الملهوف على قتلى الطفوف 172

يطلب شربة من ماء(111) فلا يجد ، حتى أصابه اثنتان وسبعون جراحة .
فوقف يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال ، فبينما هو واقف اذ أتاه حجر ، فوقع على جبهته ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن جبهته ، فأتاه سهم مسموم له ثلاث شعب ، فوقع على قلبه ، فقال (عليه السلام) : « بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله » .
ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : « اللهم إنك(112) تعلم أنهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن بنت نبي(113) غيره » .
ثم أخذ السهم ، فأخرجه من وراء ظهره(114) ، فانبعث الدم كأنه ميزاب ، فضعف عن القتال (115) ووقف ، فكلما (116) أتاه رجل انصرف عنه ، كراهية أن يلقى الله بدمه .
حتى جاءه رجل من كندة يقال له مالك بن النسر(117) لعنه الله ، فشتم الحسين وضربه على رأسه الشريف بالسيف ، فقطع البرنس ووصل السيف إلى رأسه وامتلأ البرنس دماً .
قال الراوي(118) : فاستدعى الحسين (عليه السلام) بخرقة ، فشد بها رأسه ، واستدعى بقلنسوة فلبسها واعتم عليها .

(111) ب : فكلما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم ، حتى أحلوه عنه .
(112) ع : الهي أنت .
(113) ر : نبيك .
(114) ظهره ، ولم يرد في ر .
(115) عن القتال ، لم يرد في ر .
(116) ر : وكلما .
(117) لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون .
(118) الراوي ، لم يرد في ر .
الملهوف على قتلى الطفوف 173

فلبثوا هنيئة ، ثم عادوا إليه وأحاطوا به ، فخرج عبد الله بن الحسن بن علي(119) ـ وهوغلام لم يراهق ـ من عند النساء ، فشهد حتى وقف إلى جنب الحسين (عليه السلام) ، فلحقته زينب ابنت علي لتحبسه (120) ، فأبى وامتنع امتناعاً شديداً وقال : والله(121) لا أفارق عمي .
فأهوى بحر بن كعب(122) ـ وقيل : حرملة بن الكاهل ـ إلى الحسين بالسيف .
فقال له الغلام : ويلك يا بن الخبيثة أتتقل عمي .
فضربه بالسيف ، فاتقاها الغلام بيده ، فاطنها إلى الجلد ، فإذا هي معلقة .
فنادى الغلام : يا عماه(123) .

فأخذه الحسين (عليه السلام) فضمه إليه وقال : « يا بن أخي ، إصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير ، فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين » .
قال : فرمه حرملة بن الكاهل لاعنه الله بسهم ، فذبحه وهو في حجر عمه الحسين (عليه السلام) .
ثم أن شمربن ذي الجوشن لعنه الله حمل على فسطاط الحسين (عليه السلام) فطعنه

(119) عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وأمه بنت السليل بن عبد الله أخي عبد الله بن جرير البجلي ، وقيل : أمه أم ولد ، وقيل : الرباب بنت امرئ القيس ، كان عمره حين قتل إحدى عشرة سنة .
تسمية من قتل مع الحسين : 150 ، مقاتل الطالبيين : 89 ، رجال الشيخ : 76 ، أنصار الحسين : 132 .
(120) ب : فقال الحسين (عليه السلام) : احبسيه يا أختي .
(121) ب . ع : لا والله .
(122) ب : أبجر بن كعب .
لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون .
ويأتي أنه أخذ سراويل الإمام الحسين (عليه السلام) .
(123) ب . ع : يا أماه .
الملهوف على قتلى الطفوف 174

بالرمح ، ثم قال : علي بالنار أحرقه على من فيه .
فقال له الحسين (عليه السلام) : « يابن ذي الجوشن ، أنت الداعي بالنار لتحرق على أهلي ، أحرقك الله بالنار » .
وجاء شبث فوبخه ، فاستحى وانصرف .
قال الراوي(124) : وقال الحسين (عليه السلام): « إيتوني بثوب(125) لا يرغب فيه أجعله تحت ثيابي ، لئلا أجرد منه » .
فأتي بتبان ، فقال : « لا ، ذاك لباس من ضربت عليه الذلة » .

فأخذ ثوبا خلقاً ، فخرقه وجعله تحت ثيابه ، فلما قتل جردوه منه (عليه السلام) .
ثم استدعى (عليه السلام) بسراويل من حبرة ، ففرزها ولبسها ، وإنما فرزها لئلا يسلبها ، فلما قتل سلبها بحر بن كعب لعنه الله وترك الحسين (عليه السلام) مجردا(126) ،(127) فكانت يدا بحر بعد ذلك تيبسان كأنهما عوداتان يابسان في الصيف وتترطبان في الشتاء فتنضحان قيحاً ودماً ، إلى أن أهلكه الله تعالى .
قال : ولما أثخن الحسين (عليه السلام) بالجراح ، وبقي(128) كالقنفذ ، طعنه صالح بن وهب المزني(129) لعنه الله على خاصرته طعنة ، فسقط الحسين (عليه السلام) عن فرسه إلىالأرض على خده الأيمن ، ثم قام صلوات الله عليه(130) .

(124) الراوي ، من .
(125) ب : ابعثوا إلي ثوباً . ع : ابغوا لي ثوباً .
(126) ب : سلبها أبجر بن كعب وتركه مجرداً .
(127) ر: يدا بحر تيبسان . ب: يد أبجر بعد ذلك ييبسان .
(128) ر : فبقى .
(129) في مستدركات علم الرجال 4 | 248 : صالح بن وهب المزني ، خبيث ملعون .
(130) ع : ... على خده الأيمن وهو يقول : بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ثم قام صلوات الله عليه .
الملهوف على قتلى الطفوف 175

قال الراوي(131) : وخرجت زينب من باب االفسطاط(132) وهي تنادي : وا أخاه ، وا سيداه ، وا أهل بيتاه ، ليت السماء انطبقت على الأرض ، وليت الجبال تدكدكت على السهل .
قال : وصاح شمر باصحابه : ما تنتظرون بالرجل .
قال : فحملوا عليه من كل جانب .
فضربه زرعة بن شريك(133) لعنه الله على كتفه اليسرى ، فضرب الحسين (عليه السلام) زرعة فصرعه .
وضربه آخر على عاتقه المقدس بالسيف ضربة كبا (عليه السلام) بها على وجهه(134) ، وكان قد أعيى ، فجعل (عليه السلام) ينوء ويكبو .
فطعنه سنان بن أنس النخعي(135) لعنه الله في ترقوته ، ثم انتزع الرمح فطعنه في بواني (136) صدره .
ثم رماه سنان أيضاً بسهم ، فوقع السهم في نحره ، فسقط (عليه السلام) ، وجلس قاعداً ،

(131) الراوي ، من ع .
(132) ب : من الفسطاط .
(133) بن شريك ، لم يرد في ر .
في مستدركات علم الرجال 3 | 426 : زرعة بن شريك التميمي ، لم يذكروه ، وهو ملعون خبيث .
(134) ب . ع : لوجهه .
(135) في مستدركات علم الرجال 4 | 161 : سنان بن أنس ، قاتل مولانا الحسين صلوات الله عليه ، قيل : قتله ابن زياد حين قال : قتلت خير الناس أماً وأباً ، والمشهور أنه قتله المختار .
وفي كتاب حكاية المختار : 45 أن ابراهيم قال لسنان عندما قبض عليه : يا ويلك أصدقني ما فعلت يوم الطف ؟ قال : ما فعلت شيئاً غير أني أخذت تكة الحسين من سرواله !!! فبكى إبراهيم عند ذلك ، فجعل يشرح لحم أفخاذه ويشويها علىنصف نضاجها ويطعمه إياه ، وكلما امتنع من الأكل ينخزه بالخنجر ، فلما أشرف على الموت ذبحه وأحرق جثته .
(136) ر : نواني ، والمثبت من ب . ع .
الملهوف على قتلى الطفوف 176

فنزع السهم من نحره ، وقرن كفيه جميعاً(137) ، وكلما امتلأتا من دمائه خضب بها رأسه ولحيته وهو يقول : « هكذا ألقى الله مخضباً بدمي مغصوباً على حقي » .
فقال عمر بن سعد لعنه الله لرجل عن يمينه : إنزل ويحك إلى الحسين فأرحه .
فبدر إليه خولي بن يزيد الأصبحي (138) ليحتز رأسه ، فأرعد .
فنزل إليه سنان بن أنس النخعي لعنه الله فضربه بالسيف في حلقه الشريف وهو يقول : والله إني لأحتز(139) رأسك وأعلم أنك ابن رسول الله وخير الناس أباً وأماً !!! ثم احتز رأسه الشريف صلى الله عليه وآله (140) .
وفي ذلك يقول الشاعر :
فأي رزية عدلت حسيناً غداة تبيره كفا سنان

وروي : أن سناناً هذا أخذه المختار فقطع أنامله أنملة أنملة ، ثم قطع يديه ورجليه ، وأغلى (141) له قدراً فيها زيت ، ورماه فيها وهو يضطرب .
وروى أبوطاهر محمد بن الحسين البرسي في كتابه معالم الدين (142) ، عن الصادق (عليه السلام) قال : « لما كان من أمر الحسين ما كان ، ضجت الملائكة وقالوا : يا ربنا(143) هذا الحسين صفيك وابن صفيك وابن بنت نبيك .

(137) جميعاً ، لم يرد في ر .
(138) في مستدركات علم الرجال 3 | 344 : خولي بن يزيد الأصبحي ، من قتلة أبي عبد الله (عليه السلام) ، قتله المختار .
(139) ب . ع : لا جتز .
(140) ب : رأسه المقدس المعظم صلى الله عليه وآله وسلم وكرم .
(141) ر : وغلا .
(142) قال الشيخ الطهراني في الذريعة 21 | 198 : معالم الدين ، للشيخ المتقدم أبي طاهر محمد بن الحسن القرسي ( البرسي ) ، يروي عنه السيد في اللهوف ... ويروي عنه في الإقبال ...
(143) ع : ضجت الملائكة إلى الله بالبكاء وقالت يا رب .
الملهوف على قتلى الطفوف 177

قال : فأقام الله ظل القائم (عليه السلام) وقال : بهذا أنتقم لهذا » .
قال الراوي : وارتفعت(144) في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة فيها ريح حمراء لا يرى فيها عين ولا أثر ، حتى ظن القوم أن العذاب قد جاءهم ، فلبثوا كذلك ساعة ، ثم انجلت عنهم .
وروى هلال بن نافع قال : إني لواقف مع أصحاب عمر بن سعد إذ صرخ صارخ : أبشر أيها الأمير ، فهذا شمر قد قتل الحسين (عليه السلام) .
قال : فخرجت بين الصفين ، فوقفت عليه ، فإنه ليوجد بنفسه ، فوالله ما رأيت قتيلاً مضمخاً بدمه أحسن منه ولا أنور وجهاً ، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيأته عن الفكر في قتله .
فاستسقى في تلك الحال ماءً ، فسمعت رجلاً يقول له : والله لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها !!!
فقال له الحسين (عليه السلام) : « لا ، بل (145) أرد على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وأسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، وأشرب من ماء غير آسن ، وأشكو إليه ما ارتكبتم مني وفعلتم بي » .
قال : فغضبوا بأجمعهم ، حتى كأن الله لم يجعل في قلب أحد منهم من الرحمة شيئاً ، فاحتزوا رأسه وإنه ليكلمهم ، فعجبت من قلة رحمتهم وقلت : والله لا أجامعكم على أمر أبداً .
قال : ثم أقبلوا على سلب الحسين (عليه السلام) ، فأخذ قميصه إسحاق بن حوبة

(144) ب : فلما قتل صلوات الله عليه ، وأرتفت .
ولفظ : الراوي ، لم يرد في ر . ب .
(145) ع : فتشرب من حميمها ، فسمعته يقول : يا ويلك أنا لا أرد الحامية ولا أشرب من حميمها بل .
الملهوف على قتلى الطفوف 178

الحضرمي(146) لعنه الله ، فلبسه فصار أبرص وامتعط شعره .
وروي : أنه وجد في قميصه (عليه السلام) ماءة وبضع عشرة ما بين رمية وضربه وطعنه .
قال الصادق (عليه السلام) : « وجد بالحسين (عليه السلام) ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة » .
وأخذ سراويله بحر بن كعب التيمي لعنه الله ، وروي : أنه صار زمناً مقعداً من رجليه .
وأخذ عمامته اخنس بن مرثد بن علقمة الحضرمي (147) لعنه الله ، وقيل : جابر ابن يزيد الأودي (148) لعنه الله ، فاعتم بها فصار معتوهاً .
وأخذ نعليه الأسود بن خالد(149) .
وأخذ خاتمه بجدل بن سليم الكلبي (150) لعنه الله ، فقطع إصبعه (عليه السلام) مع الخاتم ، وهذا أخذه المختار فقطع يديه ورجليه وتركه يتشحط في دمه حتى هلك .
وأخذ قطيفة له (عليه السلام) كانت من خز قيس بن الأشعث (151) لعنه الله .

(146) ع : حوية .
ويأتي أنه أحد العشرة الذين داسوا بخيولهم ظهر الحسين (عليه السلام) ، وهو ابن زنا .
(147) وفي بعض النسخ : اخنس بن مرتد .
ويأتي أنه أحد العشرة الذين داسوا الحسين (عليه السلام) بحوافر خيلهم ، حتى رضوا ظهره وصدره ، وهو من أولاد الزنا .
(148) في مستدركات علم الرجال 2 | 105 : جابر بن يزيد الأودي ، لم يذكروه ، وهو مذموم ملعون ...
(149) ذكر في ترجمة الامام الحسين من كتاب الطبقات : 187 باسم الأسود بن خالد الأودي .
وهو خبيث ملعون .
(150) ر : نجدل .
في مستدركات علم الرجال 2 | 5 : بجدل بن سليم الكلبي ، خبيث ملعون ، قتله المختار .
(151) في ترجمة الإمام الحسين من كتاب الطبقات : 187 : وأخذ قطيفته قيس بن الأشعث بن قيس

=

الملهوف على قتلى الطفوف 179

أخذ درعه البتراء عمر بن سعد لعنه الله ، فلما قتل عمر بن سعد وهبها المختار لأبي عمرة(152) قاتله .
وأخذ سيفه جميع بن الخلق الاودي (153) ، وقيل : رجل من بني تميم يقال له الأسود بن حنظلة (154) لعنه الله .
وفي رواية ابن سعد(155) أنه أخذ سيفه الفلافس النهشلي(156) ، وزاد محمد بن زكريا(157) : أنه وقع بعد ذلك إلى بنت حبيب بن بديل (158) .
وهذا السيف المنهوب ليس بذي الفقار : فإن ذلك كان مذخوراً ومصونا مع

=
الكندي ، فكان يقال له : قيس قطيفة .
لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون .
(152) لم يذكروه .
(153) ب : الأزدي .
وفي ترجمة الإمام الحسين من كتاب الطبقات : 187 : وأخذ سيفاً آخر جميع بن الخلق الأودي .
لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون .
(154) لم يذكروه وهو خبيث ملعون .
(155) ر : ابن سعيد . ع : ابن أبي سعد . والمثبت من ب ، وهو الصحيح ، لأن المراد به محمد بن سعد بن منيع البصري ، المتوفى سنة 230 هـ ، صاحب كتاب الطبقات الكبرى الذي طبع ناقصاً ، ومن أماكن نقصه ترجمة الإمام الحسين ، وطبعت ترجمة الامام الحسين من كتاب الطبقات في مجلة تراثنا العدد 10 بتحقيق العلامة السيد عبد العزيز الطباطبائي .
وما نقله هنا عن ابن سعد تجده في تراثنا 10 | 187 .
(156) ر : القلاقس . ب : القلافس . والمثبت من ع ، وترجمة الامام الحسين من كتاب الطبقات : 187 .
(157) أبو عبد الله محمد بن زكريا بن دينار الغلابي ، كان وجهاً من وجوه أصحابنا بالبصرة ، توفي سنة 298 هـ ، له كتاب مقتل الحسين (عليه السلام) .
رجال النجاشي : 346 ـ 347 ، الفهرست للنديم : 121 ، تنقيح المقال 3 | 117 .
(158) لم أهتد إلى من ذكر بنت حبيب بن بديل ، وحبيب بن بديل هو من رواة حديث الولاية .
راجع : الغدير 1 | 25 ، أسد الغابة 1 | 441 .
الملهوف على قتلى الطفوف 180

أمثاله من ذخائر النبوة والإمامة ، وقد نقل الرواة تصديق ما قلناه وصورة ما حكيناه .
قال الراوي (159) : وجاءت جارية من ناحية خيم الحسين (عليه السلام) .
فقال لها رجل : يا أمة الله إن سيدك قتل .
قالت الجارية : فاسرعت الى سيداتي وأنا اصيح ، فقمن في وجهي وصحن .

قال : وتسابق القوم على نهب بيوت آل الرسول وقرة عين الزهراء البتول ، حتى جعلوا ينتزعون ملحفة المرأة عن ظهرها ، وخرج بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وحريمه يتساعدن على البكاء ويندبن لفراق الحماة(160) والأحباء .
فروى حميد بن مسلم قال : رأيت امرأة من بني بكر(161) بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد ، فلما رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين (عليه السلام) في فسطاطهن وهم يسلبونهن ، أخذت سيفاً وأقبلت نحو الفسطاط وقالت : يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول الله ؟!! لا حكم إلا لله ، يالثارات رسول الله ، فأخذها زوجها فردها إلى رحله .
قال الراوي : ثم أخرجوا النساء من الخيمة وأشعلوا فيها النار ، فخرجن حواسر مسلبات حافيات باكيات يمشين سبايا في أسر الذلة .
وقلن : بحق الله إلا ما مررتم بنا على مصرع الحسين ، فلما نظر النسوة إلى القتلى صحن وضربن وجوههن .
قال : فوالله لا أنسى زينب ابنت علي وهي تندب الحسين (عليه السلام) وتنادي بصوت

(159) الراوي ، من ع .
(160) ر : الأكماة .
(161) ب : من بكر .
الملهوف على قتلى الطفوف 181

حزين وقلب كئيب : وا محمداه ، صلى عليك مليك السماء ، هذا حسين بالعراء ، مرمل بالدماء ، مقطع الأعضاء ، وا ثكلاه ، وبناتك سبايا ، إلى الله المشتكى وإلى محمد المصطفى وإلى علي المرتضى وإلى فاطمة الزهراء وإلى حمزة سيد الشهداء .
وا محمداه ، وهذا حسين بالعراء ، تسفي عليه ريح الصباء ، قتيل أولاد البغايا .
واحزناه ، واكرباه عليك يا أبا عبد الله اليوم مات جدي رسول الله صلى الله عليه وآله .
يا أصحاب محمد ، هؤلاء ذرية المصطفى يساقون سوق السبايا .
وفي بعض الروايات : وا محمداه ، بناتك سبايا (162) ، وذريتك مقتلة تسفي عليهم ريح الصباء ، وهذا حسين محزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والردا .
بأبي من أضحى عسكره في يوم الإثنين نهبا ، بأبي من فسطاطه مقطع العرى ، بأبي من لا غائب فيرتجى ، ولا جريح فيداوى ، بأبي من نفسي له الفداء ، بأبي المهموم حتى قضى ، بأبي العطشان حتى مضى ، بأبي من يقطر شيبه بالدماء (163) ، بأبي من جده رسول اله السماء ، بأبي من هو سبط نبي الهدى ، بأبي محمد المصطفى ، بأبي علي المرتضى ، بأبي خديجة الكبرى ، بأبي فاطمة الزهراء سيدة النساء ، بأبي من ردت عليه الشمس حتى صلى .
قال الراوي(164) : فأبكت والله كل عدو وصديق .
ثم أنه سكينة (165) اعتنقت جسد الحسين (عليه السلام) ، فاجتمع عدة من الأعراب حتى جروها عنه .

(162) ر : السبايا .
(163) ب .ع : شيبته تقطر بالدماء . وفي ع جاء بعد هذا : بأبي من جده محمد المصطفى .
(164) الراوي ، من ع .
(165) سكينة بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، كريمة نبيلة ، كانت سيدة نساء عصرها ، توفيت سنة 117 هـ ، نسب إليها بعض المؤرخين أموراً نقطع بكذبها وافترائها عليها ، ليس هذا محل ذكرها .
الطبقات 8 | 348 ، الدر المنثور : 244 ، وفيات الأعيان 1 | 211 ، الأعلام 3 | 106
الملهوف على قتلى الطفوف 182

قال الراوي(166) : ثم نادى عمر بن سعد في أصحابه (167) : من ينتدب للحسين فيوطئ الخيل ظهره (168) ؟
فانتدب منهم عشرة ، وهم : إسحاق بن حوبة الذي سلب الحسين (عليه السلام) قميصه ، وأخنس بن مرثد ، وحكيم بن طفيل السبيعي(169) ، وعمر بن صبيح الصيداوي(170) ، ورجاء بن منقذ العبدي (171) ، وسالم بن خيثمة الجعفي(172) ، وصالح بن وهب الجعفي(173) ، وواحظ بن غانم(174) ، وهاني بن ثبيت الحضرمي(175) ، وأسيد بن مالك(176) لعنهم الله فداسوا الحسين (عليه السلام) بحوافر

(166) الراوي ، من ع .
(167) ر : ثم أن عمر بن سعد قال .
(168) ع : ظهره وصدره .
(169) ب . ع : السنبسي ، والمثبت من ر .
وهو : حكيم بن طفيل الطائي ، من المقدمين في العصر الأموي ، ولما امتلك المختار الكوفة ونادى بقتل قتلة الحسين ، قبض عليه ، وقتله رمياً بالسهام حتى صار كأنه القنفذ .
الكامل في التاريخ 4 | 94 ، الأعلام 2 | 269 .
(170) لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون .
(171) في مستدركات علم الرجال 3 | 395 : رجاء بن المنقذ العبدي ، لم يذكروه ، خبيث .
(172) ع : خيثمة .
في مستدركات علم الرجال 4 | 7 : سالم بن خيثمة الجعفي ، لم يذكروه ، خبيث ملعون .
(173) في مستدركات علم الرجال 4 | 248 : صالح بن وهب المزني ، خبيث ملعون .
(174) ب . ع : ناعم .
لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون .
(175) ع : وهاني بين شبث .
لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون .
(176) لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون .
الملهوف على قتلى الطفوف 183

خيلهم حتى رضوا ظهره وصدره(177) .
قال الراوي : وجاء هؤلاء العشرة حتى وقفوا على ابن زياد لعنه الله ، فقال أسيد بن مالك أحد العشرة .
نحن رضضنا الصدر بعد الظهر بكل يعبوب شديد الأسر

فقال ابن زياد لعنه الله : من أنتم ؟
قالوا : نحن الذين وطئنا بخيولنا ظهر الحسين حتى طحنا حناجر صدره .
قال : فأمر لهم بجائزة يسيرة .
قال أبو عمر(178) الزاهد : فنطرنا في هؤلاء العشرة ، فوجدناهم جميعاً أولاد زنا .
وهؤلاء أخذهم المختار ، فشد أيديهم وأرجلهم بسكك الحديد ، وأوطأ الخيل ظهورهم حتى هلكوا .
وروى ابن رباح (179) قال : لقيت رجلاً مكفوفاً قد شهد قتل الحسين (عليه السلام) .
فسئل عن ذهاب بصره ؟
فقال : كنت شهدت قتله عاشر عشرة ، غير أني لم أطعن ولم أضرب ولم أرم ،

(177) ذهب الكثير من علمائنا إلى أنهم عزموا على رض ظهر الحسين وصدره ، ولكن لم يمكنهم الله من ذلك ، ووردت بهذا المطلب عدة روايات ، والله العالم .
(178) ب : أبو عمرو .
هو محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم المطرز الباوردي ، المعروف بغلام ثعلب ، أحد أئمة اللغة ، صحب ثعلباً النحوي ، وكان من المكثرين في التصنيف ، توفي في بغداد سنة 345 هـ .
وفيات الأعيان 1 | 500 ، تاريخ بغداد 2 | 356 ، الأعلام 6 | 254 .
(179) هو عطاء بن أبي رباح ، تابعي ، كان عبداً أسوداً ، ولد باليمن ونشأ بمكة ، فكان مفتي أهلها ، توفي فيها سنة 114 هـ .
تذكرة الحفاظ 1 | 92 ، صفة الصفوة 2 | 119 ، الأعلام 4 | 135 .
الملهوف على قتلى الطفوف 184

فلما قتل رجعت إلى منزلي وصليت العشاء الآخرة ونمت .
فأتاني آت في منامي ، فقال : أجب رسول الله صلى الله عليه وآله .
فقلت : مالي وله .
فأخذ بتلابيبي وجرني إليه ، فإذا النبي صلى الله عليه وآله جالس في صحراء ، حاسر عن ذراعية ، آخذ بحربة ، وملك قائم بين يديه وفي يده سيف من نار يقتل أصحابي التسعة ، فلما ضرب ضربة التهبت أنفسهم ناراً .
فدنوت منه وجثوت بين يديه وقلت : السلام عليك يا رسول الله ، فلم يرد علي ، ومكث طويلاً .
ثم رفع رأسه وقال : يا عدو الله أنتهكت حرمتي وقتلت عترتي ولم ترع حقي وفعلت ما فعلت .
فقلت : يا رسول الله ، والله ما ضربت بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم .
فقال : صدقت ، ولكن كثرت السواد ، أدن مني ، فدنوت منه ، فاذا طشت مملو دماً ، فقال لي : هذا دم ولدي الحسين (عليه السلام) ، فكحلني من ذلك الدم ، فانتبهت حتى الساعة لا أبصر شيئاً .
وروي عنه الصادق (عليه السلام) ، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : « إذا كان يوم القيامة نصب لفاطمة عليها السلام قبة من نور، ويقبل الحسين (عليه السلام) ورأسه في يده ، فإذا رأته شهقت شهقة لا يبقى في الجمع ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا بكى لها ، فيمثله الله عز وجل لها في أحسن صورة ، وهو يخاصم قتلته بلا رأس ، فيجمع الله لي قتلته والمجهزين عليه ومن شرك في دمه ، فأقتلهم حتى آتي على آخرهم ، ثم ينشرون فيقتلهم أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ثم ينشرون فيقتلهم الحسن (عليه السلام) ، ثم

الملهوف على قتلى الطفوف 185

ينشرون فيقتلهم الحسين (عليه السلام) ، ثم ينشرون فلا يبقى من ذريتنا أحد إلا قتلهم ، فعند ذلك يكشف الغيط وينسى الحزن » .
ثم قال الصادق (عليه السلام) : « رحم الله شيعتنا ، هم والله المؤمنون وهم المشاركون لنا (180) في المصيبة بطول الحزن والحسرة » .
وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : « اذا كان يوم القيامة تأتي فاطمة عليها السلام في لمة من نسائها .
فيقال لها : ادخلي الجنة .
فتقول : لا أدخل حتى أعلم ما صنع بولدي من بعدي .
فيقال لها : أنظري في قلب القيامة ، فتنظر إلى الحسين (عليه السلام) قائماً ليس عليه رأس ، فتصرح صرخة ، فأصرخ لصراخها وتصرخ الملائكة لصراخها » .
وفي رواية أخرى : « وتنادي وا ولداه ، واثمرة فؤاداه » .
قال : « فيغضب الله عز وجل لها عند ذلك ، فيأمر ناراً يقال لها هبهب قد أوقد عليها ألف عام حتى اسودت ، لا يدخلها روح أبداً ولا يخرج منها غم أبداً .
فيقال لها : التقطي قتلة الحسين (عليه السلام) ، فتلتقطهم ، فإذا صاروا في حوصلتها صهلت وصهلوا بها وشهقت وشهقوا بها وزفرت وزفروا بها .
فينطقون بألسنة حداد ذلقة ناطقة : يا ربنا بم أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان ؟
فيأتيهم الجواب عن الله عز وجل : ليس من علم كمن لا يعلم » .

(180) ع : قد والله شركونا .
الملهوف على قتلى الطفوف 186

روى هذه الحديثين ابن بابويه في كتاب عقاب الأعمال (181)(182) .

(181) محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، يعرف بالشيخ الصدوق ، محدث كبير ، لم ير في القميين مثله ، نزل بالري ، توفي سنة 381 هـ ودفن بالري ، له عدة مؤلفات .
وكتاب عقاب الأعمال تعرض فيه لذكر عقاب الأعمال المنهي عنها ، طبع مع ثواب الأعمال له عدة مرات .
رياض العلماء 5 | 119 ، الكنى والألقاب 1 | 212 ، تنقيح المقال 3 | 154 ، الأعلام 6 | 274 .
(182) جاء بعد هذا في ع :
ورأيت في المجلد الثلاثين من تذييل شيخ المحدثين ببغداد محمد بن النجار في ترجمة فاطمة بنت أبي العباس الأزدي بإسناده عن طلحة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إن موسى بن عمران سأل ربه قال : يا رب إن أخي هارون مات فاغفر له ، فأوحى الله إليه : يا موسى بن عمران ، لو سألتني في الأولين والآخرين لا جبتك ، ما خلا قاتل الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهما .

السابق السابق الفهرس التالي التالي