موسوعة بطل العلقمي

BOOK_NAME : موسوعة بطل العلقمي

author : تأليف سماحة آية الله المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر قدس سره
publisher : مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية العراق النجف الاشرف مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان

 

 

 

 

 

 

 

مقتل خالد بن جعفر الكلابي


وقد اعتاله الحارث بن ظالم المري من غطفان فقتله وهو نائم في جوار الاسود بن المنذر ملك الحيرة.
(137)
قال ابن عبد ربه في العقد الفريد(1) ونصه: يوم بطن عاقل وفيه قتل خالد بن جعفر وذلك أن خالدا قدم على الاسود بن المنذر أخي النعمان بن المنذر ومع خالد عروة الرحال بن عتبة بن جعفر فالتقى خالد بن جعفر والحارث بن ظالم ابن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذيبان عند الأسود بن المنذر فدعا لهما الأسود بتمر فجيء به على نطع فجعل بين ايديهم، فجعل خالد يقول للحارث بن ظالم: يا حارث ألا تشكر يدي عندك أن قتلت سيد قومك زهيرا وتركتك سيدهم؟ قال: سأجزيك شكر ذلك.
فلما خرج الحارث قال الاسود لخالد: ما دعاك إلى أن تحترش بهذا الكلب وأنت ضيفي؟
فقال خالد: إنما هو عبد من عبيدي لو وجدني نائما ما أيقضني، وانصرف خالد إلى قبته فلامه عروة الرحال ثم ناما وقد أشجرت القبة عليهما، ومع الحارث تبيع له من بني محارب يقال له خراش فلما هدأت العيون أخرج الحارث ناقته وقال لخراش: كن لي بموقع كذا فإن طلع كوكب الصبح ولم أتك فأنظر أي البلاد أحب إليك فأعمد لها، ثم انطلق الحارث حتى أتى قبة خالد فهتك شرجها ثم ولجها وقال لعروة: اسكت فلا بأس عليك، وززعم أبو عبية أنه لم يشعر به حتى أتى خالدا وهو نائم فقتله ونادىعروة عند ذلك: وا جوار الملك! فأقبل إليه الناس وسمع الحتاف الاسود بن المنذر وعنده أمراة من بني عامر يقال لها المتجردة فشقت جيبها وصرخت وفي ذلك يقول عبد الله بن جعدة:
شقت عليك العامرية جيبها أسفا وما تبكي عليك ظلالا
يا حار لو نبهته لوجدته لا ظائشا رعشا ولا معزالا
لأغرورقت عيناي لما أبصرت بالجعفري وأسبلت إسبالا
فلنقتلن بخالد سرواتكم ولنجعلن الظالمين نكالا
فإذا رأيتم عارا متلببا منا فإنا لا نحاول مالا
وصدق الجعدي، لقد ثارت بسبب مقتل خالد حروب هائلة ووقعت وقائع طاحنة وأستعرت نيران كفاح اندلع لسانها في جزيرة العرب وتطاير شررها على الشعبين القحطاني و العدناني واصطلى برهجها المتأجج قبائل تميم وأسد وقبائل اليمن وغطفان وغيرها وقتل فيها أعلام العرب وسادات مضر واليمن فقتل معبد
(1) العقد الفريد 3/313.
(138)
ولقيط ابنا زرارة بن عدس وأسر حاجب ابن زرارة وعمرو بن عمرو الدارمي وسنان بن أبي حارثة المري وقتل معاوية ابن الجون الكندي الملك ومنقذ بن طريف الأسدي ومالك بن ربعي بن جندل الدارمي وغير هؤلاء من سروات العرب، وما أحسن الثار إن وجد له ثائرا موتورا وطالبا لا ينام على وتر.
وقتل الحارث بن ظالم بعد أن نبت به البلاد وضاقت في وجهه الدنيا ولم يجد أحدا يأويه أو يجيره من العرب فقصد ملوك غسان بالشام مستجيرا لهم وقتله من أجاره جزاء عمله، هذا هو المشهور.
وفي مجاني الأدب: ن المنذر قبض عليه فقتله بخالد سنة (600) ميلادية(1).
ولم يذكر صاحب العقد السبب الذي هاج الحارث على اغتيال خالد بن جعفر وهو أنه موتور وتره خالد بأبيه ورهطه، وهذا ما ذكره صاحب الأغاني(2) ونصه: قال أبو عبيدة: كان الذ ي هاج الأمربين الحارث بن ظالم وخالد بن جعفر أن خالد بن جعفر أغار على رهط الحارث بن ظالم من بني يربوع بن غيط بن مرة وهم في واد يقال له حراض، فقتل الرجال حتى أسرف والحارث يومئذ غلام وبقيت النساء وزعموا أن ظالما هلك في تلك الواقعة من جراحة أصابته يومئذ، وكانت نساء بني ذيبان لا يحلبن النعم فلما بقين بغير رجل طفقن يدعون الحارث فيشد عصاب الناقة ثم يحلبنها ويبكين رجالهن ويبكي الحارث معهن فنشأ على بغض خالد وأردف ذلك قتل زهيربن جذيمة فأستحق العداوة في غطفان فقال خالد في تلك الواقعة:
تركت نساء يربوع بن غيظ أرامل يشكين إلى ولدي(3)
يقلن لحارث جزعا عليه لك الخيرات ما لك لا تسود
تركت بني جذيمة في مكر ونصرا قد تركت لذي الشهود
ومني سوف تأتي قارعات تبيد المخزيات ولا تبيد
قيس بن المعارك غادرته قناتي في فوارس كالأسود
وحلت بركها ببني جحاش وقد مدوا إلينا من بعيد
وحي بني سبيع يوم ساق تركناهم كجارية وبيد
(1) مجاني الأدب 2/603. (2) الإاني 10/16.
(3) فيه الإقواء وهو اختلاف الروي في كلام العرب القدماء.
(139)
قال أبو عبيدة: فمكث خالد بن جعفر برهة من دهره حتى كان من أمره وأمر زهير بن جذيمة ما كان وخالد يومئذ رأس هوازن، فلما أستحق عدواة عبس وذبيان أتى النعمان بن المنذر لينظر ما قدره عنده وأتاه بفرس فألفى عنده الحارث بن ظالم قد أهدى له فرسا، فقال: أبيت اللعن، نعم صباحك وأهلي فداؤك هذه فرس من خيل بني قرة فلن تؤتي بفرس يشق غيراه إن لم تنسيه أنتسب كنت أرتبطه لغزو بني عامر، فلما أكرمت خالدا أهديته إليك.
وقام الربيع بن زياد فقال: أبيت اللعن، نعم صباحك وأهلي فداؤك، هذا فرس من خيل بني عامر ارتبطت أباه عشرين سنة لم يخفق في غزوة ولم يعتلك في سفر وفضله على هذين الفرسين كفضل بني عامر على غيرهم.
فغضب النعمان وقال: يا معشر! خليكم أشباهنا، أين اللواتي كأني اذنابها شقاق أعلام وكأن مناظرها وجار الضباع وكأن عيونها بغايا النساء رقاق المستطعم تعلك اللجم في أداقها تدور على مداورها كإنما يقضن حصا.
فقال خالد: زعم الحارث أبيت اللعن، إن تلك الخيل خيله وخيل آبائه.
فغضب النعمان على الحارث بن ظالم أمسوا أجتمعوا عند قينة من أهل الحيرة يقال لها أبنة عفزر، فقال خالد: تغني.
دار لهند والرباب وفرتين ولميس قول حوادث الأيام
وهي خالات الجارث بن ظالم فغضب الحارث حتحى أمتلأ غيظا وغضبا وقال: ما تزال تتبع أولى بآخره.
ثم إن النعمان دعاهم بعد ذلك وقدم لهم تمرأ، فطفق خالد بن جعفر يأكل ويلقي النوى بين يد الحارث فلما فرغ القوم، قال خالد: أبيت اللعن، أنظر ما بين يدي الحارث من النوى، فما ترك تمرا لنا إلا أكله.
فقال الحارث: أما أنا فأكلت التمر وألقيت النوى وأما انت يا خالد فاكلته بنواه.
فغضبت خال وكان لا ينازع، وقال: أتنازعني يا حارث وقد قتلت جارتك وتركتك يتيما في حجور النساء؟!
فقال الحارث: ذاك يوم لم أشهده وأنا مغن اليوم بمكاني.
قال خالد: فهلا تشكر لي إذا قتلت زهيرا وجعلتك سيد غطفان؟
قال: بلى أشكرك على ذلك، فخرج الحارث إلى بنت عفزر فشرب عندها
(140)
وقال لها: تغني.
أتعلم أبيت اللعن إني فاتك من اليوم أو ما بعده يا بن جعفر
في أبيات تركناها.
قال: فبلغ خالد بن جعفر قوله فلم يحفل به.
فقال عبد الله بن جعدة هو ابن اخت خالد وكان رجل قيس رأيا لابنه: يا بني! ائت أبا جزء فأخبره أن الحارث بن ظالم سفيه موتور فأخف مبيتك الليلة فإنه قد غلبه الشراب، فإن ابيت فأجعل بينك وبينه رجلا ليحرسنك.
فوضعوا بأزائه رجلا ونام ابن جعدة دون الرجل وخالد خلفه وعرف أن ابن عتبة وابن جعدة يحرسان خالدا، فأقبل الحارث فأنتهى إلى ابن جعدة فتعداه ومضى إلى الرجل وهو يحسبه خالدا فعجنه بكلكله حتى كسره وجعل وهو يكلمه لا بعقل فخلى عنه والرجل تحته ومضى إلى خالد وهو نائم فضربه بالسيف حتى فتله، الخ.
وخالد بن جعفر بن كلاب من أشهر رجالات العرب فروسية وصيتا، شهد يوم السلان من من حروب العدنانية والقحطانية، وله فيه ذكر ذائع وشعر مشهور، وإيراد القصص تطويل وهو وافد قومه إلى الملوك وأول من كسى الكعبة في قول قاله السهيلي والمارودي ولقظ الأخير في اعلام النبوة(1) عن الروض الأنف: وأول من كسا الكعبة خالد بن جعفر بن كلاب أخذ لطمية من البز وفيها أنماطا وعلقها على الكعبة.
قال ابن قتيبة في المعارف: وفد خالد بن جعفر بن كلاب على حسان بن عمرو ابن تبع ملك حمير واليمن في اسارى قومه فأطلقهم له ومدحه خالد، الخ.
وحسبنا ما ذكرنا فقد أطلنا الترجمة.

(10) الأحوص بن جعفر بن كلاب


الجعفري العامريقائد مضر يوم خزازي وقائد هوازن يوم رحرحان وشعب جبلة وغيرهما، وكان من أعلام العرب وساداتها والأحوص بالمهملات ويأتي في بعض النسخ أخوص بخاء معجمة وهو غلط ولم يكن مشتقا من خوص العين الذي هو انقلاب حدقتها كالحول بل هو مشتق من الحوص بالمهملات وهو الحياطة
(1) أعلام النبوة 1/77.
(141)
والحماية، أو من الحوص وهو الضيق يضيق في مؤخر عينه.
قال في القاموس: الأحوص بن جعفر واسمه ربيعة وعمرو بن الأحوص والأحاوص: عوف وعمرو وشيرح أولاد الأحوص بن جعفر والاحتياص الحزم والتحفظ، الخ.
ويحتمل أن يكون لقب الأحوص اشتق من هذا لشدة تحفظه وحزمه في الأمور تقدم في ملاعب الاسنة قيادته لهوان يوم رحرحان.
أما يوم جبلة فذكر في العقد الفريد(1) قال أبو عبيدة: يوم شعب جبلة أعظم أيام العرب وذلك أنه لما انقضت وقعة رحرحان جمع لقيط بن زرارة لبني عامر وألب عليهن، وبين أيام رحرحان ويوم جبلة سنة كاملة، وكان يوم جبلة قبل الإسلام بأربعين سنة وهو يوم ولد النبي (ص) وكانت بنو عبس يومئذ في بني عامر حلفاء لهم فأستعدى لقيط بن ذبيان لعداوتهم لبني عبس من أجل حرب داحس والغبراء، فأجابته غطفان كلها غير بني بدر وتجمعت تميم كلها غير بني سعد وخرجت معه بنو أسد لحلف كان بينهم وبين غطفان حتى أتي لقيط الجون الكلبي وهو ملك هجر وكان يجبي من بها من العرب فقال له: هل لك في يوم غارين قد ملؤا الأرض نعما وشاء فترسل معي ابنيك فما اصبنا من مال وسبي فلها وما أصبنا من دم فلي؟
فأجابه الجون إلى ذلك وجعل له مودا رأس الحول، ثم أتى لقيط النعمان بن المنذر فأستنجده وأطعمه بالغنائم فأجابه، وكان لقيط وجيها عند الملوك فلما كان على قرن الحول من يوم رحرحان انهالت الجيوش إلى لقيط وأقبل سنان ابن أبي حارثة المري في غطفان وجائت بنو أسد وارسل الجون ابنيه معاوية وعمرا، وأرسل النعمان أخاه لأمه حسان بن وبرة الكلبي فلما توافوا خرجوا إلى بني عامر وقد أنذروا بهم وتأهبوا لهم.
فقال الأحوص بن جعفر يومئذ رحا هوازن لقيس بن زهير: ما ترى فأنك تزعم أنه لم يعرض لك أمران إلا وجدت في أحدهما الفرج؟
فقال قيس بن زهير: الرأي أن نرتحل بالعيال والأموال حتى ندخل شعب جبلة فنقاتل القوم دونها من وجه واحد فإنهم داخلون عليك الشعب وإن لقيطا رجل فيه طيش فسيقتحم عليك الجبل فأرى لك أن تأمر بالأبل فلا ترعى ولا تسقي
(1) العقد الفريد 3/314.
(142)
وتعقل ثم تجعل الذراري وراء ظهورنا وتأمر الرجال فتأخذ بأذناب الأبل فإنها تتحدر إليهم وتحن إلى مرعاها ووردها ولا يرد وجهها شيء، وتخرج الفرسان في أثر الرجالة الذين خلف الأبل فإنها تحطم ما لقيت وتقبل عليهم الخيل وقد حطموا من عل.
قال الاحوص: نعم ما رأيت، فأخذ برأيه، قال أبو عبيدة: وأقبل لقيط والمولك ومن معهم فوجدوا بني عامر قد دخلوا شعب جبلة فنزلوا على فم الشعب، فقال لهم رجل من بني أسد: خذوا عليهم فم الشعب حتى يعطشوا أو يخرجوا فوالله ليتساقطن عليكم تساقط البعر من أست البعير.
فأبوا حتى يدخلوا الشعب عليهم وقد عقلوا الأبل وعطشوها ثلاثة اخماس، وذلك اثنتي عشر ليلة ولم تطعم شيئا فلما حلوا عقلها أقلت تهوي فسمع القوم دوي الشعب فظنوا أن الشعب قد هدم عليهم والرجالة في أثرها اخذين بأذنابها فدقت كلما لقيت، وفيها بعير اعور يتلوه غلام أعسر أخذ بذنبه وهو يرتجز ويقول:
أنا الغلام الأعسر الخير في والشر
والشر مني أكثر
فأنهزموا لا يلون على أحد وقتل لقيط بن زرارة، وأسر حاجب بن زرارة أسره ذو الرقيبة واسر سنان ابن ابي حارثة، اسره عروة الرحال فجز ناصيته وأطلقه فلم تشنه وأسر عمرو بن ابي عمرو اسره قيس بن المنتفق وجز ناصيته وخلا طعما في المكافأة فلم يفعل وقتل معاوية بن الجون ومنقذ بن طريف الأسدي ومالك بن ربعي بن جندل بن نهشل ذكر أشعارا قيلت في مثل هذا اليوم أعذبها قصيدة المعقر البارقي وهو قوله:
أمن آل شفاء الحمول البواكر مع الصبح أم زالت قبيل الأباعر
وحلت سليمى في هضاب وأيكة فليس عليها يوم ذلك قادر
فألقت عصاها وأستقر بها النوى كما قر عينا بالإياب المسافر
تصبحها أملاكها بكتائب عليها إذا أمست من الله ناظر
معاوية بن الجون ذبيان حوله وحسان في جمع الرباب مكاثر
وقد رجعت ددان تبغي لثارها وجاشت تميم كالفحول تخاطر
وقد جمعوا جمعا كأن زهاءه جراد هفا في هبوة متطاير
فمروا بأطناب البيوت فردهم رجال بأطناب البيوت مساعر
(143)
فباتوا لنا ضيفا وبتنا بنعمة لنا مسمعات بالدفوف وزامر
فلم نقرهم شيئا ولكن قراهم صبوح لدينا مطلع الشمس حاذر
وصبحهم عند الشروق كتائب كأركان سلمى سيلها متواتر
كأن نعام الدوباض عليهم وأعينهم تحت الحبيك خوازر
من الضاربين إلهام يمشون مقدما إذا غص بالريق اللهى والحناجر
أظن سراة القوم إن لم يقاتلوا إذا جعيت بالسفح عبس وعامر
ضربنا جميل البيض في غمر لجة فلم ينجوا في الناجين منهم مفاخر
هوى زهدم تحت العجاج لعامر كما انقض باز أقتم الريش كاسر
يفرج عنا كل ثغر نخافه مشيح كسرحان القصيمة ضامر
وكل طموح في العنان كأنها إذا اغتمست في الماء فتخاء كاسر
لها ناهض في الوكر قد مهدت له كما مهدت للبعل حسناء عاقر
تخاف نساء يبتززن حليلها محربة قد أحردتها الضرائر
وقال(1): قال أبو عبيدة: تنازع عامر ومسمع ابنا عبد الملك وخالد بن جبلة وإبراهيم بن محمد بن نوح العطاردي وغسان بن عبد الحميد وعبد الله بن سالم الباهلي ونفر من وجوه اهل البصرة كانوا يتجالسون يوم الجمعة ويتفاخرون ويتنازعون في الرياسة يوم خزاز.
فقال خالد بن جبلة: كان الأحوص بن جعفر الرئيس.
وقال عامر ومسمع: كان الرئيس كليب بن وائل.
وقال ابن نوح: كان الرئيس زرارة بن عدس.
وكان هذا في مجلس عمرو «بن العلاء» فتحاكموا إليه، فقال: ما شهدها عامر بن صعصعة ولا دارم بن مالك ولا جشم بن بكر اليوم أقدم من ذلك ولقد سألت عنه منذ ستين سنة فما وجدت أحدا من القوم يعلم من رئيسهم ومن الملك، الخ.
وقال الحموي في معجم البلدان(2) عن أبي زياد الكلابي قال: أجتمعت مضر وربيعة على أن يجعلوا ملكا منهم يقضي بينهم، فكل أراد أن يكون منهم ثم تراضوا أن يكون من ربيعة ملك ومن مضر ملك ثم أراد كل بطن من ربيعة ومن
(1) العقد الفريد 3/373. (2) معجم البلدان 3/429.
(144)
مضر ان الملك منهم ثم أتفقوا على أن يتخذوا ملكا من اليمن، فطلبوا ذلك إلى بني آكل المرار من كندة فملكت بنو عامر شراحيل بن الحارث الملك بن عمرو المقصور بن حجر آكل المرار وملكت بنو تميم وضبة محرق بن الحارث وملكت وائل شرحبيل بن الحارث.
وقال ابن الكلبي: كان ملك تغلب وبكر بن وائل سلمة بن الحارث وملكت قيس غلفاء وهو معد يكرب بن الحارث وملكت بنو أسد وكنانة حجر بن الحارث أبا امرئ القيس فقتلت بنو أسد حجرا ولذلك قصة ثم قصص أمرئ القيس في الطلب بثأر أبيه ونهضت بنو عامر على شراحيل فقتلوه وولى قتله بنو جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وقتلت بنو تميم محرقا وقتلت وائل شرحبيل، فكان حديث يوم الكلاب ولم يبق من بين آدم آكل المرار غير سليمة، فجمع جموع اليمن وسار ليقتل نزار وبلغ ذلك نزارا فأجتمع منهم بنو عامر بن صعصعة وبنو وائل تغلب وبكر.
وقال غير أبي زياد: فبلغ الخبر إلى كليب وائل فجمع ربيعة وقدم على مقدمتع السفاح التغلبي واسمه سلمة بن خالد وأمره أن يعلو خزاز فيوقد بها ليهتدي الجيش بناره، وقال له: إن غشيك العدو فأوقد نارين.
وبلغ سلمة اجتماع ربيعة ومسيرها فأقبل ومعه قبائل مذحج وكلما مر بقبيلة استفزها وهجمت مذحج على خزاز ليلا فرقع السفاح نارين فأقبل كليب في جموع ربيعة إليهم فصبحهم فالتقوا على خزاز فأقتتلوا قتالا شديدا فأنهزمت جموع اليمن فلذلك يقول السفاح التغلبي:
وليل بت أوقد في خزازي هديت كتائبا متحيرات
ضللن من السهاد وكن لولا سهاد القوم أحسب هاديات
قال أبو زياد الكلابي: أخبرنا من أدركنا من مضر وربيعة أن الاحوص بن جعفر ابن كلاب كان على نزار كلها يوم خزاز، قال: وهو الذي أوقد النار على خزاز، قال: ويوم خزاز أعظم يوم التقت فيه العرب في الجاهلية، قال: وأخبرنا أهل العلم منا الذين أدركنا أنه على نزار الاحوص بن جعفر، ثم ذكرت ربيعة ها هنا أخيرا من الدهر أن كليبا كان على نزار، وقال بعضهم: كان كليب على ربيعة والأخوص على مضر، الخ.
قال الجاحظ في البيان والتبيين(1): قال الأحوص بن جعفر بعدما كبر وعمي
(1) البيان والتبيين 2/132.
(145)
وينوه يسوقون به: أي شيء ترتعي الإبل؟ قالوا: عرف الثمام والضغة، قال: سرقوا، ثم إنها عادت فارتعت بمكان آخر، فقال: أي شيء ترتعي الابل؟ قالوا: العضاة والغمضة، قال: عود عويد سبع بعيد، وقال: سوقوا حتى إذا بلغوا بلدا آخر، قال: اي شيء ترتعي الابل؟ قالوا: نصيا وصليانا، قال: مكفية لرعائها، مطولة لذراعها، إرعوا واشبعوا، ثم سألهم فقال: أي شيء ترتعي الابل؟ قالوا: الرمث، قال: خلقت منه وخلق منها.
قال ابو صاعد: وزعم الناس أن اول ما خلقت الإبل من الرمث وعلامة ذلك أنك لا ترى دابة تريده إلا الأبل، إنتهى.
وتقرر لنا هذه القضية أمرين هامين في علم الطبيعة والمادة عند العرب:
أولهما: علم العرب بالنبات ومعرفة خاصيته بالتجربة.
والثاني: إنهم فتحوا مقفلا في وجه دارون وهيكل وسبنسر من علم المادة وعلم النشوء والارتقاء فانك إذا نظرت إلى قول هؤلاء العرب الفطريين بخلق البعير من شجرة الرمث وأن هذه الشجرة كانت لها قابلية الأستعداد للترقي إلى أن وصلت بترقيها ونشأها إلى حيوان عظيم عند العرب علمت أن مذهب الماديين من دارون ورفقائه القاتلين بصلاحية أعظم نبات كالنخل مثلا إلى أن يصير أظعف حيوان كالحيوان المخاطي ثم يرتقي شيئا فشيئا حتى يصير أعظم حيوان فراجع ما قرره دارون فيأصل الأنواع ولكن مفكروا النشأ الجديد إذ مروا بهذا القول من هذا العربي سخروا واستجادوا مقالة دارون ولا ألومهم لأن من جهل شيئا عاداه فإن كان مثل هذا يعد جهلا ويوجب استخفافا وسخرية فليطرد في كل مادي، وإن كان صحيحا فليسخر من كل مادي فوصف العربي بالجهل وتخصيصه بالأستهزاء جهل عظيم.
مات الأحوص كمدا على ابنه عمرو كما سأتي، والأحوص شاعر وهو القائل في حرب العدانانية والقحطانية في يوم حزازي، وهو القائد للجيش العدناني على أحد الأقوال في قيادة العدنانية: أهي لكليب وائل؟ أم لعامر بن الضرب؟ أم للأحوص؟ فذكر في كتاب بني شيبان وحرب البسوس أنه الوافد على ملوك التبابعة في طلب الصلح بين الشعبين مثل صهبان وابن عنق اللحية وذكر ايضا في تعبئة الجيش أنه كان على كعب كلها وغطفان كلها ومن شعره في ذلك اليوم:
كانت نزار عند ذاك عشيرتي تحنوا علي وعامر لهموا دمي
أوقدت في ركني خزاز لتغلب فأستنورت وضح السنان المضرم
(146)
وعلا سرابيل الوقود لمعشر منهم بني شيبان أهل تكرمي
وبدا سنا لهم الوقود فأقبلت غطفان في لحج بجمع مضخم
والحي من أسد فشق من ودهم يوم الوقيعة مالك بن الخثعم
تركوا الأيامن يوم ذاك وذكرهم مثلا لعالمه ومن لم يعلم
وحميت قومي ان ينال حريمهم إن الكريم لدى الحقيقة محتمي

(11) عمرو بن الأحوص


ابن جعفر بن كلاب الجعفري كان من سادات بني عامر وأبطالهم وقوادهم وقادهم يوم ذي نجب وفيه قتل، وكان شجاعا بطلا.
قال ابن الاثير في التاريخ(1) في حديث يوم ذي نجب: ومضى في سلمى أكثر القصة، وقتل عمرو بن الأحوص بن جعفر بن كلاب وكان قائد بني عامر، قتلته بنو تميم، قال: وبقي الأحوص بعد مقتل ابنه عمرو ومات أسفا عليه، إنتهى.
ومن أحفاده مروان بن سراقة بن قتادة بن عمرو بن الاحوص كان من ساداتهم وشعرائهم وشهد منافرة علقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل وهو القائل فيها:
يا آل قريش بينوا الكلاما إنا رضينا منكم الاحكاما
فبينوا إن كنتم حكاما كان أبونا لهم إماما
وعبد عمرو منع الفثاما في يوم فخر معلما إعلاما
ودعلج أقدمه إقداما لولا الذي جثمهم إجشاما
لا تخذتهم مذحج نعاما
ذكر القزويني في أمثاله على هامش الميداني: إن عامر بن الأ؛وص غزا بني حنظلة فقال الاحوص وهو شيخ بني عامريومئذ لقومه: إن أتاكم طفيل بن مالك وعوف بن الأحوص يتحدثان إلى عرصة الحي فقد ظفر أصحابكم وإن جاءا يتسايران إلى أدنى البيوت ثم تفرقا فهي الفضيحة فجاءا إلى أدنى البيوت ثم تفرقا فعرفت أن هذا الشر فأرسل الاحوص اليهمافأخبراه أن عمرا قتل، وان أحب
(1) الكامل في التاريخ 1/207.
(147)
ولده إليه، فبكاه حتى هلك وكان كلما سمع باكية قال: واهل عمرو قد أضلوه(1)، إنتهى.

(12) عوف بن الأحوص


ابن جعفر بن كلاب فارس العصا وهو جد علقمة بن علاثة وكان عوف بن الأحوص بطلا شجاعا فارسا ذا رأي وتجربة مصيبا في ما يشير به وشاعرا مجيدا، فحلا من شعرائهم.
قال المرزباني في معجم الشعراء(2): عوف بن الاحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة يقول:
ومستنبح يبغي المبيت ودونه من الليل بابا ظلمة وستورها
رفعت له ناري فلما اهتدى بها زجرت كلابي أن يهر عقورها
فبات وقد أسرى من الليل عقبة بليلة صدق غاب عنها شرورها
إذا قيلت العوراء وليت سمعها سواي ولم أسال بها ما دبيرها
العفو على السباع لا على الناس، وله في حرب الفجار ذكر، وكان قيس بن زهير جاره، فآه عوف يدب في فساد أمر بني عامر، فقال:
وإني وقيسا كالمسمن كلبه فخدشه أنيابه وأظافره
وله:
أبى حسبي وفاصلتي ومجدي وإيثاري المكارم والمساعي
وقومي هم أحلوني وحلوا من العليا بمرتقب يفاع
ولم أظلف عن الشعراء عرضي كما ظلف الوسيقة بالكراع
شهد عوف بن الاحوص يوم رحرحان ويوم شعب جبلة ويوم الفجار وغيرها وفي كلها له صوت وقد وصفته الدارمية التي وصفت لحاجب بن زرارة رؤساء جيش بني عامر فقالت: ورأيت رجلا آدما جسيما كأن رأسه مجن غضورة، قال: ذاك عوف بن الأحوص.
قال صاحب الأغاني: الغضورة حشيش دقاق خشن قائم يكون بمكة تريد أن شعره قائم خشن كأنه حشيش قد جز.
(1) أمثال القزويني على هامش مجمع الأمثال للميداني 2/251.
(2) معجم الشعراء: ص375.
(148)
وفي رواية ابن الأثير المتقدمة ما يخالف هذا النعت.
قال في الأغاني(1): قال أبو عبيدة: أما يوم جبلة وكان من عظام أيام العرب، وعظام أيام العرب ثلاثة يوم الكلاب ويوم جبلة ويوم ذي قار، وكان الذي هاج يوم جبلة أن بني عبس بن بغيض حيث خرجوا هاربين من بني ذيبان بن بغيض وحاربوا قومهم خرجوا متلددين فقال الربيع بن زياد: اما والله لأرمين العرب بحجرها، أقصدوا بني عامر، فخرج حتى نزل مضيقا من وادي بني عام، قال: أمكثوا ، فخرج ربيع وعامر ابنا زياد والحرث بن خلف حتى نزلوا على ربيعة بن شكل بن كعب بن الحرث وكان العقد من بني عارم إلى كعب بن ربيعة، فقال ربيعة بن شكل: يا بني عبس! شأنكم جليل وذحلكم الذي يطلب مكنم عظيم وأنا اعلم والله إن هذه الحرب أعز حرب ما حاربتها العرب قط ولا والله ما بد من بني كلاب فأمهلوني حتى أستطلع طلع قومي.
فخرج في قوم من بني كعب حتى جازوا بني كلاب فلقيهم عوف بن الأحوص، فقال: يا قوم! أطيعوني في هذا الطرف من غطفان فأقطعوهم واغنموهم ولاتفلح غطفان بعده أبدا، والله إن تزيدوا على أن تسمنوهم وتمنعوهم ثم يصيروا لقومكم أعداءا.
فأبوا عليه وانقلبوا حتى تزلوا على الأحوص بن جعفر فذكروا له من أمرهم، فقال الربيعة بن شكل: أظللتهم ظلك وأطعمتهم طعامك؟ قال: نعم.
قال: قد والله أجرت القوم فأنزلوا القوم وسطهمم بحبوحة دارهم.
وذكر بشر بن عبد الله بن حسان الكلابي أن عبسا لما حاربت قومها أتوا بني عامر وأرادوا عبد الله بن جعدة وابن الحريش ليصيروا حلفائهم دون كلاب، فأبى قيس بن زهير وأقبل نحو بني جعفر وهو الربيع بن زياد حتى انتهيا إلى الاحوص وقد لم بيته فقال قيس للربيع إنه لا حلف ولا ثقة دون أن انتمي إلى هذا الشيخ، فتقدم إليه قيس فأخذ بمجامع قوبه من وراء، فقال: هذا مقام العائذ بك قتلتم أبي فما أخذت له عقلا ولا قتلت به أحدا وقد أتيتك لتجيرنا.
فقال الأحوص: نعم أنا لك جار مما أجير به نفسي وعوف بن الأحوص ذلك غائب فلما سمع عوف بذلك أتى الأحوص وعنده بنو جعفر فقال: يا معشر بني جعفر أطيعوني اليوم واعصوني أبدا وإن كنت والله فيكم معصيا إنهم والله لو
(1) الأغاني 10/33.
(149)
لقوا بني ذبيان لولوكم أطراف الأسنة إذا نكهوا في أفواههم بكلام فأبدوا بهم فأقتلوهم وأجعلوهم مثل البرغوث دماغه دمه فأبوا عليه وحالفوهم.
ثم ساق القصة في حديث جبلة وذلك الحشد العظيم من بني عامر حتى إنتهى إلى انكسار ذلك الجيش العرمرم أمام بني عامر وحلفائهم وقتل قواده وملوكه، فقال في جملة الحديث(1): وشد عوف بن الأحوص على معاوية بن الجون فأسره وجز ناصيته وأعتقه على الثواب فلقيته بنو عبس فأخذه قيس بن زهير فقتله فاتاهم عوف فقال: قتلتم طليقي فأحيوه أو أتوني بملك مثله.
فتخوفت بنو عبس شره وكان مهيبا فقالوا: أمهلنا، فأنطلقوا حتى أتوا أبا براء عامر بن مالك بن جعفر يستغيثونه على عوف فقال: دونكم سلمى بن مالك فإنه نديمه وصديقه وكانا مشتبهين أحوبين أشعرين صخمة أنوفهما وكان في سلمى حياء فقال: سأكلم لكم طفيلا حتى يأخذه أخاه(2) فإنه لا ينجيكم من عوف إلا ذلك، وأيم الله ليأتين شحيحا، فأنطلقوا إليه، فقال طفيل: قد أتوني بك ما أعرفني بما جئتم له، أتيتموني تريدون مني ابن الجون تقيدون به من عوف، خذوه، فأعطاهم إياه، فأتوه به فجز ناصيته وأعتقه، فسمي الجزاز، فذلك قول نافع بن الحنجرة بن الحكم بن عقيل بن الطفيل بن مالك في الإسلام:
قضينا الجون عن عبس وكانت منية معبد فينا هزالا
الخ، وأخبارهذا الرجل كثيرة وابنه قحافة بن عوف بن الأحوص من سادات بني عامر وفرسانهم وشعرائهم، وهو القائل:
وكنت إذا منيت بخصم سوء دلفت له بداهية رقاع
واسم فرسه العصا وهو فارس العصا، قاله الجاحظ في البيان والتبيين(3)، ثم يذكر ما يخالف هذا القول وسنذكره في ترجمة عمه شريح.
وسراقة بن عوف بن الأحوص من فرسانهم وأبطالهم وشعرائهم، مقدم في بني عامر أدرك الإسلام ولم أعرف له إسلاما وفي شعره ما يشهد بأنه من ملاحدة العرب كقريش وثقيف.
ففي الأغاني(4): حدثني حنظلة بن قرطب بن أياد أحد بني أبي بكر بن كلاب، قال: لما أصاب عامر بن الطفيل ما أصابه، بعث بنوا عامر لبيداً وقالوا
(1) الأغاني 10/39. (2) أحد ملوك كندة.
(3) البيان والتبيين 3/47. (4) الأغاني 12/132.
(150)
له: أقدم لنا على هذا الرجل فأعلم لنا علمه فقدم عليه فأسلم وأصابه وجع هناك شديد من حمى فرجع إلى قومه بفضل تلك الحمى وجاءهم بذكر البعث والجنة والنار، فقال سراقة بن عوف بن الأحوص:
لعمر لبيد إنه لابن أمه ولكن أبوه مسه قدم العهد
دفعناك في أرض الحجاز كأنما دفعناك فحلا فوقه قرع اللبد
فعالجت حماه وداء ضلوعه وترنيق عيش مسه طرق الجهد
وجئت بدين الصابئين تشوبه بألواح نجد بعد عهدك من نجد
وإن لنا دارا زعمت ومرجعا وثم أياب القارضين وذو البرد