العباس بن علي رائد الكرامة والفداء 42

الهدى وسيّد الشهداء الاِمام الحسين ( عليه السلام ) ، وقد ارتقى بذلك إلى قمّة الشرف والمجد ، وخلدت نفسه العظيمة على امتداد التأريخ ، فما دامت القيم الاِنسانية يخضع لها الاِنسان ، ويمجّدها فأبو الفضل قد بلغ قمّتها وذروتها.
ب ـ الصلابة في الاِيمان:


والظاهرة الاَخرى من صفات أبي الفضل ( عليه السلام ) هي الصلابة في الاِيمان وكان من صلابة إيمانه انطلاقه في ساحات الجهاد بين يدي ريحانة رسول الله مبتغياً في ذلك الاَجر عند الله ، ولم يندفع إلى تضحيته بأي دافع من الدوافع المادية ، كما أعلن ذلك في رجزه يوم الطفّ ، وكان ذلك من أوثق الاَدلة على إيمانه.

ج ـ الجهاد مع الحسين:


وثمّة مكرمة وفضيلة أخرى لبطل كربلاء العباس ( عليه السلام ) أشاد بها الاِمام الصادق ( عليه السلام ) وهي جهاده المشرق بين يدي سبط رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وسيّد شباب أهل الجنّة ، ويعتبر الجهاد في سبيله من أسمى مراتب الفضيلة التي انتهى إليها أبو الفضل ، وقد أبلى بلاءً حسناً يوم الطفّ لم يشاهد مثله في دنيا البطولات.

د ـ زيارة الاِمام الصادق:


وزار الاِمام الصادق ( عليه السلام ) أرض الشهادة والفداء كربلاء ، وبعدما انتهى من زيارة الاِمام الحسين وأهل بيته والمجتبين من أصحابه ، انطلق بشوق إلى زيارة قبر عمّه العبّاس ، ووقف على المرقد المعظّم ، وزاره بالزيارة التالية التي تنمّ عن سموّ منزلة العبّاس ، وعظيم مكانته ، وقد استهلّ زيارته

العباس بن علي رائد الكرامة والفداء 43

التالية التي تنمّ عن سموّ منزلة العبّاس ، وعظيم مكانته ، وقد استهلّ زيارته بقوله:
سلام الله ، وسلام ملائكته المقرّبين ، وأنبيائه المرسلين ، وعباده الصالحين ، وجميع الشهداء والصدّيقين والزاكيات الطيّبات فيما تغتدي وتروح عليك يا ابن أمير المؤمنين.. ».
لقد استقبل الاِمام الصادق عمّه العباس بهذه الكلمات الحافلة بجميع معاني الاِجلال والتعظيم ، فقد رفع له تحيات من الله وسلام ملائكته ، وأنبيائه المرسلين ، وعباده الصالحين ، والشهداء ، والصدّيقين ، وهي أندى وأزكى تحيّة رفعت له ، ويمضي سليل النبوّة الاِمام الصادق ( عليه السلام ) في زيارته قائلاً:
وأشهد لك بالتسليم ، والتصديق ، والوفاء ، والنصيحه لخلف النبيّ المرسل ، والسبط المنتجب ، والدليل العالم ، والوصي المبلّغ والمظلوم المهتضم.. »
وأضفى الاِمام الصادق ( عليه السلام ) بهذا المقطع أوسمة رفيعة على عمّه العبّاس هي من أجلّ وأسمى الاَوسمة التي تضفى على الشهداء العظام ، وهي:
أ ـ التسليم:


وسلّم العباس ( عليه السلام ) لاَخيه سيّد الشهداء الاِمام الحسين ( عليه السلام ) جميع أموره ، وتابعه في جميع قضاياه حتّى استشهد في سبيله ، وذلك لعلمه بإمامته القائمة على الاِيمان الوثيق بالله تعالى ، وعلى أصالة الرأي وسلامة القصد ، والاِخلاص في النيّة.

العباس بن علي رائد الكرامة والفداء 44

ب ـ التصديق:


وصدّق العبّاس ( عليه السلام ) أخاه ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في جميع اتجاهاته ، ولم يخامره شكّ في عدالة قضيّته ، وانّه على الحق ، وان من نصب له العداوة وناجزه الحرب كان على ضلال مبين.
ج ـ الوفاء:


من الصفات الكريمة التي أضافها الاِمام الصادق ( عليه السلام ) على عمّه أبي الفضل ( عليه السلام ) ، الوفاء ، فقد وفى ما عاهد عليه الله من نصرة إمام الحق أخيه أبي عبدالله الحسين ( عليه السلام ) ، فقد وقف إلى جانبه في أحلك الظروف وأشدّها محنة وقسوة ، ولم يفارقه حتى قطعت يداه ، واستشهد في سبيله.
لقد كان الوفاء الذي هو من أميز الصفات الرفيعة عنصراً من عناصر أبي الفضل وذاتياً من ذاتياته ، فقد خُلِق للوفاء والبرّ للقريب والبعيد.
د ـ النصيحة:


وشهد الاِمام الصادق بنصيحة عمّه العبّاس لاَخيه سيّد الشهداء ( عليه السلام ) ، فقد أخلص له في النصيحة على مقارعة الباطل ، ومناجزة أئمّة الكفر والضلال ، وشاركه في تضحياته الهائلة التي لم يشاهد العالم مثلها نظيراً في جميع فترات التاريخ... ولننظر إلى بند آخر من بنود هذه الزيارة الكريمة ، يقول ( عليه السلام ) :
« فجزاك الله عن رسوله ، وعن أمير المؤمنين ، وعن الحسن والحسين صلوات الله عليهم أفضل الجزاء بما صبرت ، واحتسبت ، وأعنت فنعم عقبى الدار ... ».
وحوى هذا المقطع على إكبار الاِمام الصادق ( عليه السلام ) لعمّه العبّاس وذلك لما قدّمه من الخدمات العظيمة ، والتضحيات الهائلة لسيّد شباب أهل

العباس بن علي رائد الكرامة والفداء 45

الجنّة ، وريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الاِمام الحسين ( عليه السلام ) فقد فداه بروحه ، ووقاه بمهجته ، وصبر على ما لاقاه في سبيله من المحن والشدائد مبتغياً في ذلك الاَجر عند الله ، فجزاه الله عن نبيّه الرسول الاَعظم ( صلى الله عليه وآله ) وعن باب مدينته الاِمام أمير المؤمنين ، وعن الحسن والحسين أفضل الجزاء على عظيم تضحياته.
ويستمرّ مجدّد الاِسلام الاِمام الصادق ( عليه السلام ) في زيارته لعمّه العبّاس ، فيذكر صفاته الكريمة ، وما له من المنزلة العظيمة عند الله تعالى ، فيقول بعد السلام عليه:
« أشهد ، وأُشهد الله أنّك مضيت على ما مضى به البدريون والمجاهدون في سبيل الله ، المناصحون له في جهاد أعدائه ، المبالغون في نصرة أوليائه ، الذابّون عن أحبّائه ، فجزاك الله أفضل الجزاء وأوفى الجزاء ، وأوفى جزاء أحد ممن وفي ببيعته ، واستجاب لدعوته ، وأطاع ولاة أمره... ».
لقد شهد الاِمام الصادق العقل المفكّر والمبدع في الاِسلام ، واشهد الله تعالى على ما يقول: من أنّ عمّه أبا الفضل العبّاس ( عليه السلام ) قد مضى في جهاده مع أخيه أبي الاَحرار الاِمام الحسين ( عليه السلام ) ، على الخطّ الذي مضى عليه شهداء بدر الذين هم من أكرم الشهداء عند الله فهم الذين كتبوا النصر للاِسلام ، وبدمائهم الزكية ارتفعت كلمة الله عالية في الاَرض وقد استشهدوا وهم على بصيرة من أمرهم ، ويقين من عدالة قضيّتهم ، وكذلك سار أبو الفضل العبّاس على هذا الخطّ المشرق ، فقد استشهد لاِنقاذ الاِسلام من محنته الحازبة ، فقد حاول صعلوك بني أميّة حفيد أبي سفيان أن يمحو كلمة الله ، ويلف لواء الاِسلام ، ويعيد الناس لجاهليتهم الاَولى ، فثار أبو الفضل

العباس بن علي رائد الكرامة والفداء 46

بقيادة أخيه أبي الاَحرار في وجه الطاغية السفّاك ، وتحققت بثورتهم كلمة الله العليا في نصر الاِسلام وإنزال الهزيمة الساحقة بأعدائه وخصومه.
ويستمرّ الاِمام الصادق ( عليه السلام ) في زيارته لعمّه العباس فيسجّل ما يحمله من إكبار وتعظيم ، فيقول:
« أشهد أنّك قد بالغت في النصيحة ، وأعطيت غاية المجهود فبعثك الله في الشهداء ، وجعل روحك مع أرواح السعداء ، وأعطاك من جنانه أفسحها منزلاً ، وأفضلها غرفاً ، ورفع ذكرك في علّيين وحشرك مع النبّيين ، والصديقين والشهداء ، والصالحين ، وحسن أُولئك رفيقاً.
أشهد أنّك لم تهن ولم تنكل ، وانّك مضيت على بصيرة من أمرك ، مقتدياً بالصالحين ، ومتبعاً للنبيّين ، فجمع الله بيننا ، وبينك وبين رسوله وأوليائه في منازل المخبتين ، فانّه أرحم الراحمين.. »
(1).
ويلمس في هذه البنود الاَخيرة من الزيارة مدى أهميّة العبّاس ، وسموّ مكانته عند إمام الهدي الاِمام الصادق ( عليه السلام ) ، وذلك لما قام به هذا البطل العظيم من خالص النصيحة ، وعظيم التضحيّه لريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الاِمام الحسين ( عليه السلام ) ، كما دعا الاِمام له ببلوغ المنزلة السامية عند الله التي لا ينالها إلاّ الاَنبياء ، واوصيائهم ، ومن أمتحن الله قلبه للاِيمان.

3 ـ الاِمام الحجّة:

وأدلى الاِمام المصلح العظيم بقيّة الله في الاَرض قائم آل محمد ( صلى الله عليه وآله )

(1) مفاتيح الجنان للقمّي وغيره من كتب الزيارات والاَدعية.
العباس بن علي رائد الكرامة والفداء 47

بكلمة رائعة في حقّ عمّه العبّاس ( عليه السلام ) جاء فيها :
« السلام على أبي الفضل العبّاس ابن أمير المؤمنين ، المواسي أخاه بنفسه ، الآخذ لغده من أمسه ، الفادي له ، الواقي ، الساعي إليه بمائه ، المقطوعة يداه ، لعن الله قاتليه يزيد بن الرقاد ، وحكيم بن الطفيل الطائي.. »(1).
وأشاد بقيّة الله في الاَرض بالصفات الكريمة الماثلة في عمّه قمر بني هاشم وفخر عدنان ، وهي:
1 ـ مواساته لاَخيه سيّد الشهداء ( عليه السلام ) ، فقد واساه في أحلك الظروف ، وأشدّها محنة وقسوة ، وظلّت مواساته له مضرب المثل على امتداد التاريخ.
2 ـ تقديمه أفضل الزاد لآخرته ، وذلك بتقواه ، وشدّة تحرّجه في الدين ، ونصرته لاِمام الهدى.
3 ـ تقديم نفسه ، واخوته ، وولده فداءً لسيّد شباب أهل الجنّة الاِمام الحسين ( عليه السلام ) .
4 ـ وقايته لاَخيه المظلوم بمهجته.
5 ـ سعيه لاَخيه وأهل بيته بالماء حينما فرضت سلطات البغي والجور الحصار على ماء الفرات من أن تصل قطرة منه لآل النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) .

4 ـ الشعراء:

وهام الاَحرار من شعراء أهل البيت : بشخصية أبي الفضل التي

(1) مزار محمد بن المشهدي من أعلام القرن السادس : 553.
العباس بن علي رائد الكرامة والفداء 48

بلغت قمّة الشرف والمجد ، وسجّلت صفحات من النور في تاريخ الاَمّة الاِسلامية ، وقد نظموا في حقّه روائع الشعر العربي إكباراً وإعجاباً بمثله الكريمة ، فيما يلي بعضهم.
1 ـ الكُمَيْت:


أمّا شاعر الاِسلام الاَكبر الكُميت الاَسدي فقد انطبع حبّ أبي الفضل في أعماق نفسه ، وقد تعرّض لمدحه في إحدى هاشمياته الخالدة قال:
وأبو الفضل إنّ ذكرهم الحلو شفاء النفوس من استقام(1)

إنّ ذكر أبي الفضل العباس ( عليه السلام ) ، وسائر أهل البيت : حلو عند كل شريف لاَنّه ذكر للفضيلة والكمال المطلق ، كما أنّه شفاء للنفوس من أسقام الجهل والغرور ، وسائر الاَمراض النفسية.
2 ـ الفضل بن محمد:


من الشعراء الملهمين الذين هاموا بشخصية أبي الفضل ( عليه السلام ) هو حفيده الشاعر الكبير الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيدالله بن العباس فقد قال:
إني لاَذكــر للعبّــاس موقفه بكربــلاء وهام القوم يختطف
يحمي الحسين ويحميه على ظمأ ولا يـولّـي ولا يثنـي فيختلف
ولا أرى مشهـداً يوماً كمشهده مع الحسين عليه الفضل والشرف


(1) الهاشميات : 25 ، ومن الغريب أن الشارح لهذا الديوان قال: ان المراد بأبي الفضل هو العباس بن عبد المطلب.
العباس بن علي رائد الكرامة والفداء 49

أكرم به مشهداً بانت فضيلته وما أضاع له أفعاله خلف

وصوّرت هذه الاَبيات شجاعة أبي الفضل ( عليه السلام ) وما قام به من دور مشرق يدعو إلى الاعتزاز والفخر في حماية أخيه أبي الاَحرار ، ووقايته له بمهجته ، وسقايته له ولاَفراد عائلته وأطفاله بالماء ، فلم يكن هناك مشهد أفضل ولا أسمى من هذا الموقف الرائع الذي وقفه أبو الفضل مع أخيه أبي عبدالله ( عليه السلام ) ... وقد استولت مواقف أبي الفضل على حفيده الفضل فهام بها ورثاه بذوب روحه ، وكان من رثائه له هذه الاَبيات الرقيقة:
أحق النـاس أن يبكى عليه فتى أبكى الحسين بكربـلاء
أخوه وابـن والده علــي أبو الفضل المضرّج بالدماء
ومن واسـاه لا يثنيه شيء وجادله على عطش بماء(2)

نعم ان أحق الناس أن يمجد ويبكى على ما حلّ به من رزء قاصم هو أبوالفضل رمز الاِباء والفضيلة ، فقد رزأ الاِمام الحسين ( عليه السلام ) بمصرعه ، وبكاه أمرّ البكاء لاَنّه فقد بمصرعه أبرّ الاِخوان ، وأعطفهم عليه.
3 ـ السيّد راضي القزويني:


وهام الشاعر العلوي السيّد راضي القزويني بشخصية أبي الفضل ( عليه السلام ) قال:
أبا الفضل يا من أسس الفضل والاِبا أبى الفضل إلاّ أن تكون لـه أبـا


(1) قمر بني هاشم : 147 نقلاً عن المجدي.
(2) الغدير 3: 5.
العباس بن علي رائد الكرامة والفداء 50

تطلبت أسبـاب العلـى فبلغتها وما كل ساع بالغ ما تطلبـا
ودون احتمال الضيم عزّ ومنعة تخيرت أطراف الاَسنّة مركبا

انّ أبا الفضل من المؤسسين للفضل والاِباء في دنيا العرب والاِسلام فقد سما إلى طرق المجد ، وأسباب العلى ، فبلغ قمّتها ، وقد تخير أطراف الاَسّنة والرماح حتى لا يناله ذلّ ، ولا ضيم.
4 ـ محمد رضا الاَزري:


وأشاد الشاعر الكبير الحاج محمد رضا الاَزري في رائعته بالمثل الكريمة التي تحلّى بها قمر بني هاشم ، والتي احتلت عواطف الاَحرار ومشاعرهم يقول:
فانهض الى الذكر الجميل مشمّراً فالذكر أبقى ما اقتنتـه كرامها
أوما أتاك حديث وقعة كربــلا انّى وقـد بلـغ السمـاء قتامها
يوم أبو الفضل استجار به الهدى والشمس من كدر العجاج لثامها

ودعا الاَزري بالبيت من رائعته إلى اقتناء الذكر الجميل الذي هو من أفضل المكاسب التي يظفر بها الاِنسان فانه أبقى ، وأخلد له ، ودعا بالبيت الثاني إلى التأمّل والاستفادة من واقعة كربلاء التي تفجّرت من بركان هائل من الفضائل والمآثر لآل النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، وعرج بالبيت الثالث على أبي الفضل العبّاس ( عليه السلام ) الذي استجار به سبط النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) وريحانته ، ولنستمع إلى ما قام به العبّاس من النصر والحماية لاَخيه ، يقول الاَزري:
فحمى عرينتـه ودمدم دونها ويذب من دون الشرى ضرغامها


العباس بن علي رائد الكرامة والفداء 51

والبيض فوق البيض تحسب وقعها زجل الرعود إذا اكفهرّ غمامها
من باسل يلقـى الكتيبـة باسمـاً والشوس يرشـح بالمنية هامها
واشـم لا يحتـل دار هضيمــة أو يستقلّ على النجـوم رغامها
أو لم تكن تـدري قريـش أنّــه طــلاع كل ثنيـة مقدامهــا

وهذه الاَبيات منسجمة كل الانسجام مع بطولات أبي الفضل ، فقد صوّرت بسالته ، وما قام به من دور مشرف في حماية أخيه أبي الاَحرار فقد انبرى كالاَسد يذبّ عن أخيه في معركة الشرف والكرامة ، غير حافل بتلك الوحوش الكاسرة التي ملاَت البيداء دفاعاً عن ذئاب البشرية ، وقد انطلق أبوالفضل باسماً في ميادين الحرب وهو يحطّم أنوف أُولئك الاَوغاد ويجرّعهم غصص الموت في سبيل كرامته وعزّة أخيه ، وقد استبان للقبائل القرشية في هذه المعركة ان أبا الفضل طلاع كل ثنية ، وانه ابن من أرغمها على الاِسلام وحطّم جاهليتها وأوثانها.
وبهذا العرض نأتي على الانطباعات الكريمة عن شخصية أبي الفضل ( عليه السلام ) عند الاَئمة الطاهرين : ، وعند بعض أعلام الاَدب العربي.

العباس بن علي رائد الكرامة والفداء 52




العباس بن علي رائد الكرامة والفداء 53


عناصره النفسيّة


العباس بن علي رائد الكرامة والفداء 54




العباس بن علي رائد الكرامة والفداء 55

كان سيّدنا العباس ( عليه السلام ) دنيا من الفضائل والمآثر ، فما من صفة كريمة أو نزعة رفيعة إلاّ وهي من عناصره وذاتياته ، وحسبه فخراً أنّه نجل الاِمام أمير المؤمنين الذي حوى جميع فضائل الدنيا ، وقد ورث أبو الفضل فضائل أبيه وخصائصه ، حتى صار عند المسلمين رمزاً لكل فضيلة ، وعنواناً لجميع القيم الرفيعة ، ونلمح ـ بإيجاز ـ لبعض صفاته.

1 ـ الشجاعة:

أمّا الشجاعة فهي من أسمى صفات الرجولة لاَنها تنمّ عن قوة الشخصية وصلابتها ، وتماسكها أمام الاَحداث ، وقد ورث أبو الفضل هذه الصفة الكريمة من أبيه الاِمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الذي هو أشجع إنسان في دنيا الوجود ، كما ورث هذه الصفة من أخواله الذين تميّزوا بهذه الظاهرة ، وعرفوا بها من بين سائر الاَحياء العربية.
لقد كان أبو الفضل دنيا في البطولات ، فلم يخالج قلبه خوف ولارعب في الحروب التي خاضها مع أبيه كما يقول بعض المؤرخين ، وقد أبدى من الشجاعة يوم الطف ما صار مضرب المثل على امتداد التأريخ ، فقد كان ذلك اليوم من أعظم الملاحم التي جرت في الاِسلام ، وقد برز فيه أبوالفضل أمام تلك القوى التي ملاَت البيداء فجبَّنَ الشجعان وأرعب قلوب

العباس بن علي رائد الكرامة والفداء 56

عامة الجيش ، فزلزلت الاَرض تحت أقدامهم وخيّم عليهم الموت ، وراحوا يمنّونه بإعطاء القيادة العامة إن تخلّى عن مساندة أخيه ، فهزأ منهم العبّاس ، وزاده ذلك تصلّباً في الدفاع عن عقيدته ومبادئه.
ان شجاعة أبي الفضل ( عليه السلام ) ، وما أبداه من البسالة يوم الطفّ لم تكن من أجل مغنم مادي من هذه الحياة ، وانّما كانت دفاعاً عن أقدس المبادئ الماثلة في نهضة أخيه سيّد الشهداء المدافع الاَوّل عن حقوق المظلومين والمضطهدين.

مع الشعراء:

وبهر شعراء الاِسلام بشجاعة أبي الفضل ، وقوّة بأسه وما ألحقه بالجيش الاَموي من الهزيمة الساحقة ، وفيما يلي بعض الشعراء الذين هاموا بشخصيته.
1ـ السيّد جعفر الحلّي:

ووصف الشاعر العلوي السيّد جعفر الحلّي في رائعته ما مُني به الجيش الاَموي من الرعب والفزع من أبي الفضل ( عليه السلام ) يقول:
وقــع العــذاب على جيوش أميّة من باسـل هو في الوقائع معلم
ما راعهــم إلاّ تقحـم ضيغــم غيران يعجـم لفظـه ويـدمدم
عبسـت وجوه القوم خـوف الموت والعبّـاس فيهـم ضاحك يتبسّم
قلب اليمين على الشمال وغاص في الاَوساط يحصد للرؤوس ويحطم
ما كرّ ذو بــأس لـه متقـدمـاً إلاّ وفــرّ ورأسـه المتقــدّم
صبغ الخيول برمحـه حتى غـدا سيـان أشقر لونهــا والاَدهم

العباس بن علي رائد الكرامة والفداء 57

ما شدّ غضباناً على ملمومه إلاّ وحلّ بها البـلاء المبـرم
وله إلى الاقدام نزعة هارب فكأنّما هـو بالتقـدم يسلــم
بطل تورث من أبيه شجاعة فيها أنوف بني الضلالة ترغم

أرأيتم هذا الوصف الرائع لبسالة أبي الفضل وقوة بأسه وشجاعته النادرة.
أرأيتم كيف وصف الحلّي ما حلّ بالجيش الاَموي من الجبن الشامل ، والهزيمة الساحقة حينما برز إليهم قمر بني هاشم وبطل الاِسلام فأنزل بهم العذاب الاَليم ، وترك صفوفهم تموج من الخوف والرعب ، وكان العباس متبسّماً مثلوج الفؤاد مما ينزل بهم من الخسائر الفادحة ، فقد ملاَ ساحات المعركة بجثث قتلاهم ، وصبغ خيولهم بدمائهم ، وفيما أحسب أنّه لم توصف البسالة والشجاعة بمثل هذا الوصف الرائع الدقيق ، والذي لا مبالغة فيه حسبما تحدّث الرواة عمّا أنزله العباس ( عليه السلام ) بأهل الكوفة من الخسائر الجسيمة.
ويستمرّ السيد الحلّي في وصف شجاعة أبي الفضل فيقول:

بطل إذا ركب المطهــم خلْته جبـلاً أشمّ يخـف فيه مطهـم
قسماً بصارمه الصقيـل وانني في غير صاعقة السماء لا أقسم
لولا القضا لمحا الوجود بسيفه والله يقضـي ما يشـاء ويحكـم

لقد كان سيف أبي الفضل صاعقة مدمّرة قد حلّت بأهل الكوفة ، ولولا قضاء الله لاَتى العبّاس على الجيش ، ومحاهم من ساحة الوجود.

2 ـ الاِمام كاشف الغطاء:

وبهر الاِمام محمد الحسين كاشف الغطاء رحمه الله بشجاعة أبي الفضل

العباس بن علي رائد الكرامة والفداء 58

فقال في قصيدته العصماء:

وتعبس مـن خوف وجوه أميّة اذا كرّ عبّــاس الوغى يتبسّم
عليم بتأويـل المنيّـة سيفــه تزول على من بالكريهة معلم
وان عاد ليل الحرب بالنقع ألْيل فيوم عداه منـه بالشـر أيوم

لقد عبست وجوه الجيش الاَموي رعباً وخوفاً من أبي الفضل الذي حصد رؤوس أبطالهم ، وحطّم معنوياتهم ، وأذاقهم وابلاً من العذاب الاَليم.

3 ـ الفرطوسي:

وعرض شاعر أهل البيت عليهم السلام الشيخ عبد المنعم الفرطوسي نضّر الله مثواه في ملحمته الخالدة إلى شجاعة أبي الفضل وبسالته في ميدان الحرب قال:
علم للجهاد فـي كـل زحف علم في الثبـات عنـد اللقاء
قد نما فيه كــل بأس وعزّ من علـيّ بنجـدة وإبــاء
هو ثبت الجنان في كل روع وهو روع الجنان من كل راء

وأضاف الفرطوسي مصوّراً ما أنزله أبو الفضل من الخسائر الفادحة في جيوش الاَمويين قال:
فارتقى صهــوة الجواد مطلاً علمــاً فـوق قلعة شمّـاء
وتجلّى والحـرب ليــل قثام قمراً فـي غياهـب الظلماء
فاستطارت مـن الكمـاة قلوب أفرغت من ضلوعها كالهواء
وتهاوت جسومهم وهي صرعى واستطارت رؤوسهم كالهباء
العباس بن علي رائد الكرامة والفداء 59

وهو يرمي الكتائب السود رجماً بالمنايا من اليد الـبيضـاء(1)

إن شجاعة أبي الفضل قد أدهشت أفذاذ الشعراء ، وصارت مضرب المثل على امتداد التأريخ ، ومما زاد في أهميتها انّها كانت لنصرة الحق والذبّ عن المثل والمبادئ التي جاء بها الاِسلام ، وانها لم تكن بأي حال من أجل مغنم مادي من مغانم هذه الحياة.

2 ـ الاِيمان بالله:

أمّا قوّة الاِيمان بالله ، وصلابته فانها من أبرز العناصر في شخصية أبيالفضل ( عليه السلام ) ، ومن أوليات صفاته ، فقد تربّى في حجور الاِيمان ومراكز التقوى ، ومعاهد الطاعة والعبادة لله تعالى ، فقد غذّاه أبوه زعيم الموحّدين ، وسيّد المتّقين بجوهر الاِيمان ، وواقع التوحيد ، لقد غذّاه بالاِيمان الناشىء عن الوعي ، والتدبّر في حقائق الكون ، وأسرار الطبيعة ، ذلك الاِيمان الذي اعلنه الاِمام ( عليه السلام ) بقوله: « لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً » وقد تفاعل هذا الاِيمان العميق في أعماق قلب أبي الفضل وفي دخائل ذاته حتى صار من عمالقة المتقين والموحّدين ، وكان من عظيم إيمانه الذي لا يحد أنّه قدم نفسه واخوته وبعض أبنائه قرابين خالصة لوجه الله تعالى.
لقد جاهد العبّاس ببسالة دفاعاً عن دين الله ، وحماية لمبادىَ الاِسلام التي تعرّضت للخطر الماحق أيّام الحكم الاَموي ، ولم يبغ بذلك إلاّ وجه الله والدار الآخرة.

(1) ملحمة أهل البيت 3 : 329 - 330 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي