موسوعة بطل العلقمي

BOOK_NAME : موسوعة بطل العلقمي

author : تأليف سماحة آية الله المحقق الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر قدس سره
publisher : مؤسسة الشيخ المظفر الثقافية العراق النجف الاشرف مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان

 

 

 

 

 

 

 

(4) مضر بن نزار الملقب بمضر الحمراء:

وجدير بالذي أفتخر به أن يعطس شامخا، ويتنحنح باذخا، ويلمس السماء قاعدا، ويتناول الثريا ساجدا.

قال ذلك العربي الشاعر، بل الاديب الساحر الذي خلب بعذوبة شعره وسلب العقول برشاقته، ومهما بالغ في الأفتخار فالشعر أعذبه أكذبه:

إذا مضر الحمراء كانت أرومتي وقام بنصري حازم وابن حازم

عطست بانف شامخ وتناولت يداي الثريا قاعدا غير قائم

وفي بائية الناشئ:

وفي مضر يستجمع الفخر كله إذا اعتركت يوما زحوف المقانب

لا غزو لو أستجمعت المفاخر كلها في مضر، وهل المفاخر إلا مواهب يفيضها الله تعالى على من يشاء من عباده؟ إنا على أي الحالين قلنا على رأي الأشاعرة ومن أستمد من آرائهم الحجرية التي جمدت على قلوب معتقديها بحصر الأفعال كلها بالإرادة وإحالتها جميعا على القضاء وعليه فلا مانع دون الفيوض الإلهية والمواهب الربانية، أم على رأي المعتزلة وانحرافهم عن الجادة السمحاء بمنع آثار القدرة وما اخالها إلا عقائد مادية ونزعة فلسفية تبتني على مذهب النشأ والارتقاء بإحالة صدور الافعال من الفيض الاعلى بدعوى استقلال العبد بايجاد عامة الافعال ، . . . وهذا مع كونه بديهي القساد اذ عليه ان لا ينبغي للانسان الوقوع بالخطر، وعلى كل فلا مانع من وجود استعداد عظيم وقابلية مهمة تبعث صاحبها على الاتيان بصالح الاعمال وعلى رأي الامامية وهو الطريق المعتدل والواسطة بين التفريط والافراط بان الانسان بين الاختيار المطلق والجبر المطلق، وعلى هذا المذهب الصحيح الذي يعضده الحس ويشهد له الوجدان ام مضر بن نزار تفرد من ناحية الفيض الرباني عن اقرانه بماحباه الله به الخصال الحسنة، وتميز على معاصريه بما اكتسبه من الفضائب التي دلته عليها الغرائز الفطرية فاصبح بمعونة هذين الامرين فريد وقته ونادرة عصره، واليها انتهى مجد العدنانية وفخر المعدية فكانت له الرئاسة والزعامة على كافة ولد عدنان وله اعظم مكرمة واجل منقبة نال بها شرف المحيا والممات ما حواه صلبه وتلألأت به غرته الغراء من نور سيد البشر وخاتم الانبياء نبينا محمد صلى الله عليه وأله.

ففي السيرتين الحلبية والدحلانية (1) فلفض الاخير جاء : ان مضر انما سمي

(1) 1/13 هامش السيرة الحلبية.

(36)

مضرا لانه كان يمضر القلوب اي يأخذها لحسنه وجماله، ولم يره احد الا احبه وكان يشاهد في وجهه نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن كلامه: خير الخير اعجله فاحكموا انفسكم على مكروهها واصرفوها عن هواها فيما افسدها فليس بين الصلاح والفساد الا صبر فواق وهو ما بين الحلبتين، وهو اول من حدى لابل وكان من احسن الناس صوتا، ويقال له : مضر الحمراء، وقبره بالروحاء .

وقال ابن واضح (1) : واما مضر بن نزار فسيد ولد ابيه وكان كريما حكيما. وقال الفيروز ابادي في القاموس مادة مضر ومعناه اللبن الحامض ما لفظه : ومضر بن نزار كزفر ابو قبيلة وهو مضر الحمراء، سمي به لولعه بشرب اللبن الماضر وقال في مادة حمر، ومضر الحمراء لانه اُعطى الذهب من ميراث ابيه وربيعة اُعطى الخيل او لان شعارهم في الحرب الرايات الحمراء، انتهى.

فذكر لتسمية مضر وجوها اربعة اشهرها عند المؤرخين اختصاصه بالحمر من الاموال.

قال المسعودي في اثبات الوصية (2) : انما سمي مضر لأنه اخذ بالقلوب فلم يره الا احبه، وكان صاحب قنص وصيد، وكان كل واحد منهم – يعني اجداد النبي صلى الله عليه وآله وسلم – يأخذ على ابنه ان لا يتزوج الا اطهر النساء في زمانه، وكانت الكتب تعلق في البيت الحرام فلم تزل معلقة من لدن اسماعيل الى ايام الفيل .

وقال الديار بكري في تاريخ الخميس (3) : وتزوج نزار امراة يقال لها عبيدة فولدت له مضر، وكان مسلما على ملة ابراهيم وفيه نور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانما سمي مضر لانه اخذ بالقلب، ولم يكن يراه احد الا احبه ، يقال: انه هو اول من سن الحداء للابل، وكان من احسن الناس صوتا وقيل : بل اول من سن الحداء للابل عبدٌ له ضرب مضر يده ضربا وجيعا، فقال : يا يداه يا يداه، فشرع يحدو وكان حسن الحداء.

وفي الاكتفاء : ولد نزار بن معد اربعة بنين: مضر وربيعة وأنمار وأياد، واليه دفع ابوه حجابه الكعبة فيما ذكره الزبير، وامهم سودة بنت عك بن عدنان، وقيل: هي ام مضر خاصة، وام اخوته الثلاثة شقيقتها بنت عك بن عدنان، وقيل : ان أيادا شقيق لمضر، امهما معا سودة.

وقد ذكر هو والحلبي وغيرهما احاديثا من طرقهم تصرح بإسلامه.

(1) تاريخ اليعقوبي 1/168 . (2) إثبات الوصية : ص 74 .

(3) تاريخ الخميس 1/ 167.

(37)
وهنا قصة نزفها للقراء وإن طالت لما فيها من الفوائد على دلالة صدق الحدس وإصابة حسن الفراسة، وإنها تدل على نباهة مضر وإخوته وذكائهم المفرط، وهي مشهورة عند المؤرخين ذكرها الميداني والماوردي والدياربكري والدميري وأبو الفرج ابن الجوزي وغيرهم، ونصها:
أنه لما حضرت نزار بن معد الوفاة قسم ماله بين بنيه وهم أربعة مضر وربيعة وأياد وأنمار، وقال: يا بني! هذه القبة وهي من آدم حمراء وما أشبهها من المال لمضر، وهذا الخباء الأسود وما أشبهه من المال لربيعة، وهذه الخادم وما أشبهها من المال لأياد وهذه البدرة والمجلس لأنمار يجلس فيه.
ثم قال لهم: إن أشكل عليكم الأمر في ذلك وأختلفتم في القسمة فعليكم الأفعي بن الأفعي الجرهمي.
وإنه لما مات نزار توجهوا إلى الافعي وكان ملك نجران فبينما هم يسيرون إذ رأى مظر كلاء قد رعي، فقال: إن البعير الذي رعي هذا أعور، فقال ربيعة وهو أزور، وقال أياد: هو أبتر، وقال أنمار: هو شرود، فلم يسيروا إلا قليلا حتى لقيهم رجل فسألهم عن البعير، فقال مضر: أهو أعور؟ قال نعم، فقال ربيعة: أهو أزور؟ قال نعم، وقال أياد: أهو أبتر؟ قال: نعم، وقال أنمار أهو شرود؟ قال نعم، هذه صفة بعيري دلوني عليه فحلفوا أنهم ما رأوه، فلزمهم وقال: كيف أصدقكم وأنتم تصفون بعيري بصفته، ثم سار معهم حتى قدموا نجران ونزلوا بالأفعي الجرهمي.
فنادى الشيخ صاحب البعير: هؤلاء أصابوا بعيري فإنهم وصفوا لي صفته ثم قالوا: لم نره أيها الملك.
فقال الافعي: كيف وصفتموه ولم تروه؟
فقال مضر: رأيته رعى جانبا وترك جانبا، فعلمت أنه أعور.
وقال ربيعة: رأيت إحدى يديه ثابتة الأثر فعلمت أنه أفسدها بشدة وطئه لأزوراه.
وقال أياد: رأيت بعره مجتمعا فعلمت أنه أبتر ولو كان ذيالا لمصع به.
وقال أنمار: رأيته رعى الملتف نبته ثم جاوزه إلى مكان آخر أرق منه فعلمت أنه شرود.
فقال الأفعي للشيخ: ليسوا بأصحاب بعيرك، فأطلبه. ثم سألهم من هم؟ فأخبروه، فرحب بهم ثم قال: أتحتاجون إلي وأنتم كما
(38)
أرى؟ فدعى لهم بطعما وشراب فأكلوا وشربوا.
فقال مضر: لم أر كاليوم خمرا اجود لولا أنها نبتت على مقبرة.
وقال ربيعة: لم أر كاليوم لحما أجود لولا أنه ربي بلبن كلبة.
وقال أياد: ولم أر كاليوم رجلا أسرى لولا أنه ليس بابن الذي يدعى إليه.
وقال أنمار: لم أر كاليوم خبزا أجود لولا أن التي عجنته حائض.
وكان الأفعي قد وكل بهم من يستمع كلامهم، فأعلمه بما سمع منهم، فطلب صاحب شرابه وقال له الخمر وما قصتها؟ وقال: هي من كرمة غرستها على قبر أبيك لم يكن عندنا شراب أطيب منه.
وقال للراعي: اللحم ما أمره؟ قال: من لحم شاة أرضعتها بلبن كلبة ولم يكن في الغنم أسمن منها.
فدخل داره وسأل الأمة التي عجنت العجين فأخبرته أنها حائض.
ثم أتى أمه وسأل منها عن أبيه، فأخبرته أنها كانت تحت ملك لا يولد له فكرهت أن يذهب الملك فمكنت رجلا نزل بهم من نفسها فوطأها فأتت به.
فتعجب من أمرهم ودس إليهم من سألهم عما قالوا، فقال مضر: علمت أنها من كرمة غرست على قبر لأن الخمر إذا شربت ازالت الهم وهذه خلاف ذلك لانا لما شربناه دخل علينا الغم.
وقال ربيعة: إنما علمت أن اللحم لحم شاة رضعت من كلبة لأن لحم الضأن وسائر اللحوم شحمها فوق اللحم إلا الكلاب فإنها عكس ذلك فرأيته موافقا له في الصفة فعلمت أنها لحم شاة رضعت من كلبة فأكتسب اللحم منها هذه الخاصية.
وقال أياد: إنما علمت أن الملك ليس بابن أبيه الذي يدعى له لأنه صنع لنا طعاما ولم يأكل معنا فعرفت ذلك من طباعه لأن أباه لم يكن كذلك.
وقال أنمار: إنما علمت أن الخبز عجنته حائض لأن الخبز إذا فت انتفش في الطعام وهو بخلاف ذلك فعلمت أنه عجين حائض.
فأخبر الرجل الأفعي فقال: ما هؤلاء إلا شياطين، ثم أتاهم فقال: قصوا قصتكم فقصوا عليه ما أوصاهم به أبوهم عند أختلافهم.
فقال: ما أشبه القبة من مال فهو لمضر فصارت له الدنانير والإبل وهي حمر، فسمي مضر الحمراء.
(39)
ثم قال: وما أشبه الخباء الأسود من دابة ومال فهو لربيعة فصارت له الخي
ل وهي دهم فسمي ربيعة الفرس.
ثم قال: وما أشبه الخادم وكانت شمطاء من مال لأياد فصارت له الماشية البلق من خيل وغيرها.
وقضى لأنمار بالدراهم والأرض فساروا من عنده، إنتهى.


أولاد مضر


لم يكن لمضر غير رجلين أحدهما إلياس والثاني الناس وهو عليلان عن ابن إسحاق، وعند غيره عيلان هو قيس بن الناس بن مضر وهو المشهور عند عموم العرب.
(5) إلياس بن مضر:
رأس العدنانية بعد أبيه مضر وزعيمها المطاع، في بائية الناشئ:
ولليأس كان إليأس منه مقارنا لأعدائه قبل اعتداد الكتائب
كان إلياس بن مضر مطاعا في العرب لايرد له رأي، ولما استلم زمان الرئاسة بعد أبيه مضر نهض بأعبائه نهوضا حسنا، وازداد مجده، وتضاعف سؤدده، وهابته العرب وعظمته، وألقت إليه ازمة الطاعة، وأعترفت له بالسيادة، وأذعنت لجودة رأيه فأستكانت خاضعة، فجدد لها سنن إبراهيم الخليل «عليه السلام» بعد أن تركتها حثبا، وبل من شرفه عند العرب أن سمت داء الحبن أو داء الاستسقاء داء إلياس لأنه توفي فيه.
وقال ابن واضح في تاريخه(1): كان إلياسبن مضر قد شرف وبان فضله، وكان أول من أنكر على بني إسماعيل وما غيروا من سنن آبائهم، وظهرت منه أمور جميلة رضوا به رضا لم يرضوا بأحد من ولد إسماعيل «عليه السلام» فكانت العرب تعظم إلياس تعظيم أهل الحكمة.
وقال علي دده الحنفي في كتاب محاضرات الأوائل والاواخر(2) ولفظه: وأول من أهدى البدن إلى بيت إلياس بن مضر، وكان يسمع تلبية النبي (ص) في
(1) تاريخ اليعقوبي 1/187. (2) محاضرات الأوائل والأواخر:ص60.
(40)
صلبه، وهو ول من وضع مثام إبراهيم للناس بعد الطوفان ولم تزل العرب تعظمه، وقال رسول الله (ص): لا تسبوا إلياس بن مضر وهو من مؤمني أهل الفترة.
وذكر الحلبي والدحلاني الشافعيان، ولفظ الأخير(1): وتواتر أن جده (ص) إلياس كان يسمع من صلبه تلبية رسول الله (ص) المعروفة في الحج وكان كبيرا عند العرب يدعونه سيد العشيرة، ولا يقضون أمرا دونه، وهو أول من أهدى البدن، وجاء في الحديث: «لا تسبوا إلياس فإنه كان مؤمنا»، وكان في العرب مثل لقمان الحكيم في قوله.
وقال الديار بكري في تاريخ الخميس: وتزوج مضر خزيمة فولدت له إلياس بكسر الهمزة عند ابن الأنبارب، وبفتحها عند قاسم بن حبيب، وإنما سمي إلياس لأن مضر كان قد كبر ولم يولد له ولد فولد له على الكبرو إلياس فسماه إلياس، ثم ذكرمثلما ذكروا، وقال : إن العرب كان تتعظمه تعظيم أهل الحكمة كالقمان واشباهه، وكان بدعى كبير قومه وسيد عشيرته، ولا يقطع أمر ولا يقضي دونه.
وفي الاكتفاء: فولد مضر بن نزار إلياس بن مضر وعيلان بن مضر، قال الزبير: أمهما الخشفاء بنت اياد بن معد، وقال ابن هشام: أمهما جرهمة، ولما أدرك إلسا ابن مضر أنكرعلى بني إسماعيل ما غيروا من سنن آبائهم وسيرهم وبان فضله عليهم، وألان جانبه لهم حتى جمعهم وردهم على سنن آبائهم وهو أول من أهدى البدن إلى البيت أو اهديت في زمانه، وأول من وضع الركن للناس بعد هلاكه حين غرق البيت وانهدم زمن نوح «عليه السلام» ففكان أول من سقط عليه إلياس أو في زمانه فوضعه في زاوية البيت للناس، وم نالناس من يقول إنما هلك الركن بعد إبراهيم وإسماعيل وهو الأشبه إن شاء الله.
قال الطبري في تاريخه(2): أمه الرباب بنت حيدة بن معد، وإن أخاه لأمه الناس وهو عيلان.
وقال ابن واضح (3): كان إلياس قد أصاله السل، فقالت خندث امراته: لئن هلك لا أقمت ببلد مات فيه، وحلفت أن لا يظلها بيت، وأن تسيح في الأرض، فلما خرجت سائحة في الأرض حتى هلكت حزنا، عليبه وكانت وفاته يوم الخميس، فكانت تبكيه، وإذا طلعت الشمس في ذلك اليوم بكت حتى تغيب، فصارت مثلا.
(1) السيرة الدحلانية بهامش السيرة الحلبية 1/11.
(2) تاريخ الطبري 2/189 طبعة أولى. (3) تاريخ اليعقوبي 1/187.
(41)
قيل لرجل من أياد هلكت أمرأته: ألا تبكيها؟ فقال:
ولو أنه أغنى بكيت كخندق على إلياس حتى ملها السر تندب
إذا مونس لاحت خراطيم شمسه بكت غدوة حتى ترى الشمس تغرب
مونس: يوم الخميس عند العرب القدماء.
وفي حياة الحيوان(1): أسفت عليه زوجه خندف أسفا شديدا، وحرمت الرجال والطيب، ونذرت أن لا تقيم ببلدة مات فيها، ولا يأويها بيت، فلم تزل سائحة حتى هلكت حزنا.
وكانت وفاته يوم الخميس فنذرت أن تبكيه كلما طلع الشمس يوم الخميس حتى تغيب الشمس، إنتهى.
والرباب زوجة الحسين بن «عليهما السلام» وإن لم تسح في الأرض لكنها أبت أن يظلها ظل في حر وفي برد وتنوح كل يوم تطلع في الشمس إلى أن تغيب. للمؤلف:
فإن تك ليلى بنت حلوان فاتها من إلياس نجم من نجوم المكارم
فإن ابنة الكلبي في يوم كربلا لقد فقدت شمس الضحى بابن فاطم
فإن تك ساحت في البسيطة خندف وناحت لفقد إلياس نوح الحمائم
فإن ابنة الكلبي طول حياتها أليفة نوح وانعقاد مآتم
أولاد إلياس ثلاثة بأتفاق النسابين وهم: مدركة وطابخة وقمعة، وهذه ألقاب لهم، وستعرف أسمائهم في ذكر مدركة.

(6) مدركة لن إلياس بن مضر:


كان مدركة واسمه همرو على الراجح ويقال عامر من سادات العرب وأشراف أهل اللسان الفصيح، وكان جوادا شجاعا فصيجا حسن الوجه، حلو الشمائ كريم السجايا والطباع، م الفضائل ممدوحا عند العرب، في بائية
الناشئ:
ومدركة لم يدرك الناس مثله أعف وأعلى عن المكاسب
وفي السيرة الحليية(2): قيل له مدركة لأنه أدرك كل عز وفخر وكان في آبائه، وكان فيه نور رسول الله (ص).
(1) حياة الحيوان للدميري 1/112. (2) السيرة الحلبية 1/28.
(42)
وقال ابن واضح(1): كان مدركة ابن إلياس سيد ولد نزار قد بأن فضله وظهر مجده.
وفي تاريخ الخميس(2): فتزوج إلياس بن مضر أمرأة يقال لها مخة.
وفي حياة الحيوان(3): (خندف) فولدت له مدركة، وكان اسمه عامر.
وقال ابن إسحاق(4): ويقال عمرو، وإنما سمي مدركة لأنه أدرك كل عز آبائه، وفيه نور رسول الله (ص).
وقال الطبري في التاريخ(5): اسمه عمرو وأمه خندف، وربيعة ليلى بنت حلوان ابن عمران بن إلحاف بن قضاعة، وأمها ضرية بنت ربيعة بن نزار، قيل: بها سمي حمى ضربة.
وإخوة مدركة لأبيه وأمه:عامر وهو طابخة وعمرو وهو قمعة.
ويقال: إنه أبو خزاعة.
فعن ابن إسحاق إنه قال: إن أم بني إلياس خندف وهي أمراة من أهل اليمن فغلبت على نسب بنيها فقيل: بنو خندف.
قال: وكان إسم مدركة عامرا وإسم طابخة عمراة.
ثم قال عن الكلبي: خرج إلياس في نجمعة له فنفرت إبله من أرنب فخرج اليها عمرو فأدركها وأخذها عامر فطبخها، فسمي طابخة وانقمع عمير في البخاء فلم يخرج فسمي قمعة، وخرجت أمهم تمشي، فقال لها إلياس: أين تنخدفين؟ فسميت خندف، والخندفة ضرب من المشي.
وقال قصي بن كلاب:
أمتي خندف وإلياس أبي
قال: وقال إلياس لعمرو وابنه:
إنك قد أدركت ما طلبتا
ولعامر:
وأنتن قد أنضجت ما طبختا
(1) تاريخ اليعقوبي 1/ 188. (2) تاريخ الخميس 1/169.
(3) حياة الحيوان. (4) سيرة ابن هشام.
(5) تاريخ الطبري 3/189.
(43)
ولعمير:
وأنت قد أسأت وانقمعتا
... إنتهى.
وقريب من هذا في تاريخ ابن الأثير(1)، وقال إسمه عمرو ويكنى أبا هذيل ويقال: أبا خزيمة.
اولاده(2): عند ابن إسحاق إنه له ولدين أحدهما خزيمة والثاني هذيل.
وذكر ابن عبد البر في الإنباه على أسماء الرواة(3): إن أمهما هند بنت وبرة أخت كلب بن وبرة.

(7) خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر:


كان خزيمة عظيم الرياسة ضخم الشرف محكم العقل ذا حنكة وتجارب ورفق وأناة وكان من حكام العرب والقضاة المشهورين فيهم لا ترد له قضية قضاها، ولا يخالف له حكم حكم به، وكان من الأجواد الكرماء والخطباء ذوي اللسن والفصاحة، وأحد الشجعان الأبطال، وكان ظاهر الوسامة باهر الجمال، في بائية الناشيء:
ومن قبله أبقى خزيمة حمده تليد تراث عن حميد الأقارب
قال المسعودي في إثبات الوصية(4): إنما سمي خزيمة لأنه خزم نور آبائه
وقال ابن واضح في تاريخه (5): كان خزيمة احد حكام العرب ومن يعد له الفضل بالسؤدد.
وفي السيرتين الحلبية والدحلانية – ولفظ الاخير -: وخزيمة قيل انه تصغير خزمة وانما سمي ذلك لانه خزم اي جمع فيه نور النبي صلى الله عليه وآله الذي كان في آبائه.
وفي تاريخ الخميس (6) : فولد مدركة ابن الياس بن مضر نفرا منهم خزيمة بن مدركة وهذيل بن مدركة وامهما امرأة من قضاعة. قيل : هي سلمى بنت سود بن اسلم بن الحاف بن قضاعة ، وقيل اسم ام خزيمة قزيمة، وانما سمي خزيمة لانه خزم نو آبائه وفيه نور رسول الله صلى الله عليه وآله فبقي سنين لا يدري كف يتزوج حتى اُري
(1) الكامل في التاريخ 2 /13 الطبعة اولى .
(2) الإنباء على اسماء الرواه: ص 73 .
(3) إثبات الورصية: ص 73 . (4) تاريخ اليعقوبي 1/ 189 .
(5) السيرة الدحلانية 1/ 12 بهامش الحلبية . (6) تاريخ الخميس 1/ 170.
(44)
في منامه ان تزوج بره بنت طابخة فتزوجها ، وكانت يومئذ سيدة قومها في الحسن والجمال فولدت له كنانة.
وفي الاكتفاء : فولد خزيمة بن مدركة كنانة واسداً واسدة والهون، أُم كنانة منهم عوانه بنت سعد بن قيس بن عيلان بن مضر، وقيل : هند بنت عمرو بن قيس ابن عيلان، وام سائر بنيه بره بنت اخت تميم بن مر بن أد بن طابخة .
وفي تاريخ الطبري (1) : امه سلمى بنت اسلم بن الحاف بن قضاعة واخوه لابيه وامه وابيه ، واخوهما لامهما تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وقد قيل ان ام خزيمة وهذيل سلمى بنت سعد بن ربيعة .
وقال ابن الاثير (2) : خزيمة يكنى ابا اسد وامه سلمى ابنه اسلم بن الحاف بن قضاعة واخو خزيمة لابيه وامه هذيل، وقيل : امهما سلمى بنت اسد بن ربيعة ، وخزيمة هو الذي نصب هبل على الكعبة فكان يقال له هبل خزيمة، انتهى.
وهذه احدى سيئات التاريخ واغلاطه الباطلة وليس في سلسلة آباء النبي صلى الله عليه وآله غير موحد وكلهم من اهل الايمان كما اثبتنا ذلك في كتابنا "السياسية العلوية شرح عهد امير المؤمنين للأشتر" وفي كتابنا "الميزان الراجح" وليس هذا موضع ذكره .
قال البوصيري في الهمزية :
لم تزل في ضمائر الكون تختار لك الامهات والآباء
فكيف يختار الله لنبيه أباً عابد صنم؟.
وقال ابن ناصر الدمشقي الشافعي:
تنقل احمد نورا عظيما تلألأ في جباه الساجدينا
تنقل فيهم قرناً فقرناً إلى أن جاء خير المرسلينا
اترى الساجدين الذين تنقل فيهم ساجدين للاصنام ام ساجدون لرب الانام؟
للمؤلف.
ألا إحذر غلطة التاريخ وأنظر الى التاريخ في عين البصيره
فرب خطيئة صغرت ولكن إذا ما حققت كانت كبيرة
ومهما تركب الأخطار فأحذر فما يدري مخالطها مصيره
وليس بعاقل من رام سيراً بلا هاد ببادية خطيرة
(1) تاريخ الطبري 2/ 13 . (2) الكامل في التاريخ 2/ 188 .

(45)
ذكرنا ولد خزيمة طردا ولا حاجة الى التطويل، وارجع كتب الانساب في تفاصيل البطون والقبائل/ وخزيمة هذا إسمه لا خلاف في ذلك.

(9) كنانة بن خزيمة بن مدركة:


حاز كنانة شرفا أربى على كل شرف، وامتاز بمآثر مجد جديدة أبقاها لأعقابه مفخراً، وقد اكتسبها بجده ومساعيه وحصلها بجهوده العظيمة، فضم إلى كرم الآباء ومآثر الأسلاف فضائل النفس ونتائج الاعمال الصادقة والافعال الصالحة، فأصبح محبوبا للعرب باخلاصه وتفانيه في سبيل تخليد مجدهم، وبما منحه الله تعالى من صدق الفراسة والحدس وحسن الذكاء والفطنة اصبح حكما وحكيما للعرب تقصده خاصتها وعامتها للاستفادة من فضائله وفواضله، فمن راغب في الحكميات، ومن طالب لفصل الخصومات، ومستجد للنوال، ومستجير من عاديات الرجال، في بائية الناشئ:
لعمري لقد ابقى كنانة قبله محاسن تأبى أن تطوع لغالب
ذكر الحلبي والدحلاني في سيرتهما- ولفظ الأخير(1)-: ومن ذلك ما نقل عن جده (ص) كنانة بن خزيمة أنه كان شيخا عظيما تقصده العرب لعلمه وفضله، وكان يقول: قد آن خروج نبي من مكة يدعى أحمد، يدعو إلى الله وإلى البر والإحسان ومكارم الأخلاق فأتبعوه تزدادوا شرفا وعزا إلى عزكم، ولا تفندوا ما جاء به فهو الحق.
وقال ابن واضج في تاريخه(2): وظهر فيي كنانة بن خزيمة فضائل لا يحصى شرفها وعظمتها، فروي أن كنانة أتى وهو نائم في الحجر فقيل له: تخير يا أبا النضر بين الصهيل والهدر أو عمارة الجدر أو عز الدهر، قال: كل هذا يا رب فاعطينه.
زاد في تاريخ الخميس(3): فصار كل هذا في قريش.
وذكر قبل هذا(4) ما لفظه: وفي كنانة نور رسول الله (ص)، وإنما سمي كنانة لأنه لم يزل في كن من قومه، تزوج كنانة ريحانة فولدت له النضر ابن كنانة.
وقال ابن الأثير في التاريخ(5): يكنى أبا النضر، وأم كنانة عوانة بنت سعد بن قيس عيلان، وثيل: هند بنت عمرو بن قيس، وإخوته لأبيه أسد وأسدة،
(1) السيرة الدحلانية 1/11. (2) تاريخ اليعقوبي1/191.
(3) تاريخ الخميس 1/171. (4) تاريخ الخميس 1/170.
(5) الكامل في التاريخ 2/12.
(46)
ويقال : إنه أبو جذام والهون وأمهم برة بنت مر وهي أم النضر، خلف عليها بعد أبيه، إنتهى.
وهذه أيضا إحدى خطيئات المؤرخين وتبع على هذا الغلط الفاضح ابن قتيبة في المعارف(1): ولا يصح هذا لأمور:
أولا: لما ثبت وصح عن عائشة وغيرها أن أقسام النكاح في الجاهلية أربعة واحد منها كنكاح الإسلام وهذا خاص بآباء النبي، ذكرنا ذلك في بعض كتبنا.
وثانيا: لما صح وتواتر من قوله (ص): «ولدت من نكاح ولم يصبني سفاح أهل الجاهلية»، ونكاح المقت هو أن يخلف الرجل على زوجة أبيه من أقبح نكاح الجاهلية.
وثالثا: لما ذكر سابقا من توصية الآباء للابناء وحثهم على الاحتياط في التزوج بالعفاف مبالغة في طهارة المولد وهذا الاحتياط والتشدد لا ينبغي أن يكون بحسب الفطرة والارتكاز الجبلي، فإن العرب لا تنفر من أكثر من ذلك النكاح وإنما تشددوا في الاحتياط لعلمهم بأن النبي المبعوث آخر الزمان من سلالتهم فأحتاطوا لذلك السبب.
رابعا: الإلهامات والمنامات التي أيد بها هؤلاء الآباء الكرام تمنع من ارتكابهم لهذه الانكحة الفاسدة ويكفيك ما سمعته من هذه التراجم.
خامسا: نشأ هذا القول الفاسد من الارتباك في فهم الروايات لأنه ورد في أزواج خزيمة برة، وفي أزواج كنانة أيضا برة، وخلط بعض إدراك فظن بعض من لا إدراك عنده أنها واحدة فترسل في الأخبار عن ذلك، وتصدى بعض من لا تحقيق له فقال: إنه خلف على زوجة أبيه ونكحها نكاح مقت لكنها ليست أم النضر، وغرضه بهذا سلامة نسب النبي من نكاح المقت وهذا الجواب لا يشفي الغليل.
بل الجواب الفصل أن الامرأتين اشتركتا في الاسم وأختلفتا في الذات فكانت العمة وهي برة بنت مر تحت خزيمة، وابنة أخيها برة بنت تميم بن مر تحت كنانة، وهذا الجواب حكاه في تعليقة المعارف عن الجاحظ في كتاب الأصنام، ولكنه شوهه بالاعتراف في تزويجه زوجة أبيه ووهو خطأ لا شك فيه للعلم بأن هؤلاء الآباء الكرام على دين إبراهيم، وليس من دينه نكاح المقت، فأفهم.
(1) المعارف: ص30.
(47)
أما أولاد كنانة فأربعة على المشهور: النضر ومالك وملكان وعبد مناة.
وذكر ابن عبد البر في كتاب الإنباه(1) عن ابن الكلبي: أنهم أكثر من عشرة ولكن لم يذكر أسمائهم.
(9) النضر بن كنانة:
اعتلا شرف النضر على شرف آبائه اعتلاء مفرطا وفاق كل عربي في عصره بجميع سمات الفضل ومزاياه، وبلغ من اسؤدد المرتبة السامية حتى أن عظماء الملوك تسعى في توطيد رئاسته وتوكيد وثائق سيادته، في بائية الناشئ:
وللنضر طول يقصر الطرف دونه بحيث التقى ضوء النجوم الثواقب
والنضر هو قريش على الراجح من الأقوال.
قال الداوودي في عمدة الطالب(2): وإنما سمي النضر لأن الله تعالى اختاره وألبسه نضرة وسمي النضر قريشا، فكل من ولد النضر قرشي وهو الذي قا: رأيت كأنما خرجت من ظهري شجرة خضراء حتى بلغت عنان السماء، وإن أغصانها نور في نور، فلما انتبهت أتيت الكعبة وأخبرت من فيها بذاك، فقالوا: إن صدقت رؤياك صرف إليك العز والكرم، وخصصت بالحسب والسؤدد، فأعطاه الله تعالى ذلك، ونظر الله تعالى نظرة إلى الأرض فقال لملائكة: أنظروا من أكرم أهل الأرض اليوم عندي وأنا اعلم وأحكم، فقالت الملائكة: ربنا وسيدنا! ما نرى أحدا يذكرك بالوحدانية مخلصا إلى نورا واحدا في ظهر رجل من ولد إسماعيل، فقال الله تعالى: إشهدوا اخترته لنطفة حبيبي محمد، قال: فبسط له الحرم بالعز والشرف.
وقال الدياربكري في تاريخ الخميس(4): إسمع قيس، وإنما سمي النضر لنضارة وجهه وجماله.
وفي المنتقى: هو الذي اختاره الله بالسبط وسماه وكل من ولده الظر فهو قرشي ومن لم يلده النظر فليس بقرشي، الخ.
وفي السيرتين الحلبية والدحلانية – ولفظه(5)-: والنضر إنما لقب به لنضارة
(1) الإنباه: ص67. (2) عمدة الطالب: ص11 طبع الهند.
(3) إثبات الوصية: ص74. (4) تاريخ الخميس: 1/ 170.
(5) السيرة الدحلانية 12/1.
(48)
وجهه وإشراقة وجماله من نور النبي (ص).
وقال أبو حنيفة الدينوري في الأخبار الطوال(1) في أخبار الاسكندرية ما لفظه: وسار إلى تهامة وسكان مكة يومئذ خزاعة قد غلبوا عليها، فدخل عليه النضر بن كنانة، فقال له الاسكندر: ما بال هذا الحي من هزاعة نولا بهذا الحرم؟ ثم أخرج خزاعة من مكة وأخلصه للنضر ولبني أبيه، وحج الاسكندر بيت الله الحرام وفرق في ولد معد بن عدنان القاطنين بالحرم صلات وجوائز.
وقال ابن الأثير في تاريخه(2): يكنى أبا يخلد، كني بابنه يخلد(3) واسم النضر قيس، وقيل: إن النظر بن كنانة كان إسمه قريشا، وقيل: لما جمعهم ثيل لهم قريش، والتقرش التجمع، وقيل: لما ملك قصي الحرم وفعل افعالا جميلة قيل له القرشي وهو أول من سمي به، وهو من الاجتماع ايضا، اي: لأجتماع الخير فيه، وقد قيل في تسمية قريش قريشا أقوالا كثيرة لا حاجة إلى ذكرها، وقصي أول من أحدث وقود النار في المزدلفة وكانت توقد على عهد رسول الله (ص) ومن بعده، وإنما قيل له النضر لجماله، وأمه برة ابنة مر بن أد بن طابخة أخت تميم بن مر، الخ.
ولم ينفرد ابن الأثير بالقول بأن قصيا هو قريش، هذا ابن عبد البر يذكر في الإنباه(4): ما نصه: وأختلفوا فيمن سميت له قريش قريشا، فقال قوم: إنما سميت كذلك لتجمعهم بمكة والتجمع التقرش، دليل ذلك قولأبي خلدة(5): اليشكري:
أخوة قرشوا الذنوب علينا في حديث من هرنا وقديم
وقال حذافة بن غانم العدوي:
أبوكم قصي كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من فهر
قال أبو عمر بن عبد البر: قصي إسمه زيد، وإنما قيل له قصي لأنه كان قاصيا عن قومه في قضاعة ثم قدم مكة، وقريش متفرقون فجمهم إلى الكعبة فسمي مجمعا.
ثم ذكر قولين أحدهما التسمية بقريش بن الحارث بن مخلد بن النضر بن كنانة، والثاني التسمية بالنضر نفسه.
ثم قال: قال اخرون: قصي كان يقال له القرشي، ذكر الواقدي أن عبد
(1) الأخبار الطوال: ص43. (2) الكامل في التاريخ 2/12.
(3) عامة النسابين يذكر مخلد، فلعله هنا كان تصحيفا.
(4) الإنباه: ص68. (5) أحسبه تصحيف أبي حلذة.
(49)
الملك بن مروان أل محمد بن جبير بن مطعم: لم سميت قريش قريشا؟ قال: لتجمها إلى الحرم بعد تفرقها، فقال عبد الملك: ما سمعت بهذا ولكني سمعت أن قصيا كان يقال له القرشي، ولم تسمى قريش قبله.
ذكر الواقدي أيضا عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: لما نزل صي الحرم وغلب عليه فعل أفعالا جميلة، فقيل له القرشي فهو أول من سمي بذلك.
وقال الواقدي: عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي الجهم قال: كان النضر بن كنانة يسمى القرشي.
وقال أبو اليقظان: سميت قريش قريشا لأنهم يقترشون في البياعات.
وعن أبي اليقظان ايضا قال: جاء النضر بن كنانى إلى قومه فقالوا: جاء كأنه جمل قرش، والقرش الشديد.
وقال العدوي التجمع: اصح ما فيه عندنا.
وقال أبو عمر: هذا هو المعول عليه، الخ.
وما صح لقريش تجمع إلا مع قصي بن كلاب فكان هو قريش على هذه الأقوال.
أولاد النضر بن كنانى
قال ابن الأثير في التاريخ (1) بعد قوله «أمه برة»: وإخوته لأبيه وأمه نضير ومالك وملكان وعامر والحرث وعمرو وسعد وعوف وغنم ومخزمة وجرول وغزوان وجدال، وأخوهم ولأبيهم عبد مناة وأمه فكيهة وهي الذفراء ابنة هنى بن بلى بن عمرو بن إلحاف بن قضاعة، وأخو عبد مناة لأمه علي ابن مسعود بن مازن الغساني، إلى آخر ما نذكره في ترجمة مالك.

(10) مالك بن النضر بن كنانة:


وقد ساد مالك بن النضر بني إسماعليل وترأس على سائر ولد عدنان، فعظم شرفه في العرب فأنقادوا به وأطاعوه، وكان جوادا كريما ملك القلوب بمكارمه وجودة أخلاقه، وهو قريش على بعض الأقوال التي ذكرها صاحب عمدة الطالب، وفي بائية الناشئ:
وما زال منهم مالك خير مالك وأكرم مصحوب وأكرم صاحب
قال الحلبي في سيرته(2): قيل له مالك لأنه ملك العرب، ومثله في إثبات
(1) الكامل في التاريخ 2/12. (2) السيرة الحلبية 1/18.
(50)
الوصية للمسعودي(1) وتاريخ الخميس للدياربكري(2).
وقال ابن واضح في تاريخه(3): كان مالك بن النضر عظيم الشأن.
وقال الطبري في تاريخه(4): وأمه عكرشة بنت عدوان وهو الحارث بن عمرو بن قيس عيلان في قول هشام، قال ابن إسحاق: أمه عاتكة بنت عدوان، وقيل: إن عكرشة لقب عاتكة بنت عدوان، وقيل: إن أمه هند بنت فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان، وكان لمالك أخوان يقال لاحدهما يخلد فدخلت يخلد في بني عمرو بن الحارث بن مالك بن كنانى فخرجوا من جماع قريش، والآخر منهما يقال له الصلت لم يبق من ذريته أحد، ثم ساق الكلام إلى سبب تسمية قريش قريشا. وقال ابن الأثير في التاريخ(5): وكنيته أبو الحارث وأمه عاتكة بنت عدوان وهو الحرث بن قيس عيلان ولقبها عكرشة، وقيل غير ذلك.
وساق كلاما أوردناه في ترجمة النضر وقال وأخوهم لأبيهم عبد مناة وأمه فكيهة وهي الذفراء ابنة هنى بن بلى بن عمرو بن إلحاف بن قضاعة، وأخو عبد مناة علي مسعود بن مازن الغساني، وكان قد حضن أولاد أخيه عبد مناة فنسبوا إليه، فقيل لبني عبد مناة بنو علي، وإياهم عنى الشاعر بقوله:
لله در بــــنــــي عـــــلــــــي أيـــم مــنـــهــــم ونـــاكــــح
وقيل: تزوج أمراة عبد مناة فولدت له وحضن بني عبد مناة فغلب على نسبهم، ثم وثب مالك بن كنانة على علي بن مسعود فقتله فواراه أسد بن خزيمة، إنتهى.
وفي الكلام سقط ظاهر فهو مالك بن النظر بن كنانة.

(11) فهر بن مالك بن النضر بن كنانة:


وهو الأصل الثاني لقريش قبل أن تسمى قريشا، فيقال لهم بنو فهروبنو النضر، أو هو قريش – على قول مشهور – ترأس فهر بعد أبيه مالك رياسة عامة وأزداد ملكة ضخامة واعتلا مجده وشرفه سناءا ورفعة، وإليه تنسب أعظم القبائل العربية فيقال الفهرية، وتوسمت سمات الخير والفضل عليه، وعرفت سجايا المجد منه في حياة أبيه فتوسم منه الخير في زمن الطفولية:
إن الهلال إذا رأيت نموه أيقنت أن سيصير بدرا كاملا
(1) إثبات الوصية ص 74. (2) تاريخ الخميس 1/171
(3) تاريخ اليعقوبي 1/193 (4) تاريخ الطبري 2/187
(5) الكامل في التأريخ 2/12
(51)
والفهر في لغة العرب: الهاون من الحجارة، سمي به الرجل ولأسباب أختارت العرب هذه الأسماء وذكرها هنا يؤدي بنا إلى الشذوذ.
وكان الفهر من العلماء والاجواد والشجعان الأبطال، وكان مظفرا في حروبه، منصورا على الخصماء، خدمته السعادة في حياته حتى مات، وهو قريش
في أحد الأقوال، في بائية الناشئ:
وكانت لفهر في قريش خطابة يعوذ بها عند اشتجار المخاطب
قال ابن واضح في تاريخه(1): وطهر في فهر بن مالك علامات فضل في حياة أبيه، فلما هلك أبوه قام مقامه، فيروى أن فهر بن مالك قال لابنه غالب حين حضرته الوفاة: أي بني! أن في الحذر انغلاق النفس وإنما الجزع قبل المصائب فإذا وقعت مصيبة ترتجز لها، وإنما القلق في غليانها فإذا قامت فبرد حر مصيبتك بما ترى من وقع المنية أمامك وخلفك وعن يمينك وعن شمالك، وما ترى في آثارها من محق الحياة ثم أقتصر على قليلك وإن قلت منفعته، فقليل ما في يدك أغنى لك من كثير مما أخلق وجه أن صار اليك.
وقال المارودي في أعلام النبوة(2): كان فهر في زمانه رئيس الناس في مكة وقصدها حسان بن عبد كلال في حمير وقبال اليمن ليهدم الكعبة وينقل أحجارها إلى اليمن ليبني بيتا في اليمن يجعل حج الناس إليه، فنزل نحلة وأغار على سرح مكة فسار إليه فهر في كنانة وأحلافهم من قبائل مضر فأنهزمت حمير وأسر الحارث بن بهر حسان بن عبد كلال فبقي في يد فهر ثلاث سنين أسيرا بمكة حتى فدا نفسه وخرج فمات بين مكة واليمن، فعظم بهذا الشأن فهر، وعزت قريش حين حمى مكة ومنع من هدم الكعبة.
وفي لفظ الحلبي بعد سياق القصة(3): فهابت العرب فهرا وعظموه وعلا أمره.
قال في تاريخ الخميس(4): فتزوج مالك بن النضر جندلة بنت الحارث بن جمدل بن عامر بن سعد بن الحارث بن مضاض الجرهمي فهي جرهمية وحادية عشرة من الجدات النبوية فولدت له فهر بن مالك وهو جما قريش عند الأكثر.
وفي الاكتفاء: إن قريشا هو إسمه الذي سمته به أمه ولقبته فهرا.
(1) أعلام النبوة: ص123.
(2) تاريخ اليعقوبي 1/233 «ط دار صاد».
(3) السيرة الحلبية 1/18. (4) تاريخ الخميس 1/172.
(52)
ومثله في تارخي الطبري(1): وأزداد قول أبو عبيدة معمر بن المثنى فيما ذكر عنه أن امه سلمى بنت أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، وقيل: إن أمه جميلة بنت عدوان من بارق من الأزد، وكان فهرفي زمانه رئيس الناس بمكة، ثم ذكر قصة حسان الحميري لكنه ذكر أن حفيد فهر وهو قيس بن غالب بن فهر قتل فيها.
وذكر ابن الأثير أنه كان بكنى أبا غالب، وأنه ناهض حسان الحميري بقريش وكنانة وخزيمة وأسد وجذام وغيرهم، الخ.
أولاد فهر
قال الحافظ بن كثير في البداية والنهاية(2): وولد فهر غالبا ومحاربا وحارثا وأسدا، وأمهم ليلى بنت سعد بن هذيل بن مدركة، قال ابن هشام: وأختهم لأبيهم جندلة بنت فهر.

(12) غالب بن فهر بن مالك:


ساد غالب بعد أبيه فهر وترأس بمكة ونال شرفا ومجدا، وكان من رجال العرب المبرزين وذوي النباهة والصيت، وكان من المبجلين المحترمين عند ملوك عصره، وهو الأصول الأول لقريش البطاح، وكان مفخرهم وعزهم ويجدون في الانتماء إليه مفخرة ويجدون في الحرب تحسبا إذا تنادوا يا آل غالب، وفي بائية الناشئ:
وفي غالب بأس أبي اليأس دونهم يدافع عنهم كل قرن مغالب
قال ابن واضح في التاريخ(3): فلما مات فهر، شرف غالب بن فهر وعلا أمره، الخ.
وكان خالد يكنى أبا تيم، نص عليه في سبائك الذهب. وفي سيرة ابن هشام وتاريخ الخميس: فولد فهر ملك غالبا ومحاربا والحارث وأسدا وأمهم جميعا ليلى بنت سعد بن هذيل بن مدركة.
وفي تاريخ الطبري: وأم غالب ليلى بنت الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل ابن مدركة، وغخوته من أبيه وأمه الحارث ومحارب وأسد وعوف وجون وذئب، وكانت محارب والحارث من قريش الظواهر، فدخلت الحارث الأبطح.
وأقتصر ابن الأثير على هذا اللفظ في تاريخه.
(1) تاريخ الطبري 2/186. (2) البداية والنهاية 2/ 203.
(3) تاريخ اليعقوبي 1/192.
(53)
وفي تاريخ ابن كثير: قال ابن إسحاق: فولد غالب بن فهرلؤي بن الب وتيم بن غالب وهم الذين يقال لهم بنو الأدرم، وأمهما سلمى بنت عمرو الخزاعي.
قال ابن هشام: وقيس بن غالب وأمه سلمى بنت كعب بن عمرو الخزاعي وهي أم لؤي

(13) لؤي بن غالب بن فهر:


كانت ملامح لؤي بن غالب ترجمان شرفه ولسادير غرته عنوان مجده، فكان يتوسم فيه الخير في عهد أبيه لذكائه وفطنته وجودة حدسه، ولما توفي أبوه وساد قومه لم يقتصر على مآثر الأسلاف ومفاخر الآباء التالدة، بل ضم إليها فضائل نفسية عصماء، وخير الفضائل المكتسبة بالمساعة الجليلة والمصلات النبيلة، وفي بائية الناشئ:
وألوى لؤي بالعداة فطوعت له همم الشم الأنوف الأغالب
قال ابن قتيبة في المعارف(1): وأما لؤي بن غالب فإليه ينتهي إليه عدد قريش وشرفها.
وقال ابن واضح في تاريخه(2): قد كان لؤي بن غالب سيدا شريفا بين الفضل، يروى أنه قال لأبيه غالب بن فهر – وهو غلام حدث – يا أبت! رب معروف قل أخلاقه ونصر، يا ابت! من أخلفه أخمله وإذا أخمل الشيء لم يذكر، وعلى المولى تكبير صغيرة ونشره، وعلى المولى تصغير كبيره وستره، فقال أبوه: يا بني! إني أستدل بما أسمع من قولك على فضلك، وأستدعي به الطول لك في قومك، فأن ظفرت بطول فعد به على قومك، وكف غرب جهلهم بحلمك ولم شعثهم برفقك فإنما يفضل الرجال الرجال بأفعالهم فإنها على أوزانها وأسقط الفضل ومن لم تعلو درجته على آخر لم يكن له فضل، وللعليا أبدا على السفى فضل، فلما مات غالب بن فهر قام لؤي بن غالب مقامه، إنتهى قوله.
«وعلى المولى تكبيره وعلى المولى تصغيره» والمولى الأول بصيغة إسم المفعول وهو الذي يأخذ عطاء المعطي فإنه يجب عليه عقلا تعظيمه ونشره حتى يرغب أهل الإحسان في الإحسان، والمولى الثاني بالكسر بصيغة إسم الفاعل وهو الذي يعطي ويبذل معروفه لغيره، ويجب عليه عقلا أن لا يعظمه ولا يبالغ في نشره فإنه يجر إلى المن، والمن يفسد الإحسان ويفوت بسببه المأمول من المدح والثناء
(1) المعارف: ص32.
(2) تاريخ اليعقوبي 1/193 (1/234) «ط دار صادر».
(54)
إن كان الغرض من البضل السمعة الدنياوية أو الأجر الأخروي، وقول الله تعالى: (لا تبطلوا صدقتكم بالمن والاذى)(1).
وقال الطبري في التاريخ(2): وأم لؤي فيما قال هشام عاتكة بنت يخلد بن النضر بن كنانة وهي أول العواتك التي ولدن رسول الله (ص) من قريش، وله أخوان من أبيه وأمه يقال لأحدهما تيم وهو الادرم – والدرم نقصان في الذقن، قيل: إنه كان ناقص اللحي – وقيس، قيل: لم يبق من قيس اخي لؤي أحد، وإن آخر من بقي منهم هلك زمان خالد بن عبد الله القسري فبقي ميراثه لا يدري من يستحقه.
وقد قيل: إن أم لؤي وإخوته سلمى بنت عمرو بن ربيعة وهو لحي بن خزاعة.
وفي تاريخ الخميس(3): فتزوج غالب وحشية بنت مدلج بن مرة بن عبد مناة ابن كنانة فهي كنانية وتاسعة الجدات النبويات فولدت له لؤيا تصغير لؤي وهو الثور.
وفي الاكتفاء: فولد غالب بن فهر لؤيا وتيما وهو الادرم وكان منقوص الذقن، وأمهما في قول ابن إسحاق سلمى بنت عمرو الخزاعي، وفي قول الزبير عاتكة بنت يخلد بن النضر.
وما زاد ابن الأثير على ما في الطبري يوى الكنية فإنه قال: يكنى أبا كعب.
أولاد لؤي بن غالب
قال ابن كثير في البداية والنهاية: قال ابن إسحاق: فولد لؤي بن غالب أربعة نفر: كعبا وعامرا وسامة وعوفا، قال ابن هشام: والحارث وهم جشم بن الحارث في هزان من ربيعة، وسعد بن لؤي وهم بنانة، وهم في شيبان بن ثعلبة، وبنانة وحاضنة لهم، وخزيمة بن لؤي وهم عائذة في شيبان بن ثعلبة، الخ.
تكرر ذكر يتمي الأدرم ورفعا للالتباس نذكر أن تيما هذا غير تيم بن مرة الآتي، فإن الأخير رهط أبي بكر والأول ابن خطل الذي اهدر النبي (ص) دمه ودم قينتيه اللتين تغنيان بهجاء النبي (ص) فقتل ابن خطل وإحدى القنتين، هكذا رأينا ابن خلدون يذكر في تاريخه العبر.
(1) البقرة: اية264. (2) تاريخ الطبري 2/186.
(3) تاريخ الخميس 1/172.
(55)
وفيث مناهد الالباب المصرية(1) ما لفظه: قد كان لماوية أمراة لؤي بن غالب أولاد منه، فقالت يوما: أي بنيك أحب اليك؟ قال: الذي لا يرد بسط يده بخل، ولا يلوي لسانه عجر – بالراء المهملة أي لكنة – ولا يلون طبيعته سفه، وهو أحد ولدك بارك الله فيكيعني كعب بن لؤي أحد أجداده (ص).