موسوعة بطل العلقمي

BOOK_NAME : موسوعة بطل العلقمي

author : تأليف سماحة آية الله المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر قدس سره
publisher : مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية العراق النجف الاشرف مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان

 

 

 

 

ألا أدلكم على خير الناس جداً وجدة؟


قالوا بلى يا رسول الله.
قال: الحسن والحسين، جدهما رسول الله خاتم المرسلين وجدتهما خديجة بنت خويلد سيدة نساء أهل الجنة، ألا أدلكم على خير الناس عماً وعمة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: قال: الحسن والحسين، عمهما جعفر بن أبي طالب وعمتهما أم هانئ بنت أبي طالب، أيها الناس، إلا أدلكم على خير الناس خالاً وخالة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال الحسن والحسين، خالهما القاسم بن رسول الله وخالتهما زينب بنت رسول الله.
ثم قال: اللهم أنت تعلم إن الحسن والحسين في الجنة وعمهما في الجنة وعمتهما في الجنة ومن أحبهما في الجنة ومن أبغضهما في النار، خرجه الملا في سيرته وغيره، إنتهى.
وفي هذه الرواية حذف معلوم ما أدري عن عمد أم سهو وهو قوله (ص): الا أدلكم على خير الناس أبا وأما؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: الحسن والحسين، أبوهما علي بن أبي طالب وأمهما فاطمة بنت رسول الله (ص)، كما ذكره غيره.
ثم قال المحب وذكر حديث بريدة(1): إن أولادكم فتنة.
وقال عن أبي هريرة قال: كنا نصلي مع النبي (ص) العشاء فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره فإذا رفع رأسه أخذهما بيده من خلفه أخذاً رفيقاً فيضعهما على الأرض فإذا عاد عادا، حتى قضى صلاته فأقعدهما على فخذيه، قال: فقمت إليه وقلت: يا رسول الله! أردهما؟ فبرقت برقة فقال لهما: إلحقا بأمكما، قال: فمكث ضوءها حتى دخلا، خرجه أحمد.
وعن أنس بن مالك قال: كتب النبي (ص) لرجل عهداً فدخل الرجل يسلم على النبي (ص) والنبي (ص) يصلي، فرأى الحسن والحسين «عليهما السلام» يركبان على عنق النبي (ص) مرة ويركبان على ظهره مرة أخرى ويمران من بين يديه ومن خلفه فلما فرغ من الصلاة قال له الرجل: ما يقطعان الصلاة؟ فغضب النبي (ص)، فقال: ناولني عهدك، فأخذه فمزقه ثم قال: ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا، فليس منا ولا أنا منه، خرجه ابن أبي الغراني وذكر غيره أحاديثاً بهذا المضمون.
(1) ذخائر العقبى: ص131.
(326)
وعن أم عثمان(1) أم ولد لعلي «عليه السلام» قالت: كان لآل رسول الله (ص) وسادة يجلس عليها جبرئيل لا يجلس عليها غيره، فإذا عرج رفعت وكان إذا عرج انتفض فسقط من زغب ريشه فتقوم فاطمة «عليها السلام» فتتبعه فتجعله في تمائم الحسن والحسين «عليهما السلام»، خرجه الدولابي.
وعن أبي هريرة قال: كان الحسن والحسين «عليهما السلام» يصطرعان بين يدي النبي (ص) فكان النبي (ص) يقول: هن يا حسن، فقالت فاطمة «عليها السلام» يا رسول الله! لم تقول هن يا حسن؟ فقال (ص): إن جبرئيل «عليه السلام» يقول: هن يا حسين، خرجه ابن المثنى في معجمه، ورواه عن جعفر الصادق «عليه السلام» وإن القائل علي «عليه السلام» لرسول الله (ص) والحديث مثل الاول، وقال: خرجه ابن بنت منيع، ولا مانع أن يكون كل واحد من علي «عليه السلام» وفاطمة «عليها السلام» سأل رسول الله (ص) عن سبب تحريضه الحسن على الحسين «عليهما السلام» فأخبرهما أن جبرئيل يحرض الحسين على الحسن «عليهما السلام».
وعن أبي هريرة(2) عن النبي (ص) قال: تبعث الأنبياء على الدواب ويحشر صالح على ناقته ويحشر ابنا فاطمة «عليها السلام» على ناقتي العضباء والقصواء وأحشر أنا على البراق، خطوها عند أقصى طرفها، ويحشر بلال على ناقة من نوق الجنة، خرجه الحافظ السلفي.
وفي هذا الحديث وهم في بلال، فإن الذي يحشر على ناقة من نوق الجنة هو أمير المؤمنين «عليه السلام» كما في حديث الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد(3) عن ابن عباس قال: قال رسول الله (ص): ما في القيامة راكب غيرنا نحن أربعة.
فقام إليه عمه العباس بن عبد المطلب فقال: من هم يا رسول الله؟
فقال: أما أنا فعلى البراق ووجهها كوجه الإنسان وخدها كخد الفرس وعرفها لؤلؤ ممشوط وأدناها زبرجدتان خضروان وعيناها مثل كوكب الزهرة توقدان مثل النجمين المضيئين لها شعاع مثل شعاع الشمس بلقاء محجلة تضيء مرة وتنمي أخرى ينحدر من نحرها مثل الجمان مضطربة في الخلق ذنبها مثل ذنب البقرة طويلة اليدين والرجلين، اظلافها كأظراف البقر، تسمع الكلام وتفهمه وهي
(1) ذخائر العقبى: ص134. (2) ذخائر العقبى: ص135.
(3) ذخائرا لعقبى: ص135.
(327)
فوق الحمار ودون البغل، قال العباس: ومن يا رسول الله؟ قال (ص): وعمي حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله على ناقتي.
قال العباس: ومن يا رسول الله؟ قال (ص): وأخي علي ناقة من نوق الجنة زمامها من لؤلؤ رطب عليها محمل من ياقوت أحمر قضبانها من الدر الأبيض، على رأسها تاج من نور، لذلك التاج سبعون ركناً، ما من ركن إلا وفيه ياقوتة حمراء تضيء للراكب المحث عليه حلتان خضروان بيده لواء الحمد وهو ينادي: أشهد أن لا اله إلا الله وأن محمداً (ص) رسول الله فيقول الخلائق: ما هذا إلا نبي مرسل أو ملك مقرب فينادي مناد من بطنان العرش: ليس هذا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا حامل عرش، هذا علي بن أبي طالب وصي رسول رب العالمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين، إنتهى.
واستيفاء مثل هذا يوجب القطع في الكلام لأن الراكب الرابع في غير رواية الخطيب هي فاطمة الزهراء «عليها السلام».
قال المحب(1): عن علي «عليه السلام» قال رسول الله (ص) إذا كان يوم القيامة كنت أنت وولدك على خيل بلق متوجة بالدر والياقوت فيأمر الله بكم إلى الجنة والناس ينظرون، خرجه الإمام علي بن موسى الرضا «عليه السلام»، ولا تضاد بينه وبين حشرهم على العضباء والقصواء إذ يكون الحشر عليهما أولاً، ثم ينقلون إلى الخيل أو يحمل على ولده غير الحسن والحسين «عليهما السلام» منهم، إنتهى.
وهذا توجيه جيد، إذ مثل العباس بن علي «عليهما السلام» وإخوته الشهداء بالطف ومحمد بن الحنفية لهم لياقة بهذا الإكرام وليس بلال بأجل قدراً منهم.
وعن علي بن الهلالي عن أبيه قال: دخلت على رسول الله (ص) في الحالة التي قبض فيها فإذا فاطمة «عليهما السلام» عند رأسه، فبكت حتى ارتفع صوتها، فرفع (ص) طرفه إليها فقال لها: يا حبيبتي فاطمة، ما الذي يبكيك؟ فقالت: أخشى الضيعة من بعدك، فقال: يا حبيبتي، أما علمت أن الله اطلع على أهل الأرض اطلاعة فأختار منها أباك فبعثه برسالته، ثم اطلع اطلاعة فأختار منها بعلك وأوحى إلي أن أنكحك إياه، يا فاطمة! ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم تعط أحداً قبلنا، ولا تعط أحداً بعدنا: أنا خاتم النبيين وأكرمهم على الله عز وجل
(1) تاريخ بغداد 11/113.
(328)
وأحب المخلوقين إلى الله عز وجل وأنا أبوك، ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله عز وجل وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وأحبهم إلى الله عز وجل وهو حمزة بن عبد المطلب عم أبيك وعم بعلك، ومنا من له جناحان أخضران يطير بهما في الجنة حيث يشاء وهو ابن عم أبيك وأخو بعلك، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما والذي بعثني بالحق خير منهما.
يا فاطمة! والذي بعثني بالحق أن منهما مهدي هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتضاهرت الفتن وتقطعت السبل وأغار بعضهم على بعض فلا كبير يرحم صغيراً، وصغير يوقر كبيراً فيبعث الله عز وجل عند ذلك من يفتح حصون الظلالة وقلوباً غلفاً ويقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان ويملأ الأرض عدلاً كما ملأت جوراً، خرجه الحافظ أبو العلاء الهمداني في أربعين حديثاً في المهدي، إنتهى.
وهذا حديث لا شك فيه وكون المهدي منهما لا ريب في ذلك لأنه ينتمي من جهة الآباء إلى الحسين بن علي «عليهما السلام» وينتمي من جهة الأمهات للحسن «عليه السلام» لأن أم جده محمد بن علي وهو الإمام باقر العلم «عليه السلام» فاطمة بنت الحسن السبط «عليه السلام» وقال النبي (ص): أنا ابن العواتك وليست واحدة من العواتك أما للنبي (ص) وإنما هن جميعاً جدات له (ص).
وأخرج ابن سعد عن سلمة بن عبد الرحمن قال: كان رسول الله (ص) يدفع لسانه للحسن بن علي «عليهما السلام» فإذا رأى الصبي حمرة اللسان يهش اليه.
وأخرج الحاكم عن زهير بن الأرقم قال: قام الحسن «عليه السلام» يخطب فقام رجل من أزد شنؤة فقال: أشهد لقد رأى رسول الله (ص) واضعه على حبوته وهو يقول: من أحبني فليحبه وليبلغ الشاهد الغائب ولولا كرامة النبي (ص) ما حدثت به أحداً.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي بكر قال: كان النبي (ص) يصلي بنا فيجيء الحسن «عليه السلام» هو ساجد وهو إذ ذاك صغير فيجلس على ظهره ومرة على رقبته فيرفعه النبي (ص) رفعاً رفيقاً، فلما فرغ من الصلاة قالوا: يا رسول الله! إنك تصنع بهذا الصبي شيئا لا تصنعه بأحد؟ فقال النبي (ص): هذا ريحانتي وإن هذا ابني سيد وحسبي أن يصلح الله به بين فئتين من المسلمين، الخ.
وهذه الأحاديث رواها غيره من الحفاظ وبعضها في صحيح مسلم
(329)
والبخاري، ورواها المحب الطبري في ذخائر العقبى وزاد(1): عن معاوية قال: كان رسول الله (ص) يمص لسان الحسن وشفته وإنه لن يعذب لسان أو شفتان مصهما رسول الله (ص)، خرجه أحمد.
وعن أبي هريرة إنه لقي الحسن بن علي «عليهما السلام» في بعض طرق المدينة فقال له: اكشف لي عن بطنك فداك أبي حتى أقبل حيث رأيت رسول الله (ص) يقبله، قال: فكشف عن بطنه فقبل سرته، خرجه أبو حاتم، ثم قال: لو كانت العورة ما كشفتها.
وعن خالد بن معدان قال(2): وفد المقدام بن معد يكرب وعمروبن الأسود إلى معاوية، فقال معاوية للمقدام: أعلمت أن الحسن بن علي قد توفي؟ فرجع المقدام فقال له معاوية: أتراها مصيبة؟ قال: ولم لا أراها مصيبة وقد وضعه رسول الله (ص) في حجره وقال: هذا مني وحسين من علي، الخ، والأحاديث كثيرة في فضله يطول استيفاؤها ولنذكر صفته وبعض أخلاقه وشيمه، كل ذلك مما روته السنة:

صفته «عليه السلام»:


قال الشبلنجي الشافعي في نور الأبصار(3): كان الحسن «عليه السلام» أبيض مشرباً بحمرة، أدعج العينين، سهل الخدين، كث اللحية ذا وفرة كأن عنقه إبريق فضة، عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين، ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير، من أحسن الناس وجها، وكان يخضب بالسواد، وكان جعد الشعر حسن البدن، ذكره الدولابي وغيره.
نبذة بسيرة من أخلاقه وشمائله، التي لا يصل إليها الطالب

حلمه «عليه السلام»:


قال الحافظ جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء(4) والحافظ الهيثمي في تطهير الجنان على هامش الصواعق – ولفظه – بسند رجاله ثقاة: إن مروان لما ولى المدينة كان يسب علياً «عليه السلام» على المنبر كل جمعة، ثم ولى بعده سعيد بن العاص فكان لا يسب ثم أعيد مروان فعاد للسب، وكان الحسن «عليه
(1) ذخائر العقبى: 135. (2) ذخائر العقبى: ص 136.
(3) نور الأبصار: ص 108.
(4) تاريخ الخلفاء: ص 127، تطهير الجنان بهامش الصواعق المحرقة: ص142.
(330)
السلام» يعلم ذلك فسكت ولا يدخل المسجد إلا عند الأقامة فلم يرض بذلك مروان حتى أرسل للحسن «عليه السلام» في بيته بالسب البليغ لأبيه وله، الخ.
نصها في رواية سبط ابن الجوزي الحنفي في التذكرة(1): إن رسالة مروان كانت هكذا: أبوك الذي فرق الجماعة وقتل أمير المؤمنين عثمان وأباد العلماء والزهاد – يعني الخوارج – وأنت تفخر بغيرك، فإذا قيل لك من أبوك تقول خالي الفرس، ثم ساق القصة كما ذكروا.
وإن الحسين «عليه السلام» تهدد الرسول بالقتل فأخبره بقول مروان، فقال: قل له: يقول لك الحسين بن علي بن فاطمة «عليهم السلام»: يا ابن الزرقاء الداعية إلى نفسها بسوق ذي المجاز صاحبة الراية بسوق عكاظ وابن طريد رسول الله (ص) ولعينه، فأعرف من أنت ومن أمك ومن أبوك.
فجاء الرسول إلى مروان فأعاد عليه ما قالا، فقال: ارجع للحسن وقل له: أشهد أنك ابن رسول الله (ص) وقل للحسين: أشهد أنك ابن علي بن أبي طالب، فقال للرسول: قل له: كلاهما لي ورغماً لك.
قال المبرد في الكامل(2): ذكر ابن عائشة أن رجلاً من أهل الشام قال: دخلت المدينة فرأيت رجلاً راكباً على بغلة لم أر أحسن وجهاً ولا سمتاً ولا ثوباً ولا دابة منه فمال قلبي إليه فسألت عنه فقيل لي: هذا الحسن بن علي بن ابي طالب فامتلأ قلبي بغضاً له، وحسدت علياً أن يكون له ابنا مثله، فقلت: أنت ابن أبي طالب؟ فقال: أنا ابن ابنه، فقلت: فبك وبأبيك أسبهما، فلما انقضى كلامي، قال لي: أحسبك غريباً؟ قلت: أجل، قال: فمل بنا إلى المنزل فإن احتجت إلى منزل أنزلناك، أو إلى مال آسيناك، أول إلى حاجة عاوناك، قال: فانصرفت عنه وما على الأرض أحد أحب إلي منه.

نزاهته عن البذانة والفحش:


قال السيوطي في تاريخ الخلفاء(3): أخرج ابن سعد عن عمير بن إسحاق قال: ما تكلم أحد عندي كان أحب إلي إذا تكلم أن لا يسكت من الحسن «عليه السلام» وما سمعت منه كلمة فحش قط إلا مرة فإنه كان بين الحسن «عليه السلام» وعمرو بن عثمان خصومه في أرض فعرض الحسن «عليه السلام» أمراً لم يرضه
(1) تذكرة خواص الامة: ص119.
(2) الكامل للمبرد 2/ 4.
(3) تاريخ الخلفاء: ص127.
(331)
عمرو فقال الحسن «عليه السلام» فليس له عندنا إلا ما رغم أنفه، قال: فهذه أشد كلمة فحش سمعتها، وذكرها الهيثمي في الصواعق(1).

تواضع الحسن «عليه السلام»:


ذكر الصبان الشافعي في إسعاف الراغبين(2) قال: مر «عليه السلام» بصبيان – يعني مساكين – يأكلون كسراً من الخبز فاستضافوه فنزل وأكل معهم ثم حملهم إلى منزله وأطعمهم أنواعاً وكساهم وقال: اليد لهم لأنهم لا يجدوا غير ما أطعموني ونحن نجد كثيراً مما أعطيناهم.

علمه وحكمه وأجوبته الشافية:


لا شك أن الحسن «عليه السلام» بعد جده وأبيه أعلم الناس.
قال ابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول(3): كان الله عز وجل قد رزقه الفطرة الثاقبة في إيضاح مراشد ما يعانيه ومنحه الفكرة الصائبة لاصلاح قواعد الدين ومبانيه وخصه بالجبلة التي ردت له أخلاف مادتها بصور العلم ومعانيه، فحبي بفكرة منتجة نجاح مقاصد ما يقتضيه وقريحة مصحبة في كل مقام يقف فيه ثم اكتنفه الأصلان الجد والأب وفي المثل السائر أن ولد الفقيه نصف فقيه وكان يجلس في مجالس رسول الله (ص) ويجتمع الناس حوله ويتكلم بما يشفي غليل السائلين ويقطع حجج القائلين.
روى الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي في تفسيره الوسيط ما يرفعه بسنده أن رجلاً قال: دخلت مسجد المدينة فإذا أنا برجل يحدث عن رسول الله (ص) فقلت: أخبرني عن شاهد ومشهود؟ فقال: نعم، فأما الشاهد فيوم الجمعة وأما المشهود فيوم عرفة، فجزته إلى آخر يحدث عن رسول الله (ص) فقلت: أخبرني عن شاهد ومشهود؟ فقال: نعم، أما الشاهد فيوم الجمعة وأما المشهود فيوم النحر، فجزتهما إلى غلام آخر كأن وجهه الدينار وهو يحدث عن رسول الله (ص) فقلت: أخبرني عن شاهد ومشهود؟ قال: نعم، أما الشاهد فمحمد (ص) وأما المشهود فيوم القيامة، أما سمعته يقول: (يأيها النبي إنا أرسلناك شهدا ومبشرا ونذيرا)(4) وقال تعالى: (وذلك يوم مشهود)(5)، فسألت عن الأول فقالوا ابن عباس وعن الثاني فقالوا ابن عمر وعن الثالث فقالوا الحسن بن علي بن أبي طالب «عليهما السلام»
(1) الصواعق المحرقة: ص83. (2)إسعاف الراغبين: ص165.
(3) مطالب السؤول: ص65. (4) الأحزاب: 45.
(5) هود: 103.
(332)
فكان قول الحسن «عليه السلام» أحسن، الخ، ورواها الصبان الشافعي وابن الصباغ المالكي.
قال ابن طلحة: ونقل عنه «عليه السلام» أنه اغتسل يوماً وخرج من داره في حلة فاخرة وبزة ظاهرة بمحاسن سافرة وقسمات ناضرة ونفحات ناشرة ووجهه يشرق حسناً، وشكله قد كمل صورة ومعنى والإقبال يلوح من أعطافه، ونظرة النعيم تعرف من أطرافه، ثم ركب بغلة فارهة غير قطوف وسار مكتنفاً بحاشية وغاشية بصفوف فعرض له في طريقه من محاويج اليهود في هدم قد أنهكته العلة، وأنكبته الذلة، وأهلكته القلة، وجلده يستر عظامه وضعفه يقيد أقدامه وضره قد ملك زمامه، وسوء حاله قد حبب إليه حمامه، وشمس الظهر تشوي شواه، وأخمصه يصافح ثرى ممشاه وعذاب عريه عراه وطول طواه قد أضعف بطنه وطواه، فاستوقف الحسن «عليه السلام» وقال: يا ابن رسول الله أنصفني، فقال «عليه السلام»: في أي شيء؟ قال: جدك يقول: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر وأنت مؤمن وأنا كافر فما أرى الدنيا إلا جنة لك تنعم فيها وتستلذ بها وما أراها إلا سجناً لي قد أهلكني ضرها وأتلفني فقرها، فلما سمع الحسن «عليه السلام» كلامه أشرق عليه نور التأييد، فاستخرج الجواب الحق بفهمه من خزانة علمه وأوضح لليهودي خطأ ظنه، فقال: لو نظرت إلى ما أعد الله للمؤمنين الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع من نعيم الجنان والخيرات الحسان في الآخرة مما لا عين رأت ولا أذن سمعت لعلمت أنني قبل انتقالي إليه من هذه الدنيا في سجن ضنك ولو نظرت إلى ما أعد الله لك ولكل كافر في الآخرة من سعير نار الجحيم ونكال العذاب المقيم لرأيت أنك قبل مصيرك إليه الآن في جنة واسعة ونعمة جامعة، فانظر إلى هذا الجواب بالصواب، إنتهى.
وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء(1) عن الحارث الهمداني قال: سأل علي ابنه الحسن «عليهما السلام» عن أشياء من امر المروءة، فقال: يا بني، ما السداد؟ قال: يا أبت، السداد دفع المنكر بالمعروف، قال: فما الشرف؟ قال: اصطناع العشيرة وحمل الجريرة.
قال: فما المروءة؟ قال: العفاف وإصلاح المال، قال: فما الرأفة؟ قال: النظر في اليسير ومنع الحقير، قال: فما اللؤم؟ قال: إحراز المرء نفسه وبذله عرسه، قال: فما السماح؟ قال: البذل في العسر واليسر.
(1) حلية الأولياء 2/36.
(333)
قال: فما الشح؟ قال: أن تر ما في يديك شرفاً وما أنفقته تلفاً، قال: فما الاخاء؟ قال: المواساة في الشدة والرخاء، قال: فما الجبن؟ قال: الجرأة على الصديق والنكول على العدو، قال: فما الغنيمة؟ قال: الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا هي الغنيمة الباردة، قال: فما الحلم؟ قال: كظم الغيظ وملك النفس، قال: فما الغنى؟ قال: رضى النفس بما قسم الله لها وإن قل، وإنما الغنى غنى النفس، قال: فما الفقر؟ قال: شره النفس في كل شيء، قال: فما المنعة؟ قال: شدة البأس ومنازعة أعزاء الناس، قال: فما الذل؟ قال: الفزع عند المصدوقة، قال: فما العي؟ قال: العبث باللحية وكثرة البزق عند المخاطبة، قال: فما الجرأة؟ قال: مواقفة الأقران، قال: فما الكلفة؟ قال: كلامك فيما لا يعنيك، قال: فما المجد؟ قال: أن تعطي في الغرم وتعفوا عن الجرم، قال: فما العقل؟ قال: حفظ القلب كما استوعيته، قال: فما الخرق؟ قال: معاداتك إمامك ورفعك عليه كلامك، قال: فما السناء؟ قال: إتيان الجميل وترك القبيح، قال: فما الحزم؟ قال: طول الأناة والرفق بالولاة، قال: فما السفه؟ قال: اتباع الدناة ومصاحبة الغواة، قال: فما الغفلة؟ قال: تركك المجد وطاعتك المفسد، قال: فما الحرمان؟ قال: تركك حظك وقد عرض عليك، قال: فما السيد؟ قال: الأحمق في ماله المتهاون في عرضه(1) يشتم فلا جيب والمتحزن بأمر عشيرته هو السيد.
فقال علي «عليه السلام»: سمعت رسول الله (ص) يقول: لا فقر أشد من الجهل ولا مال أعود من العقل.

شفقة الحسن وسخاؤه:


قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد(2): روي عن الحسن بن علي «عليهما السلام» أنه كان ماراً في بعض حيطان المدينة فرأى أسوداً «يعني عبداً» بيده رغيف يأكل لقمة ويطعم الكلب لقمة إلى أن شاطره الرغيف، فقال الحسن «عليه السلام»: ما حملك على أن شاطرته ولم تغابه فيه بشيء فقال: استحت عيناي من عينيه أن أغابنه، فقال له: غلام من أنت؟ قال: غلام أبان بن عثمان، فقال: والحائط؟ قال: لابان بن عثمان، فقال الحسن «عليه السلام»: لا تبرح حتى أعود إليك، فمر وأشترى الغلام والحائط وجاء إلى الغلام فقال: يا غلام قد
(1) عرض بالحركات الثلاثة وهو العروض عن الاموال.
(2) تاريخ بغداد 2/ 34.
(334)
اشتريتك، قال: فقام الغلام قائماً وقال: السمع والطاعة لله ولرسول الله (ص) ولك يا مولاي، قال: وقد اشتريت الحائط وأنت حر لوجه الله والحائط هبة مني اليك، فقال الغلام: يا مولاي، قد وهبت الحائط للذي وهبتني له.
أما سخاؤه: فلا يحتاج إلى برهان فإنه أعظم الناس سخاءاً وكان يعرف بـ«كريم أهل البيت» فمن بعض أخباره ما ذكره ابن الصباغ في الفصول المهمة وابن طلحة في مطالب السؤول والمحب الطبري في ذخائر العقبى ولفظه فيها(1): عن سعيد بن عبد العزيز: إن الحسن «عليه السلام» سمع رجلاً يسأل ربه أن يرزقه عشرة آلاف فأنصرف الحسن «عليه السلام» فبعث بها إليه، خرجه في الصفوة.
قال أبو نعيم في الحلية(2): عن علي بن زيد عن جدعان قال: خرج الحسن بن علي «عليهما السلام» من ماله مرتين، وقاسم الله تعالى ثلاث مرات حتى أنه كان ليعطي نعلاً ويمسك نعلاً ويعطي خفاً ويمسك خفاً.
وعن ابن سيرين قال: تزوج الحسن «عليه السلام» أمرأة فأرسل إليها مائة جارية مع كل جارية ألف درهم.
وقال البيهقي في المحاسن والمساوئ(3): كان بينه وبين أخيه الحسين «عليه السلام» طهر واحد وكان أسخى أهل زمانه، ذكروا أنه أتاه رجل في حاجة، فقال: اذهب فاكتب حاجتك في رقعة وأرفعها إلينا نقضيها لك، قال: فرفع إليه حاجته فأضعفها له، فقال له بعض جلسائه: ما كان أعظم بركة الرقعة عليه يا ابن رسول الله! فقال: بركتها علينا أعظم حين جعلنا للمعروف أهلاً، أما علمت أن المعروف ما كان ابتداءاً من غير مسألة فأما من أعطيته عن مسألة فإنما أعطيته بما بذل لك من وجهه وعسى أن يكون بات ليلة بكآبة الرد أم بسرور النجح فإن ذلك أعظم مما نال من معروفك.
وقال(4): كان الحسن «عليه السلام» أشبه برسول الله (ص) من صرده إلى قدمه وكان أيضاً أحد الأجواد، دخل على أسامة بن زيد وهو يجود بنفسه ويقول: وا كرباه! وا حزناه! فقال: وما الذي أحزنك يا عم؟ قال: يا ابن رسول الله! ستون ألف درهم دين علي لا أجد لها قضاءاً، قال: هي علي، قال: فك الله رقبتك يا ابن رسول الله، الله أعلم حيث يجعل رسالته.
(1) ذخائر العقبى: ص137. (2) حلية الأولياء 2/ 38.
(3) المحاسن والمساوئ 1/ 40.
(4) المحاسن والمساوئ 1/ 41.
(335)
وقال الشبلنجي في نور الابصار(1): وكان كريماً فمن كرمه ما نقل عنه أن رجلاً سأله وشكا إليه حاله، فدعا الحسن «عليه السلام» وكيله وجعل يحاسبه على نفقاته ومقبوضاته حتى استقضاها، فقال له: هات الفاضل، فأحضر خمسين ألف درهم، ثم قال ما فعلت بالخمسمائة دينار التي معك؟ قال: هي عندي، قال: فأحضرها، فما احضرها دفع الدراهم والدنانير إلى الرجل واعتذر منه، الخ.

عبادة الحسن «عليه السلام» وصلاحه:


بلغ من محبته «عليه السلام» للعبادة أن أختار حج بيت الله الحرام ماشياً على قدميه والنجائب تقاد بين يديه، ذكر ذلك الكثير من السنة والشيعة، فمن حفاظ السنة الهيثمي والخطيب والمحب والصبان وغيرهم كثير.
قال الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء(2): عن محمد بن علي قال: قال الحسن «عليه السلام»: إني لأستحي من ربي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته، فمشى عشرين مرة من المدينة ماشياً على رجليه.
وعن ابن أبي نجيح قال: إن الحسن بن علي «عليهما السلام» حج ماشياً وقسم ماله نصفين.
وقال ابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول(3): أعلم أن العبادة تنقسم إلى ثلاثة أنواع: بدنية ومالية ومركبة، فالبدنية كالصلاة والصيام وتلاوة القرآن وأنواع الأذكار والمالية كالصدقات والمبرات، والمركب منها كالجهاد والحج وقد كان الحسن«عليه السلام» ضارباً في كل واحد من هذه الأنواع بالقدح الفائز والقدح الحائز، أما الصلاة والأذكار وما في معناها فقيامه بها مشهور واسمه في أربابها مذكور، وأما الصدقات فقد صح النقل فيما رواه الحافظ أبو نعيم بسنده في حلية الأولياء وأنه قد خرج من ماله مرتين وقاسم الله ثلاث مرات وساق كلام صاحب الحلية وقال عن صاحب صفة الصفوة عن علي بن زيد بن جدعان أنه قال: حج الحسن بن علي «عليهما السلام» خمسة عشرة حجة ماشياً وإن النجائب لتقاد معه، إنتهى.
والحافظ الهيثمي بعد رواية أبي نعيم قال(4): أخرج الحاكم عن عبد الله بن عمر قال: لقد حج الحسن «عليه السلام» خمساً وعشرين حجة ماشياً وإن النجائب لتقاد بين يديه.
(1) نورالإبصار: ص110. (2) حلية الأولياء 2/ 37.
(3) مطالب السؤول: ص66. (4) الصواعق المحرقة: ص 83.
(336)

زهد الحسن «عليه السلام» وورعه:


قال ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة(1): كان الحسن «عليه السلام» من ازهد الناس في الدنيا ولذاتها، عارفاً بغرورها وآفائتها، وكثيراً ما كان «عليه السلام» يتمثل بهذا البيت شعراً:
يا طالباً لذات دنيا لا بقاء لها إن اغترار بظل زائل حمق
وقوله «عليه السلام» في بعض مواعظه: يا ابن آدم عف عن محارم الله تكن عابداً، وارض بما قسم الله تكن غنياً، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلماً وصاحب الناس بمثل ما تحب أن يصاحبوك به تكن عدلاً، إنه كان بين أيديكم قوم يجمعون كثيراً ويأملون بعيداً أصبح جمعهم بوراً، وعملهم غروراً، ومسكانهم قبوراً، يا ابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن امك فجد بما في يديك فإن المؤمن يتزود والكافر يتمتع، وكان «عليه السلام» يتلو بعد هذه: (وتزودوا فإن خيرا لزاد التقوى)(2).

فصاحة الحسن «عليه السلام» وبلاغته:


لا يستريب أحد ان الحسن «عليه السلام» من بيت الفصاحة والبلاغة، جده رسول الله (ص) أفصح من نطق بالضاد، وأبوه أمير المؤمنين «عليه السلام» ساد كل خطيب ببيانه وقد قيل لعبد الحميد الكاتب: ما أبلغك؟ فقال: وكيف لا أكون كذلك وقد حفظت من خطب الأصلع ثلاثين خطبة ومثله قال ابن المقفع صاحب رسائل البلاغة وقد أجمعوا أنهما من أبلغ البلغاء في عصرهما فالحسن «عليه السلام» غصن من الدوحة المحمدية ونبعة من الشجرة العلوية وله الخطب الرنانة ذات الفصاحة المدهشة وله معها شعر جيد في مكارم الأخلاق والأدب الديني فمن خطبه المشهورة خطبته التي خطبها في صبيحة الليلة التي فقد فيها أباه أمير المؤمنين «عليه السلام».
قال المحب الطبري(3): عن زيد بن الحسن قال: خطب الحسن «عليه السلام» حين قتل علي بن أبي طالب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون قد كان رسول الله (ص) يعطيه رايته فيقاتل بها، جبرئيل عن يمينه وميكائل عن شماله فما يرجع حتى يفتح الله عليه وما ترك على وجه الأرض لا صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من
(1) الفصول المهمة: ص 161. (2) البقرة: 197.
(3) ذخائر العقبى: ص 138.
(337)
عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله.
ثم قال: أيها الناس! من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي أنا ابن الوصي أنا ابن البشير أنا ابن النذير أنا ابن الداعي إلى دين الله باذنه والسراج المنير أنا من أهل بيت اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وأنا من أهل البيت الذين أفترض الله مودتهم على كل مسلم، فقال الله تعالى لنبيه (ص): (قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنًا)(1)، فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت، خرجه الدولابي، إنتهى.
وتروى هذه الخطبة بطرق عديدة بألفاظ متفاوتة ذكر بعض ألفاظها الطبري في التاريخ(2) إنه «عليه السلام» قال وقد قام خطيباً: لقد قتلتم الليلة رجلاً في ليلة نزل فيها القرآن، وفيها رفع عيسى بن مريم «عليها السلام» وفيها قتل يوشع بن نون فتى موسى «عليه السلام»، والله ما سبقه أحد كان قبله ولا يدركه أحد يكون بعده، الخ.
وقد رواها أكثر العلماء من أصحابنا «رضوان الله عليهم»، ورواية أبي الفرج الأصبهاني في كتاب المقاتل كرواية المحب الطبري.
ومن خطبه «عليه السلام» في مجلس معاوية المحتشد بالوفود المكتضة بالمستمعين وقد أمره معاوية أن يخطب ليسقطه وذلك بمشورة ابن العاص.
قال ابن البيهقي في المحاسن والمساوئ(3): ذكروا أن عمرو بن العاص قال لمعاوية ذات يوم: ابعث إلى الحسن بن علي «عليهما السلام» فأمره أن يخطب على المنبر فلعله أن يحصر فيكون ذلك مما نعيره به، فبعث إليه فأصعده المنبر وقد جمع الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، من عرفني فأنا الذي يعرف ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي بن أبي طالب «عليه السلام» ابن عم النبي (ص) أنا ابن البشير النذير السراج المنير أنا ابن من بعث رحمة للعالمين وسخطاً على الكافرين، أنا ابن من بعث إلى الجن والانس أجمعين أنا ابن المستجاب الدعوة أنا ابن الشفيع المطاع أنا ابن أول من ينفض رأسه من التراب أنا ابن أول من يقرع باب الجنة أنا ابن من قاتلت معه الملائكة ونصر بالرعب عن مسيرة شهرين.
فافتن في هذا الكلام ولم يزل حتى اظلمت الدنيا على معاوية، فقال: يا حسن، قد كنت ترجوا أن تكون خليفة ولست هناك.
(1) الشورى: 23. (2) تاريخ الطبري 6/ 91.
(3) المحاسن والمساوئ 1/ 63.
(338)
فقال: إنما الخليفة من سار بسيرة رسول الله (ص) وعمل بطاعة الله وليس الخليفة من دان بالجور وعطل السنن واتخذ الدنيا أبا وأماً ولكن ذلك ملك أصاب ملكاً يتمتع فيه قليلاً، وكان قد انقطع عنه واستعجل لذاته وبقيت عليه تبعته فكان كما قال الله تعالى: (وإن أدرى لعله فتنة لكم ومتع إلى حين)(1) ثم انصرف، فقال معاوية لعمرو: والله ما أردت إلا هتكي وما كان أهل الشام يرون أن أحداً مثلي حتى سمعوا من الحسن ما سمعوا، إنتهى.
وذكرها الجاحظ في المحاسن والأضداد(2) بهذا اللفظ وخطبه «عليه السلام» كثيرة ومشهورة.

شعر الحسن بن علي «عليهما السلام»


لم يكن شعر أهل البيت تكلفاً ولا صنعة كما هي عند الشعراء، والشعر من حيث هو شعر نقص في الكامل ولكن شعر أهل البيت نفثة صدر ينطق بالحكمة الموزونة والأدب المؤسس المحكم فيجيء أحكم شعر وأبدع منظوم، وخير الشعر ما جاء طبعاً عفواً وخلا من التكلف والمبالغة التي هي عادة الشعراء وسجية الأدباء.
قال الشبلنجي في نور الأبصار(3): ومن كلام المنظوم كما ذكره العلامة عبد القادر الطبري المالكي في شرح الدرية:
اغن عن المخلوق بالخالق تغني عن الكاذب والصادق
واسترزق الرحمن من فضله فليس غير الله بالرازق
من ظن أن الناس يغنونه فليس في الرحمن بالواثق
من ظن أن الرزق من كسبه زلت به النعلان من حالق
وقال(4): قيل للحسن «عليه السلام» لأي شيء نراك لا ترد سائلًا؟ قال: عودني عادة وعودته عادة، عودني ان يفيض نعمه علي وعودته أن أفيض نعمه على الناس فأخشى إن قطعت العادة أن يمنعني العادة، وانشد:
إذا ما أتاني سائل قلت مرحباً بمن فضله فرض علي معجل
ومن فضله فضل على كل فاضل وأفضل أيام الفتى حين يسأل
(1) الأنبياء: 111. (2) المحاسن والاضداد: ص96.
(3) نور الإبصار: ص 110. (4) نور الإبصار: ص111.
(339)

شهادة الحسن الزكي «عليه السلام»


توفي مسموماً بأتفاق أمة محمد (ص) ولكن بعض المتعصبين من حفاظ أهل السنة يحيلون ذلك إلى يزيد بن معاوية تحرجاً منهم أن ينسبوه لمعاوية الذي هو عندهم صحابي مقدر، وهذا باطل بلا شبهة لأن وفاة الحسن «عليه السلام» على أكثر الأقوال في سنة (51) ومعاوية هو الخليفة والسلطان فكيف يقدم يزيد على هذا الأمر العظيم بدون مطالعة رأي ابيه؟
وكيف كان فقد قال الحافظ الهيثمي في الصواعق(1): وكان سبب موته أن زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي دس إليها يزيد أن تسمه فيتزوجها، وبذل لها مائة ألف درهم ففعلت فمرض أربعين يوماً فمات فبعث إلى يزيد تسأله الوفاء بما وعدها فقال لها: إنا لم نرضك للحسن أفنرضاك لأنفسنا؟! وبموته مسموماً شهيداً جزم غير واحد من المتقدمين كقتادة وأبي بكر بن حفص والمتأخرين كالزين العراقي في مقدمة شرح التقريب، الخ.
وقال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر في الاستيعاب على هامش الإصابة(2): قال قتادة وأبو بكر بن حفص: سم الحسن بن علي «عليهما السلام» سمته أمرأته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي وقالت طائفة: كان ذلك منها بتدسيس معاوية إليها وما بذل لها في ذلك، الخ.
وهذا أمر مفروغ منه، فقد ذكروا في سعد بن أبي وقاص أن معاوية دس إليه وإلى الحسن بن علي «عليهما السلام» سماً ليتفرغ لبيعة ابنه يزيد لانهما أكبر معارض له ولهما أهلية الخلافة وهما المستحقان لها في نظر العامة لأنها للحسن «عليه السلام» بالشرط، ولسعد بالشورى، وإيراد المقال تطويل قليل الجدوى.

تعطيل الأسواق لموت الحسن بن علي «عليهما السلام»


إن من أعظم الفواجع وأمض الفوادح وأوجع المصائب على المسلمين عامة وعلى بني هاشم خاصة فقد الحسن «عليه السلام» ولا تعبأ بسرور أمية الشجرة الملعونة فإن مصاب الحسن «عليه السلام» من أشد المصائب التي طرقت المسلمين ولا ينسى أهل المدينة ولا سائر أهل الحجاز أنهم خسروا بموته أعظم كافل وأجل مصلح وأشبه مخلوق بالنبي العظيم (ص) فافتقاده افتقاد لرسول الله (ص)
(1) الصواعق المحرقة: ص113. (2) الاستيعاب بهامش الإصابة 1/ 375.
(340)
لأنه بفقده تم أنقطاع رؤية رسول الله (ص) عن الأبصار فقد كانوا إذا عاينوه فكأنما كانوا يشهادون رسول الله (ص) في هيكله وافتقدوا به أهل الكساء لأنه الرابع منهم، وافتقداو كنزهم به لأنه «عليه السلام» كان يعول قطراً ويمول إقليمياً، وعطاياه وهباته دارة عليهم، فهم يتذكرون تلك الطلعة الغراء وتلك اليد البيضاء التي غمرتهم بنائلها فيتأسفون لتلك الشمائل الرائعة ويتلهفون لتلك الفضائل الامعة.
وقد كان مروان بن الحكم عدوه الألد وخصمه الانكد الذي كان يجرعه الغيظ في حياته ويقصده بأنواع الأذى وهو الذي رمى جنازته بالسهام جاء حين عزموا على دفنه بالبقيع فاحتمل نعش الحسن «عليه السلام» ومشى به إلى البقيع فقال له الحسين «عليه السلام» - فيما ذكره السيوطي وغيره – اتفعل هذا وقد كنت تجرعه الغيظ؟ فقال: نعم، أفعل هذا بمن يوازن حمله الجبال الرواسي.
وعن أبي جعفر(1) قال: مكث الناس يبكون على الحسن بن علي سبعاً ما تقوم الأسواق، وعن عائشة بنت سعد قالت: حد نساء بني هاشم على الحسن بن علي سنة.
وعن داود بن سنان قال: سمعت ثعلبة بن مالك قال: شهدنا الحسن بن علي يوم مات ودفناه بالبقيع وقد رأيت البقيع ولو طرحت فيها إبرة ما وقعت إلا على رأس إنسان، إنتهى.
قال المحب الطبري في ذخائر العقبى(2): قال أبو عمر وغيره: توفي الحسن «عليه السلام» بالمدينة سنة (49) هـ وقيل سنة (50) هـ وقيل سنة (51) هـ وهو يومئذ ابن (47) سنة منها (7) مع النبي (ص) و(30) مع أبيه و(10) بعدها، وقيل: مات وهو ابن (45) سنة وغسله الحسين ومحمد والعباس بنو علي بن أبي طالب «عليهم السلام» ودفن بالبقيع، الخ.

أولاد الحسن بن علي «عليهما السلام»


قد وقع الأختلاف فيهم كثرة وقلة ونحن نورد بعض الأقوال فيهم.
قال ابن قتيبة في كتاب المعارف: ولد الحسن «عليه السلام» حسناً وهو المثنى أمه خولة بنت منظور بن زبان الفزارية وزيداً وأم الحسن أمهما بنت عقبة ابن مسعود البدري وعمر وأمه ثقفية والحسين الأثرم لأم ولد وطلحة وأمه أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله وأم عبد الله لأم ولد.
(1) ذكره الطبري في الذيل 13/ 15.
(2) ذخائر العقبى: ص141.
(341)
وقال المحب الطبري في ذخائر العقبى(1): وخلف الحسن بن علي «عليهما السلام» من الولد: (1) حسن بن الحسن، (2) وعبد الله، (3) وعمر، (4) وزيداً، (5) وإبراهيم، ذكره الدولابي، وذكر ابن الذراع أبو بكر بن أحمد في كتاب مواليد أهل البيت إنه ولد أحد عشر ابناً وبنتاً: (1) عبد الله، (2) والقاسم، (3) والحسم، (4) وزيداً، (5) وعمرو، (6) وعبد الله، (7) وعبد الرحمن، (8) وأحمد، (9) وإسماعيل، (10) والحسين، (11) وعقيل، (12) وأم الحسين.
وقال السبط ابن الجوزي في التذكرة(2): قال الواقدي وهشام: كان له خمسة عشر ذكراً وثمان بنات، فمن الذكور: (1) علي الأكبر، (2) وعلي الأصغر، (3) وجعفر، (4) وفاطمة، (5) وسكينة، (6) وأم الحسن، (7) وعبد الله، (8) والقاسم، (9) وزيد، (10) وعبد الرحمن، (11) وأحمد، (12) وإسماعيل، (13) والحسين، (14) وعقيل، (15) وحسن، وهذا هو الترتيب الواقدي وهشام، وأما محمد بن سعد فرتبهم في الطبقات على غير هذا الترتيب وزاد فقال: كان للحسن «عليه السلام» من الولد: محمد الأصغر وجعفر وحمزة وفاطمة درجوا أمهم أم كلثوم بنت الفضل بن العباس بن عبد المطلب، ومحمد الأكبر – وبه كان يكنى –والحسن أمهم خولة بنت منظور غطفانية، وزيد وأم الحسن وأم الخير أمهم أم بشر بنت أبي مسعود الأنصاري واسمه عقبة بن عمرو، وإسماعيل ويعقوب أمهما جعدة بنت الأشعث بن قيس التي سمته، والقاسم وأبو بكر وعبد الله قتلوا مع الحسين «عليه السلام»يوم الطف أمهم أم ولد ولا بقية لهم وقيل إسم أمهم نفيلة، وحسين الأثرم وعبد الرحمن وأم سلمة لأم ولد تسمى ظمياء، وعمرو لأم ولد لا بقية لهم، وأم عبد الله وهي أم أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين «عليه السلام» وامها ام ولد تدعى صافية، وطلحة لا بقية له أمه أم إسحاق بنت طلحة بن عبد الله التميمي، وعبد الله وأمه زينب بنت سبيع بن عبد الله أخي جرير بن عبد الله، وهذا أصح والشيخ المفيد «رحمه الله» أقتصر على خمسة عشر ذكراً.
والسيد الداوودي ذكر سبعة عشر وأعقب منهم أربعة اثنان انقرض عقبهما في أوائل دولة بني العباس وهما عمرو والحسين، وبقي زيد والحسن.
(1) ذخائر العقبى: ص143.
(2) تذكرة خواص الامة: ص123.
(342)

الشهداء من أولاد الحسن «عليه السلام»


أستشهد منهم مع عمهم الحسين «عليه السلام» خمسة وجرح السادس ثم برأ من جراحاته وهو الحسن المثنى والقاسم الأكبر استشهد بسبب جراحات أصيب بها في النهروان مع جده أمير المؤمنين «عليه السلام».