تربية الطفل دينيا واخلاقيا 115

4 ـ التجربة والإختبار : ليس العقل وحده هوالقادر على اكتشاف الحقائق ، بل الحس وسيلة قيمة أيضاً في هذا الميدان . والحقيقة هي أن الانسان قليلاً ما يعتمد على القول والسماع ، ولا يتحقق له الاطمئنان التام الا بعد مشاهدة ما سمع تجربة ماقيل.
يحصل الانسان من التجربة والاختبار على الاستقرار الفكري . وجاء في قصة النبي ابراهيم (ع) بأن الاطمئنان القلبي ينال بعد المشاهدة العينية والتجربة الشخصية.
5 ـ التعقل والاستدلال : ويتم ذلك باستخدام العقل في النظر الى الأمور ، والاستفادة من المنطق والقوى الباطنية لأكتشاف الحقائق والوصول من خلالها الى فهم علاقات العلة والمعلول ، وادراك ماهية القوانين المهيمنة على كل الوجود ، وبالنتيجة الوصول الى الاقتناع الذاتي .
ان البرهان يقنع نفس الانسان ، ويمنح الأعضاء الثقة والقدرة على فعل ما يؤمن به من اعماق قلبه . وقد أكد القرآن كثيراً على موضوع البرهان والاستدلال .

  • جوانب التربية الدينية

  • تتوفر في الإنسان ـ الذي هو موضوع التربية ـ جوانب يمكن الاستفادة منها لتمكين المربي من الوصول الى الغاية المنشودة من التربية الدينية ، وتوصف تلك الجوانب لدى الطفل بأنها فطرية وغريزية ، فهي إذن ليست بحاجة الى التعلم ، ولا حتى الى تهيئة المقدمات التي تساعد على أيجادها ، وتعد هذه من الجوانب القيمة التي تسهل قيام المربي بعملية التربية ،

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 116

    وتتلخص تلك الجوانب الإيجابية في مايلي :
    1 ـ الفطرة : وهي قائمة على اساس الإقرار بوجود خالق لهذه المخلوقات ولاتشكل أوامره ونواهيه عبئاً ثقيلاً لايمكن تحمله . تذعن الفطرة عادة لوجود نظام وقوانين تهيمن على الكون ، وان الأمور ليست متداخلة ، ولا تجري اعتباطاً . ونقرر كذلك موضوع الاستدلال وعلاقات العلة والمعلول ، وتقبل بكل ماله وجود على أرض الواقع . وكل انسان يولد عليها وانما البيئة او المجتمع هوالذي يحرفه عن هذا المسار القويم .
    2 ـ حب الاستطلاع : حينما يخرج الطفل من محيطه الضيق ويدخل في أجواء العالم الرحبه يواجه ظواهر عديدة ومتنوعة ، فتدفعه الغريزة الى معرفتها واكتشاف كنهها ومعرفة اسرارها والسؤال عن منشأها واسبابها .
    ويبقى متسائلاً عن علاقات العلة والمعلول بين الأشياء الموجودة في هذا الكون ، وتظل الأسئلة تتوارد على ذهنه عن الأسباب والكيفيات الكامنة وراء هذه المشاهد ، ولا يخفى أن هذه من المجالات الخصبة لتربية الطفل دينياً . ولا ينبغي تفويت أمثال هذه الفرص ، بل يجب استغلالها لتعريفه بالحقائق وتوجيهه اليها وتوعيته بها .
    3 ـ الرغبات : يمتاز الطفل بكونه موجوداً اجتماعياً يرغب الاختلاط بالآخرين والاندماج معهم ، واستعراض ذاته ووجوده بينهم ، وتقليد سلوكهم .
    وهذا جانب يمكن استغلاله لتعليمه بعض المسائل الدينية ، وتشجيعه على تطبيقها أوممارستها عملياً . فالطفل مثلاً يرغب المشاركة في التجمعات

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 117

    الدينية ، إذن فالموقف يستدعي اصطحابه الى المسجد ولا بأس بذلك . وهو يرغب في احتلال مكانه بين الكبار ، اذن فاسمحوا له بالاختلاط مع الكبار، وعلموه آداب الحياة ، وأصول الاختلاط ، والأخلاق الحميدة والتعاليم الدينية عامة . وحاولوا جهد الامكان أن تروهم من يقتدى به من المتدينين ومن الذين تكون شخصياتهم مثالاً طيباً يحتذى به .
    4 ـ العجب والكبرياء : وهي صفة موجودة عند جميع الناس ، الا أنه ينبغي توجيهها الوجهة الصحيحة . ويمكن استغلال مشاعر الكبرياء عند الطفل للأغراض الايجابية ، او الدينية بالخصوص ـ كأن يقال له مثلاً : أنا متأكد من قدرتك على اداء الصلاة ، أو انت قادر على المشاركة في التجمع الفلاني كما تفعل أمك ، أوفي ميسورك الصوم من الصباح حتى الظهر ، أو انك قادر على قول الصدق ، وتستطيع أن تكون حسن الأخلاق ، أو بالإمكان أن تصبح فتى عاقلاً ومنظماً ، أو أنت قادر على عدم الإضرار بالآخرين ، وأن لايصدر منك كلام قبيح و ... الخ .
    تستلزم العملية التربوية أحياناً وضع اهداف قريبة وسهلة التناول أمامه لغرض تشجيعه على تقبل بعض الأعمال ، والاستعداد لبلوغ تلك الأهداف . ومن الواضح أن الطفل كلما كبر اصبح بالإمكان وضع أهداف أصعب وأبعد نصب عينيه وتشجيعه على بلوغها .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 118

  • مبادئ التربية الدينية

  • نحاول في هذا البحث طرح الأصول والمبادئ الجوهرية التي نرى ضرورة مراعاتها من قبل الوالدين والمربين لتسير التربية الدينية بشكل صحيح .
    1ـ مبدأ المحبة : يقوم أساس التربية في السنوات الأولى من عمر الطفل على المحبة . ويفترض تعويد الطفل منذ البداية على الأخذ بما يراه الوالدان وترك كل مالا يرتضيانه . وبعبارة أوضح ؛ بامكان المربي أن يقول للطفل وبدون اي ضغط وإكراه : انني لا أحب هذا العمل ، وذلك حينما يبدر منه عمل غير صحيح ، وأما اذا صدر منه تصرف صحيح فيقول له : أنني أحب هذا العمل . يجب ان يبني الوالدان سلوك الطفل على هذه الجانبين ( احب ـ لا احب) . ويمكن تطبيق هذه القاعدة عن طريق النظرات التي تنم عن المحبة أو الاستياء ، والكلام المعبر عن الرضا ، أو الصمت أو الاهتمام والتجاهل والمحبة او الغضب . يجب ان يتذوق الطفل خلال ذلك ضمنياً مزايا حب الوالدين ، أو غضبهما واستياءهما ، ويمكن ان يتحسس مزايا ونتائج ذلك بشكل صريح في السنوات اللاحقة .
    2 ـ مبدأ التشجيع : يتأمل الطفل ان يكافأ لقاء كل فعل حسن يصدر منه ، وعلى الوالدين تحقيق هذا الأمل . إلا أن هناك قضية حساسة وهي أن المكافأة يجب أن لاتأخذ طابع الرشوة .
    يجب أن يؤدي الطفل العمل الحسن على أساس كونه واجباً شخصياً

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 119

    واجتماعياً من غير أن يتوقع الثناء عليه ، وعلى الوالدين تشجيعه على اعتبار كونه شخصاً صالحاً وعارفاً بواجبه ، والمسألة الأخرى هي ان لا تتخذ المكافأة صورة المكافأة النقدية ، كأن يقال له : إذا صليت أعطيك درهماً ، بل يجب أولاً أن يعتبر اداء الصلاة واجباً مفروضاً عليه شأنه في ذلك شأن بقية افراد العائلة . وثانياً ان يكون تشجيعنا له من باب الارتياح لقيامه بأداء واجبه ، أي أن نظهر له سرورنا من عمله ، ومن ثم نفهمه في السنوات اللاحقة ، بأن الله تعالى راض عن عمله هذا أيضاً.
    والنقطة الثانية التي ينبغي الاشارة اليها هي ضرورة عدم تكرار المكافأة لأن التكريم والمكافأة يفقد في مثل هذه الحالة قيمته الحقيقية .
    أما النقطة الثالثة التي أود التنبيه اليها فهي ان لا تتجاوز المكافأة الحد المعقول بحيث لو أدى الطفل عملاً اخر اكثر أهمية ويستحق المزيد من الثناء والتكريم ، لا يبقى لنا ـ حينذاك ما نعبر به عن رضانا وارتياحنا ازاءه .
    لتكن المكافاة دوماً عند حد تبقى معه أمام الانسان مجالات اوسع لبلوغ مدارج أسمى ونيل المزيد من رضى الله تعالى واستحسان الوالدين .
    من بعد سن الثامنة يمكننا أن نوضح لهم أن الله تعالى يحب العمل الفلاني ويبغض التصرف الفلاني ، ويصبح من اليسير أن نكلمه بأن عاقبة محبة الله لنا هي دخول الجنة بكل مافيها من النعم والذات ، ونتيجة غضبه هي العقوبة ودخول النار.
    وقد انتهج القرآن الكريم نفس هذا المسار ، وأشار في الكثير من الايات الى أنه يحب هذا العمل والقائمين به ، او انه يبغض ذلك العمل ومن يرتكبه .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 120

    والقضية الهامة هنا هي ضرورة اللجوء الى الشدة في بعض الموارد ولكن لاينبغي ان يطغى على الاعتدال والمحبة . وتظهر التجارب أن اكثر الناس تديناً هم الذين نشأوا و تربوا في عوائل تمتاز بالاعتدال والعطف والمحبة . ان نقص المحبة والحنان يثير في النفس مشاعر الغربة والوحشة ، وحتى أنه قد يفضي الى الوقوع في بعض المنزلقات الخطيرة كالفرار من البيت والانتحار والمتاجرة بالشرف .
    3 ـ مبدأ الخشونة واستخدام القوة من قبل الوالدين : حينما يحاول الطفل التمرد على الصيغ التربوية المتعارفة واتباع رغباته واهوائه الشخصية لسبب أو آخر ، يجب على الوالدين حينئذ اللجوء الى اسلوب القوة . فيصدرون له الأوامر والتوجيهات ، ويشرفون على تنفيذها بدقة . يجب على الوالدين الاحتفاظ بدورهم في الارشاد والنصح والسيطرة والتسلط في جميع مراحل التربية ، وما دامت مسؤولية الإشراف على الطفل بأيديهم ، سواء كان ذلك بشكل مباشر في المراحل الأولى أم بشكل غير مباشر في مابعد . وحتى ان الروايات الأسلامية تحدثت عن ضرورة معاقبة الطفل فيما لو تمر على طاعة والديه ، إلا أن اغلب تلك النصوص وردت بالمعنى اللغوي للكلمة ، أي بمعنى التنبيه والإرشاد وأحياناً الضرب غير الموجب للدية .
    4 ـ مبدأ الاعتدال : إلتزام الاعتدال أصل مهم أيضاً في التربية الدينية ، فلا ينبغي أبداً تكليف الطفل بأي عمل شاق . فقد ورد عن الأئمة المعصومين (ع) انهم أمروا باصطحاب الطفل الى المسجد ، ولكن بشرط أن لايطول المكث فيه ، شجعوا الطفل على الصلاة ، ولكن لا تكرهوه على

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 121

    القيام لصلاة الليل واداء النوافل ، وشجعوه ايضاً على الصوم ولكن اجبروه على الأفطار في أي وقت يشعر فيه بالملل والجوع . يذكر الحديث المروي عن الامام الصادق (ع) .
    لاتصطحبوا الطفل الى المجالس المقامة لإحياء الليل ، ولا تفرضوا عليه السهر وجاء في حديث المعصوم (ع) بأننا نكره أطفالنا على الجمع بين صلاتي الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء . إن وضع الطفل يستلزم ان لا نكون الفرائض الدينية بشكل يستوجب الاستعداد لصلاة الظهر مرة ولصلاة العصر مرة أخرى ، فيشعر من جراء ذلك بالأذى والتعب .
    5 ـ مبدأ تنقية البيئة المحيطة به : تبذل الجهود في التربية الاسلامية لازالة العوامل والأسباب المشجعة على الإنحراف ، وكل ما يمكن أن يترك أثاراً سلبية على ذهن الأنسان . وهذا يتطلب سلامة اجواء البيت والمدرس والمجتمع من أي انحراف ، وبعبارة أخرى ، ألا تبطل عوامل التربية والاجتماع بعضها البعض وتنتفي بذلك تأثيراتها . ويجب ان لا تسلك الأجهزة الأعلامية أي سلوك يتعارض مع التربية الدينية ويلغي مفعولها . وعلى المربي ان يرى نفسه ملزماً برعاية هذه الجوانب .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 122

  • مراحل التربية

  • لاشك أن كل مرحلة من مراحل الحياة تستوجب وضعاً خاصاً بها . فالبرنامج الذي يطبق على طفل في الثالثة من العمر يختلف كليا عن البرنامج الذي يطبق على الاطفال في سن العاشرة او الرابعة عشرة .
    صحيح أن التربية تبدأ منذ اليوم الأول للولادة ، الا ان فترة ما قبل الولادة تجري خلالها أيضاً بعض انواع الرقابة والتحفظ ، ويعتبر هذا أيضاً جزءاً من التربية الدينية . التي تبدأ في حقيقة الأمر من اختيار الزوجة ، ومن بعد ذلك من لحظة الجماع ، وتؤثر على الطفل افكار الأب والأم أثناء عملية الجماع ، وما تفكر به الأم اثناء فترة الحمل ، والى غير ذلك من انواع الطعام وطبيعة الحياة والأحداث التي تتعرض لها .
    ويبقى الوالدان مسؤولين عن ابنائهم بشكل مباشر منذ الولادة حتى السنة الحادية والعشرين . ويعد ادنى تقصير في اداء هذه المسؤولية بحق الأبناء ذنباً كبيراً عند الله وتقصيراً لا يغتفر امام المجتمع والدين .
    جاء في كتب الحديث إن هذه المرحلة المؤلفة من (21) عاماً يمكن تقسيمها الى ثلاث مراحل تبلغ مدة كل واحدة منها 7 سنوات ، وهذه بدورها قابلة للتقسيم الى فترات أقصر .
    * السنوات السبع الأولى : وهي مرحلة التكوين . وتبدأ التربية فيها منذ اليوم الأول للولادة بأجراء المراسيم الدينية ، كالأذان والإقامة في اذنيه ، ومن

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 123

    ثم غسله وختانه ، وحلاقة رأسه والتصدق بوزن شعره ذهباً أو فضة ، وتسميته بأسم حسين وتقديم عقيقة عنه ، يجري كل هذا في الأيام الأولى للولادة اما المراحل اللاحقة فتجري خلاله تكاليف ورسوم أخرى تتناسب مع سنه .
    ففي سن الثالثة تعليم الطفل قول ( لا اله الا الله ) وفي الثالثة والنصف قول الشهادة برسالة النبي الأكرم (ص ) ، ويمرن بين الرابعة والخامسة على الصلوات وفي سن الخامسة يتعلم اليمين واليسار ، وفي السادسة يتعلم إتجاه القبلة ، والسجود والركوع ، وفي سن السابعة يتعلم الصلاة والنهوض لتناول السحور .
    وهنالك قضية أخرى وهي ضرورة عدم تقبيل خدود البنات من بعد سن السادسة ولأبناء من بعد سن السابعة ، من قبل الجنس الآخر .
    جاء رجل الى الإمام الصادق (ع) وسأله عما يجب الامتناع عنه بشأن جارية له تبلغ السادسة من العمر فقال له الإمام (ع) بوجوب الامتناع عن تقبيلها ولا إجلاسها في الحجر ولا إحتضانها .
    ويجب الانتباه الى ان السنوات الأربع الأولى من حياة الطفل مهمة جداً في صياغة شخصيته بحيث يمكن القول ان ( 70 % ) من شخصية الفرد تتم صياغتها خلال هذه المرحلة .
    * السنوات السبع الثانية : وهي المرحلة التي يجب ان يكون فيها سلوك الطفل وتصرفاته تحت الرقابة المتواصلة والمدروسة للوالدين والمربين . وتقسم على اقل احتمال الى فترتين ؛ أولاهما من سن 8ـ 10 أعوام ،والثانية من 11ـ 14 عاماً . وفي هذه المرحلة يجب اعداد برنامج

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 124

    جديد من الواجبات يتناسب وسن الطفل ، مثل غسل الكفين ، وتعليمه الوضوء حتى نهاية السنة التاسعة من عمره ، وفي السنة العاشرة يجب أجباره على اداء الصلاة .
    يبدأ الايمان الحقيقي عند الطفل في سن 12 عاماً ، وفي هذه الفترة يمكن الى حد ما ـ تعليمه المفاهيم الأصلية للدين . ولا تفوتنا الإشارة الى وجوب نقل كل الاسس الأخلاقية والتربوية الى الأطفال خلال هذه الفترة بمفهوم آداب المعاشرة والعادات والسنن . وتحل في نهاية هذه المرحلة ، مرحلة المراهقة التي يصبح فيها للطفل شخصية مستقلة بفضل التجارب التي اكتسبها في المجالات المختلفة ويصبح له رأيه الشخصي في الامور التي تواجهه .
    * السنوات السبع الثالثة : وهي دورة الممارسة والتطبيق العملي لمعلوماته . ويجب ان يبقى الشخص تحت اشراف المربي فيها ، وتقسم بدورها الى ثلاث مراحل وهي : نهاية مرحلة المراهقة ، ومرحلة البلوغ ، ومرحلة الشباب ، إن الضروف التي يمر بها الانسان توجب تركيز جل اهتمام الوالدين على مرحلة البلوغ ، لأنها فترة نضوج المشاعر وفيها يحدث مايشبه الولادة من جديد .
    يعيش الأشخاص في هذه الفترة حالة من الحيرة في معتقداتهم ، وهم بحاجة الى اعادة النظر فيها ، ويشعرون بالقلق حيال فكرة الجنة والنار ، لا يعلمون ماسيحصل بعد الموت ، والى اين ينتهي مصيرهم ؟ وهم أحوج ما يكونون الى التوجيه في هذه الفترة ، وعلى المربين الأخذ بأيديهم

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 125

    وتوجيههم الى مافيه صلاحهم .
    يبلغ الايمان ذروته في سن 16 عاماً . واذا ماصادف الشخص خلالها نماذج او قدوات مزيفة فسيعرض اعتقاده الديني لبعض المخاطر حتماً .
    تنتهي مرحلة البلوغ في ما يقارب سن الثامنة عشر عاماً ويتبلور لديه خلالها شيء من الاستقلال التقريبي ، ويتطور استدلاله المنطقي ، وهذا مما يسهل في عملية تعليمه وتربيته .

  • نقاط في التربية تستوجب الاهتمام

  • 1 ـ موضوع الجنس: يختلف نمط تربية الإناث عن الذكور في التربية الاسلامية وهذا الاختلاف منبثق عن التفاوت القائم بينهما طبيعياً ووظيفياً .
    ففي الجانب الطبيعي يقر الدين ـ كما هو الحال بالنسبة للعلم ـ بوجود اختلافات واضحة بين الذكر والأنثى من الناحية الجسمية والعقلية والنفسية . وهما يفترقان كذلك في نسبة النمو خلال مراحل السن المختلفة ، وفي جانبي الأحاسيس والمشاعر ، والأهم من كل ذلك هو اختلافهما في بلوغهما الجنسي والعقلي . ونحن نعلم أن أفضل النظم التربوية هو ذلك النظام الذي يأخذ هذه الاختلافات بنظر الاعتبار ويعيرها الاهتمام اللازم .
    فالعلم يرى أن الأولاد يختلفون عن البنات في وظائف الأعضاء والدين يرى نفس الرأي أيضاً . فطبيعة اجسام الإناث مكيفة للحمل والارضاع ورعاية الطفل ، بينما طبيعة اجسام الذكور تلائم الأعمال الثقيلة . ونشير أيضاً مرة أخرى الى أن افضل الأنظمة التربوية هو ذلك النظام الذي يعير هذه الاختلافات الاهتمام المطلوب .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 126

    2 ـ نوع المواضيع التعليمية : وهي من النقاط المهمة التي يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار في التربية . فالمواضيع التي ندرسها ينبغي أن تتناسب مع اعمار الأشخاص ومستوياتهم العقلية . فما يدرس للفتاة البالغة من العمر الخامسة عشر عاماً لايدرس للفتى مطلقاً . والأنثى التي تبلغ العاشرة من العمر تحتاج الى تعلم المسائل الدينية الخاصة بها اكثر من الذكر الذي يبلغ نفس العمر ، إذن فهي بحاجة الى المزيد من التعليم .

  • التربية في الأسرة

  • كانت على عاتق الأبوين في الماضي مسؤوليات جسام في المجال التربوي ، فإن كانوا قد أدوها على خير مايرام فجزاهم الله خير الجزاء ، وان قصروا في تأديتها على الوجه المطلوب ، فإننا ندعو لهم بالعفو والمغفرة . أما المسؤولية التي يتحملها الأبوان اليوم فهي أثقل من مسؤوليات السالفين أضعافاً مضاعفة وسيجلب أقل تقصير فيها لعنات الأجيال المقبلة .
    والقيام بهذا الواجب يستلزم الوعي والإيمان الكافي لأن بناء الانسان اصعب بكثير من بناء اي شيء أخر .
    فإن كانت تربية النحل والماشية تتطلب دخول دورة تعليمية ، واكتساب الخبرة والتجربة اللازمة ، فمثل هذه الخبرة في بناء وتربية الانسان اكثر اهمية وضرورة . فالاطفال ليسوا أدغالاً تترك وشأنها كيفما نمت ، لتعطي ثمراً بل .. هم براعم يجب أن تنمو في ظل التربية الصالحة لتعطي ثمراً طيباً . ولهذا كانت التربية بالنسبة لهم أمر ضرورياً وحيوياً .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 127

  • تعريف وأهمية التربية

  • يمكن تعريف التربية باختصار بأنها عبارة عن احداث التغييرات المطلوبة في الانسان او بعبارة أوضح : أيجاد التغييرات المثمرة في مجال حياة الأنسان بهدف بنائه وازدهار واستثمار طاقاته . أو يمكن التعبير عنها بالقول أنها تربية القوى الجسمية والروحية للانسان لبلوغ الكمال المطلوب ، ونقل اسلوب التفكير والمشاعر والعمل الموجود في المجتع الى الأجيال القادمة .
    لقد كانت التربية ، بالمعنى العام للكلمة والتي تعني تربية الأخرين وتلقي التربية على ايدي الأخرين ، موجودة منذ القدم ، ولكن ليس بهذا الشكل العلمي الذي يبلغ بالانسان مايشاء من درجات المعرفة ، والقائم على أسس الفلسفة ، وعلم النفس ، والاقتصاد ، وعلم دراسة الأحياء .
    ويكفي في وصف أهمية التربية القول أن جميع هذه الغايات النبيلة وكل هذه الفضائل ، والرذائل ، والأمال الخيرة والشريرية وليدتها ، ولأجل ادراكها بصورة أعمق يكفي أن يضع الانسان نفسه مكان الطفل الذي ولدته أمه وهولا يعلم أي شيء عن هذا العالم .

  • ماهي التربية

  • تعتبر التربية علماً من جهة ، لأن لها موضوعاً ، وهدفاً وأسلوباً ، وهي تسيطر على مجرى حياة الانسان ونضجه بأسلوب علمي . وهي من جهة

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 128

    أخرى ابداع لأن نشوء وتطور القوى الانسانية يجب أن يخضع للمراقبة بأساليب ابداعية متباينة . فقد يكون الشخص عالماً واسع المعرفة ، الا انه ليس معلماً .
    وتعد التربية من جهة ثالثة فناً لأنها تتضمن الاهتمام بدقائق الأمور وطريفها ، وخاصة المفيد منها في اعادة بناء الانسان وتشكيل شخصية ، وهي من جهة رابعة خدمة للإنسان ذاته وللمجتمع الانساني ، وتيسر بواسطتها جعل الانسان موجوداً نافعاً يصل الى حقيقة الانسانية ، وتتضح أهمية هذه الخدمة حينما يترعرع الطفل بعيداً عنها ، إذ يصبح موجوداً وحشياً وخطراً .

  • مهمة التربية

  • مهمة التربية باختصار : البناء والاصلاح والصنع والاعداد ، والسعي لخلق حالة من التوازن بين الحاجات وترويض الغرائر والرغبات .
    ويمكن القول بمنظار أوسع : إن التربية تتكفل ببناء الجوانب الثلاث في الانسان : الجسم ، والعقل ، والروح .
    وصفوة القول ؛ هي تمكن الانسان من إقامة علاقة صحيحة مع خالقه ومع العالم ، وجعله عنصراً فاعلاً ومفيداً للمجتمع ، أي انها تصنع الانسان الطموح لبلوغ القيم السامية ، والقادر على الابتكار واتخاذ القرار ، والعارف بآداب الحياة ليكون فاهماً لمسار الحياة الاجتماعية من غير أي انحياز مسبق لأي جانب دون آخر .
    تتحمل التربية مهمة بناء الانسان الذي تقوم حياته على أساس القيم

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 129

    والمعايير المدروسة ، وعلى استقلال الشخصية والعدالة الاجتماعية ، ومعرفة الجميل ، واختيار الأفضل ، وعلى الأسس الأخلاقية والأنسانية .

  • عناصر التربية

  • تقسم عناصر التربية في بحثنا هذا الى ثلاثة أقسام وهي :
    1ـ الأبوان: وهما العنصر الأساسي في التربية ويؤديان الدور الأكبر في انجاز هذه المهمة .
    فالأبوان يمثلان الوسيط الوراثي من جهة ، والمحيط الاجتماعي من جهة أخرى ، ففي الجانب الوراثي يقومان بنقل الكثير من الخصائص والصفات الوراثية منهما ومن الأباء والأجداد الى الأبناء وأما في الجانب البيئي فهما أول مدرسة يكتسب الطفل منهما علو الهمة والقيم النبيلة والأخلاق الفاضلة ، أو ما يعاكس ذلك من سفالة ، وانحطاط ، وسوء خلق . وتحضى الأم في هذا المعترك بالنصيب الأوفر والدور الأخطر لأن مسؤوليتها أثقل من مسؤولية الأب اضعافاً مضاعفة وخاصة في السنوات الأولى حيث تكون الجهة الوحيدة التي يستند اليها الطفل ويرتبط بها .
    وعن أهمية دورالأبوين تكفي الاشارة الى أن الطفل يقضي حوالى (5) الاف ساعة في المدرسة ، ووقتاً يماثل هذا على اكثر التقادير مع الأصدقاء والأتراب ، ومن مجمل عدد ساعات عمره البالغة(95) ألف ساعة الى الحادية عشر ، وأما المتبقي منه فيقضيه في البيت ، والأهم ان القسم الأعظم من هذه المدة وهوما يقارب الـ (85) ألف ساعة بقضيها الى جانب أمه أو في حجرها وبين يديها اوعلى الأقل في ارتباط مباشر معها .

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 130

    2ـ افراد المجتمع : والذين يمكن تقسيمهم وفقاً لإرتباط الطفل بهم وعلاقته معه الى المجاميع التالية :
    ـ الأخ ، والأخت ، والجد ، والجدة .
    ـ العم ، والعمة ، والخال ، والخالة ، وأبنائهم .
    ـ المعلم ، والمدير ، والمستخدم ، والزملاء في الصف ، وفي المدرسة .
    ـ سائر افراد المجتمع كالعطار والبقال ، وبائع الكتب ، والبزاز ، والقصاب ، والخباز وصاحب الحمام و ... الخ .
    والشرطي ، والحارس والروحاني ، وقيم المسجد ، والقائم بأمر هيئة العزاء ... ولهؤلاء تأثيرهم الهام في بناء اوهدم صرح حياة الأفراد . والطفل يتعلم عن وعي تام نمط حياتهم وأسلوب تعاملهم ، ويقيم على اساسه فلسفته ونظرته الخاصة للأمور .
    3ـ العوامل الخارجية : وهي عبارة عن الأجهزة الأعلامية كالمذياع ، والتلفاز ، والفلم والسينما ، والصحف والمجلات والكتب وغيرها ، من الكتابات .
    والكائنات الأخرى سوى الانسان أمثال النبات والحيوان والجماد والتي تواتر عليه بشكل أو أخر . فلمسه للخشب الناعم في محيط العمل يختلف في تاثيره عن لمسه المعدن صلب .
    وتؤثر فيه أيضاً التغييرات الطبيعية كتحول الفصول ، والزلازل ، والظروف الجوية ، والأحوال المناخية و . . . الخ ، ويطال تأثيرها سلوكه وأخلاقه ونمط تفكيره . بل أن حياة الانسان في الحقيقة تابعة للبيئة بمعناها الشامل ( بما في

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 131

    ذلك البيئة الجغرافية ، والظروف الثقافية ، الأقتصادية والسياسية ... ) .
    نحن الآن بصدد الحديث عن العامل التربوي الأول والمهم أي عامل الأبوين ، وان كان الحديث عنه يتضمن طرح بحوث أخرى ايضاً .

  • الوالدان والطفل

  • الوالدان هما المسؤولان الأولان عن اصلاح وفساد المجتمع ، ومسؤوليتهما عظيمة أمام الله وابناء المجتمع ، ولاشك أن التهاون في ادائها سيكون مدعاة للعقوبة ومسؤولية الأم في هذه المهمة الصعبة أثقل من مسؤولية الأب لأن الطفل يأخذ عنها القسم الأعظم من مكوناته الروحية ، وخاصة الجوانب العاطفية والمشاعر .
    وقال الرسول (ص) « الجنة تحت اقدام الأمهات » وذلك لأن القسم الأعظم من سعادة الطفل واستحقاقه الجنة يقام على يد الأم .
    والأبوان هما اللذان يطبعان شخصية الطفل ، وهما اللذان يحددان الأسلوب والسلوك الذي يقتفيه في حياته . والمنهج التربوي الذي يعتمده الأبوان مع الطفل هو الذي يصنع منه شخصية هادئة ومتزنة ، أو يجعل منه شخصاً طائشاً في أهوائه ، وبما أن الصفات تنتقل من الأبوين الى الأبناء بالصورة التي تم أيضاحها ، فلا يتأتى لأي كان إحراز مقام الأبوة أو الأمومة . صحيح أن البلوغ والنضوج الجسمي يهيء الأرضية للزواج ، إلا أن الأبوة والأمومة تستلزم توفر النضج العقلي والأخلاقي والعاطفي .
    فيجب على الأشخاص التعرف ، قبل الزواج على واجباتهم وأن يكون لديهم وعي بالشؤون التربوية العامة وينتبهوا الى ما تفرضه عليهم

    تربية الطفل دينيا واخلاقيا 132

    المسؤولية .
    إن تربية الطفل وإن كانت تتراءى وكأنها تبدأ منذ ولادته ، ولكن لو اخذنا تأثير الوراثة بنظر الاعتبار ، لتأكد لنا حقاً انها تبدأ قبل ولادته بأشهر وسنوات ، وأقل ما يمكن أن يقال عنها أنها تبدأ منذ اختيار الزوجة . وللاسلام منذ بزوغه وما زال ، خطواته التي يتبعها في تربية الجيل ، ويمكن العثور على ما فيها من احكام وبرامج في الكتب الفقهية والأخلاقية . ونشير في ما يلي الى امثلة من تلك البحوث على سبيل الذكر لا الحصر .
    لا يبيح الأسلام لإنسان الزواج بأية امرأة كانت لانجاب النسل ، بل يحدد لها مواصفات وشروطاً يجب مراعاتها وفق قاعدة الأهم فالأهم :
    1ـ من الناحية العائلية ، ينبغي ان تكون للزوجة اصالة عائلية ؛ فلاتكون من عائلة تشرب الخمر وتدمن على تناول المخدرات . ولا يجوز اللأبوين أيضا تزويج ابنتهما من شارب الخمر ، او قاطع الرحم أو فاسق . قال الرسول الأكرم (ص ) : « اياكم وخضراء الدمن . قيل : وما خضراء الدمن ؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء » . (1)
    2ـ يبدو من الناحية الشرعية أن لا حرمة من زواج الأقارب ، ولكن وردت روايات توصي بعدم الزواج من الأقارب المقربين جداً . فقد جاء في الحديث الشريف : « لاتنكحوا القرابة القريبة » ومن ثم قيل إن من اسباب ذلك هي أن الأطفال يولدون مصابين بالنواقص والعاهات ، وهو نفس ما يؤكده الطب الحديث .

    (1) الكافي: ج 5 ص 332 .

    السابق السابق الفهرس التالي التالي