الاربعون حديثاً 60

الليل او على ترديد الاذكار ؟ هل تريد ان تتفهم احكام صلاة الليل او تُعلمها قربة الى الله ، او تريد ان توحي الى الناس بانها من اهل صلاة الليل ؟
لماذا تريد ان تخبر الناس باي اسلوب كان ، عن الزيارة للمشاهد المشرفة وحتى عن عدد الزيارات ؟
لماذا لا ترضى ان لا يطلع احد على الصدقات التي تعطيها في الخفاء ، وتحاول ان تتحدث عنها ليطلع عليها الناس ؟ اذا كان ذلك لله ، وتريد ان يتاسى به الناس باعتبار ان «الدال على الخير كفاعله» ، فان اظهاره حسن ، واشكر الله على هذا الضمير النقي والقلب الطاهر ! .
ولكن ليكن الانسان حذرا في المناظرة والجدال مع النفس ، وان لا ينخدع بكمرها ، واظهارها له العمل المرائي بصورة عمل مقدس ، فان لم يكن لله ، فتركه اولى ، لان هذا من طلب السمعة وهو من شجرة الرياء الملعونة . ولن يقبل الله المنان عمله ، بل يامر بالقائه في سجين . ويجب علينا ان نستعيذ بالله تعالى من شر مكائد النفس ، فان مكائدها خفية جدا ، ولكننا نعلم اجمالا ان اعمالنا ليست خالصة لله ، والا فاذا كنا عبادا لله مخلصين ، فلماذا تكون للشيطان علينا هذه السيطرة وبهذا القدر ؟ مع انه اعطى لربه عهدا ان ليس له سلطان على عباد الله المُخلصين ، وانه لا يمد يده الى ساحتهم المقدسة ، وعلى حد قول شيخنا (1) الكبير دام ظله : فان الشيطان كلب اعتاب الحضرة الالهية ، فلا ينبح في وجه من كانت له معرفة بالله ولن يؤذيه وكلب الدار لا يطارد معارف صاحب الدار ، ولكن الشيطان لا يسمح بالدخول لمن ليست له معرفة بصاحب الدار ، اذاً ، اذا رايت ان الشيطان شانا معك وسيطرة عليك فاعلم ان اعمالك غير خالصة ، وانها ليست لله تعالى .
واذا كنت مخلصا فلماذا لا تجري ينابيع الحكمة من قلبك على لسانك مع انك تعمل اربعين سنة قربة الى الله حسب تصورك ؟ في حين انه ورد في الحديث الشريف عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «ما خلص عبد لله عز وجل اربعين صباحا الا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه» (2) ، اذا ؛ فاعلم ان اعمالنا غير خالصة لله ، ولكننا لا ندري ، وههنا الداء الذي لا دواء له ! .
ويل لاهل الطاعة والعبادة والعلم والديانة الذين عندما يفتحون ابصارهم ويقيم سلطان الآخرة قدرته ، يرون انفسهم من اهل كبائر المعاصي ، بل واسوا من اهل الكفر والشرك ، بحيث ان صحيفة اعمالهم تكون اشد سوادا من صحائف الكفار والمشركين .

(1) الشيخ محمد علي الشاه آبادي .
(2) بحار الانوار ـ المجلد 70 ـ ص 242 .
الاربعون حديثاً 61

ويل لمن يدخل بصلاته وطاعته جهنم . الويل لمن تكون صورة صدقته وزكاته وصلاته ابشع مما يمكن تصوره . ايها المسكين المرائي ، انت مشرك ، واما العاصي فموحد . ان الله يرحم بفضله العاصي ان شاء ، لكنه يقول انه لن يرحم المشرك اذا رحل من الدنيا بدون توبة (1) .
لقد سمعت في الاحاديث الشريفة ان المرائي مشرك ، ان من يرائي بين الناس برياسته الدينية وامامته وتدريسه وصومه وصلاته وباعماله الصالحة لاجل الحصول على المنزلة في قلوبهم ، فهو مشرك . وانه لن يكون مشمولا لمغفرة الله تعالى حسب الآية الشريفة واخبار اهل بيت العصمة ـ صلوات الله عليهم ـ . اذا ؛ فيا ليتك كنت من اهل الكبائر ، ومتجاهرا بالفسق ، ومنتهكا للحرمات الظاهرية ، وكنت موحدا ولم تشرك بالله .
فيا ايها العزيز ؛ فكر لتجد سبيلا لنجاتك ، واعلم ان الشهرة بين هؤلاء الناس وهمٌ باطل ، انها ليست بشيء . ان قلوب هؤلاء التي لو اكلها عصفور لما شبع ، ان هي الا قلوب ضعيفة تافهة ، ولا طاقة لها على شيء ، وان هذا المخلوق الضعيف لا حول له ولا قوة . القوة هي قوة الله المقدسة ، فهو الفاعل المطلق ومسبب الاسباب . ولو اجتمع الناس جميعا وكان بعضهم لبعض ظهيرا ، لما استطاعوا ان يخلقوا ذبابة ، واذا سلبت ذبابة منهم شيئا لما استطاعوا استرجاعه منها . كما جاء في الآية الكريمة :
«يا ايها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ، ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب» (2) .
القوة لله تعالى وهو المؤثر في جميع الموجودات . اكتب على قلبك بمداد العقل ـ مهما قاسيت في ذلك وعانيت ـ ان : «لا مؤثر في الوجود الا الله» ! .
ادخل في قلبك باية وسيلة كانت ، التوحيد العملي وهو اول درجات التوحيد ، واجعل قلبك مؤمنا ومسلما ، واختم على قلبك بهذه الكلمة المباركة والختم الشريف «لا اله الا الله» واجعل صورة القلب صورة كلمة التوحيد ، واوصله الى درجة «الاطمئنان» ، وافهمه ان الناس لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا ، فالله وحده هو النافع والضار . ازل هذا العمى عن عينك ، والا فستكون ممن يقول :«... رب لِم حشرتني اعمى وقد كنت بصيرا» (3) ، وتحشر يوم كشف السرائر ، اعمى . واعلم ان ارادة الله تعالى قاهرة لجميع الارادات ، واذا اطمان قلبك بهذه الكلمة المباركة وتسلم لهذه العقيدة ، فالامل ان ينجز عملك ، وتستاصل جذور الشرك والرياء والكفر والنفاق من قلبك .

(1) ان الله لا يغفر ان يشرك به .
(2) سورة الحج ، الآية : 73 .
(3) سورة طه ، الآية : 125 .
الاربعون حديثاً 62

واعلم ان هذه العقيدة الحقة مطابقة للعقل والشرع وليس فيها شبهة الجبر ، وهي الشبهة التي من المحتمل ان يعتقد بها بعض مَن لا اطلاع لهم على مبادئ الموضوع ومقدماته ولم يطرق سمعهم شيء من تلك الامور ، مع ان ذلك لا يرتبط بالجبر ، فهو توحيد والجبر شرك ، وهذه هداية والجبر ضلالة . وهذا ليس مكانا مناسبا لبيان الجبر والتفويض ، ولكن الامر واضح عند اهله ولا حق لغيرهم بالدخول في هذه المواضيع ، بل وقد نهى صاحب الشريعة عن الدخول فيها .
وعلى اي حال ؛ اطلب من الله الرحيم في كل حين ، وخصوصا في الخلوات ، وبتضرع وعجز وتذلل ، ان يهديك بنور التوحيد ، وان ينور قلبك ببارقة غيب التوحيد في الايمان والعبادة ، حتى تعلم ان جميع العالم الواهي وكل ما فيه يكون لا شيء ، واسال الذات المقدس بكل تضرع ان يجعل اعمالك خالصة وان يهديك الى طريق الخلوص والولاء . واذا واتتك حالة السمو الروحي ، فاذكر بالدعاء هذا العبد الضعيف البطال الخالي من الحقيقة الذي ضيع عمره في الهوى ، واصبح قلبه بسبب كدر المعاصي والامراض القلبية بحيث لم تعد تؤثر فيه اية نصيحة ولا رواية ولا برهان ولا دليل ولا آية ، لعلة يجد بدعائكم طريق النجاة ، فان الله لا يرد دعاء المؤمن في حضرته ، بل يستجيب دعاءه .
بعد التذكير بهذه المطالب التي كنت تعرفها ولم تكن جديدة عليك ، راقب قلبك وانتبه له ، واخضع اعمالك وتعاملك وحركاتك وسكناتك للملاحظة ، وفتش في خبايا قلبك ، وحاسبه حسابا شديدا مثلما يحاسب شخص من اهل الدنيا شريكه ، واترك كل عمل فيه شبهة الرياء والتملق ولو كان عملا شريفا جدا . واذا رايت انك لا تستطيع اداء الواجبات باخلاص في العلن ، فادها في الخفاء مع انه يستحب الاتيان بها في العلن . وقليل ما يتفق ان يقع الرياء في اصل الواجب ، والاغلب ان يقع في الخصوصيات والمستحبات والاضافات ، وعلى اية حال ، طهر قلبك من دنس الشرك بجد ومجاهدة شديدتين ، لئلا تنتقل من هذا العالم ـ لا سمح الله ـ وانت بهذه الحالة السيئة من دون ان يكون لك امل بالنجاء ابدا ، ويكون الحق المتعال غاضبا عليك ، كما ورد في الحديث الشريف المنقول في (الوسائل) عن (قرب الاسناد) بسند متصل الى امير المؤمنين عليه السلام انه قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من تزين للناس بما يحب الله وبارز لله في السر بما يكره الله لقي الله وهو عليه غضبان وله ماقت» (1) .
في هذا الحديث الشريف احتمالان : الاول : هو ذلك الذي يظهر للناس الاعمال الصالحة ويخفي الاعمال القبيحة . والآخر : هو ذلك الذي يظهر للناس هيكل العمل وفي

(1) وسائل الشيعة : المجلد الاول ـ الباب الحادي عشر من ابواب مقدمة العبادات ح 14 ص 50 .
الاربعون حديثاً 63

الباطن يقصد الرياء ، وكلتا الصورتين يشملهما الرياء ، لان الاتيان بالواجبات والمستحبات ، بغير قصد الرياء لا يستوجب الغضب ، بل يمكن القول ان المعنى الثاني افضل لان التجاهر بالاعمال القبيحة اشد ، وعلى كل حال ؛ لا سمح الله ان يكون مالك الملوك وارحم الراحمين غاضبا على الانسان «اعوذ بالله من غضب الحليم» .
فصل
في بيان حديث علوي

نختم هذا المقام بحديث شريف روي في كتاب (الكافي) عن امير المؤمنين عليه السلام ونقل الشيخ الصدوق رضوان الله عليه مثل هذا الحديث عن الامام الصادق عليه السلام وهو من جملة وصايا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لامير المؤمنين عليه السلام وهو هذا :
باسناده ؛ عن ابي عبد الله قال : قال امير المؤمنين عليه السلام : «ثلاث علامات للمرائي ينشط اذا راى الناس ويكسل اذا كان وحده ، ويحب ان يحمد في جميع اموره» (1) .
ولما كانت هذه السيئة ـ الرياء ـ الخبيثة شديدة الخفاء ، غابت حتى عن الانسان نفسه بحيث يكون في الباطن من اهل الرياء وهو يتوهم عمله خالصا ، ولهذا ذكروا لها علامة ، وبواسطة تلك العلامة يطلع الانسان على سريرته ، وينهض لمعالجتها . وهذه العلامة هي ان الانسان يشاهد في نفسه عزوفا عن الطاعات عندما يكون وحده ، واذا تعبد فمع كلفة او من منطلق العادة من دون اقبال وتوجه ، بل ياتي بالعبادة مقطعة الاوصال من غير كمال وتمام ، ولكن عندما يحضر في المساجد والمجامع ، وفي المحافل العامة يؤدي تلك العبادة في الظاهر بنشاط وسرور وحضور قلب ويميل الى اطالة الركوع والسجود ، ويؤدي المستحبات اداء حسنا مع توفير كافة اجزائها وشروطها .
ان الانسان اذا كان منتبها بعض الشيء ، ليسال نفسه عن سبب مثل هذا التصرف ؟ ولماذا تنصب شباكها باسم التقدس ؟ لموّهت على الانسان وقالت : بما ان العبادة في المسجد اعظم ثوابا او ان في صلاة الجماعة كذا من الثواب ، يشتد النشاط . اما اذا صليت منفردا وفي غير المسجد ، فيكون الاهتمام من اجل انه : «يستحب اداء العمل امام الناس بصورة حسنة لكي يقتدي به الآخرون ويرغبون في الدين» . انها ـ النفس ـ تخدع الانسان باية وسيلة كانت ، ولهذا لا يفكر في العلاج . وان المريض الذي يعتقد نفسه سالما ، لا يؤمل له الشفاء . ان هذا الشقي يرغب في باطن ذاته ولب سريرته ان يظهر عمله للناس وهو غافل عن ان ذلك بدافع من

(1) اصول الكافي ـ المجلد الثاني ـ كتاب الايمان والكفر ـ باب الرياء ـ ح 8 .
الاربعون حديثاً 64

الشيطان ، بل ان نفسه تظهر له المعصية في صورة العبادة ، وتظهر التكبر والغرور في شكل ترويج للدين . ان الاتيان بالمستحبات في الخلوات مستحب ، فلماذا ترغب النفس دائما في ان تؤديها في العلن ؟ انه يبكي من خوف الله في المحافل العامة بحرقة والم ، ولكنه في الخلوات مهما ضغط على نفسه لا تندى عينه . فما الذي حدث لكي يذهب عنه خوف الله الا بين الناس ؟ تسمع له في ليالي القدر وفي جموع الناس الحسرات والنحيب والحرقة والبكاء ، يصلي مائة ركعة ويقرا دعاء الجوشن الكبير والصغير وعدة اجزاء من القرآن المجيد في وسط المجموع ، دون ان يتلكا او يحس بالتعب .
اذا كانت اعمال الانسان لاجل رضا الله فقط او لاستحصال رحمته او خوفا من النار وشوقا الى الجنة ، فلماذا يرغب في ان يمدحه الناس على كل عمل عمله ؟ فتجد اذنه متوجهة الى السن الناس وقلبه عندهم ، لكي يسمع من يمدحه ، بقوله : ما اشد تدين والتزام هذا الانسان ؟ وما احرصه على اداء الفرائض في مواعيدها والمستحبات في اوقاتها ؟ وانه انسان مستقيم وصادق في معملاته ! اذا كان الله هو الهدف في عملك فما هذا الميل المفرط نحوالناس ؟! واذا كانت الجنة والنار هما اللتان تدفعانك الى العمل فما الذي يحكي لنا هذا الانحراف ؟! انتبه ، فان هذا الحب هو من نفس شجرة الرياء الخبيثة ، فاسع ما استعطت لاصلاح نفسك من امثال هذا الحب اذا كان ذلك ممكنا .
في هذا المقام انبّه الى نقطة مهمة وهي ان لكل واحدة من هذه الصفات النفسانية ، الحسنة منها والسيئة ، درجات كثيرة جدا ، بحيث ان مرتبة من الصفات يعتبر الاتصاف بها من الحسنات والتخلي عتها من السيئات وتكون من مختصات اولياء الله او العرفاء بالله ولا يشاركهم فيها غيرهم من سائر الناس . والصفة التي تعتبر نقصا لاولياء الله ، والعرفاء بالله ، لا تعتبر نقصا لغيرهم من الناس حسب المقام الذي يتمتعون به ، بل قد يكون بمعنى من المعاني كمالا لهم وكذلك تكون حسنات فئة سيئات لفئة اخرى .
والرياء من جملة ما يدور كلامنا عليه حاليا . فالاخلاص من جميع مراتب الرياء هو من مختصات اولياء الله والآخرون ليسوا شركاء في هذه المرتبة ، واتصاف عامة الناس بدرجة من درجات الاخلاص ليس نقصا بالنسبة اليهم بحسب المقام الذي هم فيه ، ولا يضر بايمانهم واخلاصهم . فمثلا تميل نفوس عامة الناس بحسب الغريزة والفطرة الى ان تظهر خيراتها امام الناس ، وان لم يقصدوا ان يظهروها ، ولكن نفوسهم مفطورة على هذا الميل . وهذا ليس موجبا لبطلان العمل او الشرك او النفاق او الكفر ، وان كان ذلك نقص بالنسبة للاولياء وشرك ونفاق لدى الولي او العارف بالله . والتنزه عن مطلق الشرك والاخلاص في جميع مراتبه هو اول مقامات الاولياء . ولهم مقامات اخرى لا يناسب هذا المجال ذكرها .

الاربعون حديثاً 65

ثم ان قول الائمة (عليهم السلام) ان «عبادتنا عبادة الاحرار» اي حبا لله ، لا طمعا بالجنة ولا خوفا من النار ، فهو من المقامات الاعتيادية ـ بالنسبة اليهم ـ وهو اولى درجات الولاية ، ولهم في العبادات حالات لا يمكن ان تستوعبها عقولنا ولا عقولكم .
وبهذا البيان الذي سمعت يمكن الجمع بين الحديث السابق المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وامير المؤمنين عليه السلام ، والحديث الذي ينقله زرارة ، عن ابي جعفر الأمام محمد الباقر عليه السلام وهو : حديث محمد بن يعقوب بأسناده عن ابي جعفرعليه السلام قال : «سالته عن الرجل يعمل الشيء من الخير فيراه انسان فيسرّه ذلك ، قال : ثم لا باس ، ما من احد الا وهو يحب ان يظهر له في الناس الخير اذا لم يكن صنع ذلك لذلك» (1) .
يعد في احد الحديثين حب المدح علامة الرياء ، ويعد في الآخر السرور بظهور الخيرات امرا لا باس به . وبكون هذا حسب اختلاف مراتب الاشخاص . وهناك وجه آخر للجمع بين الحديثين ، صرفنا النظر عنه هنا .

تتمة

اعلم ، ان السمعة وهي عبارة عن ايصال خصال النفس الى اسماع الناس لاجتذاب قلوبهم ولاجل الاشتهار ، من شجرة الرياء الخبيثة . ولهذا السبب ، ذكرناها مع الرياء في باب واحد ، ولم نعمد الى ذكر كل واحدة منهما بصورة منفصلة .

(1) اصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الايمان والكفر ـ باب في اصول الكفر واركانه ـ ح
الاربعون حديثاً 66




الاربعون حديثاً 67

الحديث الثالث

العجب


الاربعون حديثاً 68

بالسند المتصل الى محمد بن يعقوب ، عن علي بن ابراهيم ، عن ابيه ، عن علي بن اسباط ، عن احمد بن عمر الحلال ، عن علي بن سويد ، عن ابي الحسن ـ عليه السلام ـ قال : «سالته عن العُجب الذي يُفسد العمل ، فقال : العُجب درجات منها ان يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيُعجبه ويحسب انه يُحسن صنعا ومنها ان يؤمن العبد بربه فيمنّ على الله عز وجل ولله عليه فيه المنّ» (1) .

(1) اصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الايمان والكفر ، باب العجب ، ح 3 .
الاربعون حديثاً 69

الشرح :(1)


العجب ، انه عبارة حسب ما ذكره العلماء رضوان الله عليهم عن : «تعظيم العمل الصالح واستكثاره والسرور والابتهاج به ، والتغنج والدلال بواسطته ، واعتبار الانسان نفسه غير مقصر» . واما السرور بالعمل مع التواضع والخضوع لله تعالى وشكره على هذا التوفيق وطلب المزيد منه ، فانه ليس بعجب وهو امر ممدوح . ينقل المحدث العظيم مولانا العلامة المجلسي طاب ثراه ، عن المحقق الخبير والعالم الكبير الشيخ الاجل بهاء الدين العاملي رضوان الله عليه (2) انه قال : «لا ريب في ان من عمل اعمالا صالحة من صيام الايام ، وقيام الليالي ، وامثال ذلك يحصل لنفسه ابتهاج . فان كان من حيث كونها عطية من الله له ، ونعمة منه تعالى عليه ، وكان مع ذلك خائفا من نقصها ، شفيقا من زوالها ، طالبا من الله الازدياد منها ، لم يكن ذلك الابتهاج عجبا . وان كان من حيث كونها صفته وقائمة به ومضافة اليه ، فاستعظمها وركن اليها ، وراى نفسه خارجا عن حد التقصير ، وصار كانه يمن على الله سبحانه بسببها فذلك هو العجب» .
اقول ، وانا الفقير : تفسير العجب بالصورة التي ذكروها صحيح ، ولكن يجب اعتبار العمل اعم من العمل الباطني والظاهري ، القلبي والشكلي ، وكذلك اعم من العمل القبيح والعمل الحسن . وذلك لان العجب مثلما يدخل على اعمال الجوارح ، يدخل ايضا على اعمال الجوانح فيفسدها ، وكما ان صاحب الفضيلة الحسنة يعجب بخصاله ، كذلك يكون ذو

(1) الوسائل في مقصد العبادات ، باب تحريم الاعجاب بالنفس ، ويقول العلامة المجلسي ، «من الممكن ان يكون (ابو الحسن) المذكور في هذا الحديث الشريف هو الامام الرضا عليه السلام لان علي بن سويد يروي عنهما كليهما (عليهما السلام) (الامام موسى بن جعفر والامام الرضا) وان كان يروي عن الكاظم عليه السلام اكثر من روايته عن الامام الرضا عليه السلام . عفى الله عنه» .
(2) نقلا عن بحار الانوار ، المجلد 72 ، ص 306 .
الاربعون حديثاً 70

العمل الشنيع ايضا ، اي انه يعجب بخصلته ، كما صرح بهذا ، الحديث الشريف حيث خصهما بالذكر لانهما خافيان عن نظر اغلب الناس . وسياتي ذكرهما ان شاء الله .
ويجب ان نعلم ايضا ان السرور الخالي من العجب والذي اعتبروه من الصفات الممدوحة انما يلاحظ بحسب نوعه ، كما سياتي بيانه في فصل من الفصول اللاحقة .
واعلم ان للعجب ، كما وردت الاشارة اليه في الحديث الشريف ، درجات :
الدرجة الاولى : العجب بالايمان والمعارف الحقة ، ويقابله العجب بالكفر والشرك والعقائد الباطلة .
الدرجة الثانية : العجب بالملكات الفاضلة والصفات الحميدة ويقابله العجب بسيئات الاخلاق وباطل الملكات .
الدرجة الثالثة : العجب بالاعمال الصالحة والافعال الحسنة ويقابلها العجب بالاعمال القبيحة والافعال السيئة .
وهناك درجات اخرى غير هذه ولكنها ليست مهمة في هذا المقام . ونحن ان شاء الله سنشير ضمن فصول لاحقة ، الى تلك الدرجات ومنشئها وما يمكن ان يكون علاجا لها . وبه نستعين .

فصل
في مراتب العجب

اعلم (1) ان لكل واحدة من الدرجات الآنفة الذكر من العجب مراتب . بعض هذه المراتب واضحة وبينة ويمكن للانسان الاطلاع عليها باقل تنبه والتفات . وبعضها الآخر دقيق وخفي للغاية بحيث لا يمكن للانسان ان يدركها ما لم يفتس ويدقق بصورة صحيحة . كما ان بعض مراتبها اشد واصعب واكثر تدميرا من بعضها الآخر .
المرتبة الاولى


وهي اشد المراتب واهلكها ، حيث تحصل في الانسان بسبب شدة العجب حالة يمن معها في قلبه بايمانه او خصاله الحميدة الاخرى على ولي نعمته ومالك الملوك ، فيتخيل ان الساحة الالهية قد اتسعت بسبب ايمانه ، او ان دين الله قد اكتسب رونقا بذلك او انه بترويجه للشريعة او بارشاده وهدايته او بامره بالمعروف ونهيه عن المنكر او باقامته الحدود ، او بمحرابه

(1) في هذا الفصل نشرح العجب في الخصال الحسنة ، وسنشرح في بعض الفصول القادمة ، العجب بالخصال التي تقابل الصفات الحسنة . ايضا (منه عفى عنه) .
الاربعون حديثاً 71

ومنبره ، قد اضفى على دين الله بهاء جديدا ، او انه بحضوره جماعة المسلمين ، او باقامة مجالس التعزية لابي عبد الله عليه السلام قد اضفى على الدين جلالا ، لذلك يمن على الله وعلى سيد المظلومين وعلى الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، وان لم يظهر لاحد هذا المعنى ، الا انه يمن في قلبه . ومن هنا ومن هذا الباب بالذات تنشا المنة على عباد الله في الامور الدينية ، كان يمن على الضعفاء والفقراء باعطائهم الصدقات الواجبة والمستحبة ومساعدتهم ، واحيانا تكون هذه المنة خافية حتى على الانسان نفسه (وقد تقدم في الحديث الثاني شرح عدم امكان امتنان الانسان على الله ، وانما يمن الله على الناس جميعا).
المرتبة الثانية :


وهي التي يتدلل فيها الانسان ويتغنج بواسطة العجب على الله تعالى وهذه غير المنة ، ولو ان البعض لم يفرق بينهما .
ان صاحب هذا المقام يرى نفسه محبوبا لله تعالى ، ويرى نفسه في سلك المقربين والسابقين ، واذا جيء باسم ولي من اولياء الله او جرى حديث عن المحبوبين والمحبين او السالك المجذوب ، اعتقد في قلبه انه من اولئك . وقد يبدي التواضع رياء وهو خلاف ذلك ، او انه لكي يثبت ذلك المقام لنفسه ، ينفيه عن نفسه بصورة تستلزم الاثبات .
واذا ما ابتلاه الله تعالى ببلاء ، راح يعلن ان «البلاء للوَلاء» .
ان مدعي الارشاد من العرفاء والمتصوفة واهل السلوك والرياضة اقرب الى هذا الخطر من سائر الناس .
المرتبة الثالثة :


ان يرى العبد نفسه وبواسطة الايمان او الملكات او الاعمال ، دائنا لله وانه بذلك يكون مستحقا للثواب ، ويرى واجبا على الله ان يجعله عزيزا في هذا العالم ، ومن اصحاب المقامات في الآخرة ، ويرى نفسه مؤمنا تقيا وطاهرا ، وكلما جاء ذكر المؤمنين بالغيب ، قال في نفسه . «حتى لو عاملني الله بالعدل ، فاني استحق الثواب والاجر» بل يتعدى بعضهم حدود القبح والوقاحة ويصرح بهذا الكلام . واذا ما اصابه بلاء وصادفه ما لا يرغب ، فانه يعترض على الله في قلبه ، ويتعجب من افعال الله العادل ، حيث يبتلي المؤمن الطاهر ، ويرزق المنافق ، ويغضب في باطنه على الله تبارك وتعالى وتقديراته ، ولكنه يظهر الرضا في الظاهر ، ويصب غضبه على ولي نعمته ، ويظهر الرضا بالقضاء امام الخلق . وعندما يسمع ان الله يبتلي المؤمنين في هذه الدنيا ، يسلي نفسه بذلك في قلبه ، ولا يدري بان المنافقين المبتلين كثيرون ايضا وليس كل مُبتل مؤمنا .

الاربعون حديثاً 72

المرتبة الرابعة :


هي ان يرى الانسان نفسه متميزا عن سائر الناس وافضل منهم بالايمان ، وعن المؤمنين . بكمال الايمان ، وبالاوصاف الحسنة عن غير المتصفين بها ، وبالعمل بالواجب وترك المحرّم عما يقابل ذلك ، كما انه يرى في عمل المستحبات والتزام الجمعة والجماعات والمناسك الاخرى وترك المكروهات يرى نفسه اكمل من عامة الناس ، وان له امتيازا عليهم ، فيثق بنفسه وباعماله ، ويرى سائر الخلق زبدا ناقصين ، وينظر الى سائر الناس بعين الاحتقار ، ويطعن بقلبه او بلسانه في عباد الله ويعيبهم ، ويبعد كل شخص بصورة ما عن ساحة رحمة الله ، ويجعل الرحمة خالصة له ولامثاله .
ومثل هذا الانسان يصل الى درجة بحيث يناقش كل عمل صالح يراه من الناس ، ويخدشه بقلبه على نحو ما ، ويرى اعماله خالصة من ذلك الاعتراض والنقاش ولا يرى الاعمال الحسنة من الناس شيئا ولكن اذا صدرت هذه الاعمال نفسها عنه يراها عظيمة . انه يعرف جيدا عيوب الناس وهو غافل عن عيوبه .
هذه علامات العُجب ، وان كان الانسان نفسه قد يكون غافلا عنها . وللعُجب درجات اخرى ، لم اذكر بعضها ، واكون غافلا عن بعضها الآخر حتما .

فصل
ان اهل الفساد قد يُعجبون بفسادهم

يصل اهل الكفر والنفاق والمشركون والملحدون وذوو الاخلاق القبيحة ، والملكات الخبيثة واهل المعصية والعصيان ، احيانا الى درجة الاعجاب بغرورهم وزندقتهم تلك ، او بسيئات اخلاقهم وموبقات اعمالهم ، ويسرون بها ، ويرون بها انفسهم من ذوي الارواح الحرة ، الخارجة عن التقليد وغير المعقدة بالاوهام والخرافات ، ويرون انفسهم اولي شهامة ورجولة ، ويتصورون ان الايمان بالله من الاوهام ، وان التعبد بالشرائع من ضعف العقل وصغره ، ويرون ان الاخلاق الحسنة والملكات الفاضلة ، هي من ضعف النفس والمسكنة ، ويحسبون ان الاعمال الحسنة والمناسك والعبادات هي من ضعف الادراك ونقصان الاحساس ، ويرون ان انفسهم تستحق المدح والثناء ، بسبب الروح الحرة التي لا تعتقد بالخرافات ولا تبالي بالشرائع . لقد تاصلت في قلوبهم الخصال القبيحة والسيئة واصبحوا يانسون بها ، وبها امتلات اعينهم وآذانهم فراوها حسنة ، وتصوروها كمالا مثلما وردت الاشارة الى ذلك في هذا الحديث الشريف حيث قال : «العجب درجات ، منها ان يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه ويحسب انه يحسن صنعا» وهذه اشارة الى قول الله تعالى : «افمن زيّن له سوء

الاربعون حديثاً 73

عمله فرآه حسنا ً» (1) وكما يقول« ويحسب انه يحسن صنعا »يشير الى قول الله تعالى : «قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا * اولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت اعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا » (2)تلك المجموعة من الناس الذين هم في الواقع جهلة ويحسبون انفسهم علماء . اولئك هم اكثر الناس مسكنة واسوا الخلائق حظا ، اولئك يعجز اطباء النفوس عن علاجهم ، ولا تؤثر فيهم الدعوة والنصيحة ، بل قد تعطي احيانا نتيجة عكسية . اولئك لا يعون الدليل ، ويسدون اسماعهم عن هداية الانبياء عليهم السلام وبرهان الحكماء ومواعظ العلماء .
وعليه فتجب الاستعاذة بالله من شر النفس ومكائدها التي تجر الانسان من المعصية الى الكفر الى العجب . ان النفس والشيطان ، بتهوينهما بعض المعاصي ، يلقيان بالانسان في المعصية ، وبعد تاصيلها في قلبه وتحقيرها في عينه ، يبتلى الانسان بمعصية اخرى اكبر قليلا من الاولى ، ومع التكرار تسقط المعصية الثانية من النظر ايضا وتبدو صغيرة وهيّنة في عين الانسان ، فيبتلى بما هو اعظم . وهكذا يسير الانسان نحو الهاوية خطوة فخطوة ، وشيئا فشيئا فتصغر كبائر المعاصي في عينه الى ان تسقط جميع المعاصي في نظره ، فيستهين بالشريعة والقانون الالهي ، ويؤول عمله الى الكفر والزندقة والاعجاب بهما . وقد ياتي الحديث عن ذلك فيما ياتي .

فصل
في بيان ان حيل الشيطان دقيقة

وعلى غرار ما يتدرج عمل اولي العُجب بالمعاصي من مرتبة الى اخرى حتى يصل الى الكفر والزندقة ، كذلك يتطور العجب بالطاعات من العجب في الدرجة الناقصة الى الدرجة الكاملة ، فتصبح مكائد النفس والشيطان في القلب على اساس تخطيط ودراسة . ان الشيطان لا يمكن ابدا ان يعهد اليكم ، انتم المتقون الخائفون من الله ، مهمة قتل النفس او الزنا ، او ان يقترح على الشخص الذي يتمتع باشرف وطهارة النفس ، السرقة او قطع الطريق ، فلا يمكن ان يقول لك منذ البداية بان مُنّ على الله بهذه الاعمال او ضع نفسك في زمرة المحبوبين والمحبين والمقربين من الحضرة الالهية . وانما يبدا الامر من الدرجة السفلى ثم يشق طريقه في قلوبكم ، فيدفعكم نحو الحرص الشديد على التزام المستحبات والاذكار والاوراد . وفي غضون ذلك يزين امامكم بما يناسب حالكم ، عملا واحدا من اهل المعصية ، ويوحي لكم

(1) سورة فاطر ، الآية : 8 .
(2) سورة الكهف ، الآية : 103 ـ 105 .
الاربعون حديثاً 74

بانكم بحكم الشرع والعقل افضل من هذا الشخص ، وان اعمالكم موجبة لنجاتكم ، وانكم بحمد الله طاهرون بعيدون عن المعاصي ومبرأون منها ، فيحصل من هذه الايحاءات على نتيجتين : الاولى : هي سوء الظن بعباد الله ، والاخرى : العجب بالنفس . وكلاهما من المهلكات ومن مَعين المفاسد .
قولوا للشيطان والنفس : قد تكون لهذا الشخص المبتلي بالمعصية ، حسنات ، او اعمال اخرى فيشمله الله تعالى بها بوافر رحمته ، ويجعل نور تلك الحسنات والاعمال منارا يهديه فيؤول عمله الى حسن العاقبة . ولعل الله قد ابتلى هذا الشخص بالمعصية لكي لا يبتلي بالعجب ، الذي يعد اسوا من المعصية . مثلما ورد في الحديث الشريف المنقول في الكافي ، عن ابي عبد الله ، قال : «ان الله علم ان الذنب خير للمؤمن من العجب ولولا ذلك ما ابتلى مؤمنا بذنب ابدا» (1) ولعل عملي انا يؤول الى سوء العاقبة بسبب سوء الظن هذا . وكان شيخنا الجليل العارف الكامل الشاه آبادي «روحي فداه» يقول :
«لا تعيبوا على احد ، حتى في قلوبكم ، وان كان كافرا ، فلعل نور فطرته يهديه ، ويقودكم تقبيحكم ولومكم هذا الى سوء العاقبة ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر غير التعيير القلبي» بل كان يقول : «لا تلعنوا الكفار الذين لا يعلم بانهم رحلوا عن هذا العالم وهم في حال الكفر ، فلعلهم اهتدوا في اثناء الرحيل فتصبح روحانيتهم مانعا لرقيكم» . وعلى اي حال ، فان النفس والشيطان ، يدخلانكم في المرحة الاولى من العجب وقليلا قليلا ينقلانكم من هذه المرحلة الى مرحلة اخرى ، ومن هذه الدرجة الى درجة اكبر الى ان يصلا بالانسان في النهاية الى المقام الذي يمن فيه على ولي نعمته ومالك الملوك ، بايمانه او اعماله ويصل عمله الى اسفل الدرجات .

فصل
في مفاسد العجب

اعلم ان العجب هو بنفسه من المهلكات والموبقات وهو يحبط ايمان الانسان واعماله ويفسدها ، كما يجيب الامام عليه السلام الراوي عندما يساله في هذا الحديث الشريف عن العجب الذي يفسد العمل فيحدد عليه السلام ان درجة منه هي العجب في الايمان . وقد سمعت في الحديث السابق ان العجب اشد من الذنب في حضرة الله تعالى ومن هنا فانه تعالى يبتلي المؤمن بالمعصية لكي يصبح آمنا من العجب ، والرسول الاكرم يعتبر العجب من المهلكات .

(1) اصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الايمان والكفر ، باب العجب ، ح 1 ص 212 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي