عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 102

عمارة كربلاء
خلال الحكمين الصفوي والعثماني

دخلت مدينة كربلاء المقدسة مرحلة عمرانية جديدة بعد أستيلاء الشاه إسماعيل الصفوي على العراق سنة 914هـ (1508م) ، حيث قام الصفويون بتعمير وتزيين المراقد المقدسة والمباني الدينية الأخرى. وساهموا بتطوير المدينة حيث شيدوا بيوتاً جديدة وجمعوا لهذا الغرض نخبة من البنائين والفنيين المهرة من أطراف البلاد الإسلامية في بناء القباب والقبب والعقود وفن تزيين العمائر بالبلاط المزجج « القاشاني » الملون وزخرفة الخشب والنقوش الجبصية واستخدام الطابوق (الآجر) في البناء بطرق فنية رائعة.
وقد جلبوا أغلى المواد البنائية ، كالرخام والمرمر والأخشاب النادرة وغيرها لإكساء العديد من المباني وزخرفتها(1).
وعند ملاحظة الطابع المعماري للأبنية الدينية في كربلاء والمدن المقدسة الأخرى في العراق والتي شيدت في العهد الصفوي ، يمكن القول بأنها جمعت بين العناصر المعمارية التي عرفت في أبنية العراق وإيران في فترات زمنية مختلفة كالإيوان الكبير ، والبهو الواسع المغطى بعقود نصف دائرية ، والفناء المكشوف الذي يتوسطه حوض ماء (نافورة)(2).

(1) د. حسين مؤنس : المساجد ، ص : 99 ، عن معالم المعرفة الكويت ، 1401هـ (1981م ) .
د. عبد الجواد الكليدار : تاريخ كربلاء وحائر الحسين ، ص : 253 254.
(2) نعمت إسماعيل علام: فنون الشرق الأوسط في العصور الإسلامية ، ص : 204 206 ، دار المعارف مصر ، 1974م .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 103

وقد تطرق الرحالة البرتغالي بيدرو تكسيرا إلى مباني مدينة كربلاء عند زيارته لها في أوائل سنة 1013 هـ (1604م) وأمتدح العمارة الجميلة فيها وقال: بأن المدينة تضم حوالي أربعة آلاف بيت بعضها ذات تصاميم جيدة ولكن معظمها من البيوت المتآكلة وبناؤها بسيط. ووصف اسواق كربلاء: بأنها مبنية من الطابوق (الآجر) وبشكل متقن(1).
أما الرحالة الألماني كارستن نيبور الذي زار كربلاء ضمن الرحلة الدنماركية سنة 1178هـ (1765م) ، فقد وصف أبنية مدينة كربلاء قائلاً: بأن معظم بيوتاتها لم تكن متينة البنيان لأنها كانت مشيدة باللبن غير المشوي ، وأن سور المدينة مبني من اللبن المجفف بأشعة الشمس. كما كان لهذا السور خمسة أبواب ، ويعتبر هذا السور هو الثالث الذي كان يحيط بالمدينة(2).
وقد أصاب الخراب مباني كربلاء عندما دخل الوهابيون المدينة سنة 1216هـ (1801م) ، وبالخصوص المراقد المقدسة والمساجد والأسواق وتهدمت الكثير من البيوت المحيطة بالمرقدين وهدموا سور المدينة أيضاً(3).
وبعد هذه الحادثة تبرع أحد ملوك الهند بإعادة بناء ما خربه الوهابيون ، فأخذ المرجع الكبير أنذاك السيد علي الطباطبائي على عاتقه سنة 1217هـ (1802م) مسؤولية إعادة بناء وترميم المراقد المقدسة والأسواق والبيوت وشيد للمدينة سوراً حصيناً تتوزع عليه الأبراج والمعاقل ، وجعل لهذا السور ستة أبواب هي :
1ـ باب الخان : وقد سُمي بهذا الأسم لوجود خان أقيم بالقرب من السور.

(1) The Travels of pedro Teixeira, second series, No IX, page: 51.
(2) Niebuhr, Carsten: Voyage en Arabic et.
ترجمة جعفر الخياط : موسوعة العتبات المقدسة ، ص : 286 290 قسم كربلاء
(3) John L. Esposito: Modern Islamic World, Volume 2. pahe: 399.

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 104

2ـ باب الطاق: وقد سُمي بهذا الإسم نسبة إلى طاق (قوس) إبراهيم الزعفراني أحد رجالات كربلاء الذين قاوموا الأتراك.
3ـ باب بغداد: وهو الباب الذي يمر منه المسافرون إلى بغداد.
4ـ باب النجف:وهو الباب الذي يمر منه المسافرون إلى مدينة النجف الأشرف.
5ـ باب السلالمة : سُمي بهذا الإسم نسبة إلى المنطقة التي سكنتها عشيرة (السلالمة) فعرف بأسمها.
6ـ باب المخيم: سُمي بهذا الأسم تيمناً بوجود المخيم الحسيني (وهو الموقع الذي خيم فيه الإمام الحسين (ع) مع أهله عند وصوله كربلاء)(1).
وقد أصاب الخراب قسماً من مباني مدينة كربلاء على يد قوات الوالي العثماني نجيب باشا إثر حملته على المدينة سنة 1258 هـ (1842م) ، وقد تهدم قسم من سور المدينة(2).
ومن الذين زاروا كربلاء وأشادوا بعمرانها المستشرق والرحالة الروسي إيليا نيكولا بيرزين وذلك في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي ، حيث وصل البصرة منتصف عام 1843م .
وتكتسب زيارة (بيرزين) إلى كربلاء أهمية كبرى كونها تمت إثر (حملة نجيب باشا) الدامية أوائل عام 1843م ، تلك الواقعة التي نتجت عن أنتفاضة المدينة المقدسة ضد السلطات التركية.

(1) سلمان هادي طمعة : كربلاء في الذكرة ، ص : 21 22 ، مطبعة العاني بغداد ، 1988م .
(2) موسوعة العتبات المقدسة ، قسم كربلاء ، ص : 276 .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 105

وقد أورد (بيرزين) في دراسة له عنوانها (كربلاء) نشرها في مجلة (دراسة الأرض والرحلات) (موسكو 1858م) حول أبنية كربلاء ، عدة ملاحظات عيانية قائلاً: توازي مدينة كربلاء بسعتها مدننا التي هي مراكز أقضية ، أما عدد السكان فهو أكثر بكثير مما عندنا ، وذلك لأن الشوارع في البلدان الشرقية أضيق بكثير من أزقتنا ، والبيوت تبنى غالباً متلاصقة الواحدة بالأخرى ، ولا وجود للساحات والميادين في المدينة ، ويحيط بها سور من الطابوق المجفف بأشعة الشمس ، ويتألف من صفين ، الصف العلوي يكون بمثابة مدارج ومشارف ، وأما الصف السفلي فيتكون من أقسام أمامية خالية ومكشوفة يفصل بعضها عن البعض بالحواجز ، وتكون هذه الفروع أحياناً مأوى للفقراء الذين لا سكن لهم ، كما هي الحال في بغداد تماماً(1).
وقد وصف عمارة مدينة كربلاء عالم الآثار الإنكليزي (لوفتس) عند زيارته لها سنة 1270هـ (1853م) وقال: بأن هناك الكثير من الأبنية مشيدة خارج أسوار المدينة ، ويستدل من ذلك أن المدينة أخذت بالتوسع عند زيارته لها.
وكذلك ذكر بأنه يوجد عدد من الأكوار المعدة لصنع الطابوق (الآجر) في ضواحي المدينة ، ويستدل من ذلك أيضاً أن صناعة الطابوق بدأت تنتشر حول المدينة. وذكر أيضاً أن كثيراً من البيوت قد تهدمت نتيجة حملة نجيب باشا على كربلاء(2).
وممن زاروا مدينة كربلاء أيضاً الرحالة البريطاني (جون أشر) ، وكان من علماء الآثار وعضو الجمعية الجغرافية الملكية في لندن. وقد وصل كربلاء عن طريق مدينة المسيب سنة 1281هـ (1864م) ، وأعجب بالبساتين الممتدة على جانبي نهر الحسينية.

(1) إيليا نيكولا بيرزين : مجلة دراسات الأرض والرحلات ، موسكو 1858م .
(2) William Kennet Loftus: Travels and Researches In Chaldaea and Susiana. page: 65,66.
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 106

وقد أُعجب (أشر) بكربلاء كثيراً ، حيث قال: أنه لم يشاهد فيها معالم الركود والأنحطاط التي تميزت بها معظم مدن العالم الإسلامي المعروفة في عصره ، فلاحظ أن كل شبر فيها من الأرض كان مشغولاً بالبيوت المتراصة أو كانت في مرحلة التشييد(1).
وقد توسعت مدينة كربلاء عمرانياً في عهد الوالي العثماني مدحت باشا ، وذلك عند زيارته للمدينة سنة 1285هـ (1868م) ، حيث أمر بهدم قسم من سور المدينة من الجهة الجنوبية الغربية وتوسيع المدينة بإضافة قسم آخر إليها سُمي بمحلة العباسية التي قسمت بدورها إلى قسمين يُعرفان بالعباسية الشرقية والعباسية الغربية ، ويفصل بينهما شارع العباس ، فأصبحت لمدينة كربلاء ثمانية أطراف (محلات) ، ستة أطراف منها سُميت بأسماء أبواب سور المدينة وهي :
1ـ محلة باب الخان : وتقع إلى الجانب الشرقي من المدينة.
2ـ محلة باب الطاق: وتقع إلى الجانب الغربي من المدينة جنوب محلة باب السلالمة.
3ـ محلة باب بغداد: وتقع إلى شمال المدينة بأتجاه الذاهب إلى بغداد.
4ـ محلة باب النجف: وتقع في وسط المدينة بين الروضتين الحسينية والعباسية وكانت تعرف بباب المشهد.
5ـ محلة باب السلالمة : وتقع إلى شمال المدينة ، غرب محلة باب بغداد.
6ـ محلة المخيم: وتقع في الجانب الغربي من المدينة وجنوب محلة باب الطاق.
7ـ محلة العباسية الشرقية : وتقع إلى الجنوب الشرقي من المدينة وإلى الشرق من شارع العباس.

(1) John Usssher. F.R.G.S.: A Journey frorm London to persepolis. pages: 458, 459 .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 107

8ـ محلة العباسية الغربية : وتقع إلى الجنوب الغربي من المدينة وإلى غرب شارع العباس(1).
ومن الذين اشادوا بعمران مدينة كربلاء عالم الآثار والرحالة الأمريكي جون بيترز عند زيارته للمدينة سنة 1309هـ (1890م) ، ومما قاله: أن كربلاء تقع على حافة السهل الرسوبي الخصب الذي يتصل بهضبة الجزيرة العربية ، ويبلغ عدد نفوسها حوالي ستين ألف نسمة ، ويبدو أنها بلدة مزدهرة. أما القسم الجديد منها الذي أنشئ خارج السور القديم ففيه شوارع واسعة وأرصفة منتظمة بحيث تبدو كأنها مدينة أوروبية. وقال كذلك: مع أن سور المدينة القديم مهدم فأن أبوابه (مداخله) كانت لا تزال قائمة(2).
وممن وصفوا عمران مدينة كربلاء عمانوئيل فتح الله عمانوئيل عندما زار المدينة سنة 1329هـ (1911م) وقال: أن كربلاء الجديدة ويقصد بها منطقة العباسية بطرفيها التي أنشأها الوالي العثماني مدحت باشا ذات طرق واسعة وفسيحة. وتضم كربلاء مساجد جميلة وفنادق كثيرة وقصوراً شاهقة ودوراً قوراء ، وهذا يدل أن المدينة في تلك الفترة كانت مزدهرة من الناحية العمرانية. ويقول ايضاً بأن كربلاء كانت من أمهات مدن ديار العراق في تلك الفترة.
ويذكر كذلك بأن الطراز المعماري لأبنية القسم القديم من المدينة يختلف عن القسم الجديد وأزقته ضيقة وكذلك شوارعه(3).
وفي سنة 1918م وصفت مدينة كربلاء بأنها تتكون من جزئين : الجزء الأول يمثل المدينة القديمة والجزء الثاني يمثل الحي الجديد الذي يقع إلى الجنوب والجنوب الغربي.

(1) سلمان هاي طعمة : تراث كربلاء ، ص : 99ـ 100.

(2) John punnett peters: Noppur or Explorations and Adventures on the Euphrates 1880 - 1890. page: 331, Volume II - second campaigu. 1897.

(3) عمانوئيل فتح الله عمانوئيل: مجلة لغة العرب ، ج5/ ص : 157ـ 159 ، 1329هـ (1911م ) .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 108

وتحاط المدينة القديمة من ثلاث جهات بسور شيد من الطابوق (الآجر) يبلغ أرتفاعه ، 20 30 قديم تقريباً ، وموزعاً عليه 25 برجاً. وللسور خمسة أبواب (مداخل) ، أما الجهة الرابعة فمفتوحة بأتجاه الحي الجديد.
كما لوحظ أن الشوارع والأزقة في المدينة القديمة ضيقة ومتعرجة أحياناً ، والابنية متراصة وخاصة بين مرقدي الإمام الحسين وأخيه العباس (ع) ومحيطهما. وتنشر العديد من الدكاكين (المحلات التجارية) على طول الطريق الذي يربط المرقدين.
أما الحي الجديد ، والذي يلاصق المدينة القديمة ، فقد شيد على شكل مستطيل وشوارعه مقسمة عمودية وأفقية مفتوحة يترواح عرضها 20 30 قدماً ، ويضم هذا الحي ابنية حديثة ، كسراي الحكومة ، ودائرة البلدية ومدرستين جديدتين ومستشفى صغير ذي 80 سريراً ، ومراكز للشرطة(1).
وخلال فترة الأنتداب البريطاني ، أنتشرت في بعض مباني مدينة كربلاء مفردات فنون العمارة العراقية بصورة ملفتة للنظر كزخرفة الخشب (الشناشيل أو المشربيات) والتي يعود تاريخها إلى العصور الإسلامية الأولى ، وذلك عندما أستقدمت القوات البريطانية الهنود المهرة والفنيين الذين أبدعوا في صناعة الأعمال الخشبية وزخرفتها(2).

(1) Geographical Handbook Series, Iraq and the persian Gulf, page: 357, September 1944.

(2) محمد صادق الكرباسي : دائرة المعارف الحسينية ، باب مدينة الحسين ، تحت الطبع.
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 109

مخطط مدينة كربلاء سنة 1918 م
المدينة القديمة القسم الجديد الذي شيد في زمن مدحت باشا . سنة 1868م


منظر جوي لمدينة كربلاء سنة 1918 م

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 110

عمارة كربلاء
منذ تأسيس الدولة العراقية سنة 1931 م

بعد قيام الدولة العراقية سنة 1921م ، ونظر لموقع مدينة كربلاء الديني والسياحي والجغرافي ، بدأ العمران في هذه المدينة بأخذ منحى جديداً كسائر المدن العراقية الكبيرة. فقد أنتقلت إليها أساليب جديدة في التصميم والبناء وأنماط وعناصر المفردات المعمارية الغربية ، وخاصة في الابنية التي أستحدثت خارج حدود المدينة القديمة. وكانت أقرب المصادر المعمارية هي إنكلترا نظراً لتأثيرها الملموس في تلك الفترة التاريخية من العراق.
بدأ تخطيط المناطق الجديدة من مدينة كربلاء بالأبتعاد عن الأزقة الضيقة والطرق الملتوية التي تميز بها الجزء القديم منها وخاصة في المناطق المحيطة بالروضتين ، وكان ذلك بحكم ظروف الحروب والغارات التي كانت تتعرض لها المدينة. ولأول مرة أستعملت في المباني الجديدة مواد بناء كالأسمنت والحديد وخاصة حديد الشيلمان (I Beam) الذي استعمل بكثرة في تسقيف البيوت والأبنية الأخرى بدلاً من أخشاب جذوع النخيل وألواح جذوع الحور (القوغ) وبعض الأخشاب الأخرى ، خصوصاً في القسم الجديد من المدينة والذي تم تخطيطه في عهد الوالي العثماني مدحت باشا.
وقد أعيد بناء تلك المباني مرة أخرى ، نتيجة لتشييدها على أرض سبخة تنز فيها المياه مما أدى إلى أنهيارها. وكان سبب ذلك وجود مستنقع كبير يحيط

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 111

بمدينة كربلاء من الناحية الجنوبية والجنوبية الشرقية وعلى طريق كربلاء الحلة(1).
وقد حافظت البيوت والمباني داخل محيط مدينة كربلاء القديمة على النسيج العرماني والطابع المعماري الخاص بالمدينة ، إذ كانت منخفضة وذات طابق واحد إلى طابقين بحيث تلائم طبيعة وبساطة العادات الأجتماعية والوضع الأقتصادي والبيئي. وكذلك لا تتعدى أرتفاعاتها أرتفاع السور الخارجي لصحني الروضتين الحسينية والعباسية والتي ظلت على ما هي عليها منذ قرون عديدة وذلك حرمة لمكانة المرقدين.
وفي هذه الفترة أشتهرت مدينة كربلاء ببعض العمائر البارزة اشهرها رباط الهنود (الإسماعيلية) المعروفين بـ(البهرة) ، وكذلك بناية دائرة الماء والكهرباء ودائرة الحكومة ودائرة البرق والبريد بالإضافة إلى بعض المكتبات ومبنى البلدية الذي كان موقعه في الميدان القديم ، وكذلك الاسواق التراثية والعديد من الخانات التي كانت تستقبل التجار والزائرين للسكن فيها(2).
وفي مركز مدينة كربلاء ، حيث تكون الروضتان موقع تجمع سكان المدينة ومحور حياتهم ، كانت الأسواق تحيط بالروضتين والمباني الدينية الأخرى ، وتمتد أمام مداخلها بحيث لا يمكن للزائر إلا أن يمر من خلالها. وتمتاز هذه الأسواق ببساطة بنائها وطابعها المعماري الإسلامي.
ومن أهم هذه الأسواق وأشهرها سوق الحسين ، وسوق العرب ، وسوق المخيم ، وسوق العباس ، بالإضافة إلى القيساريات التي كانت موزعة ضمن الأسواق(3).

(1) عبد الرزاق الحسيني : موجز تاريخ البلدان العراقية ، ص : 63 64. سلمان هادي طعمة : تراث كربلاء ، ص : 96.
د. خالد السلطاني : دراسة في عمارة العراق ما بين الحربين ، آفاق عربية ، عدد 10/ ص : 62 85 ، سنة 1980م .
(2) عبد الرزاق الحسني : العراق قديماً وحديثاً ، ص : 126. تراث كربلاء ، مصدر سابق ، ص : 102.
(3) د. عماد عبد السلام رؤوف: حضارة العراق ، ج10/ ص : 184ـ 185. تراث كربلاء ، مصدر سابق ، ص : 102.
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 112

ومنذ سنة 1354هـ (1935م) وإلى سنة 1367هـ (1948م) بدأت بلدية كربلاء ، وعلى مراحل العمل على فتح الشارع المحيط بصحن الروضة الحسينية بحجة تنظيم حركة المرور وسير الزوار. وبسبب التخلف في الرؤية العمرانية والفنية والفكرية من قبل المسؤولين أنذاك ، فقدت مدينة كربلاء ، نتيجة هذا المشروع ، أجمل آثارها العمرانية الإسلامية التي كانت جزءاً من صحن الروضة الحسينية والتي ظلت شاخصة قرون عديدة ، ومن أهما مئذنة العبد الشهيرة التي كانت تعتبر أحد أجمل الصروح المعمارية في المدينة ، وكذلك الصحن الصغير الملحق بها وبعض المعاهد والمدارس الدينية والجوامع(1).
وقد كان بالأمكان تلبية تنظيم متطلبات حركة المرور وتنظيمها وتطويرها وتجنب ما حدث من هدم وتشويه ، وذلك باتباع دراسة تخطيطية علمية سليمة بحث تهدف إلى الحفاظ على الأبنية الدينية والتراثية في المدينة(2).
نشر جاك بيرك وهو مستشرق فرنسي سنة 1398هـ (1978م) أنطباعاته عن رحلته إلى كربلاء في كتابه (من الفرات إلى الأطلسي) والتي تمت في فترة سابقة لم يحددها ، ولكن على ما يبدوا أنه زارها في العهد الملكي ، حيث يقول: (كربلاء هي مركز لواء عدد نفوسه 217 ألف نسمة ، منهم 80% من الحضر ، وتضم المنطقة نفسها مدناً شهيرة مثل النجف والكوفة ، وتقع على بعد 102 كلم إلى الجنوب الغربي من بغداد. فيها أراض زراعية غنية وتليها مباشرة المنطقة الصحراوية. وتمتد قناة الحسينية بمحاذاة نهر الفرات على اليسار ، وهي إحدى اعمال المهندس الهندي المعروف وأيلكوكس الذي أدار فيما بعد الأعمال الهندسية في مشروع أسوان بمصر) .
ويتحدث بيرك عن عمران مدينة كربلاء حيث يقول: (إن المدينة تتشابه مع باقي المدن العراقية الأخرى في طريقة البناء ، حيث تنتشر البيوت البارزة

(1) د. عبد الجواد الكليدار : تاريخ كربلاء وحائر الحسين ، ص : 177 ، 240 ، 244 ، 246.
محمد حسن مصطفى آل كليدار : مدينة الحسين ، ص : 35 36.
(2) د. رؤوف محمد علي الأنصاري : مجلة النور ، العدد 39/ ص : 6 ، لندن أكتوبر 1993م .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 113

والشرفات الزجاجية المسندة بقوائم خشبية بسيطة (الشناسيل) ، وإلى جانب هذه البيوت التقليدية هناك أيضاً الأحياء السكنية المبنية بالأسمنت المسلح ، وهي بيوت يسكنها الموظفون والضباط(1).
وفي سنة 1954م بدأ العمل بتنفيذ بناء (حي الإسكان) من قبل الحكومة والذي خصص لموظفي الدولة ويقع إلى الجنوب الغربي من مركز المدينة على بعد ثلاثة كيلو مترات تقريباً(2).
وفي سنة 1955م أستحدث متصرف كربلاء السيد حسن السعد (حي الحسين) الذي يقع إلى الجنوب الغربي من مركز المدينة على بعد 3 كلم على طريق كربلاء النجف الجديد وملاصقاً لحي الإسكان ، ويعتبر هذا الحي من الأحياء الحديثة الموجودة حالياً في كربلاء وأوسعها ، وقد خطط بطريقة دائرية يتوسطه فندق كربلاء السياحي وتتوزع فيه المناطق الخضراء(3).
وفي السيتينات أستحدثت أحياء جديدة منها (حي المعلمين) سنة 1960م والذي يقع إلى الغرب من مركز المدينة على بعد 4 كلم تقريباً ، و(حي البلدية) سنة 1961م والذي يقع في المنطقة المحصورة بين شارع حي الحسين وشارع المستشفى القديم ، وكذلك (حي العباس) سنة 1964م والذي يقع على طريق كربلاء بغداد الجديد ويبعد حوالي 3 كلم عن المركز.
وفي بداية السبعينات ونتيجة لأزيادة عدد سكان مدينة كربلاء ونزوح مجاميع سكانية كبيرة من المناطق المحيطة بالمدينة وبعض المدن والقرى الأخرى ، أخذت المدينة بالتوسع أفقياً خارج محيطها القديم فأستحدثت أحياء جديدة تقع أغلبها في الجهة الغربية والجهة الجنوبية الغربية من المدينة منها: (حي

(1) Jacques Berque: De I Euphtare a I Atlas. paris. Sindbad, 1978.
(2) عن أرشيف بلدية كربلاء ، سنة 1959م .
(3) عن أرشيف بلدية كربلاء ، سنة 1959م .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 114

الحر » و « حي العامل » و« حي النقيب » و« حي الإصلاح الزراعي » و« حي الجمعية » سنة 1970م ، و« حي رمضان » و« حي الأسرة » و« الملحق » و« حي الصحة » و« حي البنوك » سنة 1975 و« حي الموظفين » سنة 1976م ، و« حي سيف سعد » سنة 1977م ، « حي العروبة » و « حي الثورة » سنة 1978م(1).
وفي سنة 1978م بدأ التخطيط لتنفيذ مشروع شارع المشاة بعرض (40) متراً والذي يربط الروضتين الحسينية والعباسية وأنتهى العمل فيه سنة 1980م . وقد تسبب هذا المشروع في تشويه الطابع المعماري الجميل لمركز مدينة كربلاء بصورة ملفتة للنظر ، وجاء مقترناً بعدم الألتفات إلى الأصالة الحضارية للبيئة الإسلامية التي تتميز بها هذه المدينة وكذلك نسيجها العمراني ، مما أدى إلى تهديم الكثير من معالم العمارة الإسلامية البارزة فيها ، كجزء من سوق الحسين الشهير ، وجامع الصافي ، ومدرسة بادكوية الدينية ، ومدرسة حسن خان ، والبيوت التراثية الجميلة وغيرها. وشيدت على جانبي شارع المشاة مبانٍ غير منتظمة ومن غير دراسة وتخطيط مسبق وبدون تفهم لطابع المدينة العمراني الإسلامي(2).
ونتيجة لإزدياد وتدفق مجاميع بشرية جديدة أخرى من القرى والأرياف وبعض المدن العراقية الأخرى بسبب الحرب العراقية الإيرانية سنة 1980م ، بلغ عدد سكان مدينة كربلاء سنة 1985م (184 ، 574) ألف نسمة(3). بعد أن كان عدد سكانها سنة 1971م (102 ، 213) ألف نسمة(4) ، أي بلغت نسبة الزيادة خلال 14 سنة 81%. وهذا يقتصر على المدينة وليس على أقضيتها ونواحيها كمحافظة.
ومن جانب آخر ، ونتيجة لتوسع بعض شوارع المدينة مثل شارع باب القبلة (أبو الفهد) ، وشارع السدرة ، وشارع الجمهورية ، وفتح شوارع جديدة داخل

(1) المعلومات أخذت عن أرشيف بلدية كربلاء وذلك في سنة 1995م . كربلاء في الذاكرة ، مصدر سابق ، ص : 64 65.
(2) د. رؤوف محمد علي الأنصاري : مجلة النور ، العدد 39/ ص : 6 ، لندن أكتوبر 1993م .
(3) دائرة المعارف البريطانية ، ج6/ ص : 741.
(4) عن نشرة محافظة كربلاء (أضواء كاشفة على محافظة كربلاء) ، ص : 25 ، لسنة 1971م .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 115

المدينة مثل شارع باب السلطانية ، وشارع المحيط ، لذلك فقدت الكثير من العوائل مساكنها ، ولم تعد مدينة كربلاء بوضعها الموجود قادرة على أستيعاب هذا العدد الكبير من السكان وبناء مساكن إضافية جديدة فيها ، فأخذت المدينة مرة أخرى تتوسع أفقياً خارج محيطها القديم والجديد من الجهة الغربية والجنوبية الغربية بوجه خاص ، فأستحدثت أحياء جديدة أخرى وهي : (حي الأنتصار) و(حي البهادلية) سنة 1980م ، و(حي العسكري) بقسميه في الحر وخلف الطاقة سنتي 1980 ، و1983م ، و( حي الضباط) و (حي الشهداء) سنة 1983م ، و (حي السلام) سنة 1989م ، و(حي الصمود) سنة 1990م ، و(حي التحدي) سنة 1992م ، وكذلك (حي التعاون) سنة 1992م(1).
وتفتقد معظم الأحياء الجديدة في كربلاء إلى أبسط مقومات الحياة المدنية التي تتميز بها الأحياء السكنية الجديدة في الدول الأخرى ، كوجود مراكز تجارية وأسواق شعبية حديثة ، والمراكز الحكومية كدوائر البلدية والصحية والمواصلات ، وكذلك المراكز الأجتماعية والثقافية وملاعب الأطفال والساحات الرياضية والمناطق الخضراء.
وتتميز مباني هذه الأحياء بأنها شيدت بأسلوب وطراز معماري يختلف عن البناء القديم السائد في مدينة كربلاء القديمة. فقد أندفع فيه البناؤون إلى النقل والتقليد العمراني الحديث دون الألتفات إلى البيئة العمرانية الأصيلة للمدينة ، مما أدى إلى أن تفقد مباني الأحياء الجديدة جزءاً من خصائصها العمرانية.
ولعل ما قام به النظام البائد بعد أنتفاضة أهالي المدينة في آذار 1991م من تهديم لمساحات واسعة لمركز مدينة كربلاء (ما بني الروضتين وما يحيطهما) يمثل ذروة التخريب المتعمد. فأزيلت جميع المعالم العمرانية الإسلامية المميزة ، مما أدى إلى فقدان المدينة للكثير من تراثها العمراني الذي كانت تحفل به كالمساجد والمعاهد والمدارس الدينية والحسينيات والأسواق والقيساريات والبيوت

(1) عن أرشيف بلدية كربلاء سنة 1995م . كربلاء في الذاكرة ، مصدر سابق ، ص : 64ـ 65 .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 116

التراثية الجميلة(1). وتحولت المنطقة الواقعة بين الروضتين إلى ساحة واسعة يبلغ طولها 350 متراً وعرضها 160 متراً(2).
وفي بداية سنة 1997م بدأت بلدية كربلاء بتبليط أرضية الساحة الواسعة (ما بين الروضتين) بالكونكريت وزرعت أجزاء منها بأشجار النخيل ، وتم منح رخص لبناء فنادق حول هذه الساحة من دون وضع دراسة للمركز من الناحية التخطيطية والتصميمية ، وعدم أعتماد الطرق الهندسية لتحسين المنطقة. وكذلك تم تشييد مبان تحيط بالمكز لا تتوافق مع فنون عمارة المرقدين والنسيج العمراني للمدينة القديمة.
إن شق الشوارع خلال العقود الماضية بشكل متعسف في مركز المدينة ، وتدمير مساحات واسعة ، وإزالة المباني الدينية والتراثية ، بحجة إعادة تطوير المنطقة ، أدى إلى تهشيم كيانها المتحد وتجزئته إلى أجزاء متفرقة تفتقر إلى وحدة الترابط العمراني والإجتماعي المميز لها ، والذي تبلور عبر قرون عدة. وكذلك إضعاف هيبة ومكانة الروضتين وحرمتهما ضمن المحيط العمراني غير المتجانس . وكذلك إلغاء كافة الأنشطة الحيوية والتجارية والتي كانت متمثلة بالأسواق والمحلات التجارية.
وقد أقيمت خلال السنوات الماضية العديدة من الأبنية في محيط الروضتين والساحة الواسعة الواقعة بينهما ، يشكل القسم الأكبر منها فنادق صغيرة ومتوسطة الحجم شيدت بشكل مشوه وهجين ولا علاقة له بالتراث والأصالة والطابع المعماري الإسلامي الذي تميزت به المدينة ولعدة قرون.
وفي شهر نيسان (أبريل) 2006م تم تشكيل لجنة هندسية في محافظة كربلاء مهمتها وضع الشروط الخاصة بمشروع التصميم الأساسي الجديد لمدينة كربلاء المقدسة لدعوة المكاتب الأستشارة الهندسية العراقية والدولية لتقديم عروضها لإعادة تخطيط المدينة وفق خصائصها ومزايتها الأصلية.

(1) الأمم المتحدة المجلس الأقتصادي والأجتماعي لجنة حقوق الإنسان ، الدورة 49/ ص : 52 ، 53 ، بتاريخ 6/ 1/ 1993م .
(2) حسب مخطط مدينة كربلاء لعام 1992م ، عن أرشيف بلدية كربلاء .
عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 117


مخطط مدينة كربلاء

عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية 118


صورة جوية لمدينة كربلاء سنة 1970م


صورة جوية لمدينة كربلاء سنة 2006م


السابق السابق الفهرس التالي التالي