الزيارة 221

وهذا غاية التحقير لهم، خصوصاً الانبياء، فإنّ من انتقصهم ولو بالكناية يكفّر ولا تقبل توبته في بعض الاقوال، وهؤلاء المخذولون بجهلهم يسمون التوسّل بهم عبادة، ويسمونهم أوثاناً، فلاعبرة بجهالة هؤلاء وضلالاتهم، والله أعلم. انتهى.
كما لا عبرة بجهالة ابن تيمية، ومن لفّ لفّه وضلالاتهم.
« أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم »(1) .

القبور المقصودة بالزيارة

التوسّل والتبّرك بها، الدّعاء والصلاة لديها،
ختم القرآن لمدفونيها
هناك قبور تُقصد بالزيارة، وقد قُصدت في القرون الاسلامية منذ يومها الاول، ولاعلام المذاهب الاربعة حولها كلمات، يأخذ الباحث منها دروساً عالية من شتّى النواحي، ويقف بها على فوائد جمّة، منها: عرفان سيرة المسلمين وشعارهم في القرون الخالية حول زيارة القبور، والتوسّل والتبّرك بها، والدعاء والصلاة لديها، وختم القرآن لمدفونيها، واليك نبذة منها:
1 ـ بلال بن حمامة الحبشي، مؤّذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)المتوفّى

(1) النحل 108.
الزيارة 222

سنة20هـ، قبره بدمشق، وفي رأس القبر المبارك تاريخ. باسمه (رضي الله عنه)، والدعاء في هذا الموضع المبارك مستجاب، قد جرّب ذلك كثير من الاولياء وأهل الخير المتبركين بزيارتهم. «رحلة ابن جبير:229».
2 ـ سلمان الفارسي، الصحابي العظيم المتوفّى 36هـ، قال الخطيب البغدادي في تاريخه 1: 163: قبره الان ظاهر معروف بقرب ايوان كسرى عليه بناء، وهناك خادم مقيم لحفظ الموضع وعمارته والنظر إليه في أمر مصالحه، وقد رأيت الموضع وزرته غير مرّة.
وقال ابن الجوزي في «المنتظم 5: 75»: قال القلانسي وسمنون: زرنا قبر سلمان وانصرفنا.
3 ـ طلحة بن عبيد الله، المقتول يوم الجمل سنة 36هـ، قال ابن بطوطة في رحلته 1: 116: مشهد طلحة بن عبيد الله أحد العشرة رضي الله عنهم، وهو بداخل المدينة وعليه قبّة ومسجد، وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر، وأهل البصرة يعظّمونه تعظيماً شديداً وحقّ له، ثمّ عدّ مشاهداً في البصرة لجملة من الصحابة والتابعين فقال: وعلى كلّ قبر منها قبّة مكتوب فيها اسم صاحب القبر ووفاته.
4 ـ الزبير بن العوام المتوفّى 36هـ، قال ابن الجوزي في «المنتظم7: 187»: فمن الحوادث في سنة 386هـ أنّ أهل البصرة في شهر المحرّم ادّعوا أنهم كشفوا عن قبر عتيق فوجدوا فيه ميّتاً طرّياً

الزيارة 223

بثيابه وسيفه وأنّه الزبير بن العوام، فأخرجوه وكفّنوه ودفنوه بالمربد بين الدربين، وبنى عليه الاثير أبو المسك عنبر بناءً وجعل الموضع مسجداً، ونُقلت إليه القناديل والالات والحصر والسّمادات، وأقيم فيه قوّام وحفظة ووقف وقوفاً.
5 ـ أبو أيّوب الانصاري الصّحابي المتوفّى 52هـ بالروم، قال الحاكم في «المستدرك 3: 458»: يتعاهدون قبره ويزورونه، ويستسقون به إذا قحطوا. وذكره ابن الجوزي في «صفة الصفوة1:187».
وقال الخطيب البغدادي في تاريخه 1: 154: قال الوليد: حدثني شيخ من أهل فلسطين: أنه رأى بنيّة بيضاء دون حائط القسطنطينية فقالوا: هذا قبر أبي أيّوب الانصاري صاحب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأتيت تلك البنيّة فرأيت قبره في تلك البنيّة وعليه قنديل معلّق بسلسلة.
وفي تاريخ ابن كثير 8: 59: وعلى قبره مزار ومسجد، وهم «أيّ الروم» يعظّمونه.
وقال الذهبى في «الدول الاسلامية 1: 22»: فالروم تعظّم قبره ويستشفعون إلى اليوم به.
6 ـ رأس الحسين «الامام السبط الشهيد» بمصر، قال ابن جبير المتوفّى 614هـ في رحلته 12: هو في تابوت فضّة مدفون تحت الارض قد بُني عليه بنيان حفيل يُقصر الوصف ولا يحيط

الزيارة 224

الادراك به، مجلّل بأنواع الديباج، محفوف بأمثال العمد الكبار شمعاً أبيض ومنه ما هو دون ذلك، قد وضع أكثرها في أتوار فضّة خالصة ومنها مذهّبة، وعلّقت عليه قناديل فضّة، وحفّ أعلاه كلّه بأمثال التفافيح ذهباً في مصنع شبيه الروضة، يقيد الابصار حسناً وجمالاً، فيه من أنواع الرخام المجزّع الغريب الصنعة البديع الترصيع مالايتخّيله المخيّلون، ولا يحقّ أدنى وصفه الواصفون.
والمدخل إلى هذه الروضة على مثالها في التأنّق والغرابة، حيطانه كلّها رخام على الصفة المذكورة، وعن يمين الرّوضة المذكورة وشمالها بنيان من كليهما المدخل اليها وهما أيضاً على تلك الصفة بعينها، والاستار البديعة الصنعة من الديباج معلقة على الجميع.
ومن أعجب ماشاهدناه في دخولنا إلى هذا المسجد المبارك حجر موضوع في الجدار الذي يستقبله الداخل، شديد السواد والبصيص، يصف الاشخاص كلها كأنه المرآة الهندية الحديثة الصقل،
وشاهدنا من استلام الناس للقبر المبارك، واحداقهم به وانكبابهم عليه، وتمسّحهم بالكسوة التي عليه، وطوافهم حوله مزدحمين داعين باكين، متوسّلين إلى الله سبحانه وتعالى ببركة التربة المقدّسة، ومتضّرعين بمايُذيب الاكباد، ويصدع الجماد، والامرفيه أعظمومرأى الحال أهول،نفعناالله ببركة ذلك المشهدالكريم.

الزيارة 225

وانّما وقع الالماع بنبذة من صفته مستدّلاً على ما وراء ذلك، اذ لا ينبغي لعاقل أن يتصدّى لوصفه; لانّه يقف موقف التقصير والعجز، وبالجملة فما أظن في الوجود كلّه مصنعاً أحفل منه، ولا مرأى من البناء أعجب ولا أبدع، قدّس الله العضو الكريم الذي فيه بمنّه وكرمه.
وفي ليلة اليوم المذكور بتنا بالجبّانة المعروفة بالقرافة، وهي أيضاً احدى عجائب الدنيا، لما تحتوي عليه من مشاهد الانبياء صلوات الله عليهم أجمعين، وأهل البيت، والصحابة رضوان الله عليهم، والتابعين والعلماء والزهّاد والاولياء ذوي الكرامات الشهيرة والانباء الغريبة، وانّما ذكرنا منها ما أمكنتنا مشاهدته.
فمنها: قبر ابن النبيّ صالح، وقبر روبيل بن يعقوب بن اسحق بن ابراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليهم أجمعين، وقبر آسية امرأة فرعون رضي الله عنها، ومشاهد اهل البيت رضي الله عنهم أجمعين مشاهد أربعة عشر من الرجال وخمس من النساء، وعلى كلّ واحد منها بناء حفيل، فهي بأسرها روضات بديعة الاتقان عجيبة البنيان، قد وكّل بها قوم يسكنون فيها ويحفظونها، ومنظرها منظر عجيب، والجرايات متصلة لقوامها في كلّ شهر،ثمّ ذكر تفصيل المشاهد.
عقد الشبرواي الشيخ عبد الله الشافعي المتوفّى 1172هـ في كتابه ـ الاتحاف بحب الاشراف ـ ص25 40 باباً في ذلك المشهد،

الزيارة 226

وذكر فيه زيارته وشطراً من الكرامات له واحياء يوم الثلاثاء بزيارته وقال: والبركات في هذا المشهد مشاهد مرئية، والنفحات العائدة على زائريه غير خفّية، وهي بصحّة الدعوى ملّية، والاعمال بالنيّة، ولابي الخطاب بن دحية في ذلك جزء لطيف مؤلف.
واستفتى القاضي زكي الدين عبد العظيم في ذلك فقال: هذا مكان شريف، وبركته ظاهرة، والاعتقاد فيه خير والسلام.
وما أجدر هذا المشهد الشريف والضريح الانور المنيف بقول القائل:
نفسـي الفداء لمشهد أسـراره من دونها ستر النبـّوة مسبل
ورواق عزّ فيه أشرف بقعـة طلّت تُحار لها العقول وتذهل
تغضى لبهجته النـواظر هيبة ويرد عنـه طرفـه المتأمـل
حسدت مكانتـه النجوم فودّ لو أمسى يجاوره السّماك الاعزل
وسمـا علـوّاً أنْ تقبّل تربـه شفـة فأضحى بالجباه يُقبـّل
وقال في ذكر الكرامات: منها أنّ رجلاً يقال له شمس الدين

الزيارة 227

القعويني، كان ساكناً بالقرب من مشهد، وكان معلم الكسوة الشريفة حصل له ضرر في عينيه فكفّ بصره، وكان كلّ يوم إذا صلّى الصبح في مشهد الامام الحسين يقف على باب الضريح الشريف ويقول: ياسيدي انا جارك قد كفّ بصري وأطلب من الله بواسطتك أنْ يردّ علي ولو عيناً واحدة.
فبينما هو نائم ذات ليلة إذ رأى جماعة أتوا لزيارة الحسين (رضي الله عنه)، فدخل معهم ثمّ قال ماكان يقوله في اليقظة، فالتفت الحسين إلى جده (صلى الله عليه وآله وسلم) وذكر له ذلك على سبيل الشفاعة عنده في الرجل، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) للامام علي (رضي الله عنه)، ياعلي كحّلهُ، فقال: سمعاً وطاعة، وأبرز من يده مكحلة ومروداً وقال له: تقدّم حتى أكحلك، فتقّدم فلوّث المرود ووضعه في عينه اليمنى فأحسّ بحرقان عظيم، فصرخ صرخة عظيمة، فاستيقظ منها وهو يجد حرارة الكحل في عينه، ففتحت عينه اليمنى، فصار ينظر بها إلى أنْ مات، وهذا الذي كان يطلبه. فاصطنع هذه البسط التي تُفرش في مشهد الامام الحسين (رضي الله عنه)، وكتب عليها وقفاً، ولم تزل تُفرش حتّى تولّى مصر الوزير المعظم محمد باشا الشريف من طرف حضرة مولانا السلطان محمد خان نصره الله، فجدّد بسطاً أخرى، وهي التي تُفرش إلى الان.
ثمّ ذكر كرامة أخرى وقعت للشيخ أبي الفضل نقيب السادة الخلوتيّة، وقال بعد بيان اختصاص يوم الثلاثاء بزيارة ذلك

الزيارة 228

المشهد: ولنذكر في هذا الباب نبذة من القصائد التي مدحتُ بها آل البيت الشريف،وتوسّلت فيهابساكن هذاالمشهدالمنيف، فمّماقلت له:
آل طـه ومـن يـقــل آل طـه مسـتجيراً بجـاهكـم لايُـردُّ
حبّكـم مذهبـي و عقـد يقـينـي ليس لي مذهـب سـواه وعقد
منكم اسـتمد بل كـلّ من في الكـ ـون من فيض فضلكم يستمد
بيتكـم مهبـط الـرسـالـة والـ ـوحي و منكم نور النبوة يبدو
ولـكـم في العـلا مقـام رفيـع مـالـكـم فيـه آل يـس ندُّ
يابن بنت الرسول من ذا يضاهيـ ـك افتخاراً وأنت للفخر عقد؟
ياحسـينـاً هـل مثـل أمـّك أمّ لشـريف؟ أو مثـل جدّك جدّ؟
رام قـوم أنْ يلحقـوك ولـكـن بينهم في العـلا وبينـك بُعد
خصّك الله بالسـعـادة في دنيـ ـاك ثمّ بالـشـهـادة بعـد

الزيارة 229

لك في القبر ياحسـيناً مقـام
ياكريم الدارين يامن له الدهـ ـر على رغم من يعاند عبد
أنت سيف على عداك ولكـن فيك حلم ومـا لفضـلك حد
كل من رام حصر فضلك غرّ فضل آل الـنبيّ لـيس يُعدّ
طيبة فاقـت البقـاع جميعـاً حين أضحى فيها لجدّك لحد
و لمصر فخر على كلّ مصر ولـها طالـع بقبرك سعـد
مشهد أنت فيـه مشهد مجـد كم سعى نحـوه جـواد مجدُّ
وضريح حوى علاك ضريح كلـه منـدل يفـوح ونـدّ(1)
مدد مـالـه انتهـاء وسـرّ لايُضاهـى ورونـق لا يُحدّ

(1) المندل: العود الطيب الرائحة، ج: منادل. الند بالفتح والكسر: عود يتبخر به. «المؤلّف».
الزيارة 230

رحمـات للـزائـريـن تـوالـت و جـزيل من الـعطـاء ورفـد
رضـي الله عـنـكـم آل طــه ودعـاء الـمقـلّ مثلـي جهـد
وسـلام علـيـكـم كـلّ وقـت مـاتغـنّت بكـم تُهـام و نجـد
أنا في عـرض تربـة أنت فيهـا ياحـسـينـاً وبعد حـاشـا أردّ
أنا في عرض جدّك الطاهـر الـ ـطهر إذا ماالزمان بالخطب يعدو
أنا في عرض من يعـول كلّ الـ ـرسـل عليـه ومالهم عنـه بد
أنا في عـرض من أتتـه غـزال فحماهـا والخصـيم خصـم ألدّ
أنا في عرض جدّك المصطفى من كـلّ عـام لـه الـرحـال تُشدُّ

وقلت فيهم أيضاً رضي الله تعالى عنهم:

الزيارة 231

آل بيت الـنبيّ مـالـي سـواكم ملجأ أرتجـيـه للكرب في غدْ
لست أخشى ريب الـزمان وأنتم عمدتي في الخطوب ياآل أحمدْ
من يضاهـي فخاركم آل طـه؟ وعليكم سـرادق الـعزّ ممتـدْ
كل فضل لـغيركـم فالـيكـم يابني الطهر بالاصالـة يُسـندْ
لاعدمنـا لكـم مـوائد جـود كل يـوم لـزائـريكـم تُجدّدْ
ياملـوكـاً له لـواء المعـالي وعليهم تاج السعـادة يُعـقـدْ
أيّ بيت كـبيتـكـم آل طـه! طهّر الله سـاكـنيـه ومجّـدْ
روضـة الـمجد والمفاخر أنتم وعليكم طير المكـارم غـرّدْ
ولكم في الكتاب ذكـر جميـل يهتدي منـه كلّ قـار ويسعدْ
وعليكم أثنى الكتاب وهل بعـ ـد ثناء الكتاب مجد وسوددْ؟!

الزيارة 232

ولكم في الفخار يا آل طه منزل شامخ رفيع مشيّدْ
قد قصدناك يابن بنت رسو ل الله والخير من جنابك يقصدْ
ياحسيناً ما مثل جدّك عطفاً لمحبّ بالخير منك تعوّدْ
كل وقت يودّ يلثم قبراً أنت فيه بمقلتيه ويشهدْ
سادتي أنجدوا محبّاً أتاكم مطلق الدمع في هواكم مقيّدْ
وأغيثوا مقصّراً ماله غيـ ـر حماكم إن أعضل الامر واشتدْ
فعليكم قصرت حبّي وحاشا بعد حبّي لكم أقابل بالردّ
يالهي مالي سوى حبّ آل البيـ ـت آل النبيّ طه الممجّدْ
أنا عبد مقصّر لست أرجو عملاً غير حبّ آل محمدْ
...الخ
وقال في المشهد الحسيني أيضاً:

الزيارة 233

يانديمي قم بي إلى الصهباء واسقنيها في الرّوضة الغنّاء
حيث مجرى الخليج والماء فيه يتثنّى كالحيّة الرقشاء
هاتها يانديم صرفاً ودعني من صريع الهوى قتيل الماء
وأدرها ممزوجة بالتهاني غير ممزوجة بماء السماء
هاتها يانديم من غير خلط ان خلط الدواء عين الداء
وألقني يانديم تحت الاثيلا ت سحيراً إذا أردت لقائي
في كثيب من الجزيرة يختا ل دلالاً في حلّة خضراء
روضة راضها النسيم سحيراً باعتلال سحّت به واعتلاء
ولطيف النسيم يعبث بالغصـ ـن فيهتز هزّة استهزاء
ياخرير الخليج تفديك نفسي فلكم نلتُ في حماك منائي

الزيارة 234

يانديمي جدّد بذكراه وجدي وأحي ذاك الغرام بالاغراء
هات حدّث عن نيل مصر ودعني من فرات ودجلة فيحاء
وأعد لي حديث لذّات مصر فحديث اللّذات عنّي نائي
انّ مصر الاحسن الارض عندي وعلى نيلها قصرت رجائي
وغرامي فيها وغاية قصدي أن أرى سادتي بني الزهراء
وإلى المشهد الحسيني أسعى داعياً راجياً قبول دعائي
يابن بنت الرسول انّي محب فتعطّف واجعل قبولي جزائي
ياكرام الانام ياآل طه! حبّكم مذهبي وعقد ولائي
ليس لي ملجأ سواكم وذخر أرتجيه في شدّتي ورخائي

...الخ
وقال فيه أيضا:

الزيارة 235

ياآل طه من أتى حبكم مؤملاً احسانكم لا يُضام
لذنا بكم ياآل طه وهل يُضام من لاذ بقوم كرام؟
تزدحم الناس بأعتابكم والمنهل العذب كثير الزحام
من جاءكم مستمطراً فضلكم فاز من الجود بأقصى مرام
ياسادتي يابضعة المصطفى يامن لهم في الفضل اعلى مقام
أنتم ملاذي وعياذي ولي قلب بكم ياسادتي مستهام
وحقّكم إنّي محب لكم محبّة لايعتريها انصرام
وقفت في أعتابكم هائماً وما على من هام فيكم ملام
ياسبط طه ياحسيناً على ضريحك المأنوس منّي السلام
مشهدك السامي غدا كعبة لنا طواف حوله واستلام


الزيارة 236

بيت جديد حلّ فيه الهدى فصار كالبيت العتيق الحرام
تفديك نفسي ياضريحاً حوى حسيناً السبط الامام الهمام
انّي توسّلت بما فيك من عزّ ومجد شامخ واحتشام
يازائراً هذا المقام اغتنم فكم لمن يسعى إليه اغتنام؟
ينشرح الصدر إذا زرته وتنجلي عنه الهموم العظام
كم فيه من نور ومن رونق كأنه روضة خير الانام

...الخ
وقال الحمزاوي العدوي المتوفّى 1303هـ في «مشارق الانوار:92»،بعدكلام طويل حول مشهد الامام الحسين الشريف: واعلم أنه ينبغي كثرة الزيارة لهذا المشهد العظيم متوسّلاً به إلى الله، ويطلب من هذا الامام ما كان يطلب منه في حياته، فإنّه باب تفريج الكروب، فبزيارته يزول عن الخطب الخطوب، ويصل إلى الله بأنواره والتوسّل به كلّ قلب محجوب، ومن ذلك ما وقع لسيدي العارف بالله تعالى سيدي محمد شلبي شارح «العزيّة» الشهير ابن

الزيارة 237

الست، وهو أنه قد سرقت كتبه جميعها من بيته قال: فتحّير عقله واشتدّكربه،فأتى إلى مقامولي نعمتناالحسين منشداً لابيات استغاث بها، فتوجه إلى بيته بعد الزيارة ومكثه في المقام مدة فوجد كتبه في محلها قد حضرت من غير نقص لكتاب منها، وها هي الابيات:
أيحوم حول من التجا لكم أذى؟ أو يشتكي ضيماً وأنتم سادته؟!
حاشا يُردّ من انتمى لجنابكم ياآل أحمد! أو تسرّ شوامته
لكم السيادة من ألست بربكم ولكم نطاق العزّ دارت هالته
هل ثمّ باب للنبيّ سواكم من غيركم من ذي الورى ريحانته؟!
تبّاً لطرف لا يشاهد مشهداً يحوي الحسين وتستلمه سلامته
فالزم رحاباً ضم سبط محمد ماأمّه راج وعيقت حاجته
هاخادماً للحبّ يرفع حاجة مّما يلاقي من بلايا هالته

أمدّنا الله من فيض أمداده، ومتّعنا من فيض قربه، وتقبيل أعتابه، وذكر لبعضهم في ذلك المشهد قوله:
منزل كمّل الاله سناه تتوارى البدور عند لقاه

الزيارة 238

خصّه ربّنا بما شاء في الار ض تعالى من في السماء اله
صانه زانه حماه وقاه وكساه بمنّه ورضاه
ان غدا مسكناً لعزّة آل البـ ـيت من ثمّ قدره وعلاه
الامام الحسين أشرف مولى أيّد الدين سرّه ووقاه
مدحته آيّ الكتاب وجاءت سنّة الهاشمي طرز حلاه

وهناك كلمات ضافية ليم ما ذكر حول مشهد الرأس الشريف لوجمعتها يد التأليف لاتت كتاباً حافلاً، ومّمن أفرده بالتأليف الشيخ عبد الفتّاح بن أبي بكر الشهير بالرسام الشافعي له رسالة: نور العين في مدفن رأس الحسين.
7 ـ عمر بن عبد العزيز الخليفة الاموي المتوفّى 101هـ، قبره بدير سمعان يُزار. «طبقات الحفاظ 1: 114».
8 ـ أبو حنيفة النعمان بن ثابت امام الحنفية المتوفّى 150هـ، قبره في الاعظمية ببغداد مزار معروف، روى الخطيب في تاريخه1:123 عن علي بن ميمون قال: سمعت الشافعي يقول: إنّيلاتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره في كلّ يوم ـ زائراً ـ فاذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عند، فما تبعد حتى تُقصى.
وذكره الخوارزمي في مناقب أبي حنيفة 2: 199، والكردري في مناقبه 2: 112، وطاش كبرى زادة في مفتاح السعادة 2: 82، والخالدي في صلح الاخوان 83 نقلاً عن السفيري وابن جماعة.
وقال ابن الجوزي في «المنتظم 8: 245»: في هذه الايام «يعني

الزيارة 239

سنة 459هـ» بنى أبو سعد المستوفي الملقّب شرف الملك مشهد أبي حنيفة، وعمل لقبره ملبناً وعقد القبّة، وعمل المدرسة بازائه وأنزلها الفقهاء ورتّب لهم مدّرساً، فدخل أبو جعفر ابن البياضي إلى الزيارة فقال ارتجالاً:
ألم تر أنْ العلم كان مضيّعاً فجمّعه هذا المغيّب في اللحد؟!
كذلك كانت هذه الارض ميتة فأنشرها جود العميد أبي سعد

ثم قال: قال المصنّف قرأت بخط أبي الوفاء ابن أبي عقيل قال: وضع أساس مسجد بين يدي ضريح أبي حنيفة بالكلس والنورة وغيره، فجمع سنة ستّ وثلاثين وأربعمائة وأنا ابن خمس سنين أو دونها بأشهر، وكان المنفق عليه تركي قدم حاجاً،ثمّ قدم أبو سعد المستوفي وكان حنفياً متعصباً وكان قبر أبي حنيفة تحت سقف عمله بعض امراء التركمان، وكان قبل ذلك وأنا صبي عليه خربشت خاصا له وذلك في سني سبع أو ثمان وثلاثين قبل دخول الغزو بغداد سنة سبع وأربعين، فلما جاء شرف الملك سنة ثلاث وخمسين عزم على احداث القبة وهي هذه، فهدم جميع أبنية المسجد وما يحيط بالقبر وبنى هذا المشهد، فجاء بالقطّاعين والمهندسين وقدّر لها ما بين الوف آجر، وابتاع دوراً من جوار المشهد وحفر أساس القبة، وكانوا يطلبون الارض الصلبة فلم

الزيارة 240

يبلغوا اليها إلاّ بعد حفر سبعة عشر ذراعاً في ستة عشر ذراعاً فخرج من هذا الحفر عظام الاموات الذين كانوا يطلبون جوار النعمان أربعمائة صنّ، ونقلت جميعها إلى بقعة كانت ملكاً لقوم فحفر لها ودفنت.
إلى أنْ قال: أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ، أنبأنا أبو الحسين المبارك بن عببد الجبار الصيرفي قال: سمعت أبا الحسن بن المهتدي يقول: لا يصح أن قبر أبي حنيفة في هذا الموضع الذي بنوا عليه، وكان الحجيج قبل ذلك يردون ويطوفون حول المقبرة فيزورون أبا حنيفة لا يعّينون موضعاً.
وقال ابن خلكان في تاريخه 2: 297، قبره مشهور يزار، بُني عليه المشهد والقبة سنة 459هـ.
وقال ابن جبير في رحلته 180: وبالرصافة مشهد حفيل البنيان، له قبّة بيضاء سامية في الهواء فيه قبر الامام أبي حنيفة (رضي الله عنه).
وقال ابن بطوطة في رحلته 1: 142: قبر الامام أبي حنيفة (رضي الله عنه)عليه قبّة عظيمة وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر، وليس بمدينة بغداد اليوم زاوية يطعم الطعام فيها ماعدا هذه الزاوية.ثمّ عد جملة من قبور المشايخ ببغداد فقال: وأهل بغداد لهم في كلّ جمعة لزيارة شيخ من هؤلاء المشايخ ويوم لشيخ آخر يليه، وهكذا إلى آخر الاسبوع.
وقال الذهبي في «الدول 1: 79»: وقبره عليه مشهد كبير وقبّة

الزيارة 241

عالية ببغداد.
وقال ابن حجر في «الخيرات الحسان»(1) في مناقب الامام أبي حنيفة في الفصل الخامس والعشرين: إنّ الامام الشافعي أيام كان هو ببغداد كان يتوسّل بالامام أبي حنيفة، ويجييء إلى ضريحه يزور فيسلّم عليه،ثمّ يتوسّل الله تعالى به في قضاء حاجاته.
وقال: قد ثبت أن الامام أحمد توسّل بالامام الشافعي حتى تعجّب ابنه عبد الله بن الامام أحمد فقال له أبوه: إنَّ الشافعي كالشمس للناس وكالعافية للبدن. ولمّا بلغ الامام الشافعي: أن أهل المغرب يتوسّلون بالامام مالك، لم ينكر عليهم.
9 ـ مصعب بن الزبير المتوفّى 157هـ،قال ابن الجوزي: زارت العامّة قبره بمسكن كما يُزار قبر الحسين (عليه السلام). «المنتظم لابن الجوزي 7: 206».
10 ـ ليث بن سعد الحنفي امام مصر توفيّ 175هـ، ودفن بالقرافة الصغرى وقبره يُزار رأيته غير مرّة. «الجواهر المضيئة 417».
11 ـ مالك بن أنس امام المالكية المتوفّى 179هـ، قبره ببقيع الغرقد في المدينة المنوّرة، قال ابن جبير في رحلته 153: عليه قبّة صغيرة مختصرة البناء. وقد مرّ ص140: إنَّ الفقهاء عدّوا زيارته من آداب من زار قبر النبيّ الاقدس (صلى الله عليه وآله وسلم).

(1) حكاه عنه السيد أحمد زيني دحلان في خلاصة الكلام 252 والدرر السنية.
الزيارة 242

12 ـ الامام الطاهر موسى بن جعفر عليهما السلام المدفون بالكاظمية الشهيد سنة 183هـ، أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه 1: 120 باسناده عن أحمد بن جعفر ابن حمدان القطيعي قال: سمعت الحسن بن ابراهيم أبا علي الخلاّل (شيخ الحنابلة في عصره) يقول: ما همّني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسلت به إلاّ سهّل الله تعالى ما أحب.
وفي «شذرات الذهب 2: 48»: توفيّ ببغداد الشريف أبو جعفر محمد الجواد بن علي بن موسى الرضا الحسيني أحد أشراف الاثني عشر اماماً الذين تدّعي فيهم الرافضة العصمة، ودُفن عند جدّه موسى، ومشهدهما ينتابه العامة بالزيارة.
13 ـ الامام الطاهر أبو الحسن علي بن موسى الرضا(عليه السلام)، قال أبو بكر محمد بن المؤمّل: خرجنا مع امام أهل الحديث ابي بكر بن خزيمة وعديله أبي علي الثقفي مع جماعة من مشايخنا، وهم اذ ذاك متوافرون إلى علي بن موسى الرضا بطوس، قال:
فرأيت من تعظيمه ـ يعني ابن خزيمة ـ لتلك البقعة وتواضعه لها وتضرّعه عندها ما تحّيرنا. «تهذيب التهذيب 7: 388».
14 ـ عبد الله بن غالب الحداني البصري المقتول سنة 183هـ، قتل يوم التروية، كان الناس يأخذون تراب من قبره كأنّه مسك يصّيرونه في ثيابهم. «حلية الاولياء 2: 258، تهذيب التهذيب 5: 345».

السابق السابق الفهرس التالي التالي