الملهوف على قتلى الطفوف 187

المَسلَكُ الثّالثُ

فيِ الأُموُرِ المُتَأخِرَةِ عَن قَتلِهِ (عليه السلام)اَمُ


الملهوف على قتلى الطفوف 188




الملهوف على قتلى الطفوف 189

وهي تمام ما أشرنا إليه .
قال : ثم إن عمر بن سعد لعنه الله بعث برأس الحسين عليه الصلاة والسلام في ذلك اليوم ـ وهو يوم عاشوراء ـ مع خولي بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم الأزدي(1) إلى عبيد الله بن زياد ، وأمر برؤوس الباقين من أصحابه وأهل بيته فقطعت وسرح بها مع شمر بن ذي الجوشن لعنه الله وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجاج ، فأقبلوا بها حتى قدموا الكوفة .

وأقام ابن سعد بقية يومه واليوم الثاني إلى زوال الشمس ، ثم رحل بمن تخلف من عيال الحسين ، وحمل نساءه على أحلاس أقتاب الجمال بغير وطاء ولا غطاء مكشفات الوجوه بين الأعداء ، وهن ودائع خير الأنبياء ، وساقوهن كما يساق سبي الترك والروم في أسر المصائب والهموم .

(1) في تنقيح المقال 1 | 380 : حميد بين مسلم الكوفي ، لم أقف فيه إلا على عد الشيخ رحمه الله إياه في رجاله من أصحاب السجاد (عليه السلام) ، وظاهره كونه إمامياً ، إلا أن حاله مجهول .
وفي مستدركات علم الرجال 3 | 289 : حميد بن مسلم الكوفي ، عد من مجاهيل اصحاب السجاد (عليه السلام) ، وهو ناقل جملة من قضايا كربلاء على نحو يظهر منه أنه كان في وقعة الطف ... وكان من جند سليمان بن صرد من طرف المختار في مقتل عين الوردة في حرب اهل الشام لطلب ثار الحسين (عليه السلام) .
أقول : أحتمل تعدد حميد بن مسلم : أحدهما كان في واقعة الطف ونقل بعض الوقائع وأرسل عمر ابن سعد رأس الحسين معه ومع جماعة إلى عبيد الله بن زياد ، مما يدل على أنه كان من أعوان عمر بن سعد ، والثاني إمامي من أصحاب الامام السجاد ومن جند سليمان بن صرد .
الملهوف على قتلى الطفوف 190

ولله در القائل :
يصلى على المبعوث من آل هاشم ويغزى بنوه إن ذا لعجب(2)

وروي : أن رؤوس أصحاب الحسين (عليه السلام) كانت ثمانية وسبعين رأساً ، فاقتسمتها القبائل ، لتتقرب بذلك إلى عبيد الله بن زياد وإلى يزيد بن معاوية :
فجاءت كندة بثلاثة عشر رأساً ، وصاحبهم قيس بن الأشعث .
وجاءت هوازن باثني عشر رأساً ، وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن .
وجاءت تميم بسبعة عشر رأساً .
وجاء بنو أسد بستة عشر رأساً .
وجاءت مذحج بسبعة رؤوس .
وجاء سائر الناس بثلاثة عشر رأساً .
قال الراوي : ولما انفصل ابن سعد (3) عن كربلاء ، خرج قوم من بني أسد ، فصلوا علىتلك الجثث الطواهرالمرملة بالدماء ، ودفنوها على ما هي الآن عليه .
وسار ابن سعد بالسبي المشار إليه ، فلما قاربوا الكوفة اجتمع أهلها للنظر إليهن .
قال الراوي : فاشرفت امرأة من الكوفيات ، فقالت : من أي الاسارى أنتن ؟
فقلن : نحن أسارى آل محمد صلى الله عليه وآله .
فنزلت من سطحها ، فجمعت ملاء (4) وأزراً ومقانع ، فأعطتهن ، فتغطين .

(2) جاء في ع بعد هذا :
وقال آخر :
أترجو أمة قتلت حسيناً شفاعة جده يوم الحساب
(3) ب : عمر بن سعد .
(4) ر : ملاحف خ ل .
الملهوف على قتلى الطفوف 191
>
قال الراوي (5) : وكان مع النساء علي بن الحسين (عليه السلام) ، قد نهكته العلة ، والحسن بن الحسن المثنى(6) ، وكان قد واسى عمه وإمامه (7) في الصبر على الرماح(8) ، وإنما ارتث وقد أثخن بالجراح (9) .
وكان معهم أيضاً زيد(10) وعمرو(11) ولدا الحسين السبط (عليه السلام) .

(5) الراوي ، من ع .
(6) الحسن بن الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، يعرف بالمثنى ، وابنه الحسن يعرف بالمثلث ، كان جليلاً فاضلاً ورعاً ، وكان يلي صدقات أمير المؤمنين (عليه السلام) في وقته ، تزوج من أبنة عمه فاطمة بنت الحسين (عليه السلام) ، حضر مع عمه الحسين يوم الطف ، وحارب وجرح وشافاه الله ، أمه خولة بنت منظور الفرازي ، توفي نحو سنة 90 هـ بالمدينة ، ولم يدع الإمامة لا ادعاها له مدع ، بخلاف ابنه الحسن المثلث .
تسمية من قتل مع الحسين : 157 ، تهذيب ابن عساكر 4 | 162 ، الأعلام 2 | 187 ، معجم رجال الحديث 4 | 301 .
(7) وإمامه ، لم يرد في ر .
(8) ع : في الصبر على ضرب السيوف وطعن الرماح .
(9) جاء بعدهذا في ع :
وروى مصنف كتاب المصابيح : أن الحسن بن الحسن المثنى قتل بين يدي عمه الحسين (عليه السلام) في ذلك اليوم سبعة عشر نفساً وأصابه ثمانيةعشرجراحة ، فوقع ، فأخذه خاله أسماء بن خارجة ، فحمله إلى الكوفة وداواه حتى برء ، وحمله إلى المدينة .
(10) زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، أبو الحسن الهاشمي ، من أصحاب السجاد (عليه السلام) ، جليل القدر ، كريم الطبع ، طريف النفس ، كثير البر ، كان يلي صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله ، وذكر بعض المؤرخين أنه تخلف عن عمه الحسين فلم يخرج معه إلى العراق ، مات سنة 120 هـ ، لم يدع الإمامة ولاأدعاها له مدع من الشيعة ولا غيرهم .
معجم رجال الحديث 7 | 339 ، وبالنقل عن : رجال الشيخ ، والإرشاد للمفيد ، والعمدة للسيد منها ، والبحار 46 | 329 .
(11) ذكر في مختصر تاريخ دمشق 19 | 198 باسم : عمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، خرج معه

=

الملهوف على قتلى الطفوف 192

فجعل أهل الكوفة ينحون ويبكون .
فقال علي بن الحسين (عليه السلام) : « أتنوحون وتبكون من أجلنا ؟!! فمن الذي قتلنا ؟!! » .
قال بشير بن خزيم الأسدي(12) ونظرت إلى زينب ابنت علي (عليه السلام) يومئذ ، فلم أر خفرة قط أنطق منها ، كأنها (13) تفرغ من لسان أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا (14) ، فارتدت الأنفاس وسكنت الأجراس ، ثم قالت :
الحمد لله ، والصلاة على جدي(15) محمد وآله الطيبين الأخيار .

أما بعد ، يا أهل الكوفة ، ياأهل الختل والغدر ، أتبكون ؟! فلا رقأت (16) الدمعة ، ولا هدأت الرنة ، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزالها من بعد قوة أنكاثاً ، تتخذرون أيمانكم دخلاً بينكم .
ألا وهل فيكم إلا الصلف والنطف(17) ، والصدر والشنف ، وملق الإماء ، وغمز الأعداء ؟! أو كمرعى على دمنة ، أو كفضة على ملحودة ، ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون .

=
عمه الحسين بن علي إلى العراق ، وكان فيمن قدم به دمشق مع علي بن الحسين ، ولد محمداً وانقرض ولده ، وكان رجلاً ناسكاً من أهل الصلاح والدين .
(12) ر : شبير بن خزيم الاسدي .
في مستدركات علم الرجال 2 | 37 : بشير بن جزيم الأسدي ، لم يذكروه ،وهو راوي خطبة مولاتنا زينب عليها السلام بالكوفة .
(13) ر : كأنما .
(14) ر : اسكنوا .
(15) ب .ع : أبي .
(16) ر : فلا رقت .
(17) ر : والظلف .
الملهوف على قتلى الطفوف 193

أتبكون وتنتحبون ؟! إي والله فأبكوا كثيراً ، واضحكوا قليلاً ، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها (18) ، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً ، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ، ومعدن الرسالة ، وسيد(19) شاب أهل الجنة ، وملاذ خيرتكم ، ومفرغ نازلتكم ، ومنار(20) حجتكم ، ومدرة سنتكم .
ألاساء ما تزرون ، وبعداً لكم سحقاً ، فلقد خاب السعي ، وتبت الأ يدي ، وخسرت الصفقة ن وبؤتم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلة والمسكنة .
ويلكم يا أهل الكوفة ، أتدرون (21) أي كبد لرسول الله فريتم ؟! وأي كريمة له أبرزتم ؟! وأي دم له سفكتم ؟! وأي حرمة له انتهكتم ؟! لقد جئتم بها صلعاء عنقاء سوداء فقماء (22) .
وفي بعضها : خرقاء شوهاء ، كطلاع الأرض وملاء السماء .
أفعجبتم أن مطرت(23) السماء دماً ، ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون ، فلا يستخفنكم المهل ، فانه لا يحفزه البدار ولا يخاف فوت الثار ، وإن ربكم لبالمرصاد .
قال الراوي(24) : فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون ، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم .

(18) ب : وسنآنها .
(19) ب : خاتم الأنبياء وسيد .
(20) ر : ومعاذ .
(21) ر : ويلكم أتدرون يا أهل الكوفة .
(22) ر : عنقاء سواآء فقماء ناداء .
(23) ب : قطرت .
(24) الراوي ، من ع
الملهوف على قتلى الطفوف 194

ورأيت شيخاً واقفاً إلى جنبي يبكي حتى اخضلت لحيته وهو يقول : بأبي أنتم وأمي كهولكم خير الكهول ، وشبابكم خير الشباب ، ونساؤكم خير النساء ، ونسلكم خير نسل ، لا يخزى ولا يبزى .
وروى زيد بن موسى (25) قال : حدثني أبي ، عن جدي عليهما السلام قال : خطبت فاطمة الصغرى عليها السلام بعد أن ورد من كربلاء ، فقالت :
الحمد الله عدد الرمل والحصى ، وزنة العرش إلى الثرى ، أحمده وأؤمن به وأتوكل عليه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً صلى الله عليه وآله عبده ورسوله ، وأن ذريته (26) ذبحوا بشط الفرات بغير ذحل ولا ترات (27) .
اللهم إني أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب ، وأن أقول عليك خلاف ما أنزلت من أخذ العهود لوصية علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، المسلوب حقه ، المقتول بغير ذنب ـ كما قتل ولده بالأمس ـ في بيت من بيوت الله ، فيه معشر مسلمة بألسنتهم ، تعساً لرؤوسهم ، ما دفعت عنه ضيماً في حياته ولا عند مماته ، حتى قبضته إليك (28) محمود النقيبة ، طيب العريكة ، معروف المناقب ، مشهور (29)

(25) زيد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين العلوي الطالبي ، ثائر ، خرج في العراق مع أبي السرايا ، توفي نحو سنة 250 هـ .
الأعلام 3 | 61 ، الكامل في التاريخ 6 | 104 ، مقاتل الطالبيين : 534 ، جمهرة الأنساب : 55 .
(26) ب : ولده . ع : أولاده .
(27) ر : من غير دخل ولا تراث . ع : بغير ذحل ولا تراب .
الذحل : الحقد والعداوة ، يقال : طلب بذحلة أي : بثاره . والموتور : الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه ، تقول منه : وتره يتره وتراً وتيرة .
الصحاح 4 | 1701 ، 2 | 483 .
(28) ر : قبضه الله إليه .
(29) ر : مشهود .
الملهوف على قتلى الطفوف 195

المذاهب ، لم تأخذه اللهم فيك لومة(30) لائم ولا عذل عاذل ، هديته يا رب للغسلام صغيراً ، وحمدت مناقبه كبيراً ، ولم يزل ناصحاً لك ولرسولك صلواتك عليه وآله حتى قبضته إليك ، ، زاهداً في الدنيا ، غير حريص عليها ، راغباً في الآخرة ، مجاهداً لك في سبيلك ، رضيته فاخترته وهديته(31) إلى صراط مستقيم .
أما بعد ، يا أهل الكوفة ، يا أهل المكر والغدر(32) والخيلاء ، فإنا أهل بيت ابتلانا الله بكم ، وابتلاكم بنا ، فجعل(33) بلاءنا حسناً ، وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا ، فنحن عيبة علمه ووعاء فهمه وحكمته وحجته على أهل الأرض في بلاده لعباده، أكرمنا الله بكرامته وفضلنا بنبيه محمد صلى الله عليه وآله على كثير ممن خلق تفضيلاً بيناً .
فكذبتمونا ، وكفرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالاً وأمولنا نهباً ، كأننا أولاد ترك أو كابل ، كما قتلتم جدنا بالأمس ، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت ، لحقد متقدم ، قرت لذلك(34) عيونكم ، وفرحت قلوبكم ، افتراء على الله ومكراً مكرتم (35) ، والله خير الماكرين .
فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أسبتم من دمائنا ونالت أيديكم من أموالنا ، فان ما اصابنا من المصائب الجليلة والرزايا العظيمة (36) في كتاب من

(30) ر : لم تأخذه في الله لومة .
(31) ر : رضيته فهديته .
(32) ر : يا أهل الغدر .
(33) ر : فوجد .
(34) ب : بذلك .
(35) ر : مكرتموه .
(36) ر : والرزء العظيم .
الملهوف على قتلى الطفوف 196

قبل أن نبرأها ، إن ذلك على الله يسير ، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم ، والله لا يحب كل مختال فخور .
تباً لكم (37) ، فانتظروا اللعنة والعذاب ، فكأن قد حل بكم ، وتواترت من السماء نقمات ، فيسحتكم بعذاب (38) ويذيق بعضكم بأس بعض ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ، ألا لعنه الله على الظالمين .
ويلكم ، أتدرون أية يد طاعنتنا منكم ؟! وأية نفس نزعت (39) إلى قتالنا ؟! أم بأية رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا ؟!
قست والله قلوبكم ، وغلظت أكبادكم ، وطبع على أفئدتكم ، وختم على أسماعكم و أبصاركم (40) ، وسول لكم الشيطان وأملى لكم وجعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون .
فتباً لكم يا أهل الكوفة ، أي ترات (41) لرسول الله صلى الله عليه وآله قبلكم وذحول (42) له لديكم بما عندتم (43) بأخيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) جدي وبنيه وعترة النبي الأخيار (44) صلوات الله وسلامه عليهم ، وافتخر بذلك مفتخركم فقال :
نحن قتلن علياً وبني علي(45) بسيوف هندية ورماح

(37) أمثالكم ، بدلاً من : تباً لكم ، في ر .
(38) ب : فيسحتكم بما كسبتم .
(39) ر : ترغب .
(40) ب . ع : سمعكم وبصركم .
(41) ر : تراث .
(42) ر . ع : ودخول ، والمثبت من ب .
(43) ر : غدرتم .
(44) ب : وعترة النبي الطاهرين الأخيار . ع : وعترته الطيبين الأخيار .
(45) ر : وعلياً وولده قد قتلنا .
الملهوف على قتلى الطفوف 197

وسبينا نساءهم سبي تُركِ(46) ونطحناهم فأي نطاح

بفيك أيها القائل الكثكث والأثلب (47) ، افتخرت بقتل قوم زكاهم الله وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فأكظم واقع كما أقعى أبوك ، فإنما لكل امرء ما اكتسب وما قدمت يداه .
أحسدتمونا (48) ـ ويلاً لكم ـ على ما فضلنا الله (49) .
شعر :
فما ذنبنا إن جاش دهراً بحورنا وبحرك ساج لا يواري الدَّعامصا(50)

ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم ، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور .
قال : وارتفعت الأصوات بالبكاء ، وقالوا : حسبك يابنة الطيبين ، فقد أحرقت قلوبنا وانضحت نحورنا(51) واضرمت اجوافنا ، فسكتت .

(46) ر : نساءه .
(47) الكثكث : فتاة الحجارة والتراب . وكذا الأثلب يأتي بهذا المعنى .
الصحاح 1 | 290 كثث ، و 94 ثلب .
وفي نسخة ب : ولك الأثلب .
(48) ب : حسدتمونا .
(49) ب : الله عليكم ، ولفظ : شعر ، لم يرد في ب .
(50) ر : وبحرك ناج ما يواري ...
وذكر الجوهري الشطر الأول هكذا : فما ذنبنا إن جاش بحر ابن عمكم . وقال : الدعموص : دويبة تغوص في الماء .
الصحاح 3 | 1040 دعمص .
(51) ر : وانضجت نحورنا .
وفي الصحاح 1 | 412 نضح الشجر : إذا تفطر ليخرج ورقه .
وفي ب : وانضجت نحورنا واضرمت اجوافنا ، فسكتت عليها وعلى أبيها وجدتها السلام .
الملهوف على قتلى الطفوف 198

قال : وخطبت أم كلثوم ابنت علي عليهما السلام في ذلك اليوم من وراء كلتها ، رافعة صوتها بالبكاء ، فقالت :
يا أهل الكوفة ، سوءاً (52) لكم ، مالكم خذلتم (53) حسيناً وقتلتموه وانتهبتم أمواله وورثتموه وسبيتم نساءه ونكبتموه ؟! فتباً لكم وسحقاً .
ويلكم ، أتدرون أي دواه دهتكم ؟ وأي وزر على ظهوركم حملتم ؟ وأي دماء سفكتموها ؟ وأي كريمة اهتضمتموها (54) ؟ وأي صبية سلبتموها ؟ وأي أموال نهبتموها ؟ قتلتم خير رجالات بعد النبي صلى الله عليه وآله ، ونزعت الرحمة من قلوبكم ، ألا إن حزب الله هم الغالبون وحزب الشيطان هم الخاسرون .
ثم قالت :
قتلتم أخـي صبراً فويــل لأمــكم ستجزون نـــاراً حــرها يتوفــد
سفكتم دمـاء حــرم الله سفكهــا وحرمهـــا القرآن ثــم مــحمـد
ألا فابشروا بـالنار إنكــم غــداً لفي قعر نـار حرهــا يتصعــد(55)
وإني لأبكي فـي حياتـي على أخي على خير مـن بعــد النبي سيولـد
بدمع غزير مستهــل مـكفكــف على الخد منــي دائـب (56) ليس

قال الراوي (57) : فضج الناس بالبكاء والنحيب والنوح ، ونشر النساء

(52) ع : سوئة .
(53) ر : ماخذلتم ، والمثبت من ع .
(54) ع : اصبتموها .
(55) ع : لفي سقر حقاً يقيناً تخلدوا .
(56) ع : دائماً .
(57) الراوي ، من نسخة ع .
الملهوف على قتلى الطفوف 199

شعورهن ، وحثين (58) التراب على رؤوسهن ، وخمش وجوههن ، ولطمن خدودهن ، ودعون بالويل والثبور ، وبكى الرجال ونتفوا لحاهم (59) ، فلم ير باكية وباك أكثر من ذلك اليوم .
ثم ، أن زين العابدين (عليه السلام) أومأ إلى الناس أن اسكتوا ، فسكتوا ، فقامق(60) ائماً ، فحمد الله وأثنىعليه وذكر النبي بما هو أهله فصلى عليه ، ثم قال :
« أيها الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي : أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل ولا ترات(61) ، أنا ابن من انتهك حريمه وسلب نعيمه وانتهب ماله وسبي عياله ، أنا ابن من قتل صبراً وكفى بذلك فخراً .
أيها الناس ، ناشدتكم الله هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه وخذلتموه ؟! فتباً لما قدمتم لأنفسكم وسوءاً(62) لرأيكم ، بأية عين تنظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله اذ يقول لكم : قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من أمتي ؟! » .
قال الراوي (63) : فارتفعت اصوات الناس من كل ناحية ، ويقول بعضهم لبعض : هلكتم وما تعلمون .
فقال : « رحم الله أمرءاً قبل نصيحتي وحفظ وصيتي في الله وفي رسوله وأهل

(58) ع : ووضعن .
(59) ونتفوا لحاهم ، لم يرد في ر ، واثبتناه من ع .
(60) ر : فقال .
(61) ر : من غير دخل ولا تراث .
(62) ع : وسوءة .
(63) الراوي ، من ع .
الملهوف على قتلى الطفوف 200

بيته ، فان لنا في رسول الله أسوة حسنة » .
فقالوا بأجمعهم : نحن كلنا يابن رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذمامك غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك ، فأمرنا بأمرك يرحمك الله ، فإنا حرب لحربك وسلم لسلمك ، لنأخذن يزيد ونبرأ ممن ظلمك وظلمنا .
فقال (عليه السلام) : « هيهات هيهات ، أيها الغدرة المكرة ، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم ، أتريدون أن تأتوا إلي كما أتيتم إلى أبي من قبل ؟! كلا ورب الراقصات ، فان الجرح لما يندمل ، قتل أبي صلوات الله عليه بالأمس وأهل بيته معه ، ولم ينسني ثكل رسول الله صلى الله عليه وآله وثكل أبي وبني أبي ، ووجده بين لهواتي (64) ومسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا » .
ثم قال :
لا غرو إن قتل الحسين وشيخه قد كان خيراً من حسين وأكرما(65)
فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي أصاب حسيناً كان ذلك أعظما
قتيل بشط النهر روحي فداؤه جزاء الذي أراده نار جهنما

ثم قال (عليه السلام) : « رضينا منكم رأساً برأس فلا يوم لنا ولا علينا » .
قال الراوي (66) : ثم ، أن ابن زياد جلس في القصر ، وأذن إذناً عاماً ، وجيء برأس الحسين (عليه السلام) فوضع بين يديه ، وأدخل نساء الحسين وصبيانه إليه .

(64) في متن ر : لهاتي ، وفي حاشيتها: لهواتي خ .
(65) كذا في ب . ع . وفي ر :
فلا غرو من قتل الحسين فشيخه أبوه علي كان خيراً وأكرما
(66) الراوي ، من ع .
الملهوف على قتلى الطفوف 201

فجلست زينب ابنت عي متنكرة ، فسأل عنها ، فقيل : هذه زينب ابنت علي .
فأقبل عليها وقال : الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم !!!
فقالت : إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر ، وهو غيرنا .
فقال ابن زياد : كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك ؟
فقالت : ما رأيت إلا جميلاً ، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل ، فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم ، فتحاج وتخاصم ، فانظر لمن الفلج يومئذ ، هبلتك (67) أمك يابن مراجانة .
قال الراوي(68) : فغضب وكأنه(69) هم بها .
فقال له عمرو بن حريث(70) : أيها الأمير إنها إمرأة ، والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها .
فقال لها ابن زياد : لقد شف الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك !!!
فقالت : لعمري لقد قتلت كهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي ، فان كان هذا شفاؤك(71) فقد اشتفيت .

(67) ب : ثكلتك .
(68) الراوي ، من ع .
(69) ر : فكأنه .
(70) ر : عمر بن حريث .
وهو : عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان بن عبد الله المخزومي ، روى عن أبي بكر وابن مسعود ، وروى عنه ابنه جعفر والحسن العرني والمغيرة بن سبيع وغيرهم ، كانت داره مأوى لأعداء أهل البيت ولي الكوفة لزياد بن أبيه ولأبنه عبيد الله ، مات سنة 85 هـ .
سير اعلام النبلاء 3 | 417 ـ 419 ، الأعلام 5 | 76
(71) ب . ع : شفاك . ر : فإن كان هذا شفاؤك فقد أشفيت .
الملهوف على قتلى الطفوف 202

فقال ابن زياد لعنه الله : هذه سجاعة ، ولعمري لقد كان أبوك شاعراً(72) .
فقالت : يا بن زياد ما للمرأة والسجاعة(73) .
ثم التفت ابن زياد لعنه الله إلى علي بن الحسين فقال : من هذا ؟
فقيل : علي بن الحسين .
فقال : أليس قد قتل الله علي بن الحسين ؟!
فقال له علي : « قد كان لي أخ يسمى علي بن الحسين قتله الناس » .
فقال: بل الله قتله .
فقال له علي :« الله يتوفى الأنفس حين موتها»(74) .
فقال ابن زياد : وبك جرأة على جوابي ، إذهبوا به فاضربوا عنقه .
فسمعت به عمته زينب ، فقالت : يا بن زياد ، إنك لم تبق منا أحداً ، فان كنت عزمت على قتله فاقتلني معه .
فقال علي لعمته : « اسكتي يا عمة حتى أكلمه » .
ثم أقبل إليه فقال : « أبالقتل تهددني يا بن زياد ، أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة » .
ثم أمر ابن زياد بعلي بن الحسين عليهما السلام وأهل بيته فحملوا إلى بيت في جنب (75) المسجد الأعظم .
فقالت زينب ابنت علي : لا يدخلن علينا عربية إلا أم ولد أو مملوكة ، فإنهن سبين كما سبينا .

(72) ر :... هذه شجاعة ولعمري لقد كان أبوك شجاعاً . ع:... لقد كان أبوك شاعراً سجاعاً .
(73) ر : والشجاعة .
(74) الزمر 39 : 42 .
(75) ب :... وأهله فحملوا إلى دار إلى جنب .
الملهوف على قتلى الطفوف 203

ثم أمر ابن زياد برأس الحسين (عليه السلام) ، فطيف به في سكك الكوفة .
ويحق لي أن أتمثل هنا أبياتاً (76) لبعض ذوي العقول ، يرثي بها قتيلاً من آل الرسول صلى الله عليه وآله فقال :
رأس ابــن بنت محمد ووصيــه للناظرين على قنـــاة يرفـــع
والمسلمون بمنظـــر وبسمــع ا منكر منهـــم ولا متفجـــع
كحلت بمنظرك العيون عمايـــة واصم رزؤك كل أذن تسمــــع
أيقظت أجفاناً وكنت لها كـــرى وأنتم عيناً لم تكن بـك تهجـــع
ما روضة إلا تمنـــت أنـــها لك حفرة ولخط قبرك مضجع(77)

قال الراوي(78) : ثم أن ابن زياد لعنه الله صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، وقال في بعض كلامه : الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين وأشياعه ، وقتل الكذاب ابن الكذاب !!!.
فما زاد على هذا الكلام شيئاً ، حتى قام إليه عبد الله بن عفيف الأزدي(79) ـ وكان من خيار الشيعة وزهادها ، وكانت عينه اليسرى قد ذهبت يوم الجمل والأخرى يوم صفين ، وكان يلازم المسجد الأعظم فيصلي فيه إلى الليل ـ فقال : يا بن مرجانة ، إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك ،ومن استعملك وأبوه ، يا عدو الله ، أتقتلون أولاد(80) النبيين وتتكلمون بهذا الكلام على منابر المسلمين(81) .

(76) ب : ههنا بأبيات .
(77) هذا البيت في ب مقدم على البيت الذي قبله .
(78) الراوي ، من ع .
(79) في أنساب الأشراف صفحة 210 : عبد الله بن عفيف الأزدي ثم الغامدي ، كان شيعياً ، وكانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل واليمنى يوم صفين ، وكان لا يفارق المسجد الأعظم .
(80) ب . ع : أبناء .
(81) ب . ع : المؤمنين .

السابق السابق الفهرس التالي التالي