عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 119

الفصل الثالث
عمارة كربلاء ... المباني الدينية

توطئة :

أشتهرت مدينة كربلاء المقدسة كما مر بنا سابقاً بمعالم حضارية ودينية تميزت بأروع فنون العمارة الإسلامية النابعة من جذورها الراسخة في القدم وأصولها الشرقية. إضافة إلى ما أستوحته من الفن الإسلامي الرفيع وأسسه الجمالية ، كالمراقد والمساجد والحسينيات والمقامات والمدارس الدينية والتي كانت لها دور بارز في الحياة الثقافية والأجتماعية للمدينة.
إن من يمعن النظر في عمارة المراقد المقدسة والمباني الدينية الأخرى التي أزدهرت في كربلاء عبر العصور ، يرى فيها سمة إسلامية خالصة تدل بوضوح على مدى الرقي الفني الذي وصلت إليه فنون الحضارة الإسلامية في مختلف عصورها.
ويعتبر جامعا ومرقدا الإمام الحسين وأخيه العباس (الروضتان الحسينية والعباسية) أبرز معالم فنون العمارة الإسلامية البارزة في هذه المدينة ، حيث التعامل الفني مع حلل الذهب والفضة والتشكيلات الزخرفية الرائعة من الفسيفساء والقطع الصغيرة من المرايا المزججة التي تزين الروضتين وتضفي عليهما مسحة من البهاء والروعة.

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 120

ولقد أستخدمت المقرنصات المعقدة كعنصر هام من عناصر الزخارف المعمارية وخاصة داخل الروضتين وعند المداخل الخارجية لصحنيهما.
وتميزت عمارة الروضات المقدسة بخصائص عمرانية مهمة هي فخامتها وأرتفاع جدرانها وأبوابها وأستعمال أغلى المواد البنائية المستوردة فيها كالرخام والمرمر والأخشاب النادرة.
ومن الخصائص العمرانية الأخرى التي تميزت بها المباني الدينية في كربلاء وخصوصاً عمارة المراقد المقدسة هي استعمال مواد البناء المحلية كالطابوق (الآجر) والجص والبلاط المزجج (القاشاني) الملون الذي أشتهرت مدينة كربلاء بصناعته في تزيين القباب والمآذن والجدران والعقود والمداخل وغيرها.
وتمتاز روضتا مدينة كربلاء أيضاً بقبابهما ومآذنهما المغطاة بقشرة خفيفة من الذهب والقسم الآخر منها كُسي بزخارف من القاشاني الجميل المزين بكتابات من الخط الكوفي على شكل زخارف وبكتابة الآيات القرآنية الكريمة.
وفي هذا الفصل سيتركز البحث على عمارة المباني الدينية وهو يتألف من :
  • الروضة الحسينية.
  • الروضة العباسية.
  • مراقد المعارف في كربلاء ، المقامات ، المخيم .
  • المساجد .
  • المساجد.
  • الحسينيات.
  • المدارس والمعاهد العلمية الدينية.

  • عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 121

    الروضة الحسينية

    يُعتبر جامع ومرقد الإمام الحسين (الروضة الحسينية) من أبرز معالم العمارة الإسلامية في مدينة كربلاء المقدسة ، ويضم رفات الإمام الحسين (ع) سبط الرسول الكريم (ص) ، الذي أستشهد في واقعة الطف سنة 61هـ (680م) كما أسلفنا.
    وتقع الروضة في وسط المدينة القديمة. وتمتاز بفخامتها وطرازها المعماري الإسلامي الفريد. وتعتبر أحد أهم المعالم الدينية في العراق والعالم الإسلامي. وقد مرت عمارة الروضة الحسينية بمراحل عمرانية مختلفة منذ تشييد أول بناء على القبر وإلى يومنا هذا ، وفيما يلي أهم المراحل:

    العمارة الأولى

    إن أول بناء أقيم على قبر الإمام الحسين (ع) بعد واقعة الطف كان من قبل المختار بن أبي عبيدة الثقفي سنة 66هـ (686م) ، أي بعد قرابة خمس سنوات على أستشهاد الإمام الحسين (ع) ، فقد شيد عليه في هذه الفترة بناء مسقف ومسجد كان له بابان أحدهما نحو الجنوب والآخر نحو الشرق. والبناء تعلوه قبة من الطابوق (الآجر) تعتبر أول قبة شيدت في الإسلام(1).

    (1) محمد حسن مصطفى الكليدار : مدينة الحسين ، ص : 20.
    د. عبد الجواد الكليدار : تاريخ كربلاء وحائر الحسين ، ص : 81.
    د. رؤوف محمد علي الأنصاري : مجلة النور ، العدد 61/ ص : 3 ، لندن 1417هـ (1996م ) .
    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 122

    ويذهب بعض المؤرخين إلى أن أول قبة بُنيت في الإسلام هي قبة مسجد الصخرة في مدينة القدس الشريف التي شيدها عبد الملك بن مروان الأموي سنة 72هـ (691م)(1). وربما يعود ذلك إلى عدم التوسع في المصادر التي أعتمد عليها هؤلاء المؤرخون في أستنتاجهم وقلة معرفتهم بتاريخ عمران مدينة كربلاء(2) ، أو أعتبارهم العمران خاصاً بالحكم فقط. وبقي بناء المرقد الذي تعلوه القبة إلى زمن الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي هدمها في أواخر أيام حياته وكرب موضع القبر وذلك سنة 193هـ (809م)(3).

    العمارة الثانية

    أما العمارة الثانية فقد أقيمت على قبر الإمام الحسين (ع) في عهد الخليفة العباسي المأمون سنة 198هـ (813م) ، حيث أقيم بناء شامخ على القبر من الطابوق (الآجر) والجص بقي إلى سنة 236هـ (850م)(4).
    وحين تولى الخليفة العباسي المتوكل الحكم قام بهدم مرقد الإمام الحسين ثلاث مرات خلال فترة حكمه وذلك في السنوات 236هـ (850م) ، و237هـ (851م) ، و247هـ (861م)(5).

    العمارة الثالثة

    وأما العمارة الثالثة فهي التي شيدت في عهد الخليفة العباسي المنتصر بالله بن المتوكل سنة 247هـ (861م) ، حيث أقيم بناء على قبر الإمام الحسين

    (1) الشيخ طه الولي : المساجد في الإسلام ، ص : 277 ، ط1 ، دار العلم للملايين بيروت ، 1409هـ (1988م ) .
    (2) د. رؤوف محمد علي الأنصاري : مجلة النور ، العدد 61/ ص : 3 ، لندن 1417هـ (1996م ) .
    (3) السيد حسن الصدر : نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين ، ص : 27 ط2 ، مطبعة أهل البيت كربلاء 1384هـ (1965م ) . السيد محسن الأمين : أعيان الشيعة ، ج1/ ص : 627.
    (4) د. عبد الجواد الكليدار : تاريخ كربلاء وحائر الحسين ، ص : 162. نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين ، ص : 34.
    (5) أبن جرير الطبري : تاريخ الرسل والملوك ، ج9/ ص : 185 .
    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 123

    تعلوه قبة من الآجر والجص ، ولكن هذا البناء سقط سنة 273هـ (887م) وبقي المرقد مكشوفاً لمدة عشرة سنوات(1).

    العمارة الرابعة

    تجددت عمارة المرقد الشريف للمرة الرابعة من قبل الحسن بن زيد ملك طبرستان وديلم الملقب بـ (الداعي الكبير) وأخوه محمد بن زيد الملقب بـ(الداعي الصغير) ويلقبان أيضاً بجالبي الحجارة وينتهي نسبهما إلى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) ، فقد شيدا فوق القبر بناء تعلوه قبة عالية من الطابوق (الآجر) والجص ومن حول البناء سقيفتان أتخذتا كمسجد ، وأحاطاها بسور ، وقد تم الأنتهاء من البناء سنة 283هـ (896م)(2).

    العمارة الخامسة

    والعمارة الخامسة للمرقد الشريف هي التي شيدها عضد الدولة البويهي ما بين سنتي 369ـ 371هـ (980ـ 982م) ، حيث جدد عمارة المرقد وصارت تعلوه قبة مرتفعة من الطابوق (الآجر) والجص ، وشيد الأروقة من حوله وكان هناك باب في كل جانب من جوانب البناء ، وقد زين المرقد من الداخل بخشب الصاج الأحمر ، وأحاطه بصحن واسع ، يحيطه سور عال وكان يوجد لهذا السور أربعة أبواب واحد منها في كل جانب من جوانبه.
    وكذلك قام عمران بن شاهين أمير البطائح في جنوب العراق في عهد عضد الدولة ببناء المسجد والرواق الملحق بالحضرة والذي يقع في الجانب الغربي من الحرم الذي سمي بأسمه ويعرف اليوم برواق السيد إبراهيم المجاب(3).

    (1) تاريخ كربلاء وحائر الحسين ، ص : 164و 168. عبد الرزاق الحسيني العراق قديماً وحديثاً ، ص : 129.
    (2) محمد حسن مصطفى الكليدار : مدينة الحسين ، ص : 24ـ 25. تاريخ كربلاء وحائر الحسين ، ص : 168. نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين ، ص : 32.
    (3) جعفر الخياط: موسوعة العتبات المقدسة قسم كربلاء ، ص : 260. دائرة المعارف الإسلامية ، ج4/ ص : 637 =
    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 124

    العمارة السادسة

    تجددت عمارة مرقد الإمام الحسين (ع) في أوائل القرن الخامس للهجرة للمرة السادسة لأن البناء الذي شيده عضد الدولة أنهار سنة 407هـ (1017م) نتيجة سقوط شمعتين كبيرتين فأحترقت قبة المرقد والأروقة ، وظل المرقد على هذا الحال حتى أمر الحسن بن الفضل الرامهرمزي وزير الدولة البويهية بتجديد عمارة المرقد فشيد البناء من الطابوق (الآجر) والجص ، وشيد أيضاً سوراً للحائر الحسيني وهذا البناء هو الذي شاهده الرجالة أبن بطوطة وذكره في رحلته إلى كربلاء التي كانت سنة 727هـ (1327م)(1).

    العمارة السابعة

    تجددت عمارة الروضة الحسينية للمرة السابعة سنة 767هـ (1366م) بأمر من السلطان أويس بن الشيخ حسن الجلائري ، حيث أقيم بناء شامخ على القبر من الطابوق (الآجر) والجص تعلوه قبة عالية من الآجر أيضاً ، وتحف بها مئذنتان في مقدمة الحرم ، وأكمل ولداه السلطان حسين والسلطان أحمد سنة 786هـ (1384م) عمارة أبيهما ، وهي العمارة القائمة حالياً ، كما شيد البهو الأمامي للحضرة المعروف بـ(إيوان الذهب)(2).
    وقام أمين الدين مرجان ، الوالي على بغداد من قبل السلطان أويس ، في نفس الفترة ، أي سنة 767هـ (1366م) بتشييد مئذنة كانت تعرف بـ(مئذنة العبد) شيدت من الطابوق (الآجر) والجص وتقع في الجهة الشرقية من صحن الروضة الحسينية وبنى بجانبها مسجداً صغيراً(3).

    = مدينة الحسين ، ص : 25 ، 26 و28. شمس الدين محمد الذهبي : دول الإسلام ، ج1/ ص : 224 ، تحقيق فهيم محمد شاتوت ومحمد مصطفى إبراهيم القاهرة ، 1974م . Iraq & The Persian Gulf - Naval Intelligence Division, page: 537.
    (1) أبن الأثير : الكامل في التاريخ ، ج9/ ص : 295. تاريخ كربلاء وحائر الحسين ، ص : 180.
    د. صفاء خلوصي : موسوعة العتبات المقدسة لجعفر الخليلي قسم كربلاء ، ص : 199.
    (2) عبد الحسين الكليدار آل طعمة : بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ، ص : 70 71. مدينة الحسين ، ص : 32 33.
    تراث كربلاء ، ص : 43.
    (3) محمد باقر مدرس : شهر حسين ، ص : 289 290. مدينة الحسين ، مصدر سابق ، ص : 34.
    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 125

    وقد طرأت على بناء الروضة الحسينية بعض الإضافات والترميمات والتحسينات في مراحل تاريخية مختلفة وخاصة أيام الصفويين والعثمانيين والقاجاريين.
    ففي سنة 914هـ (1508م) أهدى الشاه إسماعيل الصفوي صندوقاً بديع الصنع من الفضة نصب فوق القبر الشريف ، وأمر بتذهيب حواشي الضريح ويعتبر هذا أول عهد بدأ فيه بإدخال الذهب على البناء(1).
    وفي سنة 984هـ (1576م) قام الوالي العثماني علي باشا الوندزادة بأمر من السلطان العثماني مراد الثالث بتعمير جامع الحسين وقبته المنورة(2).
    وفي سنة 1032هـ (1623م) أمر السلطان عباس الكبير الأول بصنع غطاء لضريح الإمام الحسين من الفضة ، وكسا القبة من الخارج بالبلاط القاشاني الأخضر ، وأمر بزخرفتها بقطع من الفسيفساء من الداخل(3).
    وفي سنة 1048هـ (1638م) أمر السلطان العثماني مراد الرابع بتعمير وتجديد قبة الروضة الحسينية وقد بنيت من الطابوق (الآجر) والجص وكسيت من الخارج بالجص(4).
    وفي العهد القاجاري تم طلاء قبة الروضة الحسينية بالذهب ثلاث مرات. وكان أول من قام بطلائها هو السلطان آغا محمد خان مؤسس الدولة القاجارية وذلك سنة 1207هـ (1793م ) . أما الطلاء الثاني فقد كان في عهد السلطان فتح علي شاه القاجاري وذلك سنة 1207هـ (1793م ) . أما الطلاء الثاني فقد كان من عهد السلطان فتح علي شاه القاجاري وذلك سنة 1232هـ (1817م ) . وأمرت زوجته بطلاء المئذنتين بالذهب حتى حد أسفل الشرفة.

    (1) عباس العزاوي : تاريخ العراق بين أحتلالين ، ج3/ ص : 316 ، مطبعة التفيض الأهلية بغداد 1357هـ (1937م ) .
    (2) گلشن خلفا ، ص : 208.
    (3) مدينة الحسين ، مصدر سابق ، ص : 38.
    (4) عبد الحميد الخياط: تاريخ الروضة الحسينية ، ص : 10 ، دار الكشاف للنشر والطباعة والتوزيع ، 1376هـ (1957م ) .
    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 126

    وفي سنة 1276هـ (1860م) أمر السلطان ناصر الدين شاه القاجاري بتجديد كسوة المرقد وتبديل صفائح الذهب وطلاء القبة بالذهب للمرة الثالثة ، وشيد إيوانه الكبير المعروف اليوم بـ(الإيوان الناصري)(1).
    وفي سنة 1281هـ (1864م) قام الوزير القاجاري مرزا موسى بتجديد الإيوان الذي شيده الشاه سليمان الصفوي في القسم الشمالي من الصحن الحسيني ويعرف بالإيوان الكبير الذي يتوسطه إيوان (صافي صفا) وعُرف فيما بعد بإيوان (ليلو) ثم إيوان الوزير(2).
    وإثر تصدع ظهر في الإيوان الوسطي المعروف اليوم (بالإيوان الناصري) نسبة إلى بانيه ناصر الدين شاه القاجاري والذي لم يوفق لإكمال بنائه ، قام السلطان العثماني عبد الحميد بتجديد بنائه سنة 1309هـ (1892م) ويعرف أيضاً بالإيوان الحميدي(3).
    ومنذ سنة 1354هـ (1935م) وإلى سنة 1367هـ (1947م) قامت بلدية كربلاء على مراحل على الرغم من معارضة العلماء وأهالي المدينة بتهديم الكثير من المباني الدينية التراثية التي كانت ملحقة بصحن الروضة الحسينية ومنها مئذنة العبد الشهيرة والصحن الصغير الملحق بها ، وذلك بحجة فتح شارع يحيط بالروضة. ويعتبر هذان البناءان من أجمل المعالم الاثرية الإسلامية في المدينة بالإضافة إلى تهديم معالم أخرى مهمة وهي :
    1ـ المدرسة الزينبية.
    2 الجامع الناصري.
    3 مدرسة صدر الاعظم النوري.

    (1) السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني : جولة في الأماكن المقدسة ، ص : 86.
    نور الدين الشاهرودي تاريخ الحركة العلمية في كربلاء ، ص : 20 21. شهر حسين ، مصدر سابق ، 290 و346.
    (2) سلمان هادي طعمة : تراث كربلاء ، ص : 55.
    (3)المصدر السابق ، ص : 52.
    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 127

    4ـ جامع رأس الحسين.
    5ـ مدرسة السردار حسن خان.
    6ـ مقابر السلاطين البويهيين. وغيرها من المعالم الأثرية الأخرى(1).

    وفي سنة 1356هـ (1937م) مالت إحدى المئذنتين الموجودتين في مقدمة الحرم الحسيني واللتين شيدتا في عهد السلطان أويس الجلائري هي المئذنة الغربية. فأمر السلطان طاهر سيف الدين الإسماعيلي بهدمها وتشييد مئذنة أخرى محلها من الطابوق (الآجر) والجص ، أما المئذنة الشرقية فبقيت على حالها حتى يومنا هذا.
    وقام السلطان طاهر سيف الدين أيضاً في عام 1360هـ (1941م) بطلاء المئذنتين بقشرة خفيفة من الذهب من مستوى أرضية سطح الحضرة إلى قمتها (2).
    وفي سنة 1384هـ (1964م) تبرع السيد قنبر رحيمي أحد التجار الإيرانيين بتقديم أعمدة رخامية للبهو الأمامي للحضرة المعروف بـ(إيوان الذهب) ، وفي سنة 1394هـ (1974م) تم تركيب الأعمدة الرخامية بدلاً من أعمدة الخشب القديمة التي تآكل قسم منها بسبب الرطوبة(3).
    ونتيجة لهذا التغيير ، فقد أزيل جزء جميل وأصيل من معالم الروضة الحسينية التي كانت تتميز به.
    وفي سنة 1980م أنتهى العمل من إزالة جميع الأبنية الملاصقة من الخارج لصحن الروضة الحسينية وتشييد سور خارجي يحيط بالصحن يبلغ أرتفاعه 11 ، 30 متراً ، وتتوزع فيه الأبواب (المداخل) من جميع الجهات.

    (1) تاريخ كربلاء وحائر الحسين ، مصدر سابق ، ص : 246 ، 269 ، 270.
    (2) مدينة الحسين ، مصدر سابق ، ص : 23 ، 43 ، 44. تاريخ كربلاء وحائر الحسين ، مصدر سابق ص : 266 267.
    (3) بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ، مصدر سابق ، ص : 173.
    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 128

    وصف عمارة الروضة الحسينية حالياً

    تحتل الروضة الحسينية مركز مدينة كربلاء ، وتتصل بمحيطها شوارع قديمة وحديثة أهمها الساحة الواسعة المكشوفة التي تتصل بالروضة العباسية وكذلك بشارع باب القبلة أو (شارع أبو الفهد) وشارع السدرة وشارع باب السلطانية.
    إن تخطيط وتصميم الروضة الحسينية يعتبر نموذجاً عمرانياً للروضات التي شيدت بعد ذلك ، ففي هذه الروضة سمات ومظاهر قلما نجدها مجتمعة في أبنية الاضرحة والمشاهد السابقة ، فهي تعتبر نقلة نوعية في تخطيطها ، حيث جعل الضريح والمسجد وما يحيط بهما من أروقة في كتلة بنائية واحدة وسط المساحة التي تشغلها أبنية الروضة(1).
    وأهم ما يميز بناء الروضة الحسينية ، سعتها وعظمة بنيانها وطرازها المعماري الإسلامي. وتشغل أرضاً مستطيلة الشكل طولها 125 متراً وعرضها 95 متراً ، وتتكون من أبنية الحضرة التي يتوسطها الضريح الشريف. ويحيط بالحضرة صحن واسع تطل عليه من جيمع الجهات الأواوين التي تعلوها أقواس مدببة الشكل ، وكذلك المداخل (الأبواب)(2).
    إن بناء الروضة الحسينية متين ومشيد من الطابوق (الآجر) والجص ومكسو بأروع التشكيلات الزخرفية المنفذة بالذهب والفضة والمرايا والقراميد المزججة (القاشاني) .
    أما بناية الحضرة فتحتل القسم الوسطي من الروضة. وهي على شكل مستطيل طوله 55 متراً وعرضه 45 متراً وأرتفاع جدرانه الخارجية 12 متراً.

    (1) طارق جواد الجنابي : حضارة العراق ، ج10/ ص : 320 ، دار الحرية للطباعة بغداد 1980م .
    (2) د. رؤوف محمد علي الأنصاري : جريدة الحياة ، العدد 12416/ ص : 21 ، لندن 28/25/ 1996م .
    مخطط الروضة الحسينية ، عن وزارة التخطيط دائرة التخطيط والهندسة قسم تخطيط المدن ، لسنة 23/ 7/ 1977م .
    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 129

    يتوسط قبر الإمام الحسين (ع) غرفة الضريح التي تعتبر بمثابة قلب الروضة. ويغطي القبر الشريف صندوق فضي ذو سقف ذهبي طوله 5 أمتار وعرضه 4 أمتار وأرتفاعه 3.5 متر. أما غرفة الضريح فيبلغ طولها 14 متراً وعرضها 9.73 متر. وتقوم فوقها قبة شكلها نصف كروي مدبب الرأس مرتفعة ، ترتكز على أربع دعامات ضخمة ذات مقاطع مستطيلة طول كل منها 3.50 متر و عرضها 2.50متر ، وترتفع قمة القبة حوالي 29.36 متر عن مستوى أرضية الحضرة ، تجلس على رقبة أسطوانية طويلة أرتفاعها 6 أمتار ويبلغ قطرها 11.39متر ، تتخللها نوافذ ذات عقود مدببة عددها 12 ، عرض كل منها 1.30 متر ويبن كل نافذة وأخرى مسافة 1.25 متر. أما قطر قاعدة القبة من أوسع قطر لها فيبلغ 12.22متر. وقد طُليت القبة من الخارج بقشرة خفيفة من الذهب ، عدا نطاق من البلاط القاشاني نقشت عليه الآيات القرآنية الكريمة يتوج الرقبة مخطوط بلون أبيض على أرضية زرقاء داكنة. وتكسو القبة من الداخل تشكيلات زخرفية رائعة مغطات بالكرستال وقطع من المرايا الصغيرة.
    ويحيط بغرفة الضريح أربعة أروقة كبيرة عرض كل منها 5 أمتار وطول ضلعيها الشمالي والجنوبي 40 متراً وطول ضلعيها الشرقي والغربي 45 متراً تقريباً وأرضيتها مبلطة بالرخام الابيض وقد كسيت جدرانها إلى أرتفاع مترين من الرخام نفسه ، فيما كسيت بقية الجدران والسقوف بزخارف من الكريستال وقطع من المرايا الصغيرة البديعة الصنع.
    ويبلغ أرتفاع سقف الأروقة 12 متراً. ويعرف الرواق الشمالي برواق الشاه لوجود مقبرة سلاطين الدولة القاجارية في إحدى جوانبه. وهذا الرواق على هيئة مسجد تقام فيه الصلاة. ويعرف الرواق الغربي برواق السيد إبراهيم المجاب. ويعرف الرواق القبلي برواق حبيب بن مظاهر الأسدي أحد شهداء واقعة الطف ، وذلك لوجود قبره في الجهة الغربية من هذا الرواق. ولهذه الاروقة الأربعة ثمانية أبواب تؤدي كلها إلى صحن الروضة ، الباب الرئيسي الذي

    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 130

    يقع في وسط الرواق القلبي ويعرف بباب الذهب. وتنفتح غرف هذا الرواق من الخارج على بهو واسع يتقدم هذا القسم من الحضرة ويعرف بـ(إيوان الذهب) يبلغ طوله 36 متراً وعرضه 10 أمتار. ويرتفع سقف هذا الإيوان بمستوى أعلى من بقية أجزاء هذا البناء عدا القبة والمئذنتين ويبلغ أرتفاعه 15 متراً ، ويستند على أعمدة من الرخام تعلوها أقواس مدببة. وقد كُسيت جدران الإيوان الإمامية بقشرة خفيفة من الذهب والفسيفساء والقاشاني. وعلى جانبي إيوان الذهب وإلى مسافة قليلة من فتحته الخارجية ، تقع مئذنتا الحضرة الجميلتان المطليتان من الخارج بقشرة خفيفة من الذهب وهما أسطوانيتا الشكل ويبلغ أرتفاع كل منهما عن مستوى أرضية الحضرة 33 متراً ، وعن مستوى سطح بناء الحضرة إلى أعلاها 21 متراً وقطرها 4 أمتار عند القاعدة. ويخترق جسم كل مئذنة سُلم حلزوني يتم الدخول إليه من الطابق الأرضي للحضرة ويؤدي إلى شرفة الأذان المسقفة التي تقع في النصف العلوي من المئذنة. وتستند الشرفة على ثلاثة صفوف من المقرنصات الجميلة المتراكبة.
    أما القسم العلوي من المئذنة ، والذي يعلو شرفة الأذان ، فهو اسطواني الشكل أيضاً. ويتميز بطوله ومتانته ، ولكنه أقل قطراً من جسم المئذنة ، حيث يبلغ قطره 2.15 متر ، ومتوج بقبة صغيرة بصلية الشكل ذات حافة ، مؤلفة من الفصوص المقرنصة ، وتعلوها سارية معدنية مطلية بالذهب(1).
    وتحتضن الحضرة الحسينية أيضاً ضريح الشهداء الذي يقع إلى الشرق من قبر الإمام الحسين (ع) ، وهذا الضريح يضم رفاتهم جميعاً ، يوجد في واجهته شباك فضي مصنوع بدقة متناهية ، طوله 2.60 متر وعرضه 1.40 متر.
    زينت الجدران الخارجية للروضة الحسينية بتشكيلات زخرفية رائعة من الطابوق (الآجر) والقاشاني. ويعلو الجدران شريط من القاشاني الأزرق تتخلله كتابات من الآيات القرآنية الكريمة باللون الأبيض تعكس روعة الفن المعماري

    (1) د. رؤوف محمد علي الأنصاري : جريدة الحياة ، العدد 12416/ ص : 21 ، لندن 28/ 5/ 1996م .
    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 131

    الإسلامي ، ويبلغ أرتفاع الجدران 11.30 متر. وكانت تفتح على الصحن بسلسلة من الغرف عددها 65 غرفة ، يتصدر كل منها إيوان ذو عقد (قوس) مدبب وقد زينت جدران هذه الغرف من الداخل والخارج بالفسيفساء. ومعضمها أستخدم كمقابر للعلماء والشخصيات الدينية. وتقوم فوق هذه الغرف في الطابق الإول المخازن وسطح يشرف على الصحن(1).
    وفي سنة 1980 م تم الإنتهاء من إزالة الكثير من هذه المقابر من قبل السلطات الحكومية وتحويل الغرف إلى قاعات ومخازن ومرافق(2).
    إن صحن الروضة الحسينية ينخفض مستوى أرضيته عن مستوى أرضية الرصيف الخارجي بـ2.30 متر. وهو مفتوح من عشرة أبواب كمداخل إلى الروضة قسم منها قديم والقسم الآخر أستحدث في السنوات الأخيرة ، وواجهاتها تعلوها عقود (أقواس) مدببة ومزينة بأروع التشكيلات الزخرفية القاشانية الجميلة.
    وأهم الأبواب القديمة هي :
  • باب القبلة : ويقع في جهة القبلة للروضة في منتصف الضلع الجنوبي. ويبلغ عمق مدخله 18 متراً وعرضه 5.50 متر ، وتتقدمه بوابة أرتفاعها 6 أمتار وعرضها 4 أمتار. وقد رفع هذا الباب في السنوات الأخيرة ونصب محله باب جديد. ويعتبر هذا الباب أقدم الأبواب الأخرى في الروضة الحسينية ، وتعلوه ساعة كبيرة تجلس على برج أرتفاعه من أعلى الساعة إلى مستوى أرضية الصحن 25 متراً.
  • باب الزينبية : ويقع من الجهة الغربية من باب القبلة. وقد سمي بهذا الاسم لأنه يؤدي بالخارج من الصحن إلى (تل الزينبية) ويبلغ عمق مدخله 10 أمتار.

    (1) مدينة الحسين ، مصدر سابق ، ص : 46 ، 58. كربلاء في الذاكرة ، مصدر سابق ، ص : 14 17.
    مخطط الروضة الحسينية ، عن وزارة التخطيط دائرة التخطيط والهندسة قسم تخطيط المدن. لسنة 23/ 7/ 1977م .
    (2) مخطط الروضة الحسينية ، عن وزارة التخطيط دائرة التخطيط والهندسة قسم تخطيط المدن ، لسنة 1980م .
    عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 132

    وعرضه يتفاوت بين 2.50 و 3.50 متر ، وتتقدمه بوابة أرتفاعها 4 أمتار وعرضها 3 أمتار.
  • باب السدرة : ويقع في زاوية الصحن من الجهة الشمالية الغربية. وقد سُمي بهذا الأسم تيمناً بشجرة السدرة التي كان يستدل بها الزائرون على موضع قبر الحسين ، ويبلغ عمق مدخله 13 متراً وعرضه 3 أمتار ، وتتقدمه بوابة يبلغ أرتفاعها 4 أمتار وعرضها 3 أمتار ، وقد نقل إليه باب القبلة القديم ونصب في مدخله.
  • باب الصحن الصغير (باب الشهداء) : وكان يطلق عليه أيضاً باب الصافي. ويقع في الجهة الشرقية من الصحن المؤدي إلى مرقد العباس وهو من الأبواب القديمة. ويبلغ عمق مدخله 16 متراً وعرضه 3.50 متر ، وتتقدمه بوابة أرتفاعها 4 أمتار وعرضها 3 أمتار.
  • باب قاضي الحاجات : ويُعرف أيضاً بباب المراد. ويقع في الجهة الشرقية للصحن مقابل سوق العرب وهو من الأبواب القديمة أيضاً. ويبلغ عمق مدخله 16 متراً وعرضه 3.50 متر ، تتقدمه بوابة أرتفاعها 4 أمتار وعرضها 3 أمتار.

    أما الأبواب الحديثة فهي :
  • باب رأس الحسين : وعرف بهذا الإسم لأنه يقابل موضع رأس الحسين (ع) ، ويقع بين باب الزينبية والباب السلطاني في الجهة الغربية من الصحن. وقد

    السابق السابق الفهرس التالي التالي