزوجها مصعب بن الزبير فأعطاها ألف ألف درهم ، فقال أنس بن زنيم الديلي لأخيه [ عبدالله بن الزبير] :
أبـلغ أمـير المـؤمنين رسـالة من ناصح لك لا يريد خـداعـا
بـضع الفـتاة بألف ألف كـامل وتبيت سـادات الجـيوش جياعا


(1) الأغاني 16 : 12 . وقد مر الحديث حول القصة والأبيات ، فراجع صفحة : 49 ـ 52 و74 .
(2) المصدر السابق : 162 .
(3) أمالي أبو علي القالي 2 : 305 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 93

لو لأبي حـفص أقـول مـقالتي وأقص شأن حديثهم لا رتاعا(1)

إلا أن الإصفهاني رواها عن مصعب ، عن محمد بن يحيى هكذا :
ولما تزوج مصعب سكينة على ألف ألف ، كتب عبدالله بن همام على يد أبي السلاس إلى عبدالله بن الزبير :
أبـلــغ أمـير المـؤمنين رسـالة من ناصـح لك لا يريد خـداعا
بـضــع الفـتاة بألف ألف كـامل وتبيت سـادات الجيوش جياعا
لو لأبـي حـفص أقـول مـقالـتي وأقص شأن حديثهم لا رتاعا(2)

هذا هو دأب الوضاع ، يقلبون الحقائق ، ويحرفون الكلم ، طعنا منهم في مخالفيهم أو مخالفي أسيادهم ، ويجهدون في دفع كل قبيح عنهم ، ليوصمون به مخالفيهم ، كما فعل من قبل معاوية بن أبي سفيان في الطعن على علي عليه السلام ، ظنا منه إطفاء نوره ، ويأبي الله إلا أن يتم نوره .

(1) المعارف لابن قتيبة : 233 .
(2) الأغاني 16 : 164 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 94




آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 95

الأكذوبة الثانية


سكينة وحديث الأزواج
هناك عدة قوائم دبجت في تعداد أزواج سكينة :

الأولى : قائمة أبي الفرج الاصفهاني
روى الإصفهاني قال : حدث الزبير بن بكار قال : حدثني عمي مصعب ، قال : تزوجت سكينة بنت الحسين عليهما السلام عدة أزواج ، أولهم عبدالله ابن الحسن بن علي وهو ابن عمها وأبو عذرتها ، ومصعب بن الزبير ، وعبدالله بن عثمان الحزامي ، وزيد بن عمرو بن عثمان ، والأصبغ بن عبدالعزيز ولم يدخل بها ، وإبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ولم يدخل بها (1) .
على أن الإصفهاني روى أن الذي تزوج سكينة هو عمرو بن حكيم بن حزام وهو عم والد عبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حكيم بن حزام كما أورد ذلك ابن سعد وابن خلكان وسبط ابن الجوزي في قوائمهم مما يعني اضطراب خبر زواجها من عبدالله بن عثمان بن عبدالله ، فمرة يتزوجها

(1) الأغاني 16 : 158 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 96

عبدالله بن عمرو ومرة يتزوجها عم أبيه ، فما الذي يعنيه هذا الاضطراب ؟‍‍‍‍‍‍!
قال الاصفهاني : عن أبي الأزهر قال : حدثنا حماد بن اسحاق ، عن أبيه ، عن الهيثم بن عدي ، عن صالح بن حسان وغيره : إن سكينة كانت عند عمرو بن حكيم بن حزام ، ثم تزوجها زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان ، ثم تزوجها مصعب بن الزبير ، فلما قتل مصعب خطبها إبراهيم بن عبدالرحمن ابن عوف ... إلى آخر الرواية (1) وسيأتي البحث فيها لاحقا .

الثانية : قائمة ابن سعد
قال : تزوجها مصعب بن الزبير بن العوام ، ابتكرها فولدت له فاطمة ، ثم قتل عنها ، فخلف عليها عبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حكيم بن حزام بن خويلد ... فولدت له عثمان ـ الذي يقال له : قرين ـ وحكيما وربيحة ، فهلك عنها ، فخلف عليها زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان فهلك عنها ، فخلف عليها إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف الزهري ، كانت ولته نفسها فتزوجها فأقامت معه ثلاثة أشهر ، فكتب هشام بن عبدالملك إلى واليه بالمدينة أن فرق بينهما ففرق بينهما ، وقال بعض أهل العلم: هلك عنها زيد بن عمرو ابن عثمان ، وتزوجها الأصبغ بن عبدالعزيز بن مروان (2) .

الثالثة : قائمة ابن خلكان
قال : تزوجها مصعب بن الزبير فهلك عنها ، ثم تزوجها عبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حكيم بن حزام فولدت له قرينا ، ثم تزوجها الأصبغ بن

(1) الأغاني 16 : 161 .
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد 8 : 475 في قسم النساء اللواتي لم يروين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وروين عن أزواجه وغيرهن .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 97

عبدالعزيز بن مروان وفارقها قبل الدخول ، ثم تزوجها زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان ، فأمره سليمان بن عبدالملك بطلاقها ففعل(1) .

الرابعة : قائمة سبط ابن الجوزي
قال : وأما سكينة فتزوجها مصعب بن الزبير فهلك عنها ، فتزوجها عبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حكيم بن حزام فولدت له عثمان الذي يقال له : قرير [ والظاهر أنه قرين كما عليه غيره ] ، ثم تزوجها الأصبغ بن عبدالعزيز بن مروان أخو عمر بن عبدالعزيز ، ثم فارقها قبل الدخول بها ، وماتت في أيام هشام بن عبدالملك ... .
قال سبط ابن الجوزي :
وأول من تزوجها مصعب بن الزبير قهرا ، وهو الذي ابتكرها ثم قتل عنها وقد ولدت له فاطمة(2) .
هذه قوائم أربع اخترناها لبيان مواضع الاختلاف في تعداد أزواج « آمنة » سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، ومصدر هذه القوائم أكثرها زبيرية يرويها الزبير بن بكار ، عن عمه مصعب الزبيري وقد عرفت حالهما ، فلا حاجة إلى أن نعيد ما ذكره علماء الرجال من ضعفهما وكذبهما وانحرافهما عن عليّ وعن آله ـ صلوات الله عليهم ـ لذا فهي ساقطة عن الاعتبار سندا ، كونها بين مرسلة وبين ضعيفة برجالها ، إلا أن ذلك لا يمنعنا من مناقشتها وبيان متناقضاتها ، حتى لا يخفى على ذوي الأبصار محاولات الوضع المتعمد على هذه الشخصية الطاهرة ، وكيف أن آل الزبير عمدوا إلى الانتقاص من

(1) وفيات الأعيان 2 : 394 رقم 268 .
(2) تذكرة الخواص سبط ابن الجوزي : 249 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 98

منافسيهم أهل البيت عليهم السلام ، ووصموا كل شائنة فيهم وألصقوها بأهل هذا البيت الطاهر ؟ ومن ذلك حديث الأزواج ، حيث اشتهر عن عائشة بنت طلحة تعدد الأزواج ، وكان أولهم مصعب ، فألصقوا هذه الحادثة بالسيدة « آمنة » سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، وأبعدوها عن أشخاصهم ، وسيأتي تفصيل ذلك قريبا إن شاء الله .

القائمة الموحدة
ويمكننا الآن أن نوحد هذه القوائم ليتسنى لنا مناقشة الجميع من خلال مناقشة هذه القائمة الموحدة ، وغرضنا من ذكر عدة قوائم ليتضح للقارئ الكريم اضطراب الرواة وتضاربهم في افتعال مثل هذه الحادثة ، والتي تقتضيها مصالح سياسية مقيتة ، أهمها : إلغاء الخلاف الفكري بين أهل البيت عليهم السلام وبين هذه المجموعات السياسية ؛ وإعطائها مسحة من الشرعية ؛ وإلغاء ما يمكن أن يقال عن هؤلاء من تجاوزه على أهل البيت عليهم السلام ، وتقدمهم عليهم وغصب حقوقهم . تماما كما وضعت قصة زواج عمر بن الخطاب من أم كلثوم ، وقد أبطلنا هذه الشبهة في كتابنا« كشف البصر » .
على أن هذه القوائم من الأزواج تتسم بتشكيلاتها السياسية ، فالأزواج المذكورين هم بين زبيريين إلى أمويين إلى مروانيين ، وهذا دليل وحده يكفي لإثبات أن القوائم الموضوعة رتبت على أساس منحى سياسي خاص ، يراد منه إلغاء الخلاف الفكري بين هذه التوجهات السياسية وبين أهل البيت عليهم السلام ، والشطب على مبتنيات الخلاف بين المدرستين .

(1) كشف البصر عن زواج أم كلثوم من عمر للمؤلف ، يستعرض روايات الفريقين وعدم دلالة الجميع على واقعة الزواج ، فراجع .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 99

وسيكون ترتيب هذه القائمة الموحدة هكذا :
1 ـ مصعب بن الزبير ، حسب رواية الإصفهاني وابن سعد وابن خلكان وسبط ابن الجوزي .
2 ـ عبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حكيم بن حزام ، حسب رواية الإصفهاني وابن سعد وابن خلكان وابن الجوزي .
3 ـ الأصبغ بن عبدالعزيز بن مروان ، كما في رواية ابن سعد ، أما الإصفهاني وابن خلكان وسبط ابن الجوزي فقالوا : لم يدخل بها .
4 ـ زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان ، فهو برواية الإصفهاني وابن سعد وابن خلكان ، أما سبط ابن الجوزي فلم يذكره .
5 ـ إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، لم يذكره غير الإصفهاني وابن سعد ، واتفقا أنه لم يدخل بها ، ولم يذكره ابن خلكان وسبط ابن الجوزي .
6 ـ أما عبدالله بن الحسن بن علي ، فهو حسب رواية الإصفهاني فقط .
وبذلك فقد اشتملت القائمة الموحدة على مصعب بن الزبير وعبدالله ابن عثمان ، وهما الاسمان المشتركان في القوائم الأربع . وسيتم مناقشة هذين الاسمين بشيء من التفصيل ؛ ليمكننا تحديد الواقع من أحاديث الزواج هذه . ثم نأتي على بقية الأسماء ، كل بما يقتضيه البحث .

أولا : مصعب بن الزبير

ليتسنى لنا صحة دعاوى زواج مصعب بن الزبير من السيدة « آمنة » سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، علينا أن نلقي نظرة سريعة على الخط الزبيري منذ نشوئه ، للحصول على رؤية واقعية عن توجهات هذا البيت الزبيري وأتباعه . وهل بالإمكان سيتم ثمة تقارب بين الزبيريين المعروفين

آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 100

بتوجهاتهم غير العلوية وبين الهاشميين ؟
سؤال سيخرجنا من منعطفات مآزق الروايات الموضوعة من قبل رواة زواج السيدة « آمنة » سكينة بنت الحسين عليهما السلام .

من هم آل الزبير ؟
يعد الزبير بن العوام مؤسس الخط الزبيري ـ إذا صح التعبيرـ فهو الذي سن توجهات آله ، وألقى لهم آراءه في علاقاته على المستوى الديني ، وطموحاته على المستوى السياسي .
كان الزبير بن العوام حليفا لعلي عليه السلام يوم السقيفة ، وكان من الذين انظموا إلى علي عليه السلام ، وممن أبوا بيعة أبي بكر ، بل كان من المعترضين الأشداء عليها . فهو لن يغمد سيفه ما لم تستقر البعية لعلي بن أبي طالب ، بعد ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحقية علي عليه السلام في الخلافة ، لذا فإن ابن قتيبة في « الإمامة والسياسة » يصور لنا موقف الزبير المتصلب في رفض البيعة لأبي بكر ، وإصراره على أحقية علي عليه السلام في البيعة قائلا :
وأما علي والعباس بن عبدالمطلب ومن معهما من بني هاشم فانصرفوا إلى رحالهم وعمهم الزبير بن العوام ، فذهب إليهم عمر في عصابة فيهم أسيد بن حضير وسلمة بن أسلم فقالوا : انطلقوا فبايعوا أبابكر ، فأبوا . فخرج الزبير بن العوام بالسيف ، فقال عمر : عليكم بالرجل فخذوه ، فوثب عليه سلمة بن أسلم فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار ... (1) .
وقال الطبري : أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال : والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة ،

(1) الإمامة والسياسة 1 : 15 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 101

فخرج عليه الزبير مصلتا بالسيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه(1) .
هذه الصورة تعطينا تصورا عن موقف الزبير إبان بيعة الشيخين .
ويبقى الزبير معارضا ملتزما جانب الرفض لنظام الشيخين ، إلا أن ذلك لا يكون بالضرورة موقفا مناصرا للإمام علي عليه السلام ، حيث لم توقفنا النصوص التاريخية على مواقف النصرة للإمام بقدر ما كان معارضا معاندا ، لا يرى أهلية لشيخي تيم وعدي أن يتقدما على ابن صفية الذي عرف بأنه ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فضلا عن مواصفات الخلافة ؟! هذا ولم يكن للزبير إبان عهد الشيخين أية ميزات اجتماعية ، فضلا عن إلغاء دوره السياسي كذلك .
لذا فإن عهد عثمان بن عفان يعد متنفسا لتوجهات الزبير الاجتماعية ، فبنى القصور واقتنى الأموال كما ذكر المسعودي فقال : وفي أيام عثمان اقتنى جماعة من الصحابة الضياع والدور منهم الزبير بن العوام ، بنى داره بالبصرة وهي المعروفة ... وبلغ مال الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار ، وخلف الزبير ألف فرس وألف عبد وأمة ... (2) .
أي سيجد الزبير حينئذ متنفسا يستطيع من خلاله أن يمارس دوره الاجتماعي باقتنائه الأموال والقصور ، إلا أنه يبقى محبوسا سياسيا ، أي لا يزال ملغى الدور السياسي الذي يطمح أن يصل إليه الزبير بعد إشباعه ماليا ، وسيكون دوره الاجتماعي منقوصا ما لم يكمله بحضوره السياسي في

(1) تاريخ الطبري 2 : 443 .
(2) مروج الذهب 2 : 350 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 102

الأحداث العامة ، ولم يجد الزبير أفضل من فرصة يوم الدار ، يوم محاصرة عثمان تأليب الثوار عليه ، منضما بذلك إلى الحركة الثورية التي قررت إيقاف انتهاكات عثمان الدينية والاجتماعية وحتى السياسية ، فرأى الزبير أن مناورة الانضمام إلى الثوار ستعطيه فرصة سياسية ناجحة ، يستغلها من أجل تثبيت موطئ قدم له . وكان حليفه طلحة كذلك ، وكان طلحة شديدا على عثمان حتى قال عثمان : اللهم اكفني طلحة بن عبيدالله فإنه حمل عليّ هؤلاء وألبهم ، والله إني لأرجو أن يكون منها صفرا ، وأن يسفك دمه ...(1) .

كتاب طلحة والزبير في تحريض المسلمين على قتل عثمان

بل كان الزبير يعمل على قتل عثمان ، ولعل في ذلك أمنيته في انحياز الأمر إليه ، وهو ما كشفه الأشتر حين قرأ كتابه وكتاب طلحة في التحريض على قتل عثمان ، قال ابن قتيبة الدينوري : إن الأشتر قال لطلحة والزبير بعدما تظاهرا بعدم الرضا عن قتل عثمان ، وبعثوا إلى الأشتر في الكف عن محاصرته قال : تبعثون إلينا وجاءنا رسولكم بكتابكم وهاهو ذا ، فأخرج كتابا فيه : « بسم الله الرحمن الرحيم ، من المهاجرين الأولين وبقية الشورى ، إلى من بمصر من الصحابة والتابعين ، أما بعد: أن تعالوا إلينا وتداركوا خلافة رسول الله قبل أن يسلبها أهلها ، فإن كتاب الله قد بدل ، وسنة رسول الله قد غيرت ، وأحكام الخليفتين قد بدلت . فننشد الله من قرأ كتابنا من بقية أصحاب رسول الله والتابعين بإحسان إلا أقبل إلينا ، وأخذ الحق لنا وأعطاناه ، فأقبلوا إلينا إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ، وأقيموا الحق على المنهاج الواضح الذي فارقتم عليه نبيكم ، وفارقكم عليه الخلفاء . غلبنا على حقنا

(1) تاريخ الطبري 3 : 411 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 103

واستولي على فيئنا ، وحيل بيننا وبين أمرنا ، وكانت الخلافة بعد نبينا خلافة نبوة ورحمة ، وهي اليوم ملك عضوض ، من غلب على شيء أكله » . أليس هذا كتابكم إلينا ؟ فبكى طلحة ، فقال الأشتر : لما حضرنا أقبلتم تعصرون أعينكم ، والله لا نفارقه حتى نقتله ...(1) .
فكان الزبير ممن يحث الناس على قتل عثمان ، بل خاذلا له مؤلبا عليه ، خارجا عن المدينة حتى لا يشهد قتله ويطالب بنصرته .
قال ابن الأثير في كامله : إن الزبير خرج من المدينة قبل أن يقتل عثمان ... (2) أي أيام حصاره في الدار .
وهكذا حصل الزبير على مكسبه السياسي بعد قتل عثمان ، وتحول الأمر إلى علي عليه السلام ظنا منه أن الفرص السياسية قد سنحت له بعد أن قاد معارضته السياسية ضد نظام نقم عليه المسلمون ، وحسب أن سيكون له موطئ قدم في العهد الجديد حينئذ .
قال اليعقوبي في تاريخه : وأتى عليا طلحة والزبير فقالا : إنه قد نالتنا بعد رسول الله جفوة فأشركنا في أمرك ، فقال : أنتما شريكاي في القوة والاستقامة وعوناي على العجز والأود(3) .
ومعنى ذلك أن عليا عليه السلام لم يشركهما في الأمر ، فسارا إلى البصرة يطالبان بدم عثمان ومعهما عائشة وهم من خلال ذلك يطمحون للوصول إلى مآربهم السياسية ، فكانت وقعة الجمل التي ذهب ضحيتها آلاف المسلمين ولقي طلحة والزبير حتفهما في مغامرة سياسية فاشلة ، ولعبة لم

(1) الامامة والسياسية 1 : 34 .
(2) الكامل في التاريخ 3 : 87 .
(3) تاريخ اليعقوبي 2 : 77 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي