التقوى في القرآن 190

سبحانه : «ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم الا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها» (1) قال : فكذلك طريق معرفة النفس غير واردة في الشريعة ، الا انها طريقة الى الكمال مرضية .
من هنا ربما يوجد عند بعض اهل هذا الطريق وجوه من الرياضات ومسلك مخصوصة ، لا تكاد توجد او لا توجد في مطاوي الكتاب والسنة ، ولم يشاهد في سيرة رسوا الله (صلى الله عليه وآله) والائمة من اهل البيت (عليهم السلام) . وذلك كله بالبناء على ما مر ذكره ، وان المراد هو العبور والوصول باي نحو امكن بعد حفظ الغاية ، وكذلك الطريق الماثورة عن غير المسلمين من متالهي الحكماء واهل الرياضة ، كما هو ظاهر لمن راجع كتبهم ، او الطرق الماثورة عنهم .
لكن الحق الذي عليه اهل الحق ، وهو الظاهر من الكتاب والسنة ، ان شريعة الاسلام لا تجوز التوجه الى غير الله سبحانه ، للسالك اليه تعالى بوجه من الوجوه ، والاعتصام بغيره سبحانه ، الا بطريق الامر بلزومه واخذه ، وان شريعة الاسلام لم تهمل مثقال ذرة من السعادة والشقاوة الا بينتها ، ولا شيئا من لوازم السيرالى الله سبحانه يسيرا او خطيرا الا اوضحتها ، فلكل نفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت . قال سبحانه : «ونزلنا عليك الكتاب تبينا لكل شيء» (2) ، قال سبحانه : «ولقد ضربنا للناس في هذا القران من
(1) الحديد : 27 .
(2) النحل : 89 .
التقوى في القرآن 191

كل مثل لعلهم يتذكرون»
(1) ، وقال سبحانه : «قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله» (2) ، وقال سبحانه : «لقد كان لهم في رسول الله اسوة حسنة» (3) .
والاخبار في هذا المعنى من طريق اهل البيت (عليهم السلام) مستفيضة بل متواترة .
عن ابي حمزة الثمالي (رحمه الله) عن ابي جعفر الباقر (عليه السلام) قال : خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع فقال : «يا ايها الناس والله ما من شيء يقربكم من الجنة ويباعدكم من النار الا وقد امرتكم به ، وما من شيء يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة الا وقد نهيتكم عنه» (4) .
مما تقدم يظهر ان حظ كل امرئ من الكمال بمقدار متابعته للشرع ، وقد عرفت ان هذا الكمال امر مشكك ذو مراتب ، ونعم ما قال بعض اهل الكمال ، ان الميل من متابعة الشروع الى الرياضات الشاقة ، فرار من الاشق الى الامهل ، فان اتباع الشرع قتل مستمر للنفس (الهوى) دائمي ما دامت موجودة ، والرياضة الشاقة قتل دفعي ، وهو اسهل ايثارا . وبالجملة فالشرع لم يهمل بيان كيفية السير من طريق النفس» (5) .
(1) الروم : 58 .
(2) ال عمران : 31 .
(3) الاحزاب : 21 .
(4)الاصول من الكافي ، ج1 ص 74 ، كتاب الايمان والكفر ، باب الطاعة والتقوى ، ح : 2 .
(5) رسالة الولاية ، العلامة الطباطبائي ، ص 40 .
التقوى في القرآن 192


والتدبر في الروايات الواردة في العلاقة بينه تعالى وبين خلقه ، توصلنا الى انه لا حجاب بينه وبين خلقه . قال الامام السجاد علي بن الحسين (عليهما السلام) : «وان الراحل اليك قريب المسافة وانك لا تحتجب عن خلقك الا ان تحجبهم الاعمال دونك» (1) .
وعن الامام الكاظم موسى بن جعفر (عليهما السلام) : «ليس بينه وبين خلقه حجاب الا خلقه ، فقد احتجب بغير حجاب محجوب ، واستتر بغير ستر مستور» (2) .
«وهذا الحديث الشريف اجمل بيان لاحسن طريق ، يبتدى بالاسباب الواردة شرعا للانقطاع ، من التوبة والانابة والمحاسبة والمراقبة والصمت والجوع والخلوة والسهر ، ويجاهد بالاعمال والعبادات ، ويؤيد ذلك بالفكر والاعتبار ، حتى يورث ذلك انقطاعا منها الى النفس ، وتوجها الى الحق سبحانه ، ويطلع من الغيب طالع ، ويعقبه شيء من النفحات الالهية والجذابات الربانية ، ويوجب حبا واشراقا وذلك هو الذكر ، ثم لا يزال بارق يلمع ، وجذبة تطلع ، وشوق يدفع ، حتى يتمكن سلطان الحب في القلب ، ويستولي الذكر على النفس ، فيجمع الله الشمل ، ويختم الامر ، وان الى ربك المنتهى .
واعلم ان مثل هذا السائر الظاعن ، مثل من يسلك طريقا قاصدا الى
(1) مفاتيح الجنان ، القمي ، دعاء ابي حمزة الثمالي .
(2) الاصول من الكافي ، ج1 ص 105، كتاب التوحيد ، رسالة الولاية ، ص 50 .
التقوى في القرآن 193

غاية ، فانما الواجب عليه ان لا ينسى المقصد ، وان يعرف من الطريق مقدار ما يعبر عنه ، وان يحمل من الزاد قدر ما يحتاج اليه . فلو نسي مقصده انا ما ، هام على وجه حيران ، وضل ضلالا بعيدا «ومن يشرك بالله فكانما خر من السماء فتخطفه الطير او تهوي به الريح في مكان سحيق» (1) . ولو الهاه الطريق ومشاهدته ما فيه ، بطل السير وحصل الوقوف ، ولو زاد حمل الزاد ، تعوق السعي ، وفات المقصد» (2) .

اضاءات نصية


قال امير المؤمنين (عليه السلام في وصف هذه الطبقة : «قد احيى عقله ، وامات نفسه ، حتى دق جليله ، ولطف غليظه ، وبرق له لامع كثير البرق ، فابان له الطريق ، وسلك به السبيل ، وتدافعته الابواب الى باب السلامة ، ودار الاقامة ، وثبتت رجلاه بطمانينة بدنه في قرار الامن والراحة ، بما استعمل قلبه وارضى ربه» (3) .
وفي الختام نورد بعض الكلمات القصار لامام المتقين علي امير المؤمنين (عليه السلام) في معرفة النفس ، كما وردت في «الغرر والدرر» للامدي :
(1) الحج : 31 .
(2) رسالة الولاية ، ص 50 .
(3) نهج البلاغة ، الخطبة : 220 .
التقوى في القرآن 194


  • قال (عليه السلام) : «اعظم الحكمة معرفة الانسان امر نفسه» (1) .
    فاذا ضممنا هذا القول الى قوله تعالى : «يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا» (2) ، يتضح ان من اوضح مصاديق الحكمة هي معرفة النفس ، ومن عرفها فقد اوتي خيرا كثيرا .
  • وقال (عليه السلام) : «اكثر الناس معرفة لنفسه اخوفهم لربه» (3) .
    فاذا ضممناه الى قول تعالى : «انما يخشى الله من عبادة العلماء» (4)
    اتضح ان من اهم طرق الوصول الى مخافة الله وخشيته هو معرفة النفس ، واذا انتهى الانسان الى مقام الحقيقة ، فقد انتهى الى راس الحكمة ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «راس الحكمة مخافة الله» (5).
  • وقال (عليه السلام) : «افضل العقل معرفة الانسان نفسه ، فمن عرف نفسه عقل» (6).
    فاذا ضممنا هذا الكلام الى قوله تعالى : «وما يعقلها الا العالمون» (7)
    (1) غرر الحكم ودرر الكلم ، الحديث : 3026 .
    (2) البقرة : 269 .
    (3) مستدرك الوسائل ، ميرزا حسين النوري ، ج 11 ص 236 ، تحقيق مؤسسة ال البيت (عليهم السلام) لاحياء التراث .
    (4) فاطر : 28 .
    (5) من لا يحضره الفقيه ، ج4 ص 272 ، نقلا عن مبدا ومعاد ، جوادي املي : 13 .
    (6) غرر الحكم ودرر الكلم ، الحديث : 3306 .
    (7) العنكبوت : 43 .
    التقوى في القرآن 195

    فالعلم الذي يوصل الانسان الى العقل هو علم الانسان بنفسه ، والعقل يوصل الانسان الى الدين ، والدين يوصله الى الجنة ، قال الامام الصادق (عليه السلام) : «من كان عاقلا كان له دين ، ومن كان له دين دخل الجنة» (1) .
    ثم بين (عليه السلام) الاثار المترتبة على معرفة النفس :
  • قال (عليه السلام) : «من عرف نفسه جاهدها» (2) .
  • وقال (عليه السلام) : «من عرف نفسه تجرد».
    اي تجرد عن علائق الدنيا ، او تجرد عن الناس بالاعتزال عنهم ، او تجرد عن كل شيء بالاخلاص لله» (3) .
    <«من عرف نفسه كان لغيره اعرف» (4).
  • وقال (عليه السلام) : «نال الفوز الاكبر من ظفر بمعرفة النفس» (5) .
  • وقال (عليه السلام) : «من عرف نفسه فقد انتهى الى غاية كل معرفة وعلم» (6) .
  • وقال (عليه السلام) : «من عرف نفسه جل امره» (7) .
    (1) الاصول من الكافي ، كتاب العقل والجهل ، ج1 ص 11 ، الحديث : 11 .
    (2) غرر الحكم و درر الكلم ، الحديث : 7957 .
    (3) الميزان في تفسير القران ، ج6 ص 174 .
    (4) غرر الحكم و درر الكلم ، الحديث : 8858 .
    (5) المصدر السابق ، الحديث : 1006 .
    (6) رسالة الولاية ، ص 39 .
    (7) المصدر نفسه .
    التقوى في القرآن 196

    واما الاثار المرتبة على الجهل بها :
  • قال (عليه السلام) : «اعظم الجهل ، جهل الانسان امر نفسه» (1).
  • وقال (عليه السلام) : «عجبت لمن يجهل نفسه كيف يعرف ربه» (2) .
  • وقال (عليه السلام) : «كفى بالمرء جهلا ان يجهل نفسه» (3) .
  • وقال (عليه السلام) : «من لم يعرف نفسه ، بعد عن سبيل النجاة وخبط في الضلال والجهالات» (4) .
  • وقال (عليه السلام) : «عجبت لمن ينشد ضالة ، وقد اضل نفسه فلا يطلبها» (5) .
    (1) غرر الحكم ودرر الكلم ، الحديث : 3027 .
    (2) المصدر السابق ، الحديث : 6344 .
    (3) المصدر السابق ، الحديث : 7116 .
    (4) المصدر السابق ، الحديث : 9134 .
    (5) رسالة الولاية ، ص 38 .
    التقوى في القرآن 197

    صفات المتقين

  • قال تعالى : «وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والارض اعدت للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين * والذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون * اولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ونعم اجر العاملين» (1).
  • وقال تعالى : «تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين» (2) .
  • وقال رسول الله صلى الله عليه واله : «قال الله جل جلاله : اذا عصاني من خلقي من يعرفني ، سلطت عليه من خلقي من لا يعرفني» (3) .
    (1) ال عمران : 133 ـ 136 .
    (2) القصص : 83 .
    (3) الوافي ، الفيض الكاشاني ، ج4 ص 303 ، مكتبة الامام امير المؤمنين (ع) ، اصفهان .
    التقوى في القرآن 198


  • وعن ابي جعفر الباقر (عليه السلام) قال :
    «قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الصفا فقال : يابني هاشم ، يا بني عبد المطلب ، اني رسول الله اليكم واني شفيق عليكم ، وان لي عملي ولكل رجل منكم عمله ، لا تقولوا : ان محمدا منا وسندخل مدخله ، فلا والله ما اوليائي منكم ولا من غيركم يا بني عبد المطلب الا المتقون ، الا افلا اعرفكم يوم القيامة ، تاتون تحملون الدنيا على ظهوركم ، وياتون الناس يحملون الاخرة ، الا اني قد اعذرت اليكم ، فيما بيني وبينكم ، وفيما بيني وبين الله عز وجل» (1).
  • قال امير المؤمنين (عليه السلام) :
    «ان اولياء الله هم الذين نظروا الى باطن الدنيا اذا نظر الناس الى ظاهرها ، واشتغلوا باجلها اذا اشتغل الناس بعاجلها ، فاماتوا منها ما خشوا ان يميتهم ، ويتركوا منها ما علموا انه سيتركهم ، وراوا استكثار غيرهم منها استقلالا ، ودركهم لها فوتا ، اعداء ما سالم الناس ، وسلم ما عادي الناس ، بهم علم الكتاب وبه علموا ، وبهم قام الكتاب وبه قاموا ، لا يرون مرجوا فوق ما يرجون ، ولا مخوفا فوق ما يخافون» (2) .
  • وقال (عليه السلام):
    «واعلموا عباد الله ان المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا واجل الاخرة ،
    (1) الفروع من الكافي ، الكليني ، ج8 ص 182 ، الحديث : 205 .
    (2) نهج البلاغة ، الحكمة : 432 .
    التقوى في القرآن 199

    فشاركوا اهل الدنيا في دنياهم ، ولم يشاركوا اهل الدنيا في اخرتهم ، سكنوا الدنيا بافضل ما سكنت ، وا كلوها بافضل ما اكلت ، ثم انقلبوا عنها بالزاد المبلغ ، والمتجر الرابح ، اصابوا لذة زهد الدنيا في دنياهم ، وتيقنوا انهم جيران الله غدا في اخرتهم ، لا ترد لهم وعدة ، ولا ينقص لهم نصيب من لذة» (1) .
  • وقال (عليه السلام)
    «كان لي فيما مضى اخ في الله ، وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه ، وكان خارجا من سلطان بطنه ، فلا يشتهي ما لايجد ، ولا يكثر اذا وجد ، وكان اكثر دهره صامتا ، فانقال بذ القائلين ، ونقع غليل السائلين ، وكان ضعيفا مستضعفا ، فان جاء الجد فهو ليث غاب وصل واد ، لا يدلي بحجة حتى ياتي قاضيا ، وكان لا يلوم احدا على ما يجد العذر من مثله ، حتى يسمع اعتذاره ، وكان لا يشكو وجعا الا عند برئه ، وكان يقول ما يفعل ، ولا يقول ما لا يفعل ، وكان اذا غلب على كلام لم يغلب على السكوت ، وكان على ما يسمع احرص منه على ان يتكلم ، وكان اذا بدهه امران ينظر ايمها اقرب الى الهوى فيخالفه .
    فعليكم بهذه الخلائق (جمع خلق) فالزموها وتنافسوا فيها ، فان لم تستطيعوها فاعلموا ان اخذ القليل خير من ترك الكثير» (2) .
    (1) نهج البلاغة ، من عهد له (عليه السلام) الى محمد بن ابي بكر ، حين قلده مصر : رقم 27 .
    (2) التنظيم الموضوعي لنهج البلاغة ، علي انصاريان ن ج2 ص 322 .
    التقوى في القرآن 200


  • وقال (عليه السلام) عند تلاوته : «يسبح له فيها بالغدو والاصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله» (1) .
    «ان الله جعل الذكر جلاء للقلوب ، تسمع به بعد الوقرة ، وتبصر به بعد العشوة وتنقاد به بعد المعاندة ، وما برح لله ـ عزت الاؤه ـ في البرهة بعد البرهة ، وفي ازمات الفترات ، عباد ناجاهم في فكرهم ، وكلمهم في ذات عقولهم ، فاستصحبوا بنور يقظة في الابصار والاسماع والافئدة ، يذكرون بايام الله ، ويخوفون مقامه ، بمنزله الادلة في الفلوات ، من اخذ القصد حمدوا اليه طريقة ، وبشروه بالنجاه ، ومن اخذ يمينا وشمالا ذموا اليه الطريق ، وحذروه من الهلكة ، وكانوا كذلك مصابيح تلك الظلمات ، وادلة تلك الشبهات .
    وان للذكر لاهلا اخذوه من الدنيا بدلا ، فلم تشغلهم تجارة ولا بيع عنه ، يقطعون به ايام الحياة ، ويهتفون بالزواجر عن محارم الله في اسماع الغافلين ، ويامرون بالقسط وياتمرون به ، وينهون عن المنكر ويتناهون عنه فكانما قطعوا الدنيا الى الاخرة وهم فيها ، فشاهدوا ما وراء ذلك ، فكانما اطلعوا غيوب اهل البرزخ في طول الاقامة فيه ، وحققت القيامة عليهم عداتها ، فكشفوا غطاء ذلك لاهل الدنيا ، حتى كانهم يرون ملا يرى الناس ، ويسمعون ما لا يسمعون .
    فلو مثلتهم لعقلك في مقاومهم المحمودة ، ومجالسهم المشهودة ، وقد
    (1) النور : 37 .
    التقوى في القرآن 201

    نشروا دواوين اعمالهم ، وفرغوا لمحاسبة انفسهم على كل صغيرة وكبيرة ، امروا بها فقصروا عنها ، او نهوا عنها ففرطوا فيها ، وحملوا ثقل اوزارهم ظهورهم ، فضعفوا عن الاسقلال بها ، نشجوا نشيجا وتجاوبوا نحيبا ، يعجون الى ربهم من مقام ندم واعتراف ، لرايت اعلام هدى ، ومصابيح دجئ ، قد حفت بهم الملائكة ، وتنزلت عليهم السكينة ، وفتحت لهم ابواب السماء ، واعدت لهم مقاعد الكرامات ، في مقصد اطلع الله عليهم فيه ، فرضي سعيهم وحمد مقامهم .
    رهائن فاقة الى فضله ، واسارى ذلة لعظمته ، جرح طول الاسى قلوبهم ، وطول البكاء عيونهم ، لكل باب رغبة الى الله منهم يد فارعة ، يسالون من لا تضيق لديه المنادح ، ولا يخيب عليه الراغبون .
    فحاسب نفسك لنفسك ، فان غيرها من الانفس لها حسيب غيرك» (1) .
  • وقال الامام ابو جعفر الباقر (عليه السلام) :
    «يا جابر ايكتفي من ينتحل التشيع ان يقول بحبنا اهل البيت ، فوالله ما شيعتنا الا من اتقى الله واطاعه ، وما كانوا يعرفون يا جابر ، الا بالتواضع والتخشع والامانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين ، والتعاهد للجيران من الفقراء واهل المسكنة والغارمين والايتام ، وصدق الحديث وتلاوة القران وكف الالسن عن الناس الا من خير ، وكانوا امناء عشائرهم في الاشياء .
    (1) نهج البلاغة ، الخطبة : 222 .
    التقوى في القرآن 202

    يا جابر : لا تذهبن بك المذاهب ، حسب الرجل ان يقول : احب عليا واتولاه ، ثم لا يكون مع ذلك فعالا ؟ فلو قال : اني احب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فرسول الله خير من علي ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنته ، ما نفعه حبه اياه شيئا .
    فاتقوا الله واعملوا لما عند الله ، ليس بين الله وبين احد قرابة ، احب العبادة الى الله عزوجل واكرمهم عليه ، اتقاهم واعملهم بطاعته . يا جابر والله ما يتقرب الى الله تبارك وتعالى الا بالطاعة ، وما معنا براءة من النار ، ولا على الله لاحد من حجة ، من كان لله مطيعا فهو لنا ولي ، ومن كان لله عصايا فهو لنا عدو ، وما تنال ولايتنا الا بالعمل والورع» (1).
    (1) الاصول من الكافي ، ج2 ص 74 ، كتاب الايمان والكفر ، باب الطاعة والتقوى ، ح : 3 .

  • السابق السابق الفهرس التالي التالي