العباس عليه السلام356

على النقابة ببغداد(1) .
وعبد الله بن علي بن إبراهيم جردقة جاء الى بغداد ثم سكن مصر وكان يمتنع من التحدث بها ثم حدث وعنده كتب تسمى الجعفرية فيها فقه على مذهب الشيعة توفي في مصر في رجب سنة ثلاثمائة واثني عشر(2) .
وقال ابو نصر البخاري في سر السلسلة في العباس بن الحسن بن عبيد الله بن العباس السقا ما رؤي هاشمي اعضب لساناً منه ولا أجرأ .
قدم بغداد في أيام الرشيد واقام في صحبته ثم صحب المأمون بعده وكان من رجال بني هاشم فصاحة وشعراً(3) ولجلالته وفضله وبلاغته وفصاحته يكنى عند الرشيد(4) ومن شعره في أخاء أبي طالب لعبد الله والد الرسول الاقدس صلى الله عليه وآله وسلم(5) .

(1) عمدة الطالب ص 358 .
(2) تاريخ بغداد ج 10 ص 346 .
(3) تاريخ بغداد ج 12 ص 126 .
(4) عمدة الطالب انظر ص 359 .
(5) تاريخ بغداد ج 12 ص 126 والحجة على الذاهب ص 66 .
العباس عليه السلام357

انـا وان رسـول الله يجمعنـا أب وام وجـد غـيـر موصـوم
جاءت بناربة من غير اسـرته غراء من نسل عمران بن مخزوم
حزناً يهادون من يسعى ليدركها قرابة من حواهـا غير مسهـوم
رزقاً من الله اعطـانا فضيلته والناس من بين مرزوق ومحروم

وفي المجدي مما رثى به اخاه محمداً
وارى البقـيـع محمـد لله مـا وارى البقـيـع
من نائل ونـدى ومـعـ ـروف اذا ظن المنـوع
وحبـاً لايـتـام وارملة اذا جـف الـربـيــع
ولى فولى الجود والمعـ ـروف والحسب الرفيع

قال وله أيضاً :
وقالت قريش لنا مفخر رفيع على الناس لا ينكر


العباس عليه السلام358

بنا تفخرون على غيـرنا فأما علينا فلا تفخروا

أولد العباس عشرة ذكور منهم عبد الله وامه افطسية كان أديباً شاعراً فمن شعره ما في المجدي :
اني لاستحيـي اخـي ان ابره قريباً وان اجفوه وهو بعيد
على لاخواني رقيب من الهوى تبيد الليالي وهـو ليس يبيد

وفي سر السلسلة قدم على المأمون فتقدم عنده ولما سمع بموته قال استوى الناس بعدك يا ابن عباس ومشى في جنازته وكان يسميه الشيخ ابن الشيخ .
وفي العمدة كان من احفاد العباس السقا أبو الطيب محمد بن حمزة بن عبد الله بن العباس بن الحسن بن عبيد الله بن العباس السقا من اكمل الناس مروءة وسماحة وصلة رحم وكثرة معروف مع فضل كثير وجاه واسع اتخذ بمدينة الاردن وهي طبرية ضياعاً واموالاً فحسده طغج بن جف الفرغاني فدس إليه جنداً قتلوه في بستان له بطبرية في صفر سنة 291 ورثته الشعراء فمن ذلك ما في المجدي :
اي رزء جنى على الاسلام أي خطب من الخطوب الجسام


العباس عليه السلام359

ويقال لعقبة بنو الشهيد وترجمة المرزباني في معجم الشعراء ص 435 وقال شاعر يكثر الافتخار بآبائه وكان في أيام المتوكل وبعده وهو القائل :
واني كريم مـن اكـارم سـادة اكفهم تنـدى بجـزل المـواهـب
هم خير من يحفى وافضل ناعل وذروة هضب العرب من آل غالب
هم المن والسلـوى لـدان بوده وكالسم فـي حلـق العدو المجانب

وترجم له شيخنا الجليل العلامة ميرزا عبد الحسين الاميني في شعراء الغدير ج 3 ص 3 طبع النجف .
وأما عبيد الله بن الحسن بن عبيد الله بن العباس السقا عليه السلام ففيه يقول محمد بن يوسف الجعفري ما رأيت احداً اهيب ولا اهيأ ولا امرأ من عبيد الله بن الحسن تولى امارة الحرمين مكة والمدينة والقضاء بهما ايام المأمون سنة 204 هجرية(1) .
وفي سنة 204 وسنة 206 ولاه امارة الحاج(2) مات ببغداد في زمن المأمون وكانت امه وام اخيه العباس ام ولد(3)

(1) تاريخ بغداد ج 10 ص 313 .
(2) تاريخ الطبري ج 10 ص 355 .
(3) تاريخ بغداد ج 10 ص 314 .
العباس عليه السلام360

وقع عقب علي بن عبيد الله قاضي الحرمين الى دمياط ويقال لهم بنو هارون والى فسا ويقال لهم بنو الهدهد والى اليمن .
وأما الحسن بن عبيد الله الامير القاضي فأولد عبد الله كان له احدى عشر ذكراً لهم اعقاب منهم القاسم بن عبد الله بن الحسن بن عبيد الله قاضي الحرمين بن الحسن بن عبيد الله بن العباس الشهيد السقا له خطر بالمدينة واحد اصحاب الرأي لسناً متكلماً سعى بالصلح بين بني علي وجعفر وهو صاحب ابي محمد الحسن العسكري عليه السلام(1) .
فأحفاد العباس كلهم اجلاء لهم المكانة العالية بين الناس لأنهم بين فقهاء ومحدثين ونسابين وامراء وادباء لا بدع بعد ان عرق فيهم (أبو الفضل) فحووا عنه المزايا الحميدة والصفات الجميلة فكانت ملامح الشرف والسؤدد تلوح على أسارير جبهاتهم وملء أهابهم علم وعمل وحشو الردى هيبة ومنعة .
ومنهم السيد الجليل صاحب الحرم المنيع والقبة السامية (الحمزة) المدفون بالمدحتية قرب الحلة .

(1) عمدة الطالب ص 360 .
العباس عليه السلام361

الحمزة

من احفاد أبي الفضل السيد الجليل أبو يعلى الحمزة بن القاسم بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس ابن أمير المؤمنين عليه السلام وقد كتب الشيخ الجليل العلامة ميرزا محمد علي الاوردبادي صحائف غر في حياته نذكرها بنصها .
قال : كان أبو يعلى احد علماء العترة الطاهرة وفذّاً من أفذاذ بيت الوحي وأوحدي من سروات المجد من هاشم .
روى الحديث فأكثر واختلف إليه العلماء للأخذ منه منهم الشيخ الأجل أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري واحد اعاظم الشيعة ومن حملة علومهم توفي سنة 385 هـ .
والحسين بن هاشم المؤدب

العباس عليه السلام362

وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق وكلاهما من مشايخ الصدوق ابن بابويه القمي .
وعلي بن محمد القلانسي من مشايخ الشيخ المبجل ابي عبد الله الحسين ابن عبد الله الغضائري .
وأبو عبد الله الحسين بن علي الخزاز القمي(1) .
ويظهر من هذا انه كان في طبقة ثقة الاسلام الكليني قد أدرك القرنين آخر الثالث وأواخر القرن الرابع ولأجله عقد له الشيخ العلامة الشيخ آغا بزرك الرازي في كتابه (نابغة الرواة في رابعة المئات) ترجمة ضافية فهو من علماء الغيبة الصغرى .
وله من الآثار والمآثر كتاب التوحيد وكتاب الزيارات والمناسك وكتاب الرد على محمد بن جعفر الاسدي وكتاب من روى عن جعفر بن محمد عليهما السلام من الرجال استحسنه النجاشي والعلامة ولهذا ترجمه شيخنا الرازي في مصفى المقال في مصنفي علماء الرجال واسند النجاشي الى هذه الكتب عن ابن الغضائري عن القلانسي عن سيدنا المترجم .

(1) انظر رجال الشيخ الطوسي وفهرست النجاشي والامالي والاكمال للصدوق .
العباس عليه السلام363

وإليك كلمات العلماء في الثناء عليه قال النجاشي والعلامة انه ثقة جليل القدر من اصحابنا كثير الحديث وقال المجلسي في الوجيزة ثقة وفي تنقيح المقال للعلامة المامقاني السيد جليل حمزة ثقة جليل القدر عظيم المنزلة وفي الكنى والالقاب لشيخنا المحدث الشيخ عباس القمي انه احد علماء الاجازة واهل الحديث وقد ذكره اهل الرجال في كتبهم واثنوا عليه بالعلم والورع .
ان دون مقام سيدنا المترجم ان نقول فيه انه من مشايخ الاجازة الذين هم في غنى عن أي تزكية وتوثيق كما نص به الشهيد الثاني وتلقاه من بعده بالقبول فان ذلك شأن من لا يعرف وجهلت شخصيته وان مكانة سيدنا أبي يعلى فوق ذلك كله على ما عرفته من نصوص علماء الرجال ومن كراماته المربية على حد الاحصاء المشهودة من مرقده المطهر فهو من رجالات اهل البيت المعدودين من أعيان علمائهم بكل فضيلة ظاهرة ومأثرة باهرة (والشمس معروفة بالعين والاثر) فليس هو ممن نتحرى اثبات ثقته حتى نتشبث بأمثال ذلك نعم كثرة روايته للحديث تنم عن فضل كثار من غزارة علمه ومن قولهم عليهم السلام «اعرفوا منازل الرجال منا بقدر روايتهم عنّا» فان ذلك يشف عن التصلب في أمرهم والتضلع بعلومهم والبث لمعارفهم وبطبع الحال إن كلاً من هذه يقرب العبد

العباس عليه السلام364

الى الله تعالى وإليهم عليهم السلام زلفى فكيف بمن له الحظوة بها جمعاء كسيدنا المترجم على نسبه المتألق المتصل بدوحهم القدسي اليانع .
أما مشائخه في الرواية فجماعة عرفناهم بعد الفحص في المعاجم وكتب الحديث كرجال الطوسي وفهرست النجاشي واكمال الدين للصدوق .
1 ـ منهم الشيخ الثقة الجليل سعد بن عبد الله الاشعري .
2 ـ محمد بن سهل بن ذارويه القمي .
3 ـ الحسن بن ميثل .
4 ـ علي بن عبد بن يحيى .
5 ـ جعفر بن مالك الفزاري الكوفي .
6 ـ أبو الحسن علي بن الجنيد الرازي .
7 ـ وأجل مشيخته عمه مستودع ناموس الامامة والمؤتمن على وديعة المهيمن سبحانه ـ أبو عبد الله أو عبيد الله محمد بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس عليه السلام .

العباس عليه السلام365

ومن جلالته انه لما وقعت الفتنة بعد وفاة أبي محمد العسكري عليه السلام وكثر الفحص والطلب من زبانية الالحاد وطواغيت الوقت على بيت الامامة ونسائه وجواريه وامائه حذار وجود البقية منه أو وجود حامل منهم تلده لما بلغ الطاغية ان الخلف بعد أبي محمد العسكري يدمر دولة الباطل فحسبه في العاجل وهو آجل فعند ذلك انتقلت الكريمة الطاهرة ام الامام المنتظر عجل الله فرجه (نرجس) سلام الله عليه وعليها الى بيت أبي عبد الله هذا كما نص به النجاشي للحفظ من عاديـة المـرجفيـن(1) .
وان الاعتبار لا يدعنا الا ان نقول بأن بيتاً يحوي ام الامام لا بد أن يكون مختلف ولي الدهر وصاحب العصر الناهض بعبء خلافة الله الكبرى ومحط أسراره ومرتكز امره ومجرى علومه ومصب معارفه ليتعاهد الحرة الطيبة امه نرجس ويكون عليه السلام هو المجتبى في صدر ذلك الدست والمتربع على منصة عزه .
ولا شك ان أبا عبد الله هذا يقتبس من علومه ويستضيء بأنواره وحينئذ فدون مقامه اطراء العلماء له كقول

(1) انظر ص 145 من فهرست النجاشي ولكن في اكمال الدين للصدوق ص 431 ح 7 . ان ام الحجة ماتت في أيام ابي محمد الحسن العسكري .
العباس عليه السلام366

النجاشي والعلامة ثقة جليل وكقول ابن داوود عين في الحديث صحيح الاعتماد كتوثيقات الوجيزة والبلغة والمشتركات وحاوي الاقوال وقال ابن عنبة في العمدة نزل البصرة وروى الحديث عن علي بن موسى الكاظم عليه السلام وغيره بها وبغيرها وكان متوجهاً عالماً شاعراً وقال النجاشي له رواية عن ابي الحسن وأبي محمد عليهما السلام وان له مكاتبة وله مقاتل الطالبيين .
فحسب سيدنا المترجم أبو يعلى من الشرف أن يكون معماً بمثله وناهيه من الفضيلة أن يكون خريجاً لمدرسته .
ووالد أبي عبد الله هذا فهو علي بن حمزة بن الحسن نص النجاشي والعلامة الحلي وفي الوجيزة والبلغة على ثقته .
وأبو حمزة الشبيه بجده أمير المؤمنين جليل القدر عظيم المنزلة خرج توقيع المأمون بخطه «يعطى لحمزة ابن الحسن لشبهه بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب مائة ألف درهم» قاله ابن عنبة في العمدة .
وأبو حمزة هذا الحسن بن عبيد الله فذكر النسابة العمري في المجدي انه كان لام ولد روى الحديث وعاش سبعاً وستين سنة ووافقه على عمره أبو نصر البخاري في سر

العباس عليه السلام367

السلسلة وذكر ان العدد والثروة في ولده وان امه وام شقيقه عبد الله بنت عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب .
قلت والظاهر ان في النسخة غلط نسياني فان أبا نصر نفسه ذكر ان التي كانت تحت عبيد الله بن العباس عليه السلام هي ام أبيها بنت معبد ابن العباس لا ابنة ابنه .
وعبيد الله بن العباس أبو الحسن ذكر الشيخ العلامة علي بن يوسف ابن المطهر اخو آية الله العلامة الحلي في العدد القوية عن الزبير بن بكار انه من العلماء وقال أبو نصر البخاري تزوج أربع عقائل كرام رقية بنت الامام الحسن السبط وام علي بنت السجاد لم تلد منه وام أبيها بنت معبد بن العباس بن عبد المطلب وابنة المسور بن مخزوم الزبيري .
وأما سيدنا أبو الفضل العباس قمر بني هاشم الذي هو بمنقطع الفضل ومنتهى الشرف وغاية الجلالة وقصارى السؤدد فالبيان يتقاعس انه جاء ممدوحاً بلسان ائمة الدين كابن اخيه الامام السجاد ثم الامام الصادق .
ولسيدنا المترجم ابي يعلى في أرض الجزيرة بين الفرات ودجلة من جنوب الحلة السيفية مشهد معروف في قرية تعرف باسمه (قرية الحمزة) بالقرب من قرية

العباس عليه السلام368

(المزيدية) يقصد بالزيارة وتساق إليه النذور ويتبرك به ويعزى إليه الكرامات تتناقلها الالسن ويتسالم عليها المشاهدون وتخبت بها النفوس وكان في ذي قبل يعرف بمشهد حمزة بن الامام موسى الكاظم .
وبما أن الثابت في التاريخ والرجال ان قبر حمزة المذكور في الري الى جنب مشهد السيد الاجل عبد العظيم الحسيني سلام الله عليهما .
كان سيد العلماء والفقهاء المجاهدين سيدنا المهدي القزويني بعد ان هبط الحلة الفيحاء واقام فيها دعامة الدين وشيد أركان المذهب يمر بهذا المشهد حين وفوده الى بني زبيد للارشاد والهداية ولا يزوره ولذلك قلت رغبة الناس في زمانه فصادف ان مر به مرة فطلب منه اهل القرية زيارة المرقد المطهر فاعتذر بما قدمناه وقال لا ازور من لا اعرفه فبات ليلة وغادر القرية من غدا الى المزيدية وبات بها حتى اذا قام للتهجد في آخر الليل وفرغ من عمله طفق يراقب طلوع الفجر اذ دخل عليه رجل في زي علوي شريف من سادة تلك القرية يعرفه المهدي بالصلاح والتقوى فسلم وجلس وقال له استضعفت اهل الحمزة وما زرت مشهده ؟ قال نعم قال ولم ذلك ؟ فأجابه بما قدمناه من جوابه لأهل القرية فقال العلوي

العباس عليه السلام369

المذكور «رب مشهور لا أصل له» وليس هذا قبر حمزة بن موسى الكاظم كما اشتهر وانما هو قبر أبي يعلى حمزة بن القاسم العلوي العباسي احد علماء الاجازة واهل الحديث وقد ذكره أهل الرجال في كتبهم واثنوا عليه بالعلم والورع .
فحسب سيدنا الحجة المهدي انه اخذ هذا من احد العلماء لأنه كان من عوام السادة واين هو من الاطلاع على الرجال والحديث فاغفل عنه ونهض لفحص الفجر وخرج العلوي من عنده ثم أدى السيد الفريضة وجلس للتعقيب حتى مطلع الشمس .
وراجع كتب الرجال التي كانت معه فوجد الامر كما وصفه الشريف العلوي الداخل عليه قبيل الفجر ثم ازدلف اهل القرية اليه مسلمين عليه وفهم العلوي المشار إليه فسأله عن دخوله عليه قبيل الفجر واخباره إياه عن المشهد وصاحبه عمن اخذه ومن أين له ذلك فحلف العلوي بالله انه لم يأته قبل الفجر وانه كان بائتاً خارج القرية في مكان سماه وانه سمع بقدوم السيد فأتاه زائراً في وقته هذا وانه لم يره قبل ساعته تلك .
فنهض السيد المهدي من فوره وركب لزيارة المشهد وقال الآن وجب علي زيارته واني لا اشك ان الداخل عليه

العباس عليه السلام370

الامام هو الحجة وركب الطريق معه أهل المزيدية .
ومن يومئذ اشتهر المرقد الشريف بالاعتبار والثبوت وازدلفت الشيعة الى زيارته والتبرك والاستشفاع الى الله تعالى به .
وبعد ذلك نص سيدنا المهدي عليه في فلك النجاة وتبعه على ذلك من بعده العلامة النوري في تحية الزائر والعلامة المامقاني في تنقيح المقال وشيخنا المحدث القمي في الكنى والالقاب .
أخذنا هذا النبأ العظيم من جنة المأوى للعلامة النوري .
هذا ما كتبه شيخنا العلامة ميرزا محمد علي الاوردبادي أيده الله .



العباس عليه السلام371

عمارة المشهد


تمهيد

لا شك في رجحان عمارة قبور الأولياء المقربين لا سيما من حظي منهم بشرف المنبت النبوي الطاهر الذي هو معدود من اكبر الفضائل لأنه لا يزال بمجرده متواصل العرى يحدو بصاحبه الى اوج العظمة وكل سبب ونسب منقطع يوم القيامة الا نسبه وسببه صلى الله عليه وآله فهو مشرف من تحلى به في الدنيا والآخرة فكيف به اذا كان مشفوعاً بعلم وتقى ومآثر ومفاخر .
1 ـ لأنه من تعظيم شعائر الله «ومن يعظّم شعائر الله فانها من تقوى القلوب»(1) ومن موارد حرماته المعينة بقوله

(1) سورة الحج آية : 32 .
العباس عليه السلام372

تعالى «ومن يعظّم حرمات الله فهو خير له»(1) .
وإذا كانت البدن من الشعائـر لـه سبحانه «والبدن جعلناها لكم من شعائر الله»(2) . وليست البدن الا بهيمة تنحر في مرضات الله سبحانه وفي سبيل طاعته والشعار فيها نحرها .
فلماذا لا يكون عمل الولي المقرب الشهيد الصديق المنحور على الدعوة الإلهية والمراق دمه الطاهر على مجزرة الشهادة من مستوى القدس من جملة الشعائر والحرمات التي يجب تعظيمها بتعاهد مرقده الاطهر وقصده بالزيارة والعبادة فيه وعمارته عند الانهدام ليأوي إليه الزائر ويتفيء بظله المتعبد كما ان الامر بطواف البيت يستدعي عمارته كلما اوشك ان يتضعضع بنيانه .
2 ـ على ان رجالات بيت النبوة هم «في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيه اسمه»(3) والمراد من البيت ما كان مسقوفاً ولذلك اطلقه في الكتاب المجيد على الكعبة المعظمة حيث يقول : «الكعبة البيت الحرام»(4) لكونها

(1) سورة الحج آية 30 .
(2) سورة الحج آية 36 .
(3) سورة النور آية 36 .
(4) سورة المائدة الآية 97 .
العباس عليه السلام373

مسقوفة ولم يرد من البيوت مطلق المساجد أو المساجد الاربعة وهي المسجد الحرام ومسجد النبي ومسجد الكوفة والبصرة فالمساجد كلما ذكر في القرآن اطلق عليها المسجد دون البيت مثل قوله تعالى :
«لمسجد اسس على التقوى» (التوبة 190 .)
«عند كل مسجد» (الاعراف 28.)
«والذين اتخذوا مسجداً» (التوبة 108 .)
«لتتخذن عليهم مسجداً »(الكهف 21 .)
«شطر المسجد الحرام» (البقرة 144 .)
«ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام» (البقرة 19 .)
والمساجد بمقتضى تشريعها مكشوفة والسقف الموجودة فيها حادثة لقصد ان يأوي إليها الوفود من المرامي السحيقة الذين لا مأوى لهم لتكنهم من قائض الحر وقارص البرد فلا يناسب اطلاق البيت عليها لأنه عبارة عن المحل المسقوف ولا يطلق على غير المسقوف ولذلك تجد اطلاق بيوت الأعراب على اخبيتهم دون الصحاري التي يسكنونها ومن ذلك اطلق البيت على الكعبة لكونها مسقوفة .
وكما لا يراد من تلك البيوت التي يجب أن ترفع ويذكر

السابق السابق الفهرس التالي التالي