الاربعون حديثاً 590

الرياضيون ، العُمق بعدا ثالثا للجسم ومعناه المسافة بين سطحي الفوق والتحت ، كما يقصدون من البعد الأول ، الطول ومن البعد الثاني العرض . وعلى أساس هذا الاعتبار ، يصفون الإنسان الذي له رأي ثاقب ، بالمتعمّق ، وينعتون النظر الثاقب بالنظر العميق ، ويقولون للرأي السطحي بأنه غير عميق ، فكأن للأبحاث العلمية أيضا عمق وقعر ، حيث أن الشخص المتعمق الدقيق النظر ، يغور في العمق ، ويستخرج الحقائق من الأعماق ، بينما يبقى الإنسان العادي على السطح من دون أن يتغلغل في العمق .
قوله : فَمَن رام : إن رامَ يَرومُ يكون بمعنى الطلب ، والمرام يستعمل بمعنى المطلب .
قوله : وَراء ذلك : يكون وَراء بمعنى الخلف وقد تستعمل في الأمام ، فتكون هذه الكلمة من الأضداد . ولكنها أستعملت في هذه المجالات بالمعنى الأول .

فصل
اشارة مختصرة الى تفسير سورة التوحيد المباركة

إعلم أن تفسير هذه السورة المباركة ـ سورة التوحيد ـ والآيات الأولى من سورة الحديد ، أكبر من طاقة استيعاب أمثالنا ، وأعظم من قدراتنا الفكرية والعقلية . والتطرق إلى ذلك يكون خارجا عن وظيفتنا . وعليه فهل الإنصاف يسمح لأمثالي الولوج في تفسير ما أنزله الحق المتعالي على أشخاص متعمقين وعلماء محققين ؟
ففي «تفسير البرهان» عن الإمام باقر العلوم عليه السلام بعد عرضه صلوات الله عليه نبذة من أسرار حروف الصمد المباركة أنه قال : «لو وجدتُ لعلمي الذي آتاني الله عز وجل حَملَة لنشرت التوحيد والإسلام والإيمان والدين والشرائع من الصمد» (1) .
يقول الفيلسوف الكبير صدر المتألهين في خصوص الآيات الأولى من سورة الحديد :
(إعلم أن كل آية من الآيات الست التي أشير إليها في هذا الحديث ، تشتمل على علم غزير في التوحيد والألوهية وتتضمن معارف كثيرة من العلوم الصمدية والربوبية ، فلو ساعد الزمان وأعان الدهر عارفا ربّانيا ، أو حكيما إلهيا الذي إستوحى علمه من مشكاة النبوة المحمدية على الصادع بها وآله وأفضل السلام والتحية ، وإستقى فلسفته من أحاديث أهل العصمة والطهارة ، سلام الله عليهم ، لكان من حَقّ ذلك العارف أو الحكيم ومن حق تلك الآيات ، أن يضع لتفسير كل آية مجلدا واسعا بل مجلدات كثيرة) .
وملخص القول : أن أمثال الكاتب ليس من فرسان هذا الميدان ، ولكن العقل يحكم

(1) تفسير البرهان ، المجلد 4 ، ص 526 .
الاربعون حديثاً 591

بأن الميسور لا يسقط بالمعسور ، فلا بد من عرض نبذة يسيرة ومختصرة مما تلقيته من العلماء العظام ، وكتب أرباب المعرفة ، ومصابيح أنوار الهداية ، أهل بيت العصمة عليهم السلام ومن الله الهداية :
ليُعلم أن «بسم الله» من كل سورة ، تتعلق على مذهب أهل العرفان بنفس السورة المبدوءة بها ، ولا تكون متعلقة بـ «أستعين» أو أمثاله . لأن اسم «الله» يكون تمام المشيئة حسب مقام الظهور ، ويكون مقام الفيض الأقدس ، حسب تجلي الأحد ، ومقام جمع أسماء الأحد ، حسب مقام الواحد . ويكون جميع العالم ، حسب اعتبار أحدية الجمع الذي هو الكون الجامع . وهو مراتب الوجود في السلسلة الطولية : الصعودية والنزولية ، وأنه كل واحد من الهويات العينية في السلسلة العرضية . وبناءا على ذلك يختلف معنى «الله» حسب اختلاف الاعتبارات في الاسم ، لأن «الله» يكون المسمى لتلك الأسماء فعند اختلاف الاعتبارات ، يختلف المفهوم من «الله» وعليه ، يختلف معنى بسم الله في كل سورة لاختلاف متعلقه من سورة لأخرى من السور القرآنية التي هي متعلقه في اللفظ ومظهره في المعنى . بل يختلف معناه ، على ضوء اختلاف الأفعال والأعمال التي تصدر من الإنسان والتي تبتدئ ببسم الله ، لانه يتعلق ويرتبط بذلك العمل الخاص والفعل المعين الذي أُبتدأ ببسم الله . والعارف بالمظاهر ، وظهور الأسماء الإلهية ، يرى ويشاهد بأن جميع الأفعال والأعمال والأعيان والأعراض ظاهرة ومتحققة بالاسم الشريف الأعظم ، وبمقام المشيئة المطلقة . وعند إنجازه وإيجاده لفعل وعمل يتذكر بقلبه العارف ، هذا المعنى ، ويسرى به متنازلا حتى مرتبة مُلكه وطبيعته ثم يقول بسم الله أي بسبب مقام المشيئة المطلقة ، لصاحب مقام الرحمانية الذي هو بسط الوجود ، ومقام الرحيمية الذي هو بسط مقام كمال الوجود . أو بسبب مقام المشيئة المطلقة لصاحب مقام الرحمانية الذي هو مقام التجلي بالظهور وبسط الوجود ، ومقام الرحيمية الذي هو مقام التجلي بالباطن وقبض الوجود ، آكل وأشرب وأكتب ، وأفعل كذا وكذا ...
فالسالك إلى الله والعارف بالله يرى من جهة ، ظهور المشيئة المطلقة في جميع الأفعال والموجودات وفناء تلك المشيئة فيها ، ويرى من خلال هذا المنظار هيمنة سلطان الوحدة ، ويكون لديه معنى بسم الله في جميع السور القرآنية والأعمال والأفعال بمعنى واحد . ومن جهة أخرى عندما يلتفت إلى عالم الفرق ـ الكثرة والاختلاف ـ وفرق الفرق ، يرى لكل واحد من «بسم الله» في أول كل سورة وبدء كل عمل ، معنى يغاير المعنى الآخر .
وفي هذا المقام الذي نحن بصدد تفسير سورة التوحيد المباركة ، نستطيع أن نجعل «بسم الله» متعلقة بـ «قل» هذه الكلمة الشريفة ، وعليه يكون المقصود من «بسم الله» عند كسوة التجريد ، وغلبة التوحيد ، مقام المشيئة الملطقة . وعند كسوة التكثير يكون مقام المقصود

الاربعون حديثاً 592

الانتباه إلى كثرات التعينات . وفي مقام الجمع بين المقامين الذي هو مقام البرزخية الكبرى ، يكون المقصود المشيئة في مقام الوحدة والكثرة ، ومقام الظهور والبطون ومقام الرحمانية والرحيمية على المعنى الثاني ـ المتقدم قبل أسطر ـ . وحيث أن الآية الشريفة « قل هو الله أحد » تجمع بين الأحدية الغيبية ، والألوهية الأسمائية ، كان المقصود من «اسم الله» ، المقام الثالث وهو مقام البرزخية الكبرى .
ثم يأتي الخطاب بعد مقام الغيب الأحدي ، متوجها إلى القلب التقي النقي الأحدي الأحمدي المحمدي ، قائلا (قُل) ، ويكون هذا الخطاب حسب هذه النشأة البرزخية الكبرى التي هي مظهر اسم الله ، الذي هو مقام المشيئة المطلقة وصاحب التعين وظهور الرحمانية في عين الرحيمية ، وصاحب البسط في نفس الوقت الذي هو صاحب القبض .
هو : وهذه الكلمة الشريفة ، إشارة إلى مقام الهوية المطلقة من حيث هي هي من دون أن تتعين بتعين الصفات أو تتجلى بتجلي الأسماء ، حتى الأسماء الذاتية التي تعتبر في مقام الأحدية ، ولا يمكن أن تكون هذه الإشارة من غير صاحب ذلك القلب التقي النقي الأحدي الأحمدي ومن غير صاحب هذا المقام العظيم . وإن لم يكن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مأمورا بإظهار نسب الحق المتعالي ، لما تفوّه بهذه الكلمة الشريفة في الأزل والأبد . ولكن جرى في قضاء الله سبحانه أن ينطق النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم ، بهذه الإشارة ـ هو ـ .
ولما لم يستمر صلى الله عليه وآله وسلم في الجذبة المطلقة ، وحاز على مقام البرزخية قال صلوات الله عليه «الله أحد» .
و «الله» هو الاسم ، الجامع الأعظم ، للرب المطلق ، للخاتم . وإن ما ترى العين البرزخية ، من كثرة الأسماء في مقام ظهور الواحدية ، هي نفس التجلي الغيبي الخفي في مقام الأحدية ، فلا غلبة ، في قلب مثل هذا السالك لمقام الأحدية على مقام الواحدية ، ولا غلبة لمقام الواحدية على مقام الأحدية .
ولعل السبب في تقديم «الله» على «أحد» مع أن الأسماء الذاتية ـ الله ـ متقدمة اعتبارا على الأسماء الصفاتية ـ أحد ـ إنما هو لأجل الإشارة إلى مقام التجلي في قلب السالك ، حيث أن التجليات الذاتية على قلوب الأولياء تبتدئ أولا بتجلي الأسماء الصفاتية الموجودة لدى حضرة الواحد ـ الأسماء الصفاتية الواحدية ـ ، ثم يتم التجلي بالأسماء الذاتية الأحدية .
والسر في انتقاء اسم «الله» من مجموع أسمائه سبحانه ـ مع أن قلب السالك حسب كيفية السلوك ، وكيفية التجلي ، يتجلى أولا بكافة الأسماء على ضوء مناسبات قلب السالك ، هذه الأسماء التي تكون مظاهر لاسم الله سبحانه ثم يتجلى القلب في نهاية السلوك في الأسماء

الاربعون حديثاً 593

الصفاتية باسم الله ـ والسر في اصطفاء هذا الاسم المبارك يمكن أن يعود إلى أحد أمرين :
إما إشارة إلى أن التجلي بأي اسم من أسماء الله ، هو تجلي باسم «الله» من باب اتحاد الظاهر والمظهر ، خصوصا لدى الحضرة الإلهية .
وإما إشارة إلى نهاية سلوك الواحدي ، حيث أنه لو لم تتحقق لما ابتدأ بالسلوك الأحدي .
وملخص الكلام : أنه بناء على البيان المذكور يكون ضمير (هو) إشارة إلى مقام انقطعت عنه آمال العارفين وإيماءاتهم ، ويتقدّس عن كل اسم ورسم ويتنزّه عن كل تجل وظهور . «وأحد» إشارة إلى تجلي الأسماء الباطنية الغيبية . و «الله» إشارة إلى تجلي الأسماء الظاهرية . وبهذه الأمور الثلاثة : ـ هو ـ الله ـ أحد ـ تتحصل الاعتبارات الأولية لحضرة الربوبية . وأن الأسماء الأربعة الأخرى ـ الصمد ـ لم يلد ـ لم يولد ـ لم يكن له كفوءا ـ التي يكون «الصمد» جامعا لها ، من الأسماء السلبية التنزيهية ، التي تعتبر تبعا للأسماء الثبوتية الجمالية ، كما أشير إليه في نهاية حديث من الأحاديث المتقدمة .
هذا كله على القول بأن «بسم الله» متعلق بالكلمة الشريفة «قل» .
ونستطيع أن نجعل «بسم الله» متعلقا بكل واحد من كلمات هذه السورة المباركة وعليه يختلف تفسير هذه السورة وتفسير بسم الله من متعلق إلى آخر . وحيث أن عرض ذلك يسبب التفصيل والتطويل ، غضضنا الطرف عنه .
يقول شيخنا العارف الكامل الشاه آبادي روحي فداه : (إن «هو» برهان على الأسماء والكمالات الستة المذكورة عقيب هذه الكلمة المباركة ـ هو ـ في سورة التوحيد الشريفة . لأن الذات المقدس حيث انه يكون مطلقا مثل «هو» الذي يعتبر إشارة إلى صرف الوجود يكون مستجمعا لجميع كمالات الأسماء . فيكون «الله» . وحيث أن صرف الوجود ، ببساطة حقيقته يكون جامعا لكل الأوصاف والأسماء ، من دون أن تثلم هذه الكثرات الأسمائية لوحدة الذات المقدس ، كان أحدا . وحيث أنه لا ماهية لصرف الوجود كان صمدا . وحيث أن صرف الوجود لا ينتقص . ولا يحصل من الغير ولا يتكرر (لم يكن والدا ولا مولودا وليس له كفوءا) انتهى .
ولا بد من معرفة أنه قد ورد في الأحاديث الشريفة معاني وأسرار كثيرة لِـ «الصمد» لو أردنا عرضها وبيانها ، لخرجنا عن نطاق حجم الكتاب ، ولإفتقرنا إلى وضع رسالة أخرى في ذلك . ولكننا نشير إلى أمر واحد هو : أن «الصمد» لو كان إشارة إلى نفس الماهية ، حسب بعض الاعتبارات ومعاني «الله» في «الله الصمد» لكان ـ الصمد ـ من اعتبارات مقام الواحدية ومقام أحدية جمع الأسماء . وإن كان إشارة إلى صفة إضافية ـ كما يستفاد من بعض الروايات ـ لكان ـ الصمد ـ إشارة إلى أحدية جمع الأسماء لدى التجلى بالفيض المقدس ، ولكان معناه موافقا

الاربعون حديثاً 594

مع قوله تعالى : «الله نور السموات» .


فصل
في اشارة مختصرة الى تفسير الايات الستة الشريفة المبدوءة بها في سورة الحديد

أما الآية الشريفة الأولى : «سبّح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم» فتدل على تسبيح جميع الكائنات حتى النباتات والجمادات لله سبحانه . ومن خصّ التسبيح بذوي العقول من الموجودات ، فهو نتيجة احتجاب عقول ذوي العقول . ولو فرضنا بأن هذه الآية المباركة تقبل التوجيه والتأويل لتسبيح الكائنات ، ولكن هناك آيات شريفة أخرى لا تقبل التأويل والتفسير مثل قوله تعالى :«ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس» (1) . وإن تأويل التسبيح إلى التسبيح التكويني أو الفطري ، يكون من التأويل البعيد الموهون ، حيث تأباه الأحاديث والآيات الشريفة ، وترفضه البراهين السديدة الفلسفية ، وينكره المسلك العرفاني الجميل .
والعجيب من الفيلسوف الكبير ، والعالم الجليل صدر المتألهين قدس سره الذي لا يرى التسبيح في هذه الآيات ، تسبيحا نطقيا ، مفسّرا نطق بعض الجمادات مثل الأحجار الصغيرة ، بإنشاء النفس المقدسة للولي ، الأصوات والألفاظ حسب وضع الجماد والنبات . ورأى بأن قول بعض أهل المعرفة من أن لجميع الكائنات نطقا ، مخالف للبرهان ، وملازم للتعطيل ودوام القسر .
رغم أن هذا الكلام يغاير المبادئ والأصول التي ارتآها ، وانطلق منها . مع العلم بأن صريح الحق ولب لباب العرفان ينسجم مع دعوى السابق من دون أن يستلزم مفسدة . ولولا خشية التطويل والتفصيل لشرحنا ذلك بكل مقدماته وملابساته . ولكننا نرتضي الإشارة الإجمالية إليها ونقتنع بها .
لقد أشرنا في الماضي إلى هذا المعنى بأن حقيقة الوجود عين الشعور والعلم والإرادة والقدرة والحياة وكافة الشؤون الحياتية ، فإذا لم يكن لشيء علم ولا حياة نهائيا فليس له وجود . ومن ذاق طعم حقيقة أصالة الوجود واتشراكه المعنوي ، على مسلك العرفاء مثل العلم والإرادة والتكلم و... وإذا بلغ مقام المشاهدة بواسطة ترويض النفس والحالات المعنوية ، لشاهد بأم عينه وسمع دَويّ تسبيح الموجودات وتقديسها . ومن المؤسف أن سُكر المادة والطبيعة قد أوهن العين والسمع والحواس الأخرى ، ومنعنا من الوقوف على الحقائق الوجودية والهويات العينية .

(1) سورة الحج ، آية : 18 .
الاربعون حديثاً 595

فكما أن بيننا وبين الحق عز وجل حجبا من الظلام وحجبا من النور تمنعنا من مشاهدة ألطاف الحق سبحانه ، فكذلك بيننا وبين الكائنات الأخرى بل بيننا وبين أنفسنا حجب تَفصلنا عن إدراك حياتها وعلمها وكافة شؤوناتها . والأسوء من كل الحجب هو حجاب إنكار حياة الموجودات وعلمها وشؤونها الأخرى انطلاقا من الأفكار المحجوبة التي تمنع الإنسان من كل شيء . وخير وسيلة لأمثالنا المحجوبين هو التسليم والتصديق لآيات الله الكريمة وأحاديث أوليائه ، وسد باب تفسير القرآن بالرأي ، وتطبيقه على الواقع الخارجي عبر هذه العقول الضعيفة .
إذا فرضنا إمكان تأويل آيات التسبيح ، على أساس التسبيح التكويني أو الفطري فماذا نستطيع أن نفعل مع هذه الآية المباركة :«قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ‌»؟ (1) أو الآية المباركة«فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سباءٍ بنباءٍ يقين* أني وجدت امرأة تملكهم وأوتيَت من كل شيء ولها عرش عظيم» (2) أو الأخبار المأثورة عن أهل بيت الطهارة والعصمة الموجودة في أبواب مختلفة والصريحة في وعي الحيوانات والكائنات الأخرى ، والتي تمتنع التأويل ؟
وملخص الكلام أنه لا بد من اعتبار حياة الكائنات وتسبيحها عن وعي وإدراك ، من البديهيات والضروريات في الفلسفة العالية ، ومن مسلّمات أصحاب الشرائع والعرفان . ولكن لكيفية تسبيح كل موجود ، وللأذكار الخاصة بكل واحد من الكائنات ، وأن للإنسان الذكر الجامع ولكافة الموجودات أذكار تتناسب مع نشأتها وتكوينها ، ولكيفية تسبيح كل موجود أبحاث ودراسات : إجمالها أن هناك مقياسا علميا وعرفانيا يرتبط بعلم الأسماء ، وتفصيلها يرتبط بالعلوم التي تشهد بالعيان وتكشف على الإنسان ، وهي مختصة بالأولياء الكاملين .
وقد بينا في الفصل السابق بأن «بسم الله» من كل سورة ، يتعلق بنفس تلك السورة المبدوءة به ، وعليه يكون «بسم الله» من هذه السورة ، سورة الحديد ، متعلقا بـ «سبَّح لله» . ويستفاد من الآية المباركة المذهب الحق في مسألة الجبر والتفويض ، لأن فيها نسبتان : نسبة إلى اسم الله الذي هو مقام المشيئة الفعلية ، ونسبة إلى الأشياء الموجودة في السماوات والأرض ، بصورة لطيفة تعد منتهى كشف أرباب الشهود والمعرفة . وتقديم النسبة إلى مشية الله لأجل إفهام قيومية الحق ، وتقديم حيثية «يلي الله» على حيثية «يلي الخلق» .
ولولا مخافة الإطالة والإسهاب في الحديث لذكرت حقيقة التسبيح وملازمته للتحميد ، وأن صدور كل تسبيح وتحميد من كل مسبح وحامد ، يكون لأجل الحق عز وجل ، وأن التسبيح والتحميد يكونان باسم الله ولاسم الله ، وإن إسمَي : العزيز الحكيم ، مختصان بالله ، ولشرحت

(1) و (2) سورة النمل ، آية : 18 ، 23 .
الاربعون حديثاً 596

العلاقة القائمة بينهما وبين الله ، والفرق الموجود بين الله في التسمية والله المذكور في الآية الشريفة « سبح لله » ، والمقصود من السماوات والأرض وما فيها وما في الأرض على ضوء مذاهب اهل العرفان والفلسفة ، ولبينت الفرق بين « هو » في هذه الآية الشريفة و «هو» في الآية المباركة « قل هو الله احد » حسب الذوق العذب العرفاني ولكنني آليت على نفسي الأختصار والإجمال في هذا الكتاب .
وأما الآية الثانية الشريفة : « له ملك السموات والأرض يُحيي ويُميت وهو على كل شيء قدير » فهي إشارة إلى مالكية الحق جل جلاله لملكوت السماوات والأرض . ومن المعلوم أنه يتم الإحياء والإماتة والظهور والرجوع والبسط والقبض ، تبعا لهذه المالكية ، والإحاطة في السلطة ، ونفوذ القدرة والتصرف . وهذه النظرة تستوجب استهلاك واضمحلال جميع التصرفات وأنواع التدبير ، في تصرف الحق وتدبيره ، الذي يكون منتهى التوحيد الفعلي . ولهذا نسب إلى نفسه : مالكية الذات المقدس ، الإحياء والإماتة ـ الأمرين اللذين يعدّان من المظاهر العظيمة للتصرف الملكوتي أو هما القبض والبسط ـ ونسبة الإحياء والإماتة إلى المالكية « له ملك السموات والأرض يُحيي ويُميت » رغم أن الإحياء من شؤون الرحمانية والإماتة من الشؤون المالكية ، يمكن أن تكون للتنبيه إلى أمر عرفاني جليل ، وهو استجماع كل اسم لجميع الأسماء على وجه الأحدية ، والجهة الغيبية التي لا مجال لذكرها فعلا .
ويمكن أن يكون صدر الآية وذيلها ، إشارة إلى الوحدة في الكثرة ، والكثرة في الوحدة في مقام التجلي الفعلي بالفيض المقدس ، كما هو واضح عند أهله .
ويعود ضمير «له» على ما يبدو إلى «الله» كما يحتمل إرجاعه إلى «العزيز الحكيم» وعليه يختلف معنى الآية الشريفة على ضوء هذين الاحتمالين ، ويتضح ذلك بالتمعن فيها لدى أهل الفلسفة والتحقيق .
وأما بيان كيفية مالكية الحق سبحانه ، وسبب صياغة الحياة والممات في صيغة المضارع (يُحيي ويُميت) الدالة على التجدد والاستمرار ، وبيان مرجع ضمير «هو» ، واختلاف معاني الضمير عند اختلاف مرجعه ، وإن المحيي والمميت والقادر من أسماء الذات أو الأوصاف أو الأفعال ، فمتروك إلى محله وموضعه المناسب . كما أن لبيان كل من كيفية الإحياء والإماتة ، وحقيقة صور إسرافيل نفختي الإحياء والإماتة ودور الملك إسرافيل والملك عزرائيل وموقعهما وكيفية إحيائهما وإماتتهما إن لكل ذلك بيانات عرفانية وبراهين فلسفية طويلة ومفصلة ، لا يسع المقام ذكرها .
وأما الآية الثالثة المباركة « هو الأول والآخر والباطن وهو بكل شيء عليم » فقد علم العارف بالمعارف الحقة لأصحاب المعرفة واليقين ، والسالك لطريق أصحاب القلوب والسالكين ، أن

الاربعون حديثاً 597

منتهى سلوك السالكين ، وغاية آمال العارفين ، هو فهم هذه الآية الشريفة المحكمة . وقسَما بذاته العزيز ، لا توجد كلمة للتعبير عن حقيقة التوحيد الذاتي ، اسمى وأفضل من هذا التعبير . وينبغي على كل أصحاب المعارف ، السجود أمام هذا العرفان التام المحمدي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأما هذا الكشف الجامع الأحمدي وهذه الآية المحكمة الإلهية ، والسقوط على التراب إذلالا لها . وقَسَما بحقيقة العرفان والعشق ، إن العارف المجذوب ، والعاشق لجمال المحبوب ، عندما يسمع هذه الآية الشريفة ، تستولي عليه هزة ملكوتية ، وانبساط إلهي ، يقصر عن استيعابه أي موجود من الكائنات ، ويعجز عن شرحه البيان . فسبحان الله ما أعظم شأنه وأجل سلطانه وأكرم قدره وأمنع عزه وأعز جنابه ! .
إن الذين يأخذون على أحاديث العرفاء الشامخين ، وكلمات العلماء بالله ، وأولياء الرحمن ، ـ من أنهم تجاوزوا حدودهم ـ فمن اللياقة أن يتمعّنوا في كلمات العرفاء الربانيين ، والسالكين المجذوبين ، ليتبينوا هل أن واحدا منهم استطاع أن يقدم ، أكثر مما تضمنت هذه الآية التامة الشريفة ، وهذا القرآن الكريم ؟ أو أنهم عرضوا متاعا جديدا في سوق المعارف ؟ إليكم هذه الكريمة الإلهية القرآن المجيد والكتب المشحونة من عرفان العرفاء للمقارنة بين المعارف المدوّنة فيهما حتى يتبين بأنهم يستوحون من القرآن الكريم .
في حين أن هذه السورة المباركة ، سورة الحديد وخاصة هذه الآيات المباركة الأولى منها تحتوي على معارف تقصر عنها أيادي آمال العارفين . وفي عقيدة هذا الكاتب تستبطن هذه الآية الشريفة على خصوصية تفوق الآيات الأخرى وهي : بيان أن الحق سبحانه هو الأول والآخر والظاهر والباطن ، حيث تقصر البلاغة عن الشرح ويعجز القلم عن الخوض فيه فلنتجاوز ولنترك إدراك واستيعاب ذلك ، لقلوب الأولياء والمحبين .
وأما الآية الشريفة الرابعة : « هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير» . فهي إشارة إلى خلق السماوات والأرض في ستة أيام واستوائه سبحانه على العرش .
لقد تحيّرت في تفسير هذه الآية المباركة عقول أرباب العقل ، واتخذ كل حسب مسلكه في العلم وهواه في العرفان تفسيرا لهذه الآية المباركة . فذهب العلماء الظاهريون إلى أن المقصود من الخلق في ستة أيام هو أنه لو قدّرنا فترة خلق السماوات والأرض وإنشائها لتطابق مع ستة أيام . وذهب الفيلسوف العظيم الشأن صدر المتألهين قدس سره إلى تطبيق تلك الأيام الستة على أيام الربوبية حيث يعد منها ، ألف سنة من سنيننا ، واعتبر رضوان الله تعالى عليه منذ نزول آدم حتى بزوغ الشمس المحمدي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة آلاف سنة

الاربعون حديثاً 598

متطابقة مع ستة أيام . وجعل ابتداء طلوع شمسه صلوات الله عليه يوم الجمعة ويوم الجمع الذي هو اليوم السابع وأول يوم القيامة ، وبدء استواء الرحمن على العرش . وقد تولى صدر المتألهين بيان ذلك بصورة مختصرة في شرحه على كتاب (أصول الكافي) وبصورة مفصلة في كتاب تفسيره لهذه السورة المباركة .
وذهب بعض أهل المعرفة إلى أن الأيام الستة عبارة عن مراتب سير نور شمس الوجود في مرائي ومظاهر قوس الصعود والنزول .
وأما على ضوء مسلك العرفاء ـ الذين يرون للوجود مراتب نازلة ، حتى آخر مرتبة منها ، وهي مرتبة احتجاب شمس الوجود في حجب التعينات ، وهي حقيقة ليلة القدر وابتداء يوم القيامة من المرتبة الأولى منه إلى مرتبة رجوع المُلك إلى الملكوت ، وخرق حجب التعينات حتى نهاية مراتب الظهور والرجوع الذي هو الظهور التام للقيامة الكبرى ـ فإن هذه الأيام الستة التي تم فيها خلق السماوات والأرض وانتهى الأمر به إلى عرش الله وعرش الرحمن الذي هو غاية غايات الاستيلاء والاستواء والقهارية للحق المتعالي ، هذه الأيام الستة هي المراتب الستة الصعودية في العالم الكبير . وعرش استواء الحق ، الظاهر بالقهارية التامة والملكية ، وهي مرتبة المشيئة والفيض المقدس الرحماني الذي هو الظهور التام بعد انسلاخ التعينات والفراغ من خلق السماوات والأرضين . وما دامت السماوات والأرضون موجودة ، لم يتم خلقها عند أهل المعرفة حسب قوله تعالى :«كل يوم هو في شأن» (1) وحسب عدم حصول التكرر في التجلي .
وتكون المراتب الستة في الإنسان الكبير والعالم الأكبر مع المرتبة السابعة اللطيفة التي هي عرش الرحمن والذي هو مرتبة القلب الحقيقي . ولولا خشية التفصيل لذكرت بصورة مسهبة ومستفيضة بأن الأفضل من كل الوجوه هو هذا الوجه المذكور . ومن المعلوم أن علم الكتاب الإلهي موجود لدى الحق المتعالي وخاص بمن خوطب به ، ولكننا نتحدث على أساس المناسبات والاحتمالات بعد تعذر حمل الآية على ظاهرها .
وهنا احتمال آخر لا يتنافى مع ما ذكره العرفاء ، وهو ينسجم مع نظرية العلوم الحديثة في علم الهيئة التي فندت ودحضت آراء بطليموس في علم الهيئة ، وهو أن وراء منظومتنا الشمسية ، منظومات شمسية أخرى كثيرة ، لا يحصى عددها إلا الله كما ورد بيان ذلك في الكتب الحديثة من علم الأفلاك . فيكون المقصود من السماوات والأرض هذه المنظومة الشمسية وكواكبها وأفلاكها ، ويكون المقصود من ستة أيام المحددة في الآية الكريمة ، الأيام الستة على ضوء منظومة شمسية أخرى . وهذا الاحتمال أقرب إلى الظاهر والفهم من كافة

(1) سورة الرحمن ، آية : 29 .
الاربعون حديثاً 599

الاحتمالات الأخرى من دون أن يتضارب مع الاحتمالات العرفانية ، لأنه يعتبر بطنا من بطون القرآن .
وأشير في نهاية الآية المباركة بقوله : «يعلم ما يلج في الأرض» إلى علم الحق المتعالي بكل جزئي من مراتب الوجود في سلسلة عالم الغيب والشهود في قوس النزول والصعود . وأشير بقوله : «وهو معكم» إلى المعية القيومية للحق سبحانه . ولا يعرف أحد كيفية علم الحق سبحانه بالجزئيات ، الذي يكون على أساس الإحاطة الوجودية ، والسعة القيومية ، وكذلك لا يعرف أحد إدراك حقيقة هذه القيومية للحق سبحانه ، إلا الخواص من أوليائه تعالى .
وأما الآية المباركة الخامسة « له ملك السموات والأرض وإلى الله ترجع الأمور» فهي إشارة إلى مالكية الحق ، وعود كل نظام دائرة الوجود إليه عز وجل ، كما تكون إشارة إلى أن نظام الوجود راجع ومرتبط باسم المالك . كما ذكر في سورة الحمد المباركة « مالك يوم الدين» .
ويحتاج تفسير كل واحد من ذلك وتفصيل الكلام فيه إلى مجال آخر .
وأما الآية الشريفة السادسة : «يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور» (1) . فهي إشارة إلى اختلاف الليل والنهار وأن القدر الذي ينقص من أحدهما يضاف إلى الآخر ، وأن كل ما يضاف على أحدهما ينقص من الآخر ، وأن في هذا الاختلاف منافع كثيرة ، يوجب ذكرها الخروج عن وظيفتنا . وللآية الشريفة معنى عرفاني آخر امتنعنا عن ذكره .

خاتمة

إن ما ورد في ذيل الحديث الشريف من قوله عليه السلام : «من رام وراء ذلك فقد هلك» إشارة إلى أن هذا المستوى من المعارف المذكورة في هذه الآيات الشريفة وسورة التوحيد المباركة ، هو منتهى العلوم البشرية ، وغايتها القصوى ، فلو ظن أحد بأن فوق هذا المستوى من المعارف ، معارف أخرى لسقط في الخطأ ، كما وأن الأقل من هذا المستوى الأعلى من المعارف التي تتوفر في هذه الآيات المباركة ، يعد أيضا من الهلاك والموت ومن الجهل بمقام الربوبية .
ومن الواضح أن هذا الحديث الشريف يحث الإنسان على التأمل والتفكر في هذه الآيات المباركات . ولكن لكل علم ، أهل . ولكل ميدان ، فارس ، ولا يحسبن إنسان بأنه يستطيع بفكره وتأمله وعلى أساس الظهور العرفي ، استيعاب آيات التوحيد : سواء كانت في سورة التوحيد المباركة ، أو في هذه الآيات المباركة أو في آيات قرآنية أخرى أو استيعاب

(1) سورة الحديد ، آية : 6 .
الاربعون حديثاً 600

الأخبار الشريفة والخطب والأدعية ومناجاة الأئمة عليهم السلام المعبأة والمشحونة بالمعارف إن هو إلا وهم فارغ ، ووسوسة شيطانية . وإن الشيطان الصاد لطريق الإنسانية قد نصب كمينا للإنسان ، حتى يمنعه عن المعارف ، ويوصد عليه أبواب الحكمة والمعرفة ويتركه في وادي الضلالة والحيرة ، بمثل هذه الأوهام الواهية التي يلقي بها على الإنسان من أنه يستطيع أن يفهم القرآن بنفسه ويتعرف على المعارف الإلهية بمراجعات آيات الله الكريمة والأحاديث الشريفة ، من دون حاجة إلى فلسفة وترويض ومجاهدة .
الله شهيد على ما أقول وكفى به شهيدا إنني لا أروم من هذا الكلام التشجيع على دراسة الفلسفة التقليدية أو العرفان التقليدي ، بل المقصود ، هو دفع إخواني المؤمنين وخاصة أهل العلم ، نحو معارف أهل البيت عليهم السلام ، وحثهم على قراءة القرآن وعدم الابتعاد عنه ، فإن الهدف الأهم والأسمى لبعثة الرسل وإنزال الكتب هو معرفة الله ، التي تتوفر في ظلها سعادة الدنيا والآخرة . ولكن المؤسف أن الإنسان ما دام يعيش في هذا العالم ، فهو واقع في الحجب المختلفة ، التي تمنعه من رؤية طريق سعادته . وكلما دعاه الأولياء والأنبياء والعلماء ونصحوه لم يفق من نومه ، ولم يصغ إلى هذه النداءات والإرشادات . وعندما يستيقظ ، يجد السعادة قد أفلتت من يديه ولا يملك إلا الحسرة والندامة .

دعاء وختام

إلهي : أنت الذي ملأت قلوب الأولياء بنور المحبة ، وأخرست ألسنة عشاق الجمال من التحدث عن أنفسهم والآخرين . وأبعدت أيادي الأنانيين المنحطين عن أذيال كبريائك . إلهي أيقظنا من سكر غرور الدنيا ، من النوم العميق الذي غمرنا من جراء الانغماس في عالم المادة والطبيعة ، ومزّق بإشارة واحدة الحجب الغليظة والستائر السميكة من الإعجاب والذاتية ، وخذنا إلى مجلس الطاهرين لدى ساحتك ، ومحفل المخلصين المقدسين ، وأبعد عنا شراسة الطبيعة ، وسوء الخلق ، وغلظ اللسان ، والنفاق والانحراف ، وأقرن حركاتنا وسكناتنا وأفعالنا وأعمالنا وأولنا وآخرنا وظاهرنا وباطننا بالإخلاص والصفاء .
إلهي إن نعمك قد ابتدأت علينا (لا يشترط عطاء الحق بقابلية المعطي له) وعطاياك غير متناهية وباب رحمتك مشرعه ومائدة نعمك اللامتناهية مبسوطة ، هب لنا حالا مضطربا ، وقلبا ملتهبا وعينا تذرف الدموع ، ورأسا لا يعرف القرار وصدرا ينفث بالهموم والآلام واختم حياتنا بالإخلاص إليك والحب إلى خواص ساحتك وهم مقدمة كتاب الوجود وخاتمة نظام الغيب والشهود محمد وأهل بيته الطاهرين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين .

الاربعون حديثاً 601

والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا .
قد تم هذا الكتاب على يد الفاني المؤلف الفقير في عصر يوم الجمعة الرابع من شهر محرم الحرام عام ثمان خمسين وثلاثمائة وألف للهجرة القمرية (1) .
وعلى الله التكلان في الافتتاح والاختتام .

السابق السابق الفهرس