لقد شيعني الحسين (ع) 245

برأيك (176) .
حاول معاوية التقرب من قيس ، واستدراجه إلى صفه . غير أن قيس اعتصم ، ورفض اللعبة ، وفوت الفرصة عليه . وكان قيس قد رد عليه في كتاب ، لم يفصح فيه عن نيته في عملية تبادل الخطاب جرى بينما حسب ما فصل فيه ابن الأثير وأمثاله . وكان معاوية - يريد موقفا صريحا من قيس ، فهو من هو في الدهاء حتى يخضع للمخادع ، وهو من هو في النفوذ حتى يستسلم للخدعة ، وقد قال له : وليس مثلي يصانع المخادع وينخدع للمكايد ومعه عدد الرجال وبيده أعنة الخيل (177) . غير أن قيسا لم يجد مندوحة في الرد عليه ، فأعرب عن مواقفه ، وأبا على معاوية مكيدته .
ومعاوية لم يكن رجل دين ، حتى يقاتل بلا خدعة . فهو من أخس الطلقاء ، ودينه الدهاء ، وكانت له حيل سياسية ، فلذلك لجأ إلى زرع البلبلة في صفوف الإمام علي (ع) ويصطنع أدوارا مسرحية لتضليل الرأي العام ، سواء في الشام أم في المدينة . ومن ذلك أنه على الرغم مما ظهر له من قيس ، كان حريصا على كتمان ذلك ، وادعى أنه يتواصل معه في الظل ، وأن قيسا ممن تاب ، وأنكر قتل عثمان ، وأحيانا كان يفتعل كتابا وهميا ، يدعي أنه إليه من قيس ، يذكر فيه فيأه إليه أو يظهر رسولا مفتعلا ، يزعم أنه من قيس . للرفع من معنويات أهل الشام . وكان لأمير المؤمنين (ع) كشأن كل قائد مسؤول ، جواسيسه وعيونه في البلدان . ونقلوا له الخبر عما يجري هنا وهناك . فسمع أصحاب علي (ع) الخبر ، فاقترحوا على الإمام (ع) أن يعزله ، ويولي مكانه محمد بن أبي بكر ، وكان هذا الأخير من شيعة علي (ع) ورجالاته الاستراتيجيين . فعزل قيسا وثبت مكانه محمد بن أبي بكر (178) .
كانت خطة علي (ع) أن لا يهادن بني أمية وجنودهم . وهو يحتاج إلى من

(176) ابن الأثير الكامل ص 27 / ج 3 .
(177) نفس المصدر .
(178) مسكويه : التجارب .
لقد شيعني الحسين (ع) 246

يشاركه في تلك المواقف . يريد عمالا على قلبه ، في التنمر والشدة . لقد أدرك من أمر قيس ما أدرك ، وعرف إنه كان يداري مكاره كثار ومكايد عظام . غير أن عليا (ع) لم يكن في حاجة إلى مدارات ، والظرف ظرف مواجهة وتحدي ، وهو يحتاج إلى من يجند جماهير الأمصار ، ويهيئهم للمواجهة ، لا من يسلس للمكايد ، ويداري على الحق . لذلك اضطر علي (ع) أن يعزله ويضع مكانه رجلا على نهجه في الكفاح .
ولم يقف معاوية عند هذا الحد ، بل استمر في الكتابة إلى أهل الأمصار الأخرى ، وحتى إلى المدينة ومكة نفسها .
كان يريد معاوية أن ينبه المغفلين ويشكك البسطاء ويحرضهم على الميل إليه في مطلبه للانتقام من قتلة عثمان . غير أن أهلها ردوا عليه على لسان واحدهم : (179) أما بعد ، فإنك أخطأت خطأ عظيما ، وأخذت مواضع النصرة ، وتناولتها من مكان بعيد ، وما أنت والخلافة يا معاوية ، وأنت طليق ، وأبوك من الأحزاب ، فكف عنا ، فليس لك قبلنا ولي ولا نصير .
وكاتب معاوية عليا (ع) وتبادلا الخطاب ، غير أن معاوية كان أكثر تشبثا ، برأي مستحيل .
احتاج معاوية إلى عقل يضاربه في الدهاء . فكتب إلى عمرو بن العاص ، يستميله إليه ، ويطلب منه المشاركة في القتال ضد علي (ع) .
ولم يكن عمرو بن العاص يعاني أزمة في الدهاء ، حتى تتمكن من مكيدة معاوية . فهذا الذي لا ناقة له ولا جمل إلا في الدنيا ، ما لها وبنينها ، لم يكن ليستجيب مجانا لطلب معاوية . ولم يكن عمرو بن العاص يعاني جهلا في معرفة مجريات الأمور ، وما يريده الدين وما لا يريده ، حتى ينقاد ساذجا إلى معاوية ، يقاتل إلى جنبه يتوخى نصرة حق مزيف .

(179) ذكر ابن الأثير إنه هو : المسور بن مخزمة ، في حين ذكر ابن أبي الحديد في الشرح إنه هو عبد الله بن عمر .
لقد شيعني الحسين (ع) 247

لقد كان عمرو بن العاص أحد دهاتها الكبار . كما كان على بينة من المتطلب الديني ، وحيث إن الدنيا هي من يتصدر قائمة الأولويات في اهتمام عمرو ، وحيث أنه لم يكن له إيمان يمنعه من الوقوف في وجه الحق والشرع ، فإنه حول المسألة منذ البداية إلى صفقة تجارية .
ومعاوية ، يدرك بحكم الدهاء والمكيدة أن عمرو من تلك الطينة . ويدرك أنه ما هرب بنفسه عن عثمان وخذلانه إياه ، إلا اعتصاما بمصلحة الذات ورغباتها .
وما أشد معرفة الداهية بالداهية .
وكان وردان غلاما لعمرو لا يقل دهاء قال له يوم عزم على اللحاق بمعاوية :
أما وإنك إن شئت نبأتك بما في نفسك . فقال عمرو : هات يا وردان .
فقال :
اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك ، فقلت مع علي الآخرة بلا دنيا ، ومع معاوية دنيا بغير آخرة ، فأنت واقف بينهما . فقال عمرو : ما أخطأت ما في نفسي (180).
هناك كثير مما يمكن أن يستفيده عمرو من معاوية ، فهو أهل دنيا ، والتفاوض مع أهل الدنيا ، سهل ، بل وهو أمر مؤكد بالنسبة لرجل مثل عمرو لا يأبه برجالاتها . بخلاف ما يمكن أن يحصل لو أن الأمر في يد رجل مثل علي (ع) ، لا يرى بابا أمام أهل الأهواء إلا غلقه ولا بابا ينزوون خلفه إلا فتحه .
وهناك ، كذلك الكثير مما يمكن أن يستفيده معاوية من عمرو . فالرجل داهية إذا انضم إليه نفعه ، وإذا صار ضده ضره ، وهو ذو سابقية في محاربة الإسلام ، وما حك دبرة إلا أدماها ، وهو رجل لا نسب له يطمعه في الرفعة ، ولا دين يمنعه من المكيدة . ويذكر صاحب العقد الفريد : (181) علم معاوية والله إن لم يبايعه

(180) ابن قتيبة - الإمامة والسياسة - ص 96 .
(181) ابن عبد ربه ، عن سفيان بن عينة (في العقد الفريد) ، يقول : أخبرني أبو موسى الأشعريقال : أخبرني الحسن ، قال علم معاوية .
لقد شيعني الحسين (ع) 248

عمرو لم يتم له أمر فقال لعمرو : اتبعني ، قال : ولماذا الآخرة فوالله ما معك آخرة ، أم الدنيا فوالله لا كان حتى أكون شريكك فيها قال : أنت شريكي فيها قال : فاكتب لي مصر وكورها فكتب له وكورها .
وكان عمرو يقول :
معاوية لا أعطيك ديني و لم أنـل
و ما الدين والدنيـا سـواء وإنني لآخـذ ما تعطي ورأسـي مقنع
فإن تعطني مصرا فأربـح صفقة أخـدت بها شيخا يضـر وينفع

كانت الفئة النفعية في هذا المجتمع ، قد ركبت متن الصراع ، وتاجرت فيه ، فكانوا تجار حرب ، ولكنها حرب عادلة ، بين حق يقف على الإيمان ، وباطل له سند في هوى الطلقاء .
وأعمت الدنيا قلوبهم ، فهم في غمراتها مستنكفون عن الاستجابة لداعي الحق . وافتقدوا كل مبرراتهم . وعجبا إذ يحاربون الإمام ، وهم يعرفون أنه على حق ، وأن معاوية رجل دنيا وطمع .
لكنهم كانوا يمسكون بورقة (الجبر) . فهم مسيرون لا مخيرون . مسيرون في كل شئ حتى في طلب الإمارة . قال أريب يوما لعمرو - وهو عمه من بني سهم :
ألا تخبرني يا عمرو ، بأي رأي تعيش في قريش! أعطيت دينك وتمنيت دنيا غيرك!
أترى أهل مصر وهم قتلة عثمان - يدفعونها إلى معاوية ، وعلي حي! وأتراها إن صارت لمعاوية لا يأخذها بالحرف الذي قدمه في الكتاب؟ فقال عمرو :
يا ابن أخي ، إن الأمر لله دون علي ومعاوية ، فقال الفتى :
ألا يا هند أخت ابـن زيـاد رمي عمـرو بداهية البلاد
رمي عمرو بأعـور عبسمي بعيد القعر مخشـى الكيـاد

لقد شيعني الحسين (ع) 249

لـه خدع يحـار العقـل منها مزخـرفة صـوائد للفـؤاد
فوشط في الكتـب عليه حرفا ينـاديه بخـدعته المنـادي (182)

لم يكن عمرو وهو يتدرج بالجبر ، يؤمن بأن هذا الواقع منسوب ، لله فعلا ، إنما هو الدهاء ، هو الاختباء وراء أستار مهلهلة من الفكر الهزيل . حيث له من يصدقه من رعاع العرب . وما كان لعمرو إلا أن يرحل من فلسطين إلى معاوية ، ليرتب معه الصفقة .
وكان علي (ع) محيطا بملابسة الأمور . وعز عليه السخاء بأمة محمد لصالح الطلقاء . وفضل أن يموت وتموت معه الأمة الصالحة ، ليبقى معاوية على أمة غير هذه ، كيف يقبل أبو الحسن (ع) وهو الذي ما وقف سيفه في المعترك . وبه قام الإسلام . ولقد حرص أولو النظر المحدود ، وأصحاب الحلول الوسط على إقناع علي (ع) بإثبات معاوية - في ولاية الشام . غير أنه أبى . فالقضية ليست سياسية حتى تخضع لهذا المفهوم ، وما كان أبو الحسن (ع) غافلا عن هكذا مفاهيم صغيرة ، وهو من حل كل معضلة طرحت في حضرته . إنها قضية إسلام أو جاهلية جديدة ، قضية موت أو حياة بالنسبة له ، ولم يكن يهتم ، إن كان أبو بكر وعمر وعثمان قد أثبتوا معاوية على الشام . إن عليا (ع) أزيح عن الخلافة بعد عمر ، لأنه رفض السير على سيرة الشيخين ، وما كان يحتاج إلى سنة الشيخين فيكفيه سنة رسول الله صلى الله عليه وآله لقد أبى إلا أن يحكم شرع الله فيهم ، مجردا عن شوائب اللعبة والتوازنات . . ولذلك قال (ع) والله لا أعطيه - معاوية إلا السيف ، وقال :
وما ميتة إن متها غير عاجز بعار إذا غالت النفس غولها

وكيف يخاف علي (ع) شوكتهم ، وكيف يرده عجرهم وبجرهم ، فما أحصى التاريخ عن علي (ع) هذه الهناة .
بعث (ع) إلى معاوية جريرا ، يطلب منه البيعة ، وكان الأشتر قد اعترض

(182) ابن أبي الحديد الشرح / 68 : 3 - 1 .
لقد شيعني الحسين (ع) 250

على ذلك ، ورأى أن هوى الرجل من هواهم ، غير أن عليا (ع) لم يكن يحتاج إلى من يقنعهم أكثر ، فهو يدرك ببصير الإسلام . إن هؤلاء يدركون الحق والضلال معا ، غير أنهم اختاروا الضلال . ولا بد فقط من إثبات الحجة ، للخروج إليهم ، وقطع دابرهم إلى الأبد .
كان علي (ع) يملك ورقة (الحق) بينما غطى معاوية وعمرو باطلهما بدهائهما ، فعزفا على وترين :
1 - الرشاوي المالية .
2 - التضليل الإعلامي .
كانت الرشوة للذين تاجروا في هذه الحرب متجاوزين إيمانهم بالحق الذي مع علي (ع) حيث قال رسول الله صلى الله عليه وآله (علي مع الحق والحق مع علي يدور معه أينما دار) هؤلاء باعوا دينهم لمعاوية فلا بد لهم من مقابل . ومثال على ذلك عمرو بن العاص ، وأبو هريرة ومن لف لفهم من الخونة المندسين .
والتضليل لأولئك القشريين ، الذين اكتفوا بمعرفة سطوح الدين ، ولبسوا الإسلام ، لبس الفرو مقلوبا ، فتضليلهم يمر بطريقين :
1 - تحريف الحقائق وتزييف الواقع في أذهانهم ، والضرب على وتر عواطفهم وأحاسيسهم البسيطة . وذلك كأن يرفع معاوية وعمرو بين الفينة والأخرى قميص عثمان ، ويستثيروا الروح العشائرية والانتقامية من جهة ، ثم تصوير علي (ع) وجنوده كالمجرمين مثل ما فعل عمرو حين خطب في جمهور الشامين :
(إن أهل العراق قد فرقوا جمعهم ، وأوهنوا شوكتهم وقطعوا حدهم . ثم إن أهل البصرة مخالفون لعلي وقد قتلهم ، ووترهم ، وتفانت صناديدهم يوم الجمل ، وإنما سار علي في شرذمة قليلة ، منهم من قتل خليفتكم ، فالله في حقكم أن تضيعوه ، وفي مدمكم أن تبطلوه) (183) .

(183) مسكويه - تجارب الأمم - ص 335 .
لقد شيعني الحسين (ع) 251

ومثل ذلك أعطى معاوية من بيت المال أربع مئة ألف درهم على أن يخطب سمرة بن جندب في أهل الشام بأن قوله تعالى (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه . وهو ألد الخصام . وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد) إنها نزلت في علي بن أبي طالب (ع) ، بعد ذلك قال سمرة : لعن الله معاوية والله لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبني أبدا (184) .
2 - تهيئة النفوس للقبول بالأمر الواقع ، من خلال نشر الفكر الجبري ، الذي يؤمن بالوقائع على أساس إنها قدر مقدورا . وهو ما سبق أن قاله عمرو بن العاص جبرا قد انحاز إلى معاوية ، وما أكثر النفوس التي آمنت بفكرة الجبر ، وخاضت حربا باطلة بوعي جبري . فقد روى عن الأسود ، قلت لعائشة : ألا تعجبين لرجل من الطلقاء ينازع أصحاب محمد الخلافة؟ قالت : وما يعجب! هو سلطان الله يؤتيه البر والفاجر! قد ملك فرعون مصر) (185) .
وكذلك سار معاوية في أنصاره يعطي عمرا مصر ، ويضخ الذهب والضياع في جيد المغيرة ، وسمرة ، وأبي هريرة وما شابه .
هيأ معاوية نفسه ومن معه للطوارئ ، فهذا علي (ع) لا ينثني ولم ينثن يوما في طلب الحق ، وهذا معاوية لا يرى البيعة لعلي (ع) في صالح بني أمية ، لأن في علي (ع) (لوثة) محمد صلى الله عليه وآله هذه التي طالما تطير منها ابن العاص ، وبنو أمية وأشباههم ، كان حتما وضروريا أن تشتعل المعركة ، وقد أخبر الإمام علي (ع) إن معاوية لا يريد البيعة ، ويستنفر الناس للخروج ، فسار إليه الإمام علي (ع) في جيش من المسلمين فيهم سبعون رجلا من البدريين ، وسبعة مئة رجل بايعوا تحت شجرة الرضوان ، وأربع مئة من بين سائر المهاجرين والأنصار (186) في حين لم

(184) ماذا في التاريخ ، المجلد الرابع - ص 456 ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت - لبنان . الشيخ محمد حسن القبيسي العادلي .
(185) من سيرة أعلام النبلاء للذهبي ، أنظر ص 183 من كتاب : شيخ المغيرة ، أبو هريرة ، محمودأبو رية .
لقد شيعني الحسين (ع) 252

يشمل جيش معاوية سوى رعاع العرب وأعرابها والطلقاء (187) .
وكان بود أتباع معاوية أن تردهم الحرب ، وهم يرون الصحابة قد اجتمعوا جميعا في جيش علي (ع) لكن لا حياة لمن تنادي ، والقوم كلهم من رعاع الشام ، لا يعرفون عليا ولا عمارا ، بل لا يعرفون الناقة من الجمل .
بينما نخبة الجيش الأموي المدركون للحقيقة ، قد تمكنت الدنيا من أنفسهم ، فتجردوا لها .
وانتهت المناوشات ، لكي يقف الفريقان بصفين ، حيث يجهز جيش علي (ع) على أهل الشام ، اجهازا فرق فيه شملهم ، واذهب به ريحهم ، وكان من المفروض أن ينتهي أمرهم ، غير أن الدهاة لا ينتهون ، فقد اقترح عمرو على معاوية رفع المصاحف ، كخدعة ، كان معاوية قد دعا بفرسه لينجو عليه ، وكيف لا يهرب وهو أدرى ببلاء علي (ع) وبأسه ، وما دخل هؤلاء الطلقاء سوى خوف ورهبة من هذا الحسام المهند ، الذي أرغم أنوف العرب ، لتدخل راكعة ، منقادة - في الإسلام - لقد نادى علي (ع) معاوية : (يا معاوية ، لم تقتتل الناس بيننا؟ هلم أحاكمك إلى الله ، فأينا قتل صاحبه استقامت له الأمور) .
فقال عمرو : (ما يجمل بك إلا مبارزته) .
قال معاوية :
(طمعت فيها بعدي) (188) .
وهذا لا يشك فيه أحد ، فلقد وتر علي (ع) العرب حين قتل أجدادها ، ولكنهم لم يروا في قتل علي (ع) إياهم عيبا ونقيصة ، حيث لا تزال النفوس تتردد في أصدائها (لا فتى إلا علي ، ولا سيف إلا ذو الفقار) وليس عيبا عند داهية عربي كعمرو بن العاص ، أن يكشف أمام علي (ع) عورته ، لينجو من ضربة حسام

(186) اليعقوبي .
(187) النعمان بن بشير ومسلمة بن مخلد هما الرجلان الوحيدان من الأنصار الذان كانا مع معاوية .
(188) مسكويه وغيره .
لقد شيعني الحسين (ع) 253

انشقت تحتها بيضات فرسان العرب ، ليس هذا ولا ذاك ، عيبا ، إنما العيب أن يقاتلوا الحقيقة) عند علي (ع) .
كان معاوية ، قد دعا بفرسه ، فاعترضه عمرو : إلى أين؟ قال : قد نزل ما ترى ، فما عندك؟ قال : لم يبق إلا حيلة واحدة ، أن ترفع المصاحف ، فتدعوهم إلى ما فيها ، فتسكنهم وتكسر من حدهم ، وتفت في أعضائهم ، قال معاوية : فشأنك! فرفعوا المصاحف ودعوا إلى التحكم بما فيها . وقالوا ندعوكم إلى كتاب الله) (189).
كانت تلك بحق أخطر مكيدة في تاريخ العرب والمسلمين ، وبها سار خبر عمرو بن العاص ، وذاع أمره . إنها المكيدة التي انتصرت لباطلهم ، وفرقت شمل جيش علي (ع) غير أن عليا (ع) لم يكن غبيا - حاشاه - حتى تجتاز عليه حيل الطلقاء ومكايدهم ، لقد أدرك منذ البداية إنها لعبة ، وبأن رفع المصاحف هو تكتيك حربي ، وليس إيمانا ، ولكن اللعبة تمكنت من الذهنية البسيطة ، السطحية في الأمة ، ثم إن معاوية وعمرو بن العاص ، معروفا التوجه ، ومتى دعيا إلى الدين وحكما بالقرآن ، وهل هناك قرآن في تبلجه ، وتشخصه كالإمام علي (ع) ومئات الصحابة الكبار من خلفه يقاتلون ، وهل القشريون الذين كانوا في جيش علي (ع) واستسلموا للخدعة ، ألا يدركون إن الإمام عليا (ع) هو أكثرهم تمسكا وعلما بالقرآن ، ومتى احتاج أن يعلموه التحاكم إلى شرع الله ، هؤلاء في الواقع كانوا يحاربون مع الإمام وهم يجهلون قدره ، فلم يترك الواقع الفاسد ، فرصة لفضائله (ع) لتأخذ مكانها في عقول الناس ، وهذه هي نتيجة الاغتصاب! .
لقد كان هنالك في صف الإمام (ع) رجل اسمه الأشعث بن قيس الكندي ، اعترض على مقاتلة القوم ، لأنهم رفعوا المصاحف ، أنه رجل هوائي لا يستقر على أمر ، وتحكي عنه التواريخ أنه قد أسلم وارتد ثم أسلم في عهد الرسول صلى الله عليه وآله

(189) اليعقوبي ومسكويه وابن الأثير والطبري .
لقد شيعني الحسين (ع) 254

ولذلك كان مؤهلا للانحراف في هذه المكيدة .
وانتشرت الغوغاء في جيش الإمام (ع) بما يشبه حالة انشطار ، فما كان له (ع) إلا أن يصبر ، فلا رأي له ، إذ (لا رأي لمن لا يطاع) .
وكان لا بد للفريقين أن ينتدبوا ممثلين عنهم ، ليديروا عملية التحكيم ، كان عمرو بن العاص ، هو الرجل المنتدب في جيش معاوية ، وكان المختار في جيش علي (ع) هو عبد الله بن عباس ، فرفضوه لقرابته منه وانحيازه إليه ، واختاروا مكانه أبا موسى الأشعري . ورفض الإمام (ع) هذا الاختيار . فأبو موسى كان قد خذل الناس عن علي (ع) بالكوفة ، وهو يدرك أنه لا يوازن دهاء عمرو بن العاص . هل إن ابن عباس منحاز إلى علي (ع) ، وكيف يقبل العقل ذلك!؟ .
وعمرو بن العاص هو الرجل الثاني في جيش معاوية ، هذه أكبر نكسة وقعت في جيش الإمام علي (ع) من قبل أناس بسطاء سذج لا يفقهون في الدين ، إنهم (متورعون) لذلك طلبوا من الإمام علي (ع) أن يعزل ابن عباس ، وبهذا التورع الزائد وبهذه (الأخلاقوية) البائسة ، خسروا التحكيم ، وخسروا الحق الذي من أجله جاءوا إلى صفين ، وانتهوا خوارج مارقين! .
ثم انبرى للتحكيم ، كل من عمرو بن العاص ، وأبو موسى الأشعري بعد أن تمردت طائفة من القشريين في جيش علي (ع) منهم مسعر بن فدكي وزيد بن حصن والسنبسي ومجموعة أخرى ، مطالبين عليا (ع) بالخضوع للتحكيم وطلب الأشتر بالتوقف ، وما كان من الإمام علي (ع) إلا أن يقول :
فاصنعوا ما بدا لكم .
فراحوا يكتبون : (هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين) فقال عمرو :
(اكتبوا اسمه واسم أبيه ، هو أميركم ، فأما أميرنا ، فلا .
كان الأحنف قد رفض أن يمحوا اسم أمارة أمير المؤمنين ، وقد تمثل نفس الدور الذي قام به علي (ع) وهو يكتب وثيقة صلح الحديبية ، وكأن التاريخ يعيد

لقد شيعني الحسين (ع) 255

نفسه ، لكن الأشعث بن قيس قال :
(امح هذا الاسم ، أمحاه الله) .
فعصي فقال علي (ع) :
الله أكبر سنة بسنة ، ومثل بمثل ، والله ، إني لكاتب رسول الله يوم الحديبية ، إذ قالوا :
لا نشهد لك ، إنك رسول الله ، فامح هذا ، واكتب اسمك واسم أبيك .
فكتبه) فقال عمرو بن العاص :
(نشبه بالكفار ونحن مؤمنون) .
فقال له علي (ع) : (يا ابن النابغة ، ومتى لم تكن للفاسقين وليا ، وللمسلمين عدوا ، وهل تشبه إلا أما دفعت بك؟) .
فقام وقال :
(لا يجمع بيني وبينك مجلس أبدا بعد هذا اليوم) .
فقال علي (ع) :
(وإني لأرجو أن يطهر الله مجلسي منك ومن أشباهك) (190) .
خرج الأشعث على الناس يقرأ عليهم الكتاب ، فرآه عروة بن أذيه ، أخو أبي بلال ، فقال :
(تحكمون في أمر الله الرجال؟ لا حكم إلا لله) . غير أن أصحاب قيس اتصلوا به ، فأقنعوه .
لم يعد الإمام يدرك الطريقة التي يتعامل بها مع جيش منشطر ، ومع أغلبية من الرعاع ، الذين عرفوا حقه لكنهم ، لم يقدروا شخصيته ، وكانت له خطبة عند ذلك قالها لأصحابه :

(190) الطبري ومسكويه .
لقد شيعني الحسين (ع) 256

(لقد فعلتم فعلة ضعضعت قوة ، وأسقطت منة ، وأورثت وهنا وذلة ، ولما كنتم الأعلين ، وخاب عدوكم ، ورأى الاجتياح ، واستحر بهم القتل ، ووجدوا ألم الجراح ، رفعوا المصاحف ، ودعوكم إلى ما فيها ليفتؤوكم عنها ، ويقطعوا الحرب في ما بينكم وبينهم ، ويتربصوا ريب المنون ، خديعة ، ومكيدة ، فأعطيتموهم ما سألكموه ، وأبيتم إلا أن توهنوا وتجوروا ، وأيم الله ، ما أظنكم بعدما توافقون رشدا ، ولا تصيبون باب حزم (191) .
اجتمع الحكمان ببلدة تقع خارج الشام يقال لها (أذرح) قي مدينة تبوك ، ودومة الجندل قديما ، وحضرت التحكيم جماعة من أصحاب علي وأخرى من أصحاب معاوية .
ولما اجتمع عمرو وأبو موسى ، قال عمرو :
(يا أبا موسى : أرأيت أول ما تقضي به من الحق أن تقضي لأهل الوفاء بوفائهم ، وعلى أهل الغدر بغدرهم) .
قال أبو موسى :
(وما ذاك)؟ .
قال عمرو :
ألست تعلم أن معاوية وفي ، وقدم للموعد الذي واعدناه؟) .
قال : نعم .
قال : اكتبها .
فكتبها أبو موسى .
ثم قال له : يا أبا موسى ألست تعلم أن عثمان قتل مظلوما؟ قال : أشهد .
قال : ألست تعلم أن معاوية وآل معاوية أولياؤه؟ قال : بلى ، قال : فما يمنعك

(191) مسكويه وابن الأثير .
لقد شيعني الحسين (ع) 257

منه وبيته في قريش كما قد علمت؟ فإن خفت أن يقول الناس : ليست له سابقة ، فقل وجدته ولي عثمان الخليفة المظلوم والطالب بدمه الحسن السياسة والتدبير وهو أخو أم حبيبة زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وكاتبه وقد صحبه وعوض له بسلطان .
فقال أبو موسى : يا عمرو اتق الله! فأما ما ذكرت من شرف معاوية فإن هذا ليس على الشرف تولاه أهله ، ولو كان على الشرف لكان لآل أبرهة ابن الصباح ، إنما هو لأهل الدين والفضل ، مع أني لو كنت معطيه أفضل قريش شرفا أعطيته علي بن أبي طالب . وأما قولك : إن معاوية ولي دم عثمان فوله هذا الأمر ، فلم أكن لأوليه وأدع المهاجرين الأولين ، وأما تعويضك لي بالسلطان ، فوالله لو خرج معاوية لي من سلطانه كله لما وليته ، وما كنت لأرتشي في حكم الله! .
قال عمرو : فما يمنعك من ابني وأنت تعلم فضله وصلاحه؟ فقال :
إن ابنك رجل صدق ولكنك قد غمسته في هذه الفتنة . فقال عمرو : إن هذا الأمر لا يصلح إلا لرجل يأكل ويطعم ، وكانت في ابن عمر غفلة ، فقال له ابن الزبير : افطن فانتبه! فقال : والله لا أرشوا عليها شيئا أبدا . وقال : يا ابن العاص ، إن العرب قد أسندت إليك أمرها بعدما تقارعوا بالسيوف فلا تردنهم في فتنة .
ويذكر المؤرخون ، أن عمرا قد عود تقديم أبي موسى في الكلام ، بقوله :
أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وأسن مني فتكلم ، وتعود ذلك أبو موسى .
وكان أبو موسى يريد أيضا خلع الاثنين ، وإثبات ابن عمر ، فأبى عليه ذلك عمرو . وقال له :
خبرني ما رأيك؟ قال : أرى أن نخلع هذين الرجلين ونجعل الأمر شورى فيختار المسلمون لأنفسهم من أحبوا . وقال عمرو : الرأي ما رأيت . وقال له :
يا أبا موسى أعلمهم أن رأينا قد اتفق .
فقال أبو موسى : إن رأينا قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح الله به أمر هذه الأمة .

لقد شيعني الحسين (ع) 258

فقال عمرو : صدق وبر ، تقدم يا أبا موسى نتكلم .
تقدم أبو موسى وقال : أيها الناس إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر أصلح لأمرها ولا ألم لشعثها من أمر قد أجمع رأيي ورأي عمرو عليه ، وهو أن نخلع عليا ومعاوية ، ويولي الناس أمرهم من أحبوا ، وإني قد خلعت عليا ومعاوية فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من رأيتموه أهلا ، ثم تنحى (192) .
فقام عمرو فقال : لكني خلعت صاحبه عليا كما خلع ، وأثبت معاوية .
يقول الطبري (193) ، إنهما لم يبرحا مجلسهما حتى استبا ، ثم خرجا إلى الناس ، فقال أبو موسى :
(إني وجدت مثل عمرو مثل الذين قال الله عز وجل : « واتل عليهم نبأ الذي أتيناه آياتنا فانسلخ منها » ( الأعراف : 174 ) .
فقال عمرو :
أيها الناس إني وجدت مثل أبو موسى كمثل الذين قال الله عز وجل :
« مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها ، كمثل الحمار يحمل أسفارا » (الجمعة : 5) .
كانت القضية من بدايتها خاطئة ، لأنها قائمة على مكيدة التحكيم . والإمام علي (ع) لم يكن فقط يملك ورعا وتقوى يحول دونه والمكيدة . بل أيضا كان يتوفر على قدر لا يوزن من البصيرة ، أدرك من خلاله طبيعة اللعبة ، فرفض التحكيم واستشرف مأزقه ، غير أن الكثير ممن كان معه ، كان يملك إيمانا مقلوبا ، ورتوشا (أخلاقوية) زائدة على المبدأ والسلوك . لم يكن عمرو بن العاص يجهل قدر علي (ع) ولكنه سلك اختيارا - لعوامل شتى يقتضي تفويت الخلافة إلى معاوية ، أما أبو موسى الأشعري ، فقد كان رجلا من أولئك (الأخلاقويين) ، الفاقدين

(192) ابن الأثير في التاريخ / ج 3 - ص 231 - 232 .
(193) وكذا ورد في بن الأثير ومسكويه و .
لقد شيعني الحسين (ع) 259

للبصيرة ، ذلك أنه طرح عزل علي (ع) وهو يرى في عزل (الحق) حقا ، وليس ذلك إلا تنازلا للباطل . ولذلك اقترح ابن عمر ، ولم يكن هذا الأخير ، بمن يستحق طرحه في سياق الاستخلاف ، غير أن السذاجة غلبت على مواقف الناس ، وما رأيت رجلا خذل الحق في الإسلام ، مثل ابن عمر ، الذي كان يدرك كل شئ ، ولا يتكلم ، ويخشى أن يقول الحق ، خوفا من الفتنة ، والفتنة ليست سوى تغييب الحق والسكوت عنه .
يذكر ابن الأثير ، إن معاوية حصر الحكمين وإنه قام عشية في الناس فقال :
أما بعد من كان متكلما في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه ، قال ابن عمر : فاطلعت جبوتي فأردت أن أقول يتكلم فيه رجال قاتلوك وأباك على الإسلام ، فخشيت أن أقول كلمة تفرق الجماعة ويسفك فيها دم ، وكان ما وعد الله فيه الجنان أحب إلي من ذلك ، فلما انصرفت إلى المنزل جاءني حبيب بن مسلم فقال : ما منعك أن تتكلم حين سمعت هذا الرجل يتكلم؟ قلت : أردت ذلك ثم خشيت ، فقال حبيب : وفقت وعصمت ، وهذا أصح .
ترك هؤلاء للباطل فرصة للظهور ، ولم يقفوا مع الحق ، وهو في حاجة إلى من يسنده . وقف الإمام علي (ع) وحيدا ، ليس معه سوى عصبة من المؤمنين الذين لا تهزهم الأطماع ، ولا الحطام ، الفئة التي نذرت حياتها للحق دون سواه ، والباقون كانوا إما قاسطين أو مارقين أو ناكثين .
خرجت من جيش علي (ع) يومذاك فرقة من الخوارج زعموا أن الحكم لله ، شعارا ساذجا ، يخفي داخله الضباب والأمية الإسلامية ، ولذلك كبر الإمام علي (ع) قائلا : الله أكبر ، كلمة حق يراد بها باطل) .
لم يشأ (ع) أن يقتلهم يوم النهروان إلا بعد أن اضطروه إلى ذلك ، ولطالما حاورهم ، ورفع الراية البيضاء يستتيبهم ، خرج بعضهم وبقي شرارهم معتصمين لجهلهم ، فحاربهم وبقيت بعد ذلك حفنة من الخوارج ، تائهة في فلوات الجزيرة ، تبشر بجهلها ، وتبيت لعلي (ع) وانتشرت في البلدان ، وانتشر معها الغباء .

لقد شيعني الحسين (ع) 260

لا أريد هنا أن أفصل في الخوارج ، كنشأة ، وتطور ، فهذا ليس من وظيفة الكتاب ، لأن الخوارج ، ليسوا سوى فرقة غبية ، طلبت الحق بسذاجة فلم تجده ، فرجع منها المخلصون إلى الحق ، وبقي الأشقياء يردون موارد الفتن ، ولكنني أريد الإشارة إلى المنعطفات . ومن تلك المنعطفات ، ما تلي صفين من أحداث ، كان الصحابي الجليل عمار قد قتل بصفين ، وبذلك قد أرسى ميزانه لتقييم الحدث . وقد فزع من جيش معاوية لما رأوه ميتا ، لأنهم سمعوا إن (ابن سمية تقتله الفئة الباغية) غير أن الإعلام الأيديولوجي حرف القضية ، واستصغرها في ذهن القوم ، فقال عمرو لقد قتله الذين جاؤوا به! وكان كما أشار معاوية ، يعتبر أي عمار يمين الإمام علي (ع) فيما الأشتر يسراه .
لم تكن مصر حتى ذلك اليوم قد خلت لمعاوية وما كان هذا الأخير غافلا عنها ، فهي سلة جديدة تنضاف إلى إمارته الواسعة ، وهي ثمن الانتصار الذي جلبه له عمرو بن العاص .
وحيث إن في مصر من هم على هوى علي (ع) أراد معاوية أن يستخدم دهاءه في استمالتها قبل الاجهاز عليها ، كانت مصر قد فسدت على محمد بن أبي بكر ، فبعث إلى مصر الأشتر .
وبلغ الخبر إلى معاوية ، فخشي على مصر من الأشتر وتشدده . فعقد معاوية صفقة مع المقدم على أهل الخراج بالقلزم وقال له : إن الأشتر قد ولي مصر : فإن كفيتنيه لم آخذ منك خراجا ما بقيت وبقيت . وعندما انتهى الأشتر إلى القلزم وهو في طريقه من العراق إلى مصر ، استقبله الرجل ، وأتاه بطعام دس فيه سما ، فسقاه إياه . فلما شربه مات (194) .
وحدث أيضا إن قتل محمد بن أبي بكر ، في الدفاع عن مصر من قبل جيش معاوية ، بقيادة عمرو بن العاص . الحرب التي تركت وراءها أمواتا كثيرين .
وكان محمد بن أبي بكر قد دخل حربه ، واشتد عليه العطش ، فلحقوا به ، وقتلوه

(194) تاريخ ابن الأثير

السابق السابق الفهرس التالي التالي