الاربعون حديثاً 367

إن الشاهد على أن هذه الوساوس والأعمال من ألعاب الشيطان وإلقاءات ذلك المعلون ، وأنه لا يوجد لها دافع ديني وباعث إيماني ، رغم زعم صاحبها أن دافعه أمر ديني ، هو أن هذه الوساوس تخالف أحكام الشريعة وأخبار أهل بيت العصمة والطهارة .
مثلا : وردت في أحاديث متواترة عن طريق أهل بيت العصمة عليهم السلام ، كيفية وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أنها كانت غسلة واحدة . ومن ضروريات الفقه ، اجزاء غَرفة واحدة للوجه ، وغَرفة لغسل اليد اليمنى وغَرفة واحدة لغسل اليد اليسرى وأما الإجزاء مع غَرفتين أو غسلتين لكل من الوجه واليد اليمنى واليسرى ، فهو محل خلاف ، حتى أنه يستفاد من وسائل الشيعة الفتوى بعدم الجواز أو التأمل في عدم الجواز . ونقل عن آخرين خلاف ذلك . مع أن جواز الغسلتين لا يكون محل تأمل أيضا . والشهرة العظيمة مع الأخبار الكثيرة دالة على استحبابه ، لكن لا يبعد أفضلية الغسلة الواحدة شريطة أن يصل الماء إلى جميع أطراف العضو الذي نريد أن نغسله . مع العلم بأن الغَسل ثلاث مرات بأن نصبّ الماء في كل مرة على أن يستوعب الماء العضو المغسول هو بدعة وحرام بلا أي محذور ، ووضوئه يكون باطلا إذا مسح مع رطوبة الغسلة الثالثة . وفي أخبار أهل البيت عليهم السلام أن الغسلة الثالثة بدعة ، وكل بدعة في النار .
وعليه فإن الإنسان الجاهل المبتلى بالوسوسة ، يغسل أعضاء الوضوء أكثر من عشر مرات وفي كل مرة يوصل الماء إلى كل أطراف العضو الذي يُريد أن يغسله بدقة متناهية ، بل يغسل العضو حتى يجري ماء الوضوء ، ويتحقق الغسل الشرعي ثم يكرر الغسل مرات عديدة ، فمع أي مقياس نستطيع أن نطبق عمله هذا ؟ ومع أي حديث أوفتوى فقيه يتطابق عمله ؟ لقد صلى المسكين عشرين عاما أو أكثر مع مثل هذا الوضوء الباطل ، وتظاهر أمام الناس أنه في منتهى القدسية والطهارة . إن الشيطان قد داعبه ، والنفس الأمارة بالسوء ، قد غرّرته ، ومع هذا كله يخطّيء الآخرين ويرى نفسه مصيبا .
إن الذي يخالف النص المتواتر وإجماع العلماء ، هل يجب أن نعدّه من عمل الشيطان أو من طهارة النفس وتقواها ؟ فإذا كانت هذه الوسوسة من جراء منتهى التقوى والاحتياط في الدين فلماذا نجد الكثير من ذوي الوسوسة التي لا مبرر لها والجهلة المتنسكين ، لا يحتاطون في مواضع يجب الاحتياط فيها أو يستحب ؟ هل سمعت أحدا يعيش حالة الوسوسة في الشبهات المالية ؟ مَن من الوسواسين دفع الزكاة والخمس مرات عديدة ؟ وذهب إلى الحج لأداء الواجب مرات متكررة ؟ وأعرض عن الطعام المشتبه ؟ لماذا كانت أصالة الحلية في الأطعمة المشتبهة جارية وأصالة الطهارة في شكوك النجاسة غير جارية ؟ مع أنه في باب مشكوك الحلية من

الاربعون حديثاً 368

الراجح الاجتناب ، وتدل على ذلك الأحاديث الشريفة مثل حديث التثليث (1) ـ عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال وإنما الأمور ثلاثة : أمر بيِّن رُشده فيُتّبع وأمر بيِّن غَيّه فيُجتنب وأمر مُشكل يُرد علمه إلى الله ورسوله ـ وفي باب الطهارة عكس ذلك ـ كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه نجس .
كان أحد الأئمة المعصومين سلام الله عليه وعليهم إذا ذهب لقضاء حاجته ترك الماء على فخذيه ، حتى إذا ترشحت لدى الاستبراء أو الاستنجاء قطرات من الماء لم يحس بذلك ـ فهو لم يحتط ولم يتوسوس ـ . وهذا المسكين الذي يرى نفسه محتذيا حذو الإمام المعصوم عليه السلام وآخذاً دينه منه ، لا يتقي لدى التصرف في الأموال ، ولا يحتاط تجاه الطعام بل يتّكل على قاعدة إصالة الطهارة ، ويأكل ، ثم يقوم ويغسل فمه ويديه . إنه حين الأكل يتمسك بأصالة الطهارة وبعد أن يشبع يقول كل شيء نجس وإذا كان من أهل العلم برر عمله هذا بأنني أريد أن أصلي مع الطهارة الواقعية ، مع أننا لم نعرف ميزة للصلاة مع الطهارة الواقعية . ولم ينقل عن أحد من الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم اعتبار الطهارة الواقعية في الصلاة . إذا كنت من أهل الطهارة الواقعية فلماذا لم تكن من أهل الحلّية الواقعية ؟ وإذا فرضنا أنك أردت الطهارة الواقعية فما معنى الغسل في الماء الكر أو الجاري عشر مرات ؟ مع أنه يكفي الغسل مرة واحدة من غير البول أو بعض النجاسات الأخرى في الماء الجاري وفي الماء الكر . وأما في البول فتكفي مرة واحدة على المشهور وتكفي مرتان إجماعا ، فلا يكون الغسل لمرات عديدة إلا من تدليس الشيطان وتسويل النفس . وحيث أن ذلك لا يطلب جهدا منا نجعله رأس المال للتظاهر بالقدسية .
وأسوأ من كل ذلك وأكثر فضيحة ، وسوسة البعض لدى نية الصلاة وتكبيرة الإحرام ، لأنه يرتكب عدة محرمات ، ويعتبر نفسه من المقدسين ، ويرى بهذا العمل ميزة لنفسه . هذه النية التي تتوقف عليها الأعمال الاختيارية بأسرها ، وتعد الأمور اللازمة للأعمال الاختيارية ، ولا يستطيع الإنسان أن يأتي بعمل من الأعمال العبادية أو غير العبادية من دونها ، فمع هذا الوصف ومع مختلف أساليب الشيطنة وهيمنة الشيطان عليه قد يبتلى ساعة أو ساعات ، لإنجاز هذا الأمر الضروري الوجود وفي النهاية قد لا يحصل . فهل إن هذا الأمر من الخواطر الشيطانية وأعمال إبليس لعنه الله الذي وضع الطوق واللجام على هذا المسكين ، وأخفى عليه هذا الأمر الضروري وابتلاه بالمحرمات الكثيرة من قبيل قطع الصلاة ، وتركها وتجاوز وقتها ، أو أنه من طهارة الباطن والقدس والتقوى ؟

(1) وسائل الشيعة ، المجلد 18 ، الباب الثاني عشر من أبواب صفات القاضي ، ح 9 .
الاربعون حديثاً 369

ومن شؤون الوسوسة عدم الاقتداء بأشخاص حكم عليهم بالعدالة نصا وفتوى ، فإن ظاهرهم من أهل الصلاح ومن المحافظين على الأعمال الشرعية وباطنهم معلوم عند الله ، ولا يجب علينا البحث والتفتيش الدقيق عنهم ، بل لا يجوز البحث والتحري عنهم ومع ذلك نرى الشيطان يلجمه ويقوده إلى زاوية من زوايا المسجد معتزلا عن جماعة المسلمين فيصلي فرادى ، ويعلل عدم إلتحاقه بالجماعة بأنني أحتاط ولا أجد توجها قلبيا نحو الجماعة ولكنه لا يتضايق من امامته للجماعة مع أن الإمامة أصعب ، ومحل التباسها أكثر ولكن لمّا كانت الإمامة موافقة للرغبات النفسية لا يحتاط في ذلك .
ومن شؤون الوسوسة التي يكثر الابتلاء بها ، الوسوسة في قراءة الفاتحة في الصلاة حيث قد تخرج نتيجة التكرار للحروف أو الكلمات وتفخيمها من القواعد التجويدية وقد تتغير صورة الكلمة كليا . مثلا ينطق حرف الضاد من كلمة (الضالين) بصورة تقترب من حرف القاف . ويتفوه بالحاء في (الرحمن الرحيم) وكأنه ينطق كلمة غريبة . ويفصل بين حرف وحرف في كلمة واحدة مما يسبب تغييرا في هيئة الكلمة ومادتها ، وتنسلخ الكلمة عن وضعها الطبيعي . ومجمل القول إن الصلاة التي تعد معراجا للمؤمن ، وقربانا للمتقين ، وعمودا للدين ، تفرغ من كافة شؤوناتها المعنوية ، وأسرارها الإلهية ، وتتحول إلى كلمات يراد بها التمويه والإلقاء ، وفي نفس الوقت ، ينجر تجويد الكلمات ، إلى فسادها وإلى عدم إجزائها وكفايتها بحسب ظاهر الشرع . فهل إن هؤلاء وفي هذه الحالة ، يعيشون وساوس الشيطان أو تغمرهم فيوضات الرحمن ؟
لقد وردت روايات كثيرة في حضور القلب لدى الصلاة ، والتوجه القلبي في العبادات ولكن هذا المسكين عرف من حضور القلب علما وعملا ، الوسوسة في النية ومد كلمة « ولا الضالين » أكثر من القدر اللازم ، وتغيير تقاسيم الوجه والفم حين تلفظ الكلمات .
أليست هذه بمصيبة ، حيث أن الإنسان يغفل سنينا طويلة عن حضور القلب ومعالجة قلقه النفسي ، ولم يتصدّ لإصلاحه ، ولا يعتبر ذلك ـ حضور القلب ـ شأنا من شؤون العبادة ، ولم يتعلم كيفية تحصيله من علماء القلوب ـ العرفاء ـ ولم يلتزم به ، ويشتغل بهذه الأباطيل التي تكون من الخنّاس اللعين حسب نص الكتاب الكريم (1) وأنها من عمل الشيطان حسب تصريح الصادِقَين عليهم السلام بذلك . وإن العمل بها يوجب البطلان ، كما ذكرتها فتاوى الفقهاء لكنه يعتبر كل ذلك من شؤون الطهارة والقدسية ؟ .
وقد تحدث الوسوسة أو تشتد من جرّاء أن جهلة مثل هذا الإنسان الوسواسي يطرون عليه ويعتبرون وسوسته من الفضائل ، ويثنون على ديانته وقدسيته وتقواه ، قائلين إنه نتيجة شدّة

(1) «من شر الوسواس الخناس ».
الاربعون حديثاً 370

الدين والتقوى أصبح وسواسيا ، مع أن الوسوسة لا ترتبط بالديانة أبدا ، بل هي مخالفة للدين ومن ثمار الجهل وعدم العلم . ولكنهم لمّا لم يبيّنوا له حقيقة الأمر ، ولم يبتعدوا عنه ولم يؤنبوه بل على العكس مدحوه وأثنوا عليه ، استمر في عمله الشنيع ، حتى بلغ نهايته ، وجعل نفسه لعبة بيد الشيطان وجنوده ، فأقصاه من ساحة قدس المقرّبين .
فيا أيها العزيز ، بعد أن عُلم نقلا وفعلا بأن هذه الوساوس من الشيطان ، وهذه الخواطر من عمل إبليس ، الذي يفسد عملنا ، ويصرف قلوبنا عن الحق المتعالي . ومن المحتمل أنه لا يكتفي بهذه الوسوسة في العمل ، بل يبدي البراعة ، ليدخل الوسوسة في العقيدة والدين ، ويبعد دينك عن دين الله ، ويجعلك شاكا في المبدء والمعاد ، ويدفعك إلى الشقاء الأبدي . وإذا لم يستطع أن يضلّل أشخاصا عبر الفسق والفجور ، فهو يسلك سبيل العبادات والمناسك فيبطل نهائيا الأعمال والأفعال التي يجب أن نتقرب بها إلى الله ، ونعرج من خلالها إلى الحق المتعالي ، ويجعلها دوافعا للابتعاد عن ساحة القدس الربوبي جل شأنه والتقرب من إبليس وجنوده . وعلى أي حال يخشى منه أن يعبث في عقائدك . فلا بد من معالجة هذه الحالة بأي شكل كان وبواسطة أي ترويض ممكن .
فصل

إعلم أن معالجة هذه الآفة القلبية التي يخشى منها أن تودي بالإنسان إلى الهلاك الأبدي والشقاء الدائم ، كبقية الأمراض القلبية ، يمكن أن تتم بواسطة العلم النافع والعمل بكل سهولة ويسر . ولكن يجب أن يشعر الإنسان بإنه سقيم ، حتى يسعى في سبيل المعالجة . ولكن النقص يكمن في أن الشيطان قد يزيّن له الأمور على مستوى لا يرى فيه هذا المسكين نفسه مريضا ، وإنما الآخرون يرونه منحرفا عن السبيل وغير مكترث بالدين .
أما سبيل العلم ـ بأنه سقيم أو ليس بسقيم ـ ، فهو التفكر في هذه الأمور المذكورة ، حيث يجدر بالإنسان أن تكون أعماله وأفعاله ، نتيجة التفكر والتأمل . بأن يفكر في أن هذا العمل الذي يريد أن ينجزه ، ويريد أن يجعله مرضيا لله تعالى من أي مصدر يكون وممن يؤخذ حتى تكون كيفيته بهذا الشكل المخصوص ؟ ومن الواضح أن العوام من الناس يأخذون من الفقهاء كيفية العمل ، ومراجع التقليد يستنبطون من الكتاب والسنة والقواعد الفقهية . وعندما نرجع إلى الفقهاء نسمع منهم القدح في عمل الوسواسي ، ويرون بعض أعماله الباطلة ، وعندما نرجع إلى الأحاديث الشريفة ، والكتاب الإلهي نجد بأن عمله يعتبر من الشيطان ويجعل صاحبه مجنونا . إذن إن الإنسان العاقل إذا فكر وتدبر قليلا قبل أن يهيمن الشيطان على عقله لأوجب على نفسه الاقلاع عن هذا العمل الفاسد ، ولسعى في سبيل تصحيح عمله حتى يكون مرضيا عند الحق المتعال .

الاربعون حديثاً 371

ويجب على كل من يشك في حصول الوسوسة عنده ، أن يكون مثل الناس العوام ، في عرض عمله على العلماء والفقهاء ، والإستفهام منهم بأنه هل ابتلي عمله بمرض الوسوسة أم لا ؟ لأنه كثيرا ما يكون الإنسان الوسواسي غافلا عن حاله ومعتقدا بأنه معتدل وأن الآخرين غير مكترثين بالدين . ولكنه إذا فكر قليلا ، لوجد أن مصدرهذا الاعتقاد هو الشيطان وإلقاءاته الخبيثة ، لأنه يرى بأن العلماء والفقهاء الكبار من الذين يؤمن بعلمهم وعملهم ، بل ويكونون مراجع المسلمين في أخذ مسائل الحلال والحرام منهم ، يعملون بما يُغاير عمله . ولا يستطيع القول بأن الملتزمين غالبا والعلماء وعظام الدين لا يحفلون بدين الله وأن الإنسان الوسواسي وحده يتقيّد بالدين .
وعندما أدرك ضرورة إصلاح العمل ، دخل مرحلة العمل ، والعمدة في هذه المرحلة ، عدم الاهتمام بالوساوس الشيطانية والأوهام التي تلقى عليه . فمثلا إذا كان ـ مجتهدا ـ ومبتليا بالوسوسة في الوضوء ، فليتوضأ مع غَرفة واحدة رغم وسوسة الشيطان . إن الشيطان يوسوس ويقول بأن هذا العمل ليس بصحيح ولكن يواجهه بأن عملي لو لم يكن صحيحا لوجب أن لا يكون عمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الطاهرين عليهم السلام والفقهاء جميعا صحيحا . لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الطاهرين قد توضأوا في فترة طويلة تقرب من ثلاثمائة سنة ، وكانت كيفية وضوء جميعهم واحدة. فإذا كان عملهم باطلا ، فليكن عملي باطلا أيضا . وإذا كنت مقلدا لمجتهد ، فأجب الشيطان بأنني أعمل على ضوء فتوى المجتهد ، فإذا كان وضوئي باطلا ، فلا يؤاخذني ربي عليه ، ولا تكون عليّ حجته . وإذا أوقعك الشيطان الملعون في الشك قائلا بأن المجتهد لم يقل هكذا فافتح رسالته العملية وتأكد من صحة العمل ، فإذا لم تعبأ بإلقاءاته عدة مرات ، وعملت على خلاف رأيه ، لغدا آيسا منك . ونرجو أن تكون المعالجة النهائية لمرضك . كما ورد هذا المعنى في الأحاديث الشريفة :
فعن الكافي بإسناده عن زرارة وأبي بصير قالا : «قلنا له : الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدري كم صلى ولا ما بقي عليه ؟ قال : يُعيد . قلنا له : فإنه يكثر عليه ذلك ، كلما أعاد شك . قال : يمضي في شكه ، ثم قال : لا تُعَوّدوا الخبيث من أنفسكم بنقض الصلاة فتطمعوه فإن الشيطان خبيث يَعتاد لِما عوِّد ، فليَمض أحدكم في الوهم ولا يُكثرنّ نقض الصلاة فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك . قال زرارة : ثم قال : إنما يريد الخبيث ان يُطاع فإذا عُصي لم يَعد إلى أحدكم» (1) .
وبإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إذا كَثر عليك السهو فامض في صلاتك فإنه يوشك أن يدعك ، إنما هو من الشيطان»(2) .

(1) و (2) فروع الكافي ، المجلد 3 ، ص 358 و 359 .
الاربعون حديثاً 372

ومن الوضوح بمكان أنك إذا خالفت الشيطان فترة من الزمان ، ولم تلق بالا لوساوسه ، لانقطع طمعه عنك ، وعادت الطمأنينة والسكون إلى نفسك . ولكن في غضون أيام تصديك للشيطان ، تضرّع إلى ساحة الحق المتعالي والتجئ إلى ذاته المقدس من شر ذاك الملعون وشر النفس ، وإستعذ بالله منه وهو يعينك عليه كما ورد في الكافي الأمر بالاستعاذة من الشيطان .
بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «أتى رجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله أشكو إليك ما ألقى من الوسوسة في صلاتي حتى لا أدري ما صلّيت من زيادة أو نقصان ، فقال : إذا دخلت في صلاتك فاطعن فَخِذك الأيسر باصبعك اليُمنى المسبحة ثم قل : «بسم الله وبالله ، توكلت على الله ، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم» فإنك تنحره وتطرده» (1) .
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين .

(1) فروع الكافي ، المجلد 3 ، ص 359 .
الاربعون حديثاً 373

الحديث السادس والعشرون

طالب العلم


الاربعون حديثاً 374

بالسند المتصل إلى ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني ، عن محمد بن الحسن وعلي بن محمد ، عن سهيل بن زياد ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، جميعا عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ؛ وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن القدّاح ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «مَن سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا به ، وإنه يستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتى الحوت في البحر . وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارا ولا درهما ولكن ورَّثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر» (1) .

(1) أصول الكافي ، المجلد الأول ، كتاب فضل العلم ، باب ثواب العالم والمتعلم ، ح 1 .
الاربعون حديثاً 375

الشرح :


إعلم أن ألفاظ هذه الرواية لا تحتاج إلى الشرح ، ولكننا نشرح هذه الصفات التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فضل طالب العلم والعلماء ، ضمن فصول . وعلى الله التكلان :


فصل
في بيان ان من سلك طريق العلم جعله الحق المتعالي من السالكين لطريق الجنة

لا بد من معرفة أن العلوم بصورة كلية تنقسم إلى قسمين :
أحدهما : العلوم الدنيوية التي هدفها الوصول إلى المآرب الدنيوية . على أساس أن النية قد تكون الأناينة وقد تكون إلهية .
والآخر : العلوم الأخروية التي يقصد منها البلوغ إلى المقامات والدرجات الملكوتية والوصول إلى المراتب الأخروية . وقد تقدّمت منا الإشارة إلى أن الفرق بين القسمين يكون على أساس النية والقصد غالبا ، وإن كانت هذه العلوم في نفسها تنقسم إلى نوعين . ويكون المقصود من هذا العلم في هذا الحديث حسب الآثار المذكورة لطلب العلم وللعلماء في هذه الرواية ، هو النوع الثاني علم الآخرة . وهذا واضح .
وتقدم منّا أيضا الحديث بأن جميع العلوم الأخروية لا تخرج عن أطار الحالات الثلاثة أما من قبيل العلم بالله والمعارف الإلهية ، أو من قبيل علم تهذيب النفس والسلوك إلى الله أو من قبيل علم الآداب وسنن العبودية . ونقول هنا بأن تعمير نشأة الآخرة يرتبط بهذه الأمور الثلاثة . وعليه تكون الجنة أيضا منقسمة إلى جنات ثلاثة :

الاربعون حديثاً 376

احداها جنة الذات وهي التي تكون غاية العلم بالله والمعارف الإلهية . وثانيها جنة الصفات وهي نتيجة تهذيب النفس وترويض الروح . وثالثها جنة الأعمال وهي صورة أداء العبودية وآثارها ، وهذه الجنات لا تكون معمورة ومشيّدة .
وكما أن أرض «جنة الأعمال» قاع مسطحة ومستوية ـ فكذلك أراضي النفس في بدء الأمر مستوية ولا شيء فيها . ويكون عمرانها تابع لعمران النفس .
وإذا لم يُعمّر مقام الغيب للنفس بالمعارف الإلهية ، والجذبات الغيبية الذاتية ، لم تحصل للإنسان «جنة الذات واللقاء» . وإن لم يهذّب الباطن ، ولم يتحل الداخل ، ولم تقوّ الإرادة والعزم ولم يكن القلب محل تجل للأسماء والصفات ، لم تكن «جنة الأسماء والصفات» التي هي الجنة المتوسطة ، للإنسان . وإن لم ينهض الإنسان بالعبودية ، ولم تتطابق أعماله وأفعاله وحركاته وسكناته مع أحكام الشريعة ، لم يحصل على «جنة الأعمال» التي «فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين» (1) .
وبناءاً على هذه المقدمة الموافقة للبراهين الفلسفية ، وذوق أهل العرفان ، وأخبار الأنبياء والأولياء عليهم السلام ، والمستفادة من القرآن الإلهي الكريم ، يتبين أن العلوم في أي مستوى كانت : سواء كان علم المعارف أو غيره فهي السبيل للوصول إلى الجنة التي تتناسب مع ذلك العلم ، وسالك سبيل كل علم ، سالك لطريق من طرق الجنة .
وقد ذكرنا سابقا بأن العلوم بصورة عامة ، طريق إلى العمل ، حتى علوم المعارف إلا أن الأعمال التي تنجم من علم المعارف ، هي أعمال قلبية ، وجذبات باطنية ، وتكون نتيجة تلك الأعمال والجذبات وصورها الباطنية ، صورة «جنة الذات واللقاء» . إذن : سلوك طريق العلم ، سلوك طريق طريق الجنة ـ العلم طريق إلى الجنة ـ ، وطريق الطريق ، طريق أيضا .
[ نكتة مهمة ]


والسر في قوله عليه السلام : «سلك الله به إلى الجنة» حيث نسب إلى العبد ، السلوك العلمي ـ من سلك طريقا يطلب فيه علما ـ وإلى ذاته المقدس الحق ، السلوك إلى الجنة ـ سلك الله به إلى الجنة ـ لأجل أنه في مقام الكثرة رجّح طلب العبد العلم ، وفي مقام الرجوع إلى الوحدة ، رجّح طرف الحق . ولولا هذا التوجيه ، لاستطعنا من جهة أن نقول : يُنتسب أيضا إلى العبد السلوك إلى الجنة «ووجدوا ما عملوا حاضرا» (2)«فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره *

(1) سورة الزخرف ، آية : 71 .
(2) سورة الكهف ، آية : 42 .
الاربعون حديثاً 377

ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره» (1) . كما نستطيع من جهة أخرى أن ننسب السلوك إلى العلم أيضا ، إلى الذات المقدس وأنه من تأييده وتوفيقاته .«قل كل من عند الله» (2) .
ولمحقق الفلاسفة ، وفخر الطائفة الحقة صدر المتألهين ـ رضوان الله تعالى عليه ـ في هذا المقام شرح يبتنى على ذلك ، وهو أن نفس إدراك الملائم والمنافر ، جنة ونار ، وأن العلوم مما يلائم النفس ، والجهل مما تنفر منه .
وهذا الرأي مخالف لنظريته ، المذكورة في الكتب الحكمية عند رده على الشيخ الغزالي ، حيث يذهب ـ الشيخ الغزالي ـ إلى أن الجنة والنار ، عبارة عن اللذات والآلام الحاصلة في النفس ، ويجحد وجودهما ـ الجنة والنار ـ الخارجيين ، حسب ما ينقل عنه . وهذا المذهب ، مضافا إلى أنه مخالف لبرهان الحكماء ، مغاير لأخبار الأنبياء ، والكتب السماوية ، وضرورة الأديان بأسرها . فنهض ـ صدر المتألهين ـ الفيلسوف العظيم الشأن ، للإجابة عليه ، وإبطال تصوره ، ولكنه ـ صدر المتألهين ـ قد ذكر في المقام ما يضاهي المنقول عن الشيخ الغزالي ، رغم رفضه وإنكاره لمسلك الغزالي . وعلى أي حال هذا الكلام ـ مذهب صدر المتألهين ـ ليس بصحيح عندي ولكن لا يتناسب مع حجم الكتاب عرض أكثر من هذا المقدار من البحث .


فصل
في بيان ان الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم حتى يطأ عليها

إعلم أن ملائكة الله على أصناف وأنواع كثيرة كلهم جنود الحق المتعالي ، ولا يعلمهم أحد إلا الذات المقدس علاّم الغيوب«وما يعلم جنود ربك إلا هو» (3) .
صنف منهم ملائكة مهيّمون ـ عاشقون ـ مجذوبون ، لا يلتفتون نهائيا إلى عالم الوجود ، ولا يعرفون بأن الله قد خلق عالما أم لا ، وإنما هم مستغرقون في جمال الحق وجلاله ، ومنصهرون في كبرياء ذاته المقدس . ويقال بأن كلمة « ن » المباركة في الآية الشريفة«ن * والقلم وما يسطرون» (4) إشارة إلى هذا الصنف من الملائكة .
وصنف آخر منهم ، ملائكة مقربون ومن سُكّان الجبروت الأعلى ، وهم أنواع كثيرون ولكل منهم شأن وتدبير في العالم لا يكون لغيرهم من الملائكة .

(1) سورة الزلزلة ، آية : 7 و 8 .
(2) سورة النساء ، آية : 78 .
(3) سورة المدثر ، آية : 31 .
(4) سورة القلم ، آية : 1 .
الاربعون حديثاً 378

وطائفة ثالثة ملائكة عالم الملكوت الأعلى والجنات العُليا ، على مختلف أصنافهم وتشتت أنواعهم .
وطائفة رابعة ملائكة عالم البرزخ والمثال .
وطائفة خامسة الملائكة الموكّلون على عالم المُلك والطبيعة ، حيث يتولّى كل منهم أمرا ويدبّر شأنا ، وهذا القسم من الملائكة المدبرين في عالم الملك ، غير الملائكة الموجودين في عالم المثال والبرزخ . كما هو مقرر في محله ، ومُستفادا من الأخبار أيضا .
ولا بد من معرفة أنه لا توجد أجنحة وريش وأعضاء أخرى للملائكة بجميع أصنافها ، فإن الملائكة المُهيّمين حتى سكان الملكوت الأعلى منزهون ومبرأون من هذه الأعضاء والأجزاء المقدارية ، ومجردون من المادة ولوازمها ومقدارها وعوارضها . وأما ملائكة عالم المثال والموجودات الملكوتية البرزخية ، فمن المحتمل أن تكون في هذه الطائفة من الملائكة ، جوارح وأعضاء وأجنحة ورياش وغيرها ، ولمّا كانوا من عالم المثال والبرزخ ، وكان لهذا العالم كميّة وكيفية ، كان لهذه الطائفة قدر خاص ، وجوارح مخصوصة وإن قوله تعالى :«والصافات صفا» (1) ؛ و«أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع» (2) يرتبط بهذه الطائفة من الملائكة . ولكن للملائكة المقربين والقاطنين في الجبروت الأعلى ، الإحاطة الوجودية القيّومية ، فهم يستطيعون ، أن يتمثلوا في كل واحد من العوالم بهيئة وصورة تتناسب مع ذلك العالم . كما أن جبرائيل الأمين ، الذي هو من المقربين للساحة المقدسة ، وحامل الوحي الإلهي ، ومن أعلى مراتب موجودات سُكّان الجبروت ، كان يتمثل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، في المثال المقيد دائما ، وفي المثال المطلق ، مرتين ، وفي عالم المُلك حينا ، وفي عالم المُلك في صورة دحية الكلبي رضيع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان أجمل الناس ، حينا آخر .
ولا بد من معرفة أن التمثّل المُلكي للملائكة ، لا يكون مثيل الموجودات المُلكية ، كي يراه كل سليم الحس والبصر ، بل الجانب الملكوتي للملائكة يغلب الجانب المُلكي . ولهذا لا يراهم الناس مع أبصارهم المُلكية ، بل رأى بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جبرائيل وهو في صورة دحية الكلبي ، بعد تأييد من الحق المتعالي ، واشارة من خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم .
ومن هذا المنطلق أن طلبة العلم والمعارف ، والمتوجهين إلى الحق والحقيقة ، والسالكين لسبيل رضا الله من الأبناء الروحانيين لآدم صفي الله عليه السلام الذين يكونون

(1) سورة الصافات ، آية : 1 .
(2) سورة فاطر ، آية : 1 .
الاربعون حديثاً 379

مسجودا للملائكة ومطاعا لتمام دائرة الوجود ، هؤلاء يكونون محل عناية ملائكة الله ، ورعايتهم وتأييدهم ، وإن مثل هذا المُلكي الذي تحوّل إلى وجود ملكوتي ، وهذا الأرضي الذي أصبح سماويا قد وطأت أقدامه ، أجنحة الملائكة ، فإذا انفتحت عين بصيرته الملكوتية والمثالية لرأى بأنه مستقر على أجنحة الملائكة ، وإنه يطوي المسافات بفضل تأييداتهم .
هذا بالنسبة إلى الذين ـ الابناء الروحانيون لآدم عليه السلام ـ هاجروا من المُلك إلى الملكوت ، وإن كانوا لا يزالون في الطريق .
وأما الذين ، لا يزالون يعيشون في عالم الملك ، ولم يطرقوا عالم الملكوت ، فمن الممكن أن يكونوا محل تأييد ولطف الملكوتيين ، حيث يفترشون أجنحتهم تواضعا لهم وابتهاجا بهم وبأعمالهم . كما أشير إلى ذلك في هذا الحديث الشريف وفي حديث (غوالي اللئالئ) . عن المقداد ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : «سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم حتى يطأ عليها رضا به» (1) .
فعلم أن الخطوة الأولى إلى الله وإلى مرضاته ، وضع الأقدام على أكتاف الملائكة ، والجلوس على أجنحتهم ، ويكون هذا الفرش وهذا الافتراش موجودين حتى نهاية مراتب الدراسة ، وحصول العلم والمعارف ، ولكن الدرجات تختلف ، والملائكة المؤيدين لهذا السالك في سبيل العلم يتبدلون ، حسب تبدل المراتب ، ويصل مستوى السالك إلى مرحلة ، يرفع قدمه من على رأس الملائكة المقربين ، ويجتاز عوالما ، ويطوي مراتبا ، لا يستطيع أن يدنو منها الملائكة المقربون ، بل يبدي جبرائيل أمين الوحي عجزه عن الوصول إلى تلك الدرجات حيث يقول «لو دنوت أنملة لاحترقت » (2) .
فلما لم يكن هذا الكلام معارضا للبرهان ، بل يوافقه ، فلا داعي إلى تأويله ـ إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم ـ ، كما صنع الفيلسوف العظيم ، صدر المتألهين ، مع أنه اعترف وأثبت ملائكة عالم المثال ، والتمثلات المُلكية والمَلكوتية للملائكة ، في كتبه الفلسفية والعلمية ، مع بيان أنيق يختص به .


فصل
في بيان انه يستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الارض

إعلم أنه قد تقرر في محلّه أن حقيقة الوجود ، عين جميع الكمالات والأسماء والصفات ، كما أن الوجود الخالص المحض عين الكمال المحض الخالص . ولهذا حيث أن الحق

(1) غوالي اللئالئ ، المجلد الأول ، ص 106 .
(2) بحار الأنوار ، المجلد الثاني عشر ، ص 382 .
الاربعون حديثاً 380

المتعالي جل شأنه يكون وجودا صرفا ، فهو كامل صرف ، وأنه سبحانه عين جميع الأسماء والصفات الجمالية والجلالية . وفي الحديث «علم كله ، قدرة كله» .
وقد ثبت بالبرهان أن حقيقة الوجود ، في المرايا ـ العالَم ـ عين جميع الكمالات ، وإنه لا يمكن البتة تجريد الكمالات من الوجود ، لكن ظهور الكمالات ، يكون بقدر سعة وضيق الوجود ، وصفاء وكدورة المرآة . ولهذا تكون كافة الكائنات الوجودية ، آيات ذاته تعالى ومرآة أسمائه وصفاته . وهذا الموضوع رغم أنه مبرهن عليه ، بل قلّما تجد مسألة فلسفية تبلغ مستوى الموضوع المبحوث عنه هنا في الإحكام والقوة ، واتقان الدليل . فهو مطابق لمشاهدات أصحاب الشهود ، ومذاق أرباب المعرفة ، وموافق مع الآيات الكريمة ، وأخبار أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام . كما أشار كتاب الله سبحانه في عدة مواضع ، إلى تسبيح الموجودات بأسرها :«يسبح لله ما في السموات وما في الأرض» (1) «وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم» (2) .
ومن الواضح جدا أن التسبيح والتقديس والثناء ، يتطلب العلم والمعرفة لمقام الذات المقدس ـ للحق جل شأنه ـ ، ومن دون العلم والمعرفة لا يمكن التسبيح والتقديس والتحميد .
وقد تولّت الأحاديث بيان هذا الموضوع الشريف بكل صراحة ووضوح لا يقبل أي توجيه وتأويل . ولكن ذوي الحجاب والمحجوبين من المعارف الإلهية ، من أهل الفلسفة التقليدية وذوي الجدل ، قد أوّلوا كلام الله ، تأويلا باهتا ، فمضافا إلى أنه مخالف لظاهرالآيات الكريمة ونصوص القرآن الكريم ، يكون حديثهم بعض الموارد ، مثل قصة تكلم النمل في سورة النمل المباركة ، مخالفا للنصوص الكثيرة الواردة عن الأئمة الأطهار عليهم السلام ومخالفا لبراهين الحكمة القويمة أيضا . ولا يتناسب ذكر البراهين مع مقدماتها وحجم هذا الكتاب المختصر .
فتسبيح الموجودات للحق المتعالي يكون عن وعي وشعور . وفي الحديث عن الباقر عليه السلام قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «إني كنت أنظر إلى الإبل والغنم . وأنا أرعاها ـ وليس من نبي إلا وقد رعى الغنم ـ فكنت أنظر إليها [ قبل النبوة ] وهي متمكّنة في المَكينة ما حولها شيء يُهيّجها حتى تذعر فتطير ، فأقول : ما هذا ؟ وأعجب حتى جاءني جبرئيل فقال : إن الكافر يُضرب ضربة ما خلق الله شيئا إلا سمِعها ويَذعر لها إلا الثقلين (3) .
ويقول أهل المعرفة أن الإنسان أكثر الموجودات بُعدا وحجابا عن الملكوت ما دام هو

(1) سورة الجمعة ، آية : 1 .
(2) سورة الاسراء ، آية : 44 .
(3) فروع الكافي ، المجلد 3 ، ص 233 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي