آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 75

قـالـت سعيدة والدموع ذوارف منها علـى الخدين والجـلباب
ليت المـغـيري الذي لم أجزه فيما أطـال تصيدي وطـلابي
كانت تـرد لنا المـنى أيـامنا إذ لا نـلام على هوى وتصابي
أسعـيد ما ماء الفـرات وطيبه مني على ظـمأ وحـب شراب
بألذ مـنك وإن نـأيت وقلـما يرعـى النساء أمانـة الغياب(1)

هند بنت كنانة بن عبدالرحمن بن نضلة بن صفوان بن أمية
كان ابن محرز أحسن الناس غناء ، فمر بهند بنت كنانة ، فسألته أن يجلس لها ولصواحب لها ، ففعل وقال : أغنيكن صوتا أمرني الحارث بن خالد بن العاص أن أغنيه ... (2) .

سعدى بنت سعيد بن عمرو بن عثمان
كان الوليد بن يزيد بن عبدالملك يتعشق سعدى بنت سعيد بن عمرو ابن عثمان فقال فيها :
أسـعدى مـا إليك لنـا سـبيل ولا حـتى القـيامة مـن تـلاق
بـلى ولعـل دهـرا أن يؤاتـي بموت مـن حلـيلك أو فـراق(3)

كما أن الوليد بن يزيد كان يتعشق سلمى بنت سعيد بن عمرو بن عثمان كذلك ، فقال فيها :
شـاع شعري في سليمى وظهر ورواه كــل بـدو وحـضـر
وتــهادته الغـوانـي بـينها وتــغنين بـه حـتى انـتشر


(1) الأغاني 17 : 161 و 162 .
(2) الأغاني 1 : 366 ، وراجع أيضا 3 : 372 .
(3) العقد الفريد لا بن عبد ربه 7 : 186 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 76

لو رأيـنا من سـليمى أثـرا
وإتخذناها إماما مرتضى ولكـانت حـجنا والمـعتمر
إنــما بـنت سـعيد قـمـر هل حرجنا أن سجـدنا للقمر(1)

أم البنين زوج الوليد بن عبدالملك
دخلت عزة صاحبة كثير على أم البنين زوج عبدالملك بن مروان (2) ، فقالت لها : أخبريني عن قول كثير :
قضى كل ذي دين فوفى غـريمه وعـزة ممطول مـعنى غـريمها

ما هذا الدين الذي طلبك به ؟ قالت: وعدته بقبلة فتحرجت منها ، قالت: أنجزيها وعلي إثمها (3) .
وروى أبوالفرج الإصفهاني أن وضاحا كان يهوى امرأة من كندة يقال لها : روضة ، فلما اشتهر أمره معها ، خطبها فلم يزوجها ، وزوجت غيره ، فمكثت مدة طويلة .. ثم شبب بأم البنين بنت عبدالعزيز بن مروان زوجة الوليد بن عبد الملك ، فقتله الوليد لذلك (4) .

زينب بنت سليمان بن علي
ذكر ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان أن حماد عجرد كان يتغزل في زينب بنت سليمان بن علي ، على لسان محمد بن أبي العباس السفاح ، وكان عشقها ، ثم خطبها فمنعت منه ، فصار يتغزل فيها ، وحماد ينظم له

(1) العقد الفريد 7 : 186 .
(2) كذا في المصدر . والصواب زوج الوليد بن عبدالملك .
(3) العقد الفريد 7 : 134 .
(4) الأغاني 6 : 225 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 77

الشعر على لسانه ، فبلغ ذلك أخاها محمد بن سليمان فغصب . واتفقت وفاة محمد ، فطلب ابن سليمان حمادا فتغيب منه ، ثم بلغه أنه هجاه بأبيات منها :
جداك جـدان لم تعب بـهما وإنما العيب منك في البدن(1)

عائشة بنت المهدي العباسي
قال ابن عبد ربه الأندلسي : خرج رسول عائشة بنت المهدي ـ وكانت شاعرة ـ إلى الشعراء ، فيهم صريع الغواني فقال : تقرؤكم سيدتي السلام ، وتقول لكم : من أجاز هذا البيت فله مئة دينار ، فقالوا : هاته ، فأنشدهم:
أنيلي نوالا وجـودي لنــا فـقد بلغت نفسي الترقــوه

فقال صريع:
وإنـي كـالدلـو في حـبكـم هويت إذ انقطعت عرقــوه(2)

ولادة بنت المستكفي الخليفة الأموي في الأندلس
كتبت على تاجها :
أنــا وألله أصـلـح للـمعالي وأمشي مشيتي وأتيـه تيهـا
وأمكن عاشـقي من لثم ثـغري وأعطي قبلتي من يشتهيها(3)

ولا نريد أن نسرد أكثر من هذه الشواهد ، فقد أعرضنا عن كثير مراعاة لحرمة قرائنا الكرام من أن نشين أسماعهم بعبث نساء هؤلاء ، ومجون شعرائهم ، وهذا فيما كتب ، وما خفي كان أعظم ، وقد توخينا في عرضنا هذا إلى الأسباب والدوافع التي دفعت هؤلاء المؤرخين من بني مروان ، كأبي

(1) لسان الميزان 2 : 426 رقم 2942 في ترجمة حماد عجرد .
(2) العقد الفريد 6 : 197 .
(3) شرح رسالة ابن زيدون بهامش شرح لامية العجم 1 : 11 ، عنه « سكينة بنت الحسين » للمقرم : 60 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 78

الفرج الإصفهاني صاحب الأغاني ، الذي استعرض أقاصيص وموضوعات حياة سكينة بنت الحسين عليهما السلام ، وما أخذه من آل الزبير من اختلاق هذه الأكاذيب ، كالزبير بن بكار ، ومصعب الزبيري وأمثالهم ، الذين ما فتؤوا من التحري عما يشين البيت العلوي ، دفعا لما ابتلي به أسلافهم من النساء كسكينة بنت خالد الزبيرية ، وعائشة بنت طلحة بن عبيدالله زوج مصعب بن الزبير ، وغيرهن من اللواتي ملئت صحائف تاريخهن بفضائح العبث ، ومجالس الغزل والغناء ، وما اشتهر عن عاتكة بنت معاوية ، وأم البنين بنت عبدالعزيز زوجة الوليد بن عبدالملك ، وسعدى بنت عبدالرحمن بن عوف ، وأمثالهن من اللواتي آثرن حياة اللهو والغناء .
ومقابل هذا يرفل آل علي بقداسة الوحي ، وطهارة النبوة ، وهم المنافسون الأقوياء لأولئك الأمويين الذين سفكوا الدماء من أجل الإبقاء على دست الحكم ، والزبيريين الذين هتكوا الحرمات من أجل المنصب كذلك ، فمتى يستقيم لهؤلاء أمر ولا تزال الأمة تنظر إلى العلويين بكل إجلال وقداسة ؟ من هنا أمكننا معرفة الدوافع السياسية لاختلاق قصة سكينة بنت الحسين ، وإقحامها ملاحم اللهو الأموي والترف الزبيري .

سكينة وابن سريج

روى أبو الفرج الإصفهاني قال : أخبرني الحسين بن يحيى ، عن حماد ، عن أبيه ، عن مصعب الزبيري قال : حدثني شيخ من المكيين قال :
كان ابن سريج قد أصابته الريح الخبيثة وآلى يمينا ألا يغني ، ونسك ولزم المسجد الحرام حتى عوفي ، ثم خرج وفيه بقية من العلة فأتى قبر النبي وموضع الصلاة ، فلما قدم المدينة نزل على بعض إخوانه من أهل النسك

آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 79

والقراءة ، فكان أهل الغناء يأتونه مسلمين عليه فلا يأذن لهم بالجلوس والمحادثة ، فأقام بالمدينة حولا حتى لم يحس علته بشيء وأراد الشخوص إلى مكة ، وبلغ ذلك سكينة بنت الحسين فاغتمت اغتماما شديدا وضاقت به ذرعا ، وكان أشعب يخدمها ، وكانت تأنس بمضاحكته ونوادره وقالت لأشعب : ويلك أن ابن سريج شاخص! وقد دخل المدينة منذ حول ولم أسمع غناءه قليلا ولا كثيرا ، ويعز ذلك علي ، فكيف الحيلة في الاستماع منه ولو صوتا واحدا ؟
فقال لها أشعب : جعلت فداك وأنى لك بذلك والرجل اليوم زاهد ولا حيلة فيه ، فارفعي طمعك والحسي تورك تنفعك حلاوة فمك . فأمرت بعض جواريها فوطئن بطنه حتى كادت تخرج أمعاؤه ، وخنقته حتى كادت نفسه أن تتلف ، ثم أمرت به فسحب على وجهه حتى أخرج من الدار إخراجا عنيفا ، فخرج على أسوأ الحالات ، واغتم أشعب غما شديدا وندم على ممازحتها في وقت لم ينبغ له ذلك ، فأتى منزل ابن سريج ليلا فطرقه فقيل : من هذا ؟ فقال : أشعب ، ففتحوا له فرأى على وجهه ولحيته التراب والدم سائلا من أنفه وجبهته على لحيته, وثيابه ممزقة وبطنه وصدره وحلقه قد عصرها الدوس والخنق ومات الدم فيها ، فنظر ابن سريج إلى منظر فظيع هاله وراعه فقال له : ما هذا ويحك ؟! فقص عليه القصة ، فقال ابن سريج : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ماذا نزل بك والحمدلله الذي سلم نفسك لا تعودن إلى هذه أبدا .
قال أشعب : فديتك هي مولاتي ولا بد لي منها ، ولكن هل لك حيلة في أن تصير إليها وتغنيها فيكون ذلك سببا لرضاها عني ؟ قال ابن سريج : كلا

آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 80

والله لا يكون ذلك أبدا بعد أن تركته .
قال أشعب : قطعت أملي ورفعت رزقي وتركتني حيران بالمدينة لا يقبلني أحد ، وهي ساخطة علي فالله الله في ، أنا أنشدك الله ألا تحملت هذا الإثم فيّ .
فأبى عليه ، فلما رأى أشعب أن عزم ابن سريج قد تم على الامتناع ، قال في نفسه : لا حيلة لي وهذا خارج وإن خرج هلكت ، فصرخ صرخة أذن أهل المدينة لها ، ونبه الجيران من رقادهم ، وأقام الناس من فرشهم ، ثم سكت فلم يدر الناس ما القصة عند خفوت الصوت بعد أن قد راعهم ، فقال له ابن سريج : ويلك ما هذا ؟ قال : لئن لم تصر معي إليها لأصرخن صرخة أخرى لا يبقى إلا صار بالباب ، ثم لأفتحنه ولأريهم ما بي ، ولأعلمنهم كذا وكذا ...
فلما رأى ابن سريج الجد منه قال لصاحبه : ويحك أما ترى ما وقعنا فيه ـ وكان صاحبه الذي نزل عنده ناسكا ـ فقال : لا أدري ما أقول ... نزل بنا من هذا الخبيث ... إلى أن قال : فوقع ابن سريج فيما لا حيلة له فيه .
فقال : امضي لا بارك الله فيك ، فمضى معه فلما صار إلى باب سكينة قرع الباب فقيل : من هذا ؟ فقال : أشعب ... إلى أن قال : ثم أندفع يغني :
أستعين الذي يكفيه نفعي ورجائـي على التي قتلتني

فقالت له سكينة : فهل عندك يا عبيد من صبر ، ثم أخرجت دملجا من ذهب كان في عضدها وزنه أربعون مثقالا فرمت به إليه (1) ... إلى آخر القصة ، وهي طويلة الذيل اقتصرنا على مورد الحاجة .

(1) الأغاني 17 : 45 ـ 51 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 81

رجال الخبر:

الخبر مرسل ، فإن مصعب الزبيري رواه عن شيخ من المكيين لا يعرف من هو ، فالخبر مرسل لا اعتبار له من حيث الإرسال .
ومصعب الزبيري:
ضعيف ، عرفت حاله .
والحسين بن يحيى:
قال الذهبي في ميزان الاعتدال عن ابن الجوزي : يضع الحديث ، وكذلك ابن حجر في لسان الميزان (1) .
فالخبر مرسل وفي سنده ضعفاء فهو ساقط عن الاعتبار .

أين هم أزواج سكينة وبنو هاشم عن كل هذا ؟

اعتمد الخبر على رواية المتناقضات فأظهر زهد ونسك ابن سريج المغني وعبث السيدة سكينة ، مع أن الخبر أظهر في مطاويه الإشارة إلى حرمة الغناء وتجنب ابن سريج عن ذلك ، إلا أن السيدة سكينة كانت تصر على مخالفة مناهي الشريعة ، وترتكب ما هو حرام إشباعا لرغبتها في الاستماع ، لا سيما الخبر سرد أحداث القصة عند وقت متأخر من الليل ، وأظهر أن السيدة سكينة لا ترتبط مع أية علقة زوجية يمكنها أن تحتشم زوجها ـ على الأقل ـ في ارتكاب ما ينافي الشرع ومن ثم الأخلاق السائدة ، مع ما هولوه من تعدد أزواج « آمنة » سكينة بنت الحسين ، وبلغ عدد أزواجها أكثر من سبعة ، ومع هذا فلا نرى لواحد من هؤلاء الأزواج دور في التصدي إلى ماترتكبه السيدة سكينة من مخالفات شرعية وعرفية ، يأنف من خلالها الغيور على حرمه ، ولا يرضى في انتهاك حرمته بما يقع من حليلته ، وهي بين أجانب خلعاء تعقد لهم مجالس الغناء في بيته دون وازع ولا من رادع .

(1) ميزان الاعتدال 1 : 541 ، لسان الميزان 2 : 386 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 82

أي غيور يرضى لزوجته أن ترتكب مثل هذه الأفعال الشائنة بسمعته والمنافية لغيرته ؟ وإذا لم يكن هناك دور للزوج في مثل هذه القصص ، فأين كان الإمام علي بن الحسين عليهما السلام وهو يرى أخته ترتكب خلاف الشريعة وما ينافي قيم الإسلام ؟ أين كان محمد بن علي الباقر عليهما السلام عن هذه التصرفات ؟ أين كان بنو هاشم وهم ـ على الأقل ـ يجابهون عدوا لدودا يصطنع لهم الأكاذيب والافتراءات ؟ فكان عليهم مراعاة جانب أعدائهم إن لم يراعوا جانب حرمة الشريعة .
مما يكشف سذاجه هؤلاء الوضاعين وبلادتهم حينما يختلقون أكاذيبهم بما ينافي الشرع والعادة والأعراف ، وليتهم توسلوا بغير ذلك لئلا ينكشف غباؤهم ولعبتهم الطائشة .
إنه خراج بعض الكور

وإذا صور رواة الخبر بذخ سكينة وهي تعطي لأحد المغنين دملجا وزنه أربعين مثقالا ، فإن هذه التصرفات هي سمة خلفائهم الذين شهدت لياليهم الحمراء بذخهم وعبثهم بأموال المسلمين .
قال ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد: غنى إبراهيم الموصلي محمد بن زبيدة الأمين بقول الحسن بن هانئ فيه :
رشــأ لولا مــلاحتـــه خلت الدنيـا من الفتن

قال : فاستخفه الطرب حتى قام من مجلسه وأكب على إبراهيم يقبل رأسه ، فقام إبراهيم من مجلسه يقبل أسفل رجليه وما وطئتا من البساط ، فأمر له بثلاثة آلاف درهم ، فقال إبراهيم: يا سيدي قد أجزتني إلى هذه الغاية بعشرين ألف ألف درهم [ أي عشرين مليون درهم] .

آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 83

فقال الأمين : وهل ذلك إلا خراج بعض الكور ؟(1)
هذه هي أعطيات الخلفاء في الليالي الحمراء ومن بيت مال المسلمين ، والمسلمون يعانون من الضيق في العيش والفقر والفاقة ، لذا فقد عمد هؤلاء الرواة إلى التستر على بذح أسيادهم ، وأتهام آل البيت عليهم السلام بتصرفات أعدائهم ؛ ليدفعوا عنهم تهورات هؤلاء وعبثهم .
حكم الغناء في الشريعة المقدسة

ذهب علماؤنا ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ إلى حرمة الغناء(2) ، وادعوا الإجماع عليه ، بل عدوه من ضرورات المذهب للأدلة الواردة في حرمته من آيات وروايات لعلها متواترة . كما ذهب إلى ذلك بعضهم ، فمن ذلك تفسير قوله تعالى: «لا يشهدون الزور» بالغناء كما في صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام (4) .
وتفسير الغناء بالزور في قوله تعالى: «واجتنبوا قول الزور» (5) كما في صحيحة زيد الشحام ، ومرسلة ابن أبي عمير ، وموثقة أبي بصير(6) .
وما ورد في تفسير لهو الحديث بالغناء كما في صحيحة محمد بن مسلم (7) .

(1) العقد الفريد 7 : 42 .
(2) نقل الإجماع على ذلك السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4 : 52 ، حيث قال : أما حكمه فلا خلاف ، كما في مجمع البرهان ، في تحريمه وتحريم الأجرة عليه وتعلمه وتعليمه واستماعه ... .
(3) الفرقان 25 : 72 .
(4) الوسائل 17 : 304 ، ب 99 من أبواب ما يكتسب به ، ح 5 .
(5) الحج 30:22 .
(6) الوسائل 17 : 303 و 305 ، ب 99 من أبواب ما يكتسب به ، ح 2 و 8 و 9 .
(7) المصدر السابق : 304 ، ح 6 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 84

ومن الروايات ما تواتر من حرمة الغناء كما في رواية يونس قال : سألت الخراساني صلوات الله عليه عن الغناء وقلت: إن العباسي ذكر عنك أنك ترخص في الغناء ، فقال : « كذب الزنديق ما هكذا قلت له ، سألني عن الغناء فقلت له : إن رجلا أتى أبا جعفر عليه السلام فسأله عن الغناء فقال : يافلان إذا ميز الله بين الحق والباطل فأين يكون الغناء ؟ قال : مع الباطل ، فقال : حكمت » .
وعن عبد الأعلى قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الغناء وقلت: إنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص في أن يقال : حيونا حيونا نحييكم . فقال : إن الله تعالى يقول :وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ{16} لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ{17} بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ{18} (2)ـ ثم قال ـ :
«ويل لفلان مما يصف ، رجل لم يحضر المجلس» .(3)
وفي مرسلة المقنع عن الصادق عليه السلام: « شر الأصوات الغناء » .
وفي الخصال بسنده عن الحسن بن هارون قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : « الغناء يورث النفاق ويعقب الفقر » (5) .
ويعضده الأخبار الدالة على تحريم الاستماع له كما في صحيحة مسعدة بن زياد قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فقال له رجل : بأبي أنت وأمي إني أدخل كنيفا ولي جيران ، وعندهم جوار يتغنين ويضربن بالعود ، فربما

(1) الوسائل 17 : 306 ، ب99 من أبواب ما يكتسب به ، ح 13 .
(2) الأنبياء 21 : 16 ـ 18 .
(3) الوسائل 307:17 ، ح 15 .
(4) المصدر السابق: 309 ، ح 21 .
(5) المصدر السابق: 309 ، ح23 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 85

أطلت الجلوس استماعا مني لهن ، فقال : « لاتفعل » ، فقال الرجل والله ما أتيتهن وإنما هو سماع اسمعه بأذني ، فقال : « بالله أنت أما سمعت الله تعالى يقول: « إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا» ؟ فقال : بلى والله وكأني لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله تعالى من عجمي ولا عربي ، لا جرم أني لا أعود إن شاء الله تعالى ، وأني أستغفر الله ، فقال له :
« فاغتسل وصل مابدا لك ، فإنك كنت مقيما على أمر عظيم ما كان أسوأ حالك لو مت على ذلك ، إحمد الله وسله التوبة من كل ما يكره ، فإنه لا يكره إلا كل قبيح ، والقبيح دعه لأهله ، فإن لكلّ أهلا » .
وعن عنبسة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « استماع الغناء واللهو ينبت النفاق في القلب ، كما ينبت الماء الزرع » .(2)
وما ورد في حرمة شراء المغنية وأن ثمنها سحت ، كما في الكافي عن الحسن بن علي الوشاء قال : سئل أبوالحسن الرضا عليه السلام عن شراء المغنية ؟ فقال : « قد تكون للرجل الجارية تلهيه ، وما ثمنها إلا ثمن الكلب ، وثمن الكلب سحت ، والسحت في النار » .(3)
وعن سعيد بن محمد الطاطري ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سأله رجل عن بيع الجواري المغنيات ، فقال : « شراؤهن وبيعهن حرام ، وتعليمهن واستماعهن نفاق » . (4) إلى غير ذلك من الأخبار المتواترة ، وهي كما علمت مطلقة لا يمكن تخصيصها ، وإن التزم بعضهم ببعضها على أنها مخصصات للحرمة ، إلا أنها

(1) الوسائل 3 : 331 ، ب18 من أبواب الأغسال المندوبة ، ح1 .
(2) الوسائل 17 : 316 ، ب 101 من أبواب ما يكتسب به ، ح1 .
(3) المصدر السابق : 124 ، ب 16 ، ح6 .
(4) المصدر السابق : 124 ، ح 7 .
آمنة بنت الحسين (ع) الملقبة بــ سكينة 86

لا تصلح للتخصيص حقيقة لا كما فهمه البعض ، ولا مجال لذكر ما احتجوا بأنها مخصصات ، وكون الحرمة مشروطة بانضمام بعض المحرمات كمجالس اللهو ، ودخول الرجال على النساء وغير ذلك ، على أن المعارضات التي ذكرها البعض لا تقوى على معارضة ما ذكرناه من أخبار التحريم ؛ لمخالفتها لكتاب الله وموافقتها للعلامة ، وهي مرجحات لا يختلف في العمل بها أحد ، فتبقى حرمة الغناء ذاتا على حالها غير معارضة بما توهمه البعض بأنها معارضات .
هذا حكم الغناء في الشريعة ، والقصة المذكورة منافية لضرورات الدين ، ولإجماع الطائفة الحقة منذ عهد أئمتهم ـ صلوات الله عليهم ـ حتى يومنا هذا ، فكيف ينسجم واقعهم مع هذه الموضوعات بعد ذلك ؟!

حقيقة الأمر ما هي ؟ ابن سريج نائحا أم مغنيا ؟

وإذا أمعنا في بطلان هذه القصة وأمثالها ، فإن الإصفهاني يؤكد فيما يرويه في موضع آخر تنافي هذه القصة مع الواقع ، وتعارضها مع خبر النياحة الذي اشتهر بها ابن سريج .
فقد كان ابن سريج نائحا ، وكانت السيدة « آمنة » سكينة تتحرى موارد النياحة بما يساعدها على التخفيف من مصائبهم أهل البيت عليهم السلام ، بل كانت النياحة أسلوبا جديرا في بيان ما أصاب أهل هذا البيت من فجائع ، وتصرفات الدهور وتقلبات الأيام ونوائبها ، لذا حرص أهل البيت عليهم السلام على النياحة كأسلوب مهم من أساليب بيان مظلوميتهم ، ومشاركة العواطف والأحاسيس العامة مع مأساتهم التي سببتها الأنظمة السياسية الطامحة إلى سحق كل القيم من أجل الوصول إلى الحكم والسلطة ، لذا حرص الأئمة

السابق السابق الفهرس التالي التالي