العباس عليه السلام374

فيها اسمه المساجد لا يراد منها خصوص الكعبة المشرفة لان لفظ البيوت في الآية جمع وحينئذ فمن المتعين ان يراد منها بيوتات تكون مستوى لذكر الله والدعوة اليه اما بألسنة ساكنيها أو بأعمالهم وجهادهم فتكون تلك البيوت منبثق انوار الله .
واذا فتشنا بيوت العالم فلا نجد ما هو أولى بصدق هذه البيوت عليهم الا بيوت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين أنفذوا طاقاتهم في رفع كلمة الله العليا وتوحيده والتذكير بوعده ووعيده فكانت مقصورة على ذلك دعوتهم منحصراً به هتافهم حتى اثبتوه على جبهة الدهر وكتبوا بدمائهم الزاكية على صحيفة الزمان مع ما لهم من الدؤوب على العبادة والتلاوة في اناء الليل واطراف النهار واناس بهم اسوة حسنة .
وليس من الرأي السديد قصرها على بيوتهم التي يسكنونها أيام حياتهم بل تعمها ومشاهدهم المقدسة فانهم« احياء عند ربهم يرزقون»(1) واذا ثبت في الشهداء وهم دونهم بمراتب انهم أحياء فان أهل البيت أولى بذلك لأنهم الدعاة الى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة أحياءً وأمواتاً وشهداءاً في سبيل تلك الدعوة المقدسة وشهداء على اعمال الامة المرحومة .

(1) سورة آل عمران ، آية : 169 .
العباس عليه السلام375

وعليه فلا يخلو اما ان يراد من الرفع في الآية خصوص العمارة وتشيدها كما هو الظاهر على حد قوله تعالى «وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت»(1) أو يراد مطلق التعظيم ومما لا شك فيه ان من اظهر مصاديقه عمارتها وتجديدها عند أولها الى الخراب لتتم بقية اقسام التعظيم من تفيء المتعبدين وانتجاع المزدلفين اليها واختلاف الزوار اليها وذكر الله سبحانه والصلاة والترحم على أولياء الله المتبوئين هاتيك المشاهد المطهرة وتكون تلك القباب والابنية الشاهقة كنار تدل الوافدين على ما هناك من ضالتهم المنشودة .
3 ـ ثم ان في الكتاب العزيز شيء آخر دلنا على مشروعية البناء على مراقد الصالحين واتخاذ خصوص المساجد عليها وهو قول جل شأنه« وقال الذين غلبوا على امرهم لنتخذن عليهم مسجدا»ً(2) وذلك ان المؤمنين مع ملكهم بيدروس وكان موحداً لما وصلوا الى اصحاب الكهف واطلعوا على موتهم في مكانهم امر الملك أن يتركوا في مكانهم ويبنـى علـى باب الكهف مسجد يتعبد في الناس ويتبركون بمكانهم(3) .

(1) سورة البقرة الآية 127 .
(2) سورة الكهف الآية 21 .
(3) نص عليه الزمخشري في الكشاف والنيسابوري في غرائب القرآن وأبو السعود في تنوير المقياس والبغوي في معالم التنزيل بهامش الخازن
=
العباس عليه السلام376

وهذا منه سبحانه وان كان اخباراً عن عمل امة سابقة على الاسلام لكنه مقرون بالتقرير من الله عز ذكره وعدم الانكار عليهم وكلما كان الحكم غير منكر من الاسلام فهو مستصحب البقاء والنسخ وان وقع في الشريعة لكنه لمجموع هاتيك الشرايع لا لجميعها فهو كالعشرة الابراهيمية(1) التي لم تنسخ ولا تنسخ أبداً كغيرها من الاحكام المستصحبة .
وإذا أجازت الشريعة الإلهية بناء المسجد على اولئك الصالحين من فتية الكهف للعبادة والتبرك بهم فالحكم شرع سواء فيهم وفيمن هو أفضل منهم الا وهم الحجج المعصومون والأولياء المقربون من هذه الامة المرحومة .
وعلى هذا النهج اللاحب جاءت سنة الرسول الاعظم فانه صلى الله عليه وآله لما دفن عثمان بن مظعون امر بحجر فوضع عند رأسه معللاً بانه يتعلم منه قبر اخيه ليدفن إليه من مات من اهل بيته وهذا الحجر اخذه مروان بن الحكم

= والطبرسي في مجمع البيان والفيض في الصافي وزاد الخازن في تفسيره ان الملك بيدروس جعل لهم عيداً عظيماً وامر أن يؤتى هذا المحل كل سنة .
(1) خمسة من هذه العشرة في الرأس وهي اخذ الشارب واعفاء اللحى وطم الشعر والسواك والخلال وخمسة في البدن الختان وتقليم الاظفار والغسل من الجنابة والطهور بالماء وحلق الشعر من البدن (مجمع البيان ج 1 ص 200) في تفسير قوله تعالى «واذ ابتلى ابراهيم ربه» .
العباس عليه السلام377

ووضعه على قبر عثمان بن عفان فكلمته بنو امية وقالوا كيف تأخذ حجراً وضعه رسول الله فلم يعبأ بهم(1) .
وإذا كان وضع الحجر للتعريف بالقبر فلا ريب ان البناء على القبر أوفى بهذه العلة من وضع الحجر فيكون راجحاً بالأولية . على ان اهتمام النبي صلى الله عليه وآله بتعريف قبر عثمان دون غيره من المسلمين يدلنا على امتياز بعضهم عن بعض بالفضل والعلم والورع والمعرفة وحينئذ يكون البناء على قبور الأنبياء والأوصياء والأولياء والامثل فالامثل امتيازاً عن غيرهم واعلاماً لهم لما من شأن ورفعة أولى وأرجح .
وكانت فاطمة الزهراء تزور قبر حمزة وترمه وتصلحه وقد تعلمته بحجر(2) فدل على ان اصلاح القبر وتعاهده كي لا تندرس آثاره معروف في زمن الشارع المقدس والا لما فعلت ذلك سيدة نساء العالمين والوحي ينزل في بيتها واصلاح القبر يختلف باختلاف الاوقات والازمنة فقد تقتضي الحالة والوقت اصلاح القبر بجمع ترابه ووضع الحجر عليه وقد تقتضي بناء قبة عليه أو وضع جدار حوله .

(1) وفاء الوفاء للسمهودي ج 2 ص 85 .
(2) وفاء الوفاء ج 2 ص 112 .
العباس عليه السلام378

ومن أجل ذلك دفنوا النبي صلى الله عليه وآله في حجرة عائشة وكانت مسقفة بجريد النخل وأول من بناها باللبن عمر بن الخطاب(1) .
ثم ان عبد الله بن الزبير شيد جدران قبر النبي وجعلها مرتفعة وفي سنة 193 أمر الرشيد واليه على المدينة أبا البختري ان يبني سقف الحجرة ثم المتوكل امر واليه على الحرمين اسحق بن سلمة ان يشيد حجرة النبي بحجارة الرخام ففعل ذلك سنة 242 هـ .
وفي الاوراق البغدادية للسيد ابراهيم الراوي ان المسلمين لما فتحوا بلاد الشام وبيت المقدس ورأوا على قبور الانبياء المباني لم يهدموها ومن اشهرها البناء الذي على قبر ابراهيم الخليل عليه السلام وقد رأى ذلك عمر بن الخطاب فلم يهدمه ولم يأمر بهدمه .
وغير خفي ان تقرير الصحابة وفيهم الخلفاء ذلك العمل دليل قوي على تعارف البناء على القبور وجوازه لديهم .
وحدث محمد بن الحنفية المتوفي سنة 81 ان رسول

(1) وفاء الوفاء ج 1 ص 383 .
العباس عليه السلام379

الله دفن فاطمة بنت اسد في موضع المسجد الذي يقال له اليوم قبر فاطمة وفيه دلالة كما عند السمهودي على ان قبرها كان عليه مسجد يعرف به ذلك الزمان(1) وهو في المائة الأولى من الهجرة كما كان على قبر حمزة بـن عبـد المطلب مسجـداً يومئـذ(2) .
وكما بني على قبر العباس بن عبد المطلب قبة دفن فيها الحسن والسجاد عليهما السلام(3) والباقر(4) والصادق(5) ففي المائة الاولى والثانية كانت القبة على قبر العباس موجودة .
وان الخطيب البغدادي المولود سنة 392 حكى في ترجمة الامام الكاظم انه دفن في مقام الشونيزيه (مقابر قريش) خارج القبة وقبره هناك مشهور يزار الخ فدل على انه كان يوم وفاة الامام موسى بن جعفر عليه السلام قبة في مقابر قريش .
وعليه يكون وضع القباب على القبور متعارف بين

(1) تاريخ المدينة ج 2 ص 88 .
(2) المصدر السابق ج 2 ص 105 .
(3) تاريخ ابن خلكان في ترجمة السجاد .
(4) الصواعق ص 120 .
(5) ابن خلكان بترجمته .
العباس عليه السلام380

المسلمين لم تنكره علماء تلك العصور مع تبصرهم بأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن هنا لم يمتنع الخلفاء من وضع القباب على قبور أسلافهم فهذا الرشيد بنى قبّة على قبر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(1) وبنى المأمون على قبر الرشيد قبّة(2) مع ان عصره كان حافلاً بالعلماء كالشافعي وابن حنبل وسفيان بن عيينة وغيرهم فلم ينكر عليه احد .
ولما توفي المعز ألبويهي سنة 356 هـ دفن في داره ثم نقل الى مشهد بني له في مقابر قريش وابن وكيع الشاعر المتوفي 393 هـ دفن في المقبرة الكبرى في القبة التي بنيت له بها وأبو تمام المتوفي سنة 271 بنى على قبره نهشل بن حميد الطوسي قبة .
فما قيل من ان هذه القباب حدثت منذ القرن الخامس فهي من البدع الغير معروفة في زمن الشارع المقدس وما بعده من الاكاذيب الفاضحة .
فتحصل من جميع ما ذكرناه ان البناء على القبور

(1) عمدة الطالب 62 وحبيب السير .
(2) روضة الصفا .
العباس عليه السلام381

وعمارتها وتجديدها وتعاهدها امر راجح وعليه الامة الاسلامية من دون نكير بينها ويتأكد في قبور الأولياء المقربين والشهداء الصديقين والعلماء الصالحين وذوي المآثر والفضائل لان فيه تعريفاً بالميت وتنويهاً بمقامه ليزوره الزائر ويستريح اليه المتعبد لكونه من الامكنة المحبوبة لله تعالى فيها الذكر والطاعة وتحصيل المصالح الدينية .
وبذلك اتفقت كلمة العلماء الذين هم اعرف الامة بموارد الامر والنهي بل زادوا على البناء والعمارة تزيينها بالمعلقات والفرش والستائر وكل ما فيه احترامهم وتعظيمهم .
مدعين على ذلك بعد الاجماع والاتفاق انه من الشعائر وعدم انكار الائمة في عهود كانوا ظاهرين فيها والأخبار الكثيرة الدالة على ميلهم ورضاهم به وقد امرت بالوقوف على باب الروضة أو القبة أو الناحية المقدسة والاستيذان وتقبيل القبة والدعاء عند ترائي القبة الشريفة وغيرها مما يتوقف على وجود الباب والقبة والعتبة المتوقف كله على البناء فلولا البناء اين تكون القبة واين الباب واين العتبة واين الاستيذان عندها .
مع صراحة خبر أبي عامر واعظ أهل الحجاز عن الامام

العباس عليه السلام382

الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيه ان الله سبحانه جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة من عباده تحن إليكم وتحتمل الأذى والمذلة فيزورون قبوركم ويكثرون زيارتها تقرباً منهم الى الله تعالى ومودة منهم لرسوله اولئك المخصوصون بشفاعتي الواردون حوضي وهم زواري غداً في الجنة .
يا علي من عمر قبوركم وتعاهدها فكأنما اعان سليمان على بناء بيت المقدس الى ان قال : ولكن حثالة من الناس يعيرون زواركم كما تعير الزانية بزناها اولئك شرار امتي لا نالتهم شفاعتي(1) .
وحينئذ فلا ريب في تخصيص العمومات المانعة من تجصيص القبر وتجديده بل دعى صاحب الجواهر اعلى الله مقامه «ان البناء على قبور الائمة والصلحاء من ضروري المذهب بل الدين» .
على ان النهي عن التجصيص معارض بما هو أقوى منه سنداً ودلالة واكثر عدداً ومنه حديث صفوان . زار الصادق عليه السلام قبر جدّه أمير المؤمنين وذكر فضل زيارته

(1) فرحة الغري ص 31 .
العباس عليه السلام383

واستئذانه منه اعلام الشيعة بهذا الفضل الى ان قال : واعطاني دراهم فاصلحت القبر(1) .
ويحدث يونس بن يعقوب ان الامام الكاظم عند رجوعه من بغداد ماتت ابنة له (بفيد) فدفنها وامر بعض مواليه ان يجصص قبرها ويكتب على لوح اسمها ويجعله في القبر(2) .
وماتت ام الامام الحجة صاحب الزمان عجل الله فرجه في أيام أبي محمد الحسن العسكري فدفنت في الدار وكتب على لوح هذا قبر أم محمد عليه السلام ووضع في القبر(3) .
وليس هو من خصائص أولادهم وانما جرى الأمر على العادة المألوفة من التعريف بالميت والتنويه بذكره فيكون الفعل في غيرها من الأنبياء والأئمة عليهم السلام والعلماء الصالحين أولى وأرجح وأأكد .
والمراد من البناء المكروه كما نص عليه الاردبيلي وكاشف الغطاء هو ما كان فوق القبر بحيث يصير القبر تحت

(1) المصدر ص 41 .
(2) الكافي ج 3 ص 202 ح 3 . التهذيب ج 1 ص 461 ح 146 . الاستبصار ج 1 ص 217 ح 2 .
(3) اكمال الدين للصدوق ص 140 وقد تقدم عن النجاشي انها بقيت بعد الحسن العسكري .
العباس عليه السلام384

الحائط فانه غير مناسب لحرمة الميت واما البناء المتعارف المتداول بحيث يكون القبر تحت القبة فلا شمله النهي كما لا يشمل عمارة القبة وتجصيصها وتزيينها ولا وضع الصناديق المزينة والاقمشة النفيسة على القبور والوقف لها .
وإليك أسماء من تعرض لهذا الحكم من علمائنا عند مسألة تجصيص القبور من احكام الاموات وغيرها مرتبين على سنة الوفاة .
السيد عبد الكريم بن طاووس في الفرحة المتوفي سنة 693 هـ
الشهيد الأول في الذكرى والدروس المتوفي سنة 786 هـ
المحقق الكركي في جامع المقاصد المتوفي سنة 933 هـ
الشهيد الثاني في روض الجنان المتوفى سنة 966 هـ
الاردبيلي في شرح الارشاد المتوفى سنة 993 هـ
السبزواري في الذخيرة المتوفى سنة 1090 هـ
الحر العاملي في الوسائل المتوفي سنة 1104 هـ
المجلسي في مزار البحار ومرآة العقول المتوفي سنة 1110 هـ <

العباس عليه السلام385

السيد جواد العاملي في مفتاح الكرامة المتوفي سنة 1226 هـ
كاشف الغطاء في نهج الرشاد ص 71 المتوفي سنة 1228 هـ
السيد علي في الرياض المتوفي سنة 1231 هـ
الميرزا القمي في الغنائم المتوفي سنة 1231 هـ
الراقي في المستند المتوفي سنة 1244 هـ
الكرباسي في منهاج الهداية المتوفي سنة 1262 هـ
صاحب الجواهر فيها المتوفي سنة 1266 هـ
النوري في المستدرك المتوفي سنة 1330 هـ

العباس عليه السلام386

عمارة مرقد العباس

إذا تمهد ما ذكرناه فمشهد سيدنا ابي الفضل عليه السلام من اظهر مصاديق تلك البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه كما انه في الرعيل الأول من اولئك الصديقين والشهداء الصالحين وفي تشييد قبته السامية ابقاء لما أوعزنا اليه من السر في انحياز قبره عن مجتمع الشهداء .
واذا أعلمنا الامام الصادق عليه السلام في زيارته بما له من المقام الرفيع في ملأ القدس وعند مجتمع الأنبياء والرسل وقد حاز بذلك اكباراً منهم وتبجيلاً حتى غبطه على ما حباه الله جميع الشهداء والصديقين لتفرده بتلك المنعة والخطر كان الاحتفاء بمشهده القدسي من العمارة والتعاهد من أوليات فرائض عالم الشهود .
ثم انه سبحانه قيض لعمارة هذا المشهد الكريم اناساً

العباس عليه السلام387

قدر لهم الخير والسعادة واجرى على أيديهم المبرات ففازوا بالباقيات الصالحات وكانت لهم الذكرى الخالدة في الدارين والسعادة في النشأتين من ملوك وامراء وعلماء ووجهاء فتعاقب عليه العمران وفي كل يوم يزداد بهجة وبهاء حتى تجلى كما هو اليوم في أبهج المناظر بقبته التي تحك السماء رفعة وشئت النجوم بهجة وذلك الحرم المنيع المضاهي للعرش عظمة وأروقته المغشاة بالقوارير التي تفوق الافلاك بذخاً وذلك الصحن الذي هو ساحة القدس وباحة الجلال والبهو الكبير الذهبي الذي دونه عرش الملك ومناط الابهة فحاكى غرف الجنان وصروحها .
ويتحدث المؤرخون أن الشاه طهماسب في سنة 1032 هجرية زين القبة السامية بالكاشاني وبنى شباكاً على الصندوق ونظم الرواق والصحن وبنى البهو امام الباب الاول للحرم وارسل الفرش الثمينة من صنع (إيران) .
وفي سنة 1155 هـ أهدى نادر شاه الى الحرم المطهر تحفاً كثيرة وزين بعض تلك المباني بالقوارير وفي سنة 1117 هـ زار الحسين وزيره الشهم فجدد صندوق القبر وعمر الرواق واهدى ثريا يوضع فيها الشمع لانارة الحرم الشريف .
وبعد حادثة الوهابي بكربلاء سنة 1216 هـ ونهب ما

العباس عليه السلام388

في الحرم من الاعلاق النفيسة والذخائر المثمنة نهض الشاه (فتح علي) وجدد ما نهب من الحسين واخيه أبي الفضل وعمر قبة العباس بالكاشاني كما انه ذهب قبة سيد الشهداء وصدر الايوان الذي أمام الباب الاولى للحرم من جهة القبلة وانشأ صندوق ساج على قبر أبي الضيم أبي عبد الله عليه السلام وفضض الشباك المطهر .
وفي كتاب طاقة ريحان ص 91 للعلامة الحاج ميرزا عبد الكريم المقدس الارومي ان خال جدته لامه الحاج شكر الله بن بدل بك الافشاري ذهب الايوان الذي هو امام حرم ابي الفضل وانفق على ذلك كل ماله وذلك بإيعاز زين الفقهاء والمجتهدين الشيخ زين العابدين المازندراني المتوفي 12 ذي القعدة سنة 1309 هـ وكتب اسمه في الجانب الغربي من جدار الايوان على صفائح الذهب بخط ذهبي موجود الى الآن وتاريخ الكتابة سنة 1309 هـ .
وفي الكتاب المذكور ان نصير الدولة ذهب منارة ابي الفضل وكان الصائغ يغش في تطلية الطاقات الصفرية بالذهب فعرف منه ذلك وجيء به من بغداد الى كربلاء فلما دخل الصحن اضطرب واسود وجهه سواداً شديداً ومات من الغد .
وحدّثني العلامة الحجة السيد حسن مؤلف كتاب

العباس عليه السلام389

(فدك) وغيره من المؤلفات القيمة ان الايوان الصغير الذهبي الذي هو امام الباب الأولى انشأه ملك لكنهو محمد شاه الهندي واما الطارمة المسقفة بالخشب فبأمر السلطان عبد الحميد خان وجدد بناء القبة بالكاشاني محمد صادق الاصفهاني الشيرازي الاصل وهو الذي اشترى الدور الملاصقة للصحن الشريف وزادها في الصحن وبناه بما هو المشاهد وكانت الزيادة من جهة القبلة اكثر من سائر الجهات قدر ايوانين او ثلاث ودفن في حجرة عند باب القبلة تعرف باسمه وبنى الصحن بالكاشاني رحمة الله عليه وجزاه لخدمته لابي الفضل أفضل جزاء المحسنين .
وجدد السيد المبجل سادن الروضة المقدسة السيد مرتضى الباب الفضي التي هي في الايوان الذهبي امام حضرة العباس عليه السلام سنة 1355 هـ وكتب على المصراعين قصيدة الخطيب الاستاذ الشيخ محمد علي اليعقوبي وتفضل حفظه الله بها ولطروس الانشاء الذي ذكرناه فيما تقدم وهذه القصيدة :
لذ باعتـاب مرقـد قـد تمـنـت ان تكون النجوم من حصبـاه
وانتشق من ثرى أبي الفضل نشراً ليس يحكي العبير نفح شـذاه


العباس عليه السلام390

غـاب فيـه مـن هاشم أي بدر فيه ليل الضلال يمحي دجاه
هو يوم الطفوف ساقي العطاشى فاسق من فيض مقلتيك ثراه
واطل عـنـده البكـاء ففـيـه قد اطال الحسين شجواً بكاه
لايضاهيـه ذوالجنـاحيـن لما قطعت في شبـا الحسام يداه
هو باب الحسين ما خاب يـوماً وافد جاء لائذاً فـي حمـاه
قام دون الهـدى ينـاضل عنه وكفـاه ذاك المقـام كفـاه
فادياً سبـط احمـد كـأبـيـه حيدر مذ فدى النبـي اخـاه
جدد المرتضـى له بـاب قدس من لجين يغشى العيون سناه
انه باب حطـة ليـس يـخشى كل هول مستمسك في عراه
قف به داعياً وفيـه تـوسـل فبه المرء يستجـاب دعـاه


العباس عليه السلام391

السدانة

السدانة هي خدمة المعبد والقيام بشؤونه ولوازمه وتحري كلاءته عن أي عادية وقد اتخذت العرب بيوتاً تعظمها كتعظيم الكعبة وجعلوا لها حجاباً وسدنة وكانوا يهدون اليها كما يهدون الى الكعبة ويطوفون كما يطوفون بالكعبة وينحرون بها مثلها . كل ذلك مع معرفتهم فضل البيت الحرام والكعبة المشرفة لأنها بنـاء الخليـل(1) .
فالبيت المعظم الذي يتخذ معبداً ومأوى للوفود والزائرين ومحلاً للدعاء والابتهال لا بد وان يجعل له حجبة وسدنة يرعون حرمته فنصب السادن من لوازم جلالة المحل ووجود المثمنات فيه فلن تجد محلاً لا شأن الا ورأيت له خدمة .

(1) البداية والنهاية لابن كثير ج 2 ص 192 .
العباس عليه السلام392

وبمناسبة منعة المحل لا يقيض له من سوقة الناس ومن لا كفاءة له بالقيام بالخدمة لان فيه حطاً من كرامته وتحطيماً لمكانته فمن حق المقام ان يكون السادن شريف قومه وكريم بيته لا يسبق بمجد ولا يلحق بشرف .
ومن هنا نشاهد السدانة في حرم أبي الفضل عليه السلام يتولاها شريف بعد شريف حتى انتهى الامر الى الهاشمي المبجل السيد مصطفى ومنه الى خلفه الشهم الهمام السيد مرتضى الذي لا تعد مآثره ولا آثاره وأياديه الجميلة ومساعيه المشكورة حول خدمة الحرم وعمارته وتنويره وتزيينه وكان كما يهواه السؤدد والخطر وتختاره طهارة العنصر ونزاهة الاعراق ويرتئيه المجد الهاشمي والمولد العلوي .
وقام نجله الزكي (السيد محمد حسن) بكل ما يستطيعه من خدمة الحرم .

العباس عليه السلام393

حامي الجوار

لقد عرف العلماء مكانة أبي الفضل عند الله سبحانه وتعالى وما حباه به واعده له من جزيل الفضل تقديراً لأعماله وما قاساه من فوادح وآلام فكان ملجأ الخائف ولهف اللاجئ وغوث الصريخ وحمى المستجير فلاذوا بجنابه عند الممات وجاوروا مرقده الاطهر والتجأوا الى كهفه المنيع ليمنحهم الشفاعة فيفوزوا بالخلد ويتقلبوا على اسرة النعيم الدائم وحاشا أبو الفضل أن يخفر الجوار ويتباعد عمن عقل ناقته بفنائه .
ومن هؤلاء الاعلام ما في الذريعة الى مصنفات الشيعة ج 3 ص 199 ان الحاج السيد محمد بن محسن الزنجاني توفي بزنجان سنة 1355 وحمل الى جوار أبي الفضل العباس بوصية منه .
وفيه ص 323 ان الشيخ علي بن زين العابدين

العباس عليه السلام394

البارجيتي اليزدي الحائري صاحب كتاب الزام الناصب في احوال الحجة الغائب دفن في صحن العباس عليه السلام .
والعلامة الشيخ علي اليزدي البفروئي من اجلاء تلامذة الاردكاني دفن في البهو امام حضرة العباس .
والسيد كاظم البهبهاني من تلامذة المرحوم آية الله السيد هاشم القزويني دفن في الرواق .
والعلامة السيد عبد الله الكشميري من تلامذة الاردكاني دفن في الحجرة الرابعة من الشرق الجنوبي .
الشيخ ملا عباس المعروف باليزدي المشهور بسيبويه واخوه ملا علي المعروف بالأخفش لهما مكانة عالية في التدريس دفنا في الحجرة المختصة بهم الملاصقة للباب المعروفة بباب صاحب الزمان .
والشيخ كاظم الهر له فضل في العلم والادب تلمذ على الشيخ صادق بن العلامة الشيخ خلف عسكر دفن في الحجرة الاخيرة من الشرق الشمالي .

السابق السابق الفهرس التالي التالي