حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 284

5ـ السلام : «سلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا» ورد في القرآن الكريم هذا التعبير في حق يحيى وفي حق عيسى عليهما السلام فقط ، الا ان الفارق ، المتكلم بهذا الكلام في حق يحيى هو الله تعالى ، في حين ان المسيح عيسى عليه السلام هو المتكلم في حق نفسه «والسلام علي يوم ولدت ويوم اموت ويوم ابعث حيا» .
6ـ التسمية : فقد سماه الله تعالى يحيى وسمى ابن مريم عيسى ، وهو بمعنى «يعيش»(1) .
وجعل الله عز وجل يحيى عليه السلام : سيدا وحصورا ، كما جعل عيسى عليه السلام : وجيها عنده .

اوجه التشابه بين يحيى والحسين عليه السلام

يستفاد من الروايات الاسلامية ، ان هناك جهات مشتركة واوجه تشابه بين يحيى بن زكريا والحسين بن علي عليهما السلام ، منها :
1ـ في الولادة : كانت مدة حملهما اقل من المعتاد ، حيث ولد يحيى لستة اشهر ، كذلك الحسين عليه السلام ولد لستة اشهر .
2ـ في الاسم : فان اسم الحسين عليه السلام كاسم يحيى عليه السلام لم يسبقه به احد ، ولم يسم احد باسمهم قبلهم .
3ـ المظلومية : قتل الحسين عليه السلام مظلوما ، كذلك يحيى قتل مظلوما .
4ـ الشهادة : شهادة الحسين عليه السلام تشبه شهادة يحيى عليه السلام حيث ذبح وقطع راس يحيى عليه السلام كما ذبح الحسين وقطع راسه .
1ـ تفسير الميزان : ج3 ص176.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 285

5ـ اهداء الراس : اهدي راس يحيى عليه السلام الى بغية من بغايا بني اسرائيل ، كذلك راس الحسين عليه السلام اهدي الى بغي من بغايا بني امية يزيد .
وروي عن الامام السجاد علي بن الحسين عليه السلام انه قال : خرجنا مع الحسين عليه السلام فما نزل منزلا ولا رحل منه الا ذكر يحيى بن زكريا وقتله ، وقال : ومن هوان الدنيا على الله ان راس يحيى بن زكريا اهدي الى بغي من بغاة بني اسرائيل(1) .
6ـ بكاء الارض : بكت الارض والسماء على يحيى بن زكريا عليه السلام عند شهادته ، كذلك بكت الارض والسماء عندما استشهد الحسين عليه السلام .
عن زرارة بن اعين عن ابي عبد الله عليه السلام قال : بكت السماء على يحيى بن زكريا ، وعلى الحسين بن علي عليهما السلام اربعين صباحا ولم تبكي الا عليهما ، قلت وما بكاؤهما ، قال : كانت تطلع حمراء وتغيب حمراء(2) .
وعن امير المؤمنين عليه السلام قال : ما بكت السماء والارض الا على يحيى بن زكريا والحسين بن علي عليهما السلام(3) .
7ـ وضع راس يحيى بن زكريا عليه السلام في طشت من ذهب وبعثوه الى العجوز الفاجرة ، كذلك راس الحسين عليه السلام وضع في طشت من ذهب وبعثوه الى يزيد الفاجر .
8ـ فوران الدم : عندما سقط دم يحيى عليه السلام على الارض اخذ يغلي ويفور على وجه الارض وكلما القي عليه التراب زاد ارتفاعا ، بقي هكذا حتى خرج «بخت نصر» وقتل من بني اسرائيل سبعين الفا ثارا ليحيى عليه السلام حتى سكن الدم ،
1ـ نور الثقلين : ج3 ص324.
2ـ وسائل الشيعة : ج14 ص451.
3ـ قصص الانبياء للجزائري : ص446.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 286

وكذلك دم الحسين عليه السلام يغلي ، ويستمر يغلي ولا يسكن حتى يبعث الله المهدي (عج) فيقتل من المنافقين والفسقة سبعين الفا حتى يسكن ...


مواعظه وحكمه عليه السلام :

كان يحيى بن زكريا عليهما السلام نبيا زاهدا عابدا متواضعا يعبد الله حق عبادته ، وكان يجتمع مع العلماء والاحبار من صغر سنه وكان يتواضع لهم مع ما عليه من مقام النبوة والحكمة العالية ، واقترب من الله تعالى ووصل الى درجة السلوك بحيث كان اذا ناجى ربه وقال : يا رب ، قال الله عز وجل : لبيك يا يحيى .
كانت حياته مليئة بالحكم والمواعظ ، نذكر منها وباختصار بعضا منها فيما يلي :


عبادة يحيى عليه السلام :

روي ان يحيى عليه السلام عندما كان صغيرا اتى بيت المقدس فنظر الى المجتهدين من الاحبار والرهبان عليهم مدارع من الشعر وبرانس الصوف .
فلما نظر الى ذلك ، اتى الى امه ، فقال : يا اماه انسجي لي مدرعة من شعر وبرنسا من صوف حتى آتي بيت المقدس فاعبد الله مع الاحبار والرهبان ، فقالت له امه : حتى ياتي ابيك وياذن لي ... فقال زكريا : يا بني ما يدعوك الى هذا وانما انت صبي صغير ؟
فقال له : «يا ابت اما رايت من هو اصغر مني سنا قد ذاق الموت ؟» قال بلى ، ثم قال لامه : انسجي له مدرعه من شعر وبرنسا من صوف ، ففعلت .
فتدرع المدرعة على بدنه ووضع البرنس على راسه ، ثم اتى بيت المقدس ، فاقبل يعبد الله عز وجل مع الاحبار ، حتى اكلت مدرعة الشعر لحمه .

حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 287


بكائه من خشية الله :

كان يحيى عليه السلام من البكائين من خشية الله ، فنظر ذات يوم الى ما قد نحل جسمه ، فاوحى الله تعالى :
يا يحيى اتبكي مما قد نحل من جسمك ، وعزتي وجلالي لو اطلعت على النار اطلاعة ، لتدرعت مدرعة من الحديد فضلا عن المنسوج ، فبكى حتى اكلت الدموع لحم خديه .
فقال زكريا لولده يحيى : يا بني ما يدعوك الى هذا انما سألت ربي ان يهبك لي لتقر بك عيني ؟ قال : انت امرتني بذلك يا ابة ، قال : ومتى ذلك يا بني ؟
قال : الست القائل : «ان بين الجنة والنار لعقبة لا يجوزها الا البكاؤون من خشية الله ؟» قال : بلى ، فجد واجتهد وشانك غير شاني .


الجبل السكران :

وكان زكريا عليه السلام اذا اراد ان يعظ بني اسرائيل يلتفت يمينا وشمالا فان راى يحيى لم يذكر جنة ولا نارا .
فجلس ذات يوم يعظ بني اسرائيل ، واقبل يحيى قد لف راسه بعباءة ، فجلس في غمار الناس ، والتفت زكريا يمينا وشمالا فلم ير يحيى ، فانشأ يقول :
حدثني حبيبي جبرئيل عن الله تبارك وتعالى ، ان في جهنم جبلا يقال له السكران في اصل ذلك الجبل واديا يقال له الغضبان ، يغضب لغضب الرحمن تبارك وتعالى ، في ذلك الوادي جب قامته مائة عام ، في ذلك الجب توابيت من نار ، في تلك التوابيت صناديق من نار وثياب من نار ، وسلاسل من نار ، واغلال من نار .
فرفع يحيى راسه فقال : واغفلتاه من السكران ، ثم اقبل هائما على

حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 288

وجهه ... .


مصائد ابليس :

في الامالي عن الامام الرضا عليه السلام : ان ابليس كان ياتي الانبياء عليهم السلام من لدن آدم عليه السلام الى ان بعث الله المسيح عيسى عليه السلام يتحدث عندهم ويسائلهم ولم يكن باحد منهم اشد باسا منه يحيى بن زكريا عليهما السلام .
فقال له يحيى عليه السلام : يا ابا مرة ان لي اليك حاجة فقال : انت اعظم قدرا من ان اردك بمسالة فسلني ما شئت فاني غير مخالفك فيما تريده.
فقال له يحيى عليه السلام : يا ابا مرة اريد ان تعرض علي مصائدك وفخوخك التي تصطاد بها بني آدم ، فقال له ابليس : حبا وكرامة وواعده لغد .
فلما اصبح يحيى عليه السلام قعد في بيته ينتظر الموعد واغلق عليه الباب فما شعر حتى دخل من خوخة كانت في بيته ، فاذا وجهه صورة وجه القرد ، وجسده على صورة الخنزير ، واذا عيناه مشقوقتان طولا ، واسنانه عظم واحد بلا ذقن ولا لحية ، وله اربعة ايدي يدان في صدره ويدان في منكبه ، واذا عراقيبه قوادمه واصابعه خلفه وعليه قباء وقد شد وسطه بمنطقة فيها خيوط بين احمر واصفر واخضر وجميع الالوان ، واذا بيده جرس عظيم وعلى راسه بيضة ، واذا في البيضة حديدة معلقة شبيهة بالكلاليب .
فلما تامله يحيى عليه السلام قال له ، ما هذه المنطقة التي في وسطك ؟ فقال هذه المجوسية انا الذي سننتها وزينتها لهم .
فقال : وما هذه الخيوط الالوان ؟ قال له : هذه جميع اصباغ النساء ، لا تزال المراة تصبغ الصبغ حتى تقع مع لونها ، فافتتن الناس بها .
فقال له : فما هذا الجرس الذي بيدك ؟ قال : هذا كل لذة من طنبور وبربط

حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 289

وطبل وناي وصرناي(1) ، وان القوم ليجلسون على شرابهم فلا يستلذونه فاحرك الجرس فيما بينهم ، فاذا سمعوا استخفهم الطرب ، فمن بين من يرقص ومن بين من يفرقع باصابعه ، وبين من يشق ثيابه .
فقال له : واي الاشياء اضر لعينيك ؟ فقال : النساء ، هن فخوخي ومصائدي فاني اذا اجتمعت على دعوات الصالحين ولعناتهم صرت الى النساء فطابت نفسي بهن .
فقال له يحيى عليه السلام : فما هذه البيضة التي على راسك ؟ قال : بها اوتي دعوات المؤمنين .
قال : فما هذه الحديدة التي ارى فيها الكلاليب ؟ قال : بهذه اقلب قلوب الصالحين .
قال يحيى عليه السلام : فهل ضفرت بي ساعة قط ؟ قال : لا ، ولكن فيك خصلة تعجبني بها .
قال يحيى عليه السلام : فما هي ؟ قال : انت رجل اكول ، فاذا ظفرت واكلت فيمنعك ذلك من بعض صلاتك وقيامك بالليل .
قال يحيى عليه السلام : فاني اعطي الله عهدا لا اشبع من طعام حتى القاه .
قال له ابليس : وانا اعطي الله عهدا لا انصح مسلما حتى القاه ، ثم خرج فما عاد اليه بعد ذلك .(2)
قيل : انه قال له يوما الصبيان امثاله : يا يحيى اذهب بنا نلعب ، فقال لهم : ما للعب خُلقت ، وكان ياكل العنب واوراق الشجر ، وقيل : كان ياكل خبز الشعير .
قال الصادق عليه السلام : جاء رجل الى عيسى بن مريم عليه السلام فقال له : يا روح الله
1ـ كل هذه الاسماء ادوات موسيقى .
2ـ الامالي : عنه قصص البحار للجزائري : ص447.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 290

اني زنيت فطهرني ، فامر عيسى عليه السلام ان ينادي في الناس : لا يبقى احد الا خرج لتطهير فلان ، فلما اجتمع واجتمعوا وصار الرجل بالحفرة ، نادى الرجل في الحفرة :
لا يحدني من لله تعالى في جنبه حد ، فانصرف الناس كلهم الا يحيى وعيسى عليهما السلام .
فدنا منه يحيى فقال له : يا مذنب عظني ، فقال له : لا تخلين بين نفسك وبين هواها فتردى ، قال : زدني ، قال : لا تعيرن خاطئا بخطيئته ، قال : زدني ، قال : لا تغضب ، قال : حسبي .(1)
وعن ابي الحسن الاول عليه السلام قال : كان يحيى بن زكريا عليهما السلام يبكي ولا يضحك ، وكان عيسى بن مريم عليهما السلام ، يضحك ويبكي ، وكان الذي يصنع عيسى عليه السلام افضل من الذي يصنع يحيى عليه السلام .(2)


الارث :

لقد قدم المفسرون بحوثا كثيرة حول تفسير هذه الآية المباركة ، على لسان زكريا عليه السلام في قوله : «... فهب لي من لدنك وليا ، يرثني ويرث من ءال يعقوب واجعله رب رضيا» .
اختلف المفسرون في جواب : ماهو المراد من الارث هنا ؟ فالبعض يعتقد ان الارث هنا يعني الارث في الاموال . والبعض اعتبره اشارة الى مقام النبوة .
وبعض آخر احتمل ان يكون المراد معنى جامعا شاملا لكلا الرأيين السابقين .
1ـ من لا يحضره الفقيه : 475.
2ـ اصول الكافي : ج2 ص665.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 291

وقد اختار كثير من علماء الشيعة المعنى الاول ، في حين ذهب جماعة من علماء العامة الى المعنى االثاني ، والبعض الآخر ، كسيد قطب ، «في ظلال القرآن» والآلوسي في روح المعاني ـ اختاروا المعنى الثالث .
استند اصحاب الراي الاول في الارث في المال الى ظهور كلمة الارث في هذا المعنى ، لان هذه الكلمة اذا كانت مجردة عن القرآن الاخرى فانها تعني ارث الاموال .
اضافة الى ذلك انه يستفاد من الروايات والاخبار ، ان هدايا ونذورات كثيرة كانت تجلب الى الاحبار من علماء اليهود في زمان بني اسرائيل ، وكان زكريا رئيس الاحبار .
وكذلك فان زوجة زكريا كانت من اسرة سليمان بن داود حيث كانت قد ورثت اموالا من آبائها ... .
من اجل هذا كان زكريا خائفا من ان تقع هذه الاموال بايدي ناس غير صالحين ، او تقع بايدي الفساق والفجرة ، لذلك طلب من ربه ان يرزقه ولدا صالحا ليرث هذه الاموال ويصرفها في افضل الموارد .
وهناك شاهد آخر على ان المراد من «يرثني ويرث من آل يعقوب» هو الارث في الاموال : استدلال فاطمة الزهراء بنت رسول الله عليهما الصلاة والسلام الطاهرة ، باسترجاع فدك ومطالبتها ارث ابيها صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الآية حيث قالت سلام الله عليها الى ابي بكر عندما منعها من فدك :
«يا ابا بكر : افي كتاب الله ان ترث اباك ولا ارث ابي ؟ لقد جئب شيئا فريا ! افعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم اذ يقول فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا : «اذ قال رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل

حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 292

يعقوب ؟»(1) .
هذا ولا مانع ان تشمل الآية المباركة الارث المعنوي ايضا ، لان الذي كان يشغل فكر زكريا عليه السلام الاموال والهدايا المودعة عنده واموال زوجته ، وخوف سقوطها بايدي الموالي الانتهازيين والخونة ، فطلب من الله تعالى ، من يرثها من الصالحين والمؤمنين ، حيث قال : «واني خفت الموالي من ورائي ...» .
فانها مناسبة لتفسير كلا المعنيين ، وعلى هذا فان خوف زكريا عليه السلام يمكن توجيهه في كلا الصورتين ، وحديث فاطمة الزهراء عليها السلام ايضا يناسب هذا المعنى ... .


شهادة يحيى عليه السلام :

لم تكن ولادة يحيى عليه السلام عجيبة ومذهلة لوحدها ، بل ان موته ايضا كان عجيبا من عدة جهات ، وقد ذكر اغلب المفسرين المسلمين ، وكذلك المصادر المسيحية قصة شهادته على هذا النحو ، بالرغم من وجود اختلاف يسير في خصوصياتها بين هذه المراجع :
لقد اصبح يحيى ضحية للعلاقات غير الشرعية لاحد طواغيت زمانه مع احد محارمه .
عشق «هروديس» ملك فلسطين اللاهث وراء شهواته بنت اخته «هيروديا» وهام في غرامها ، والهب جمالها قلبه بنار العشق ، ولذلك صمم على الزواج منها !
فبلغ هذا الخبر نبي الله يحيى عليه السلام ، فاعلن بصراحة ان هذا الزواج غير
1ـ نور الثقلين : ج3 ص324 عن الاحتجاج عنهم الامثل : ج9 ص360.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 293

شرعي ومخالف لتعليمات التوراة ، وقال سوف احارب مثل هذا العمل واقف امامه .
لقد انتشر الخبر وادى الى ضوضاء وصخب في كل ارجاء المدينة ، وسمعت تلك الفتاة «هيروديا» بذلك ، فكانت ترى يحيى اكبر عائق في طريقها ، لذلك صممت على الانتقام منه في فرصة مناسبة لترفع هذا المانع من طريق شهوتها وميولها .
وطدت علاقتها بخالها وملكت احاسيسه ومشاعره وجعلت جمالها مصيدة له ، الى ان قال لها ـ هيروديس ـ يوما : اطلبي مني كل ما تريدين فساحققه لك قطعا ـ كان ذلك من اجل ان ينال منها ـ فقالت له : لا اريد منك الا راس يحيى ! لانه قد شوه سمعتي وسمعتك ، وقد اصبح كل الناس يعيروننا ، فان كنت تريد ان يهدأ قلبي ويسر خاطري فيجب ان تقوم بهذا العمل !
فسلم «هيروديس» ـ الذي اصبح مجنونا لا يعقل من عشق هذه المراة ـ ودون ان ينتبه الى عاقبة هذا العمل ، امر بقتل يحيى ، واحضر راسه وقدمه في طشت من ذهب الى تلك المراة البغية الفاجرة .
الا ان هذا العمل المؤلم كانت عاقبته ان اخذ باطراف الملك والمراة في النهاية ، وكانت به زوال ملكه وقتله وقتل سبعين الفا من بني اسرائيل على يد «نبخت نصّر» .
وروي عن ابي عبد الله عليه السلام قال : كان الذي قتل الحسين بن علي عليه السلام ولد زنا ، والذي قتل يحيى بن زكريا عليهما السلام ولد زنا .(1)
1ـ البحراني في تفسيره ج3 ص4 عنه البحار : ج14 ص184.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 294


حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 295
حكم و مواعظ
من حياة الانبياء عليهم السلام
(18)







النبي يونس بن متي عليهما السلام





حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 296


حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 297

قصة النبي يونس بن متي عليهما السلام

قال الله تعالى : «وان يونس لمن المرسلين * اذ ابق الى الفلك المشحون * فساهم فكان من المدحضين * فالتقمه الحوت وهو مليم * فلولا انه كان من المسبحين * للبث في بطنه الى يوم يبعثون * فنبذناه بالعراء وهو سقيم * وانبتنا عليه شجرة من يقطين * وارسلناه الى مئة الف او يزيدون»(1) .


قصة النبي يونس عليه السلام :

نتطرق في بحثنا هذا لقصة يونس عليه السلام ، وقومه التائبين ، والتي ستكون هذه القصة اخر قصص الانبياء الستة الذين مر ذكر خمسة منهم في القسم الاول والقسم الثاني من كتابنا هذا «حكم ومواعظ» ، وهذه القصة السادسة التي تتعلق بحياة النبي يونس عليه السلام وقومه .
والذي يلفت النظر ان القصص الخمس التي تحدثت عن قوم «نوح» و«ابراهيم» و«موسى» و«هارون» و«الياس» و«لوط» اشارت الى ان تلك الاقوام لم تصغ لنصائح الانيباء الذين بعثوا اليها ولم تؤمن بهم وبقيت غارقة في نومها ، فعمها العذاب الالهي وهلكت ، فيما انقذ الله سبحانه وتعالى الانبياء العظام
1ـ الصافات : 139ـ 148.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 298

الذين ارسلهم الى تلك الاقوام مع القلة القليلة ممن تبعهم .
ولكن نرى ان قضية نبي الله يونس عليه السلام تنتهي احداثها بشكل معاكس لما انتهت اليه تلك القصص ، اذ ان قوم يونس صحوا من غفلتهم وتابوا الى الله فور مشاهدتهم بعض دلائل العذاب الالهي الذي سيحل بهم ان لم يؤمنوا ، وان الله شملهم بلطفه وانزل عليهم بركاته المادية والمعنوية .
وفي المقابل فان نبي الله يونس ابتلى ببعض الابتلاءات والمشاكل لانه تعجل في ترك قومه وهجره اياهم ، حتى ان القرآن المجيد اطلق عليه كلمة «آبق» والتي تعني هروب العبد من مولاه :
وهذه القصة بمثابة خطاب موجه الى مشركي قريش ، وحكمة وموعظة الى كل بني الانسان على طول التاريخ ، جاء فيه : هل تريدون ان تكونوا كالاقوام الخمسة الماضية ، ام كقوم يونس ؟ وهل ترغبون ان تكون عاقبتكم الخير والسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة ، الامر لكم ...


نبوة يونس :

النبي يونس بن متي ، ويلقب بـ «ذي النون» اي صاحب الحوت .
ولد يونس عليه السلام بعد موسى وهارون ، وقال البعض انه من اولاد «هود» وقد كلف من قبل الله عز وجل بهداية من تبقى من قوم هود .
بعثه الله الى احدى مناطق العراق وتسمى «نينوى»(1) .
وقال البعض : ان بعثته كانت قبل ولادة المسيح عليه السلام بحوالي «825» عاما ، وحاليا هناك قبر قرب مدينة الكوفة على ضفاف النهر يعرف بقبر «يونس» .
(1)نينوى :هو اسم لعدة مناطق ، الاولى : مدينة قرب الموصل ، والاخرى في ضواحي الكوفة من جهة كربلاء ، وعاصمة مملكة آشور وتقع على ضفاف نهر دجلة .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 299

وجاء في بعض الكتب ان يونس كان من ابناء بني اسرائيل وبعث الى اهل نينوى بعد سليمان .
نبي الله يونس عليه السلام كسائر الانبياء العظام بدا بالدعوة الى توحيد الله ومجاهدة عبدة الاصنام ، ومن ثم محاربة الاوضاع الفاسدة التي كانت منتشرة في مجتمعه آنذاك ، الا ان قومه المتعصبين الذين كانوا يقلدون اجدادهم الاوائل رفضوا الاستجابة لدعوته .
استمر يونس عليه السلام بتبليغ الرسالة وكان يعض قومه بقلب حزين ومليء بالمحبة والشفقة عليهم ، ولكن كانوا يواجهونه بالمغالطة والسفسطة والعناد ، عدا مجموعة قليلة منهم آمنت به وبرسالته ، وكان احدهم يسمى «بالعابد» والثاني ، «بالعالم» .
وبعد فترة طويلة من دعوته اياهم الى عبادة الله وترك عبادة الاصنام ، يئس يونس من هدايتهم ، وقرر عليه السلام طبقا لاقتراح الرجل العابد ، الدعاء عليهم .


الامتحان الصعب :

وبالفعل دعى عليهم ، فنزل عليه الوحي وحدد له وقت نزول العذاب الالهي بهم ، ومع قرب حلول موعد نزول العذاب ، خرج يونس مع الرجل العابد من مدينته وهو غاضب على قومه ، ووصل الى ساحل البحر ، وشاهد سفينة عند الساحل وفيها ركاب ، فطلب منهم السماح بالصعود اليها والسفر معهم ، وافقوا على ذلك وصعد معهم ... .
بينما كانت السفينة في وسط البحر ، فاذا بحوت ضخم وقف امام السفينة ، فاتحا فمه يطلب الطعام ، ولم يجد الركاب سبيلا الا ان يلقوا احدهم الى الحوت حتى يبتعد عنهم ، عند ذلك لجأوا الى الاقتراع لتعيين الشخص الذي يرمى

حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 300

للحوت ، وعندما اقرتعوا خرج اسم يونس ، «وطلبقا للرواية فانهم اقترعوا ثلاث مرات وفي كل مرة كان يخرج اسم يونس عليه السلام ، فامسكوا به وقذفوه في فم الحوت ، وذلك قوله تعالى «فساهم فكان من المدحضين * فالتقمه الحوت وهو مليم» . اي بلعه الحوت وهو مستحق الملامة ، لانه خرج من قومه وتركهم قبل نزول العذاب بفترة من الزمن ولم يبقى معهم عسى ان يهتدوا ... .
ومن المسلم النبي معصوم ولم يرتكب خلاف ، ولكن هذه الملامة بسبب تركه العمل بالاولى ، واستعجاله في ترك قومه وهجرانهم .
وبعد بلعه من قبل الحوت ، اعطى الله عز وجل امرا تكوينيا الى الحوت ان لا تلحق الاذى بعبد الله يونس ، اذ ان عليه ان يقضي فترة في السجن الذي لم يسبق له مثيل ، كي يدرك تركه العمل بالاولى ، ويسعى لاصلاحه .


التوجه الى الله :

يونس عليه السلام انتبه بسرعة للحادث ، وتوجه على الفور الى الله سبحانه وتعالى مستغفرا لله على تركه العمل الاولى ، وعدم بقاءه مع قومه ، وطلب العفو من الله ، واخذ يناجيه ويناديه : «فنادى في الظلمات ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين»(1) توجه الى الله تعالى من بطن الحوت ونادى ربه بان لا معبود سواك ، واني ظلمت نفسي وابتعدت عن باب رحمتك ، واخذ يسبح الله ويذكره ، ولولا نداءه وتسبيحه وتوجهه الى الله فورا ، لبقي في بطن الحوت الى يوم البعث : «فلولا انه كان من المسبحين ، للبث في بطنه الى يوم يبعثون»(2) .
1ـ الانبياء : 87.
2ـ الصافات : 144.

السابق السابق الفهرس التالي التالي