تربية الطفل دينيا واخلاقيا 97

4- غايتها المثلى اصلاح الفرد والعمل على انضاجه ، وتكامله في جميع الجوانب .
5- عمل متواصل ، ومن خصائصه الاستمرارية والدوام .

  • ضرورة التربية :

  • ان التربية بهذا المفهوم ضرورية للانسان من الوجهة الفردية ، والاجتماعية ، والسياسية ، والمعنوية ، والثقافية ، وتتمثل ضروراتها في الجانب الفردي في تنامي ونضوج البدن ، وفي تربية الفكر والشخصية ، وتعريف الانسان بواجباته الشخصية ، وخلق الثقة بالنفس ، ومعرفة الذات ، والعثور على فلسفة صحيحة للحياة من اجل اقتفاء الطريق الافضل للسعادة في الحياة ... الخ .
    أما في الجانب الاجتماعي ، فتتجسد ضرورة التربية في اعداد الفرد وجعله عنصرا مفيدا لمجتمعه وللمجتمع الانساني عموما ، متحليا بالخصال الحميدة وحب الخير للاخرين ، وقادرا على هضم الظروف الاجتماعية ومعرفة ملابساتها بروحية التفاهم والشعور بالام الاخرين .
    وفي الجانب الاقتصادي يمكن تلخيص ضرورة التربية في كلمة المنتج بمعناها الشامل ، أي ان يكون للشخص القدرة على توفير الحاجات الاقتصادية ، وان يكون كفوءا في عمله ، ومتناسبا مع نوعية العمل الذي يؤديه .
    وتتضح ضرورة التربية في الوجهة السياسية من خلال تربية الانسان العارف بالشؤون السياسية المعاصرة ، وطبيعة الانظمة السياسية ، وان يتبع

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 98

    الفكر السياسي الصحيح ، وان تتركز مساعيه على بث وتقوية الروح الديمقراطية الصحيحة ، ويدرك سبل تكوين العلاقة مع الحكومة ، ولديه معرفة بواجبات الحاكم وحدود عمله ، والأساليب الصحيحة في اجراء القوانين سواء كان ذلك على مستوى القيادة أم على مستوى القاعدة .
    أما ضرورة التربية في الجانب الثقافي فهي من أجل أن يكون التراث الثقافي في حالة تطور وإتساع دائم ومتواصل ، ولغرض أن يكون لدى الأنسان القدرة على استثمار مختلف أبعادها وفوائدها في شؤون حياته المختلفة .
    وأخيراً فالتربية ضرورية في الجانب المعنوي الذي تحقق في ظله علاقة الانسان بخالقه ، وبالظواهر المادية ، وظواهر ماوراء المادة وفقاً لقوانين محدده وواضحة ، يجتاز الأنسان في ظلها بحر الحياة المتلاطم الى شاطيء الأمان . والموضوع الذي يهمنا في هذا البحث هو التربية الدينية التي تعتبر فرعاً من التربية بمعناها العام .

  • مفهوم التربية الدينية :

  • التربية الدينية هي في الحقيقة مجموعة التغييرات التي تحصل في فكر وعقيدة الشخص بهدف خلق نوع خاص من العمل والسلوك القائم على الاسس الدينية ، وبعبارة أخرى هي التغيرات والتطورات التي تحصل في فكر وعقيدة الأفراد وتتكون من خلالها الأخلاق ، وتتخذ العادات والأدب والسلوك والعلاقات الفردية والاجتماعية في ظلها طابعاً شرعياً ودينياً ، يبرز خلالها الدين كعنصر فاعل وسائد في حياة الشخص بمختلف أبعادها

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 99

    وآفاقها الرحبة .
    ولأجل دراسة هذه المسألة بشكل أعمق ، ينبغي لنا أولاً : تحديد الامور التي نرتجيها من الدين . لا شك إننا نأمل من الدين ان يحدد لنا نمط العلاقة التي يجب أن تقوم مع الظواهر والكائنات الاخرى المحيطة بنا . وكلما إتسعت قواعد الدين وتعاليمه ، كلما إتسعت وتعددت أنواع العلاقات والضوابط .
    وبناء على هذا يجب على دين كالاسلام الذي هو خاتم الأديان أن يقدم ضوابط وعلاقات متعددة عامة شاملة بحيث تغطي كل جوانب الحياة الإنسانية وتطبعها بطابعها . فعلى الدين ان يخط لنا المسار الذي ينبغي التزامه في جميع أوجه الحياة ، ويحدد لنا نوع العلاقة مع الظواهر والكائنات في هذا العالم .
    يتضح مما سلف أن عمل الدين يتلخص في تحديد الاسس والقواعد التي يجب ان تسود العلاقات ؛ والتربية الدينية هي عبارة عن العمل الهادف الى تحكيم القوانين والتعليمات في تلك العلاقات .

  • ضرورة إيجاد القوانين التي تحكم العلاقات :

  • أن القوانين التي وضعها الدين للعلاقات الأنسانية تعتبر أكثر ضرورة من أية قوانين أخرى ، وذلك لأن الانسان ، في هذا العالم الذي غمره التطور الصناعي ، لم يبق عليه أية واجبات إزاء مجتمعه إلامن الوجهة الدينية . لقد كان عالم النفس النمساوي فرويد يظن بأن المجتمع لن يحتاج إلى الدين ، وسيكون التقدم الصناعي وحده كافياً لتسيير شؤون الانسان .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 100

    إلا أن تجاهل سماسرة الحروب العالمية لقيمة الانسان ، واضرار الخراب والدمار والمجازر الواسعة ، وأعمال القتل والنهب التي طالت النساء والرجال، والشباب والشيوخ والأطفال ، والتي لم تنج منها حتى الحيوانات والمباني ، دفعه الى العدول عن رأيه وإعادة النظر في تصريحاته وأقواله .
    يقول عالم النفس الشهيد آدلر الذي يستمد أقواله من تجاربه التي قام بها طيلة ثلاثين عاما : إن جميع المصابين بالأمراض النفسيه لايتماثلون للشفاء مالم يستعيدوا مشاعرهم الدينية .
    وعلى كل حال ، فالدين يعني طرح القوانين والأحكام والعلاقات الانسانية ، والتربية الدينية تعني تطبيق تلك الأحكام والقوانين في حياة الناس .

  • الغايات المرجوة من العلاقات :

  • يمكن القول أن علاقات الانسان يمكن تقسيمها الى ثلاث شعب وهي : علاقته مع نفسه ، وعلاقته مع ربه ؛ وعلاقته مع العالم بمعناها الاوسع ، وعلى التربية الدينية أن تغطي هذه الجوانب الثلاثة بكل تفاصيلها . وهذا يعني أن لدينا ثلاثة أنواع من القوانين لثلاثة اشكال من العلاقات . وسنحاول في ما يلي استعراض هدف كل واحد من تلك العلاقات باختصار ، مع تناول اساليب الوصول الى تحقيقها .

  • الهدف من علاقته بذاته

  • إن باستطاعتنا ان نقول بشكل عام بأن الهدف المنشود من العلاقة بالذات

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 101

    هونوع من التجديد الهادف إلى بلوغ السعادة ، وان السعيد هو من يتصف بالجسم السليم ، والفكر المتجدد لاكتساب الفضيلة ، والروح المقتدرة الحرة.
    من الواضح لدينا أن السعادة تكتسب وتنال ولاتأتي عفوياً ، وان الاستعداد لها وبناء الذات لغرض الحصول عليها ضروري ، إلا أن بناء الذات يحتاج بنفسه إلى مقدمة وهي معرفة الذات . ومعنى هذا أن التربية الدينية عليها واجبان في هذا المجال ، الأول : معرفة الذات ، والثاني بناء الذات . وعلى المتصدي للتربية الدينية أن يلتفت الى هاتين النقطتين عند الطفل :

    أ ـ معرفة طبيعة الطفل


    يمكن تقسيم الجوانب التي يتم من خلالها دراسة الانسان ومعرفته إلى : الجانب الذي يهتم به علم الأحياء ؛ والجانب الذي يدرسه علم النفس ؛ والجانب الذي يدرسه علم الإجتماع ؛ وقد طرحت الأديان والمذاهب رأيها فيه أيضا ، ولا يتناول بحثنا هنا تفريع تلك الآراء والخوض في تفاصيل كل منها ، بل نعطي صورة توضيحية للخطوط العامة لهذه المواضيع .
    الانسان كائن ترابي النشأة ، خلق مقروناً بالمعاناة ، ويمر بمراحل عديدة ، وهو ذو تركيب مزيج من المادة والروح ، وله ظاهر وباطن ، ظاهرة من الدم واللحم وهو مكون من العناصر الموجودة في التراب ، وباطنه النفس والعقل ، ومصدرهما العالم العلوي .
    الانسان مخلوق كريم ، ومستخلف من الله ، ومسخرله كل ما في الأرض

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 102

    والسماء يبدو من بين الكائنات الأخرى وكأنه قطرة منحدرة من قمة جيل الى ساقية ثم لتدخل منها في محيط الأبد .
    أما الجانب السلبي فيه ، فهو كائن ضعيف ، وفي نفس الوقت مغرور ، وهو مملوء زهوا واعجابا . يحيد عن الحق والحقيقة ، ولكن يطلبه من الآخرين . حريص وبخيل ، يرجو من الأخرين الهبة والتكرم عليه ولايهب أحداً ولا يكرم آخر . جاهل للحقيقة الخلقة ، ظلوم جهول .. يراوح بين الحرص والبخل، فهو حريص على جمع المال من جانب ، وبخيل في توزيعه من جانب آخر .. معتد وغشوم . إذا امتلك القوة استخدمها في سبيل مصلحته الشخصية ، وهو مع أمتلاكه القوة ضعيف .
    إذا جاع صرخ ، وإذا تألم بكى ، بعيد المدى ، وطويل الامل لكنه في نفس الوقت يتأثر بأدنى ضرر .
    أما في الجانب الايجابي ، فإنه كائن ينشد الكمال، ويتطلع اليه ، وعلى الرغم من طغيان غرائزه فبامكانه ترويضها ، ورغم كونه ترابي النشأة فبامكانه بلوغ مقام القرب من الله ، خلافا لادعاء جان بول سارتر الذي يرى أن قيمته لاتساوى حتى قطرات المني التي خلق منها ، ولو شاء ـ لتمكن ـ بجهده وتركيز قدراته العقلية وقواه الارادية ـ أن يكون في مصاف الملائكة ، أو اعلى مقاما . ومع ما يبدو من صغر حجمه ، الا ان العالم الأكبر منطو فيه ، ولو أنه تمسك بكتاب الله واطاع ربه ، لأضحى بمقدوره أن يفعل فعل الله ، اي يتمكن من التصرف في الكون ، واخضاع كل ما فيه من ظواهر لإرداته ، ومع أن الانسان ترابي المنشأ ، الا أنه بعض صفات الله متجلية فيه

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 103

    انطلاقا من تلك النفحة الربانية التي يمتاز بها .
    وبالرغم من جموح نفسه وطغيانها ، إلا أنه قادر على لجمها واخضاعها لإرادته . يمكن للمربي ممارسة عملية بناء الانسان استناداً الى هذه المعلومات التي يمتلكها عنه .

    ب ـ بناء الطفل


    لقد سبق ان عرفنا السعيد بأنه الشخص الذي يمتلك جسما متميزا بالسلامة ، وعقلا سائرا في طريق الفضيلة والارتقاء ، وروحا قادرة مقتدرة .
    وعلى هذا الأساس ينبغي أن يشمل بناء الانسان ثلاثة جوانب : الجسم ، والعقل والروح .
    1ـ تكمن أهمية بناء الجسم في كونه موضع استقرار النفس ، وتجلي العقل قائم به والعناية بنموه ونضجه ، والمحافظة على صحته وسلامته ، ومنحه الراحة والهدوء والسكينة بالقدر اللازم ، وايجاد نوع من التناسق والانسجام بين اعضائه ، وتغذيته من الطيبات ، والرزق الحلال ، ووقايته من عوامل الطبيعة حفاظاً على سلامته .
    2 ـ تربية العقل : وتهدف الى تهذيبه لكي يقوم بدوره في طرح الأفكار الإيجابية ، وصيانته من الانصياع للخرافات ، والتقاليد البالية ، والإيحاءات الفاسدة ، ولغرض تنمية القدرة لديه على الاستنباط والاجتهاد في الأمور ، وتطويعه نحو التفكير في الحصول على المعاش ، وطاعة الدين وقانون الحياة الذي يستسيغه العقل ، والتدبر في شؤونه الحالية والمستقبلية .
    3 ـ تربية الروح ؛ والغاية من ذلك اكسابها القدرة على تطويع الغرائز ،

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 104

    وموازنة الأحاسيس والعواطف ، والسعي نحو السير التكاملي لبقاء النفس ، والعناية بسلامتها وتقوية دورها ، والاهتمام بتحليتها بكل مايزينها واجتناب ما يشينها ، والميل الى الحق والدفاع عنه ، والسيادة على النفس ، وحفظ الشخصية ، ووحدة الكيان ، والقدرة على التزام السكينة في مقابل هجوم الحوادث والوقائع ، والتحلي بروح التضحية والايثار ، وحب الخير ، والصبر في المصائب ، وصفوة القول : التحلي بالمثل الانسانية السامية .
    ويمكن القول ان التربية بشكل عام تعني بلوغ الانسان درجة يستطيع معها إدخال المعنى في المادة ، وإعطاء الحياة طابع المفاهيم المعنوية الأصلية ، وتقديم التضحيات في سبيل الحق ، ومن ثم الوصول أخيرا الى ادراك أنه « ليس لأنفسكم ثمن الا الجنة فلا تبيعوها الابها » . « الامام علي (ع) »

  • اهداف العلاقة بالخالق :

  • الهدف العام هو بلوغ مقام القرب من الله القادر المطلق ، ونيل رضاه ، وحبه حبا ملائكيا يزيل الحجب عن البصائر ، وينير أعماق القلب والحياة . وهذا الأمر يستلزم معرفته ، ثم عبادته :
    أ ـ في مجال معرفة الله : بأن ندرك بأنه المصدر الخالد لهذا الوجود ، ولا أحد ولامصدر ينظم أمور هذا العالم سواه . لم يتخذ شريكا حين فطر السموات والأرض وبيده ملكوت كل شيء ، ولاشيء خارج عن قدرته ، لا ترى في نظامه أو فعله أي ضعف او خلل ، هو العلم والغنى المطلق ، قدرته وحياته مطلقة ، وهو أزلي وأبدي ، واحدا أحد .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 105

    ليس هو الهنا وحدنا ، بل هو رب العالمين ، ورب كل الظواهر والأزمنة والشعوب ، هو الله الحي المريد المدرك ، هو مع كل شيء لابمقارنة ، وغير كل شيء لابمزايلة ( كما قال الامام علي « ع ») .. على علاقة بمخلوقاته ، لكنها علاقة العالم بالجاهل ، وعلاقة الغني بالمحتاج والمالك بالعبد ، لعبد الذي لا يمكنه الخروج عن ريقه قدرته ولا إخفاء اسراره من علمه .
    ب ـ في جانب العبادة : نود الاشارة ـ أولاً ـ الى أن العبادة هي ارفع الطرق لبلوغ الكمال ـ العبادة معناها تمهيد القلب ليكون دائم لارتباط بالله بحيث لايصدر منه عمل اوسلوك إلا بعد استشارته أو معرفة احكامه وسننه . والعبادة من الآثار العلمية للعلاقة مع الله ، وهي العلاقة الموسومة بالمتاجرة معه ، والخوف منه ، ومحبته والإنابة اليه .
    والعبادة كما توصف على حقيقتها لاتشمل اللحظات التي يقف فيها الإنسان بين يدي ربه فيحمده ويثني عليه ويعرض عليه بثه وحزنه ويتوسل اليه متضرعاً مستكيناً فحسب ، بل تشمل كل لحظات الحياة بجميع آفاقها وجوانبها من سلوك وقول وعمل وتفكير . العبادة ـ في الحقيقة ـ قبول المسؤولية الملقاة من قبل مصدر الفيض ومنبع الكمال ، ونتيجتها الحصول على الأجنحة التي تعين الانسان على التحليق ، لأن التعلق بالقدرة الكاملة المطلقة ، يخلق لدى الانسان قدرة خلاقة .
    العبادة هي تركيز الجهود لتصب في المجرى المؤدي اليه ، واستدرار رضاه في جميع الأحوال ، والخضوع لأوامره ، والتوجه اليه في جميع الحركات والسكات ، والشعور باللذة ونيل الغنى الروحي في ظلها . إذن

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 106

    فالارتباط بالله يتطلب الإيمان به كخطوة أولى ، وطاعته كخطوة ثانية ، وتقواه كخطوة ثالثة ، ثم العمل المتواصل بالواجبات وإداء ماعليه من المسؤوليات كخطوة رابعة ، وأخيرا : الخطوة الخامسة وهي الاحسان ، أي تكون مشيئة العبد متحدة مع مشيئة ربه .

  • أهداف العلاقة مع الكون :

  • يقدم لنا الدين كذلك قوانين واحكاماً تنظم علاقاتنا بالعالم بالمعنى الأشمل للكلمة ويجب أن تشمل التربية الدينية هذه التوجهات ايضا .
    والمقصود هنا من كلمة العالم هي أولا : الكرة الأرضية ، وثانيا : العوالم الأخرى غير الأرض والتي أشار الدين بشكل أو آخر الى علاقات الانسان معها .
    فالعالم كما يراه الدين مدرسة ودار للكمال ، ويجب أن تاخذ العلاقة به طابعا مثمرا لإحداث التغيرات المطلوبة ، ويجب أن يستغل لما فيه خير وفائدة الفرد و المجتمع معا .
    تقسم العلاقة مع هذه الكرة الأرضية الى أربعة شعب ؛ وهي علاقة الانسان بالانسان ، وعلاقته بالحيوان ، وعلاقته بالنبات ، وعلاقته بالجماد .
    فعلاقتنا مع النبات والجماد قائمة على الاستفادة والاستثمار ؛ وبعبارة أخرى يمكن استغلالها لما فيه منفعتنا ورفاهنا ورفاه المجتمع من خلال ايجاد التغييرات المطلوبة فيها .
    أما في مجال العلاقة مع الحيوانات فهنالك مجموعة احكام بشأنها تدخل تحت عنوان حقوق الحيوانات ـ فعلى سبيل المثال ورد حديث عن

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 107

    المعصوم يذكر ستة حقوق للحيوان على صاحبه ، ويجب عليه رعايتها وهي :
    1 ـ أن لايحمله فوق طاقته .
    2 ـ ان لا يبقى جالساً على ظهره عندما يكون في حديث مع الآخرين .
    3 ـ أن يطعمه ويسقيه أولاً حيثما نزل .
    4 ـ ان لايصم وجهه .
    5 ـ اذا عبر به الماء يحب عرضه عليه .
    6 ـ ان لا يضربه لأنه يسبح لله تعالى .
    ولغرض الحصول على مزيد من التفاصيل يمكن مراجعة الكتب الفقهية ، باب نفقة البهائم ، ووردت أيضا توصيات بشأن بقية الحيوانات حتى الخفاش والقطة والكلب ، والحيوانات المؤذية ، والنمل وغيرها .
    وفي موضوع العلاقة مع الانسان يتسع البحث وتتنوع فيه الأحكام والضوابط ويتوقف نوع تلك العلاقة على الانتماء الديني للطرف المقابل ، او علاقة الدم والرحم ورابطة الجوار ، أو رابطة الانسانية . فالعلاقة بالوالدين ، مثلاً ، علاقة احترام واحسان ، « وقضى ربك ألا تعبدوا الا إياه وبالوالدين إحسانا »(1).
    ويختلف عنها نوع العلاقة مع الأخ والاخت ، وهكذا نوع العلاقة مع الزوجة أو العم أو العمة أو الخال أو الخالة .
    الأحكام التي تحدد نوع العلاقة مع سائر الناس متنوعة ألى درجة كبيرة ، بحيث نرى انفسنا مضطرين لذكر عناوينها فقط دون التطرق الى ذكر

    (1) الإسراء : 23 .
    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 108

    تفاصيل ، وتلك العلاقات هي كالآتي .
    1 ـ علاقة الوالدين مع الأبناء ، كالعلاقة بهم من جهة الجنس ، وعن جهة التفاوت في الأعمار .
    2 ـ علاقة الابن بالوالدين ؛ وهي تختلف باختلاف كون الوالدين مسلمين ، او من أهل الكتاب ، او كافرين ، وتقسم ألى علاقة مع الاب ، وعلاقة مع الأم .
    3 ـ العلاقة بالمحارم ، من أمثال العمة ، أو الخالة ـ والعم ، والخال ، والجد والجدة ... الخ .
    4 ـ العلاقة بالأرحام من الدرجة الثانية ؛ اي ابناء العم ، والعمة ، والخال ، والخالة .
    5 ـ العلاقة بالزوجة : الزوجة المؤقتة ، والزوجة الدائمة ، وعلاقة المرأة بزوجها والزوج مع المرأة ، ومع الزوجة أثناء العدة .. الخ .
    6 ـ العلاقة بالجار ، والجار من الأقرباء ، والجار الغريب ، والجار المسافر ، والجار الأخ بالدين ، والجار الكافر .
    7 ـ العلاقة بافراد المجتمع ، وهي العلاقة مع المجتمع الانساني ، وقادة المجتمع ، والحاكم ،وعلاقة قادة المجتمع بالناس .
    8 ـ العلاقة بالأخوة في الدين ، وان كانوا في غير مجتمعنا .
    9 ـ العلاقة بأهل الكتاب ، ومنها العلاقة بالإلهين منهم ، أو العلاقة مع الآخرين لمجرد كونهم نظراء لنا في الخلق .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 109

  • أساليب التربية الدينية

  • الاسلوب : هو عبارة عن الطريقة العلمية المتبعة لبلوغ هدف . او هو مجموعة النشاطات التي تيسر لنا بلوغ مانصبو إليه .وتعتبر الأساليب عادة طريقاً ميسراً لبلوغ الهدف .
    وكما نعلم فإن الناس يأتون الى هذه الدنيا واذهانهم صفحة بيضاء خالية من أية معلومات ، وهذا مايستدعي منا القيام بملئ ذهن الطفل عن طريق العين والأذن والعقل ، وقد عرض القرآن الكريم نفس هذا أيضا . «والله أخرجكم من بطون امهاتكم لاتعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة » (1) وعلى هذا يجب مراعاة هذا الترتيب في اسلوب التربية الدينية ، كما يلي :
    1ـ اسلوب تقديم القدوة : تأخذ العين دورها في هذا الأسلوب فتحيط بالأمور ، ويأتي دون الأذن في المرحلة الثانية .فقد جاء في الروايات أن مسألة تعليم الوضوء أول ماطرحت ، عندما قام جبرائيل بإسباغ الوضوء عمليا امام النبي ( ص) وشـاهدها النبي (ص ) بعينه وتعلمها وعمل بها . وقال صلى الله عليـه وآله وسلم : « صلوا كما رأيتموني أصلي » . فتقديم القدوة يعيننا على غرس المفاهيم الدينية في ذهن الطفل بكل يسر وسهولة ، ودفعهم الى العمل بها لا سيما وإن حس التقليد قوي جداً عند الأطفال .

    (1) النحل : 78 .
    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 110

    المسألة الهامة في هذا المجال هي ان يكون القدوة مثالا كاملا في الأخلاق والسلوك الذي يقر الدين صحته . وإن أدنى خطأ ، أو إهمال يؤدي ألى انعكاسات تربوية وخيمة .
    والجانب الايجابي الآخر في القضية هو أن تقليد الطفل لايصدر عن وعي دائما ، بل يكون مصدره اللاشعور أحيانا . ولهذا يجب عند طرح القدوة ، أو الأسوة مراعاة الدقة الكاملة ، وخاصة في أمور كالصلاة ، وتعليم المفاهيم الدينية والتزام العدالة ، وتشخيص الحق ، والدفاع عنه ، وحب الخير، والإحسان ، وتقديم الإعانات السخية للمعوزين ، وممارسة السلوكية الاجتماعية الاسلامية .
    2 ـ اسلوب التعليم : يركز هذا الأسلوب على حاسة السمع ، ويتم فيه نقل المواضيع المراد ايصالها الى الطفل ، بشكل مباشر .
    وهذا الأسلوب يكمل ـ في الحقيقة ، الأسلوب السابق الذكر ، حتى انه يعد للأطفال الأكبر سناً مقدمة للتربية ، أي أن الأمر يستلزم أولاً تعلم بعض الامور عن طريق العين والأذن ، ثم العمل بها ، وتطبيقها .
    أما الغاية المرجوة من هذا الأسلوب فهي اصلاح السلوك عن طريق النصح والتذكير ، أي ان يقوم المربي بتقويم واصلاح أي تصرف خاطيء قد يصدر من الفرد .
    3 ـ اسلوب التلقين والايحاء : ويمكن من خلال هذا الأسلوب ايجاد صلة بين الفرد وربه ودينه . إذ من المتيسر ايجاد حالة من الخوف ، عند الطفل أو إحياء الأمل في نفسه من خلال استعراض آيات الله ، ولطفه ،

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 111

    وكرمه ، ونعمه ، وحسابه .
    يمكن بهذا الطريق شحن قلبه بمفهوم حب الله ، وتوعيته على معنى حب الله ، وعدم حبه بأداء كل فعل يرتضيه الله واجتناب كل مايثير سخطه .
    وتتضمن هذه الطريقة أيضاً امتداح عمل الشخص بشكل مباشر ، أو غير مباشر وايجاد نوع من الصلة بينه وبين الدين وذلك من أجل أحياء الشوق للارتباط بالله بقلبه ، وليشعر من وراء ذلك باللذة والسعادة .
    4 ـ طريقة سرد القصص : وهي وسيلة جيدة لإثارة مكامن تفكيره ، واستخلاص الدروس والعبر ، وتنبيهه الى امكانية الهداية من بعد الضلال ، وخلق مشاعر لديه لكي يتحسس الأمور بشكل أوضح ، ودفعه الى التفكير بشأن العالم الداخلي والخارجي ، وتنقية وتهذيب ذلك التفكير .
    ويمكن كذلك تعليمه مبادئ الدين واحكامه بشكل غير مباشر عن طريق سرد القصص والحكايات ، لأجل أن تصبح تلك القيم هي السائدة في حياته .
    وقد استخدم القرآن الكريم هذا الأسلوب أيضاً في تربية الناس ، فقص علينا في هذا السياق قصة إتباع النبي موسى ( ع) للرجل الصالح للدلالة على الصبر والتواضع ، وقصة أصحاب الكهف للاشارة الى ايمان أولئك الفتية وقلوبهم الحية ( كما ورد في الآيتين 13 ـ 14 من سورة الكهف ) ، ووردت فيها[ القصة ] اشارة أيضاً إلى جزاء الكافرين والظالمين ، وإثابة المحسنين ( كما ورد في الآية 87 من نفس السورة ) ، وقصة قارون الذي ظلم وذاق في نهاية المطاف وبال سوء عمله ، ( الآية 81 من سورة القصص ) ، وأتى

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 112

    القرآن الكريم أيضا على ذكر قصة يوسف (ع) لتجسيد مفهوم الطهارة والعفة ( كما يستفاد من سورة يوسف ) . وورد فيه ايضاً ذكر قصة أصحاب الأخدود الذين كانوا يشاهدون بأعينهم ماجرى من العذاب على اولئك النفر من المؤمنين ( وهو ما أشارت اليه الآية الرابعة من سورة البروج ) ، وقصة قوم لوط ، وآدم وحواء ، وقصة مريم وطهارتها ، وغيرها من القصص الأخرى التي وصفها بقوله تعالى : « إن في قصصهم عبرة لأولي الألباب » .
    أما الجوانب التي تستلزم الاهتمام بأسلوب السرد القصصي في التربية الدينية فهي :
    1ـ أن تركز القصة على الصفات الحميدة والنقاط البارزة .
    2ـ أن تكون متناسبة مع سن الأشخاص التي يتعظون بها . فالقصص التي تحكى للأطفال في سن الثالثة يجب ان لا تتجاوز نمط تناول الطعام ، والذهاب الى حفلات الضيافة ، وارتداء الثياب ، والحديث عن الأشياء المحيطة بالطفل ، وأسماء الأشياء التي يقع عليها بصره .
    3ـ أن تكون القصة مناسبة للمقام ووفقاً لما تقتضيه الضرورة .
    4ـ ان تتمخص القصة عن نتائج قيمة يشار اليها بشكل مركز .
    5ـ أن لا تتضمن القصة معايب تربوية قد تؤدي الى احداث تأثيرات سلبية في نفس الشخص .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 113

  • الاساليب المساعدة في التربية الدينية

  • وفي هذا النمط التربوي يكون الدور الأساسي للشخص ذاته في شؤون حياته وبناء نفسه ، ويأتي دور المربي ـ بما في ذلك المعلم والوالدين ـ في المرحلة الثانية . ويمكن استعمال الأساليب التالية في هذا الصدد :
    1ـ السير في النفس والأفاق : كمشاهدة الآيات الإلهية والمعجزات الربانية التي هي مظاهر قدرة الله ، والتمعن فيها يحدث في نفس الانسان إنعطافاً يقوده الى معرفة مدى عظمة ربه . ان أجالة النظر في الطبيعة أشد تأثيراً في النفس من الاستدلال العقلي ؛ ويمكن معرفة الله عن طريق المحسوسات اكثر من أي طريق آخر وهنالك آيات كثيرة في القرآن الكريم تدعو الناس للسير في الأرض والتفكر في الأفاق وفي خلق السموات والأرض .
    فأحدى الآيات الشريفة مثلاً تقول« فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين »(1)و« سنريهم أياتنا في الأفاق وفي أنفسهم » (2) « أفلا ينظرون الى الابل كيف خلقت والى السماء كيف رفعت » (3)
    اما النتائج المتحققة من هذا السير فهي الادراك والشهود والعرفان وبالنتيجة : ادراك حقائق الأمور .

    (1) النحل : 36 .
    (2) فصلت : 53 .
    (3) الغاشية : 17 ـ 18 .
    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 114

    2 ـ التفكير والتدبر : لقد إعتبر الحكماء الانسان حيواناً مفكراً ، والتفكير هو نوع من الكلام والاستدلال الصامت.
    ومن العناصر الأصلية للتفكير هي الغاية المنشودة ، والسبيل الأقوم لبلوغها ، والتدقيق في الانتباه الى العلاقات القائمة بين الظواهر ، وابتكار واكتشاف طرق الحل المناسبة .
    ومما يسهل عملية التفكر هو المعلومات المكتسبة والمنبهات الحسبة والنظرة النقدية للأشياء ، والمثالية الفكرية والأمال السامية ، وبالإضافة الى توفر الظروف الثقافية الملائمة .
    ومما يحول بين الإنسان والتفكر هو الخوف ، والاضطراب، والإكراه ، وثقل المسؤولية . ويجب حث المربي على التفكير خلال اداء واجبه التربوي ، والتأمل فيما اذا كان الموقف اوالتصرف الفلاني الذي صدر عن الشخص الفلاني صحيحاً أم لا .
    ومن الايجابيات الأخرى المتاحة في هذا المجال هي عدم تقيد التفكير بزمان ومكان معينين ،اذ بميسوره الإنطلاق في متسع فسيح زمانياً ومكانياً . ويؤكد القرآن في منطقه التربوي على الدعوة الى التفكير والتدبر في شؤون هذا الخلق .
    3 ـ استخلاص العبرة : ويراد به الاتعاظ بمشاهدة ما يحيط بالانسان من مظاهر عجيبة ، وتغييرات كبرى في حياة الناس والحيوانات والنباتات ، ويأخذ منها مايستنير به في حياته ، إذ أنها تعينه على استكشاف الدلالات والمؤشرات التي تضيء له الطريق الذي ينبغي له سلوكه في حياته .

    السابق السابق الفهرس التالي التالي