عبقرية مبكرة لأطفالنا 215

وأدب الأطفال يهدف إلى ربط الطفل بمختلف عناصر الثقافة المميزة لمحيطه، وأيضاً بمختلف العناصر الإنسانية المشتركة بين الثقافات وذلك كخطوة على طريق المساعدة على تطوير قدراته المعرفيه (تفكير، ذكاء تعلم، ذاكرة . . . الخ» ص 127.
الزاوية الخامسة: القصة تقرب بين المربي والطفل.
عندما يقوم المربي ـ سواء كان الأم أو الأب ـ بحكاية القصص والحكايات لطفل، ويجلس الطفل كتلميذ يستمع إلى القاص بكل إنصات واهتمام، فإن هذه الحالة تولد شعوراً عظيماً للطفل اتجاه هذا المربي الذي يجلس مقابله بالحب والعطف، وذلك لأنه يمثل له قدراً كبيراً من الاهتمام به وبعالمه. وهذا واضح بالوجدان حيث إننا نلاحظ الأطفال يحومون حول كل من يلقي إليهم بالقصص ويتهافتون حوله وإنه يمثل لهم شخصية محبوبة، بل إن أسلوب حكاية القصص هو أقرب الأساليب إلى قلوب الأطفال والسيطرة عليهم. كما أن تجاذب الأحاديث بين الطفل والمربي يعطي صورة واضحة للمربي عن طريقة تفكير الطفل ومنها يستطيع أن يصحح أي خلل في فكره، ويدعم أي فكرة تحتاج إلى تدعيم. وقد مر أن التصابي مع الصبي يفيد الطفل والمربي بما لا مزيد عليه فراجع هناك.
الزاوية السادسة: كيف تحكى القصة للطفل؟
هناك عدة نقاط يجب أن تلاحظ وتراعى في طريقة إلقاء أي قصة لأي طفل وهي كالتالي:
1 ـ لابد أن تكون القصة تحمل هدفاً تربوياً حتىتنمي فيه شيئاً ما .
2 ـ أسلوب القصة وطريقة طرحها لابد أن يكون موافقاً لذهن الطفل حتى يستوعبها ويدرك فائدتها.

عبقرية مبكرة لأطفالنا 216

3 ـ أن يسعى القاص في تطعيم القصة بالمسائل العلمية والأخلاقية والاجتماعية؛ حتى يتعلم شيئاً جديداً ويكسب معارف لم يتعلمها من قبل.
4 ـ لابد أن تجنب الطفل من سماع القصص السلبية التي فيها أثر الانهزام وتهبيط العزائم.
لا تعط الطفل أي قصة مكتوبة أو مسموعة إلا بعد التحقق مما فيها من أفكار؛ فقد تكون أفكار مسمومة أو منحرفة. لذا يجب على المربين من التحقق من كل أمر يصل إلى الأطفال ليعرف أثره عليهم قبل أن يؤثر بهم سلباً.
5 ـ عندما تحكى للطفل اي قصة يجب أن يكون ابطالها رموزاً حقيقيين حتى يقلدهم الطفل ويحتذي بهم ، أو أن يكونوا قريبين من الحقيقيين حتى يتفاعل معهم .
6 ـ في طريقة حكاية القصة للطفل يجب أن يركز القاص على الأفكار المهمة من خلال إعادة الجمل وتكرارها حتى ترسخ في ذهن الطفل. كما يلزم الاستفادة من الحركات ونبرات الصوت لتعميق هذا المعنى.

عبقرية مبكرة لأطفالنا 217

الأسلوب الثاني: التنظيم العمليات العقلية

إن الجواب عن سؤال يحير الكثير قد يكون هو مفتاح السر الذي نطلبه في هذا البحث. والسؤال هو : ما هو سر اختلاف تصرفات البشر؟ لماذا نحب هذا ونكره ذاك؟ لماذا نقدم على فعل معين في وقت ونفس هذا الفعل لا نقبله في وقت آخر؟ لماذا نجد البعض يقدم على مخاطرة تعرض روحه للخطر في حين نجد أن شخصاً لا يقدم على أمر لا خطر فيه، بل يعتريه الخوف؟
وأسئلة كثيرة تقف أمامنا فالبشر هم البشر والناس هم الناس. إذاً لماذا هذا الاختلاف؟
وفي الجواب عن ذلك نقول:
إن تفاعل الإنسان مع أي أمر راجع إلى طريقة تفكيره وتحليله لهذا الأمر الذي يواجهه، وهذا راجع إلى المعلومات التي اختزنها في عقله وتحولت جزءاً منه فيكون فعله أثراً لهذا الاتحاد، وكما ذهب الفلاسفة والعلماء إلى أن المعلوم يتحد مع العالم بحيث يصير وجوداً واحداً في مرتبة من المراتب الوجودية. وإذا أردنا أن نتحكم في شخصية أي إنسان فإننا في المقام الأول يجب أن نتحكم في المركز المحرك له الذي من خلاله يصدر الأوامر إلى بقية الجسد، فيستجيب الجسد لهذه الأوامر ألا وهو العقل. ونحن نحاول أن نبين كيف يمكن أن نتصرف في عقل أي إنسان بحيث نوجهه حيث يجب. وعندما نلاحظ الإنسان فإننا يمكن أن نشاهده بحالتين:
الحالة الأولى: كون العقل في أول نشوئه.

عبقرية مبكرة لأطفالنا 218


الحالة الثانية: يكون العقل قد اختزن بعض المعلومات. وهذه الحالة يمكن أن نلاحظها بلحاظين: أن تكون المعلومات التي اختزنها الإنسان معلومات نافعة مفيدة، أو أن تكون معلومات غير صحيحة.
أما الحديث عن اللحاظ الأول: وهو كون العقل في بداية نشوئه، هناك نظريات كثيرة تتحدث عن كيفية حصول المعلوم لدى العالم هل هي بنوع الإشراق أم الإضافة أم غير ذلك وليس هذا بحثنا. ولكن الحق أن الإنسان أول ما يولد يكون في حالة الجهل المطلق وهو خالي من كل معلوم، وصفحة ذهنه صافية، ولذلك قال الله تعالى: « والله أخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون» (1).
وهذا يعني أنه متى توجه إلى الطفل الصغير بالشكل المطلوب واعتنى به بالكيفية اللازمة كانت حياة هذا الطفل بأفضل صورة وأحسن حال، لا سيما إذا اعتنى بالمعلومات التي يجب أن يتعلمها وأن يعرفها؛ فإن كانت تلك المعلومات لها آثار إشراقية فإن نفس العالم سيكون مشرقاً بها متكاملاً نحو الكمال المطلوب منه. ومن هنا نجد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله يقول: «كل مولود يولد على الفطرة وأما أبواه يهودانه أو ينصرانه . . ».
وفي رواية أخرى عن الصادق عليه السلام قال: «بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن تسبقكم إليهم المرجئة».
وفي رواية أخرى قال الامام علي عليه السلام: «علموا صبيانكم من علمنا ما ينفعهم الله به، لا تغلب عليهم المرجئة برأيها».

(1) النحل : 78.
عبقرية مبكرة لأطفالنا 219

من هذا يظهر أن الاهتمام بتركيب الفكر وتغذية العقل بالمعلومات الصحيحة هو من أهم الأمور التي يجب على المربين الاعتناء بها؛ وذلك لأن العقل بطبيعته يستفيد من كل أمر يشاهده ويسمعه؛ فإن لم يعي الحق سيكون مكانه الباطل وعندها ستختلف طريقة التفكير وطريقة التفاعل في الواقع الخارجي، ومنها شدد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطبيين الطاهرين في الحفاظ على ذهنية الطفل من التلوث بأي فكر مسموم فإنه يلوث نفس وجود الطفل ووجود الإنسان نفسه.
ومن الواضح أنه كلما كان الطفل صغيراً لم يتلوث بعد بأي صورة من التلوث سواء كانت فكرية أم غيرها؛ فإن التعامل معه يكون أسهل وبرمجته تكون بسيطة جداً.
أما اللحاظ الثاني: وهو فيما إذا اختزن العقل بعض المعلومات سواء كانت إيجابية أم سلبية فإن التعامل معه يكون أصعب من الصورة الأولى. وذلك لأنه فيها خال من كل شيء كما تقدم فتعليمه أسهل. أما في الصورة الثانية فإن التغير يكون فيها معقداً، بل قد تتحول تلك المعتقدات والمعلومات إلى جزء منه كما قلنا بأن المعلوم يتحد مع العالم ومع ذلك يصعب بل يستحيل التغير في مثل هذه المرحلة؛ لأن التغير في هذه المرحلة يحتاج إلى أمرين:
الأمر الأول: إزالة الفكر السابق والمعبر عنه بالرواسب الفكرية ..
الأمر الثاني: إضافة الفكر الجديد أو كما يقال في العلوم الحديثة إعادة تأهيل من جديد.
وهذه العملية تحتاج إلى مجهود وقدرة كبيرة حتى تؤتي ثمارها وأهدافها؛ لأنه يلزمنا في البدء معرفة أين يقع الخطأ في فكر الطفل أو الإنسان المقابل

عبقرية مبكرة لأطفالنا 220

هذا أولا، وثانياً نحتاج إلى معرفة الأمور التي يجب أن يتعلمها وسيتبدلها بما هو أفضل وأكمل لوجوده. وهذان الأمران يحتاجان إلى خبير في علم التربية يقوم بالتشخيص ووضع العلاج. والذي قد يساعدنا في عملية التغير هو علمنا كيف يفكر العقل وكيف ترتبط المعلومات مع بعضها، فمتى عرفنا ذلك صح لنا أن نغير أي سلوك نريده في أي إنسان.

كيف يعمل العقل؟


الطريقة التي يعمل بها العقل هي من أعقد العمليات التي يعجز الإنسان أن يدركها بحقيقتها وكمالها، وذلك لأن الإنسان لم يحط بحقيقة العقل لأنه يعقل به وإن عقل ذاته، ولكن لا كنهه وحقيقته.
ولكن يمكن أن نقدم مقدمات تساعد على فهم عملية العقل بشكل مبسط ومختصر. وهي كالتالي:
النقطة الأولى: العقل هو وجود مجرد يدرك الكليات. أما الدماغ الذي في رأس الإنسان ليس هو العقل. بل هو جهاز يمكنه من خلاله التعامل مع العقل؛ فإن حقيقة الإبصار ليست بالعين بل العين هو وسيلة من وسائل الإبصار وليست هي الإبصار، وكذلك العقل فإنه مجرد له تنزل في عالم المادة وارتباط بالجسد من خلال هذا الدماغ الظاهري. وإن العمليات التي يرسلها الدماغ من إشارات وعمليات عصبية ما هي إلا ارتباط بينها وبين العقل المجرد. وإلا كيف يمكن لرأس الصغير أن يحوي كل هذه المعلومات والصور التي لا نهاية لها؟
النقطة الثانية: أن العقل في عملية التعامل مع الأمور الظاهرية يرسل إشارات تشير إلى المقصود وإلى المراد. هذه الإشارات هي العملية العقلية،

عبقرية مبكرة لأطفالنا 221

فمتى كانت هذه الإشارات صحيحة كانت النتيجة صحيحة. ولذلك قد يحدث للإنسان في بعض الأحيان أن لا يعرف ما يريد أو يحس بتضارب في الأفكار، وذلك لأن الإشارات الذهنية لم تكن واضحة للعقل حتى يصدر أمراً واضحاً يفيد الإنسان في التعامل مع أي مسألة من المسائل التي يعيشها.
النقطة الثالثة: يمكن أن يفسر عمل العقل بربطه بين الأمور الموجودة المختزنة عنده في ساحة لا نهاية، وهذا الربط يصور صورة أخرى تفيد المستعلم. وبعبارة أخرى نقول: إن الإنسان عندما يطلب أمراً مجهولاً عنه فإنه يستعين بالعقل لكي يرفع حيرته، والعقل يقوم بربط هذا الشيء المعطى إليه بما يوافقه في تركيبته أو شكله أو ما يلائمه، وبذلك يرفع الحيرة عند الإنسان عندما تعطى له صورة واضحة. ومنها تعرف ما يقال إن نصف الجواب حسن السؤال. أي ان أعطي سؤال صحيح عن معنى معين بدقة فإنه يساعد العقل لينتقل إلى المعلومات الموجودة عنده إلى ما يلائمها فيعطيك النتيجة المطلوبة.
النقطة الرابعة: أن الربط الحاصل في العمليات العقلية له أساس وأساسه التكرار المتكرر من إيراد الصورتين متعاقبتين بحيث يتعقلهما العقل معاً من شدة الارتباط الناشىء بينهما من كثرة الاستعمال بحيث يكون وجود أحدهما وجود الآخر عند العقل. وهذه النظرية هي التي اعتمدها الشهيد الصدر في عملية الوضع بين المعاني والألفاظ مستفيداً مما أثبته العالم السوفيتي بافلوف في تجربته على بعض الحيوانات من ملاحظة سيلان اللعاب بسبب إعطاء الطعام، ثم جعل إعطاء الطعام تابع لضرب الجرس أو النور الموجه للكلاب فوجد أنه متى ضرب الجرس يسيل اللعاب حتى لو لم يعط الطعام ، وما كان ذلك إلا بسبب الارتباط الناشىء من جري تكرر العملية مرات متعددة حتى ألفت القوة المتخيلة عندها ذلك وصار ثبوتاً لها. وكذلك الإنسان فإن

عبقرية مبكرة لأطفالنا 222

الارتباط في العقل بين الأشياء يكون من جراء الاقتران بينها، وبتعبير الشهيد الصدر في بحثه (القرن الأكيد) ، حيث يحصل علاقة راسخة بين وجود شيء وآخر، ويكونان وجوداً واحداً.
خلاصة نظرية بافلوف:
لاشك أن نظرية بافلوف وتفسيرها لكيفية عمل العقل وكيف يتفاعل مع الانعكاسات الشرطية التي توجه للحيوان والتي تطبق أيضاً على الإنسان له أثر كبير على الأبحاث، ولذلك لا بأس بذكر ملخص لهذه النظرية على شكل نقاط، فقد ذكر صلاح نصر في كتابه (الحرب النفسية) ج 2 ، ص 44 تلخيص النظرية:
«1 ـ عند حدوث توترات معينة أو صدمات فإن الكلاب تستجيب تماماً مثل الإنسان تبعاً لاختلاف أمزجتها المختلفة الموروثة التي سبق أن أشرنا إليها.
2 ـ لا تتوقف ردود فعل الإنسان والكلب للتوترات العادية على كيانه الموروث فقط، بل كذلك على المؤثرات البيئية التي يتعرض لها، وهذه المؤثرات تغير تفاصيل سلوكه فقط ولكن لا تغير النمط العصبية السيطرة عليها.
3 ـ تنهار الكلاب كالآدميين وذلك حينما تصبح التوترات أو الصدمات أكثر مما ينبغي أو بدرجة لا تستطيع اجهزتها العصبية السيطرة عليه .
4 ـ يختلف مقدار التوتر الذي يستطيع الإنسان أو الحيوان السيطرة عليه دون أن يصاب بالإنهيار بإختلاف حالته البدنية ، كما يمكن تقليل المقاومة بوسائل أخرى مثل : الإجهاد والحمي والمخدرات والتغير في وظائف الغدد .
5 ـ عندما يستثار الجهاز العصبي استشارة شاملة، ويحدث له توقف كامل كعامل وقائي، فإننا نستطيع أن نميز ثلاث مراحل مختلفة من التغيرات في السلوك وهذه المرحلة هي:

عبقرية مبكرة لأطفالنا 223

أ ـ المرحلة (المتعادلة) حيث يعطي فيها المخ نفس الاستجابات لكل من المثيرات القوية والضعيفة.
ب ـ مرحلة التناقض وهي التي يستجيب فيها المخ للمثير الضعيف بشكل أكبر إيجابية من المثير المقوي.
ج ـ مرحلة التناقض الشديد، وهي تتحول فيها ردود الفعل الشرطية والأنماط السلوكية من الموجب إلى السالب وبالعكس».
ولا شك أن لكل نقطة من هذه النقاط أثراً في عملية التحليلات العقلية التي يجريها الإنسان أو الحيوان من خلال المؤثرات الخارجة التي تؤثر عليه سلباً أو إيجابياً.
المقدمة الخامسة: أن العقل يصدر أمراً للجسد بأن يقوم بفعل ما إذا كان مشتاقاً له يرى فيه كمالاً ومنفعة له من خلال الصورة التي تحضر أمامه، كأن يعطش الإنسان فيشتاق إلى الماء وذلك لأن حقيقة العطش عنده تقابلها حقيقة الارتواء، وعندما يحضر معنى الارتواء يأتي منشؤه وهو الماء المحقق لوجوده فيشتاق إليه، ويبعث الجسد نحو طلب الماء وتحقيق مقدماته أو ينفر من فعل يرى فيه صورة سيئة ووجوداً ضاراً له كأن يعلم أن هذا الماء فيه سم قاتل فينفر من شربه ولو كان عطشاناً؛ لأن الماء موجب لهلاك النفس لأن فيه سماً وإن كان يحتاج إليه. وهكذا طريقة تعامل العقل مع كل الأمور.

الفرق بين الادراك والدوافع:


إن تصرف الإنسان نحو أي أمر تابع إلى أمرين مهمين أحدهما الدافع لهذا الأمر والإدراك له، ولعل عدم وضوح معنى الدوافع الحقيقة للأمور والإدراك جعل كثير من علماء النفس والاجتماع لا يميز بينهما؛ فهذا لورين

عبقرية مبكرة لأطفالنا 224

كورت أحد علماء النفس والاجتماع عندما يواجه سؤالاً مثل: هل السلوك الناتج عن دافع يرجع إلى الصفات الموجودة في الميدان النفسي المباشر أم إلى تأثير التجربة الماضية؟
فإنه يجيب على ذلك بقوله: إن الميدان النفسي يتكون من البيئة الطبيعة الخارجية، والحالة النفسية الداخلية، وكذا الآثار العصبية للتجارب الماضية، وبالرغم من أن الإنسان هو سيد مصيره وقدره في بعض الاحيان، فإن ضغط العصور يقع عليه في أحيان أخرى.
ومراده من الميدان النفسي هو الدافع المحرك الذي يعبر عنه بالحالة الداخلية للإنسان والآثار العصبية للتجارب الماضية هو عبارة عن الإدراك وتصورها. وعند التامل الحقيقي في المسألة نجد أن الدافع شيء والإدراك شيء آخر؛ فالدافع هو الرغبة الحقيقة في حب الكمال والبقاء وعشق الذات لنفسها، وأما الإدراك فهو ذلك الموضح لنفس كمالها الذي تنشده وترغب فيه. ومن هنا نستطيع أن نتحكم في أي سلوك من خلال هذين الأمرين:
الأمر الأول: وهو الاعتماد على حب الإنسان لبقائه فكلما استطعنا أن نصور له ما يحقق بقاءه ندفع الإنسان نحو الأمر الذي نريده.
والأمر الثاني: وهو التحكم في نفس المدرك والإدراكات من خلال التجارب والتعليم وغير ذلك مما يعطي العقل الصورة الكمالية للإنسان نفسه فتسع نفسه لها. وبعبارة أخرى أن المدركات أو الإدراك وتشخيص العقل لها يوجه الدافع نحو الكمال الذي ينشده ويرغبه في تحقيق البقاء؛ فيكون العقل هو المحدد للكمال والدافع هو المحرك لتحقيق الكمال. فمتى تحكمنا في هذين الأمرين استطعنا أن نغير فكر أي إنسان وخصوصاً الطفل الصغير ففهم.

عبقرية مبكرة لأطفالنا 225

ومن هنا قال صلاح نصر ـ في كتابه (الحرب النفسية) ج 1 ، ص 30 ـ : «إن دراسة الإدراك أمر على جانب كبير من الأهمية لعلم النفس الاجتماعي؛ لأن اتجاهات الناس يمكن أن تتغير. ومن المهام الرئيسية لعالم النفس الاجتماعي أن يحاول ـ على الأقل ـ إحداث مثل هذه التغييرات . ولكن لكي نغير اتجاهاً ما يجب علينا أولاً وقبل كل شيء أن نغير مفهوم الأشياء التي يبنى عليها هذا الاتجاه. وتغير الاتجاه يعني أيضاً تنظيم الإدراك».

استحكام الفعل وعدمه:


إن الفعل الصادر من الإنسان يلاحظ بعدة لحاظات، وهي كالتالي:
1 ـ أن يكون الفعل الصادر من الإنسان على نحو الاستحكام والتمكن من الفعل من غير تكلف ولا عناء، بل هي سجية تصدر منه الفعل كالكلام الصادر من الإنسان الكبير؛ فإن كلامه يكون سجية له وملكة وكذا الأفعال الأخرى فإن كانت صادرة عنه بمثل صدور الكلام عنه يكون ملكة عنده. وتغير هذه الملكة والعادة ليس بمستحيل، بل من الأمور الصعبة التي تحتاج إلى مجاهدة وعزم ومراقبة حتى يقلع الإنسان عن فعل معين أو يعمل فعلاً معيناً بنحو السجية.
2 ـ أن يكون الفعل الصادر من الإنسان على نحو الاستحكام ولكن لم يصل إلى مرحلة الملكة، ولم تصل إلى أن تغرس جذورها في الإنسان فإن تغيرها يكون بقدر استحكامها وقربها من الملكة، وتحتاج إلى مجاهدة ومثابرة ولكن بنحو أخف مما سبق، وهكذا بقية المراتب بقربها من المرحلة الأولى.
3 ـ أن يكون الفعل الصادر من الإنسان على نحو التكلف والتفعل لا على نحو السجية، وهذا تغيره من أسهل الأمور ولكن يحتاج إلى توجه وإرادة في

عبقرية مبكرة لأطفالنا 226

التغير. والطفل في بداية فعله وتعلمه يكون في مثل هذه المرحلة التي يعمل حتى يصل إلى المرحلة السجية. وعليه فإن التغير في بداية الحياة وتوجيه الطفل من الأول في تصحيح العادات والأفكار هو أسهل وأمكن للمربين. بخلاف ترك العادة تستحكم ثم يأتي دور التغير. ومن هنا يلزم السعي في تعليم الطفل الأخلاق الحسنة وتعويده عليها حتى تكون ملكة؛ لأن خلقته لينة وتحويله من شيء إلى شيء سهل جداً، ولذلك قال الإمام إلى مبادرة الحدث بالحديث قبل أصحاب العقائد الباطلة التي تشوه فكره ورأيه.
وهذا الذي أثبته العلم أيضاً في تجربة بافلوف، حيث قال وليـم ساجنت فـي كتابه (Battle for the mind): «إن الكثير من السلوك الإنساني ما هو إلا نتيجة للأنماط السلوكية المشروطة في المخ، ولا سيما في أثناء الطفولة. وقد تستمر هذه الأنماط دون أي تعديل يذكر، ولكن غالباً ما ينالها بعض التعديل تدريجياً بسبب التغيرات التي تحدث في البيئة. ولكن كلما تقدم عمر الإنسان استعصى على إحداث ردود فعل جديدة تتفق مع هذه التغيرات فالاتجاه حينئذ عادة ما ينمو لجعل البيئة تناسبه، أو يناسبها من ناحية ردود الأفعال التي تزداد قدرته على الأفعال الشرطية المنعكسة التي سبق اكتسابها عن طريق الدراسة المستفيضة . . . ».

تطبيق نظرية في علم التربية:


كل الذي تقدم كان مقدمة لفهم كيف يمكن لنا أن نخلق نمطاً جديداً أو سلوكاً مغايراً لما كان عليه الإنسان، وحيث إن الحديث عن سلوك الطفل الصغير وكيف لنا أن نخلق منه عالماً كما نحب ونريد فإننا نتبع الخطوات التالية:
الخطوة الأولى: أن نحدد السلوك المرغوب فيه والمراد تعليمه لطفل سواء كان صغيراً أو كبيراً.

عبقرية مبكرة لأطفالنا 227

الخطوة الثانية: نربط هذا السلوك بصورة جميلة وحسنة في ذهن الطفل الصغير بحيث ينتقل ذهنه من الشيء الجميل إلى الفعل الذي خلقناه له؛ فمثلاً عندما نريد أن نخلق في الطفل صفة الصدق فإننا نربط صدقة بمدحه والثناء عليه والإشادة به بوجوه محببة له، ونربط بين صفة الكذب والأمور القبيحة بحيث تستحكم نفسه بين الصورتين فعندما يريد أن يكذب تتمثل له تلك الصور القبيحة فتنفر نفسه منها. وذلك لما تقدم من أن الإنسان يبحث عن الكمال، والقبيح لا كمال فيه وهو يحب نفسه فتنفر نفسه من كل أمر ينقصها.
الخطوة الثالثة: أن نجعل بين الصفتين المرغوبتين نوعاً من أنواع اللذة التي يلتذ بها؛ فصفة المدح وهي موجبة للذة الطفل لإشعاره أنه محبوب بالصدق لأنه كلما صدق كوفئ، ونجعل بين الصفتين غير المرغوب فيهما نوعاً من الألم والحرمان النفسي، حتى يقع النفور الداخلي والقبول الداخلي من غير وجود رقيب عليه في تحقيق ما يراد منه، وإنما يسمع لتحقيق الدافع الموجود في داخله وهو حب نفسه وكمالها.
الخطوة الرابعة: التكرار في تحقيق الربط بحيث يشكل نمطاً في عملية الإشارات العقلية والانتقالات لها من غير ترو ولا تأمل. وبعبارة أخرى بحيث يستحكم المعنيان أو الصفتان فلا يكون لهما إلا وجود واحد في العقل. ولا نقصد الدقة العقلية بل التبادر إلى المعنى المراد فقط وهو الاندكاك بين المعنيين ليشكلا معنى واحداً لهما.
وقد ذكر انتوني روبنز في كتابه (أيقظ قواك الخفية) ص 148 ما يدعم ذلك ، حيث قال: «التكيف والترويض أمر حاسم؛ إذ إننا بذلك نحقق نتائج ثابتة ومستمرة، غير أن عليك أن تتذكر من جديد أن أي نمط من السلوك

عبقرية مبكرة لأطفالنا 228

العاطفي يتم تعزيزه أو مكأفأته على أساس ثابت سيصبح سلوكاً متكيفاً وأتوماتيكياً. أما النمط الذي نفشل في تعزيزه فلابد له من أن يتلاشى».
والتكرار المطلوب قد يحدث بكثرة إخطار المعنى لطفل ، أو جعل له تثقيف خاص من خلال تدريسه المعنى حتى يستحكم عنده، ويثبت لدى عقله ويكون ذلك على فترات متعاقبة بعضها تلو البعض، أو بأي طريقة يمكن أن ترسخ المعنى المراد لدى الطفل.
الخطوة الخامسة: وهي خلق بديل لما يراد تغيره، ويكون ذلك فيمن كان عنده عادة أو سلوك معين وأريد تغيره إلى سلوك آخر، وقد تعود الشخص على السلوك القديم؛ فبعد أن يعطى هذا السلوك (القديم) نمطاً سلوكياً جديداً بحيث تنفر منه النفس وترتسم صورة جديدة تأتي المرحلة في إيجاد بديل للسلوك القديم، حتى لا ترجع نفسه إليه أو تشتاق فيعود إلى ما كان عليه ما لم يترسخ عنده البديل. وهو النمط العكسي الشرطي في التجربة.
الخطوة السادسة: تعطيل النمط السلوكي القديم بحيث يستخدم أساليب الإثارة وإيصال الشخص إلى مرحلة انفعال، بحيث ينقلب إلى المعاكس والنقيض.
الخطوة السابعة: السعي إلى أن يصل مع وجود النمط الجديد إلى نسيان الأسلوب والعادة والسلوك القديم؛ فإن استطعنا تحقيق ذلك استطعنا عدم رجوعه مرة أخرى، وذلك بأن يبعد عما كان عليه أو ما يذكره بالنمط القديم. وسوف نذكره بنوع من التفصيل إن شاء الله .
الخطوة الثامنة: قد يحتاج إلى ترسيخ الصورة أو الانتقال إلى التجربة بحيث يعيش المراد تغيره التجربة ولو مصغرة وغير حقيقة، بشرط أن لا يعلم أنها كذلك بل يعتقد أنها واقعية حتى يتفاعل معها وتؤثر في نفسه.

عبقرية مبكرة لأطفالنا 229


الخطوة التاسعة: توصيل الطرف المراد تغيره إلى النتيجة من خلال إكراهه على الفعل المحب له بحيث يجبر عليه ويطالب بتكرر الفعل الذي يحبه بشكل مستمر. وهنا يقفز قانون أن النفس متى أجبرت على شيء تحولت إلى مقته.
الخطوة العاشرة: العزل بأن يعزل من يراد تغير سلوكه عن المجتمع الذي يعيشه ويتعامل معه بحيث لا يتأثر بهم ويبقى على حاله عندما يشاهد الآخرين يقومون بنفس الشيء الذي منع منه؛ فالطفل الذي تعود أن يقول الكلمات غير الجيدة والتي اكتسبها من بعض زملائه، فإنه يعزل عنهم ويخلق له بيئة جديدة تتعامل مع الصفة أو النمط السلوكي الجديد.

تطبيقات للنظرية


لم يزل الإنسان فطرياً يسير بفطرته لتحقيق احتياجاته ويحتال لها بفنون الاحتيالات والطرق حتى يتمكن من رغبته وما يريد، وكانت هذه الفطرة في الإنسان هي التي قادته إلى اكتشاف كثير من العلوم ومعرفة كثير من المعارف، ولكن قد تصاغ هذه المعرفة بأسلوب علمي وطريقة فنية، وقد تبقى مسترسلة بين الناس من غير صبها في قالب علمي بحيث لا تظهر بشكل حقيقة علمية، إلا أنها تبدو للناس عادة أخذها الأبناء من الآباء والبنات من الأمهات والجيل بعد الجيل، بقالب علمي وإن كانت في واقع الأمر سراً من اسرار التكوين والطبيعة. ومن هذه الأمور ما يلي:
أولاً: الفطام: عندما يولد الطفل ويلقف ثدي أمه ويأنس بحليبها ويعيش على ذلك ما يقارب السنتين، عندها يأتي النذير لهذا الطفل أنه حان أوان الفطام؛ فتحتال الأم لكي تجعل ولدها يترك الرضاع بطرق عديدة بحيث ينفر

عبقرية مبكرة لأطفالنا 230

من الثدي ومن الرضاعة بعد أن تعلم عليه طويلاً، كأن يوضع على حلمة الثدي مادة توجب المرارة بحيث كلما رضع الطفل أحس بالمرارة وأن طعمه صار كريهاً ثم تنفر نفسه ثم يتركه، بل إذا طلب منه فيما بعد الرجوع إلى الرضاعة رفض.
وعندما تسأل هذه الأم المسكينة عن الأسباب العلمية التي جعلت الطفل يترك الرضاعة تجدها لا تجيب إلا بكلمة أو كلمتين ولا تعلم أنها طبقت عدة قواعد وأساليب علمية حتى صار الطفل مفطوماً . ومنها:
1 ـ أنه عملت نمطاً سلوكياً عكسياً شرطياً.
2 ـ إثارة واستثارة الطفل باستخدام الصراع النفسي له.
3 ـ أوقفت النمط السلوكي القديم من خلال عملية التناقض الذي أوجدته له من خلال تصارع بين كون الحليب مؤنساً ولذيذاً وكونه مراً وكريهاً، حتى أوقفت عنده النمط السابق.
4 ـ جعلت له ارتباطاً بين صورتين أن الراحة في ترك الرضاع بعد ان كان الراحة واللذة فيه.
وغير ذلك من الأمور التي تم توضيحها والطرق العلمية التي استخدمت فيها. وكثير مثل هذه الأمور يجهلها بعض الناس.
ثانياً: ما جربته على ولدي من استخدام هذه النظرية من قرب صفة أريد تغيرها إلى صفة أخرى يكرهها ولدي. وذلك أن الأطفال من عادتهم أن يحبوا الحلويات والمشروبات الغازية فلم أرغب في أن يتعلم أطفالي على هذه الأمور، فطبقت النظرية بحيث إني أتيت بإحدى العلب الغازية ووضعت فيها معلقة كبيرة من الملح وقدمت لابنتي ثم ولدي بعد ذلك المشروب في نفس العلب مع

عبقرية مبكرة لأطفالنا 231

ملاحظة أني عملتها من غير علمه. فلما قدمته لها كانت مسرورة بأنها ستشرب ما تحبه، ولكنها تفاجأت بأن وجدت طعمه كريهاً وممقوتاً فأخرجته من فيها وهي مقطبة بجبينها وهي تقول: (يع ... بابا . . . يع!) وأنا أردد لها نفس عباراتها وأقول لها : (هذا يع . . !) وبعد هذا الحادث لم ترغب في شرب أي مشروب غازي حتى لو لم يكن أحد والديها بجانبها. وكذلك في الحلوى حيث إني أحضرت صورة أسنان مسوسة وخربة وشكلها مخيف فأريتها ابنتي وقلت لها: هذا من الحلوى! هذا من أكل الحلوى . . . ووضعت الصورة بالقرب من سريرها بحيث تراها في كل وقت فصارت تكره الحلوى، ولا تحبها كثيراً مع أن عادة الطفل خلاف ذلك . . . كل هذا بسبب استخدام هذه النظرية.
ثالثاً: أمير يسمى سيد هاتا ابن الملك سودهوادأنا يعيش منذ طفولته حياة ترف ونعيم لم يستمتع به إلا قلة من الناس، ورغم هذا النعيم تحول الأمير إلى راهب متسول يحاول أن يبحث عن الحقيقة بعد أن شاهد في أثناء تجوله في مملكته ثلاث صور من شقاء الحياة، فالصورة الأولى وهي الشيخوخة تمثلت له حينما رأى كهلاً رسم الحزن والجهد على وجهه أثر الشقاء ومحنة الأيام، ممداً على الأرض دون غطاء في يوم عاصف الريح. والصورة الثانية: وهي صورة المرض، فقد رسخت في ذهنه حينما رأى مريضاً ملقى على الطريق يتوجع ويئن، فأدرك أن المرض يتعرض له كل إنسان غنياً كان أم فقيراً حاكماً أو محكوماً. والصورة الثالثة صورة حتمية الموت؛ إذ شاهد جنازة أحد المتوفين وهو محمول إلى مكان حرق جسده ومن خلفه امرأته وأولاده يبكون لفراقه.
فأثرت في نفس هذا الأمير هذه الصور بحيث تحول وتنازل من حياة الترف إلى حياة الراهب المتسول الذي يبحث عن شيء لا يشوبه هذه الشوائب وعالم لا يوجد فيه مثل هذه الأمور.

عبقرية مبكرة لأطفالنا 232

وعندما نلاحظ الصور المتقدمة نلاحظ أنها كلها اعتمدت على نفس النظرية التي توصل إليها بافلوف، وأن انطباع الصورة الجديدة أو الانتقال إلى المشهد الثاني له عدة طرق؛ فتارة التجربة سواء كانت بالحس أو بغيرها وتارة بالمعرفة والتأمل. وإن هذه الأمور ناتجة من مؤثرات مشروطة أو شرطية تؤثر في نفس التفكير وتحول الشخص من حالة إلى حالة. وكلما كانت في سن مبكر كان أثرها أكثر لكون الاستجابة أسرع والمقاومة أضعف فتامل.

التأكد من تحول الفكر:


عندما نريد أن نعرف هل هذا الشخص تغير حقيقة أم هو يسطنع التغير؟ أو أنه هل هذه الفكرة ركزت في ذهن الطفل الصغير وصارت عنده ثابتة أو لا؟
يمكننا أن نحقق ذلك من خلال التأكد على أن نتبع أسلوباً استنطاقياً للفكر وذلك بما يلي:
1 ـ الاستنطاق: وهو عبارة عن إدخال الطفل المراد تغيره في نقاش فكري مبسط يناسب فكره بأن نقوده إلى أن يصل إلى النتيجة من خلال أسئلة توجه إليه ومنها تكتشف فكره اتجاه الامر الذي حاولت تغيره. مثل ذلك أننا غيرنا فكره اتجاه شرب المشروبات الغازية التي كان يحبها بعد عملية تأثير على النمط السلوكي بالعملية العقلية الشرطية التي تقدمت، حتى توصلنا إلى أن المشروبات الغازية ليست جيدة وارتبط فكره بأن المشروب الغازي مشروب كريه مثلاً. نأتي ونسأله، وبعبارة أخرى نستدرجه بقولنا:
هل تريد أن تشرب مشروبا غازياً؟
الطفل : لا .

عبقرية مبكرة لأطفالنا 233

المربي: ولماذا ؟
الطفل: لا أريده إن طعمه كريه.
المربي: ولماذا طعمه كريه؟
الطفل: لقد جربته ورأيته كذلك إنه (يع!).
المربي: والكبار لماذا يشربونه؟ أليس جيداً؟
الطفل: إنه جيد للكبار فقط أما الصغار فلا.
وهكذا يدار النقاش حتى يتأكد من أن الطفل ترسخت الفكرة في ذهنه من خلال زجه في نقاش وحوار فكري بسيط كما قلنا. كما أنه بهذه الطريقة تحرك عقله وترفع كل فكرة ما زالت عالقة في ذهنه وتعمق الفكرة أو الصفة في داخل وجوده بحيث تصير جزءاً منه.
2 ـ الاعتراف: وهذه النقطة تعتمد على أن الطفل أو الشخص الذي ارتكب خطأ وأريد إصلاحه يجب علينا أن نجعله يعترف بخطئه، وأنه فعل حماقة، وهذا الاعتراف يكون وسيلة سهلة ومساعدة في تحقيق تغير العقيدة أو الصفة التي يراد أن يغيرها، وذلك لأن باعترافه بأنها خطأ فإنه سيحاول إصلاحها وتغيرها ، وهذا يعطي العقل استعداداً وقابلية لأن يتقبل كل شيء جديد له؛ مضافاً إلى أن اعترافه يسبب له ألماً نفسياً فيكون هذا ألماً رادعاً له عن ارتكابه مرة أخرى؛ لأنه يشكل ضغطاً عاطفياً وتأثيراً قوياً على نفسيته مما يجعل ذهنه قابلاً للتغير وهو الأسلوب الشرطي الذي ذكرناه من قيام الشخص بسلوك معين نتيجة لمؤثرات خارجية.
3 ـ خلق له جو المشاركة: يجب أن يخلق للطفل جو من المشاركة الجماعية التي يعبر فيها عن رأيه من غير ملاحظة كون المربي له مراقب.

عبقرية مبكرة لأطفالنا 234

لتصرفاته، بحيث يتصرف على سجيته وطبيعته ويرى كيف يكون التفاعل مع النمط الجديد الذي تعلمه، فهل يتصرف ويتفاعل معه سواء وجد المربي أو أنه يلاحظ وجوده عندما يريد أن يفعل هذا الأمر أو ذاك. فإن كان الثاني فإن الصفة لم تستحكم في وجوده بعد ويحتاج إلى مزيد من التعليم والتركيز بخلاف الأول.

السابق السابق الفهرس التالي التالي